الشباب وغياب القدوة الصالحة
الشباب في أمة الإسلام يعانون من أمر خطير، وهو افتقاد القدوة الصالحة.. وتربية القدوة أعلى آلاف المرات من تربية الخطب والمقالات، وفعل رجل في ألف رجل خيرٌ من قول ألف رجل في رجل..
المربي الذي يخالف فعله قوله واهمٌ في اعتقاده أنه يربي.. بل هو يهدم، وإن كانت كلماته هي كلمات البناء؛ {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3].
كيف يمكن للأب أن يأمر أولاده بعدم التدخين -مثلاً- والسيجارة لا تفارق يده؟! أو كيف يأمره بحسن معاملة الجار وهو في شجارٍ دائم مع جيرانه؟ أو بحفظ اللسان وهو يتناول كل قادة السيارات حوله بالسباب والشتائم؟ أو بالحلم وهو غضبان؟ أو بالكرم وهو شحيح؟! كيف؟!
كيف يمكن للمدرس في المدرسة أن يزرع في تلاميذه الرحمة وهو يستنزف أموالهم في الدروس الخصوصية، في حين لا يعطي لدروس المدرسة أو الجامعة حقها؟!.. وكيف يمكن له أن يربي تلامذته على الحرص على المال العام والأمانة في العمل وهو لا ينضبط في دروسه، بل ويترك بعضها، ويُهمل في أخرى، وينام في ثالثة، ويلعب في رابعة؟!
كيف يمكن لحاكم أو شرطي أن يأمر الشباب بعدم العنف وترك الإرهاب، بينما هو يتعامل بكل قسوة وعنف وبطش وإرهاب مع عموم الشعب؟!
كيف يمكن أن تكون هناك تربية بغير قدوة؟!
لقد افتقد الشباب المسلم إلى القدوة الصالحة في كثير من الأحيان..
ومن هو بديل القدوة عند الشباب الآن؟!
فليراجع كلٌّ منا نفسه، وليراقب قدوة ابنه أو أخيه أو نفسه..
من هو القدوة؟!
بعض الشباب يتخذ قدوته فنّانًا ماجنًا أقرب إلى النساء منه إلى الرجال..!
بعضهم يتخذ قدوته لاعبًا أنفق زهرة شبابه في اللعب، وقد يكون هذا اللاعب غير مسلم أصلاً، ويصبح حلم حياة الشاب، وهدف عمره أن يصبح لاعبًا مثله، أو حتى يحصل على توقيع من هذا اللاعب القدوة!!
بعض الشباب يتخذ قدوته مليونيرًا فاسدًا سرق أموال البلاد والعباد، أو مسئولاً مرتشيًا تسلق على أكتاف الشعب إلى درجات عالية ما يستحق معشارها..
بعض الشباب يتخذ قدوته زعيمًا ماركسيًّا، أو قائدًا ملحدًا، أو أديبًا فاسقًا..
بعضهم قدوته من الشيوعيين أو النصارى أو اليهود أو الهندوس أو بغير ملة!!
وليس الكثير من أبناء الإسلام الذي يتخذ قدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم!.. مع أن الله عز وجل يقول في كتابه بوضوح: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
وليراجع كلٌّ منا الذين يعرفهم من شباب المسلمين.. وليسأل كل واحد من هؤلاء الشباب هذا السؤال صراحة:
من قدوتك؟!
ادخلوا إلى حرم الجامعة، وخذوا عينة عشوائية من طلاب الجامعة الذين يسيرون في الطرقات، أو يدخلون المحاضرات، أو يجلسون في الكافتيريات، واسألوهم هذا السؤال المباشر..
من قدوتك؟!
والله يا ليتنا نقوم بهذا الإحصاء لنعلم مَن مِن شبابنا يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومَن مِن الشباب يقتدي بالزبير أو طلحة أو سعد أو الأرقم..؟
ثم مَن من الشباب يقتدي بالفنانين واللاعبين والأدباء والعلمانيين؟!
إحصائية مهمة ستضع الحقيقة أمام أعيننا..
من الصعب أن تسأل شابًّا يسير برفقة فتاة لا يحلّ له أن يختلط بها ثم يقول لك: قدوتي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم!.. ومن الصعب أيضًا أن يقول هذه الإجابة مَن يمسك بيده سيجارة أو من يلقي بالنكات الماجنة ليُضحِك هذا وذاك..
فلنراجع قدوة أبنائنا!!
ثم إنني مرة أخرى لا أعفي الشباب من المسئولية!!
فالرسول صلى الله عليه وسلم كقدوة ليس بعيدًا عن أيدينا.. والله عز وجل قد حفظ لنا سنته وطريقته ومنهاجه، والله عز وجل قد يسّر لنا من الدعاة والمربين من يتحدث عنه، ويصف أفعاله، ويشرح طريقته.. نعم كثيرًا ما يُضيَّق عليهم، ولكنهم -بفضل الله- ما زالوا يتكلمون.. وهذا في كل قُطْر إسلامي، وفي كل مدينة، وفي كل شارع، وفي كل مسجد أو جامعة أو نادٍ أو عمل.. في كل مكان ستجد من يتكلم ويعلّم.. لكن المهم في المقام الأول أن يريد الشاب أن يتعلم.
لن تعجز أبدًا أن تصل إلى قدوة الرسول صلى الله عليه وسلم..
ولن تعجز أبدًا أن تصل إلى قدوة الصحابة -رضي الله عنهم- أو قدوة الصالحين..
الكتب والأشرطة السمعية وبرامج الكمبيوتر موجودة الآن وبكثرة، ولئن قَلَّتْ حلقات العلم إلى حد كبير، فالوصول إلى العلماء ما زال ممكنًا.. وأول الغيث قطرة ثم ينهمر.
بيت القصيد أن تبدأ في البحث عن قدوة صالحة، والتاريخ الإسلامي زاخر بالقدوات الصالحة..
كما أن الواقع الذي نعيشه ليس خاليًا من القدوات.. والرموز الطيبة التي جمعت بين التمسك بالإسلام في العبادات والشعائر وبين الحياة بالإسلام في كل صغيرة وكبيرة موجودة، بل كثيرة بفضل الله.. وليس في بلد واحد، بل في كل بلاد المسلمين، وليس في مجال واحد، بل في كل مجالات الحياة.. في الدعوة والشريعة، وفي الطب والهندسة، وفي الكيمياء والفلك، وفي الزراعة والصناعة، وفي التجارة والاقتصاد، وفي الكبار والصغار، وفي الرجال والنساء، وفي المتعلمين وغير المتعلمين..
القدوات الصالحة التي عضّت على دينها بالنواجذ، وتمسكت بشرع ربها، لن تنعدم أبدًا من أمة الإسلام، والخير لا ينقطع أبدًا في هذه الأمة، وإلى يوم القيامة، بشرط أن يبحث الشاب عن قدوته في المكان الصحيح، وبالطريقة الصحيحة..
ليس المهم في القدوة هو المنصب والمظهر والمكانة الاجتماعية والوضع الاقتصادي والبريق الإعلامي، إنما المهم حقيقة هو الدين والخُلق والعمل والجدية.
وموضوع القدوة هذا ليس موضوعًا جانبيًّا في حياة الشاب، بل هو موضوع أساسي ومحوري؛ فجميع الأمثلة التي ذكرناها من جيل الصحابة، أو مَن جاء بعدهم، كانوا يتخذون الرسول صلى الله عليه وسلم قدوةً في حياتهم بوضوح.. فهم يتلمسون أقواله وأخباره وأفعاله ومواضع قدمه وكلامه وصمته وحركاته وسكناته وكل شيء في حياته.. فكان لهم الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة عامة..
ثم إن كل واحد منهم كان لهم قدوة خاصة في بيته ساعدته على الارتقاء والتقدم والنبوغ؛ فأسامة بن زيد -مثلاً- رباه الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنهم أجمعين.. وزيد بن ثابت ربته الصحابية الجليلة النوار بنت مالك رضي الله عنها.. ومعاذ بن عمرو بن الجموح ربّاه الصحابي العظيم عمرو بن الجموح رضي الله عنه. وهكذا نشأ هذا الشباب الصالح في بيئة ساعدته على التقدم والارتقاء، فكان هذا الإنجاز الراقي الذي قدّموه لنا وللبشرية.
فيا شباب الإسلام، لا تسيروا دون إرادة ولا تفكير وراء أي قدوة.. فقدوتك لا تحدِّد فقط مصيرك في دنياك، بل تؤثر -وبصورة أكبر- على آخرتك. وأسأل الله لنا جميعًا الهداية والرشاد.
المصدر: كتاب (رسالة إلى شباب الأمة).
الشباب في أمة الإسلام يعانون من أمر خطير، وهو افتقاد القدوة الصالحة.. وتربية القدوة أعلى آلاف المرات من تربية الخطب والمقالات، وفعل رجل في ألف رجل خيرٌ من قول ألف رجل في رجل..
المربي الذي يخالف فعله قوله واهمٌ في اعتقاده أنه يربي.. بل هو يهدم، وإن كانت كلماته هي كلمات البناء؛ {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3].
كيف يمكن للأب أن يأمر أولاده بعدم التدخين -مثلاً- والسيجارة لا تفارق يده؟! أو كيف يأمره بحسن معاملة الجار وهو في شجارٍ دائم مع جيرانه؟ أو بحفظ اللسان وهو يتناول كل قادة السيارات حوله بالسباب والشتائم؟ أو بالحلم وهو غضبان؟ أو بالكرم وهو شحيح؟! كيف؟!
كيف يمكن للمدرس في المدرسة أن يزرع في تلاميذه الرحمة وهو يستنزف أموالهم في الدروس الخصوصية، في حين لا يعطي لدروس المدرسة أو الجامعة حقها؟!.. وكيف يمكن له أن يربي تلامذته على الحرص على المال العام والأمانة في العمل وهو لا ينضبط في دروسه، بل ويترك بعضها، ويُهمل في أخرى، وينام في ثالثة، ويلعب في رابعة؟!
كيف يمكن لحاكم أو شرطي أن يأمر الشباب بعدم العنف وترك الإرهاب، بينما هو يتعامل بكل قسوة وعنف وبطش وإرهاب مع عموم الشعب؟!
كيف يمكن أن تكون هناك تربية بغير قدوة؟!
لقد افتقد الشباب المسلم إلى القدوة الصالحة في كثير من الأحيان..
ومن هو بديل القدوة عند الشباب الآن؟!
فليراجع كلٌّ منا نفسه، وليراقب قدوة ابنه أو أخيه أو نفسه..
من هو القدوة؟!
بعض الشباب يتخذ قدوته فنّانًا ماجنًا أقرب إلى النساء منه إلى الرجال..!
بعضهم يتخذ قدوته لاعبًا أنفق زهرة شبابه في اللعب، وقد يكون هذا اللاعب غير مسلم أصلاً، ويصبح حلم حياة الشاب، وهدف عمره أن يصبح لاعبًا مثله، أو حتى يحصل على توقيع من هذا اللاعب القدوة!!
بعض الشباب يتخذ قدوته مليونيرًا فاسدًا سرق أموال البلاد والعباد، أو مسئولاً مرتشيًا تسلق على أكتاف الشعب إلى درجات عالية ما يستحق معشارها..
بعض الشباب يتخذ قدوته زعيمًا ماركسيًّا، أو قائدًا ملحدًا، أو أديبًا فاسقًا..
بعضهم قدوته من الشيوعيين أو النصارى أو اليهود أو الهندوس أو بغير ملة!!
وليس الكثير من أبناء الإسلام الذي يتخذ قدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم!.. مع أن الله عز وجل يقول في كتابه بوضوح: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
وليراجع كلٌّ منا الذين يعرفهم من شباب المسلمين.. وليسأل كل واحد من هؤلاء الشباب هذا السؤال صراحة:
من قدوتك؟!
ادخلوا إلى حرم الجامعة، وخذوا عينة عشوائية من طلاب الجامعة الذين يسيرون في الطرقات، أو يدخلون المحاضرات، أو يجلسون في الكافتيريات، واسألوهم هذا السؤال المباشر..
من قدوتك؟!
والله يا ليتنا نقوم بهذا الإحصاء لنعلم مَن مِن شبابنا يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ومَن مِن الشباب يقتدي بالزبير أو طلحة أو سعد أو الأرقم..؟
ثم مَن من الشباب يقتدي بالفنانين واللاعبين والأدباء والعلمانيين؟!
إحصائية مهمة ستضع الحقيقة أمام أعيننا..
من الصعب أن تسأل شابًّا يسير برفقة فتاة لا يحلّ له أن يختلط بها ثم يقول لك: قدوتي هو رسول الله صلى الله عليه وسلم!.. ومن الصعب أيضًا أن يقول هذه الإجابة مَن يمسك بيده سيجارة أو من يلقي بالنكات الماجنة ليُضحِك هذا وذاك..
فلنراجع قدوة أبنائنا!!
ثم إنني مرة أخرى لا أعفي الشباب من المسئولية!!
فالرسول صلى الله عليه وسلم كقدوة ليس بعيدًا عن أيدينا.. والله عز وجل قد حفظ لنا سنته وطريقته ومنهاجه، والله عز وجل قد يسّر لنا من الدعاة والمربين من يتحدث عنه، ويصف أفعاله، ويشرح طريقته.. نعم كثيرًا ما يُضيَّق عليهم، ولكنهم -بفضل الله- ما زالوا يتكلمون.. وهذا في كل قُطْر إسلامي، وفي كل مدينة، وفي كل شارع، وفي كل مسجد أو جامعة أو نادٍ أو عمل.. في كل مكان ستجد من يتكلم ويعلّم.. لكن المهم في المقام الأول أن يريد الشاب أن يتعلم.
لن تعجز أبدًا أن تصل إلى قدوة الرسول صلى الله عليه وسلم..
ولن تعجز أبدًا أن تصل إلى قدوة الصحابة -رضي الله عنهم- أو قدوة الصالحين..
الكتب والأشرطة السمعية وبرامج الكمبيوتر موجودة الآن وبكثرة، ولئن قَلَّتْ حلقات العلم إلى حد كبير، فالوصول إلى العلماء ما زال ممكنًا.. وأول الغيث قطرة ثم ينهمر.
بيت القصيد أن تبدأ في البحث عن قدوة صالحة، والتاريخ الإسلامي زاخر بالقدوات الصالحة..
كما أن الواقع الذي نعيشه ليس خاليًا من القدوات.. والرموز الطيبة التي جمعت بين التمسك بالإسلام في العبادات والشعائر وبين الحياة بالإسلام في كل صغيرة وكبيرة موجودة، بل كثيرة بفضل الله.. وليس في بلد واحد، بل في كل بلاد المسلمين، وليس في مجال واحد، بل في كل مجالات الحياة.. في الدعوة والشريعة، وفي الطب والهندسة، وفي الكيمياء والفلك، وفي الزراعة والصناعة، وفي التجارة والاقتصاد، وفي الكبار والصغار، وفي الرجال والنساء، وفي المتعلمين وغير المتعلمين..
القدوات الصالحة التي عضّت على دينها بالنواجذ، وتمسكت بشرع ربها، لن تنعدم أبدًا من أمة الإسلام، والخير لا ينقطع أبدًا في هذه الأمة، وإلى يوم القيامة، بشرط أن يبحث الشاب عن قدوته في المكان الصحيح، وبالطريقة الصحيحة..
ليس المهم في القدوة هو المنصب والمظهر والمكانة الاجتماعية والوضع الاقتصادي والبريق الإعلامي، إنما المهم حقيقة هو الدين والخُلق والعمل والجدية.
وموضوع القدوة هذا ليس موضوعًا جانبيًّا في حياة الشاب، بل هو موضوع أساسي ومحوري؛ فجميع الأمثلة التي ذكرناها من جيل الصحابة، أو مَن جاء بعدهم، كانوا يتخذون الرسول صلى الله عليه وسلم قدوةً في حياتهم بوضوح.. فهم يتلمسون أقواله وأخباره وأفعاله ومواضع قدمه وكلامه وصمته وحركاته وسكناته وكل شيء في حياته.. فكان لهم الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة عامة..
ثم إن كل واحد منهم كان لهم قدوة خاصة في بيته ساعدته على الارتقاء والتقدم والنبوغ؛ فأسامة بن زيد -مثلاً- رباه الصحابي الجليل زيد بن حارثة رضي الله عنهم أجمعين.. وزيد بن ثابت ربته الصحابية الجليلة النوار بنت مالك رضي الله عنها.. ومعاذ بن عمرو بن الجموح ربّاه الصحابي العظيم عمرو بن الجموح رضي الله عنه. وهكذا نشأ هذا الشباب الصالح في بيئة ساعدته على التقدم والارتقاء، فكان هذا الإنجاز الراقي الذي قدّموه لنا وللبشرية.
فيا شباب الإسلام، لا تسيروا دون إرادة ولا تفكير وراء أي قدوة.. فقدوتك لا تحدِّد فقط مصيرك في دنياك، بل تؤثر -وبصورة أكبر- على آخرتك. وأسأل الله لنا جميعًا الهداية والرشاد.
المصدر: كتاب (رسالة إلى شباب الأمة).