iiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii 23 جمادى الآخرة 1437هـ
U
بُشْرَى للصَّابِرينَ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، أَجْرَى عَلَى عِبَادِهِ سُنَّةَ الابْـتِلاءِ، وَشَمِلَ بِذَلِكَ أَفْضَلَ الخَلْقِ وَالأَنْبِيَاءَ، سُبْحَانَهُ يَبْـتَلِي مَنْ شَاءَ بِمَا يَشَاءُ، وَأشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، يَجْزِي الصَّابِرِينَ فَيُضَاعِفُ لَهُمْ أُجُورَهُمْ، ويُيَسِّرُ لَهُمْ أُمُورَهُمْ، وَيَرفَعُ بِفَضْـلِهِ أَقْدَارَهُمْ، وَيَمْحُو بِرَحْمَتِهِ أَوزَارَهُمْ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَثْبَتُ النَّاسِ قَلْبًا وَأَجْمَلُهُمْ صَبْرًا، وَأَرفَعُهُمْ قَدْرًا وَأَعْظَمُهُمْ أَجْرًا، r وَعَلَى آلِهِ وَصْحبِهِ أَجمَعِينَ، وَتَابعِيهِمْ بإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ العَظِيْمَ، وَرَاقِبُوا المَوْلَى الكَرِيمَ، وَاعْمَلُوا لِيَوْمٍ لاَ يَنفَعُ فِيْهِ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيْمٍ، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَدَبَ عِبَادَهُ إِلَى الصَّبْرِ وَحَضَّهُمْ عَلَيْهِ في كَثِيرٍ مِنْ آيَاتِ كِتَابِهِ المُبِينِ، فَقَالَ وَهُوَ أَصْدَقُ القَائِلِينَ: )ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ (()، وَأَقْسَمَ بِأَنَّ الإِنسَانِ لَفِي خُسْرٍ ) ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ(()، وَالصَّبْرُ ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ: صَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ، وَصَبْرٌ عَنِ المَعْصِيَةِ، وَصَبْرٌ عِنْدَ المُصِيْبَةِ، فَطَاعَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَاجَةٍ إِلَى صَبْرٍ دَائِمٍ، يَتَحلَّى بِهِ أُولُو النُّهَى وَالعَزَائِمِ، فَالصَّلاَةُ عِمَادُ الدِّينِ قَرَنَها اللهُ بِالصَّبْرِ فَقَالَ: )ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ(()، وَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ) ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ(()، وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ وَإِخْرَاجُ الصَّدَقَاتِ فِي حَاجَةٍ إِلَى صَبْرٍ؛ إِذِ الإِنْسَانُ بِطَبْعِهِ مُحِبٌّ لِلْمَالِ حَرِيصٌ عَلَيْهِ، فَلَولاَ تَهْذِيبُ هَذَا الطَّبْعِ بِالصَّبْرِ مَا أََخْرَجَ زَكَاةً، وَمَا امتَدَّتْ يَدُهُ بِصَدَقَاتٍ، وَكَذَلِكَ الصَّومُ وَالحَجُّ وَجَمِيعُ العِبَادَاتِ تَتَطَلَّبُ مِنَ المُؤمِنِ تَحَمُّلاً، وَصَبْرًا وَتَجَمُّلاً. إِنَّ الصَّابِرِينَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ هُمُ الَّذِيْنَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، فَتَرَاهُمْ يَبَرُّونَ آبَاءَهُمْ، وَيُحْسِنُونَ تَرْبِيَةَ أَبْنَائِهِمْ، وَيَقُومُونَ بِوَاجِبِ مُجتَمَعِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ، فَالأُسْتَاذُ مِنْهُمْ يَصْبِرُ عَلَى تَعلِيمِ العِلْمِ، وَالطَّبِيْبُ يَصْبِرُ عَلَى مُعَالَجَةِ المَرْضَى، وَهَكَذَا كُلُّ عَامِلٍ يَصْبِرُ عَلَى مَشَقَّةِ السَّفَرِ وَعَنَاءِ العَمَلِ، فَكُلُّ هَؤُلاءِ صَابِرُونَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَّا الصَّابِرُونَ عَنِ المَعْصِيَةِ فَهُمُ الَّذِيْنَ تَعْرِضُ لَهُمُ المَعْصِيَةُ، وَتُسَاعِدُهُمُ الفُرْصَةُ، وَيُواتِيهِمُ الحَالُ وَالمَالُ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللهِ، وَارتِكَابِ مَا حَرَّمَهُ وَنَهَى عَنْهُ، فَيَمْنَعُهُمْ خَوْفُ اللهِ، وَيَتَذَكَّرُونَ عَذَابَهُ الأَلِيْمَ، وَبَطْشَهُ الشَدِيدَ، فَيَتْرُكُونَ المَعْصِيَةَ وَيَصْبِرُونَ عَنْهَا، أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهتَدُونَ، وَأَمَّا الصَّبْرُ عَلَى المُصِيْبَةِ - يَا عِبَادَ اللهِ - فَإِنَّهُ لاَ يَصْبِرُ عَلَيْهَا إِلاَّ المُؤْمِنُونَ، وَلاَ يَثْبُتُ لَهَا إِلاَّ الْمُتَّقُونَ، فَإِذَا نَزَلَ بِهِمْ مَا يَكْرَهُونَ فَوَّضُوا الأَمْرَ إِلَى اللهِ، وَقَرَأُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: )ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ (()، وَإِذَا ابتُلِيَ أَحَدُهُمْ بِشَيءٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ عَلِمَ أَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَالنَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّبْرِ تَظَاهَرَ بِهِ حتَّى يُصْبِحَ لَهُ عَادَةً وَمَنْهَجًا، وَحِينَئذٍ يَجِدُ مِنْ كُلِّ ضَيْقٍ مَخْرَجًا، يَقُولُ الرَّسُولُ r : ((مَنْ يَتَصبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
إِنَّ الصَّبرَ خَيْرُ رَفِيقٍ، لاَ غِنَى عَنْهُ فِي بَيْتٍ أَو دَائِرةِ عَمَلٍ أَو طَرِيقٍ، فَهُوَ فِي البَيْتِ أَكْبَرُ عَوْنٍ للإِنْسَانِ عَلَى أَنْ يَعِيشَ بَيْنَ أُسْرَتِهِ مُستَرِيحَ البَالِ سَعِيدَ الحَالِ، سَالِمًا مِنْ أَضْرَارِ الغَضَبِ وَالانْفِعَالِ، فَبِالصَّبرِ تَستَقِرُّ الحَيَاةُ الزَّوجِيَّةُ؛ فَلاَ تَتَعَرَّضُ لِمَا يَهُزُّ كِيَانَها وَيُزَعْزِعُ بُنْيَانَها، وَبِالصَّبْرِ يَعِيشُ الإِنْسَانُ فِي مُجتَمَعِهِ مُحِبًّا مَأْلُوفًا، لاَ يُقَابِلُ الإِيذَاءَ بِالإِيذَاءِ، بَلْ يَتَحَمَّـلُ وَيَصْبِرُ؛ فَيُحِيلُ بِصَبْرِهِ وَتَحَمُّلِهِ العَدُوَّ اللَّدُودَ إِلَى صَدِيقٍ وَدُودٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ(()، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: ) ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ (()، وَلَقَدْ كَانَ المُشْرِكُونَ يَستَهْزِئُونَ بِمَا يُخْبِرُهُمْ بِهِ رَسُولُ اللهِ r مِنْ سَخَطِ اللهِ وَعَذَابِهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ - إِنِ استَمرُّوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِنَادٍ وَشِرْكٍ -، فَكَانَ القُرآنُ الكَرِيمُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِالصَّبْرِ الجَمِيلِ، كَمَا جَاءَ فِي مُحْـكَمِ التَّنْزِيلِ: ) ﯰ ﯱ ﯲ (()، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - يُؤْذَى؛ فَيَتَذكَّرُ أَخَاهُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَيَذْكُرُ صَبْرَهُ فَيَقُولُ: ((رَحِمَ اللهُ أَخِي مُوسَى، لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ)).
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
إِنَّ مَجَالاتِ الصَّبْرِ كَثِيرَةٌ بِحَسَبِ أَنْوَاعِ الابتِلاءِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَلوَانًا مِنَ الابتِلاَءَاتِ الَّتِي قَلَّ أَنْ يَنْجُوَ مِنْهَا إِنْسَانٌ، ثُمَّ زَفَّ البُشْرَى لِمَنْ صَبَرَ عَلَيْهَا، فََقَالَ سُبْحَانَهُ: )ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ، ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ، ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ(()، فَبَيَّنَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ مِنْ أَلوَانِ الابتِلاَءِ نَقْصَ الثِّمَارِ، وَفِي الغَالِبِ يَتْبَعُ ذَلِكَ غَلاءٌ فِي الأَسْعَارِ، وَالمُؤمِنُ يَتَلقَّى هَذَا الابتِلاَءَ بِالصَّبْرِ، فَلاَ يَتألَّمُ وَلاَ يَتَحَسَّرُ، بَلْ يَلْجَأُ إِلَى رَبِّهِ فَيَدْعُوهُ أَنَّ يُيَسِّرَ عَلَيْهِ مَا تَعَسَّرَ، وَفِي الأَثَرِ: ((مَا يَمْـنَعُ أَحَدَكُمْ إِذَا عَسُرَ عَلَيْهِ أَمْرُ مَعِيشَتِهِ أَنْ يَقُولَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ: بِسْمِ اللهِ عَلَى نَفْسِي وَمَالِي وَدِينِي، اللَّهُمَّ رَضِّنِي بِقَضَائِكَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا قُدِّرَ، حتَّى لاَ أُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ، وَلاَ تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ))، وَمِنْ مَجَالاَتِ الصَّبْرِ المُهِمَّةِ: صَبْرُ الدَّائِنِ عَلَى المَدِينِ المُعْسِرِ، خُصُوصًا إِذَا تَسَبَّبَتْ فِي إِعْسَارِهِ ظُرُوفٌ خَارِجَةٌ عَنْ إِرَادَتِهِ، فَقَدْ يَصِلُ إِلَى دَرَجَةِ الإِعْسَارِ بِسَبَبِ حَرِيقٍ أَو إِعْصَارٍ، أَو غَلاَءٍ لِلأَسْعَارِ؛ فَعَلَى الدَّائِنِ - وَحَالُ المَدِينِ هَكَذَا - أَنْ يَصْبِرَ عَلَيْهِ لِحِيْنِ مَيْسَرَةٍ؛ فَبِذَلِكَ يَنَالُ أَجْرَ الصَّابِرِينَ، وَيُمْـنَحُ ثَوابَ المُيَسِّرِينَ، وَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ نَالَ كَذَلِكَ أَجْرَ المُتَصَدِّقِينَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى:) ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ (().
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، واجعَلُوا الصَّبْرَ لَكُمْ شِعَارًا، وَتَجَمَّـلُوا بِهِ سِرًّا وَجِهَارًا، وَلَيْلاً وَنَهَارًا؛ تَنَالُوا مِنَ اللهِ رِفْعَةً وَعِزَّةً، وَمِنْ عِبَادِهِ احتِرَامًا وَوَقارًا.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
*** *** ***
الحَمْدُ للهِ المَدْعُوِّ لِكَشْفِ الضَّرَّاءِ، المَأْمُولِ عِنْدَ انقِطَاعِ الرَّجَاءِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَعَدَ بِالثَّوَابِ مَنْ رَضِيَ بِمَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ، وَأَخَذَ العِبْرَةَ مِمَّا أَصَابَهُ بِهِ وَابتَلاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أُعْطِيَ فَشَكَرَ، وَابتُلِيَ فَصَبَرَ، r وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الغُرَرِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا إِخوَةَ الإِيمَانِ:
إِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا فَاتَهُ شَيءٌ مِنَ الطَّاعَةِ، أَوْ وَقَعَ فِي شَيءٍ مِنَ المَعْصِيَةِ، أَوْ حَلَّتْ بِهِ المُصِيْبَةُ، فَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَضِيْقَ وَيَجْزَعَ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْخََطَ مِنْ قَضَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ بَأْسَ بِحُزْنِ القَلْبِ وَدَمْعِ العَيْنِ مَا دَامَ ذَلِكَ خَالِيًا مِنَ الاعْـتِرَاضِ عَلَى اللهِ، وَالتَّبَرُّمِ بِمَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ، فَلاَ يَشُقَّ جَيْبًا وَلاَ يَنْتِفْ شَعْرًا، وَلاَ يَقُلْ إِلاَّ كَمَا يَقُولُ الصَّابِرُونَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَإِذَا عَظُمَتْ بَلِيَّتُهُ، وَكَبُرَتْ مُصِيْبَتُهُ، فَلاَ يَتَمَنَّ مَعَهَا المَوْتَ، وَلاَ يُبَادِرْ بِهِ نَفْسَهُ، وَلَكِنْ لِيَثْبُتْ وَلْيَتَجَلَّدْ، فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ مُتَمَنِّيًا المَوْتَ، وَطَالِبًا الخَلاَصَ مِنْ هَذِهِ الدُّنيَا وَمَتَاعِبِهَا؛ فَلْيَقُلْ كَمَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللهِ r حَيثُ قَالَ: ((لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: الَّلهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَّفَنِي مَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي)).
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واصْبِرُوا صَبْرًا جَمِيلاً؛ تَنَالُوا أَجْرًا جَزِيلاً، وَتَذَكَّرُوا وَعْدَ اللهِ لِلصَّابِرِينَ فِي كِتَابِهِ المُبِينِ: )ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ، ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ، ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ (().
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: )ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ(().
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوفِيقِكَ، وَاحفَظْهُ بِعَينِ رِعَايَتِكَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ: ) ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ (.
1
iiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii'''iiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii
U
بُشْرَى للصَّابِرينَ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، أَجْرَى عَلَى عِبَادِهِ سُنَّةَ الابْـتِلاءِ، وَشَمِلَ بِذَلِكَ أَفْضَلَ الخَلْقِ وَالأَنْبِيَاءَ، سُبْحَانَهُ يَبْـتَلِي مَنْ شَاءَ بِمَا يَشَاءُ، وَأشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، يَجْزِي الصَّابِرِينَ فَيُضَاعِفُ لَهُمْ أُجُورَهُمْ، ويُيَسِّرُ لَهُمْ أُمُورَهُمْ، وَيَرفَعُ بِفَضْـلِهِ أَقْدَارَهُمْ، وَيَمْحُو بِرَحْمَتِهِ أَوزَارَهُمْ، وَأشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَثْبَتُ النَّاسِ قَلْبًا وَأَجْمَلُهُمْ صَبْرًا، وَأَرفَعُهُمْ قَدْرًا وَأَعْظَمُهُمْ أَجْرًا، r وَعَلَى آلِهِ وَصْحبِهِ أَجمَعِينَ، وَتَابعِيهِمْ بإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ: اتَّقُوا اللهَ العَظِيْمَ، وَرَاقِبُوا المَوْلَى الكَرِيمَ، وَاعْمَلُوا لِيَوْمٍ لاَ يَنفَعُ فِيْهِ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيْمٍ، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَدَبَ عِبَادَهُ إِلَى الصَّبْرِ وَحَضَّهُمْ عَلَيْهِ في كَثِيرٍ مِنْ آيَاتِ كِتَابِهِ المُبِينِ، فَقَالَ وَهُوَ أَصْدَقُ القَائِلِينَ: )ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ (()، وَأَقْسَمَ بِأَنَّ الإِنسَانِ لَفِي خُسْرٍ ) ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ(()، وَالصَّبْرُ ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ: صَبْرٌ عَلَى الطَّاعَةِ، وَصَبْرٌ عَنِ المَعْصِيَةِ، وَصَبْرٌ عِنْدَ المُصِيْبَةِ، فَطَاعَةُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي حَاجَةٍ إِلَى صَبْرٍ دَائِمٍ، يَتَحلَّى بِهِ أُولُو النُّهَى وَالعَزَائِمِ، فَالصَّلاَةُ عِمَادُ الدِّينِ قَرَنَها اللهُ بِالصَّبْرِ فَقَالَ: )ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ(()، وَقَالَ جَلَّ شَأْنُهُ: ) ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ(()، وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ وَإِخْرَاجُ الصَّدَقَاتِ فِي حَاجَةٍ إِلَى صَبْرٍ؛ إِذِ الإِنْسَانُ بِطَبْعِهِ مُحِبٌّ لِلْمَالِ حَرِيصٌ عَلَيْهِ، فَلَولاَ تَهْذِيبُ هَذَا الطَّبْعِ بِالصَّبْرِ مَا أََخْرَجَ زَكَاةً، وَمَا امتَدَّتْ يَدُهُ بِصَدَقَاتٍ، وَكَذَلِكَ الصَّومُ وَالحَجُّ وَجَمِيعُ العِبَادَاتِ تَتَطَلَّبُ مِنَ المُؤمِنِ تَحَمُّلاً، وَصَبْرًا وَتَجَمُّلاً. إِنَّ الصَّابِرِينَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ هُمُ الَّذِيْنَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، فَتَرَاهُمْ يَبَرُّونَ آبَاءَهُمْ، وَيُحْسِنُونَ تَرْبِيَةَ أَبْنَائِهِمْ، وَيَقُومُونَ بِوَاجِبِ مُجتَمَعِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ، فَالأُسْتَاذُ مِنْهُمْ يَصْبِرُ عَلَى تَعلِيمِ العِلْمِ، وَالطَّبِيْبُ يَصْبِرُ عَلَى مُعَالَجَةِ المَرْضَى، وَهَكَذَا كُلُّ عَامِلٍ يَصْبِرُ عَلَى مَشَقَّةِ السَّفَرِ وَعَنَاءِ العَمَلِ، فَكُلُّ هَؤُلاءِ صَابِرُونَ عَلَى طَاعَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَّا الصَّابِرُونَ عَنِ المَعْصِيَةِ فَهُمُ الَّذِيْنَ تَعْرِضُ لَهُمُ المَعْصِيَةُ، وَتُسَاعِدُهُمُ الفُرْصَةُ، وَيُواتِيهِمُ الحَالُ وَالمَالُ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِ اللهِ، وَارتِكَابِ مَا حَرَّمَهُ وَنَهَى عَنْهُ، فَيَمْنَعُهُمْ خَوْفُ اللهِ، وَيَتَذَكَّرُونَ عَذَابَهُ الأَلِيْمَ، وَبَطْشَهُ الشَدِيدَ، فَيَتْرُكُونَ المَعْصِيَةَ وَيَصْبِرُونَ عَنْهَا، أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهتَدُونَ، وَأَمَّا الصَّبْرُ عَلَى المُصِيْبَةِ - يَا عِبَادَ اللهِ - فَإِنَّهُ لاَ يَصْبِرُ عَلَيْهَا إِلاَّ المُؤْمِنُونَ، وَلاَ يَثْبُتُ لَهَا إِلاَّ الْمُتَّقُونَ، فَإِذَا نَزَلَ بِهِمْ مَا يَكْرَهُونَ فَوَّضُوا الأَمْرَ إِلَى اللهِ، وَقَرَأُوا قَوْلَهُ تَعَالَى: )ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ (()، وَإِذَا ابتُلِيَ أَحَدُهُمْ بِشَيءٍ فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ عَلِمَ أَنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ، وَالنَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْرًا، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الصَّبْرِ تَظَاهَرَ بِهِ حتَّى يُصْبِحَ لَهُ عَادَةً وَمَنْهَجًا، وَحِينَئذٍ يَجِدُ مِنْ كُلِّ ضَيْقٍ مَخْرَجًا، يَقُولُ الرَّسُولُ r : ((مَنْ يَتَصبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)).
أَيُّهَا المُسلِمُونَ:
إِنَّ الصَّبرَ خَيْرُ رَفِيقٍ، لاَ غِنَى عَنْهُ فِي بَيْتٍ أَو دَائِرةِ عَمَلٍ أَو طَرِيقٍ، فَهُوَ فِي البَيْتِ أَكْبَرُ عَوْنٍ للإِنْسَانِ عَلَى أَنْ يَعِيشَ بَيْنَ أُسْرَتِهِ مُستَرِيحَ البَالِ سَعِيدَ الحَالِ، سَالِمًا مِنْ أَضْرَارِ الغَضَبِ وَالانْفِعَالِ، فَبِالصَّبرِ تَستَقِرُّ الحَيَاةُ الزَّوجِيَّةُ؛ فَلاَ تَتَعَرَّضُ لِمَا يَهُزُّ كِيَانَها وَيُزَعْزِعُ بُنْيَانَها، وَبِالصَّبْرِ يَعِيشُ الإِنْسَانُ فِي مُجتَمَعِهِ مُحِبًّا مَأْلُوفًا، لاَ يُقَابِلُ الإِيذَاءَ بِالإِيذَاءِ، بَلْ يَتَحَمَّـلُ وَيَصْبِرُ؛ فَيُحِيلُ بِصَبْرِهِ وَتَحَمُّلِهِ العَدُوَّ اللَّدُودَ إِلَى صَدِيقٍ وَدُودٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: )ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ(()، ثُمَّ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: ) ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ (()، وَلَقَدْ كَانَ المُشْرِكُونَ يَستَهْزِئُونَ بِمَا يُخْبِرُهُمْ بِهِ رَسُولُ اللهِ r مِنْ سَخَطِ اللهِ وَعَذَابِهِ وَأَلِيمِ عِقَابِهِ - إِنِ استَمرُّوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ عِنَادٍ وَشِرْكٍ -، فَكَانَ القُرآنُ الكَرِيمُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِالصَّبْرِ الجَمِيلِ، كَمَا جَاءَ فِي مُحْـكَمِ التَّنْزِيلِ: ) ﯰ ﯱ ﯲ (()، وَكَانَ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - يُؤْذَى؛ فَيَتَذكَّرُ أَخَاهُ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - وَيَذْكُرُ صَبْرَهُ فَيَقُولُ: ((رَحِمَ اللهُ أَخِي مُوسَى، لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ)).
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ:
إِنَّ مَجَالاتِ الصَّبْرِ كَثِيرَةٌ بِحَسَبِ أَنْوَاعِ الابتِلاءِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ أَلوَانًا مِنَ الابتِلاَءَاتِ الَّتِي قَلَّ أَنْ يَنْجُوَ مِنْهَا إِنْسَانٌ، ثُمَّ زَفَّ البُشْرَى لِمَنْ صَبَرَ عَلَيْهَا، فََقَالَ سُبْحَانَهُ: )ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩﭪ ﭫ ﭬ، ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ، ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂ(()، فَبَيَّنَ اللهُ تَعَالَى أَنَّ مِنْ أَلوَانِ الابتِلاَءِ نَقْصَ الثِّمَارِ، وَفِي الغَالِبِ يَتْبَعُ ذَلِكَ غَلاءٌ فِي الأَسْعَارِ، وَالمُؤمِنُ يَتَلقَّى هَذَا الابتِلاَءَ بِالصَّبْرِ، فَلاَ يَتألَّمُ وَلاَ يَتَحَسَّرُ، بَلْ يَلْجَأُ إِلَى رَبِّهِ فَيَدْعُوهُ أَنَّ يُيَسِّرَ عَلَيْهِ مَا تَعَسَّرَ، وَفِي الأَثَرِ: ((مَا يَمْـنَعُ أَحَدَكُمْ إِذَا عَسُرَ عَلَيْهِ أَمْرُ مَعِيشَتِهِ أَنْ يَقُولَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيتِهِ: بِسْمِ اللهِ عَلَى نَفْسِي وَمَالِي وَدِينِي، اللَّهُمَّ رَضِّنِي بِقَضَائِكَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا قُدِّرَ، حتَّى لاَ أُحِبَّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرْتَ، وَلاَ تَأْخِيرَ مَا عَجَّلْتَ))، وَمِنْ مَجَالاَتِ الصَّبْرِ المُهِمَّةِ: صَبْرُ الدَّائِنِ عَلَى المَدِينِ المُعْسِرِ، خُصُوصًا إِذَا تَسَبَّبَتْ فِي إِعْسَارِهِ ظُرُوفٌ خَارِجَةٌ عَنْ إِرَادَتِهِ، فَقَدْ يَصِلُ إِلَى دَرَجَةِ الإِعْسَارِ بِسَبَبِ حَرِيقٍ أَو إِعْصَارٍ، أَو غَلاَءٍ لِلأَسْعَارِ؛ فَعَلَى الدَّائِنِ - وَحَالُ المَدِينِ هَكَذَا - أَنْ يَصْبِرَ عَلَيْهِ لِحِيْنِ مَيْسَرَةٍ؛ فَبِذَلِكَ يَنَالُ أَجْرَ الصَّابِرِينَ، وَيُمْـنَحُ ثَوابَ المُيَسِّرِينَ، وَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ نَالَ كَذَلِكَ أَجْرَ المُتَصَدِّقِينَ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى:) ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ (().
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، واجعَلُوا الصَّبْرَ لَكُمْ شِعَارًا، وَتَجَمَّـلُوا بِهِ سِرًّا وَجِهَارًا، وَلَيْلاً وَنَهَارًا؛ تَنَالُوا مِنَ اللهِ رِفْعَةً وَعِزَّةً، وَمِنْ عِبَادِهِ احتِرَامًا وَوَقارًا.
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
*** *** ***
الحَمْدُ للهِ المَدْعُوِّ لِكَشْفِ الضَّرَّاءِ، المَأْمُولِ عِنْدَ انقِطَاعِ الرَّجَاءِ، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَعَدَ بِالثَّوَابِ مَنْ رَضِيَ بِمَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ، وَأَخَذَ العِبْرَةَ مِمَّا أَصَابَهُ بِهِ وَابتَلاهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أُعْطِيَ فَشَكَرَ، وَابتُلِيَ فَصَبَرَ، r وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الغُرَرِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا إِخوَةَ الإِيمَانِ:
إِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا فَاتَهُ شَيءٌ مِنَ الطَّاعَةِ، أَوْ وَقَعَ فِي شَيءٍ مِنَ المَعْصِيَةِ، أَوْ حَلَّتْ بِهِ المُصِيْبَةُ، فَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَضِيْقَ وَيَجْزَعَ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَسْخََطَ مِنْ قَضَاءِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ بَأْسَ بِحُزْنِ القَلْبِ وَدَمْعِ العَيْنِ مَا دَامَ ذَلِكَ خَالِيًا مِنَ الاعْـتِرَاضِ عَلَى اللهِ، وَالتَّبَرُّمِ بِمَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ، فَلاَ يَشُقَّ جَيْبًا وَلاَ يَنْتِفْ شَعْرًا، وَلاَ يَقُلْ إِلاَّ كَمَا يَقُولُ الصَّابِرُونَ: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَإِذَا عَظُمَتْ بَلِيَّتُهُ، وَكَبُرَتْ مُصِيْبَتُهُ، فَلاَ يَتَمَنَّ مَعَهَا المَوْتَ، وَلاَ يُبَادِرْ بِهِ نَفْسَهُ، وَلَكِنْ لِيَثْبُتْ وَلْيَتَجَلَّدْ، فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ مُتَمَنِّيًا المَوْتَ، وَطَالِبًا الخَلاَصَ مِنْ هَذِهِ الدُّنيَا وَمَتَاعِبِهَا؛ فَلْيَقُلْ كَمَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللهِ r حَيثُ قَالَ: ((لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: الَّلهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَّفَنِي مَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْرًا لِي)).
فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واصْبِرُوا صَبْرًا جَمِيلاً؛ تَنَالُوا أَجْرًا جَزِيلاً، وَتَذَكَّرُوا وَعْدَ اللهِ لِلصَّابِرِينَ فِي كِتَابِهِ المُبِينِ: )ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ، ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ، ﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ (().
هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: )ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ(().
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوفِيقِكَ، وَاحفَظْهُ بِعَينِ رِعَايَتِكَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.
عِبَادَ اللهِ: ) ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ (.
1
iiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii'''iiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiiii