الغزو الفكري في المجالات التربوية والتعليمية
(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)
(مادة مرشحة للفوز بمسابقة كاتب الألوكة الثانية)
صفا مصطفى عبد الفتاح
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الحمدُ لله الذي حفِظَ القرآن العظيمَ بحِفْظه، فقال تبارك اسمُه: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت:41، 42]، وقال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾
[الحجر:9]، والصلاةُ والسلامُ على الرحمةِ المهداةِ، والنعمةِ المُسْداةِ،
إمام الأنبياءِ والمرسلين وخاتَمِهِم، الذي أَخرج الله به الناسَ مِن
الظلمات إلى النورِ، وأَكْمَلَ به الدينَ، وأَتَمَّ به النِّعمة، وأَقامَ
به الحُجَّةَ العلميةَ بالبرهان، والحجة العمليَّة بالقدوةِ، سَيِّدِنا
محمد، وعلى آله وصحبه، ومَنْ تَبعهم بإحسانٍ.
أما بعدُ:
فقد طار الحمامُ وجاء بأحلى الكلام؛
فأعلن: إنَّ الشبكة الغراء - شبكة أهل العلم الكرماء، شبكة الألوكة حاملة
اللواء، ناصرة الإسلام وصانعة العلاء - قد بدأتْ مسابقتها السنويَّة
للكتَّاب والأدباء والشعراء، وصدق فيها القول:
فأحببتُ أن يكون لي قدَمٌ فيها، أسير فيها
مِن أسفلَ إلى أعلى، راجيةً الفوزَ بجائزة الله لي أولًا، ثم بجائزة
الألوكة الأولى ثانيًا، إذ تعودتُ أن أسعى إلى المعالي، وأمتثل قول القائل -
وأنا أمتطي قلمي وأقوده -:
وقول القائل:
فكابدتُ وسهِرْتُ الليالي، حتى ظَهَرتْ
كتابتي في حلتها هذه، فإن تحقق أملي فلله الحمد والفضل والمنة، وإن كانت
الأخرى فحسبي أني اجتهدت، ولا أعدم الخير في التجربة والسعي مرة أخرى.
وختامًا،
أسأل الله رب العرش العظيم، أن يجعل ما كتبتُ وما أكتبُ زادًا وعتادًا لي
يوم القدوم عليه، وأن يشملنا بعفوه ووالدينا وأهلينا وإخواننا، إنه كريم
مجيب، وعلى كل شيء قدير.
تمهيد:
الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبي الله المبعوث للعالمين، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعدُ:
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد - رضي
الله عنه - أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ[1]
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ،
حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ» قُلْنَا: يَا
رَسُولَ اللهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ»[2].
قال النووي:
"وَالْمُرَادُ بِالشِّبْرِ وَالذِّرَاعِ وَجُحْرِ الضَّبِّ التَّمْثِيلُ
بِشِدَّةِ الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ وَالْمُرَادُ الْمُوَافَقَةُ فِي
الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ لَا فِي الْكُفْرِ وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ
ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ
وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وقال ابن حجر في الفتح:
"قَالَ عِيَاضٌ الشِّبْرُ وَالذِّرَاعُ وَالطَّرِيقُ وَدُخُولُ الْجُحْرِ
تَمْثِيلٌ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا نَهَى الشَّرْعُ
عَنْهُ وَذَمَّهُ"[3].
وانطلاقًا من هذا الحديث النبوي المعجز،
فمعلوم أنَّ الغَرْب كان وما زال يُمارس هُجُومًا فكريًّا - بعد أن فشل في
الهجوم العسكري - مِمَّا أدى إلى اختراق صفوف الأمة الإسلامية، وتحريفِ
كثير من تاريخها، ومنهجها، وحضارتها، وعقيدتها، واخترع أفكارًا تُشْبه
الإسلامَ مِن طرفٍ خَفِيٍّ - وليستْ منه - فانبرى له مَن وقف حائِط صَدٍّ
ضده، وزادت صيحاتهم تدوِّي في أرجاء المعمورة: أنِ احْذروا من الغزْوِ
الفكري، أن احذروا مِنَ التغريب[4].
فلما وجد الغربُ فشلهم في الحرب المباشرة،
بدأ في استخدام سلوك المكر والخديعة - سلوك الغزو الفكري - والذي يُمَثِّل
أفضل الطرُق وأقربها، لإحكام سيطرته الاستعمارية على المسلمين.
فوضَعوا المخطَّطات والبرامج الدقيقة في
هذا الجانب، ونسَجُوا المؤامَرات للغارة على الأفكار والمفاهيم الإسلامية،
وعلى كلِّ ما له صِلَة بالإسلام؛ أمَّة وحضارةً وفكرًا، وأضحت قاعدتهم التي
ارْتَكَزُوا عليها هي: "إذا أرهبك عدوُّك، فأفْسِد فِكْرَه ينتحر به، ومِن
ثَمَّ تستعبده"، فانتقلتِ المعركةُ من ساحة الحرب إلى ميدان الفكر
والثقافة[5].
ثم نجحتِ المخططاتُ - وبكل أسف - فَسِرْنا
نتبع خُطا مَن قبلنا؛ في كل كبير وصغير، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا
بِذِرَاعٍ، فضاع جيلٌ من الشباب، وغُرِّبَ جِيلٌ من الفتيات، وانسلخ رجال
من دينهم، وترك نساءٌ تعاليم نبيها، فإنا لله.
فكان لزامًا عليَّ حملًا لأمانة الكلمة،
أن أكتب شيئًا يعبِّر عما في داخلي من مرارةٍ وحرقة على حال أمتي؛ نتيجة
التغريب الذي يُمارس عليها كل يوم؛ في شتى مجالات الحياة؛ في: الاقتصاد،
والسياسة، والإعلام، والتعليم، والمرأة، حتى في طعامنا وشرابنا.
وقد أخذتُ جانبًا واحدًا مِن هذه الجوانب
المتعَدِّدة، أبين فيه ما فَعَلَهُ أصحابُ التقدُّم والتحرُّر! - وقد كذبوا
تالله - وأقدِّم بعده حلولًا بديلة لأصحاب الحضارة الحقيقيين، أصحاب الحق
والعدل، أصحاب الفكر المستقيم، أهل الديانة والملة الحنيفية.
أما الجانب الذي اخترتُه فهو الجانب التربوي والتعليمي، لما يُمَثِّل من خطورةٍ عظيمةٍ على شبابنا أطفال في تعليمهم وتربيتهم.
ولو استفضتُ في بيان كلِّ نقطة فيه، لما
قُضِي وما انتهى، فآثرتُ أن تكون هذه الكلمات لبنات على الطريق، لعلَّ الله
أن يُصلحَ الحال؛ لذت ملتُ إلى الاختصار والاقتصار، مبينًا ما اقتضى
البيان، ومختصرًا ما اقتضى الاختصار.
وسميتُه: "الغَزْو الفِكْري في المجالات التربويَّة والتعليميَّة"
وقد قسَّمتُه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: تعريف الغَزْو الفكري، ودَوافِعُه.
الفصل الثاني: أهداف الغزو الفكري ووسائله.
الفصل الثالث: الغزو الفكري في المجال التربوي والتعليمي.
والله تعالى أسألُ أن يتمَّه بخيرِ حال،
وأن ينفعَ به إخواننا في الألوكة وفي غيرها، وأن يكون زادًا وعتادًا لي يوم
القيامة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الفصل الأول
تعريف الغَزْو الفكري، ودَوافِعُه
تعريف الغزو الفكري:
الغزو الفكري: تغيير أحوال المسلمين
السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، عن طريق استعمار القلوب
والعُقُول، وتبديل الأفكار والقيَم والعقائد، فيصبح المغزوُّ فكريًّا
خاضعًا بشكْلٍ تام لقادة الغزو وجنوده[6].
ومن هنا يظْهَر الفَرْقُ جليًّا بين الغزْوِ العسكري والغَزْو الفكري[7]:
1- فالغزو العسكري يستهدف أولًا وأخيرًا الأرض، وما فيها من خيراتٍ وموارد اقتصاديةٍ، وما تُشَكِّلُه من موقع إستراتيجي للأعداء.
بينما الغزوُ الفكري يستهدف أشرف ما في الإنسان؛ عقيدته وفكره، قلبه وعقله.
2-
الغزو العسكري يضُرُّ بالغزاة أنفسهم أكثر مما يحقق أهدافهم؛ لأنَّه
يُحَرِّك في الشُّعوب المغزوة عاطفةَ الولاء للدِّين والوطن، ويُثير فيهم
الحميَّة ضد المستعمر، فتهب الشعوب مُجاهدةً عن دينها، ومدافعةً عن
أوطانِها.
بينما الغزوُ الفكري يعمل في المسلمين عكس ذلك.
3- الغزوُ العسكري يُحَرِّك في الشُّعوب حسَّ العمل الجاد للاستقلال والتحرُّر من التبعيَّة والخُضُوع للأعداء.
بينما الغزو الفكري يُفقد المغزوِّين القدرة والاستعداد للمجابهة، مما يجعلهم يقعون في أحابيل قادة الغزو بسهولة.
4- الغزو العسكري وسائله منفِّرة، وهي مصحوبةٌ بالدَّمار والقتل والدم.
بينما وسائل الغزو الفكري ناعمة وخادعة، ومصحوبة بالشهوات، فالاستجابة لها مِن قِبَل المغْزُوِّين أسرع، وأكثر، وأنجع.
5- الغزو العسكري تكاليفُه باهظة، وهو يلقى أسباب المقاومة، وآثاره تنهى في الغالب برحيل قادة الغزو وجنوده.
بينما الغزو الفكري قليل التكلفة، ولا يلقى في الغالب مُقاومةً، وتبقى آثارُه في عقول وقلوب المغزوِّين.
6- قادة الغزو العسكري وجنوده يوجدون في مسرح العمليات والأحداث.
بينما الغزو الفكري يكون قادتُه في الغالب
بعيدين عن مسرح الأحداث، إذ يعملون مِن خلال عُمَلائهم ومأجوريهم من أبناء
البلاد المغزُوَّة، والغزوُ يتم في جوٍّ من العلانية التامة، وتحت سمع
وبصر القانون، بل برعايته وحمايته!
7- الغزو العسكري لا يجد له كثيرًا من الأتباع.
بينما الغزوُ الفكري يجد له كثيرًا من
الأتباع والأنصار، الذين يمُدُّون يد التعاون باستمرار لقادة الغزو الفكري،
وهؤلاء الأتباع والأنصار يعتبرون أعمالهم وطنية وخدمة لبلادهم، وهم
يظنُّون أنَّ خيانتهم - لدينهم وأمتهم - لا يمكن أن تنكشف للناس.
دوافع الغزو الفكري:
إن الله - عزَّ وجلَّ - ابْتَعَثَ رسولَه -
صلى الله عليه وسلم - إلى البشريَّة جمعاء؛ لإخراج العِباد من عبادة
العباد إلى عبادة ربِّ العباد - سبحانه وتعالى - فقال تعالى: ﴿ هُوَ
الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 9]، وقال: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا *
رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ ﴾[الطلاق: 10، 11]، وقد أَمَر اللهُ - تبارك وتعالى - نبيَّه وأُمَّة الإسلام بإبلاغ هذا الدِّين؛ فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
﴾ [المائدة: 67]، ثم لَمَّا وَجَد هؤلاءِ الحقدةُ انتشارَ الدِّين -
بنَصِّ حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا
الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ
مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ
عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ،
وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ"[8]
- تآمروا عليه وعلى أمة الإسلام، وقد أخذ هذا التآمر عدة صور بعد فشلهم
الذريع في الإتيان على الإسلام من أسفله، وهدم أركان الإسلام، وأولها توجيه
سهامهم نحو الخلافة الإسلامية، حتى نجحوا بفضل حقدهم الدفين!
إن الحقد الذي يملأ الصدور ليزداد عندما
يرون نور الإيمان يشع من قلوب ووجوه المؤمنين، عندما يرون ازدياد أعداء
المسلمين، فقاموا يعملون على إضعاف تمسك المسلمين بدينهم؛ تارة بأنه دين لا
يصلح للحكم، وتارة بأنه دين لا يصلح للعصر، وتارة بأنه ليس بدين بل خرافة
مزعومة!
إن الغزو الفكري يظهر رأي العين عندما أقرأ قوله تعالى: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 105]، وقوله تعالى: ﴿ وَدَّ
كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ
إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109]، وقوله تعالى: ﴿ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً
﴾ [النساء: 102]، فهذا آيات تكشف نفسيات الأعداء، فبين الله تعالى أن
الكافرين والمشركين وأهل الكتاب يقفون معًا على قدم وساق لمنع الخير، لمنع
انتشار الإسلام، الكل يضمر شرًّا للإسلام وأهله.
كذلك يظهر الحقد - لإحساسهم بأن المسلمين تميزوا عنهم - بقول الله تعالى: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ [النساء: 89]، حتى في الفكر الكفري يريدوننا مثلهم! فكيف يرضون أن نتقدم؟! فكيف يرون أقوى؟! ولكن كما قال الله: ﴿ حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [البقرة: 109]، و﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [آل عمران: 118].
إنَّ وُجودَ الإسلام بحَدِّ ذاته في دنيا
الناس اليوم - فكرًا وسلوكًا واعتقادًا - غير مرغوب فيه من الغرب؛ إذ هو
الخطرُ بِعَيْنه عليهم، فيَشْعُرون أنه يُهَدِّدهم حتى في أحلامهم، أما إذا
تخلى المسلمون عن عقيدتهم وتهاونوا في شأنها، فإن الغرب لا يجد خطرًا
ألبتة يخشاه، بل هو غاية المنى؛ إذ لا يتحرك المسلم إلا بعقيدة، فإذا ذهبت
صار في دنياه كورقة الشجر أينما جاءها الهواء حركها!
يقول ولفرد كانتول سميث في كتابه الإسلام
في التاريخ المعاصر (122): "إن عزل العقيدة عن مجالاتها التطبيقية في حياة
المسلمين لهو ما يقوض فعالية العقيدة الإسلامية في نفوس الجماهير
الإسلامية؛ لأنها هي التي تتصدى لأي تدخل عسكري! لذلك يريد مُفَكِّرو الغرب
أن يوقفوا بواسطة الغزو الفكري فعالية العقيدة الإسلامية في نفوس
الجماهير، وجعلها مشلولة الإرادة، مبلبلة الفكر، سلسة الانقياد..."، ومنه
يُعْلَم أن الحقد الصليبي الغربي الكافر يتحرك ضد الإسلام لهدمه بكلِّ
قُوَّة، وهو نفسه - أي: ولفرد كانتول سميث - يُؤَكِّد في كتابه هذا ص 124
قائلًا: "لأن الإسلام عقيدة عملت بإصرار على إنكار المبدأ الرئيسي للعقيدة
المسيحية، التي كانت بالنسبة لأوروبا الاعتقاد السامي الذي أخذت تبني - في
بطء - حضارتها، وكان التهديد الإسلامي موجهًا بقوةٍ وعنفٍ، وكان ناجحًا
نجاحًا مكتسحًا في نصف العالم المسيحي تقريبًا..."!
وإذا كان العامل الفكري والنفسي سببا
رئيسا في حرب وهدم الإسلام، فلا ينفي هذا أن يكون هناك دوافعُ أخرى؛ كأن
يكون عاملًا اقتصاديًّا، للاستيلاء على خيرات العالم الإسلامي، كما حَدَث
مصر والمغرب والجزائر وليبيا، وكما هو حَادِثٌ الآن في العراق، والسودان
وغيرها من بلاد المسلمين!
كذلك هناك دوافع سياسية ودينية يتحرك بها القوم، ولكن الدافع الأكبر - في نظري - هو العامل النفسي.
رابط الموضوع: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الحمدُ لله الذي حفِظَ القرآن العظيمَ بحِفْظه، فقال تبارك اسمُه: ﴿ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت:41، 42]، وقال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾
[الحجر:9]، والصلاةُ والسلامُ على الرحمةِ المهداةِ، والنعمةِ المُسْداةِ،
إمام الأنبياءِ والمرسلين وخاتَمِهِم، الذي أَخرج الله به الناسَ مِن
الظلمات إلى النورِ، وأَكْمَلَ به الدينَ، وأَتَمَّ به النِّعمة، وأَقامَ
به الحُجَّةَ العلميةَ بالبرهان، والحجة العمليَّة بالقدوةِ، سَيِّدِنا
محمد، وعلى آله وصحبه، ومَنْ تَبعهم بإحسانٍ.
أما بعدُ:
فقد طار الحمامُ وجاء بأحلى الكلام؛
فأعلن: إنَّ الشبكة الغراء - شبكة أهل العلم الكرماء، شبكة الألوكة حاملة
اللواء، ناصرة الإسلام وصانعة العلاء - قد بدأتْ مسابقتها السنويَّة
للكتَّاب والأدباء والشعراء، وصدق فيها القول:
تَرَى الأَلُوكَةَ غَرَّاءً وَقَدْ لَبِسَتْ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] نُورًا مِنَ الشَّمْسِ فِي حَافَاتِهَا سَطَعَا [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] |
فأحببتُ أن يكون لي قدَمٌ فيها، أسير فيها
مِن أسفلَ إلى أعلى، راجيةً الفوزَ بجائزة الله لي أولًا، ثم بجائزة
الألوكة الأولى ثانيًا، إذ تعودتُ أن أسعى إلى المعالي، وأمتثل قول القائل -
وأنا أمتطي قلمي وأقوده -:
وَفاِرسُنَا عَلِيٌّ ذُو المعَالِي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] هُنَاكَ الفْضْلُ وَاْلأَمْرُ الرَّشِيدُ [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] |
وقول القائل:
بِقَدْرِ الكَدِّ تُكْتَسَبُ المَعَالِي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] وَمَنْ طَلَبَ العُلاَ سَهِرَ اللَّيَالِي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] |
فكابدتُ وسهِرْتُ الليالي، حتى ظَهَرتْ
كتابتي في حلتها هذه، فإن تحقق أملي فلله الحمد والفضل والمنة، وإن كانت
الأخرى فحسبي أني اجتهدت، ولا أعدم الخير في التجربة والسعي مرة أخرى.
وختامًا،
أسأل الله رب العرش العظيم، أن يجعل ما كتبتُ وما أكتبُ زادًا وعتادًا لي
يوم القدوم عليه، وأن يشملنا بعفوه ووالدينا وأهلينا وإخواننا، إنه كريم
مجيب، وعلى كل شيء قدير.
تمهيد:
الحمدُ لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبي الله المبعوث للعالمين، محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعدُ:
فقد أخرج البخاري ومسلم عن أبي سعيد - رضي
الله عنه - أن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
«لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ[1]
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ،
حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ» قُلْنَا: يَا
رَسُولَ اللهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: «فَمَنْ»[2].
قال النووي:
"وَالْمُرَادُ بِالشِّبْرِ وَالذِّرَاعِ وَجُحْرِ الضَّبِّ التَّمْثِيلُ
بِشِدَّةِ الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ وَالْمُرَادُ الْمُوَافَقَةُ فِي
الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ لَا فِي الْكُفْرِ وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ
ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ
وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".
وقال ابن حجر في الفتح:
"قَالَ عِيَاضٌ الشِّبْرُ وَالذِّرَاعُ وَالطَّرِيقُ وَدُخُولُ الْجُحْرِ
تَمْثِيلٌ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا نَهَى الشَّرْعُ
عَنْهُ وَذَمَّهُ"[3].
وانطلاقًا من هذا الحديث النبوي المعجز،
فمعلوم أنَّ الغَرْب كان وما زال يُمارس هُجُومًا فكريًّا - بعد أن فشل في
الهجوم العسكري - مِمَّا أدى إلى اختراق صفوف الأمة الإسلامية، وتحريفِ
كثير من تاريخها، ومنهجها، وحضارتها، وعقيدتها، واخترع أفكارًا تُشْبه
الإسلامَ مِن طرفٍ خَفِيٍّ - وليستْ منه - فانبرى له مَن وقف حائِط صَدٍّ
ضده، وزادت صيحاتهم تدوِّي في أرجاء المعمورة: أنِ احْذروا من الغزْوِ
الفكري، أن احذروا مِنَ التغريب[4].
فلما وجد الغربُ فشلهم في الحرب المباشرة،
بدأ في استخدام سلوك المكر والخديعة - سلوك الغزو الفكري - والذي يُمَثِّل
أفضل الطرُق وأقربها، لإحكام سيطرته الاستعمارية على المسلمين.
فوضَعوا المخطَّطات والبرامج الدقيقة في
هذا الجانب، ونسَجُوا المؤامَرات للغارة على الأفكار والمفاهيم الإسلامية،
وعلى كلِّ ما له صِلَة بالإسلام؛ أمَّة وحضارةً وفكرًا، وأضحت قاعدتهم التي
ارْتَكَزُوا عليها هي: "إذا أرهبك عدوُّك، فأفْسِد فِكْرَه ينتحر به، ومِن
ثَمَّ تستعبده"، فانتقلتِ المعركةُ من ساحة الحرب إلى ميدان الفكر
والثقافة[5].
ثم نجحتِ المخططاتُ - وبكل أسف - فَسِرْنا
نتبع خُطا مَن قبلنا؛ في كل كبير وصغير، شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا
بِذِرَاعٍ، فضاع جيلٌ من الشباب، وغُرِّبَ جِيلٌ من الفتيات، وانسلخ رجال
من دينهم، وترك نساءٌ تعاليم نبيها، فإنا لله.
فكان لزامًا عليَّ حملًا لأمانة الكلمة،
أن أكتب شيئًا يعبِّر عما في داخلي من مرارةٍ وحرقة على حال أمتي؛ نتيجة
التغريب الذي يُمارس عليها كل يوم؛ في شتى مجالات الحياة؛ في: الاقتصاد،
والسياسة، والإعلام، والتعليم، والمرأة، حتى في طعامنا وشرابنا.
وقد أخذتُ جانبًا واحدًا مِن هذه الجوانب
المتعَدِّدة، أبين فيه ما فَعَلَهُ أصحابُ التقدُّم والتحرُّر! - وقد كذبوا
تالله - وأقدِّم بعده حلولًا بديلة لأصحاب الحضارة الحقيقيين، أصحاب الحق
والعدل، أصحاب الفكر المستقيم، أهل الديانة والملة الحنيفية.
أما الجانب الذي اخترتُه فهو الجانب التربوي والتعليمي، لما يُمَثِّل من خطورةٍ عظيمةٍ على شبابنا أطفال في تعليمهم وتربيتهم.
ولو استفضتُ في بيان كلِّ نقطة فيه، لما
قُضِي وما انتهى، فآثرتُ أن تكون هذه الكلمات لبنات على الطريق، لعلَّ الله
أن يُصلحَ الحال؛ لذت ملتُ إلى الاختصار والاقتصار، مبينًا ما اقتضى
البيان، ومختصرًا ما اقتضى الاختصار.
وسميتُه: "الغَزْو الفِكْري في المجالات التربويَّة والتعليميَّة"
وقد قسَّمتُه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: تعريف الغَزْو الفكري، ودَوافِعُه.
الفصل الثاني: أهداف الغزو الفكري ووسائله.
الفصل الثالث: الغزو الفكري في المجال التربوي والتعليمي.
والله تعالى أسألُ أن يتمَّه بخيرِ حال،
وأن ينفعَ به إخواننا في الألوكة وفي غيرها، وأن يكون زادًا وعتادًا لي يوم
القيامة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الفصل الأول
تعريف الغَزْو الفكري، ودَوافِعُه
تعريف الغزو الفكري:
الغزو الفكري: تغيير أحوال المسلمين
السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والاقتصادية، عن طريق استعمار القلوب
والعُقُول، وتبديل الأفكار والقيَم والعقائد، فيصبح المغزوُّ فكريًّا
خاضعًا بشكْلٍ تام لقادة الغزو وجنوده[6].
ومن هنا يظْهَر الفَرْقُ جليًّا بين الغزْوِ العسكري والغَزْو الفكري[7]:
1- فالغزو العسكري يستهدف أولًا وأخيرًا الأرض، وما فيها من خيراتٍ وموارد اقتصاديةٍ، وما تُشَكِّلُه من موقع إستراتيجي للأعداء.
بينما الغزوُ الفكري يستهدف أشرف ما في الإنسان؛ عقيدته وفكره، قلبه وعقله.
2-
الغزو العسكري يضُرُّ بالغزاة أنفسهم أكثر مما يحقق أهدافهم؛ لأنَّه
يُحَرِّك في الشُّعوب المغزوة عاطفةَ الولاء للدِّين والوطن، ويُثير فيهم
الحميَّة ضد المستعمر، فتهب الشعوب مُجاهدةً عن دينها، ومدافعةً عن
أوطانِها.
بينما الغزوُ الفكري يعمل في المسلمين عكس ذلك.
3- الغزوُ العسكري يُحَرِّك في الشُّعوب حسَّ العمل الجاد للاستقلال والتحرُّر من التبعيَّة والخُضُوع للأعداء.
بينما الغزو الفكري يُفقد المغزوِّين القدرة والاستعداد للمجابهة، مما يجعلهم يقعون في أحابيل قادة الغزو بسهولة.
4- الغزو العسكري وسائله منفِّرة، وهي مصحوبةٌ بالدَّمار والقتل والدم.
بينما وسائل الغزو الفكري ناعمة وخادعة، ومصحوبة بالشهوات، فالاستجابة لها مِن قِبَل المغْزُوِّين أسرع، وأكثر، وأنجع.
5- الغزو العسكري تكاليفُه باهظة، وهو يلقى أسباب المقاومة، وآثاره تنهى في الغالب برحيل قادة الغزو وجنوده.
بينما الغزو الفكري قليل التكلفة، ولا يلقى في الغالب مُقاومةً، وتبقى آثارُه في عقول وقلوب المغزوِّين.
6- قادة الغزو العسكري وجنوده يوجدون في مسرح العمليات والأحداث.
بينما الغزو الفكري يكون قادتُه في الغالب
بعيدين عن مسرح الأحداث، إذ يعملون مِن خلال عُمَلائهم ومأجوريهم من أبناء
البلاد المغزُوَّة، والغزوُ يتم في جوٍّ من العلانية التامة، وتحت سمع
وبصر القانون، بل برعايته وحمايته!
7- الغزو العسكري لا يجد له كثيرًا من الأتباع.
بينما الغزوُ الفكري يجد له كثيرًا من
الأتباع والأنصار، الذين يمُدُّون يد التعاون باستمرار لقادة الغزو الفكري،
وهؤلاء الأتباع والأنصار يعتبرون أعمالهم وطنية وخدمة لبلادهم، وهم
يظنُّون أنَّ خيانتهم - لدينهم وأمتهم - لا يمكن أن تنكشف للناس.
دوافع الغزو الفكري:
إن الله - عزَّ وجلَّ - ابْتَعَثَ رسولَه -
صلى الله عليه وسلم - إلى البشريَّة جمعاء؛ لإخراج العِباد من عبادة
العباد إلى عبادة ربِّ العباد - سبحانه وتعالى - فقال تعالى: ﴿ هُوَ
الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ
الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحديد: 9]، وقال: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا *
رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ ﴾[الطلاق: 10، 11]، وقد أَمَر اللهُ - تبارك وتعالى - نبيَّه وأُمَّة الإسلام بإبلاغ هذا الدِّين؛ فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ
﴾ [المائدة: 67]، ثم لَمَّا وَجَد هؤلاءِ الحقدةُ انتشارَ الدِّين -
بنَصِّ حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا
الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ
مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ
عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ،
وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ"[8]
- تآمروا عليه وعلى أمة الإسلام، وقد أخذ هذا التآمر عدة صور بعد فشلهم
الذريع في الإتيان على الإسلام من أسفله، وهدم أركان الإسلام، وأولها توجيه
سهامهم نحو الخلافة الإسلامية، حتى نجحوا بفضل حقدهم الدفين!
إن الحقد الذي يملأ الصدور ليزداد عندما
يرون نور الإيمان يشع من قلوب ووجوه المؤمنين، عندما يرون ازدياد أعداء
المسلمين، فقاموا يعملون على إضعاف تمسك المسلمين بدينهم؛ تارة بأنه دين لا
يصلح للحكم، وتارة بأنه دين لا يصلح للعصر، وتارة بأنه ليس بدين بل خرافة
مزعومة!
إن الغزو الفكري يظهر رأي العين عندما أقرأ قوله تعالى: ﴿ مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [البقرة: 105]، وقوله تعالى: ﴿ وَدَّ
كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ
إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا
تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ﴾ [البقرة: 109]، وقوله تعالى: ﴿ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً
﴾ [النساء: 102]، فهذا آيات تكشف نفسيات الأعداء، فبين الله تعالى أن
الكافرين والمشركين وأهل الكتاب يقفون معًا على قدم وساق لمنع الخير، لمنع
انتشار الإسلام، الكل يضمر شرًّا للإسلام وأهله.
كذلك يظهر الحقد - لإحساسهم بأن المسلمين تميزوا عنهم - بقول الله تعالى: ﴿ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ﴾ [النساء: 89]، حتى في الفكر الكفري يريدوننا مثلهم! فكيف يرضون أن نتقدم؟! فكيف يرون أقوى؟! ولكن كما قال الله: ﴿ حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [البقرة: 109]، و﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [آل عمران: 118].
إنَّ وُجودَ الإسلام بحَدِّ ذاته في دنيا
الناس اليوم - فكرًا وسلوكًا واعتقادًا - غير مرغوب فيه من الغرب؛ إذ هو
الخطرُ بِعَيْنه عليهم، فيَشْعُرون أنه يُهَدِّدهم حتى في أحلامهم، أما إذا
تخلى المسلمون عن عقيدتهم وتهاونوا في شأنها، فإن الغرب لا يجد خطرًا
ألبتة يخشاه، بل هو غاية المنى؛ إذ لا يتحرك المسلم إلا بعقيدة، فإذا ذهبت
صار في دنياه كورقة الشجر أينما جاءها الهواء حركها!
يقول ولفرد كانتول سميث في كتابه الإسلام
في التاريخ المعاصر (122): "إن عزل العقيدة عن مجالاتها التطبيقية في حياة
المسلمين لهو ما يقوض فعالية العقيدة الإسلامية في نفوس الجماهير
الإسلامية؛ لأنها هي التي تتصدى لأي تدخل عسكري! لذلك يريد مُفَكِّرو الغرب
أن يوقفوا بواسطة الغزو الفكري فعالية العقيدة الإسلامية في نفوس
الجماهير، وجعلها مشلولة الإرادة، مبلبلة الفكر، سلسة الانقياد..."، ومنه
يُعْلَم أن الحقد الصليبي الغربي الكافر يتحرك ضد الإسلام لهدمه بكلِّ
قُوَّة، وهو نفسه - أي: ولفرد كانتول سميث - يُؤَكِّد في كتابه هذا ص 124
قائلًا: "لأن الإسلام عقيدة عملت بإصرار على إنكار المبدأ الرئيسي للعقيدة
المسيحية، التي كانت بالنسبة لأوروبا الاعتقاد السامي الذي أخذت تبني - في
بطء - حضارتها، وكان التهديد الإسلامي موجهًا بقوةٍ وعنفٍ، وكان ناجحًا
نجاحًا مكتسحًا في نصف العالم المسيحي تقريبًا..."!
وإذا كان العامل الفكري والنفسي سببا
رئيسا في حرب وهدم الإسلام، فلا ينفي هذا أن يكون هناك دوافعُ أخرى؛ كأن
يكون عاملًا اقتصاديًّا، للاستيلاء على خيرات العالم الإسلامي، كما حَدَث
مصر والمغرب والجزائر وليبيا، وكما هو حَادِثٌ الآن في العراق، والسودان
وغيرها من بلاد المسلمين!
كذلك هناك دوافع سياسية ودينية يتحرك بها القوم، ولكن الدافع الأكبر - في نظري - هو العامل النفسي.
رابط الموضوع: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]