حكم ومواعظ للحسن البصري
د. أحمد عبدالوهاب الشرقاوي
د. أحمد عبدالوهاب الشرقاوي
حكم ومواعظ للحسن ا
كان - رحمه الله - يقول: الواعظ مَن وعظ الناس بعمله، لا بقوله.
وكان ذلك شأنه إذا أراد أن يأمر بشيء، بدأ بنفسه ففعله، وإذا أراد أن يَنهى عنشيء انتهى عنه.
وكان يقول: اتصل بي أن بعض الصالحين جعل على نفسه ألا يراه الله ضاحكًا حتى يعلم أي الدارَين داره: الجنة، أم النار؟ فيقول الحسن - رحمه الله -: لقد عزم - رحمه الله - فوفَّى بعزمه، وما رُئي ضاحكًا حتى لحق بالله - عز وجل.
وقيل: مرَّ الحسن برجل يضحك، فقال: يا بن أخي، جزت الصراط؟ فقال: لا، فقال: فهل علمت إلى الجنة تصير أم إلى النار؟ فقال: لا، فقال: ففيم الضحك - عافاك الله - والأمر هول؟! قيل: فما رئي الرجل ضاحكًا حتى مات.
ورأى الحسن قومًا يتضاحكون، ويتغامزون، ويتدافعون بعد انصرافهم يوم الفطر من صلاة الفجر، فقال: يا قوم، إن الله سبحانه جعل شهر رمضان مضمارًا لعباده، يستبقون الطاعة إلى رحمة الله، ويجتهدون في الأعمال ليفوزوا بدخول جنته، فسبق أقوام ففازوا، وقصر آخرون فخابوا، والعجب كل العجب للضاحك في اليوم الذي ربح فيه المحسنون، وخسر المبطلون.
أما - والله - لو كشف الغطاء لشُغل مُحسن بإحسانه ومسيء بإساءته عن تجديد ثوب وترجيل شَعر.
فإن كنتم - وفقكم الله - قد تقرَّر عندكم أن سعيكم قد قُبل، وعملكم الصالح قد رفع، فما هذا فعل الشاكرين! وإن كنتم لم تتيقنوا ذلك، فما هذا فعل الخائفين!
وكان يقول: ابن آدم، أقلِل الضحك؛ فإن كثرة الضحك تُميت القلب، وتزيل البهجة، وتسقط المروءة، وتزري بذي الحال.
وكان يقول: روي أن الله - سبحانه وتعالى - أوحى إلى عيسى - عليه السلام - يا عيسى، اكحل عينيك بالبكاء إذا رأيت الغافلين يضحَكون.
وعاد الحسن عليلاً، فوافقه وهو في الموت، ورأى تقلَّبه وشدة ما نزل به، فلما رجع إلى داره قدَّموا له طعامًا، فقال: عليكم بطعامكم وشرابكم؛ فإني رأيت مصرعًا لا بد لي منه، ولا أزال أعمل له حتى ألقاه، وتأخر عن الطعام أيامًا، حتى لطف به وأكل.
وكان يقول: إن الله سبحانه لم يجعل لأعمالكم أجلاً دون الموت، فعليكم بالمداومة؛ فإنه - جل ثناؤه - يقول: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99].
وكان يقول: رأيتُ سبعين بدريًّا[1]، لو رأيتموهم لقلتم: مجانين، ولو رأوا خياركم لقالوا: ما لهؤلاء من خلاق، ولو رأوا شراركم لقالوا: هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب.
وكان يقول: رحم الله امرأً نظر ففكر، وفكَّر فاعتبر، واعتبر فأبصر، وأبصر فصبر، لقد أبصر أقوام ثم لم يَصبروا، فذهب الجزع بقلوبهم، فلم يُدرِكوا ما طلبوا، ولا رجعوا إلى ما فارقوا، فخسروا الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين.
وكان يقول: أيها الناس، إني أعظكم ولستُ بخيركم ولا أصلحكم، وإني لكثير الإسراف على نفسي، غير محكم لها، ولا حاملها على الواجب في طاعة ربها، ولو كان المؤمن لا يعظ أخاه إلا بعد إحكام أمر نفسه، لعُدم الواعظون، وقلَّ المذكرون، ولما وجد من يدعو إلى الله - عز وجل - ويرغب في طاعته، وينهى عن معصيته، ولكن في اجتماع أهل البصائر، ومذاكرة المؤمنين بعضهم بعضًا حياة لقلوب المتقين، وادِّكار من الغفلة، وأمان من النسيان، فالزموا - عافاكم الله - مجالس الذكر؛ فرب كلمة مسموعة، ومحتقر نافع؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
أيها الناس، أصبحتم - والله - في أجل منقوص، وعمل محصى محروس، الموت فوق رؤوسكم، والنار بين أيديكم.
أيها الناس، إنما لأحدكم نفس واحدة، إن نجَت من عذاب الله لم يضرها من هلك، وإن هلكت لم ينفعها من نجا، فاحذروا - عافاكم الله - التسويف؛ فإنه أهلك من قبلكم، وإنكم لا تدرون متى تسيرون؟ ولا إلى أي شيء تَصيرون؟ فرحم الله عبدًا عمل ليوم معاده قبل نفاد زاده.
وقال: أيها الناس، إن الله - عز وجل - بسط لكم صحيفةً، وكَّل بكل رجل منكم ملكين كريمين، أحدهما عن اليمين، والآخر عن اليسار، وهو تعالى رقيب عليهما، فإن شاء قلَّل، وإن شاء كثر، إنما يملي كتابًا: ﴿ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49]، ولقد رُوي أنه لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [النساء: 123]، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: نزلت - والله - قاصمة الظهور.
فإذا قال ذلك أبو بكر، وقد شهد له بالجنة، فكيف يجب أن يكون قول من سواه؟ فاعتبروا - معشر المؤمنين - وكونوا على حذر؛ لعلكم تأمنون من عذاب يوم عظيم.
وكان يقول: ابن آدم، إياك والاغترار؛ فإنك لم يأتك من الله أمان، فإن الهول الأعظم والأمر الأكبر أمامك، وإنك لا بدَّ أن تتوسَّد في قبرك ما قدَّمت؛ إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، فاغتنم المبادرة في المهل، وإياك والتسويف بالعمل؛ فإنك مسؤول، فأعد للمساءلة جوابًا.
وكان يقول: ابن آدم، إن المؤمن لا يصبح إلا خائفًا، وإن كان محسنًا، ولا يصلح أن يكون إلا كذلك؛ لأنه بين مخافتين: ذنب مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وأجل قد بقي لا يدري ما الله مُبتليه فيه، فرحم الله عبدًا فكَّر واعتبر، واستبصر فأبصر، ونهى النفس عن الهوى.
ابن آدم، إن الله - جلت قدرته - أمر بالطاعة، وأعان عليها، ولم يجعل عذرًا في تركها، ونهى عن المعصية، ونفى عنها، ولم يوسع لأحد في ركوبها، ولقد روي أن الله - سبحانه وتعالى - يقول يوم القيامة لآدم: "يا آدم، أنت اليوم عدل بيني وبين ذريتك، فمن رجح خيره على شره مثقال ذرة، فله الجنة؛ حتى تعلم أني لا أعذب إلا ظالمًا".
وكان يقول: ما في جهنم وادٍ، ولا سلسلة، ولا قيد، إلا واسم صاحبه مكتوب عليه ما حكم في القضاء، فكيف - أيها الناس - إن اجتمع ذلك كله على عبد؟! اتقوا الله أيها الناس، واحذروا مقته؛ فلمقت الله أكبر لو كانوا يعلمون.
وقيل: خرج الحسن يومًا على أصحابه وهم مجتمعون، فقال: والله لو أن رجلاً منكم أدرك من أدركتُ من القرون الأولى، ورأى من رأيت من السلف الصالح؛ لأصبح مهمومًا، وأمسي مغمومًا، وعلم أن المجد منكم كاللاعب، والمجتهد كالتارك، ولو كنت راضيًا عن نفسي، لوعظتكم، ولكن الله يعلم أني غير راض عنها، ولذلك أبغضتها وأبغضتكم.
أيها الناس، إن لله عبادًا هم كمن رأى أهل الجنة في الجنة متنعمين، وأهل النار في النار معذبين، فهم يعملون لما رأوا من النعيم، ويَنتهون عما خالفوا من العذاب الأليم.
أيها الناس، إن لله عبادًا قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأنفسهم عفيفة، وجوانحهم خفيفة، صبروا الأيام القلائل؛ لما رجوا في الدهور الأطاول، أما الليل، فقائمون على أقدامهم، يتضرعون إلى ربهم، ويسعون في فكاك رقابهم، تجري من الخشية دموعهم، وتخفق من الخوف قلوبهم، وأما النهار، فحكماء علماء أتقياء أخفياء، يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفُّف، تخالهم من الخشية مرضى، وما بهم مرض، ولكنهم خولطوا بذكر النار وأهوالها، لهم - والله - كانوا فيما أحل لهم أزهد منكم فيما حرم عليكم، وكانوا أبصر بقلوبهم لدينهم منكم لدنياكم بأبصاركم، ولهم كانوا بحسناتهم أن ترد عليهم أخوف منكم أن تعذبوا على سيئاتكم، ﴿ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22].
وكان يقول: ابن آدم، لا يغرنك من حولك من هذه السباع العادية: ابنك، وحليلتك وخادمك وكلالتك[2]: أما ابنك، فمثل الأسد ينازعك ما بين يديك، وأما حليلتك فمثل الكلبة في الهرير والبصبصة[3]؛ وأما خادمك فمثل الثعلب في الحيلة والسرقة؛ وأما كلالتك، فوالله لدرهم يصل إليهم بعد موتك أحب إليهم من أن لو كنت أعتقت رقبةً، فإياك أن توقر[4] ظهرك بصلاحهم؛ فإنما لك منهم أيامك القلائل، وإذا وضعوك في قبرك، انصرفوا عنك، فصرفوا بعدك الثياب، وضربوا الدفوف، وضحكوا القهقهة[5]، وأنت تحاسَب بما في أيديهم، فقدم لنفسك؛ ﴿ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 30].
أيها الناس، إن أحدكم يحذره صاحبه أمرًا، فيتقيه ويحذره، فكيف من حذره ربه نفسه، وخوفه عقوبته؟ يقول الله سبحانه: ﴿ أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 99].
وكان يقول: ألا تعجبون من رجل يلهو ويغفل، ويهزأ ويلعب، وهو يمشي بين الجنة والنار، لا يدري إلى أيهما يصير؟
رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى كره لكم العبث في الصلاة، والرفث في الصيام، والضحك في المقابر))[6].
وكان يقول: سبحان من أذاق قلوب العارفين من حلاوة الانقطاع إليه، ولذة الخدمة له ما علَّق هِمَمهم بذكره، وشغل قلوبهم عن غيره، فلا شيء ألذ عندهم من مناجاته، ولا أقر لأعينهم من خدمته، ولا أخف على ألسنتهم من ذكره - سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.
وكان يقول: رُوي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يُوري النار، ويُدني منها يده ويقول: انظر يا ابن الخطاب كيف صبرك على النار؟ وكيف لك قدرة على سخط الجبار؟ ثم يستعيذ بالله من النار، ومن عمل أهل النار.
ثم يقول الحسن: إذا كان هذا خوف عمر رضي الله عنه وهو ممن شهد له بالجنة، فكيف أيها الناس تلبسون؟
وكان يقول: ابن آدم، إنما أنت ضيف، والضيف مرتحِل، ومُستعار، والعارية لله، لله در أقوام نظروا بعين الحقيقة، وقدموا إلى دار المستقر.
وكان يقول: ما مرَّ يوم على ابن آدم إلا قال له: ابن آدم: إني يوم جديد، وعلى ما تعمل في شهيد، إذا ذهب عنك لم أرجع إليك، فقدم ما شئت تجده بين يديك، وأخر ما شئت فلن يعود أبدًا إليك.
وكان يقول: إنما يكرمك من يكرمك ما دام روحك في جسدك، لو قد انتزع منك لنبذوك وراء ظهورهم، ولو تركت بينهم، لفروا منك فرارهم من الأسد.
وكان يقول: اعتبروا الناس بأعمالهم، ودعوا أقوالهم؛ فإن الله - عز وجل - لم يدع قولاً إلا جعل عليه دليلاً من عمل يُصدقه أو يكذبه، فإذا سمعت قولاً حسنًا، فرويدًا بصاحبه، وإن وافق منه القول العمل فنعم، ونعمت عين، وإن خالف القول العمل، فإياك أن يشتبه عليك شيء من أمره؛ فإنها خدع للسالكين.
وكان يقول: ابن آدم، إن لك قولاً وعملاً، فعملك أحق بك من قولك، وإن لك سريرةً وعلانيةً، فسريرتك أولى بك من علانيتك، وإن لك عاجلاً وعاقبةً، وعاقبتك أحق بك من عاجلتك.
ابن آدم، إن الله - سبحانه وتعالى - يقول: ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [فاطر: 10]، فاعملوا صالحًا - وفقكم الله - تجدوا عاقبته.
وقيل: بينما الحسن يومًا في المسجد تنفَّس الصعداء، وبكى بكاءً شديدًا، حتى ارتعدت ركبتاه، وخفق قلبه، ثم قال: لو أن بالقلوب حياةً، لو أن بها صلاحًا، لبكت من ليلة صبيحتها القيامة، أي يوم - عباد الله - ما سمع الخلائق بيوم أكثر منه عورةً باديةً، ولا عينًا باكيةً؟!
وكان يقول: ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله إلا حرم الله جسدها على النار، فإن فاضت على خدها لم يرهق ذلك الوجه قتر ولا ذلة، وليس من عمل إلا وله وزن وثواب، إلا الدمعة من خشية الله، فإنها تُطفئ ما شاء الله من حر النار، ولو أن رجلاً بكى من خشية الله في أمة، لرجوت أن يرحم الله تعالى ببكائه تلك الأمة بأسرها.
وكان يقول: إن الله - عز وجل - لا يفرض على العبد ثمنًا على العلم الذي تعلمه إلا الثمن الذي يأخذه المعلم به، فمن تعلم العلم بحق الله، ولابتغاء ما عند الله، فقد ربح، ومن تعلمه لغير الله انقطع ولم يصل به إلى الله تعالى.
وكان يقول: مسكين ابن آدم، ما أضعفه! مكتوم العلل، مكتوم الأجل، تؤذيه البقة، وتقتله الشرقة، يرحل كل يوم إلى الآخرة مرحلةً، ويقطع من الدنيا منزلةً، وربما طغى وتكبر، وظلم وتجبر.
وحضر الحسن جنازةً ثم قال: أيها الناس، اعملوا لمثل هذا اليوم؛ ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105].
وكان يقول: أيها الناس، اغتنموا الصحة والفراغ، وبادروا بالأعمال من قبل يوم تشخص فيه القلوب والأبصار.
وكان يقول: ابن آدم، لا تخافن من ذي ملك؛ فإنه عبدٌ لسيدك، ولا تطمعن في ذي مال؛ فإنما تأكل رزق مولاك، ولا تُخالل ذا جرم؛ فإنه عليك وبال، ولا تحقرنَّ فقيرًا؛ فإنه أخ شقيق لك.
وكان يقول: ابن آدم، لا تحقرن من الطاعة شيئًا، وإن قل في نفسك، وصغر عندك؛ فإن الله سبحانه يقبل مثقال الذرة، ويجازي على اللحظة، ولو رأيت قدره عند ربك لسرك، ولا تحقرن من المعصية شيئًا، وإن قل في نفسك، وصغر عندك؛ فإن ربك شديد العقاب.
وحضر يومًا مجلسًا جمع شيوخًا وشبابًا، فقال: معشر الشيوخ، ما يصنع بالزرع إذا طاب؟! فقالوا: يحصد! ثم التفت فقال: معشر الشباب، كم مِن زرع لم يَبلغ قد أدركته الآفة فأهلكته، وأتت عليه الجائحة فأتلفته؟! ثم بكى وتلا: ﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [إبراهيم: 25].
وكان يقول: ابن آدم، إنك تموت وحدك، وتُبعَث وحدك، وتحاسَب وحدك.
ابن آدم، لو أن الناس كلهم أطاعوا الله، وعصيت أنت، لم تنفعك طاعتهم، ولو عصوا الله وأطعته، لم تضرك معصيتهم.
ابن آدم، دينك دينك؛ فإنما هو لحمك ودمك، فإن سلم لك دينك، سلم لحمك ودمك، وإن تكن الأخرى، فاستعذ بالله منها؛ فإنما هي نار لا تطفأ، وجسم لا يبلى، ونفس لا تموت.
وكان يقول: لا يزال العبد بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت الفكرة من عمله، والذكر من شأنه، والمحاسبة من همته، ولا يزال بشر ما استعمل التسويف، واتبع الهوى، وأكثر الغفلة، ورجح في الأماني.
وروي أن الحسن رضي الله عنه اتصل به أن مكحولاً[7] توفي، فحزن عليه، وترحم له، ثم اتصل به بطلان ذلك، فكتب إليه:
أما بعد؛ أبا عبد الله، خار الله لنا ولك في المَحيا والممات، وقضى لنا ولك بخير الدنيا والآخرة، ويسر لنا ولك حسن المآل والمنقلَب؛ فإنه أتانا عنك خبرٌ راعنا، ثم أتى بعده ما أكذبه، فلعمر الله لقد سُررنا، وإن كان السرور بما سررنا به غير طائل، وسبيل الانقطاع داعيًا عما قليل إلى الخبر الأول، فهل أنت - عافاك الله ووفقنا وإياك لصالح العمل - كرجل ذاق الموت، وعاين ما بعده، وسأله الرجعة فأجيب إليها، وأُعطي ما سأل بعد أن عاين ما فاته، فتأهب في فضل جهازه إلى دار قراره، لا يرى أن له من ماله إلا ما قدم أمامه، ومن عمله إلا ما كتب له ثوابه؟ والسلام.
وكان يقول: روي أن عيسى عليه السلام قال للحواريين: اعملوا لله، ولا تعملوا لبطونكم؛ فإن الطير لا تزرَع ولا تَحصد، تغدو ولا رزق لها، الله يرزقها.
فإن قلتم: إن بطونكم أكبر من بطونها، فهذه الوحوش من الدواب لا تزرَع ولا تحصد، لا رزق لها، الله يرزقها.
وكان يقول: من استغفر الله - عز وجل - بعد صلاة الصبح ثلاث مرات: غُفرت له ذنوبه، وإن كان فارًّا من الزحف.
وكان يقول: رُوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده، لا يدخل الجنة إلا رحيم))، قالوا: كلنا رحيم يا رسول الله! قال: ((ليس رحمة أحدكم نفسه وولده وخاصته، ولكن العامة))[8] ورفع بها صوته.
وكان يقول: روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ألا أنبئكم بخير الناس؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين! قال: من طال عمره، وحسن عمله، ورجي خيره، ولم يخف شره، ثم قال: ألا أُنبئكم بشر الناس؟ قالوا: بلى، قال: من طال عمره، وساء عمله، ولم يرج خيره، ولم يؤمن شره.
وكان يقول: إن الرجل ليسمع الباب من العلم، فيعمل به، فيكون خيرًا له من أن لو كانت له الدنيا فوضعها في الآخرة.
وذكر أنه رأى قومًا في وقت القائلة لا يقيلون، فقال: ما لهؤلاء لا يقيلون؟ إني لأحسب ليلهم ليل سوء.
وكان يقول: حادثوا[9] هذه القلوب؛ فإنها سريعة الدثور، واقرعوا[10] هذه الأنفس؛ فإنها طامحة، فإنكم إلا تمنعوها، تنزع بكم إلى شر غاية[11].
وقيل له: يا أبا سعيد، ما تقول في الشفاعة؟ أحقٌّ هي؟ فقال: نعم، قيل له: فإن الله - سبحانه وتعالى - يقول: ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا ﴾ [المائدة: 37]، قال: هو كما قال - سبحانه وتعالى - قيل له: فبمَ دخل من دخل فيها، وبم خرج؟ فقال: كانوا أصابوا ذنوبًا من الدنيا أخذهم الله بها، ثم أخرجهم بما علم في قلوبهم من الإيمان والتصديق.
وكان يقول: أيها الناس، احذروا قطيعة الأرحام؛ فإن الله سبحانه يقول: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: اتقوا الله، وصلوا الأرحام، فإنه أبقى لكم في الدنيا، وخير لكم في الآخرة[12].
وقال رجل للحسن: يا أبا سعيد، أي الجهاد أفضل؟ قال: جهاد هواك.
وكان يقول: مَن لم يمت فجاءةً، مرض فجاءةً، فاتقوا الله، واحذروا مفاجأة ربكم.
وكان يقول: نعم الله أكثر من أن يؤدى شكرها، إلا ما أعان الله تعالى عليه، وذنوب ابن آدم أكثر من أن يسلم منها إلا ما عفا الله عنه.
وكان يقول: سمعت بكر بن عبدالله يقول: رحم الله امرأً كان قويًّا فأعمل قوته في طاعة الله، أو كان ضعيفًا فكف عن معاصي الله - عز وجل.
وكان يقول: الكذب جماع النفاق.
وكان يقول: من كذَب فجر، ومن فجر كفر، ومن كفر دخل النار.
ولقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: إذا كذب العبد كذبةً، تنحى الملك عنه مسيرة ميل من نتن ما يجيء منه.
وكان يقول: ما أعد كريمًا إذا جررت إلى أخي نفعًا، أو رددت عنه ضرًّا، وأصلحت بين اثنين.
وكان يقول: ابن آدم، تبغض الناس على ظنك، وتنسى اليقين من نفسك.
وكان يقول: إن الأغلال التي غُلَّ بها أهل النار لم تحصل في أعناقهم؛ لأنهم أعجزوا الخزنة، وإنما هي إذا طفا بهم اللهب ترسبهم في النار، ثم يبكي حتى يغلب عليه، ويقول: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب النار، ومن العمل السيئ الذي يؤدي إليه.
وكان يقول: روي أن ناسكًا رأى ناسكًا في النوم، فقال له: كيف وجدت الأمر؟ قال: وجدنا ما قدمنا، وخسرنا ما خلفنا، فقال الحسن: الآن فاقدموا على بصيرة.
وكان يقول: روي أن قومًا تواصفوا الزهد بحضرة الزهري[13]، فقال: الزاهد من لم يغلب الحرام صبرَه والحلال شكره.
وكان أبو بكر بن عبدالله المزني يقول: ما ظنك بخالق الكرامة لمن يريد كرامته؟ وما ظنك بخالق الهوان لمن يريد هوانه، وهو عليهما قادر؟
وكان يقول: إياكم والتسويف والترجي؛ فإنه أهلك من كان قبلكم.
ولقد حدثت عن أبي حازم[14] أنه كان يقول: نحن لا نريد أن نموت حتى نتوب، ونحن لا نريد أن نتوب حتى نموت، ومن لقي الله منا مجرمًا غير تائب، أدخله النار وبئس المصير.
وكان يقول: روي أن أنس بن مالك[15] قال: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جذع يسند ظهره إليه، فلما كثر الناس، عُمل له منبر من طرفاء الغابة، له درجتان، فلما قام عليه، حنَّ[16] الجذع إليه صلى الله عليه وسلم، قال أنس: سمعت الخشبة تحنُّ حنين الوالهة[17]، وما زالت تحن حتى نزل صلى الله عليه وسلم فاحتضنها، فسكنت[18].
فكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث، بكى، ثم قال: عباد الله، الجذع يحن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقًا إليه؛ لمكانه من الله - عز وجل - وايم الله! لأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه صلى الله عليه وسلم.
وكان يقول: روي أن بعض الصالحين رأى قومًا يتمنون، فقال: وأنا أتمنى معكم، فقالوا: ما تتمنى يرحمك الله؟ فقال: ليتنا لم نخلق، وليتنا إذ خلقنا لم نمت، وليتنا إذ متنا لم نبعث، وليتنا إذ بعثنا لم نحاسب، وليتنا إذ حوسبنا لم نعذب، وليتنا إذ عذبنا لم نخلد.
نظم أبو العلاء المعري بعض هذا الكلام فقال:
فيا ليتَنا عشنا حياةً بلا ردىً مدى الدهر أو متنا مماتًا بلا نَشرِ![19]
وكان الحسن يقول: كان قبلكم ناس أشرق قلوبًا، وأنشق ثيابًا، وأنتم اليوم أرق منهم دينًا، وأقسى قلوبًا.
وكان يقول: اهتمام العبد بذنبه داع إلى تركه، وندمه عليه داع لتوبته، ولا يزال العبد يهتم بالذنب حتى يكون له أنفع من بعض حسناته.
وكان يقول: من لم يداوِ نفسه من سقم الآثام أيام حياته، فما أبعده من الشفاء، وأقربه من الشقاء في دار الآخرة بعد وفاته!
وكان يقول: الحق مرٌّ لا يصبر عليه إلا من عرف حسن العاقبة، ومن رجا الثواب، خاف العقاب.
وكان يقول: لقد أدركت أقوامًا يعرض على أحدهم الحلال فيقول: لا حاجة لي به، نخشى أن يفسدنا.
وكان يقول: لو قمت الليل حتى ينحني ظهرك، وصمت النهار حتى يسقم جسمك، لم ينفعك إلا بورع صادق.
وكان يقول: ما يعدل بر الوالدين شيء من التطوع، لا حجٌّ، ولا جهاد.
وكان يقول: لقد رُوي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول: أكثروا من ذكر النار؛ فإن حرها شديد، وقعرها بعيد، ومقامعها حديد.
روى سلمة بن عامر[20]، قال: صلينا الجمعة مع الحسن، فلما انصرفنا، اكتنفنا حوله، فبكى بكاءً شديدًا، فقلنا: ما بالك - رحمك الله - وقد بشرت بالجنة في منامك؟ فازداد بكاؤه، قال: وكيف لا أبكي، ولو دخل علينا من باب هذا المسجد أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عرف غير قبلتنا هذه! ثم قال: هيهات هيهات! أهلك الناس الأماني، قول بلا عمل، ومعرفة بغير صبر، وإيمان بلا يقين، ما لي أرى رجالاً ولا عقولاً، وأسمع حسيسًا ولا أرى رحالاً ولا أنيسًا؟! دخل القوم - والله - ثم خرجوا، وعرفوا ثم أنكروا، وحرموا ثم استحلوا، إنما دين أحدكم لعقة على لسانه، إذا سئل: أمؤمن أنت بيوم الحساب؟ قال: "نعم"، كذب ومالكِ يوم الدين.
إن من أخلاق المؤمن قوةً في دين، وحزمًا في لين، وإيمانًا في يقين، وعلمًا في حلم، وحلمًا في علم، وكيسًا في رفق، وتجملاً في فاقة، وقصدًا في غنىً، وشفقةً في نفقة، ورحمةً للمجهود، وعطاءً للحقوق، وإنصافًا في استقامة، لا يحيف على من يبغض، ولا يأثم في مساعدة من يحب، ولا يَهمز، ولا يغمز، ولا يلمز، ولا يلغو، ولا يلهو، ولا يلعب، ولا يَمشي بالنميمة، ولا يتبع ما ليس له، ولا يجحد الحق الذي عليه، ولا يتجاوز في القدر، ولا يشمت بالقبيحة إن حلت بغيره، ولا يسر بالمصيبة إذا نزلت بسواه.
المؤمن: في الصلاة خاشع، وإلى الزكاة مسارع، قوله شفاء، وصبره تقىً، وسكوته فكرة، ونظره عبرة، يخالط العلماء ليعلم، ويسكت بينهم ليسلم، ويتكلم ليغنم، إن أحسن استبشر، وإن أساء استغفر، وإن عتب يستعتب، وإن سفه عليه حلم، وإن ظلم صبر، وإن جير عليه عدل، لا يتعوذ بغير الله، ولا يستعين إلا بالله، وقور في الملأ، شكور في الخلاء، قانع بالرزق، حامد على الرخاء، صابر على البلاء، لا يجمح به القنوط، ولا يغلبه الشح، إن جلس مع اللاغطين[21] كتب من الذاكرين، وإن جلس مع الذاكرين، كُتب من المستهترين.
المؤمن: طلق البشر، حسن الخلق، كريم بذول، راحم وصول، يقطع فيصل، ويؤذى فيحتمل، ويهان فيكرم، صبور على الأذى، محتمل لأنواع البلاء، هانت عليه الدنيا فلم يبن فيها بيتًا، ولا جدد ثوبًا، حسن الثقة، لا يظن بالله ظن السوء.
المؤمن: هيِّن، ليِّن، تقي، زكي، رضي، لا يلدغ من جحر مرتين، شاحب لونه، شاعث رأسه، قليل طعمه، كيس في دينه، غبي في دنياه.
المؤمن: كثير الوقار، مكرم للجار، مطيع للجبار، هارب من عذاب النار، نفسه بمعرفة الله شاهدة، وجوارحه لله ذاكرة، ويده بالمعروف مبسوطة، وهو في محاسبة نفسه في تعب، والناس منه في راحة.
المؤمن: صادق إذا وعد، قريب الرضا، بعيد الغضب، يعلم إذا علم، ويفهم إذا فهم، من صاحبه سلم، ومن خالطه غنم، كامل العقل، كثير العمل، قليل الأمل، حسن الخلق، كتوم الغيظ، ثم بكى فأبكانا.
وقال: هكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأول فالأول، حتى لحقوا بالله - عز وجل - وهكذا كان المسلمون من سلفكم الصالح، وإنما غُيِّر بكم لما غيرتم، ثم تلا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ [الرعد: 11].
ثم قال الحسن: اللهم ربنا صلِّ على سيدنا محمد، وعلى آله الطاهرين، وامنن علينا بما مننت به على عبادك المخلصين، وأوليائك المتقين، إنك على كل شيء قدير، وعلى كل خير معين، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
[1] أي: من الصحابة الذين حضروا غزوة بدر، وهي أول قتال في الإسلام، ولمن حضرها منزلة خاصة.
[2] الكَلاَلَةُ: بنو العم الأباعد، وهم العصبة الذين يرثون الرجل عن كلالة من غير والد ولا ولد؛ انظر: الزبيدي: تاج العروس، الرازي: مختار الصحاح.
[3] يقال: بصبص الكلب بذنبه إذا حركه وإنما يفعل ذلك من طمع أو خوف، وقال ابن سيده: وبصبص الكلب بذنبه ضرب به، وقيل: حركه؛ انظر: ابن منظور: لسان العرب.
[4] أي: تحمل على ظهرك من البلاء والآثام لكي تجمع لهم من الدنيا لتصلح أحوالهم فتضيع دينك.
[5] تعني: الضحك بصوت عال.
[6] قال المرغيناني في نصب الراية: ذكره شيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي في كتابه الميزان، وعده من منكرات إسماعيل بن عياش.
[7] مَكْحُول الهُذَلي (؟ - 112هـ، ؟ - 731م) مكحول بن أبي مسلم الهذلي أبو عبدالله الشامي، محدِّث فقيه حافظ، روى أحاديث مرسلة عن جماعة من الصحابة، أصله من فارس ومولده بكابل، سُبي وصار مولى لامرأة من مصر، أُعتق وتفقه، ورحل في طلب الحديث، قال: طفتُ الأرض كلها في طلب العلم، عتقت في مصر، فلم أدع بها علمًا إلا حويته فيما أرى، ثم أتيت العراق ثم المدينة فلم أدع بهما علمًا إلا حويته فيما أرى، ثم أتيت الشام فغربلتها، وقال: ما استودعت صدري شيئًا إلا وجدته حين أريد، استقر بدمشق وبها توفي؛ انظر: الموسوعة العربية العالمية، المملكة العربية السعودية، 2004م.
[8] قال السيوطي في جامع الأحاديث: رواه الحكيم عن أبى هريرة، الحكيم عن الحسن مرسلاً.حديث أبى هريرة: أخرجه أيضًا: عبد بن حميد (ص: 424)، رقم 1454، والديلمي 4 / 368، رقم 7067. حديث الحسن: أخرجه أيضًا: ابن المبارك 1 / 352، رقم 990.
[9] المحادثة: جلاء السيف، كالإحداث يقال: أحدث الرجل سيفه، وحادثه، إذا جلاه؛ انظر: الزبيدي: تاج العروس.
[10] يقال: قرع فلان فلانًا بعصا الملامة إذا بالغ في عذله، ولذلك قيل للتوبيخ: تقريع؛ انظر: ابن منظور: لسان العرب.
[11] معناه: اجلوها بالمواعظ، واغسلوا الدرن عنها، وشوقوها حتى تنفوا عنها الطبع والصدأ الذي تراكب عليها، وتعاهدوها بذلك، كما يحادث السيف بالصقال، قال الشاعر: كنصل السيف حودث بالصقال؛ انظر: الزبيدي: تاج العروس.
[12] قال السيوطي في الجامع الكبير: رواه عبد بن حميد، وابن جرير في تفسيريهما عن قتادة مرسلاً، أخرجه الطبري 4 / 227، وعزاه المصنف أيضًا في الدر المنثور 2 / 424 لعبد بن حميد وابن جرير، وللحديث طرف آخر موصول عن ابن مسعود: اتقوا الله وصلوا أرحامكم.
[13] أبوبكر الزُّهْري: 50 أو 51 - 124هـ / 671 - 742م: محمد بن مسلم بن عبيدالله بن عبدالله بن شهاب الزهري، أبو بكر القرشي، المدني نزيل الشام، الإمام العَلَم حافظ زمانه.
روى عن ابن عمر وجابر وأنس بن مالك وسهل بن سعد وغيرهم رضي الله عنه، حدَّث عنه عطاء بن أبي رباح - وكان أكبر منه - وعمر بن عبدالعزيز وعمرو بن دينار وسفيان بن عيينة وغيرهم، وكان أحسن الناس حديثًا، وأجودهم إسنادًا، حافظًا، عالمًا بالحديث والقرآن والعربية والأنساب، وهو أول من دون السنة بأمر الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز وكان كريمًا جوادًا، جريئًا في الحق، حسن المعتقد؛ انظر: الموسوعة العربية العالمية، المملكة العربية السعودية، 2004م.
[14] أبو حازم الأشْجَعي ؟ - 100هـ؟،؟ - 718م؟: سلمان الكوفي الأشجعي، مولى عزَّة الأشجعية، صاحب أبي هريرة، محدِّث، فقيه، ثقة، حدَّث عن أبي هريرة فأكثر، وعن ابن عمر، والحسين بن علي وغيرهم، وحدَّث عنه منصور والأعمش ومحمد بن جنادة وجماعة، مات في خلافة عمر بن عبدالعزيز، ويقال: إنه جالس أبا هريرة خمس سنين؛ انظر: الموسوعة العربية العالمية، المملكة العربية السعودية، 2004م.
[15] أنس بن مالك 10ق. هـ - 93هـ / 612 - 712م، صحابي أنصاري، يتصل نسبه ببني النجار من الخزرج، عندما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كان أنس رضي الله عنه في العاشرة من عمره، فأتت به أمه أم سُليْم ورجت النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبله ليقوم بخدمته، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرعاه ويصحبه معه، فقد صحبه إلى بدر وكان صغيرًا، ولما شبَّ أنس رضي الله عنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني غزوات.كان رضي الله عنه أمينًا حريصًا على العلم يتلقاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أقواله: تعلموا العلم ما شئتم أن تعلموا فإن الله لا يأجركم على العلم حتى تعملوا به وكانت صلاة أنس أشبه ما تكون بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدَّث بذلك أبو هريرة رضي الله عنه.
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرأف بأنس ويعطف عليه، قال أنس رضي الله عنه: خدمت رسول الله في السفر، وفي الحضر، والله ما قال لي لشيء صنعته لِمَ صنعته ولا لشيء لم أصنعه لِمَ لم تصنع هذا هكذا.
وأمه أم سليم كانت صحابية جليلة رجت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو لأنس فقال صلى الله عليه وسلم: ((اللهم ارزقه مالاً وولدًا وبارك له فيه))، فعاش أنس رضي الله عنه حتى جاوز المائة وتدفق عليه المال الوفير، رحل أنس إلى دمشق، ثم إلى البصرة، يحدث الناس، وهو آخر من مات فيها من الصحابة، وكانت وفاته عام 93هـ الموافق لعام 712م، ومما قيل فيه: إنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 2286 حديثًا، اتفق له البخاري ومسلم على مائة وثمانين حديثًا، وانفرد البخاري بثمانين حديثًا، ومسلم بتسعين؛ انظر: الموسوعة العربية العالمية، المملكة العربية السعودية، 2004م.
[16] الحنين: الشديد من البكاء والطرب، وقيل: هو صوت الطرب كان ذلك عن حزن أو فرح، والحنين: الشوق وتوقان النفس، والمعنيان متقاربان، حن إليه يحنُّ حنينًا فهو حانٌّ، والاستحنان: الاستطراب، واستحن: استطرب، وحنت الإبل: نزعت إلى أوطانها أو أولادها، والناقة تحن في إثر ولدها حنينا تطرب مع صوت، وقيل: حنينها نزاعها بصوت وبغير يصوت، والأكثر أن الحنين بالصوت؛ انظر: ابن منظور: لسان العرب.
[17] الوَلَهُ ذهاب العقل والتحير من شدة الوجد، وقد وَلِه - بالكسر - يوله وَلَهًا ووَلَهَانًا أيضا بفتح اللام وتَوَلَّه واتَّلَه، ورجل وَالِه وامرأة وَالِهٌ أيضًا ووَالَهةٌ، والتَّولِيهُ أن يفرق بين المرأة وولدها، وفي الحديث: ((لا تُوَلَّهُ والدة بولدها))؛ أي: لا تُجعل والهًا وذلك في السبايا؛ انظر: الرازي: مختار الصحاح.
[18] جاء في كتاب الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم: عن أبي حفص عمر بن العلاء - وسماه عثمان بن عمر معاذ بن عمر وهو أخو أبي عمرو بن العلاء - عن نافع عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذعٍ فلما اتخذ المنبر تحول إليه فحن الجذع فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسحه، وفي حديث عثمان بن عمر فالتزمه، قال البخاري: وقال عبدالحميد: حدثنا عثمان بن عمر وذكره.
وعبدالحميد هو عبدالحميد الكسي، ولم يذكر له البخاري غير هذا، وما سمعه وأخرجه أيضًا تعليقًا فقال: ورواه أبو عاصم عن عبدالعزيز بن أبي رواد يعني عن نافع في حديث الجذع - أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسنَّ وكبر قيل: ألا تتخذ لك منبرًا - الحديث، وفيه فلما صعد حن الجذع فنزل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه وساره بشيء وليس لعبدالعزيز بن أبي رواد في الصحيح عن نافع عن ابن عمر غير هذا الذي أخرجه عنه تعليقًا.
[19] البيت في ديوان أبي العلاء، من قصيدته التي مطلعها:
غُبِقنا الأذى، والجاشريّةُ همُّنا ونادى ظلامٌ لا سبيلَ إلى الجَشرِ
[20] لم أجد له ترجمة.[21] اللغط بالتحريك: الصوت والجلبة، وقد لغطوا يلغطون لغطًا ولغطًا ولغاطًا؛ انظر: الجوهري: الصحاح.
رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/76666/#ixzz6BCZXLMQb