الغزو الفكري وخطره على المجتمع الإسلامي (1)
رابط الموضوع: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الغزو الفكري وخطره على المجتمع الإسلامي
(الجزء الثاني)
وتتعدَّد أساليبُ الغزو الفكري ضدَّ
الإسلام والمسلمين وتتوالَى، وما شأنها إلاَّ إفساد المجتمع المسلِم بكلِّ
المقاييس، والوصول بالمجتمع إلى مرحلة أن لا أخلاق ولا قيود.
4- وأيضًا مِن أساليب الغزو الفكري: الإعلام بجميع أنواعِه، وخاصَّة (الفضائيات)،
وهي نوعٌ مِن أنواع الإعلام المرئي، وقبل أن نتكلَّم على دَور الإعلام
والفضائيات في غزوِ العالَم والعالَم الإسلامي على وجه الخصوص، نستطيع أن
نقول: إنَّنا نحن المسلمين لا نُنكر دَور الإعلام بجميع أنواعِه في نشْر
الثقافة والتوعية، وتغطية الأحداثِ العالمية مِن بلد أو مِن مكان لآخَر في
نفس وقت الحدَث، وهذا مِن مميزات الإعلام إذا ما كان توجيهه توجيهًا
صحيحًا، فيكون بذلك إعلامًا هادفًا بنَّاءً، وكلنا رأينا ذلك مِن خلال
نوافذ الإعلام الحر الشريف.
ومِن المؤسِف أن يأتي أناسٌ مِن الغرْب،
لا نقول الغرب كله على وجه العموم؛ حتى نكون منصفين، وإنَّما نقول: أناس
مِن الغرب استخدموا الإعلامَ استخدامًا سيِّئًا يُسيء لهم قبل أن يُسيء
لنا، ويظهر حقيقة نواياهم تُجاه الإسلام، فقد سخَّر هؤلاء الإعلامَ بجميع
أنواعه لهدْم الإسلام، واقتلاعه مِن جذوره مِن خلال القضاء على الأُسس
الشرعيَّة والأخلاقيَّة التي يقوم عليها المجتمع المسلِم، التي هي مِن
ثوابت الدِّين الإسلامي، ويكون ذلك بنشْر الأعمال الخليعة التي تدعو إلى
الخلاعة والمجون، وفي ذلك دعوةٌ إلى التقليد الأعمى، وتخلٍّ عن الفضيلة
التي حثَّ عليها الإسلام، هذه واحدة.
والثانية:
تصوير الإنسان الغربي على أنَّه هو الإنسان المتحضِّر المثقَّف المتحرِّر
صاحب العقلية الفذَّة بينما المسلِم - العربي خاصَّة - هو الإنسان
المتخلِّف الرجعي الرافض لأي نوْع مِن أنواع التحرُّر والتقدُّم! وهذا
بالطبع غير صحيح؛ إذ الهدف مِن هذا، الدعوة إلى التقليد والمسايرة دون
النظر إلى ما إذا كان هذا يوافق الدِّين أو لا.
ومِن وسائل محاربة الإسلام أيضًا مِن خلال
الإعلام: تحميل النصوص الشرعيَّة سواء مِن القرآن أو السُّنة ما لا
تتحمَّل، أو ما لا تحمل عليه أصلاً! أو محاولة الإقناع بأنَّ هذه النصوصَ
الشرعية فيها شيء من المغالطة، أو هي خاطئة أصلاً، وبذلك يتسرَّب الشكُّ في
نفوس ضِعاف العقيدة كما يتسرَّب شررُ النار في الهشيم، وخير دليلٍ على ذلك
ما رأيناه ممَّن يقبع خلفَ قناة فضائية يُهاجِم الإسلامَ هجومًا شرسًا،
زاعمًا أنه على عِلم بالإسلام ومصادره أكثرَ مِن علماء الإسلام أنفسهم،
وهذا زعمٌ خاطئ؛ إذ الهدف الرئيسي هو هدْمُ جميع الأركان التي يقوم عليها
الإسلام، وأوَّلها مصادره: (القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة)،
وما يؤكِّد ذلك أيضًا هو هروبه مِن المجادلة أو المناظرة، وهذا دليلٌ على
ما تنطوي عليه النفس مِن خبث النيَّة، ويستمرُّ الإنفاق على هذا الإعلام،
وهذه القنوات الفضائيَّة وغيرها؛ لمحاربةِ الإسلام، فالإسلام بالنسبة
لهؤلاء هو العدوُّ الذي يجب محاربتُه، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ
يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 36]، وتتخذ محاربة الإسلام أساليب شتَّى، ومنها أيضًا:
5- التدخُّل الغربي في المؤسَّسات التعليميَّة والعلمية في كثيرٍ مِن البلاد الإسلامية، سواء بطريق مباشِر، أو غير مباشر، (والسيطرة على العقل وتشكيله وَفقَ نسَق معيَّن يعد أمرًا بالغ الخطورة)،
ولا نُنكر أنه كانت هناك استجابة مِن كثيرٍ من الحكومات العربيَّة؛
استجابةً للضغوط أو عدم الشعور بالمسؤولية، وكذلك عدمُ الشُّعور بالوطنية: كيف ذلك؟
الغربُ يُدرك تمامًا قيمة العقل، والمنهج
التعليمي في المؤسَّسات التعليمية من المكوِّنات الرئيسية للعقل، وهم
يُريدون فراغًا عقليًّا للمسلمين، وأن يكون العقل المسلم خاويًا لا شيء
فيه، خاصَّة عقول الشباب، فهم أملُ المستقبل وثروة الأمَّة، إذًا فلا سبيلَ
للتقدُّم والرُّقي، ومَن كان كذلك يحتاج إلى غيره، والغرب دائمًا يريد أن
يكون المسلمون في حاجةٍ لهم.
وأيضًا من أساليب التدخُّل في المنهج التعليمي:
محاولة تفريغ المناهج التعليميَّة مِن كل ما هو دِيني مستمد مِن العقيدة
الإسلامية، بل ومحاولة تهميش الدِّين وإعطائه صبغةَ الثقافة العامَّة؛ وذلك
حتى لا تتشبَّع العقولُ بالدِّين، وبذلك يكون الوصولُ بها إلى الانحدار
ومستوى الفوضى الأخلاقيَّة أمرًا سهلاً، ويسهل بذلك تفكُّك أوصال الأمَّة
واقتلاعها مِن جذورها، والسيطرة عليها وعلى مُقدَّراتها وثرواتها، (وهذا مِن مطامع الغرب).
وتتعدَّد أساليبُ الغزو الفكرية الموجَّهة
ضدَّ الإسلام والمسلمين، وهذا نوعٌ مِن أنواع التحدِّي المنظَّم الذي
تواجهه الأمَّة الإسلامية، والذي يتمُّ تنفيذه عن طريقِ منتسبين إلى
الإسلام ممَّن هم مِن جلدتنا، ويتكلَّمون بألسنتنا، فعلينا أن ننتبه ونُفيق
مِن غفلتنا ولا نغفل عن ذلك كلِّه، وتلك الفتن الموجَّهة علينا، ونتذكَّر
قول الله تعالى: ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا
زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ
الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا
الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ
الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [التوبة: 47 - 48].
إذًا فهناك قوًى غربيةٌ مدمِّرة تسلط قواها على الإسلام والمسلمين في كلِّ مكان بكلِّ جهدها وبكلِّ طاقتها، (ولا ننسى أنَّ لليهود دورًا بارزًا في هذا الغزو المسلط علينا)؛
لذا فقد وجَب علينا أن نتَّخذ الأساليب والتدابير الحاسِمة لمواجهة هذا
الغزو الفكري بكلِّ قوَّة وحزْم، وهذا واجب شرعي على الأمَّة جميعها، بل
على كل فرْد فيها.
أحمد المراغي
لمَّا
أرْسل الله تعالى رسولَه محمدَ بن عبدالله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
بالدِّين الإسلامي، كانتْ هذه الرسالة عامَّةً لجميع الخلْق، لم تكن هذه
الرسالة لقومٍ دون آخرين، أو لفئة دون أخرى، وهذا ممَّا يؤكِّد عالمية
وشمول الدين الإسلام، واهتم الإسلام بجميع المكوِّنات الإنسانية، وعلى رأس
هذه المكوِّنات العقل، فلقدْ أوْلى الدين الإسلامي للعقل اهتمامًا بالغًا
غير عادي؛ وذلك لأهمية العقل في تغيير مسار الحياة والنهوض والرُّقي، فنرى
في القرآن الكريم الكثيرَ مِن الآيات التي منها ما يأمر بإعمالِ العقل،
ومنها ما يبيِّن أهمية العقل، فنرَى قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ
النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا
بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ
وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾[البقرة: 164].
وقول الله تعالى: ﴿ وَمَا
كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ
فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا
قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].
فهذا أمرٌ مِن الله - سبحانه وتعالى -
بإعمالِ العقْل، وغير ذلك مِن الآيات التي تُبرز أهميةَ العقل وإعماله،
والدعوة إلى التفكير ليس في مجالٍ بعينه، بل في جميع المجالات، ومِن خلال
ذلك أدرك الغربُ أهميةَ العقل في التغيير والنهوض، وبدأ اللعب على هذا
الوترِ الحسَّاس (العقل) تُجاه المسلمين، ومِن خلاله التشكيك في الدِّين الإسلامي، وبدأتْ أساليب الغزو الفكري تُجاهَ المسلمين، ومنها:
1- استحداث نظريات واهية باطِلة مثل (صِراع الحضارات)
(وحوار الأديان)، وغير ذلك مِن الأساليب الفكرية الهدَّامة، علمًا بأنَّ
الإسلام جاء ليبني الحضارات الإنسانية، ويرتقي بالأمم، لا ليهدم ولا
ليُصارِع، فالإسلام أسْمى من أي ادِّعاء يخدش ظاهرَه أو باطنه، وذلك واضحٌ
من خلال دعوته للعلم والعمل، وإعداد العدَّة في جميع المجالات التي تقوم
عليها الحضاراتُ والأمم، وترتقي بها، وإنْ كانت هناك صراعات، فلتكن في غيرِ
الإسلام، فالإسلام لا يصارع أحدًا، ولا يعادي أحدًا، ولو كان الإسلام
يصارع الحضاراتِ كما هو مزعومٌ، فهنا نقول:
لماذا حافظَ الإسلامُ على حضارة الأنبياء والرسل في بيت المقدس؟ ولماذا
حافظ الإسلام على حضارةِ الغيْر في الأندلس (أسبانيا)؟ ولماذا حافظ على
حضارة الفراعنة في مصر؟ وغير ذلك مِن بلدان العالَم، ويشهد على ذلك
الحضاراتُ نفسها التي ما زالتْ قائمةً إلى يومنا هذا، إذًا فهذه النظرية
المستحدَثة ما أُريدَ منها إلا تَشويهُ صورة الإسلام واتِّهامه بأنَّه دين
لا يواكب الرَّكب الحضاري، بل هو السبب فيما آل إليه المسلِمون من الركود
وعدم التقدُّم ومسايرة الأمم، (علمًا بأن السبب الحقيقي بخلاف ذلك).
وأمَّا بالنسبة إلى ما يُسمَّى (بحوار الأديان)، فأنا أرى:
أنَّه
ليس هناك في الإسلام ما يُسمَّى بحوار الأديان؛ لأنَّ الإيمان برسالة
الإسلام يقتضي الإيمانَ بجميع الرسالات السماوية، ومِن ثَم الإيمان قطعًا
برسالة الإسلام الخاتمة؛ إذ كيف يكون هنالك حوارٌ لأديان تتَّهم الإسلام
بإنكارها؟! والإسلام لم ينكر أيًّا من الأديان السماوية، وأرَى أنَّ هذه
محاولة لانتزاع اعتراف مِن المسلمين بأديانٍ لا تقوم على منهجِ الوحدانية،
وخاصَّة ما كان يقوم على مبدأ تعدُّد الآلهة.
إذًا؛
حوار الأديان اعترافٌ بها، وهذا ما يُريده الغرب، ولكن نحن نؤمِن
بالمناقشة والمناظرة والمجادلة، كلٌّ يأتي بحُجَّته لإثبات صحَّة ما
يعتقده، وفي النهاية الفوز لمَن كانتْ حُجَّته أقوى مِن الآخر، (والأكيد
فوزُ الإسلام؛ لأنَّه أصحُّ دِين وأصح عقيدة)؛ تحقيقًا لقوله - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
﴾ [الصف: 9]، وهذا ما رأيناه مِن الشيخ/ أحمد ديدات، وغيره الكثير مِن
علماء المسلمين، والكلام في هذا المضمار يطول، المهم أنَّ الإسلام يأتي
بعدَ ذلك فيُقرِّر حقيقةً يجب العمل بها فيقول: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلاَمُ ﴾ [آل عمران: 19]، ويقول: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].
2-
ومِن أساليب الغزو الفكري أيضًا: اتِّهام الإسلام بالجمودِ والرجعيَّة، بل
ومحاولة إقناع العالَم بأنَّ المسلمين رجعيُّون متطرِّفون، والكلُّ يعلم
أنَّ التطرف والإرهاب ما هو إلا صناعة غربيَّة، والإسلام بريء مِن هذه
التهمة الباطلة، وما هو إلا هجومٌ شرِس قصد به الإسلام؛ للإساءة للدِّين
الإسلامي، بل العجيب أنَّ هؤلاء استدلوا بآياتٍ مِن القرآن الكريم على ما
يوافق أهواءَهم ليس على سبيل المعنى الحقيقي لها، وذلك منهج التحريف
والتزييف لديهم، مثلاً:
يقول الله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا
لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ
لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60].
الكثير مِن المستشرقين يجْعل مِن هذه
الآية سيفًا مِن الإسلام مُصْلتًا عليه، كيف ذلك؟ جاء اتِّهامهم للإسلام
بأنَّه دين إرْهاب مِن خلال ما لم يَفهموه مِن هذه الآية، وفَهِموا الآية
على ظاهرِها، والأمْر غير ذلك؛ إذ إنَّ مضمون هذه الآية ينصُّ على: أمْر من
الله تعالى بإعداد العُدَّة في جميعِ المجالات، وعلى رأسها إعداد العدَّة
في مجالِ الدِّفاع عن النفْس؛ حتى تصيرَ للمسلمين قوة ليس لها مثيلٌ، حتى
إنَّه من يُفكِّر في الاعتداء على المسلمين حينما يرَى قوَّتهم وشدَّة
بأسهم يرتدِع، ويخشى على نفْسه الهلاك؛ بسببِ ما رآه مِن القوَّة والعدَّة
التي يملِكها المسلمون، (وهذا الذي يجب أن يكون).
إذًا؛ فليس الإسلامُ دينَ تعدٍّ وإرهاب
كما يتَّهمه الغرب، فهم يفهمون الآياتِ على ما يوافق هواهم، ويُطوِّعون ذلك
لإقناع الغيْر به…إلخ.
3-
ومِن أساليبِ الغزو الفِكري أيضًا: الدعوة إلى الحريَّة المزعومة الباطِلة
بزعْم أنَّ الإسلام يفتقد الحريَّة، وتلك الدعوة ما أُريد بها إلاَّ الوصول
بالمسلمين إلى الانحلال الأخلاقي، وفساد المجتمع المسلِم، والتخلِّي عن
المبادِئ والقِيم الدِّينيَّة والإنسانيَّة، التي نعيش ونَنعم بها في ظلِّ
الدين الإسلامي؛ حتى يعيشَ المسلمون في فوضى أخلاقيَّة بدون ضابطٍ أو رابط
كما يعيش الغرْب، وليس معنى هذا أنَّ الإسلام يقْمَع الحريات، لا، لا
واللهِ بل الإسلام يدعو إلى الحريةِ، ويجعلها في إطار شرعي؛ حتى لا يكون
هنالك تعدٍّ على الآخَر، وتُصان الحرمات وتُحفظ الحقوق، وينعم الجميعُ
بالأمان الذي حقَّقه الإسلام، وغير ذلك الكثير والكثير.
إذًا؛ فدعوةُ الغرْب إلى الحريةِ دعوةٌ إلى الهمجية والفوضَى (كما يُدسُّ السمُّ في العسل).
لمَّا
أرْسل الله تعالى رسولَه محمدَ بن عبدالله - صلَّى الله عليه وسلَّم -
بالدِّين الإسلامي، كانتْ هذه الرسالة عامَّةً لجميع الخلْق، لم تكن هذه
الرسالة لقومٍ دون آخرين، أو لفئة دون أخرى، وهذا ممَّا يؤكِّد عالمية
وشمول الدين الإسلام، واهتم الإسلام بجميع المكوِّنات الإنسانية، وعلى رأس
هذه المكوِّنات العقل، فلقدْ أوْلى الدين الإسلامي للعقل اهتمامًا بالغًا
غير عادي؛ وذلك لأهمية العقل في تغيير مسار الحياة والنهوض والرُّقي، فنرى
في القرآن الكريم الكثيرَ مِن الآيات التي منها ما يأمر بإعمالِ العقل،
ومنها ما يبيِّن أهمية العقل، فنرَى قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ
النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا
بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ
وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾[البقرة: 164].
وقول الله تعالى: ﴿ وَمَا
كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ
فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا
قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122].
فهذا أمرٌ مِن الله - سبحانه وتعالى -
بإعمالِ العقْل، وغير ذلك مِن الآيات التي تُبرز أهميةَ العقل وإعماله،
والدعوة إلى التفكير ليس في مجالٍ بعينه، بل في جميع المجالات، ومِن خلال
ذلك أدرك الغربُ أهميةَ العقل في التغيير والنهوض، وبدأ اللعب على هذا
الوترِ الحسَّاس (العقل) تُجاه المسلمين، ومِن خلاله التشكيك في الدِّين الإسلامي، وبدأتْ أساليب الغزو الفكري تُجاهَ المسلمين، ومنها:
1- استحداث نظريات واهية باطِلة مثل (صِراع الحضارات)
(وحوار الأديان)، وغير ذلك مِن الأساليب الفكرية الهدَّامة، علمًا بأنَّ
الإسلام جاء ليبني الحضارات الإنسانية، ويرتقي بالأمم، لا ليهدم ولا
ليُصارِع، فالإسلام أسْمى من أي ادِّعاء يخدش ظاهرَه أو باطنه، وذلك واضحٌ
من خلال دعوته للعلم والعمل، وإعداد العدَّة في جميع المجالات التي تقوم
عليها الحضاراتُ والأمم، وترتقي بها، وإنْ كانت هناك صراعات، فلتكن في غيرِ
الإسلام، فالإسلام لا يصارع أحدًا، ولا يعادي أحدًا، ولو كان الإسلام
يصارع الحضاراتِ كما هو مزعومٌ، فهنا نقول:
لماذا حافظَ الإسلامُ على حضارة الأنبياء والرسل في بيت المقدس؟ ولماذا
حافظ الإسلام على حضارةِ الغيْر في الأندلس (أسبانيا)؟ ولماذا حافظ على
حضارة الفراعنة في مصر؟ وغير ذلك مِن بلدان العالَم، ويشهد على ذلك
الحضاراتُ نفسها التي ما زالتْ قائمةً إلى يومنا هذا، إذًا فهذه النظرية
المستحدَثة ما أُريدَ منها إلا تَشويهُ صورة الإسلام واتِّهامه بأنَّه دين
لا يواكب الرَّكب الحضاري، بل هو السبب فيما آل إليه المسلِمون من الركود
وعدم التقدُّم ومسايرة الأمم، (علمًا بأن السبب الحقيقي بخلاف ذلك).
وأمَّا بالنسبة إلى ما يُسمَّى (بحوار الأديان)، فأنا أرى:
أنَّه
ليس هناك في الإسلام ما يُسمَّى بحوار الأديان؛ لأنَّ الإيمان برسالة
الإسلام يقتضي الإيمانَ بجميع الرسالات السماوية، ومِن ثَم الإيمان قطعًا
برسالة الإسلام الخاتمة؛ إذ كيف يكون هنالك حوارٌ لأديان تتَّهم الإسلام
بإنكارها؟! والإسلام لم ينكر أيًّا من الأديان السماوية، وأرَى أنَّ هذه
محاولة لانتزاع اعتراف مِن المسلمين بأديانٍ لا تقوم على منهجِ الوحدانية،
وخاصَّة ما كان يقوم على مبدأ تعدُّد الآلهة.
إذًا؛
حوار الأديان اعترافٌ بها، وهذا ما يُريده الغرب، ولكن نحن نؤمِن
بالمناقشة والمناظرة والمجادلة، كلٌّ يأتي بحُجَّته لإثبات صحَّة ما
يعتقده، وفي النهاية الفوز لمَن كانتْ حُجَّته أقوى مِن الآخر، (والأكيد
فوزُ الإسلام؛ لأنَّه أصحُّ دِين وأصح عقيدة)؛ تحقيقًا لقوله - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ
﴾ [الصف: 9]، وهذا ما رأيناه مِن الشيخ/ أحمد ديدات، وغيره الكثير مِن
علماء المسلمين، والكلام في هذا المضمار يطول، المهم أنَّ الإسلام يأتي
بعدَ ذلك فيُقرِّر حقيقةً يجب العمل بها فيقول: ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلاَمُ ﴾ [آل عمران: 19]، ويقول: ﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [آل عمران: 85].
2-
ومِن أساليب الغزو الفكري أيضًا: اتِّهام الإسلام بالجمودِ والرجعيَّة، بل
ومحاولة إقناع العالَم بأنَّ المسلمين رجعيُّون متطرِّفون، والكلُّ يعلم
أنَّ التطرف والإرهاب ما هو إلا صناعة غربيَّة، والإسلام بريء مِن هذه
التهمة الباطلة، وما هو إلا هجومٌ شرِس قصد به الإسلام؛ للإساءة للدِّين
الإسلامي، بل العجيب أنَّ هؤلاء استدلوا بآياتٍ مِن القرآن الكريم على ما
يوافق أهواءَهم ليس على سبيل المعنى الحقيقي لها، وذلك منهج التحريف
والتزييف لديهم، مثلاً:
يقول الله تعالى: ﴿ وَأَعِدُّوا
لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ
تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ
لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ﴾ [الأنفال: 60].
الكثير مِن المستشرقين يجْعل مِن هذه
الآية سيفًا مِن الإسلام مُصْلتًا عليه، كيف ذلك؟ جاء اتِّهامهم للإسلام
بأنَّه دين إرْهاب مِن خلال ما لم يَفهموه مِن هذه الآية، وفَهِموا الآية
على ظاهرِها، والأمْر غير ذلك؛ إذ إنَّ مضمون هذه الآية ينصُّ على: أمْر من
الله تعالى بإعداد العُدَّة في جميعِ المجالات، وعلى رأسها إعداد العدَّة
في مجالِ الدِّفاع عن النفْس؛ حتى تصيرَ للمسلمين قوة ليس لها مثيلٌ، حتى
إنَّه من يُفكِّر في الاعتداء على المسلمين حينما يرَى قوَّتهم وشدَّة
بأسهم يرتدِع، ويخشى على نفْسه الهلاك؛ بسببِ ما رآه مِن القوَّة والعدَّة
التي يملِكها المسلمون، (وهذا الذي يجب أن يكون).
إذًا؛ فليس الإسلامُ دينَ تعدٍّ وإرهاب
كما يتَّهمه الغرب، فهم يفهمون الآياتِ على ما يوافق هواهم، ويُطوِّعون ذلك
لإقناع الغيْر به…إلخ.
3-
ومِن أساليبِ الغزو الفِكري أيضًا: الدعوة إلى الحريَّة المزعومة الباطِلة
بزعْم أنَّ الإسلام يفتقد الحريَّة، وتلك الدعوة ما أُريد بها إلاَّ الوصول
بالمسلمين إلى الانحلال الأخلاقي، وفساد المجتمع المسلِم، والتخلِّي عن
المبادِئ والقِيم الدِّينيَّة والإنسانيَّة، التي نعيش ونَنعم بها في ظلِّ
الدين الإسلامي؛ حتى يعيشَ المسلمون في فوضى أخلاقيَّة بدون ضابطٍ أو رابط
كما يعيش الغرْب، وليس معنى هذا أنَّ الإسلام يقْمَع الحريات، لا، لا
واللهِ بل الإسلام يدعو إلى الحريةِ، ويجعلها في إطار شرعي؛ حتى لا يكون
هنالك تعدٍّ على الآخَر، وتُصان الحرمات وتُحفظ الحقوق، وينعم الجميعُ
بالأمان الذي حقَّقه الإسلام، وغير ذلك الكثير والكثير.
إذًا؛ فدعوةُ الغرْب إلى الحريةِ دعوةٌ إلى الهمجية والفوضَى (كما يُدسُّ السمُّ في العسل).
رابط الموضوع: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الغزو الفكري وخطره على المجتمع الإسلامي
(الجزء الثاني)
وتتعدَّد أساليبُ الغزو الفكري ضدَّ
الإسلام والمسلمين وتتوالَى، وما شأنها إلاَّ إفساد المجتمع المسلِم بكلِّ
المقاييس، والوصول بالمجتمع إلى مرحلة أن لا أخلاق ولا قيود.
4- وأيضًا مِن أساليب الغزو الفكري: الإعلام بجميع أنواعِه، وخاصَّة (الفضائيات)،
وهي نوعٌ مِن أنواع الإعلام المرئي، وقبل أن نتكلَّم على دَور الإعلام
والفضائيات في غزوِ العالَم والعالَم الإسلامي على وجه الخصوص، نستطيع أن
نقول: إنَّنا نحن المسلمين لا نُنكر دَور الإعلام بجميع أنواعِه في نشْر
الثقافة والتوعية، وتغطية الأحداثِ العالمية مِن بلد أو مِن مكان لآخَر في
نفس وقت الحدَث، وهذا مِن مميزات الإعلام إذا ما كان توجيهه توجيهًا
صحيحًا، فيكون بذلك إعلامًا هادفًا بنَّاءً، وكلنا رأينا ذلك مِن خلال
نوافذ الإعلام الحر الشريف.
ومِن المؤسِف أن يأتي أناسٌ مِن الغرْب،
لا نقول الغرب كله على وجه العموم؛ حتى نكون منصفين، وإنَّما نقول: أناس
مِن الغرب استخدموا الإعلامَ استخدامًا سيِّئًا يُسيء لهم قبل أن يُسيء
لنا، ويظهر حقيقة نواياهم تُجاه الإسلام، فقد سخَّر هؤلاء الإعلامَ بجميع
أنواعه لهدْم الإسلام، واقتلاعه مِن جذوره مِن خلال القضاء على الأُسس
الشرعيَّة والأخلاقيَّة التي يقوم عليها المجتمع المسلِم، التي هي مِن
ثوابت الدِّين الإسلامي، ويكون ذلك بنشْر الأعمال الخليعة التي تدعو إلى
الخلاعة والمجون، وفي ذلك دعوةٌ إلى التقليد الأعمى، وتخلٍّ عن الفضيلة
التي حثَّ عليها الإسلام، هذه واحدة.
والثانية:
تصوير الإنسان الغربي على أنَّه هو الإنسان المتحضِّر المثقَّف المتحرِّر
صاحب العقلية الفذَّة بينما المسلِم - العربي خاصَّة - هو الإنسان
المتخلِّف الرجعي الرافض لأي نوْع مِن أنواع التحرُّر والتقدُّم! وهذا
بالطبع غير صحيح؛ إذ الهدف مِن هذا، الدعوة إلى التقليد والمسايرة دون
النظر إلى ما إذا كان هذا يوافق الدِّين أو لا.
ومِن وسائل محاربة الإسلام أيضًا مِن خلال
الإعلام: تحميل النصوص الشرعيَّة سواء مِن القرآن أو السُّنة ما لا
تتحمَّل، أو ما لا تحمل عليه أصلاً! أو محاولة الإقناع بأنَّ هذه النصوصَ
الشرعية فيها شيء من المغالطة، أو هي خاطئة أصلاً، وبذلك يتسرَّب الشكُّ في
نفوس ضِعاف العقيدة كما يتسرَّب شررُ النار في الهشيم، وخير دليلٍ على ذلك
ما رأيناه ممَّن يقبع خلفَ قناة فضائية يُهاجِم الإسلامَ هجومًا شرسًا،
زاعمًا أنه على عِلم بالإسلام ومصادره أكثرَ مِن علماء الإسلام أنفسهم،
وهذا زعمٌ خاطئ؛ إذ الهدف الرئيسي هو هدْمُ جميع الأركان التي يقوم عليها
الإسلام، وأوَّلها مصادره: (القرآن الكريم والسُّنَّة النبويَّة)،
وما يؤكِّد ذلك أيضًا هو هروبه مِن المجادلة أو المناظرة، وهذا دليلٌ على
ما تنطوي عليه النفس مِن خبث النيَّة، ويستمرُّ الإنفاق على هذا الإعلام،
وهذه القنوات الفضائيَّة وغيرها؛ لمحاربةِ الإسلام، فالإسلام بالنسبة
لهؤلاء هو العدوُّ الذي يجب محاربتُه، وفي ذلك يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ
يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 36]، وتتخذ محاربة الإسلام أساليب شتَّى، ومنها أيضًا:
5- التدخُّل الغربي في المؤسَّسات التعليميَّة والعلمية في كثيرٍ مِن البلاد الإسلامية، سواء بطريق مباشِر، أو غير مباشر، (والسيطرة على العقل وتشكيله وَفقَ نسَق معيَّن يعد أمرًا بالغ الخطورة)،
ولا نُنكر أنه كانت هناك استجابة مِن كثيرٍ من الحكومات العربيَّة؛
استجابةً للضغوط أو عدم الشعور بالمسؤولية، وكذلك عدمُ الشُّعور بالوطنية: كيف ذلك؟
الغربُ يُدرك تمامًا قيمة العقل، والمنهج
التعليمي في المؤسَّسات التعليمية من المكوِّنات الرئيسية للعقل، وهم
يُريدون فراغًا عقليًّا للمسلمين، وأن يكون العقل المسلم خاويًا لا شيء
فيه، خاصَّة عقول الشباب، فهم أملُ المستقبل وثروة الأمَّة، إذًا فلا سبيلَ
للتقدُّم والرُّقي، ومَن كان كذلك يحتاج إلى غيره، والغرب دائمًا يريد أن
يكون المسلمون في حاجةٍ لهم.
وأيضًا من أساليب التدخُّل في المنهج التعليمي:
محاولة تفريغ المناهج التعليميَّة مِن كل ما هو دِيني مستمد مِن العقيدة
الإسلامية، بل ومحاولة تهميش الدِّين وإعطائه صبغةَ الثقافة العامَّة؛ وذلك
حتى لا تتشبَّع العقولُ بالدِّين، وبذلك يكون الوصولُ بها إلى الانحدار
ومستوى الفوضى الأخلاقيَّة أمرًا سهلاً، ويسهل بذلك تفكُّك أوصال الأمَّة
واقتلاعها مِن جذورها، والسيطرة عليها وعلى مُقدَّراتها وثرواتها، (وهذا مِن مطامع الغرب).
وتتعدَّد أساليبُ الغزو الفكرية الموجَّهة
ضدَّ الإسلام والمسلمين، وهذا نوعٌ مِن أنواع التحدِّي المنظَّم الذي
تواجهه الأمَّة الإسلامية، والذي يتمُّ تنفيذه عن طريقِ منتسبين إلى
الإسلام ممَّن هم مِن جلدتنا، ويتكلَّمون بألسنتنا، فعلينا أن ننتبه ونُفيق
مِن غفلتنا ولا نغفل عن ذلك كلِّه، وتلك الفتن الموجَّهة علينا، ونتذكَّر
قول الله تعالى: ﴿ لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا
زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ
الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ
بِالظَّالِمِينَ * لَقَدِ ابْتَغَوُا
الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ
الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ ﴾ [التوبة: 47 - 48].
إذًا فهناك قوًى غربيةٌ مدمِّرة تسلط قواها على الإسلام والمسلمين في كلِّ مكان بكلِّ جهدها وبكلِّ طاقتها، (ولا ننسى أنَّ لليهود دورًا بارزًا في هذا الغزو المسلط علينا)؛
لذا فقد وجَب علينا أن نتَّخذ الأساليب والتدابير الحاسِمة لمواجهة هذا
الغزو الفكري بكلِّ قوَّة وحزْم، وهذا واجب شرعي على الأمَّة جميعها، بل
على كل فرْد فيها.