الإرهاب والمقاومة في القانون والشريعة الإسلامية
يحتل مالارهاب حيزأ كبيرأ من اهتمام فقهاء القانون الدولي والقانون الجنائي لما تشكله هذه الظاهرة من خطر عظيم على المجتمع بما يخلفه من ضياع للامن وتدمير للمتلكات وانتهاك للحرمات وتدنيس للمقدسات وقتل وخطف للمدنيين الآمنيين وتهديد لحياة الكثير منهم .
وفي العراق بأخذ هذا الموضوع بعدأ اكثر اهمية بحكم معاناته من مختلف صور الجرائم الارهابية وتحت مسميات وذرائع مختلفة .
ولا شك ان البحث في المفهوم الارهاب يتطلب دراستها من جوانبها المختلفه غير ان دراستها هذه تقتصر على تحديد مفهومه باعتبارها ظاهرة قانونية على الصعيدين الدولي والداخلي .
وفي هذا البحث الموجز سنسعى الى بحث مفهوم الارهاب في الشريعة الاسلاميه والقانون الوضعي الدولي والداخلي ونحاول تمييز الارهاب من غيره من اعمال العنف المشروعهكأعمال المقاومه والكفاح المسلح .
وسنقسم الدراسه الى أربعة مباحث يتعلق المبحث الاول منها في تعريف الارهاب وتأريخه ونكرس المبحث الثاني لموضوع الارهاب في القانون الوطني اما المبحث الثالث فسنتناول فيه موضوع الارهاب في القانون الدولي واخيرأ ميزنا بين الارهاب ونشاط الكفاح المسلح واعمال المقاومه .
المبحث الأول
تعريف الإرهاب وتاريخه
اختلف الباحثين في تعريف الإرهاب وتاريخ ظهوره ,ومنهم من أهمل مسالة التعريف تلافيا"لصعوبته مكتفيا"ببحث ظاهرة الإرهاب وسرد خصائصها وصورها,بينما سعى البعض الى وضع تعريف محدد وجامع ,فكان إن برزت العديد من التعاريف التي تحوي على بعض عناصر الإرهاب والتي من الممكن أن تكون أساسا" في تحديد مفهوم هذه الظاهرة 0
المطلب الأول
تعريف ظاهرة الإرهاب
يأتي الإرهاب في اللغة العربية من الفعل (رهب ,يرهب,رهبة")أي خاف ,ورهبه أي خافه 0 والرهبه هي الخوف والفزع0 وهو راهب من الله أي خائف من عقابه ,وترهبه أي توعده 0 (1)أما في القران الكريم فينصرف معنى الإرهاب إلى ما ورد في الآيات القرآنية التي تأتي بمعنى الفزع والخوف والخشية والرهبة من عقاب الله تعالى ,فقد ورد في قوله تعالى(واوفوا بعهدي أوف بعهدكم واياي فارهبون ).(2) وجاء (إنما هو اله واحد فإياي فارهبون) (3)وورد (انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا" ورهبا") (4)
كما يأتي الإرهاب في القران الكريم بمعنى الردع العسكري فقد ورد (ترهبون به عدوا الله وعدوكم واخرين من دونهم) 0 (5)وجاء أيضا" (واستر هبوهم وجاءوا بسحر عظيم).(6)
أما في اللغات الأخرى فان الإرهاب يأتي بمعنى رعبterror وتعني خوفا"أو قلقا"متناهيا"أو تهديد غير مألوف وغير متوقع ,وقد اصبح هذا المصطلح يأخذ معنى جديد في الثلاثين عاما" الأخيرة ويعني استخدام العنف والقاء الرعب بين الناس.
والإرهابي هو من يلجا إلى العنف غير القانوني أو التهديد به لتحقيق أهداف سياسية سواء من الحكومة أو الأفراد والجماعات الثورية المعارضة0 (7)
وقد بلغت أهمية تعريف ظاهرة الإرهاب حدا" كبيرا"دفع الدول إلى إقامة المؤتمرات والندوات لتحديد مفهومه وعناصره ومسبباته0 وعموما" ظهر في هذا السبيل اتجاهان الأول الاتجاه المادي والثاني هو الاتجاه المعنوي أو الغائي :
أولا":الاتجاه المادي في تعريف الإرهاب
يقوم الأساس المادي في تعريف الإرهاب على السلوك المكون للجريمة أو الأفعال المكونة لها وطبقا" لذلك يعرف الإرهاب بأنه عمل أو مجموعة من الأفعال المعينة التي تهدف إلى تحقيق هدف معين 0 (8)
وقد قاد هذا لمفهوم إلى تعريف الإرهاب بالاستناد إلى تعداد الجرائم التي تعد إرهابية دون البحث في الغرض أو الهدف من العمل الإرهابي 0
وفي هذا الاتجاه يذهب (بروس بالمر )إلى أن الإرهاب قابل للتعريف فيما إذا كانت الأعمال التي يضمها معناه ,يجري تعدادها وتعريفها بصورة دقيقة وبطريقة موضوعية دون تمييز فيما يتعلق بالفاعل مثل الأفراد وأعضاء الجماعات السياسية وعملاء دول من الدول –(9).
ومن ثم ذهب أنصار هذا الأسلوب إلى الاكتفاء بتعداد الأعمال أو الأفعال التي تعد أر هابيه كالقتل والاغتيال والاختطاف واحتجاز الرهائن و أعمال القرصنة 00
ولا يخفى ما يكتنف هذا التحديد من قصور من حيث انه تجاوز عن أهم عنصر من عناصر الجريمة الإرهابية وهو الغرض أو الهدف السياسي كما إن التحديد الحصري لجرائم معينة على إنها إرهابية يؤدي الى خروج الكثير من الجرائم من دائرة الإرهاب لالشيء سوى إنها لم تذكر في ضمن هذا النوع من الجرائم متجاوزين عما قد يجلبه التطور العلمي والتكنولوجي من صور جديدة للجرائم الإرهابية .
إزاء ذلك اتجه جانب من الفقه إلى تحديد صفات معينة للجرائم الإرهابية لتمييزها من غيرها وعدم الاكتفاء بالتعداد الحصري 0 (10)ومن تلك الصفات على سبيل المثال:
1-إن الأعمال الارهابيه تتصف بأنها أعمال عنف أو تهديد به 0 و أضاف البعض إلى هذه الصفة ,إن يكون العنف غير مشروع 0 وفي ذلك يقول ((يورام دينستن))((أنا اعتبر الإرهاب على انه عمل عنف غير قانوني ))0 (11)
2-أن يتضمن هذا العنف أحداث الرعب أو التخويف ,وتقوم بهذا الدور الإداة أو الوسيلة المستخدمة في العمل الإرهابي 0
3-إن يكون هذا العنف منسقا"أو منضما"ومستمرا"0 وعلى ذلك فعمل الاغتيال الذي لا يكون جزء" من نشاط منظم لايعد إرهابيا"0
وأيا"كانت محاولات هذا الاتجاه في تطوير مذهبة فقد ظل بعيدا"عن المحتوى الأساسي للإرهاب والذي يتجلى في الطابع السياسي للجريمة الارهابية0 رغم محاولات بعض الدول لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية القبول بهذا التعريف .
فقد ذهب وفد الولايات المتحدة في الدورة الثامنة والعشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلق بالإرهاب وطرق معالجته إلى اقتراح تعريف ظاهرة الإرهاب على إنها ((كل شخص يقتل شخصا" أو يسبب له ظررا" جسديا" بالغا"أو يخطفه أو يحاول القيام بفعل كهذا أو يشارك شخصا" قام أو حاول القيام بذلك ))0 (12)
ثانيا":الاتجاه المعنوي في تعريف الإرهاب 0
يركز هذا الاتجاه في تعرف الإرهاب على أساس الغاية أو الهدف الذي يسعى إليه الإرهابي من خلال عمله. غير إن أنصار هذا الاتجاه يختلفون في طبيعة هذه الأهداف فهناك أهداف سياسية وأخرى دينية وثالثة فكرية وهكذا 0 فهل يتعلق الإرهاب بهدف من هذه الأهداف بالتحديد باعتباره الركن المعنوي للجريمة الإرهابية ؟
استقر الرأي الغالب على القول بان الركن المعنوي في الجريمة الإرهابية يتجلى في غاية الإرهاب ذاته وهو توظيف الرعب والفزع الشديد لتحقيق مآرب سياسية أيا" كان نوعها 0(13)
وفي ذلك يعرف الدكتور شفيق المصري الإرهاب بشكل عام باعتباره ((استخدام غير شرعي للقوة او العنف أو التهديد باستخدامها بقصد تحقيق أهداف سياسية)).(14)
غير إن هذا التعريف يشكل نوع من التطابق بين الجريمة السياسية والأعمال الإرهابية وهو أمر غير مقبول لما يقود إليه ذلك من تخفيف للعقوبة وعدم إمكان تسليم المجرمين 0(15)فإذا كان الغرض السياسي عنصرا"مهما"في الجريمة الإرهابية فهو ليس المعيار الوحيد في تميزها 0
إزاء ذلك ذهب البعض إلى التركيز على عناصر أخرى في التعريف منها استخدام الوسائل القادرة على أحداث حاله من الرعب والفزع بقصد تحقيق الهدف أيا" كانت صورته سياسيا"أو دينيا"أو عقائديا"أو عنصريا",وفي هذا إخراج للجريمة السياسية والتي يمكن أن تحصل دون اللجوء إلى العنف0
وفي ذلك يكتب الدكتور إمام حسانين عطا لله ((إننا نشايع الرأي الذي يرى إن الإرهاب هو طريقة أو أسلوب فهو سلوك خاص وليس طريقة للتفكير أو وسيله للوصول إلى هدف معين ويؤيد ذلك إن المقطع الأخير من كلمة Terrorisme بالفرنسية Ismeتعني النظام أو الأسلوب – فالإرهاب على ذلك هو الأسلوب أو الطريقة المستخدمة والتي من طبيعتها إثارة الرعب والفزع بقصد الوصول إلى الهدف النهائي. (16)
ونرى إن هذا التعريف مقبول إلى حد كبير فهو يتضمن العناصر الواجب مراعاتها في تحديد مضمون الأعمال الإرهابية وتمييزها عما قد يختلط بها من أفعال أخرى.
على انه من المهم التأكيد على أن تكون أعمال العنف تلك ، أعمالا"غير مشروعه لتميز الفعل الإرهابي عن أعمال العنف المشروعة كأعمال المقاومة والكفاح المسلح.
ومن ثم يمكن تحديد عناصر تعريف الجريمة الإرهابية فيما يلي:
1-العنف غير المشروع0(17)
2-التنسيق والتنظيم
3-أن يؤدي العنف إلى خلق حالة الرعب والفزع 0
4-أن يهدف العمل إلى تحقيق أهداف سياسية أو دينية أو عقائدية أو عنصرية بعيدة عن الغايات الفردية0
ويستوي أخيرا"أن يمارس هذا العنف المنسق وغير المشروع من الأفراد أوالمؤسسات أو الدولة مادامت قد اجتمعت فيه العناصر المذكورة الأخرى 0
المطلب الثاني
تاريخ ارهاب0
بدا الإرهاب مع بداية البشر توارثوه جيلا" بعد جيل 0 فمنذ الخليقة والإنسان يعيث في الأرض فسادا" وسفكا" للدماء ولعل ذلك ما دفع الملائكة إلى القول ((أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك))0 (18)
الخطاب والإمام علي بن أبي طالب(ع)والحسن بن علي(ع)على يد الخوارج وهي جماعة إرهابية منظمة كانت تهدف إلى تحقيق غايات سياسية 0
كما انتشر في بعض مراحل التاريخ العربي ما يمكن أن نطلق عليه بإرهاب الدولة والذي تجلى بأعمال القتل والسبي أبان الحكم الأموي ,كما عرف عن الحجاج بن يوسف الثقفي انه كان يعرض جثث المقاتلات من الخوارج عارية في الأسواق لردع النساء من الانضمام اليهم0(19)
أما الإرهاب بمعناه الحديث فلم يظهر إلا في المجازر التي أعقبت الثورة الفرنسية والتي أدت إلى قتل اكثر من أربعين ألف انسان0 (20)والأعمال الإرهابية التي قامت بها العصابات الصهيونية في فلسطين 0 ومجازر الصرب في كوسوفو والبوسنة والتي ذهب ضحيتها آلاف المسلمين0 وتنتشر في الوقت الحاضر العديد من التنظيمات الممولة بشكل جيد والقادرة على التخطيط والتنسيق فيما بينها لتكون خصما" للدول الكبرى والتي تستخدم الخطاب الديني في حشر المؤيدين لها.
المطلب الثالث الإرهاب والشريعة الإسلامية
عرف التاريخ الإسلامي صور من الجرائم الإرهابية ورصد لها اشد العقوبات ولعل جريمتي البغي والحرابة أقرب صور الجرائم الى الأعمال الإرهابية ونجد أن من المناسب البحث في مضمون هاتين الجريمتين .
أولا":جريمة البغي:
جريمة البغي هي جريمة سياسية تقترف ضد السلطة بناء"على التأويل السائغ والتأويل السائغ يقابل في القانون الباعث السياسي فالتأويل قد يكون سائغأ وقد يكون فاسدأ ، وكذلك الباعث قد يكون دنيئا"وقد يكون شريفا". (21)
وقد فرق الفقهاء بين البغي بحق والبغي بغير حق والذي ينبغي وصفه بالجريمة و أوجبوا الوقوف مع البغاة إذا كانوا على حق وكان الإمام جائرا".
إما إذا كانوا على باطل وكان تأويلهم غير سائغ فيجب حرب البغاة إذا اجتمعوا في مكان معين ليس لان فعلهم يكون جريمة ولكن لردهم الى رشدهم .لذلك لايجب قتالهم إلا إذا بدئوا القتال .(22)
مصداقا"لقوله تعالى ((وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ,فان فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا أن الله يحب المقسطين ,إنما المؤمنون أخوه فاصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون)).(23)
وقد اشترط الفقهاء أن يكون الخروج بقصد عزل الإمام غير العادل ، ومن ثم تقترب هذه الجريمة من الجريمة السياسية في القانون الوضعي مما يستدعي تخفيف العقاب فيها والامتناع عن تسليم مرتكبيها .
وهو ما استدعى الفقهاء المسلمين إلى تعريف البغاة بأنهم (( الخارجون على الإمام الحق بغير الحق فلو خرجوا بحق فليسوا بغاة )) بينما ذهب آخرون إلى القول بأنهم (( هم الخارجون على إمام ولو غير عادل بتأويل سائغ ولهم شوكه )) . (24)
ومن ثم لايمكن النظر إلى الجرائم الإرهابية باعتبارها جريمة بغي وان كان لبعض مرتكبيها أرائهم وتأويلاتهم فخطف الطائرات والقرصنة البحرية واحتجاز الرهائن وطلب الفدية وقتل المدنيين وترويعهم لا يهدف إلى عزل الإمام غير العادل خاصه إذا ما اتخذ عملهم بعد دوليا لا يتناسب مع وصف البغي والذي يستدعي أن يكون داخل الدولة بحكم استهدافه عزل الإمام الجائر .
ثانيا: جريمة الحرابة
تعد جريمة الحرابة من ابشع الجرائم التي ورد النص عليها في التشريع الإسلامي ووضعت لها شروط خاصة وأركان خاصة لا تتحقق إلا بوجودها لجسامة العقوبة المترتبة عليها والتي ورد النص عليها في القرآن الكريم (( أنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي
في الدنيا ولهم في الاخره عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فعلموا أن الله غفور رحيم )) .(25)
والحرابة في اللغة مصدر مشتق من فعل حارب يحارب . ولهذا الفعل عدة معان منها أن الحرب بمعنى القتل وبمعنى المعصية وحارب الله إذ عصوه كما يأتي الحرب معنى سلب . (26)
وفي اصطلاح الفقهاء تعرف بأنها ( خروج جماعه أو فرد ذي شوكه إلى الطريق العام بغية منع المسافرين أو سرقة أموال المسافرين أو الاعتداء على أرواحهم)(27) وعرفها الحنفية بأنها ( الخروج على المارة على سبيل المغالبة على وجه يمنع المارة من المرور وينقطع الطريق ) . في حين عرفها الشافعية بأنها البروز لآخذ المال أو قتل أو إرهاب ويضيف بعضهم أن يكون ذلك مكابرة أو اعتمادا على الشوكة مع البعد عن الغوث.(28)
أما الشيعة الأمامية فأن المحاربة عندهم هي تجريد السلاح برأ وبحرا ليلا ونهارا لإخافة الناس في المصر وغيره وعد السارق محاربا إذا اقترف جريمة السرقة مع استعمال السلاح (29)
في حين وسع الظاهرية معنى الحرابة ليشمل كل مفسد في الأرض وحجتهم في ذلك أن آية المحاربين جعلت كل مفسد في الأرض محاربا والحكم مطلق يجرى على اطلاقة ما لم يرد حكم يقيده . (30)
ومن مجموع هذه التعريفات يمكن القول بأن فقهاء المسلمين بمختلف مذاهبهم يجمعون على أن الخروجلاخافة الناس في الطريق أو لاخذ أموالهم أو قتلهم أو جرحهم هو من قبيل الحرابة .
وأذا ما آجرينا مقارنه بين هذه الأفعال والصور المعاصرة من الجرائم الإرهابية نجد انهما يتفقان من حيث توافر العنصر النفسي ونشر الرعب أو الخوف وقد تقدم أن الشافعية عرفوا الحرابة بأنها البروز لآخذ المال أو إرهاب . كما اشترط الفقهاء تجريد السلاح والمكابرة بالاعتماد على الشوكة والمغالبة وهو ما ينطبق على اكثر العمليات الإرهابية في الوقت الحاضر لاسيما أعمال القرصنة البحرية وخطف الطائرات حيث يمتنع الغوث ويتم استخدام السلاح أو التهديد به لنشر الرعب بين المسافرين .
وعلى ذلك نجد أن جريمة الحرابة في الشريعة الإسلامية هي الصورة المقابلة للجريمة الإرهابية في التشريع الوضعي وقد حرص الإسلام على ضمان أمن واستقرار المجتمع باعتبار هذه الجريمة من الكبائر ورصد لها أشد العقوبات لما في قطع الطريق وقتل الناس وإرهابهم من إشاعة للفوضى والرعب واخلال خطير للنظام العام (31)
المبحث الثاني
الإرهاب في القانون الوطني
تتجه التشريعات الجنائية في مختلف دول العالم نحو معالجة مشكلة الإرهاب غير إن اغلبها يقف عاجزا عن وضع تعريف محدد لهذه الظاهرة ويكتفي بالنص على أفعال معينه تمثل صور من الجرائم الإرهابية يتم إخضاعها لنظام قانوني خاص لمواجهة أثارها الخطيرة على المجتمع وردع مرتكبيها .
المطلب الأول
الإرهاب في التشريعات المقارنه
وتتطرق في هذا المطلب إلى بعض التشريعات الاجنبية والعربية والتي عالجت موضوع الارهاب
اولآ : الإرهاب في التشريع الفرنسي
لم يفرد المشرع الفرنسي قانون خاص لمكافحة الإرهاب ، إنما عالج هذه المسألة ضمن نصوص قانون العقوبات وحدد أفعالا معينه مجرمة أخضعها لقواعد اكثر صرامة باعتبارها جرائم إرهابية إذا اتصلت بمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام بصورة جسيمه عن طريق التخويف والترويع . (32)
وبموجب القانون رقم 86/1020 لعام 1986 عرف المشرع الفرنسي الإرهاب بأنه ((خرق للقانون ، يقدم عليه فرد من الأفراد ، أو تنظيم جماعي بهدف أثارها اضطراب خطير في النظام العام عن طريق التهديد بالترهيب )) . (33)
ثانيا:الإرهاب في تشريع الولايات المتحدة الأمريكية .
تربط تشريعات الولايات المتحدة الأمريكية الإرهاب بالأفراد فحسب والاتجاه الفقهي السائد يذهب الى تعريف الإرهاب بأنه نشاط موجه ضد شخص من أشخاص الولايات المتحدة يمارس من قبل فرد ليس من مواطني الولايات المتحدة أومن الأجانب المقيمين فيها بصورة دائمة . (34)
وقد سن المشرع الأمريكي عدة قوانين لمكافحة الإرهاب منها قانون مكافحة اختطاف الطائرات عام 1971 .(35) كما من الكونغرس جزاءات تفرض على البلدان التي تعاون الارهابيين أو تحرضهم أو تمنحهم ملاذا في عام 1976 . (36)
وقد عرفت وزارة العدل الأمريكية عام 1984 إلارهاب بأنه سلوك جنائي عنيف يقصد به بوضوح التأثير على سلوك حكومة ما عن طريق الاغتيال أو الخطف . بينما ذهب مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى تعريفه بأنه عمل عنيف أو عمل يشكل خطرأ على الحياة الإنسانية وينتهك حرمة القوانين الجنائية في أية دوله . (37)
غير أن المشرع الأمريكي لم يتعامل مع الإرهاب باعتباره جريمة مستقلة حتى صدور قانون عام 1996 ثم توالت القوانين بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وخاصة فيما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب .
ثالثا// الإرهاب في التشريع المصري
لم يعالج التشريع المصري الإرهاب بوصفة جريمة مستقلة ولم يضع لها قواعد موضوعية أو إجرائية خاصة حتى صدور القانون
رقم 97 في تموز 1992 الذي عرف الإرهاب في مادته الثانية بقوله (( يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون استخدام القوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، بهدف الإخلال
بالنظام العام او تعريض سلامة المجتمع وامنه للخطر إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو اللقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة ، أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال أو المباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لاعمالها . أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين و اللوائح )) . (38) ويبدو من هذا التعريف ان المشرع المصري قد توسع في تعريف الإرهاب فشمل العديد من الأفعال التي قد تقع تحت معناه المتعارف عليه فهو على سبيل المثال تجاوز عن عامل التأثير النفسي أو الرعب المجتمع على اشتراطة كصفه مميزة للجرائم الارهابية فشمل بالاضافة اليه ايذاء الاشخاص وتعريض حياتهم أو حرياتهم أو امنهم للخطر والحاق الضرر بالبيئه وبالاتصالات الخ . وهي بمجملها قد تشكل جرائم عادية تحفل بها التشريعات الجنائية .
رابعأ// الارهاب في التشريع السوري
كان التشريع السوري من اقدم التشريعات العربية التي تناولت موضوع الارهاب باعتباره جريمه مستقله . فقد عرفت المادة 304 من قانون العقوبات لعام 1949 الارهاب بقولها (( يقصد بالاعال الارهابية الافعال التي ترمي الى ايجاد حالة ذعر ، وترتكب بوسائل كالادوات المتفجرة ، والاسلحة الحربية والمواد الملتهبة ، والمنتجات السامة أو المحرقة ، والعوامل الوبائية أو الجرثومية التي من شأنها ان تحدث خطرأعامأ)) .
وقد عاقب القانون بشدة على اقتراف هذا النوع من الجرائم أو التأمر لارتكابها كما عاقب بالاعدام فيما اذا نتج عنها تخريب أو افضت الى موت انسان (39) .
وفي المادة 306 من ذات القانون عاقب المشرع المنظمات الارهابية وامر بحلها ومعاقبة مؤسسيها والاعضاء المنتمين اليها.
المطلب الثاني
الارهاب في التشريع العراقي
تناول المشرع العراقي الارهاب من حيث انه عنصر من عناصر بعض الجرائم المعاقب عليها كجريمة التأمر لتغيير مبادىء الدستور الاساسية او الاعتداء على النظم الاساسية للدولة او الاعتداء على الموظفين والمواطنين .
فقد ورد في المادة (200/2 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969((يعاقب بالسجن مدة لاتزيد على سبع سنوات أو الحبس كل من حبذ أو روج ايأ من المذاهب التي ترمي الى تغيير مبادىء الدستور الاساسية أو النظم الاساسية الاجتماعية أو لتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من النظم الاساسية للهيئة الاجتماعية متى كان استعمال القوة أو الارهاب او اى وسيلة اخرى غير مشروعة ملحوظأ في ذلك )) . وورد في المادة (365) (( يعاقب بالحبس أو الغرامة أو باحدى هاتين العقوبتين من اعتدى أو شرع في الاعتداء على حق الموظفين أو المكلفين بخدمة عامة في العمل باستعمال القوة أو العنف أو الارهاب أو التهديد أو اية وسيلة اخرى غير مشروعة )).
كما نصت المادة 366 على انه (( …يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنه أو بغرامة لا تزيد على مائة دينار من استعمل القوة أو العنف أو الارهاب أو التهديد أو اية وسيلة اخرى غير مشروعة ضد حق الغير في العمل أو على حقه في ان يستخدم أو يمتنع عن استخدام أي شخص )) .
ومن الجدير بالذكر ان تعبير الجرائم الارهابية قد ورد في الفقرة ( أ- ه ) من المادة 21 من قانون العقوبات العراقي في سياق تعداد الجرائم الارهابية التي لا تعد سياسية ولو كانت قد ارتكبت بباعث سياسي ولكن القانون لم يعرف هذه الجرائم ولم يأت بامثله تطبيقية لها ونرى انه وان لم يكن من واجب المشرع ايراد التعاريف فان من واجبه تجريم الارهاب بوصفه جريمه مستقله قائمة بذاتها لازال العراق يعاني من الكثير من صورها من قبيل القتل والاختطاف والابتزاز والتخريب .
وفي العراق بأخذ هذا الموضوع بعدأ اكثر اهمية بحكم معاناته من مختلف صور الجرائم الارهابية وتحت مسميات وذرائع مختلفة .
ولا شك ان البحث في المفهوم الارهاب يتطلب دراستها من جوانبها المختلفه غير ان دراستها هذه تقتصر على تحديد مفهومه باعتبارها ظاهرة قانونية على الصعيدين الدولي والداخلي .
وفي هذا البحث الموجز سنسعى الى بحث مفهوم الارهاب في الشريعة الاسلاميه والقانون الوضعي الدولي والداخلي ونحاول تمييز الارهاب من غيره من اعمال العنف المشروعهكأعمال المقاومه والكفاح المسلح .
وسنقسم الدراسه الى أربعة مباحث يتعلق المبحث الاول منها في تعريف الارهاب وتأريخه ونكرس المبحث الثاني لموضوع الارهاب في القانون الوطني اما المبحث الثالث فسنتناول فيه موضوع الارهاب في القانون الدولي واخيرأ ميزنا بين الارهاب ونشاط الكفاح المسلح واعمال المقاومه .
المبحث الأول
تعريف الإرهاب وتاريخه
اختلف الباحثين في تعريف الإرهاب وتاريخ ظهوره ,ومنهم من أهمل مسالة التعريف تلافيا"لصعوبته مكتفيا"ببحث ظاهرة الإرهاب وسرد خصائصها وصورها,بينما سعى البعض الى وضع تعريف محدد وجامع ,فكان إن برزت العديد من التعاريف التي تحوي على بعض عناصر الإرهاب والتي من الممكن أن تكون أساسا" في تحديد مفهوم هذه الظاهرة 0
المطلب الأول
تعريف ظاهرة الإرهاب
يأتي الإرهاب في اللغة العربية من الفعل (رهب ,يرهب,رهبة")أي خاف ,ورهبه أي خافه 0 والرهبه هي الخوف والفزع0 وهو راهب من الله أي خائف من عقابه ,وترهبه أي توعده 0 (1)أما في القران الكريم فينصرف معنى الإرهاب إلى ما ورد في الآيات القرآنية التي تأتي بمعنى الفزع والخوف والخشية والرهبة من عقاب الله تعالى ,فقد ورد في قوله تعالى(واوفوا بعهدي أوف بعهدكم واياي فارهبون ).(2) وجاء (إنما هو اله واحد فإياي فارهبون) (3)وورد (انهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا" ورهبا") (4)
كما يأتي الإرهاب في القران الكريم بمعنى الردع العسكري فقد ورد (ترهبون به عدوا الله وعدوكم واخرين من دونهم) 0 (5)وجاء أيضا" (واستر هبوهم وجاءوا بسحر عظيم).(6)
أما في اللغات الأخرى فان الإرهاب يأتي بمعنى رعبterror وتعني خوفا"أو قلقا"متناهيا"أو تهديد غير مألوف وغير متوقع ,وقد اصبح هذا المصطلح يأخذ معنى جديد في الثلاثين عاما" الأخيرة ويعني استخدام العنف والقاء الرعب بين الناس.
والإرهابي هو من يلجا إلى العنف غير القانوني أو التهديد به لتحقيق أهداف سياسية سواء من الحكومة أو الأفراد والجماعات الثورية المعارضة0 (7)
وقد بلغت أهمية تعريف ظاهرة الإرهاب حدا" كبيرا"دفع الدول إلى إقامة المؤتمرات والندوات لتحديد مفهومه وعناصره ومسبباته0 وعموما" ظهر في هذا السبيل اتجاهان الأول الاتجاه المادي والثاني هو الاتجاه المعنوي أو الغائي :
أولا":الاتجاه المادي في تعريف الإرهاب
يقوم الأساس المادي في تعريف الإرهاب على السلوك المكون للجريمة أو الأفعال المكونة لها وطبقا" لذلك يعرف الإرهاب بأنه عمل أو مجموعة من الأفعال المعينة التي تهدف إلى تحقيق هدف معين 0 (8)
وقد قاد هذا لمفهوم إلى تعريف الإرهاب بالاستناد إلى تعداد الجرائم التي تعد إرهابية دون البحث في الغرض أو الهدف من العمل الإرهابي 0
وفي هذا الاتجاه يذهب (بروس بالمر )إلى أن الإرهاب قابل للتعريف فيما إذا كانت الأعمال التي يضمها معناه ,يجري تعدادها وتعريفها بصورة دقيقة وبطريقة موضوعية دون تمييز فيما يتعلق بالفاعل مثل الأفراد وأعضاء الجماعات السياسية وعملاء دول من الدول –(9).
ومن ثم ذهب أنصار هذا الأسلوب إلى الاكتفاء بتعداد الأعمال أو الأفعال التي تعد أر هابيه كالقتل والاغتيال والاختطاف واحتجاز الرهائن و أعمال القرصنة 00
ولا يخفى ما يكتنف هذا التحديد من قصور من حيث انه تجاوز عن أهم عنصر من عناصر الجريمة الإرهابية وهو الغرض أو الهدف السياسي كما إن التحديد الحصري لجرائم معينة على إنها إرهابية يؤدي الى خروج الكثير من الجرائم من دائرة الإرهاب لالشيء سوى إنها لم تذكر في ضمن هذا النوع من الجرائم متجاوزين عما قد يجلبه التطور العلمي والتكنولوجي من صور جديدة للجرائم الإرهابية .
إزاء ذلك اتجه جانب من الفقه إلى تحديد صفات معينة للجرائم الإرهابية لتمييزها من غيرها وعدم الاكتفاء بالتعداد الحصري 0 (10)ومن تلك الصفات على سبيل المثال:
1-إن الأعمال الارهابيه تتصف بأنها أعمال عنف أو تهديد به 0 و أضاف البعض إلى هذه الصفة ,إن يكون العنف غير مشروع 0 وفي ذلك يقول ((يورام دينستن))((أنا اعتبر الإرهاب على انه عمل عنف غير قانوني ))0 (11)
2-أن يتضمن هذا العنف أحداث الرعب أو التخويف ,وتقوم بهذا الدور الإداة أو الوسيلة المستخدمة في العمل الإرهابي 0
3-إن يكون هذا العنف منسقا"أو منضما"ومستمرا"0 وعلى ذلك فعمل الاغتيال الذي لا يكون جزء" من نشاط منظم لايعد إرهابيا"0
وأيا"كانت محاولات هذا الاتجاه في تطوير مذهبة فقد ظل بعيدا"عن المحتوى الأساسي للإرهاب والذي يتجلى في الطابع السياسي للجريمة الارهابية0 رغم محاولات بعض الدول لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية القبول بهذا التعريف .
فقد ذهب وفد الولايات المتحدة في الدورة الثامنة والعشرين للجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلق بالإرهاب وطرق معالجته إلى اقتراح تعريف ظاهرة الإرهاب على إنها ((كل شخص يقتل شخصا" أو يسبب له ظررا" جسديا" بالغا"أو يخطفه أو يحاول القيام بفعل كهذا أو يشارك شخصا" قام أو حاول القيام بذلك ))0 (12)
ثانيا":الاتجاه المعنوي في تعريف الإرهاب 0
يركز هذا الاتجاه في تعرف الإرهاب على أساس الغاية أو الهدف الذي يسعى إليه الإرهابي من خلال عمله. غير إن أنصار هذا الاتجاه يختلفون في طبيعة هذه الأهداف فهناك أهداف سياسية وأخرى دينية وثالثة فكرية وهكذا 0 فهل يتعلق الإرهاب بهدف من هذه الأهداف بالتحديد باعتباره الركن المعنوي للجريمة الإرهابية ؟
استقر الرأي الغالب على القول بان الركن المعنوي في الجريمة الإرهابية يتجلى في غاية الإرهاب ذاته وهو توظيف الرعب والفزع الشديد لتحقيق مآرب سياسية أيا" كان نوعها 0(13)
وفي ذلك يعرف الدكتور شفيق المصري الإرهاب بشكل عام باعتباره ((استخدام غير شرعي للقوة او العنف أو التهديد باستخدامها بقصد تحقيق أهداف سياسية)).(14)
غير إن هذا التعريف يشكل نوع من التطابق بين الجريمة السياسية والأعمال الإرهابية وهو أمر غير مقبول لما يقود إليه ذلك من تخفيف للعقوبة وعدم إمكان تسليم المجرمين 0(15)فإذا كان الغرض السياسي عنصرا"مهما"في الجريمة الإرهابية فهو ليس المعيار الوحيد في تميزها 0
إزاء ذلك ذهب البعض إلى التركيز على عناصر أخرى في التعريف منها استخدام الوسائل القادرة على أحداث حاله من الرعب والفزع بقصد تحقيق الهدف أيا" كانت صورته سياسيا"أو دينيا"أو عقائديا"أو عنصريا",وفي هذا إخراج للجريمة السياسية والتي يمكن أن تحصل دون اللجوء إلى العنف0
وفي ذلك يكتب الدكتور إمام حسانين عطا لله ((إننا نشايع الرأي الذي يرى إن الإرهاب هو طريقة أو أسلوب فهو سلوك خاص وليس طريقة للتفكير أو وسيله للوصول إلى هدف معين ويؤيد ذلك إن المقطع الأخير من كلمة Terrorisme بالفرنسية Ismeتعني النظام أو الأسلوب – فالإرهاب على ذلك هو الأسلوب أو الطريقة المستخدمة والتي من طبيعتها إثارة الرعب والفزع بقصد الوصول إلى الهدف النهائي. (16)
ونرى إن هذا التعريف مقبول إلى حد كبير فهو يتضمن العناصر الواجب مراعاتها في تحديد مضمون الأعمال الإرهابية وتمييزها عما قد يختلط بها من أفعال أخرى.
على انه من المهم التأكيد على أن تكون أعمال العنف تلك ، أعمالا"غير مشروعه لتميز الفعل الإرهابي عن أعمال العنف المشروعة كأعمال المقاومة والكفاح المسلح.
ومن ثم يمكن تحديد عناصر تعريف الجريمة الإرهابية فيما يلي:
1-العنف غير المشروع0(17)
2-التنسيق والتنظيم
3-أن يؤدي العنف إلى خلق حالة الرعب والفزع 0
4-أن يهدف العمل إلى تحقيق أهداف سياسية أو دينية أو عقائدية أو عنصرية بعيدة عن الغايات الفردية0
ويستوي أخيرا"أن يمارس هذا العنف المنسق وغير المشروع من الأفراد أوالمؤسسات أو الدولة مادامت قد اجتمعت فيه العناصر المذكورة الأخرى 0
المطلب الثاني
تاريخ ارهاب0
بدا الإرهاب مع بداية البشر توارثوه جيلا" بعد جيل 0 فمنذ الخليقة والإنسان يعيث في الأرض فسادا" وسفكا" للدماء ولعل ذلك ما دفع الملائكة إلى القول ((أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك))0 (18)
الخطاب والإمام علي بن أبي طالب(ع)والحسن بن علي(ع)على يد الخوارج وهي جماعة إرهابية منظمة كانت تهدف إلى تحقيق غايات سياسية 0
كما انتشر في بعض مراحل التاريخ العربي ما يمكن أن نطلق عليه بإرهاب الدولة والذي تجلى بأعمال القتل والسبي أبان الحكم الأموي ,كما عرف عن الحجاج بن يوسف الثقفي انه كان يعرض جثث المقاتلات من الخوارج عارية في الأسواق لردع النساء من الانضمام اليهم0(19)
أما الإرهاب بمعناه الحديث فلم يظهر إلا في المجازر التي أعقبت الثورة الفرنسية والتي أدت إلى قتل اكثر من أربعين ألف انسان0 (20)والأعمال الإرهابية التي قامت بها العصابات الصهيونية في فلسطين 0 ومجازر الصرب في كوسوفو والبوسنة والتي ذهب ضحيتها آلاف المسلمين0 وتنتشر في الوقت الحاضر العديد من التنظيمات الممولة بشكل جيد والقادرة على التخطيط والتنسيق فيما بينها لتكون خصما" للدول الكبرى والتي تستخدم الخطاب الديني في حشر المؤيدين لها.
المطلب الثالث الإرهاب والشريعة الإسلامية
عرف التاريخ الإسلامي صور من الجرائم الإرهابية ورصد لها اشد العقوبات ولعل جريمتي البغي والحرابة أقرب صور الجرائم الى الأعمال الإرهابية ونجد أن من المناسب البحث في مضمون هاتين الجريمتين .
أولا":جريمة البغي:
جريمة البغي هي جريمة سياسية تقترف ضد السلطة بناء"على التأويل السائغ والتأويل السائغ يقابل في القانون الباعث السياسي فالتأويل قد يكون سائغأ وقد يكون فاسدأ ، وكذلك الباعث قد يكون دنيئا"وقد يكون شريفا". (21)
وقد فرق الفقهاء بين البغي بحق والبغي بغير حق والذي ينبغي وصفه بالجريمة و أوجبوا الوقوف مع البغاة إذا كانوا على حق وكان الإمام جائرا".
إما إذا كانوا على باطل وكان تأويلهم غير سائغ فيجب حرب البغاة إذا اجتمعوا في مكان معين ليس لان فعلهم يكون جريمة ولكن لردهم الى رشدهم .لذلك لايجب قتالهم إلا إذا بدئوا القتال .(22)
مصداقا"لقوله تعالى ((وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ,فان فاءت فاصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا أن الله يحب المقسطين ,إنما المؤمنون أخوه فاصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون)).(23)
وقد اشترط الفقهاء أن يكون الخروج بقصد عزل الإمام غير العادل ، ومن ثم تقترب هذه الجريمة من الجريمة السياسية في القانون الوضعي مما يستدعي تخفيف العقاب فيها والامتناع عن تسليم مرتكبيها .
وهو ما استدعى الفقهاء المسلمين إلى تعريف البغاة بأنهم (( الخارجون على الإمام الحق بغير الحق فلو خرجوا بحق فليسوا بغاة )) بينما ذهب آخرون إلى القول بأنهم (( هم الخارجون على إمام ولو غير عادل بتأويل سائغ ولهم شوكه )) . (24)
ومن ثم لايمكن النظر إلى الجرائم الإرهابية باعتبارها جريمة بغي وان كان لبعض مرتكبيها أرائهم وتأويلاتهم فخطف الطائرات والقرصنة البحرية واحتجاز الرهائن وطلب الفدية وقتل المدنيين وترويعهم لا يهدف إلى عزل الإمام غير العادل خاصه إذا ما اتخذ عملهم بعد دوليا لا يتناسب مع وصف البغي والذي يستدعي أن يكون داخل الدولة بحكم استهدافه عزل الإمام الجائر .
ثانيا: جريمة الحرابة
تعد جريمة الحرابة من ابشع الجرائم التي ورد النص عليها في التشريع الإسلامي ووضعت لها شروط خاصة وأركان خاصة لا تتحقق إلا بوجودها لجسامة العقوبة المترتبة عليها والتي ورد النص عليها في القرآن الكريم (( أنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي
في الدنيا ولهم في الاخره عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فعلموا أن الله غفور رحيم )) .(25)
والحرابة في اللغة مصدر مشتق من فعل حارب يحارب . ولهذا الفعل عدة معان منها أن الحرب بمعنى القتل وبمعنى المعصية وحارب الله إذ عصوه كما يأتي الحرب معنى سلب . (26)
وفي اصطلاح الفقهاء تعرف بأنها ( خروج جماعه أو فرد ذي شوكه إلى الطريق العام بغية منع المسافرين أو سرقة أموال المسافرين أو الاعتداء على أرواحهم)(27) وعرفها الحنفية بأنها ( الخروج على المارة على سبيل المغالبة على وجه يمنع المارة من المرور وينقطع الطريق ) . في حين عرفها الشافعية بأنها البروز لآخذ المال أو قتل أو إرهاب ويضيف بعضهم أن يكون ذلك مكابرة أو اعتمادا على الشوكة مع البعد عن الغوث.(28)
أما الشيعة الأمامية فأن المحاربة عندهم هي تجريد السلاح برأ وبحرا ليلا ونهارا لإخافة الناس في المصر وغيره وعد السارق محاربا إذا اقترف جريمة السرقة مع استعمال السلاح (29)
في حين وسع الظاهرية معنى الحرابة ليشمل كل مفسد في الأرض وحجتهم في ذلك أن آية المحاربين جعلت كل مفسد في الأرض محاربا والحكم مطلق يجرى على اطلاقة ما لم يرد حكم يقيده . (30)
ومن مجموع هذه التعريفات يمكن القول بأن فقهاء المسلمين بمختلف مذاهبهم يجمعون على أن الخروجلاخافة الناس في الطريق أو لاخذ أموالهم أو قتلهم أو جرحهم هو من قبيل الحرابة .
وأذا ما آجرينا مقارنه بين هذه الأفعال والصور المعاصرة من الجرائم الإرهابية نجد انهما يتفقان من حيث توافر العنصر النفسي ونشر الرعب أو الخوف وقد تقدم أن الشافعية عرفوا الحرابة بأنها البروز لآخذ المال أو إرهاب . كما اشترط الفقهاء تجريد السلاح والمكابرة بالاعتماد على الشوكة والمغالبة وهو ما ينطبق على اكثر العمليات الإرهابية في الوقت الحاضر لاسيما أعمال القرصنة البحرية وخطف الطائرات حيث يمتنع الغوث ويتم استخدام السلاح أو التهديد به لنشر الرعب بين المسافرين .
وعلى ذلك نجد أن جريمة الحرابة في الشريعة الإسلامية هي الصورة المقابلة للجريمة الإرهابية في التشريع الوضعي وقد حرص الإسلام على ضمان أمن واستقرار المجتمع باعتبار هذه الجريمة من الكبائر ورصد لها أشد العقوبات لما في قطع الطريق وقتل الناس وإرهابهم من إشاعة للفوضى والرعب واخلال خطير للنظام العام (31)
المبحث الثاني
الإرهاب في القانون الوطني
تتجه التشريعات الجنائية في مختلف دول العالم نحو معالجة مشكلة الإرهاب غير إن اغلبها يقف عاجزا عن وضع تعريف محدد لهذه الظاهرة ويكتفي بالنص على أفعال معينه تمثل صور من الجرائم الإرهابية يتم إخضاعها لنظام قانوني خاص لمواجهة أثارها الخطيرة على المجتمع وردع مرتكبيها .
المطلب الأول
الإرهاب في التشريعات المقارنه
وتتطرق في هذا المطلب إلى بعض التشريعات الاجنبية والعربية والتي عالجت موضوع الارهاب
اولآ : الإرهاب في التشريع الفرنسي
لم يفرد المشرع الفرنسي قانون خاص لمكافحة الإرهاب ، إنما عالج هذه المسألة ضمن نصوص قانون العقوبات وحدد أفعالا معينه مجرمة أخضعها لقواعد اكثر صرامة باعتبارها جرائم إرهابية إذا اتصلت بمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الإخلال بالنظام العام بصورة جسيمه عن طريق التخويف والترويع . (32)
وبموجب القانون رقم 86/1020 لعام 1986 عرف المشرع الفرنسي الإرهاب بأنه ((خرق للقانون ، يقدم عليه فرد من الأفراد ، أو تنظيم جماعي بهدف أثارها اضطراب خطير في النظام العام عن طريق التهديد بالترهيب )) . (33)
ثانيا:الإرهاب في تشريع الولايات المتحدة الأمريكية .
تربط تشريعات الولايات المتحدة الأمريكية الإرهاب بالأفراد فحسب والاتجاه الفقهي السائد يذهب الى تعريف الإرهاب بأنه نشاط موجه ضد شخص من أشخاص الولايات المتحدة يمارس من قبل فرد ليس من مواطني الولايات المتحدة أومن الأجانب المقيمين فيها بصورة دائمة . (34)
وقد سن المشرع الأمريكي عدة قوانين لمكافحة الإرهاب منها قانون مكافحة اختطاف الطائرات عام 1971 .(35) كما من الكونغرس جزاءات تفرض على البلدان التي تعاون الارهابيين أو تحرضهم أو تمنحهم ملاذا في عام 1976 . (36)
وقد عرفت وزارة العدل الأمريكية عام 1984 إلارهاب بأنه سلوك جنائي عنيف يقصد به بوضوح التأثير على سلوك حكومة ما عن طريق الاغتيال أو الخطف . بينما ذهب مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى تعريفه بأنه عمل عنيف أو عمل يشكل خطرأ على الحياة الإنسانية وينتهك حرمة القوانين الجنائية في أية دوله . (37)
غير أن المشرع الأمريكي لم يتعامل مع الإرهاب باعتباره جريمة مستقلة حتى صدور قانون عام 1996 ثم توالت القوانين بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وخاصة فيما يتعلق بمكافحة تمويل الإرهاب .
ثالثا// الإرهاب في التشريع المصري
لم يعالج التشريع المصري الإرهاب بوصفة جريمة مستقلة ولم يضع لها قواعد موضوعية أو إجرائية خاصة حتى صدور القانون
رقم 97 في تموز 1992 الذي عرف الإرهاب في مادته الثانية بقوله (( يقصد بالإرهاب في تطبيق أحكام هذا القانون استخدام القوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه الجاني تنفيذا لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ، بهدف الإخلال
بالنظام العام او تعريض سلامة المجتمع وامنه للخطر إذا كان من شأن ذلك إيذاء الأشخاص أو اللقاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم أو أمنهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة ، أو بالاتصالات أو المواصلات أو بالأموال أو المباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لاعمالها . أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين و اللوائح )) . (38) ويبدو من هذا التعريف ان المشرع المصري قد توسع في تعريف الإرهاب فشمل العديد من الأفعال التي قد تقع تحت معناه المتعارف عليه فهو على سبيل المثال تجاوز عن عامل التأثير النفسي أو الرعب المجتمع على اشتراطة كصفه مميزة للجرائم الارهابية فشمل بالاضافة اليه ايذاء الاشخاص وتعريض حياتهم أو حرياتهم أو امنهم للخطر والحاق الضرر بالبيئه وبالاتصالات الخ . وهي بمجملها قد تشكل جرائم عادية تحفل بها التشريعات الجنائية .
رابعأ// الارهاب في التشريع السوري
كان التشريع السوري من اقدم التشريعات العربية التي تناولت موضوع الارهاب باعتباره جريمه مستقله . فقد عرفت المادة 304 من قانون العقوبات لعام 1949 الارهاب بقولها (( يقصد بالاعال الارهابية الافعال التي ترمي الى ايجاد حالة ذعر ، وترتكب بوسائل كالادوات المتفجرة ، والاسلحة الحربية والمواد الملتهبة ، والمنتجات السامة أو المحرقة ، والعوامل الوبائية أو الجرثومية التي من شأنها ان تحدث خطرأعامأ)) .
وقد عاقب القانون بشدة على اقتراف هذا النوع من الجرائم أو التأمر لارتكابها كما عاقب بالاعدام فيما اذا نتج عنها تخريب أو افضت الى موت انسان (39) .
وفي المادة 306 من ذات القانون عاقب المشرع المنظمات الارهابية وامر بحلها ومعاقبة مؤسسيها والاعضاء المنتمين اليها.
المطلب الثاني
الارهاب في التشريع العراقي
تناول المشرع العراقي الارهاب من حيث انه عنصر من عناصر بعض الجرائم المعاقب عليها كجريمة التأمر لتغيير مبادىء الدستور الاساسية او الاعتداء على النظم الاساسية للدولة او الاعتداء على الموظفين والمواطنين .
فقد ورد في المادة (200/2 ) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969((يعاقب بالسجن مدة لاتزيد على سبع سنوات أو الحبس كل من حبذ أو روج ايأ من المذاهب التي ترمي الى تغيير مبادىء الدستور الاساسية أو النظم الاساسية الاجتماعية أو لتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من النظم الاساسية للهيئة الاجتماعية متى كان استعمال القوة أو الارهاب او اى وسيلة اخرى غير مشروعة ملحوظأ في ذلك )) . وورد في المادة (365) (( يعاقب بالحبس أو الغرامة أو باحدى هاتين العقوبتين من اعتدى أو شرع في الاعتداء على حق الموظفين أو المكلفين بخدمة عامة في العمل باستعمال القوة أو العنف أو الارهاب أو التهديد أو اية وسيلة اخرى غير مشروعة )).
كما نصت المادة 366 على انه (( …يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنه أو بغرامة لا تزيد على مائة دينار من استعمل القوة أو العنف أو الارهاب أو التهديد أو اية وسيلة اخرى غير مشروعة ضد حق الغير في العمل أو على حقه في ان يستخدم أو يمتنع عن استخدام أي شخص )) .
ومن الجدير بالذكر ان تعبير الجرائم الارهابية قد ورد في الفقرة ( أ- ه ) من المادة 21 من قانون العقوبات العراقي في سياق تعداد الجرائم الارهابية التي لا تعد سياسية ولو كانت قد ارتكبت بباعث سياسي ولكن القانون لم يعرف هذه الجرائم ولم يأت بامثله تطبيقية لها ونرى انه وان لم يكن من واجب المشرع ايراد التعاريف فان من واجبه تجريم الارهاب بوصفه جريمه مستقله قائمة بذاتها لازال العراق يعاني من الكثير من صورها من قبيل القتل والاختطاف والابتزاز والتخريب .