حقوق الإنسان بين القانون الدولي والشريعة الإسلامية
الدكتور عادل عامر
إنَّ الحمد لله نحمده وستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور ر أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) ( (آل عمران : ١٠٢ وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذي يأيها الذين ) ( النساء: ١ ) ( تساءلون به والأرحام، إنّ الله كان عليكم رقيبا ً آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ٧١ ). وبعد، - الأحزاب: ٧٠ ) ( ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً فليس موضوع حقوق الإنسان غريباً على المسلمين، فما ُأنزلت خاتمة الشرائع إلا لعبادة الله وحده، وتحقيق مصالح الخلق . بل إن جميع الأحكام شرعت لتحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم، وسواء كانت هذه المصالح فردية أم عامة . وقد انعقد إجماع أئمة الفقه وعلماء المسلمين على ذلك. ومن أقوالهم في ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : "إن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيوالمال.ح وتكميلها، وتعطيل المفاسد.( وتقليلها"( 1إن مصالح الخلق تقوم على حفظ الضروريات الخمس، وهي ح فظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة هو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة. وإنما كان حفظ هذه الأصول ضرورياً لأنه لابد منها لقيام مصالح الدين والدنيا. لقد ضم الإسلام بين جناحيه (الكتاب والسنة ) أنقى وأصدق صورة لما ينبغي أن تكون عليه العلوم الإنسانية والاجتماعية من شريعة واجتماع وعلم نفس وتربية وسياسة ومنهجية تاريخية وعلم اجتماع...، وترك العلوم الطبيعية للإنسان ليبحث فيها ويكتشف ويبدع بعد أن أرسى له أخلاقها ومبادئها الإنسانية. لكنه لم يدع لهذا الإنسان أمر العلوم الإنسانية والاجتماعية لخطر شأنا. وإذا لم يكن في الإسلام التصور الوحيد الصحيح لهذه العلوم، فأين يمكن أن يكون إذن !! وما ُأنزل القرآن الكريم ولاجاءت السنة النبوية إلا لتعطي الإنسان كل خير، فلا ينفعه شيء سوى أحكامهما، ولا أمل للبشرية في غيرهما للنجاة من مشكلاتنا ا المتجددة. وإنه مما حفزني على الكتابة في موضوع حقوق الإنسان في الإسلام،هو كونه وسيلة دعوية ناجحة تبرز وتبين لعديد من أناس هذا العصر، ولاسيما غير المسلمين، محاسن الإسلام الخفية عنهم. لقد بحث عديد من الباحثين المخلصين منهج مقارنة ومواز نة الإسلام بغيره . ولست منكراً عليهم ذلك. غير أنني أرى أن هذا أسلوب ينبغي أن يصحبه كثير من الحذر، كي لا تتحول المقارنة إلى محاكمة للإسلام –وكأنه المتهم في قفص الدفاع - أمام التصورات الأخرى، ولاسيما الغربية باعتبارها الأصل والمقياس لما ينبغي أن تكون عليه الحياة الإنسانية، فينساق بعض الباحثين إما إلى إثبات أن الإسلام سبق غيره في هذا أو ذاك، أو إثبات مساواة الإسلام بغيره من الفضائل في هذا الموضوع أو ذاك. وفي خضم المقارنة والموازنة بين الإسلام وغيره يضيع جهد كثير وحجم واسع كبير من العمل العلمي في إبراز م ساوى التصورات الأخرى، ويكون ذلك على حساب بيان الإسلام وشرح مواقفه وإيضاح معالمه للعالمين. وقد يذهب الحماس يبعضهم أحياناً إلى نقد الآخرين نقداً جارحاً وتسفيه آرائهم تسفيهاً بالغاً، ونحن في غنى عن هذا كله إذا استطعنا أن نقدم للناس الإسلام كما هو، فهذه خير وسيلة لنقد الآخرين وإبراز ما هم عليه من مساوئ دون ذكرها، ودون الحاجة للموازنة، وبالتالي دون الحاجة للدفاع عن الإسلام وأحكامه، بل دون التغني بمحاسن الإسلام والتغزل بجماله، وإنما بعرض الإسلام كما هو، وكفى به محدثاً عن نفسه، وكفى وسيرته معبرًا عن روعة هذا الدين واتقانه بآيات الحكيم وأحاديث رسوله وأحكامه ووفائه وحده بحاجات البشرية وحل مشكلاتها، ووضع حد لمعانتها. ولهذا لم يتبع الباحث في بحثه أسلوب المقارنة والموازنة، ولم يأت على ذكر التصورات غير الإسلامية إلا لماماً في المدخل لهذا البحث. إن نقد الآخرين لايؤدي بالضرورة إلى تقديم صورة كاملة واضحة للإسلام. غير أن تقديم صورة واضحة للإسلام يتضمن نقداً مهذباً غير إن حقوق الإنسان تختلف عن غيرها من الحقوق المنصوص عليها في القوانين المرعية في أية دولة من الدول، فحقوق الإنسان لا تتعلق بإنسان معين؛ بل تتعلق بالإنسان من حيث هو إنسان وبهذا الوصف بالذات. وأساس ميزة حقوق الإنسان أنها تقوم على الاعتقاد بوجود حقوق تتعلق بالإنسان بوصفه إنسان قبل أن يكون عضو في مجتمع خاص أو مواطناً تابعاً لدولة معينة. وبالنظر إلى الاهتمام المتزايد بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية والعناية والرعاية التي برزت على المستوى الدولي والإقليمي والداخلي، بدأ المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة وأجهزتها بوضع الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي تحدّد حقوق الإنسان ووسائل حماية تلك الحقوق والحريات، وهذا ما يحصل على المستوى الداخلي حيث تنص الدساتير والتشريعات الداخلية للدول على تلك الحقوق ووسائل حمايتها ولكن بدون تعريفها أو تحديدها دقيقاً. ومع كل هذه العناية وهذا الاهتمام ليس هناك في كتابات فقه القانون الدولي والقانون الدستوري تعريفاً لحقوق الإنسان حرياته الأساسية؛ وإذا وجدت مثل تلك التعريفات فإنها توصف بالندرة. ومن خلال دراسة الأستاذ الدكتور جابر إبراهيم الراوي (مؤلف هذا الكتاب) وتدريسه لمادة حقوق الإنسان، في الجامعة الأردنية، استطاع أن يضع تعريفاً لتلك الحقوق فهي: الحقوق التي تهدف إلى ضمان وحماية معنى الإنسانية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إلى جانب ذلك ونظراً لأهمية هذا الموضوع "حقوق الإنسان" عكف الدكتور الراوي على متابعة ما كتب عن الموضوع باللغة العربية واللغات الأجنبية والبحث في أمهات كتب الفقه والشريعة الإسلامية، مجتهداً في آفاق هذا الموضوع الواسعة، ليقدّم للقارئ والباحث والمختص كتابه هذا الذي حمل أفكاراً جديدة شملت حقوق الإنسان وحرياته في القانون الدولي والشريعة الإسلامية. وهذه لمحة عن أهم المحاور التي عالجها المؤلف وهي: 1- التطور التاريخي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية والتعريف بها وشمل ذلك البحث في المسائل التالية: تطور نشأة حقوق الإنسان، حماية حقوق الإنسان في عهد التنظيم الدولي، حماية حقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة، حماية حقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة، حماية حقوق الإنسان قبل في الإعلانات والاتفاقات الدولية والإقليمية. 2- التعريف بالحق بشكل عام وبحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وشمل ذلك البحث في المواضيع التالية: التعريف بالحق بشكل عام وبحقوق الإنسان، التعريف بالحريات الأساسية بالإنسان والمساواة، ضمان حقوق الإنسان في القانون الدولي. 3- حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في الشريعة الإسلامية وشمل ذلك البحث في كل من المسائل التالية: التعريف بحقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية، التعريف بحريات الإنسان الأساسية والمساواة في الشريعة الإسلامية، ضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في الشريعة الإسلامية. مباشر للتصورات الأخرى. فالأشياء بأضدادها تعرف . ونحن نريد أن نعرف سيئات غيرنا بمعرفة محاسن ديننا وأحكامه، لا أن تعرف محاسن ديننا بمعرفة سيئات غيرنا. حقوق الإنسان في المفهوم القانوني هي تلك النابعه من الاعتراف بالكرامة المتأصل في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابته على أساس الحرية والعدل ويعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية العالمي لحقوق الإنسان 1948 والذي واصلت الأمم المتحدة جهودها بعد ذلك للإسفار عن إقرار العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في 1966 والعهد الالدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في ذلك التاريخ والبرتوكول الاختياري الأول للعهد الأول في ذلك التاريخ وقرارها عن الحقوق البينية في 1990 وغيرها من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة والتي أصبحت تكون مواثيق عالميه لحقوق الإنسان انضمت إليها معظم دول العالم وأصبحت معيارا للحكم في التشريعات الوطنية في ميدان هذه الحقوق ولما كانت مصر صدقت على هذه العهود والمواثيق والقرارات الدولية فقد غدت جزء من التشريع الداخلي مفهوم حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية يمكن تعريف الحقوق في الشريعة على أساس منهجها ونظرتها للأفعال حيث لم تترك فعل إلا وعدت له حكما شرعيا دائر بين الواجب والحرام والمندوب والكروه والمباح والقصد من وضع الشريعة ثلاث أمور الضرورات والحاجيات والتحسينات وقسمت الضرورات إلى مراتب خمس حفظ الدين , حفظ النفس , حفظ العقل , حفظ العرض , حفظ المال فجعل الإسلام حقوق الإنسان الخمس من ضروريات وضع الشريعة فلا بد من مراعاتها حتى ينصلح الدين والدنيا ولحماية الضروريات يجب الأخذ بالجانبين
1- جانب الوجودي
وهو أقامه أركان الضرورة كتوفير الملبس والمسكن والمشرب والمطعم وأماكن العبادة
2- جانب العدمى
وهو منع كل ما يدرا عن هذه الضرورات من اختلال الواقع أو المتوقع عليها ولذلك شرع القصاص والديات والحدود وتضمين قيم الأموال والقطاع والحفاظ على حق الملكية قال تعالى " ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" ولنلاحظ تكريم الله للإنسان أولا ومراعاة حقوقه كاملة ثم جاء رزقه وتلاه تفضيله على كل المخلوقات إمعانا في التكريم وسعه. تطور الحديث عن حقوق الإنسان منذ العصور القديمة، وكانت الحقوق المكتسبة قليلة في كل عصر، حتى جاء العصر الحديث الذي شهد ثورات عالمية كبرى كالثورة الفرنسية والتي نتج عنها مكتسبات كبيرة جدًا على صعيد حقوق الإنسان. وقادت الأمم المتحدة التطور القانوني لحقوق الإنسان في العصر الحديث عن طريق الدساتير والمواثيق الدولية. وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد أولت قضية حقوق الإنسان أهمية خاصة, أعطت الإنسان كامل الحقوق وحررته من كل القيود والعبوديات، إلا أن ضعف المسلمين في العصر الحديث وتحكم الأمم الأخرى اليهودية والنصرانية فيهم، ومحاربتهم الإسلام بكل ما يستطيعون، كل ذلك جعل الكنوز الإسلامية في هذه القضية مخفية، بالإضافة إلا أن المسلمين أنفسهم لم يبذلوا الجهود الإعلامية والثقافية اللازمة لتوضيح ما تحتويه الشريعة من كنوز في هذا الخصوص.
الأمم المتحدة وحقوق الإنسان
تبنت الأمم المتحدة عددًا من الوثائق الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان نالت موقعاً هاماً في القانون الدولي، وأهم هذه الوثائق أربع وثائق أساسية هي: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية سنة 1966، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية سنة 1966. وتشكل الوثائق الثلاثة معاً ما يسمى "لائحة الحقوق الدولية"، بالإضافة إلى اتفاقية مناهضة التعذيب عام 1948، واتفاقية حقوق الطفل عام 1989. في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أعلن أن جميع الناس ولدوا أحرارًا ومتساوين بقدرهم وبحقوقهم، ويتوجب عدم التمييز بينهم، كما أعلن كذلك عن حق الحياة، والحرية والأمن الشخصي، ومنع العبودية والاستعباد، التعذيب، المعاملة أو العقاب القاسي والمهين أو غير الإنساني والاعتقال التعسفي. وطبقاً له يحق للجميع أن يكونوا معرفين كأشخاص أمام متساوين أمام القانون، وأن يحصلوا على محاكمة عادلة في جلسة عامة وبمحكمة غير منحازة، وأن يقيموا عائلة بدون فرض قيود بسبب العرق أو ***** أو الديانة، وأن تتاح لهم حرية الضمير والفكر والدين ..الخ. وطلبت الجمعية العامة من البلدان الأعضاء كافة أن تدعو لنص الإعلان وأن تعمل على نشره وتوزيعه وقراءته وشرحه، ولاسيما في المدارس والمعاهد التعليمية الأخرى، دون أي تمييز بسبب المركز السياسي للبلدان أو الأقاليم. أما في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد أقر بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل، وفقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، أساس الحرية والعدل والسلام في العالم،وأقر أيضًا بأن هذه الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان الأصيلة فيه، وطالب بتهيئة الظروف لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه المدنية والسياسية، وكذلك بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, ووضع العهد الدولي لحقوق المدنية والسياسية على عاتق الدول، بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، الالتزام بتعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان وحرياته. أما في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فقد أقر بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، وبأنه يشكل وفقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. كما أقر بأن البشر أحرار ومتحررون من الخوف والفاقة، ومن أجل ذلك طالب بتهيئة الظروف الضرورية لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك بحقوقه المدنية والسياسي. كما أقرت الأمم المتحدة اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في ديسمبر عام 1948، والتي أكدت على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. واعتمدت الأمم المتحدة أيضًا اتفاقية حقوق الطفل التي أكدت أن للطفولة الحق في رعاية ومساعدة خاصتين، باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال، ينبغي أن تولى الحماية والمساعدة اللازمتين لتتمكن من الاضطلاع الكامل بمسؤولياتها داخل المجتمع، وأن الطفل، كي تترعرع شخصيته ترعرعا كاملا ومتناسقا، ينبغي أن ينشأ في بيئة عائلية في جو من السعادة والمحبة والتفاهم.
حقوق الإنسان في الإسلام
أما الإسلام فإنه حين شرع حقوق الإنسان لم يقف فيها عند حدود التوصيات، وإنما ارتقى بها إلى درجة أنه اعتبرها من نوع الفرائض والواجبات، ولكن لا كالفرائض والواجبات التي تلزم جانباً من جانبي العلاقة، وإنما هي ملزمة لجانبي العلاقة على حد سواء. وعرفت الحضارة الإسلامية هذه الحقوق، ومارستها قديماً لا كمجرد حقوق للإنسان وإنما كفرائض إلهية وتكاليف وواجبات شرعية، تفرض على كل من تتعلق به مراعاتها؛ فمن جانب صاحبها - الإنسان - لا تعد هذه مجرد حقوق للإنسان، يباح له أن يتنازل عن أي منها، إذا هو أراد، وإنما هي فرائض إلهية، وتكاليف شرعية لا يجوز لصاحبها أن يتنازل عنها. هذا من جهة صاحبها، أما من جهة الدولة فإن الدولة الإسلامية مسئولة عن مراعاة تلك الحقوق، والحاكم الإسلامي مسئول عن تأمينها وضمانها للمواطنين. إن المبادئ الثلاثة التي دعا إليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي: الحرية والمساواة والأخوة. وبالنسبة للحرية فقد ولد الإنسان حراً وهكذا أراده الله سبحانه وتعالى، فهو يتميز عن سائر المخلوقات ببعده الثاني - بعد الروح - فبهذه الومضة الروحية يتميز الإنسان عن باقي الكائنات، ولهذه الروح خصائصها من التفكير والإرادة. هذه الحرية وردت في القرآن الكريم، في قوله تعالى: [إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا] الإنسان: 3. وفي قوله تعالى أيضاً: [يا بُنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء] هود: 42. أما المساواة في الرؤية الإسلامية فهي تماثل كامل أمام القانون وتكافؤ كامل إزاء الفرص، وتوازن بين الذين تفاوتت حظوظهم من الفرص المتاحة للجميع. فمن غير المعقول فقدان الضوابط في عملية الوقوف أمام القانون أو منح الفرص بعيداً عن المؤهلات البيولوجية والسيكولوجية للإنسان؛ فتجاوز هذه الأمور في التعامل مع الناس يعتبر ظلماً للإنسان لا تكريماً له. المساواة جاءت في القرآن الكريم في كثير من الآيات منها قوله تعالى: [يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم] الحجرات: 13. وقوله: [ولقد كرّمنا بني آدم] الإسراء: 70. وقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى). أما الأخوة فلم تكن غائبة عن الإسلام، بل كانت أول خطوة قام بها رسول الإسلام، صلى الله عليه وسلم، حين وصل المدينة وأقام الدولة في يثرب، كما صدع القرآن الكريم بالأخوة قائلاً: [إنما المؤمنون أخوة] الحجرات: 10. وبالنسبة للحقوق والحريات الشخصية، فإن الحياة أول حق جعله الله للإنسان؛ فهي من الحقوق المقدسة في الإسلام بحيث لا يحق لأحد التجاوز على حق غيره في الحياة؛ فقد اعتبر الإسلام الاعتداء على حياة إنسان واحد بمثابة الاعتداء على حقوق جميع الناس، فحول هذا الأمر ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: [من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً] المائدة: 32. إن هذا التشديد على احترام حق الحياة، لم يكن ليشمل جانب الغير فقط وإنما ينال صاحب الحياة ذاته أيضاً؛ فليس من حق الإنسان التنازل عن حقه في الحياة. أما الحق الآخر للإنسان فحقه في حياة حرة كريمة، ولا يجوز لأحد كائناً من كان استرقاقه، فالحرية هي الإباحة التي تمكن الإنسان من الفعل المعبر عن إرادته في أي ميدان من ميادين الفعل أو الترك وبأي لون من ألوان التعبير. وكما أن الإسلام لا يجيز لأحد استرقاق غيره والاعتداء على حريته، فكذلك لم يجز للإنسان التنازل عن حريته. لقد جعل الإسلام حق الحرية بمثابة حق الحياة في المقام؛ لذلك تجد القرآن يجعل كفارة من قتل إنساناً مؤمناً خطأً تحرير رقبة مؤمنة التي تعادل الإحياء أما من قتل إنساناً مؤمناً عمداً فإن هذه لا يمكن أن تكون كفارته. أما الحق الآخر من الحقوق والحريات الشخصية فهو حق الإنسان في الأمان على شخصه؛ فلا يحق لأحد تعذيبه واعتقاله دون وجه حق؛ فالدين الذي يفرض على الوالد دية فيما لو ضرب ابنه بحيث يتسبب في احمرار الجزء المضروب، فإن منعه الإنسان تعذيب غيره أولى، والشريعة التي تعترف للجنين الذي لا زال في بداية تكوينه بالشخصية بحيث تحفظ له جميع حقوقه لحين ولادته هي أحرص على أن تقر للإنسان المولود بالشخصية القانونية. أما المساواة أمام القانون فقد ورد بشأنها قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: (الناس سواسية كأسنان المشط). وبالنسبة حقوق الإنسان في علاقته مع مجتمعه وغيره، فإن للإنسان حياته الخاصة التي لا يحق للغير التدخل فيها أو الاطلاع على ما لا يريد هو اطلاع الغير عليه؛ فمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقد عصم بها دمه وماله وعرضه. وفي الحديث الشريف: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، ولقد اعتبر الإسلام عين المتلصص على غيره وهو في بيته هدراً فيما لو فقأها له صاحب المنزل. ومن ضمن هذا النوع من الحقوق حق الإنسان في التنقل في أرض الله الواسعة، فالأرض لله وهذا حق من حقوقه، ويتفرع عليه حقه في اتخاذ موطن آخر هرباً وتخلصاً من حياة الظلم والقهر في موطنه؛ وذلك حماية لحياته وصيانة لحريته، فقد جعل الله تعالى التقصير في هذا الأمر من الظلم: [الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا] النساء: 97. وورد في ذلك أيضاً قوله تعالى: [ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار] هود: 113. ثم إن للإنسان حقاً في أن يتخذ زوجة بالرضا بعد بلوغه، ويكوّن أسرة تتمتع بحماية الدولة من كل ما يتهددها من المخاطر. وللإنسان الحق في التملك عن طريق الكسب الحلال الذي لا يقوم على الاستغلال؛ فلو تملك الإنسان شيئاً دخل حق الملكية هذا في حماية القانون، بحيث لا يجوز تجريده من ملكه تعسفاً. أما في مجال الحريات الروحية والحقوق المدنية والسياسية، فإن هذا الباب يشتمل من الحريات والحقوق على حرية المعتقد وحرية الرأي والفكر والحقوق السياسية والحقوق المدنية. أما بالنسبة لحق المعتقد، فقد أقر الإسلام حرية الإنسان في الاعتقاد واعتناق الدين مؤسساً في ذلك قاعدة عامة هي: [لا إكراه في الدين] البقرة: 256. ويتفرع على هذه الحرية حق الإنسان في إقامة شعائره منفرداً أو مجتمعاً ولكن بشرط مراعاة النظام العام للمجتمع الإسلامي، فيما لو خالفت تلك الشعائر أساسيات الدين الإسلامي. وفيما يتعلق بحرية الرأي لم يضع الإسلام خطوطاً حمراء لا يسمح للفرد بتجاوزها طالما لم يرتكب منهيًا عنه شرعًا، وطالما أنه لم يخطئ في حق أحد خطأ واضحًا يترتب عليه حق للآخرين. أما بالنسبة لحرية الفكر فقد أكد القرآن الكريم عليها تأكيداً منقطع النظير؛ فلم تخل سورة من سوره المباركة من قوله تعالى: (أفلا يتفكرون) (أفلا يعقلون). فحرية الفكر ليست سلوكاً محدداً ولكنها منظومة متعددة الجوانب، المقصود بها أن يستطيع عقل الإنسان تدبر أمور الحياة، وموقفه منها، بدون قيود صارمة وقوالب مفروضة. والإسلام يريد إنساناً مبدعاً، وما لم تكن هناك حرية للفكر فلا يمكن أن تتولد عملية الإبداع؛ لذا أكد الإسلام على حرية الفكر بحيث ذم الإنسان المعطل عقله، المقلد لغيره فيما لا يجوز التقليد فيه. أما الحقوق السياسية فتعني الحقوق التي يقررها القانون العام والتي تمكّن الأشخاص من القيام بأعمال معينة تمكنهم من المشاركة في إدارة شؤون المجتمع السياسية، كما تعني حق مشاركة الفرد في إدارة الشؤون العامة لبلده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية. والإسلام يرى في الشورى السبيل المنطقي القويم الذي يقود المجتمع والإنسان معاً إلى سلامة المنهج وصواب الرأي وسعادة الحياة، ولقد جاء في القرآن الكريم حول مبدأ الشورى قوله تعالى: [وشاورهم في الأمر] آل عمران: 159. وللأهمية البالغة لمبدأ الشورى عمم الإسلام موقفه منه (إلى كل جوانب الحياة حينما فرض على كل واحد من أفراد المجتمع قانون التشاور والانفتاح... حتى في المسائل الجزئية الصغيرة إذ حرض الجميع على ملاقحة الأفكار والفحص عن الرأي السديد فقال: [وأمرهم شورى بينهم] الشورى: 38. وفيما يخص الحقوق المدنية فهي الحقوق التي تكفل للفرد حماية الذات، والتي بمقتضاها يعطى للشخص بالتساوي مع الآخرين حق تقلد الوظائف العامة في بلده، وتنقسم الحقوق المدنية إلى: حقوق الأسرة والحقوق المالية. فبالنسبة لحقوق الأسرة فقد رتب الإسلام جميع الضمانات للفرد لكي يعيش في ظل أسرة ينتمي إليها ويعيش في كنفها، كما تمتعت هذه الأسرة بكل وسائل الحماية في ظل الإسلام. أما في مجال الحقوق المالية فإن الإسلام يحترم حق الإنسان في الملكية ما لم يكن قائماً على استغلال الناس كما تقدم ذكره. ثم نأتي إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فنجد أن هذه الحقوق تتمثل في: حق العمل وحق الضمان الاجتماعي وحق التعلم. وقد أعطى الدين الإسلامي الإنسان الحق في اختيار العمل المناسب له بل حث على العمل ورفع من قيمته، حيث ورد في رواية أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمسك يوماً بيد عامل ف****ا وقال: (تلك يد يحبها الله). ولكن هذا الحق، وهذه الحرية لا يجب أن تخلو من الضوابط؛ إذ إن النفس البشرية مدفوعة بحب الذات والأثرة إلى فعل ما يناسب رغباتها، وإن كان ذلك على حساب الآخرين وحرياتهم؛ لذا حدد الإسلام هذه الحرية بضوابط عدم التجاوز على حق الآخرين واستغلالهم، كما فرض على صاحب العمل عدم استغلال العامل، وعدم التقصير في إعطائه أجره المناسب، وعدم تأخيره عليه: (أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه). أما الضمان الاجتماعي فيكفي دليلاً عليه أن دائرته تتسع لتشمل غير المسلم أيضاً. فقد طلب أمير المؤمنين عمر حين مر على رجل من أهل الكتاب يتكفف الناس، من عامله على بيت المال أن يعطيه من بيت مال المسلمين. وبالنسبة لحق التعلم، فمنذ الآية الأولى التي استهلت بها الرسالة السماوية التي نزلت على نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، جرى التأكيد على أهمية دور العلم والتعلم. [اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم] العلق: 3- 5. بل وأكثر من ذلك فقد رفع الإسلام من شأن العلم حتى جعله فرضاً: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)....بناء علية سوف تكون خطة بحثنا علي النحو التالي :-
مدخل إلى دراسة حقوق الإنسان في الإسلام - حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية - أهمية حقوق الإنسان في الإسلام. - الحاجة للبحث في حقوق الإنسان في الإسلام. - حقوق الإنسان في الإسلام: المصادر. - حقوق الإنسان في الإسلام: السمات. - حقوق الإنسان في الإسلام: الضمانات. - الحق وتقسيماته ھ. الباب الأول التطور التاريخي لنشأة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية الفصل الأول تطور نشأة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية قبل قيام التنظيم الدولي المبحث الثاني الاعتراف الدولي بحقوق الإنسان أولاً: تطور مركز الفرد قديما: الفصل الثاني حماية حقوق الإنسان في عهد التنظيم الدولي المبحث الأول حماية حقوق الإنسان في ظل عصبة الأمم المبحث الثاني حماية الأقليات في ظل عصبة الأمم المبحث الثالث حماية حقوق الإنسان في ظل نظام الانتداب الفصل الثالث حماية حقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة المبحث الأول حماية حقوق الإنسان في ظل عصبة الأمم المبحث الثاني حماية حقوق الإنسان في نظام الوصاية الدولي المبحث الثالث أجهزة الأمم المتحدة المختصة بالرقابة على حماية حقوق الإنسان
الدكتور عادل عامر
إنَّ الحمد لله نحمده وستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور ر أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.( يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) ( (آل عمران : ١٠٢ وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً، واتقوا الله الذي يأيها الذين ) ( النساء: ١ ) ( تساءلون به والأرحام، إنّ الله كان عليكم رقيبا ً آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم، ٧١ ). وبعد، - الأحزاب: ٧٠ ) ( ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً فليس موضوع حقوق الإنسان غريباً على المسلمين، فما ُأنزلت خاتمة الشرائع إلا لعبادة الله وحده، وتحقيق مصالح الخلق . بل إن جميع الأحكام شرعت لتحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم، وسواء كانت هذه المصالح فردية أم عامة . وقد انعقد إجماع أئمة الفقه وعلماء المسلمين على ذلك. ومن أقوالهم في ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : "إن الشريعة الإسلامية جاءت بتحصيوالمال.ح وتكميلها، وتعطيل المفاسد.( وتقليلها"( 1إن مصالح الخلق تقوم على حفظ الضروريات الخمس، وهي ح فظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال. وكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة هو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة. وإنما كان حفظ هذه الأصول ضرورياً لأنه لابد منها لقيام مصالح الدين والدنيا. لقد ضم الإسلام بين جناحيه (الكتاب والسنة ) أنقى وأصدق صورة لما ينبغي أن تكون عليه العلوم الإنسانية والاجتماعية من شريعة واجتماع وعلم نفس وتربية وسياسة ومنهجية تاريخية وعلم اجتماع...، وترك العلوم الطبيعية للإنسان ليبحث فيها ويكتشف ويبدع بعد أن أرسى له أخلاقها ومبادئها الإنسانية. لكنه لم يدع لهذا الإنسان أمر العلوم الإنسانية والاجتماعية لخطر شأنا. وإذا لم يكن في الإسلام التصور الوحيد الصحيح لهذه العلوم، فأين يمكن أن يكون إذن !! وما ُأنزل القرآن الكريم ولاجاءت السنة النبوية إلا لتعطي الإنسان كل خير، فلا ينفعه شيء سوى أحكامهما، ولا أمل للبشرية في غيرهما للنجاة من مشكلاتنا ا المتجددة. وإنه مما حفزني على الكتابة في موضوع حقوق الإنسان في الإسلام،هو كونه وسيلة دعوية ناجحة تبرز وتبين لعديد من أناس هذا العصر، ولاسيما غير المسلمين، محاسن الإسلام الخفية عنهم. لقد بحث عديد من الباحثين المخلصين منهج مقارنة ومواز نة الإسلام بغيره . ولست منكراً عليهم ذلك. غير أنني أرى أن هذا أسلوب ينبغي أن يصحبه كثير من الحذر، كي لا تتحول المقارنة إلى محاكمة للإسلام –وكأنه المتهم في قفص الدفاع - أمام التصورات الأخرى، ولاسيما الغربية باعتبارها الأصل والمقياس لما ينبغي أن تكون عليه الحياة الإنسانية، فينساق بعض الباحثين إما إلى إثبات أن الإسلام سبق غيره في هذا أو ذاك، أو إثبات مساواة الإسلام بغيره من الفضائل في هذا الموضوع أو ذاك. وفي خضم المقارنة والموازنة بين الإسلام وغيره يضيع جهد كثير وحجم واسع كبير من العمل العلمي في إبراز م ساوى التصورات الأخرى، ويكون ذلك على حساب بيان الإسلام وشرح مواقفه وإيضاح معالمه للعالمين. وقد يذهب الحماس يبعضهم أحياناً إلى نقد الآخرين نقداً جارحاً وتسفيه آرائهم تسفيهاً بالغاً، ونحن في غنى عن هذا كله إذا استطعنا أن نقدم للناس الإسلام كما هو، فهذه خير وسيلة لنقد الآخرين وإبراز ما هم عليه من مساوئ دون ذكرها، ودون الحاجة للموازنة، وبالتالي دون الحاجة للدفاع عن الإسلام وأحكامه، بل دون التغني بمحاسن الإسلام والتغزل بجماله، وإنما بعرض الإسلام كما هو، وكفى به محدثاً عن نفسه، وكفى وسيرته معبرًا عن روعة هذا الدين واتقانه بآيات الحكيم وأحاديث رسوله وأحكامه ووفائه وحده بحاجات البشرية وحل مشكلاتها، ووضع حد لمعانتها. ولهذا لم يتبع الباحث في بحثه أسلوب المقارنة والموازنة، ولم يأت على ذكر التصورات غير الإسلامية إلا لماماً في المدخل لهذا البحث. إن نقد الآخرين لايؤدي بالضرورة إلى تقديم صورة كاملة واضحة للإسلام. غير أن تقديم صورة واضحة للإسلام يتضمن نقداً مهذباً غير إن حقوق الإنسان تختلف عن غيرها من الحقوق المنصوص عليها في القوانين المرعية في أية دولة من الدول، فحقوق الإنسان لا تتعلق بإنسان معين؛ بل تتعلق بالإنسان من حيث هو إنسان وبهذا الوصف بالذات. وأساس ميزة حقوق الإنسان أنها تقوم على الاعتقاد بوجود حقوق تتعلق بالإنسان بوصفه إنسان قبل أن يكون عضو في مجتمع خاص أو مواطناً تابعاً لدولة معينة. وبالنظر إلى الاهتمام المتزايد بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية والعناية والرعاية التي برزت على المستوى الدولي والإقليمي والداخلي، بدأ المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة وأجهزتها بوضع الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي تحدّد حقوق الإنسان ووسائل حماية تلك الحقوق والحريات، وهذا ما يحصل على المستوى الداخلي حيث تنص الدساتير والتشريعات الداخلية للدول على تلك الحقوق ووسائل حمايتها ولكن بدون تعريفها أو تحديدها دقيقاً. ومع كل هذه العناية وهذا الاهتمام ليس هناك في كتابات فقه القانون الدولي والقانون الدستوري تعريفاً لحقوق الإنسان حرياته الأساسية؛ وإذا وجدت مثل تلك التعريفات فإنها توصف بالندرة. ومن خلال دراسة الأستاذ الدكتور جابر إبراهيم الراوي (مؤلف هذا الكتاب) وتدريسه لمادة حقوق الإنسان، في الجامعة الأردنية، استطاع أن يضع تعريفاً لتلك الحقوق فهي: الحقوق التي تهدف إلى ضمان وحماية معنى الإنسانية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إلى جانب ذلك ونظراً لأهمية هذا الموضوع "حقوق الإنسان" عكف الدكتور الراوي على متابعة ما كتب عن الموضوع باللغة العربية واللغات الأجنبية والبحث في أمهات كتب الفقه والشريعة الإسلامية، مجتهداً في آفاق هذا الموضوع الواسعة، ليقدّم للقارئ والباحث والمختص كتابه هذا الذي حمل أفكاراً جديدة شملت حقوق الإنسان وحرياته في القانون الدولي والشريعة الإسلامية. وهذه لمحة عن أهم المحاور التي عالجها المؤلف وهي: 1- التطور التاريخي لحقوق الإنسان والحريات الأساسية والتعريف بها وشمل ذلك البحث في المسائل التالية: تطور نشأة حقوق الإنسان، حماية حقوق الإنسان في عهد التنظيم الدولي، حماية حقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة، حماية حقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة، حماية حقوق الإنسان قبل في الإعلانات والاتفاقات الدولية والإقليمية. 2- التعريف بالحق بشكل عام وبحقوق الإنسان وحرياته الأساسية وشمل ذلك البحث في المواضيع التالية: التعريف بالحق بشكل عام وبحقوق الإنسان، التعريف بالحريات الأساسية بالإنسان والمساواة، ضمان حقوق الإنسان في القانون الدولي. 3- حماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في الشريعة الإسلامية وشمل ذلك البحث في كل من المسائل التالية: التعريف بحقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية، التعريف بحريات الإنسان الأساسية والمساواة في الشريعة الإسلامية، ضمان حقوق الإنسان وحرياته الأساسية في الشريعة الإسلامية. مباشر للتصورات الأخرى. فالأشياء بأضدادها تعرف . ونحن نريد أن نعرف سيئات غيرنا بمعرفة محاسن ديننا وأحكامه، لا أن تعرف محاسن ديننا بمعرفة سيئات غيرنا. حقوق الإنسان في المفهوم القانوني هي تلك النابعه من الاعتراف بالكرامة المتأصل في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابته على أساس الحرية والعدل ويعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية العالمي لحقوق الإنسان 1948 والذي واصلت الأمم المتحدة جهودها بعد ذلك للإسفار عن إقرار العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في 1966 والعهد الالدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في ذلك التاريخ والبرتوكول الاختياري الأول للعهد الأول في ذلك التاريخ وقرارها عن الحقوق البينية في 1990 وغيرها من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة والتي أصبحت تكون مواثيق عالميه لحقوق الإنسان انضمت إليها معظم دول العالم وأصبحت معيارا للحكم في التشريعات الوطنية في ميدان هذه الحقوق ولما كانت مصر صدقت على هذه العهود والمواثيق والقرارات الدولية فقد غدت جزء من التشريع الداخلي مفهوم حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية يمكن تعريف الحقوق في الشريعة على أساس منهجها ونظرتها للأفعال حيث لم تترك فعل إلا وعدت له حكما شرعيا دائر بين الواجب والحرام والمندوب والكروه والمباح والقصد من وضع الشريعة ثلاث أمور الضرورات والحاجيات والتحسينات وقسمت الضرورات إلى مراتب خمس حفظ الدين , حفظ النفس , حفظ العقل , حفظ العرض , حفظ المال فجعل الإسلام حقوق الإنسان الخمس من ضروريات وضع الشريعة فلا بد من مراعاتها حتى ينصلح الدين والدنيا ولحماية الضروريات يجب الأخذ بالجانبين
1- جانب الوجودي
وهو أقامه أركان الضرورة كتوفير الملبس والمسكن والمشرب والمطعم وأماكن العبادة
2- جانب العدمى
وهو منع كل ما يدرا عن هذه الضرورات من اختلال الواقع أو المتوقع عليها ولذلك شرع القصاص والديات والحدود وتضمين قيم الأموال والقطاع والحفاظ على حق الملكية قال تعالى " ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" ولنلاحظ تكريم الله للإنسان أولا ومراعاة حقوقه كاملة ثم جاء رزقه وتلاه تفضيله على كل المخلوقات إمعانا في التكريم وسعه. تطور الحديث عن حقوق الإنسان منذ العصور القديمة، وكانت الحقوق المكتسبة قليلة في كل عصر، حتى جاء العصر الحديث الذي شهد ثورات عالمية كبرى كالثورة الفرنسية والتي نتج عنها مكتسبات كبيرة جدًا على صعيد حقوق الإنسان. وقادت الأمم المتحدة التطور القانوني لحقوق الإنسان في العصر الحديث عن طريق الدساتير والمواثيق الدولية. وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد أولت قضية حقوق الإنسان أهمية خاصة, أعطت الإنسان كامل الحقوق وحررته من كل القيود والعبوديات، إلا أن ضعف المسلمين في العصر الحديث وتحكم الأمم الأخرى اليهودية والنصرانية فيهم، ومحاربتهم الإسلام بكل ما يستطيعون، كل ذلك جعل الكنوز الإسلامية في هذه القضية مخفية، بالإضافة إلا أن المسلمين أنفسهم لم يبذلوا الجهود الإعلامية والثقافية اللازمة لتوضيح ما تحتويه الشريعة من كنوز في هذا الخصوص.
الأمم المتحدة وحقوق الإنسان
تبنت الأمم المتحدة عددًا من الوثائق الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان نالت موقعاً هاماً في القانون الدولي، وأهم هذه الوثائق أربع وثائق أساسية هي: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية سنة 1966، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية سنة 1966. وتشكل الوثائق الثلاثة معاً ما يسمى "لائحة الحقوق الدولية"، بالإضافة إلى اتفاقية مناهضة التعذيب عام 1948، واتفاقية حقوق الطفل عام 1989. في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أعلن أن جميع الناس ولدوا أحرارًا ومتساوين بقدرهم وبحقوقهم، ويتوجب عدم التمييز بينهم، كما أعلن كذلك عن حق الحياة، والحرية والأمن الشخصي، ومنع العبودية والاستعباد، التعذيب، المعاملة أو العقاب القاسي والمهين أو غير الإنساني والاعتقال التعسفي. وطبقاً له يحق للجميع أن يكونوا معرفين كأشخاص أمام متساوين أمام القانون، وأن يحصلوا على محاكمة عادلة في جلسة عامة وبمحكمة غير منحازة، وأن يقيموا عائلة بدون فرض قيود بسبب العرق أو ***** أو الديانة، وأن تتاح لهم حرية الضمير والفكر والدين ..الخ. وطلبت الجمعية العامة من البلدان الأعضاء كافة أن تدعو لنص الإعلان وأن تعمل على نشره وتوزيعه وقراءته وشرحه، ولاسيما في المدارس والمعاهد التعليمية الأخرى، دون أي تمييز بسبب المركز السياسي للبلدان أو الأقاليم. أما في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية فقد أقر بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل، وفقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، أساس الحرية والعدل والسلام في العالم،وأقر أيضًا بأن هذه الحقوق تنبثق من كرامة الإنسان الأصيلة فيه، وطالب بتهيئة الظروف لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه المدنية والسياسية، وكذلك بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية, ووضع العهد الدولي لحقوق المدنية والسياسية على عاتق الدول، بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة، الالتزام بتعزيز الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان وحرياته. أما في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فقد أقر بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، وبأنه يشكل وفقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. كما أقر بأن البشر أحرار ومتحررون من الخوف والفاقة، ومن أجل ذلك طالب بتهيئة الظروف الضرورية لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك بحقوقه المدنية والسياسي. كما أقرت الأمم المتحدة اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة في ديسمبر عام 1948، والتي أكدت على عدم جواز تعرض أحد للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. واعتمدت الأمم المتحدة أيضًا اتفاقية حقوق الطفل التي أكدت أن للطفولة الحق في رعاية ومساعدة خاصتين، باعتبارها الوحدة الأساسية للمجتمع والبيئة الطبيعية لنمو ورفاهية جميع أفرادها وبخاصة الأطفال، ينبغي أن تولى الحماية والمساعدة اللازمتين لتتمكن من الاضطلاع الكامل بمسؤولياتها داخل المجتمع، وأن الطفل، كي تترعرع شخصيته ترعرعا كاملا ومتناسقا، ينبغي أن ينشأ في بيئة عائلية في جو من السعادة والمحبة والتفاهم.
حقوق الإنسان في الإسلام
أما الإسلام فإنه حين شرع حقوق الإنسان لم يقف فيها عند حدود التوصيات، وإنما ارتقى بها إلى درجة أنه اعتبرها من نوع الفرائض والواجبات، ولكن لا كالفرائض والواجبات التي تلزم جانباً من جانبي العلاقة، وإنما هي ملزمة لجانبي العلاقة على حد سواء. وعرفت الحضارة الإسلامية هذه الحقوق، ومارستها قديماً لا كمجرد حقوق للإنسان وإنما كفرائض إلهية وتكاليف وواجبات شرعية، تفرض على كل من تتعلق به مراعاتها؛ فمن جانب صاحبها - الإنسان - لا تعد هذه مجرد حقوق للإنسان، يباح له أن يتنازل عن أي منها، إذا هو أراد، وإنما هي فرائض إلهية، وتكاليف شرعية لا يجوز لصاحبها أن يتنازل عنها. هذا من جهة صاحبها، أما من جهة الدولة فإن الدولة الإسلامية مسئولة عن مراعاة تلك الحقوق، والحاكم الإسلامي مسئول عن تأمينها وضمانها للمواطنين. إن المبادئ الثلاثة التي دعا إليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي: الحرية والمساواة والأخوة. وبالنسبة للحرية فقد ولد الإنسان حراً وهكذا أراده الله سبحانه وتعالى، فهو يتميز عن سائر المخلوقات ببعده الثاني - بعد الروح - فبهذه الومضة الروحية يتميز الإنسان عن باقي الكائنات، ولهذه الروح خصائصها من التفكير والإرادة. هذه الحرية وردت في القرآن الكريم، في قوله تعالى: [إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفورا] الإنسان: 3. وفي قوله تعالى أيضاً: [يا بُنيّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين * قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء] هود: 42. أما المساواة في الرؤية الإسلامية فهي تماثل كامل أمام القانون وتكافؤ كامل إزاء الفرص، وتوازن بين الذين تفاوتت حظوظهم من الفرص المتاحة للجميع. فمن غير المعقول فقدان الضوابط في عملية الوقوف أمام القانون أو منح الفرص بعيداً عن المؤهلات البيولوجية والسيكولوجية للإنسان؛ فتجاوز هذه الأمور في التعامل مع الناس يعتبر ظلماً للإنسان لا تكريماً له. المساواة جاءت في القرآن الكريم في كثير من الآيات منها قوله تعالى: [يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم] الحجرات: 13. وقوله: [ولقد كرّمنا بني آدم] الإسراء: 70. وقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى). أما الأخوة فلم تكن غائبة عن الإسلام، بل كانت أول خطوة قام بها رسول الإسلام، صلى الله عليه وسلم، حين وصل المدينة وأقام الدولة في يثرب، كما صدع القرآن الكريم بالأخوة قائلاً: [إنما المؤمنون أخوة] الحجرات: 10. وبالنسبة للحقوق والحريات الشخصية، فإن الحياة أول حق جعله الله للإنسان؛ فهي من الحقوق المقدسة في الإسلام بحيث لا يحق لأحد التجاوز على حق غيره في الحياة؛ فقد اعتبر الإسلام الاعتداء على حياة إنسان واحد بمثابة الاعتداء على حقوق جميع الناس، فحول هذا الأمر ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: [من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً] المائدة: 32. إن هذا التشديد على احترام حق الحياة، لم يكن ليشمل جانب الغير فقط وإنما ينال صاحب الحياة ذاته أيضاً؛ فليس من حق الإنسان التنازل عن حقه في الحياة. أما الحق الآخر للإنسان فحقه في حياة حرة كريمة، ولا يجوز لأحد كائناً من كان استرقاقه، فالحرية هي الإباحة التي تمكن الإنسان من الفعل المعبر عن إرادته في أي ميدان من ميادين الفعل أو الترك وبأي لون من ألوان التعبير. وكما أن الإسلام لا يجيز لأحد استرقاق غيره والاعتداء على حريته، فكذلك لم يجز للإنسان التنازل عن حريته. لقد جعل الإسلام حق الحرية بمثابة حق الحياة في المقام؛ لذلك تجد القرآن يجعل كفارة من قتل إنساناً مؤمناً خطأً تحرير رقبة مؤمنة التي تعادل الإحياء أما من قتل إنساناً مؤمناً عمداً فإن هذه لا يمكن أن تكون كفارته. أما الحق الآخر من الحقوق والحريات الشخصية فهو حق الإنسان في الأمان على شخصه؛ فلا يحق لأحد تعذيبه واعتقاله دون وجه حق؛ فالدين الذي يفرض على الوالد دية فيما لو ضرب ابنه بحيث يتسبب في احمرار الجزء المضروب، فإن منعه الإنسان تعذيب غيره أولى، والشريعة التي تعترف للجنين الذي لا زال في بداية تكوينه بالشخصية بحيث تحفظ له جميع حقوقه لحين ولادته هي أحرص على أن تقر للإنسان المولود بالشخصية القانونية. أما المساواة أمام القانون فقد ورد بشأنها قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم،: (الناس سواسية كأسنان المشط). وبالنسبة حقوق الإنسان في علاقته مع مجتمعه وغيره، فإن للإنسان حياته الخاصة التي لا يحق للغير التدخل فيها أو الاطلاع على ما لا يريد هو اطلاع الغير عليه؛ فمن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فقد عصم بها دمه وماله وعرضه. وفي الحديث الشريف: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، ولقد اعتبر الإسلام عين المتلصص على غيره وهو في بيته هدراً فيما لو فقأها له صاحب المنزل. ومن ضمن هذا النوع من الحقوق حق الإنسان في التنقل في أرض الله الواسعة، فالأرض لله وهذا حق من حقوقه، ويتفرع عليه حقه في اتخاذ موطن آخر هرباً وتخلصاً من حياة الظلم والقهر في موطنه؛ وذلك حماية لحياته وصيانة لحريته، فقد جعل الله تعالى التقصير في هذا الأمر من الظلم: [الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا] النساء: 97. وورد في ذلك أيضاً قوله تعالى: [ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار] هود: 113. ثم إن للإنسان حقاً في أن يتخذ زوجة بالرضا بعد بلوغه، ويكوّن أسرة تتمتع بحماية الدولة من كل ما يتهددها من المخاطر. وللإنسان الحق في التملك عن طريق الكسب الحلال الذي لا يقوم على الاستغلال؛ فلو تملك الإنسان شيئاً دخل حق الملكية هذا في حماية القانون، بحيث لا يجوز تجريده من ملكه تعسفاً. أما في مجال الحريات الروحية والحقوق المدنية والسياسية، فإن هذا الباب يشتمل من الحريات والحقوق على حرية المعتقد وحرية الرأي والفكر والحقوق السياسية والحقوق المدنية. أما بالنسبة لحق المعتقد، فقد أقر الإسلام حرية الإنسان في الاعتقاد واعتناق الدين مؤسساً في ذلك قاعدة عامة هي: [لا إكراه في الدين] البقرة: 256. ويتفرع على هذه الحرية حق الإنسان في إقامة شعائره منفرداً أو مجتمعاً ولكن بشرط مراعاة النظام العام للمجتمع الإسلامي، فيما لو خالفت تلك الشعائر أساسيات الدين الإسلامي. وفيما يتعلق بحرية الرأي لم يضع الإسلام خطوطاً حمراء لا يسمح للفرد بتجاوزها طالما لم يرتكب منهيًا عنه شرعًا، وطالما أنه لم يخطئ في حق أحد خطأ واضحًا يترتب عليه حق للآخرين. أما بالنسبة لحرية الفكر فقد أكد القرآن الكريم عليها تأكيداً منقطع النظير؛ فلم تخل سورة من سوره المباركة من قوله تعالى: (أفلا يتفكرون) (أفلا يعقلون). فحرية الفكر ليست سلوكاً محدداً ولكنها منظومة متعددة الجوانب، المقصود بها أن يستطيع عقل الإنسان تدبر أمور الحياة، وموقفه منها، بدون قيود صارمة وقوالب مفروضة. والإسلام يريد إنساناً مبدعاً، وما لم تكن هناك حرية للفكر فلا يمكن أن تتولد عملية الإبداع؛ لذا أكد الإسلام على حرية الفكر بحيث ذم الإنسان المعطل عقله، المقلد لغيره فيما لا يجوز التقليد فيه. أما الحقوق السياسية فتعني الحقوق التي يقررها القانون العام والتي تمكّن الأشخاص من القيام بأعمال معينة تمكنهم من المشاركة في إدارة شؤون المجتمع السياسية، كما تعني حق مشاركة الفرد في إدارة الشؤون العامة لبلده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية. والإسلام يرى في الشورى السبيل المنطقي القويم الذي يقود المجتمع والإنسان معاً إلى سلامة المنهج وصواب الرأي وسعادة الحياة، ولقد جاء في القرآن الكريم حول مبدأ الشورى قوله تعالى: [وشاورهم في الأمر] آل عمران: 159. وللأهمية البالغة لمبدأ الشورى عمم الإسلام موقفه منه (إلى كل جوانب الحياة حينما فرض على كل واحد من أفراد المجتمع قانون التشاور والانفتاح... حتى في المسائل الجزئية الصغيرة إذ حرض الجميع على ملاقحة الأفكار والفحص عن الرأي السديد فقال: [وأمرهم شورى بينهم] الشورى: 38. وفيما يخص الحقوق المدنية فهي الحقوق التي تكفل للفرد حماية الذات، والتي بمقتضاها يعطى للشخص بالتساوي مع الآخرين حق تقلد الوظائف العامة في بلده، وتنقسم الحقوق المدنية إلى: حقوق الأسرة والحقوق المالية. فبالنسبة لحقوق الأسرة فقد رتب الإسلام جميع الضمانات للفرد لكي يعيش في ظل أسرة ينتمي إليها ويعيش في كنفها، كما تمتعت هذه الأسرة بكل وسائل الحماية في ظل الإسلام. أما في مجال الحقوق المالية فإن الإسلام يحترم حق الإنسان في الملكية ما لم يكن قائماً على استغلال الناس كما تقدم ذكره. ثم نأتي إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فنجد أن هذه الحقوق تتمثل في: حق العمل وحق الضمان الاجتماعي وحق التعلم. وقد أعطى الدين الإسلامي الإنسان الحق في اختيار العمل المناسب له بل حث على العمل ورفع من قيمته، حيث ورد في رواية أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أمسك يوماً بيد عامل ف****ا وقال: (تلك يد يحبها الله). ولكن هذا الحق، وهذه الحرية لا يجب أن تخلو من الضوابط؛ إذ إن النفس البشرية مدفوعة بحب الذات والأثرة إلى فعل ما يناسب رغباتها، وإن كان ذلك على حساب الآخرين وحرياتهم؛ لذا حدد الإسلام هذه الحرية بضوابط عدم التجاوز على حق الآخرين واستغلالهم، كما فرض على صاحب العمل عدم استغلال العامل، وعدم التقصير في إعطائه أجره المناسب، وعدم تأخيره عليه: (أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه). أما الضمان الاجتماعي فيكفي دليلاً عليه أن دائرته تتسع لتشمل غير المسلم أيضاً. فقد طلب أمير المؤمنين عمر حين مر على رجل من أهل الكتاب يتكفف الناس، من عامله على بيت المال أن يعطيه من بيت مال المسلمين. وبالنسبة لحق التعلم، فمنذ الآية الأولى التي استهلت بها الرسالة السماوية التي نزلت على نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، جرى التأكيد على أهمية دور العلم والتعلم. [اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم] العلق: 3- 5. بل وأكثر من ذلك فقد رفع الإسلام من شأن العلم حتى جعله فرضاً: (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)....بناء علية سوف تكون خطة بحثنا علي النحو التالي :-
مدخل إلى دراسة حقوق الإنسان في الإسلام - حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية - أهمية حقوق الإنسان في الإسلام. - الحاجة للبحث في حقوق الإنسان في الإسلام. - حقوق الإنسان في الإسلام: المصادر. - حقوق الإنسان في الإسلام: السمات. - حقوق الإنسان في الإسلام: الضمانات. - الحق وتقسيماته ھ. الباب الأول التطور التاريخي لنشأة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية الفصل الأول تطور نشأة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية قبل قيام التنظيم الدولي المبحث الثاني الاعتراف الدولي بحقوق الإنسان أولاً: تطور مركز الفرد قديما: الفصل الثاني حماية حقوق الإنسان في عهد التنظيم الدولي المبحث الأول حماية حقوق الإنسان في ظل عصبة الأمم المبحث الثاني حماية الأقليات في ظل عصبة الأمم المبحث الثالث حماية حقوق الإنسان في ظل نظام الانتداب الفصل الثالث حماية حقوق الإنسان في ميثاق الأمم المتحدة المبحث الأول حماية حقوق الإنسان في ظل عصبة الأمم المبحث الثاني حماية حقوق الإنسان في نظام الوصاية الدولي المبحث الثالث أجهزة الأمم المتحدة المختصة بالرقابة على حماية حقوق الإنسان