منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

منتديات فرسان المعرفة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الشمول والتنوع والتميز والإبداع

قال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا اذكروا الله كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا)أ
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة , أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرالله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)
عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يدعو بهذا الدعاء "اللهم! اغفر لي خطيئتي وجهلي. وإسرافي في أمري. وما أنت أعلم به مني. اللهم! اغفر لي جدي وهزلي. وخطئي وعمدي. وكل ذلك عندي. اللهم! اغفر لي ما قدمت وما أخرت. وما أسررت وما أعلنت. وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم وأنت المؤخر. وأنت على كل شيء قدير". رواه مسلم في صحيحه برقم (2719)
عن عقبة بن عامر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة)رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحة
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم! أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري. وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي. وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي. واجعل الحياة زيادة لي في كل خير. واجعل الموت راحة لي من كل شر". رواه مسلم في صحيحه برقم (2720)
عن أبي الأحوص، عن عبدالله رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقول "اللهم! إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى". رواه مسلم في صحيحه برقم(2721)
عن زيد بن أرقم رضى الله عنه. قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان يقول "اللهم! إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهم! آت نفسي تقواها. وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها. اللهم! إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها". رواه مسلم في صحيحه برقم(2722)
عن عبدالله رضى الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده لا شريك له". قال: أراه قال فيهن "له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. رب! أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها. وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها. رب! أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر. رب! أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر". وإذا أصبح قال ذلك أيضا "أصبحنا وأصبح الملك لله". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله رضى الله عنه . قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده. لا شريك له. اللهم! إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها. وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها. اللهم! إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر. وفتنة الدنيا وعذاب القبر". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن أبي موسى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت) رواه البخاري.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمساجد إذا خرج منه حتى يعود إليه, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله , ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) متفق عليه
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) روه الشيخان والترمذي.
عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(الطهور شطر الإيمان والحمدلله تملأ الميزان وسبحان الله والحمدلله تملأ أو تملآن ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه أو موبقها) رواه مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من قال سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة حُطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)رواه البخاري ومسلم.
عن أبي سعيد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( استكثروا من الباقيات الصالحات ) قيل وما هن يارسول الله؟ قال ( التكبير والتهليل والتسبيح والحمدلله ولا حول ولاقوة إلابالله ) رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الاسناد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أحب الكلام إلى الله أربع- لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر ). رواه مسلم

4 مشترك

    بيان العلم الذي هو فرض عين

    avatar
    د.سامي الشريف
    المشرف العام
    المشرف العام


    الجنس : ذكر
    الابراج : الجدي
    عدد المساهمات : 469
    نقاط : 14908
    السٌّمعَة : 1214
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 58
    أوسمه : بيان العلم الذي هو فرض عين Ououo_26

    بيان العلم الذي هو فرض عين Empty بيان العلم الذي هو فرض عين

    مُساهمة من طرف د.سامي الشريف الجمعة 27 أبريل 2012 - 8:38

    بيان العلم الذي هو فرض عين

    المصدر: كتاب إحياء علوم الدين - تأليف حجة الأسلام ابو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الطوسي تغمده الله برحمة

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم وقال أيضا صلى الله عليه وسلم اطلبوا العلم ولو بالصين واختلف الناس في العلم الذي هو فرض على كل مسلم فتفرقوا فيه أكثر من عشرين فرقة ولا نطيل بنقل التفصيل ولكن حاصله أن كل فريق نزل الوجوب على العلم الذي هو بصدده فقال المتكلمون هو علم الكلام إذ به يدرك التوحيد ويعلم به ذات الله سبحانه وصفاته وقال الفقهاء هو علم الفقه إذ به تعرف العبادات والحلال والحرام وما يحرم من المعاملات وما يحل وعنوا به ما يحتاج إليه الآحاد دون الوقائع النادرة وقال المفسرون والمحدثون هو علم الكتاب والسنة إذ بهما يتوصل إلى العلوم كلها وقال المتصوفة المراد به هذا العلم فقال بعضهم هو علم العبد بحاله ومقامه من الله عز وجل وقال بعضهم هو العلم بالإخلاص وآفات النفوس وتمييز لمة الملك من لمة الشيطان وقال بعضهم هو علم الباطن وذلك يجب على أقوام مخصوصين هم أهل ذلك وصرفوا اللفظ عن عمومه وقال أبو طالب المكي هو العلم بما يتضمنه الحديث الذي فيه مباني الإسلام وهو قوله صلى الله عليه وسلم بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله حديث بني الإسلام على خمس الحديث متفق عليه من حديث ابن عمر إلى آخر الحديث لأن الواجب هذه الخمس فيجب العلم بكيفية العمل فيها وبكيفية الوجوب والذي ينبغي أن يقطع به المحصل ولا يستريب فيه ما سنذكره وهو أن العلم كما قدمناه في خطبة الكتاب ينقسم إلى علم معاملة وعلم مكاشفة وليس المراد بهذا العلم إلا علم المعاملة والمعاملة التي كلف العبد العاقل البالغ العمل بها ثلاثة اعتقاد وفعل وترك فإذا بلغ الرجل العاقل بالاحتلام أو السن ضحوة نهار مثلا فأول واجب عليه تعلم كلمتي الشهادة وفهم معناهما وهو قول لا إله إلا الله محمد رسول الله وليس يجب عليه أن يحصل كشف ذلك لنفسه بالنظر والبحث وتحرير الأدلة بل يكفيه أن يصدق به ويعتقده جزما من غير اختلاج ريب واضطراب نفس وذلك قد يحصل بمجرد التقليد والسماع من غير بحث ولا برهان إذ اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجلاف العرب بالتصديق والإقرار من غير تعلم دليل حديث اكتفى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجلاف العرب بالتصديق والإقرار من غير تعلم دليل مشهور في كتب السير والحديث فعند مسلم قصة ضمام بن ثعلبة فإذا فعل ذلك فقد أدى واجب الوقت وكان العلم الذي هو فرض عين عليه في الوقت تعلم الكلمتين وفهمهما وليس يلزمه أمر وراء هذا في الوقت بدليل أنه لو مات عقيب ذلك مات مطيعا لله عز وجل غير عاص له وإنما يجب غير ذلك بعوارض تعرض وليس ذلك ضروريا في حق كل شخص بل يتصور الانفكاك وتلك العوارض إما أن تكون في الفعل وإما في الترك وإما في الاعتقاد أما الفعل فبأن يعيش من ضحوة نهاره إلى وقت الظهر فيتجدد عليه بدخول وقت الظهر تعلم الطهارة والصلاة فإن كان صحيحا وكان بحيث لو صبر إلى وقت زوال الشمس لم يتمكن من تمام التعلم والعمل في الوقت بل يخرج الوقت لو اشتغل بالتعلم فلا يبعد أن يقال الظاهر بقاؤه فيجب عليه تقديم التعلم على الوقت ويحتمل أن يقال وجوب العلم الذي هو شرط العمل بعد وجوب العمل فلا يجب قبل الزوال وهكذا في بقية الصلوات فإن عاش إلى رمضان تجدد بسببه وجوب تعلم الصوم وهو أن وقته من الصبح إلى غروب الشمس وأن الواجب فيه النية والإمساك عن الأكل والشرب والوقاع وأن ذلك يتمادى إلى رؤية الهلال أو شاهدين فإن تجدد له مال أو كان له مال عند بلوغه لزمه تعلم ما يجب عليه من الزكاة ولكن لا يلزمه في الحال إنما يلزمه عند تمام الحول من وقت الإسلام فإن لم يملك إلا الإبل لم يلزمه إلا تعلم زكاة الإبل وكذلك في سائر الأصناف فإذا دخل في أشهر الحج فلا يلزمه المبادرة إلى علم الحج مع أن فعله على التراخي فلا يكون تعلمه على الفور ولكن ينبغي لعلماء الإسلام أن ينبهوه على أن الحج فرض على التراخي على كل من ملك الزاد والراحلة إذا كان هو مالكا حتى ربما يرى الحزم لنفسه في المبادرة فعند ذلك إذا عزم عليه لزمه تعلم كيفية الحج ولم يلزمه إلا تعلم أركانه وواجباته دون نوافله فإن فعل ذلك نفل فعلمه أيضا نفل فلا يكون تعلمه فرض عين وفي تحريم السكوت عن التنبيه على وجوب أصل الحج في الحال نظر يليق بالفقه وهكذا التدريج في علم سائر الأفعال التي هي فرض عين وأما التروك فيجب تعلم علم ذلك بحسب ما يتجدد من الحال وذلك يختلف بحال الشخص إذ لا يجب على الأبكم تعلم ما يحرم من الكلام ولا على الأعمى تعلم ما يحرم من النظر ولا على البدوي تعلم ما يحرم الجلوس فيه من المساكن فذلك أيضا واجب بحسب ما يقتضيه الحال فما يعلم أنه ينفك عنه لا يجب تعلمه وما هو ملابس له يجب تنبيهه عليه كما لو كان عند الإسلام لابسا للحرير أو جالسا في الغصب أو ناظرا إلى غير ذي محرم فيجب تعريفه بذلك وما ليس ملابسا له ولكنه بصدد التعرض له على القرب كالأكل والشرب فيجب تعليمه حتى إذا كان في بلد يتعاطى فيه شرب الخمر وأكل لحم الخنزير فيجب تعليمه ذلك وتنبيهه عليه وما وجب تعليمه وجب عليه تعلمه وأما الاعتقادات وأعمال القلوب فيجب علمها بحسب الخواطر فإن خطر له شك في المعاني التي تدل عليها كلمتا الشهادة فيجب عليه تعلم ما يتوصل به إلى إزالة الشك فإن لم يخطر له ذلك ومات قبل أن يعتقد أن كلام الله سبحانه قديم وأنه مرئي وأنه ليس محلا للحوادث إلى غير ذلك مما يذكر في المعتقدات فقد مات على الإسلام إجماعا ولكن هذه الخواطر الموجبة للاعتقادات بعضها يخطر بالطبع وبعضها يخطر بالسماع من أهل البلد فإن كان في بلد شاع فيه الكلام وتناطق الناس بالبدع فينبغي أن يصان في أول بلوغه عنها بتلقين الحق فإنه لو ألقى إليه الباطل لوجبت إزالته عن قلبه وربما عسر ذلك كما أنه لو كان هذا المسلم تاجرا وقد شاع في البلد معاملة الربا وجب عليه تعلم الحذر من الربا وهذا هو الحق في العلم الذي هو فرض عين ومعناه العلم بكيفية العمل الواجب فمن علم العلم الواجب ووقت وجوبه فقد علم العلم الذي هو فرض عين وما ذكره الصوفية من فهم خواطر العدو ولمة الملك حق أيضا ولكن في حق من يتصدى له فإذا كان الغالب أن الإنسان لا ينفك عن دواعي الشر والرياء والحسد فيلزمه أن يتعلم من علم ربع المهلكات ما يرى نفسه محتاجا إليه وكيف لا يجب عليه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه حديث ثلاث مهلكات شح مطاع الحديث أخرجه البزار والطبراني وأبو نعيم والبيهقي في الشعب من حديث أنس بإسناد ضعيف ولا ينفك عنها بشر وبقية ما سنذكره من مذمومات أحوال القلب كالكبر والعجب وأخواتها تتبع هذه الثلاث المهلكات وإزالتها فرض عين ولا يمكن إزالتها إلا بمعرفة حدودها ومعرفة أسبابها ومعرفة علاماتها ومعرفة علاجها فإن من لا يعرف الشر يقع فيه والعلاج هو مقابلة السبب بضده وكيف يمكن دون معرفة السبب والمسبب وأكثر ما ذكرناه في ربع المهلكات من فروض الأعيان وقد تركها الناس كافة اشتغالا بما لا يعنى ومما لا ينبغي أن يبادر في إلقائه إليه إذا لم يكن قد انتقل عن ملة إلى ملة أخرى الإيمان بالجنة والنار والحشر والنشر حتى يؤمن به ويصدق وهو من تتمة كلمتي الشهادة فإنه بعد التصديق بكونه عليه السلام رسولا ينبغي أن يفهم الرسالة التي هو مبلغها وهو أن من أطاع الله ورسوله فله الجنة ومن عصاهما فله النار فإذا انتبهت لهذا التدريج علمت أن المذهب الحق هو هذا وتحققت أن كل عبد هو في مجاري أحواله في يومه وليلته لا يخلو من وقائع في عبادته ومعاملاته عن تجدد لوازم عليه فيلزمه السؤال عن كل ما يقع له من النوادر ويلزمه المبادرة إلى تعلم ما يتوقع وقوعه على القرب غالبا فإذا تبين أنه عليه الصلاة والسلام إنما أراد بالعلم المعرف بالألف واللام في قوله صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم علم العمل الذي هو مشهور الوجوب على المسلمين لا غير فقد اتضح وجه التدريج ووقت وجوبه والله أعلم بيان العلم الذي هو فرض كفاية اعلم أن الفرض لا يتميز عن غيره إلا بذكر أقسام العلوم والعلوم بالإضافة إلى الغرض الذي نحن بصدده تنقسم إلى شرعية وغير شرعية وأعني بالشرعية ما استفيد من الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه ولا يرشد العقل إليه مثل الحساب ولا التجربة مثل الطب ولا السماع مثل اللغة فالعلوم التي ليست بشرعية تنقسم إلى ما هو محمود وإلى ما هو مذموم وإلى ما هو مباح فالمحمود ما يرتبط به مصالح أمور الدنيا كالطب والحساب وذلك ينقسم إلى ما هو فرض كفاية وإلى ما هو فضيلة وليس بفريضة أما فرض الكفاية فهو علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب إذ هو ضروري في حاجة بقاء الأبدان وكالحساب فإنه ضروري في المعاملات وقسمة الوصايا والمواريث وغيرهما وهذه هي العلوم التي لو خلا البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد وإذا قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن الآخرين فلا يتعجب من قولنا إن الطب والحساب من فروض الكفايات فإن أصول الصناعات أيضا من فروض الكفايات كالفلاحة والحياكة والسياسة بل الحجامة والخياطة فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم وحرجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء وأرشد إلى استعماله وأعد الأسباب لتعاطيه فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله وأما ما يعد فضيلة لا فريضة فالتعمق في دقائق الحساب وحقائق الطب وغير ذلك مما يستغنى عنه ولكنه يفيد زيادة قوة في القدر المحتاج إليه وأما المذموم فعلم السحر والطلسمات وعلم الشعبذة والتلبيسات وأما المباح منه فالعلم بالأشعار التي لا سخف فيها وتواريخ الأخبار وما يجري مجراه أما العلوم الشرعية وهي المقصودة بالبيان فهي محمودة كلها ولكن قد يلتبس بها ما يظن أنها شرعية وتكون مذمومة فتنقسم إلى المحمودة والمذمومة أما المحمودة فلها أصول وفروع ومقدمات ومتممات وهي أربعة أضرب الضرب الأول الأصول وهي أربعة كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة وآثار الصحابة والإجماع أصل من حيث إنه يدل على السنة فهو أصل في الدرجة الثالثة وكذا الأثر فإنه أيضا يدل على السنة لأن الصحابة رضي الله عنهم قد شاهدوا الوحي والتنزيل وأدركوا بقرائن الأحوال ما غاب عن غيرهم عيانه وربما لا تحيط العبارات بما أدرك بالقرائن فمن هذا الوجه رأى العلماء الاقتداء بهم والتمسك بآثارهم وذلك بشرط مخصوص على وجه مخصوص عند من يراه ولا يليق بيانه بهذا الفن الضرب الثاني الفروع وهو ما فهم من هذه الأصول لا بموجب ألفاظها بل بمعان تنبه لها العقول فاتسع بسببها الفهم حتى فهم من اللفظ الملفوظ به غيره كما فهم من قوله عليه السلام لا يقضي القاضي وهو غضبان حديث لا يقضي القاضي وهو غضبان متفق عليه من حديث أبي بكرة أنه لايقضي إذا كان خائفا أو جائعا أو متألما بمرض وهذا على ضربين أحدهما يتعلق بمصالح الدنيا ويحويه كتب الفقه والمتكفل به الفقهاء وهم علماء الدنيا والثاني ما يتعلق بمصالح الآخرة وهو علم أحوال القلب وأخلاقه المحمودة والمذمومة وما هو مرضي عند الله تعالى وما هو مكروه وهو الذي يحويه الشطر الأخير من هذا الكتاب أعني جملة كتاب إحياء علوم الدين ومنه العلم بما يترشح من القلب على الجوارح في عباداتها وعاداتها وهو الذي يحويه الشطر الأول من هذا الكتاب والضرب الثالث المقدمات وهي التي تجري منه مجرى الآلات كعلم اللغة والنحو فإنهما آلة لعلم كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وليست اللغة والنحو من العلوم الشرعية في أنفسهما ولكن يلزم الخوض فيهما بسبب الشرع إذ جاءت هذه الشريعة بلغة العرب وكل شريعة لا تظهر إلا بلغة فيصير تعلم تلك اللغة آلة ومن الآلات علم كتابة الخط إلا أن ذلك ليس ضروريا إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أميا أي لا يحسن الكتابة أخرجه ابن مردويه في التفسير من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا أنا محمد النبي الأمي وفيه ابن لهيعة ولابن حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه من حديث ابن مسعود قولوا اللهم صل على محمد النبي الأمي وللبخاري من حديث البراء وأخذ الكتاب وليس محسن يكتب أميا ولو تصور استقلال الحفظ بجميع ما يسمع لاستغنى عن الكتابة ولكنه صار بحكم العجز في الغالب ضروريا الضرب الرابع المتممات وذلك في علم القرآن فإنه ينقسم إلى ما يتعلق باللفظ كتعلم القراءات ومخارج الحروف وإلى ما يتعلق بالمعنى كالتفسير فإن اعتماده أيضا على النقل إذ اللغة بمجردها لا تستقل به وإلى ما يتعلق بأحكامه كمعرفة الناسخ والمنسوخ والعام والخاص والنص والظاهر وكيفية استعمال البعض منه مع البعض وهو العلم الذي يسمى أصول الفقه ويتناول السنة أيضا وأما المتممات في الآثار والأخبار فالعلم بالرجال وأسمائهم وأنسابهم وأسماء الصحابة وصفاتهم والعلم بالعدالة في الرواة والعلم بأحوالهم ليميز الضعيف عن القوي والعلم بأعمارهم ليميز المرسل عن المسند وكذلك ما يتعلق به فهذه هي العلوم الشرعية وكلها محمودة بل كلها من فروض الكفايات فإن قلت لم ألحقت الفقه بعلم الدنيا فاعلم أن الله عز وجل أخرج آدم عليه السلام من التراب وأخرج ذريته من سلالة من طين ومن ماء دافق فأخرجهم من الأصلاب إلى الأرحام ومنها إلى الدنيا ثم إلى القبر ثم إلى العرض ثم إلى الجنة أو إلى النار فهذا مبدؤهم وهذا غايتهم وهذه منازلهم وخلق الدنيا زادا للمعاد ليتناول منها ما يصلح للتزود فلو تناولوها بالعدل لانقطعت الخصومات وتعطل الفقهاء ولكنهم تناولوها بالشهوات فتولدت منها الخصومات فمست الحاجة إلى سلطان يسوسهم واحتاج السلطان إلى قانون يسوسهم به فالفقيه هو العالم بقانون السياسة وطريق التوسط بين الخلق إذا تنازعوا بحكم الشهوات فكان الفقيه معلم السلطان ومرشده إلى طرق سياسة الخلق وضبطهم لينتظم باستقامتهم أمورهم في الدنيا ولعمري إنه متعلق أيضا بالدين لكن لا بنفسه بل بواسطة الدنيا فإن الدنيا مزرعة الآخرة ولا يتم الدين إلا بالدنيا والملك والدين توأمان فالدين أصل والسلطان حارس وما لا أصل له فمهدوم وما لا حارس له فضائع ولا يتم الملك والضبط إلا بالسلطان وطريق الضبط في فصل الحكومات بالفقه وكما أن سياسة الخلق بالسلطنة ليس من علم الدين في الدرجة الأولى بل هو معين على ما لا يتم الدين إلا به فكذلك معرفة طريق السياسة فمعلوم أن الحج لا يتم إلا ببذرقة تحرس من العرب في الطريق ولكن الحج شيء وسلوك الطريق إلى الحج شيء ثان والقيام بالحراسة التي لا يتم الحج إلا بها شيء ثالث ومعرفة طرق الحراسة وحيلها وقوانينها شيء رابع وحاصل فن الفقه معرفة طرق السياسة والحراسة ويدل على ذلك ما روي مسندا لا يفتي الناس إلا ثلاثة أمير أو مأمور أو متكلف حدث لا يفتي الناس إلا ثلاثة الحديث أخرجه ابن ماجه من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ لا يقض على الناس وإسناده حسن فالأمير هو الإمام وقد كانوا هم المفتون والمأمور نائبه والمتكلف غيرهما وهو الذي يتقلد تلك العهدة من غير حاجة وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يحترزون عن الفتوى حتى كان يحيل كل منهم على صاحبه وكانوا لا يحترزون إذا سئلوا عن علم القرآن وطريق الآخرة وفي بعض الروايات بدل المتكلف المرائي فإن من تقلد خطر الفتوى وهو غير متعين للحاجة فلا يقصد به إلا طلب الجاه والمال فإن قلت هذا إن استقام لك في أحكام الجراحات والحدود والغرامات وفصل الخصومات فلا يستقيم فيما يشتمل عليه ربع العبادات من الصيام والصلاة ولا فيما يشتمل عليه ربع العادات من المعاملات من بيان الحلال والحرام فاعلم أن أقرب ما يتكلم الفقيه فيه من الأعمال التي هي أعمال الآخرة ثلاثة الإسلام والصلاة والزكاة والحلال والحرام فإذا تأملت منتهى نظر الفقيه فيها علمت أنه لا يجاوز حدود الدنيا إلى الآخرة وإذا عرفت هذا في هذه الثلاثة فهو في غيرها أظهر أما الإسلام فيتكلم الفقيه فيما يصح منه وفيما يفسد وفي شروطه وليس يلتفت فيه إلا إلى اللسان وأما القلب فخارج عن ولاية الفقيه لعزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرباب السيوف والسلطنة عنه حيث قال هلا شققت عن قلبه حديث هلا شققت عن قلبه أخرجه مسلم من حديث أسامة بن زيد للذي قتل من تكلم بكلمة الإسلام معتذرا بأنه قال ذلك من خوف السيف بل يحكم الفقيه بصحة الإسلام تحت ظلال السيوف مع أنه يعلم أن السيف لم يكشف له عن نيته ولم يدفع عن قلبه غشاوة الجهل والحيرة ولكنه مثير على صاحب السيف فإن السيف ممتد إلى رقبته واليد ممتدة إلى ماله وهذه الكلمة باللسان تعصم رقبته وماله ما دام له رقبة ومال وذلك في الدنيا ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم حديث أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وعمر وابن عمر جعل أثر ذلك في الدم والمال وأما الآخرة فلا تنفع فيها الأموال بل أنوار القلوب وأسرارها وإخلاصها وليس ذلك من الفقه وإن خاض الفقيه فيه كان كما لو خاض في الكلام والطب وكان خارجا عن فنه وأما الصلاة فالفقيه يفتي بالصحة إذا أتى بصورة الأعمال مع ظاهر الشروط وإن كان غافلا في جميع صلاته من أولها إلى آخرها مشغولا بالتفكير في حساب معاملاته في السوق إلا عند التكبير وهذه الصلاة لا تنفع في الآخرة كما أن القول باللسان في الإسلام لا ينفع ولكن الفقيه يفتي بالصحة أي أن ما فعله حصل به امتثال صيغة الأمر وانقطع به عنه القتل والتعزير فأما الخشوع وإحضار القلب الذي هو عمل الآخرة وبه ينفع العمل الظاهر لا يتعرض له الفقيه ولو تعرض له لكان خارجا عن فنه وأما الزكاة فالفقيه ينظر إلى ما يقطع به مطالبة السلطان حتى إنه إذا امتنع عن أدائها فأخذها السلطان قهرا حكم بأنه برئت ذمته وحكى أن أبا يوسف القاضي كان يهب ماله لزوجته آخر الحول ويستوهب مالها إسقاطا للزكاة فحكي ذلك لأبي حنيفة رحمه الله فقال ذلك من فقهه وصدق فإن ذلك من فقه الدنيا ولكن مضرته في الآخرة أعظم من كل جناية ومثل هذا هو العلم الضار وأما الحلال والحرام فالورع عن الحرام من الدين ولكن الورع له أربع مراتب الأولى الورع الذي يشترط في عدالة الشهادة وهو الذي يخرج بتركه الإنسان عن أهلية الشهادة والقضاء والولاية وهو الاحتراز عن الحرام الظاهر الثانية ورع الصالحين وهو التوقي من الشبهات التي يتقابل فيها الاحتمالات قال صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى مالا يريبك حديث دع ما يريبك إلى ما لا يريبك أخرجه الترمذي وصححه والنسائي وابن حبان من حديث الحسن بن علي وقال صلى الله عليه وسلم الإثم حزاز القلوب حديث الإثم حزاز القلوب أخرجه البيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن مسعود ورواه العدني في مسنده موقوفا عليه الثالثة ورع المتقين وهو ترك الحلال المحض الذي يخاف منه أداؤه إلى الحرام قال صلى الله عليه وسلم لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع ما لا بأس به مخافة مما به بأس حديث لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع ما لا بأس به الحديث أخرجه الترمذي وحسنه وابن ماجه والحاكم وصححه من حديث عطية السعدي وذلك مثل التورع عن التحدث بأحوال الناس خيفة من الانجرار إلى الغيبة والتورع عن أكل الشهوات خيفة من هيجان النشاط والبطر المؤدي إلى مقارفة المحظورات الرابعة ورع الصديقين وهو الإعراض عما سوى الله تعالى خوفا من صرف ساعة من العمر إلى ما لا يفيد زيادة قرب عند الله عز وجل وإن كان يعلم ويتحقق أنه لا يفضي إلى حرام فهذه الدرجات كلها خارجة عن نظر الفقيه إلا الدرجة الأولى وهو ورع الشهود والقضاء وما يقدح في العدالة والقيام بذلك لا ينفي الإثم في الآخرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوابصة استفت قلبك وإن أفتوك وإن أفتوك حديث استفت قلبك وإن أفتوك أخرجه أحمد من حديث وابصة والفقيه لا يتكلم في حزازات القلوب وكيفية العمل بها بل فيما يقدح في العدالة فقط فإن جميع نظر الفقيه مرتبط بالدنيا التي بها صلاح طريق الآخرة فإن تكلم في شيء من صفات القلب وأحكام الآخرة فذلك يدخل في كلامه على سبيل التطفل كما قد يدخل في كلامه شيء من الطب والحساب والنجوم وعلم الكلام وكما تدخل الحكمة في النحو والشعر وكان سفيان الثوري وهو إمام في علم الظاهر يقول إن طلب هذا ليس من زاد الآخرة كيف وقد اتفقوا على أن الشرف في العلم العمل به فكيف يظن أنه علم الظهار واللعان والسلم والإجارة والصرف ومن تعلم هذه الأمور ليتقرب بها إلى الله تعالى فهو مجنون وإنما العمل بالقلب والجوارح في الطاعات والشرف هو تلك الأعمال فإن قلت لم سويت بين الفقه والطب إذ الطب أيضا يتعلق بالدنيا وهو صحة الجسد وذلك يتعلق به أيضا صلاح الدين وهذه التسوية تخالف إجماع المسلمين فاعلم أن التسوية غير لازمة بل بينهما فرق وأن الفقه أشرف منه من ثلاثة أوجه أحدها أنه علم شرعي إذ هو مستفاد من النبوة بخلاف الطب فإنه ليس من علم الشرع والثاني أنه لا يستغني عنه أحد من سالكي طريق الآخرة ألبتة لا الصحيح ولا المريض وأما الطب فلا يحتاج إليه إلا المرضى وهم الأقلون والثالث أن علم الفقه مجاور لعلم طريق الآخرة لأنه نظر في أعمال الجوارح ومصدر أعمال الجوارح ومنشؤها صفات القلوب فالمحمود من الأعمال يصدر عن الأخلاق المحمودة المنجية في الآخرة والمذموم يصدر من المذموم وليس يخفى اتصال الجوارح بالقلب وأما الصحة والمرض فمنشؤهما صفاء في المزاج والأخلاط وذلك من أوصاف البدن لا من أوصاف القلب فمهما أضيف الفقه إلى الطب ظهر شرفه وإذا أضيف علم طريق الآخرة إلى الفقه ظهر أيضا شرف علم طريق الآخرة فإن قلت فصل لي علم طريق الآخرة تفصيلا يشير إلى تراجمه وإن لم يمكن استقصاء تفاصيله
    avatar
    د.سامي الشريف
    المشرف العام
    المشرف العام


    الجنس : ذكر
    الابراج : الجدي
    عدد المساهمات : 469
    نقاط : 14908
    السٌّمعَة : 1214
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 58
    أوسمه : بيان العلم الذي هو فرض عين Ououo_26

    بيان العلم الذي هو فرض عين Empty رد: بيان العلم الذي هو فرض عين

    مُساهمة من طرف د.سامي الشريف الجمعة 27 أبريل 2012 - 13:38

    فاعلم أنه قسمان : علم مكاشفة وعلم معاملة

    فالقسم الأول: علم المكاشفة وهو علم الباطن وذلك غاية العلوم فقد قال بعض العارفين من لم يكن له نصيب من هذا العلم أخاف عليه سوء الخاتمة وأدنى نصيب منه التصديق به وتسليمه لأهله وقال آخر من كان فيه خصلتان لم يفتح له بشيء من هذا العلم بدعة أو كبر وقيل من كان محبا للدنيا أو مصرا على هوى لم يتحقق به وقد يتحقق بسائر العلوم وأقل عقوبة من ينكره أنه لا يذوق منه شيئا وينشد على قوله وأرض لمن غاب عنك غيبته فذاك ذنب عقابه فيه وهو علم الصديقين والمقربين أعني علم المكاشفة فهو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة وينكشف من ذلك النور أمور كثيرة كان يسمع من قبل أسماءها فيتوهم لها معاني مجملة غير متضحة فتتضح إذ ذاك حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه وبصفاته الباقيات التامات وبأفعاله وبحكمه في خلق الدنيا والآخرة ووجه ترتيبه للآخرة على الدنيا والمعرفة بمعنى النبوة والنبي ومعنى الوحي ومعنى الشيطان ومعنى لفظ الملائكة والشياطين وكيفية معاداة الشياطين للإنسان وكيفية ظهور الملك للأنبياء وكيفية وصول الوحي إليهم والمعرفة بملكوت السموات والأرض ومعرفة القلب وكيفية تصادم جنود الملائكة والشياطين فيه ومعرفة الفرق بين لمة الملك ولمة الشيطان ومعرفة الآخرة والجنة والنار وعذاب القبر والصراط والميزان والحساب ومعنى قوله تعالى اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ومعنى قوله تعالى وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ومعنى لقاء الله عز وجل والنظر إلى وجهه الكريم ومعنى القرب منه والنزول في جواره ومعنى حصول السعادة بمرافقة الملأ الأعلى ومقارنة الملائكة والنبيين ومعنى تفاوت درجات أهل الجنان حتى يرى بعضهم البعض كما يرى الكوكب الدري في جوف السماء إلى غير ذلك مما يطول تفصيله إذ للناس في معاني هذه الأمور بعد التصديق بأصولها مقامات شتى فبعضهم يرى أن جميع ذلك أمثلة وأن الذي أعده الله لعباده الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وأنه ليس مع الخلق من الجنة إلا الصفات والأسماء وبعضهم يرى أن بعضها أمثلة وبعضها يوافق حقائقها المفهومة من ألفاظها وكذا يرى بعضهم أن منتهى معرفة الله عز وجل الاعتراف بالعجز عن معرفته وبعضهم يدعي أمورا عظيمة في المعرفة بالله عز وجل وبعضهم يقول حد معرفة الله عز وجل ما انتهى إليه اعتقاد جميع العوام وهو أنه موجود عالم قادر سميع بصير متكلم فنعني بعلم المكاشفة أن يرتفع الغطاء حتى تتضح له جلية الحق في هذه الأمور اتضاحا يجري مجرى العيان الذي لا يشك فيه وهذا ممكن في جوهر الإنسان لولا أن مرآة القلب قد تراكم صدؤها وخبثها بقاذورات الدنيا وإنما نعني بعلم طريق الآخرة العلم بكيفية تصقيل هذه المرأة عن هذه الخبائث التي هي الحجاب عن الله سبحانه وتعالى وعن معرفة صفاته وأفعاله وإنما تصفيتها وتطهيرها بالكف عن الشهوات والاقتداء بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في جميع أحوالهم فبقدر ما ينجلي من القلب ويحاذي به شطر الحق يتلألأ فيه حقائقه ولا سبيل إليه إلا بالرياضة التي يأتي تفصيلها في موضعها وبالعلم والتعليم وهذه هي العلوم التي لا تسطر في الكتب ولا يتحدث بها من أنعم الله عليه بشيء منها إلا مع أهله وهو المشارك فيه على سبيل المذاكرة وبطريق الأسرار وهذا هو العلم الخفي الذي أراده صلى الله عليه وسلم بقوله إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل المعرفة بالله تعالى فإذا نطقوا به لم يجهله إلا أهل الاغترار بالله تعالى فلا تحقروا عالما آتاه الله تعالى علما منه فإن الله عز وجل لم يحقره إذ آتاه إياه حديث إن من العلم كهيئة المكنون الحديث رواه أبو عبد الرحمن السلمي في الأربعين له في التصوف من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف .



    وأما القسم الثاني:



    وهو علم المعاملة:

    فهو علم أحوال القلب أما ما يحمد منها فكالصبر والشكر والخوف والرجاء والرضا والزهد والتقوى والقناعة والسخاء ومعرفة المنة لله تعالى في جميع الأحوال والإحسان وحسن الظن وحسن الخلق وحسن المعاشرة والصدق والإخلاص فمعرفة حقائق هذه الأحوال وحدودها وأسبابها التي با تكتسب وثمرتها وعلامتها ومعالجة ما ضعف منها حتى يقوى وما زال حتى يعود من علم الآخرة وأما ما يذم فخوف الفقر وسخط المقدور والغل والحقد والحسد والغش وطلب العلو وحب الثناء وحب طول البقاء في الدنيا للتمتع والكبر والرياء والغضب والأنفة والعداوة والبغضاء والطمع والبخل والرغبة والبذخ والأشر والبطر وتعظيم الأغنياء والاستهانة بالفقراء والفخر والخيلاء والتنافس والمباهاة والاستكبار عن الحق والخوض فيما لا يعنى وحب كثرة الكلام والصلف والتزين للخلق والمداهنة والعجب والاشتغال عن عيوب النفس بعيوب الناس وزوال الحزن من القلب وخروج الخشية منه وشدة الانتصار للنفس إذا نالها الذل وضعف الانتصار للحق واتخاذ إخوان العلانية على عداوة السر والأمن من مكر الله سبحانه وتعالى في سلب ما أعطى والاتكال على الطاعة والمكر والخيانة والمخادعة وطول الأمل والقسوة والفظاظة والفرح بالدنيا والأسف على فواتها والأنس بالمخلوقين والوحشة لفراقهم والجفاء والطيش والعجلة وقلة الحياء وقلة الرحمة فهذه وأمثالها من صفات القلب مغارس الفواحش ومنابت الأعمال المحظورة وأضدادها وهي الأخلاق المحمودة منبع الطاعات والقربات.

    فالعلم بحدود هذه الأمور وحقائقها وأسبابها وثمراتها وعلاجها هو علم الآخرة وهو فرض عين في فتوى علماء الآخرة فالمعرض عنها هالك بسطوة ملك الملوك في الآخرة كما أن المعرض عن الأعمال الظاهرة هالك بسيف سلاطين الدنيا بحكم فتوى فقهاء الدنيا فنظر الفقهاء في فروض العين بالإضافة إلى صلاح الدنيا وهذا بالإضافة إلى صلاح الآخرة ولو سئل فقيه عن معنى من هذه المعاني حتى عن الإخلاص مثلا أو عن التوكل أو عن وجه الاحتراز عن الرياء لتوقف فيه مع أنه فرض عينه الذي في إهماله هلاكه في الآخرة ولو سألته عن اللعان والظهار والسبق والرمي لسرد عليك مجلدات من التفريعات الدقيقة التي تنقضي الدهور ولا يحتاج إلى شيء منها وإن احتيج لم تخل البلد عمن يقوم بها ويكفيه مؤنة التعب فيها فلا يزال يتعب فيها ليلا ونهارا وفي حفظه ودرسه يغفل عما هو مهم في نفسه في الدين وإذا روجع فيه قال اشتغلت به لأنه علم الدين وفرض الكفاية ويلبس على نفسه وعلى غيره في تعلمه والفطن يعلم أنه لو كان غرضه أداء حق الأمر في فرض الكفاية لقدم عليه فرض العين بل قدم عليه كثيرا من فروض الكفايات فكم من بلدة ليس فيها طبيب إلا من أهل الذمة ولا يجوز قبول شهادتهم فيما يتعلق بالأطباء من أحكام الفقه ثم لا نرى أحدا يشتغل به ويتهاترون على علم الفقه لا سيما الخلافيات والجدليات والبلد مشحون من الفقهاء بمن يشتغل بالفتوى والجواب عن الوقائع فليت شعري كيف يرخص فقهاء الدين في الاشتغال بفرض كفاية قد قام به جماعة وإهمال ما لا قائم به هل لهذا سبب إلا أن الطب ليس يتيسر الوصول به إلى تولي الأوقاف والوصايا وحيازة مال الأيتام وتقلد القضاء والحكومة والتقدم به على الأفران والتسلط به على الأعداء هيهات هيهات قد اندرس علم الدين بتلبيس العلماء السوء فالله تعالى المستعان وإليه الملاذ في أن يعيذنا من هذا الغرور الذي يسخط الرحمن ويضحك الشيطان وقد كان أهل الورع من علماء الظاهر مقرين بفضل علماء الباطن وأرباب القلوب كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يجلس بين يدي شيبان الراعي كما يقعد الصبي في المكتب ويسأله كيف يفعل في كذا وكذا فيقال له مثلك يسأل هذا البدوي فيقول إن هذا وفق لما أغفلناه وكان أحمد بن حنبل رضي الله عنه ويحيى بن معين يختلفان إلى معروف الكرخي ولم يكن في علم الظاهر بمنزلتهما وكانا يسألانه وكيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قيل له كيف نفعل إذا جاءنا أمر لم نجده في كتاب ولا سنة فقال صلى الله عليه وسلم سلوا الصالحين واجعلوه شورى بينهم حديث قيل له كيف نفعل إذا جاء أمر لم نجده في كتاب الله ولا سنة رسوله الحديث رواه الطبراني من حديث ابن عباس وفيه عبد الله بن كيسان ضعفه الجمهور ولذلك قيل علماء الظاهر زينة الأرض والملك وعلماء الباطن زينة السماء والملكوت وقال الجنيد رحمه الله قال لي السري شيخي يوما إذا قمت من عندي فمن تجالس قلت المحاسبي فقال نعم خذ من علمه وأدنه ودع عنك تشقيقه الكلام ورده على المتكلمين ثم لما وليت سمعته يقول جعلك الله صاحب حديث صوفيا ولا جعلك صوفيا صاحب حديث أشار إلى أن من حصل الحديث والعلم ثم تصوف أفلح ومن تصوف قبل العلم خاطر بنفسه فإن قلت فلم لم تورد في أقسام العلوم الكلام والفلسفة وتبين أنهما مذمومان أو محمودان فاعلم أن حاصل ما يشتمل عليه علم الكلام من الأدلة التي ينتفع بها فالقرآن والأخبار مشتملة عليه وما خرج عنهما فهو إما مجادلة مذمومة وهي من البدع كما سيأتي بيانه وإما مشاغبة بالتعلق بمناقضات الفرق لها وتطويل بنقل المقالات التي أكثرها ترهات وهذيانات تزدريها الطباع وتمجها الأسماع وبعضها خوض فيما لا يتعلق بالدين ولم يكن شيء منه مألوفا في العصر الأول وكان الخوض فيه بالكلية من البدع ولكن تغير الآن حكمه إذ حدثت البدعة الصارفة عن مقتضى القرآن والسنة ونبعت جماعة لفقهوا لها شبها ورتبوا فيها كلاما مؤلفا فصار ذلك المحذور بحكم الضرورة مأذونا فيه بل صار من فروض الكفايات وهو القدر الذي يقابل به المبتدع إذا قصد الدعوة إلى البدعة وذلك إلى حد محدود سنذكره في الباب الذي يلي هذا إن شاء الله تعالى وأما الفلسفة فليست علما برأسها بل هي أربعة أجزاء أحدها الهندسة والحساب وهما مباحان كما سبق ولا يمنع عنهما إلا من يخاف عليه أن يتجاوز بهما إلى علوم مذمومة فإن أكثر الممارسين لهما قد خرجوا منهما إلى البدع فيصان الضعيف عنهما لا لعينهما كما يصان عصبي عن شاطىء النهر خيفة عليه من الوقوع في النهر وكما يصان حديث العهد بالإسلام عن مخالطة الكفار خوفا عليه مع أن القوي لا يندب إلى مخالطتهم الثاني المنطق وهو بحث عن وجه الدليل وشروطه ووجه الحد وشروطه وهما داخلان في علم الكلام الثالث الإلهيات وهو بحث عن ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته وهو داخل في الكلام أيضا والفلاسفة لم ينفردوا فيها بنمط آخر من العلم بل انفردوا بمذاهب بعضها كفر وبعضها بدعة وكما أن الاعتزال ليس علما برأسه بل أصحابه طائفة من المتكلمين وأهل البحث والنظر انفردوا بمذاهب باطلة فكذلك الفلاسفة والرابع الطبيعيات وبعضها مخالف للشرع والدين والحق فهو جهل وليس بعلم حتى نورده في أقسام العلوم وبعضها بحث عن صفات الأجسام وخواصها وكيفية إستحالتها وتغيرها وهو شبيه بنظر الأطباء إلا أن الطبيب ينظر في بدن الإنسان على الخصوص من حيث يمرض ويصح وهم ينظرون في جميع الأجسام من حيث تتغير وتتحرك ولكن للطب فضل عليه وهو أنه محتاج إليه وأما علومهم في الطبيعيات فلا حاجة إليها فإذن الكلام صار من جملة الصناعات الواجبة على الكفاية حراسة لقلوب العوام عن تخيلات المبتدعة وإنما حدث ذلك بحدوث البدع كما حدثت حاجة الإنسان إلى استئجار البذرقة في طريق الحج بحدوث ظلم العرب وقطعهم الطريق ولو ترك العرب عدوانهم لم يكن استئجار الحراس من شروط طريق الحج فلذلك لو ترك المبتدع هذيانه لما افتقر إلى الزيادة على ما عهد في عصر الصحابة رضي الله عنهم فليعلم المتكلم حده من الدين وأن موقعه منه موقع الحارس في طريق الحج فإذا تجرد الحارس للحراسة لم يكن من جملة الحاج والمتكلم إذا تجرد للمناظرة والمدافعة ولم يسلك طريق الآخرة ولم يشتغل بتعهد القلب وصلاحه لم يكن من جملة علماء الدين أصلا وليس عند المتكلم من الدين إلا العقيدة التي شاركه فيها سائر العوام وهي من جملة أعمال ظاهر القلب واللسان وإنما يتميز عن العامي بصنعة المجادلة والحراسة فأما معرفة الله تعالى وصفاته وأفعاله وجميع ما أشرنا إليه في علم المكاشفة فلايحصل من علم الكلام بل يكاد أن يكون الكلام حجابا عليه ومانعا عنه وإنما الوصول إليه بالمجاهدة التي جعلها الله سبحانه مقدمة للهداية حيث قال تعالى والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين فإن قلت فقد رددت حد المتكلم إلى حراسة عقيدة العوام عن تشويش المبتدعة كما أن حد البذرقة حراسة أقمشة الحجيج عن نهب العرب ورددت حد الفقيه إلى حفظ القانون الذي به يكف السلطان شر بعض أهل العدوان عن بعض وهاتان رتبتان نازلتان بالإضافة إلى علم الدين وعلماء الأمة المشهورون بالفضل هم الفقهاء والمتكلمون وهم أفضل الخلق عند الله تعالى فكيف تنزل درجاتهم إلى هذه المنزلة السافلة بالإضافة إلى علم الدين فاعلم أن من عرف الحق بالرجال حار في متاهات الضلال فاعرف الحق تعرف أهله إن كنت سالكا طريق الحق وإن قنعت بالتقليد والنظر إلى ما اشتهر من درجات الفضل بين الناس فلا تغفل عن الصحابة وعلو منصبهم فقد أجمع الذين عرضت بذكرهم على تقدمهم وأنهم لا يدرك في الدين شأوهم ولا يشق غبارهم ولم يكن تقدمهم بالكلام والفقه بل بعلم الآخرة وسلوك طريقها وما فضل أبو بكر رضي الله عنه الناس بكثرة صيام ولا صلاة ولا بكثرة رواية ولا فتوى ولا كلام ولكن بشيء وقر في صدره حديث ما فضل أبو بكر الناس بكثرة صلاة ولا كثرة صيام الحديث أخرجه الترمذي الحكيم في النوادر من قول أبي بكر بن عبد الله المزني ولم أجده مرفوعا كما شهد له سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم فليكن حرصك في طلب ذلك السر فهو الجوهر النفيس والدر المكنون ودع عنك ما تطابق أكثر الناس عليه وعلى تفخيمه وتعظيمه لأسباب ودواع يطول تفصيلها فلقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن آلاف من الصحابة رضي الله عنهم كلهم علماء بالله أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن فيهم أحد يحسن صنعة الكلام ولا نصب نفسه للفتيا منهم أحد إلا بضعة عشر رجلا ولقد كان ابن عمر رضي الله عنهما منهم وكان إذا سئل عن الفتيا يقول للسائل اذهب إلى فلان الأمير الذي تقلد أمور الناس وضعها في عنقه إشارة إلى أن الفتيا في القضايا والأحكام من توابع الولاية والسلطنة ولما مات عمر رضي الله عنه قال ابن مسعود مات تسعة أعشار العلم فقيل له أتقول ذلك وفينا جلة الصحابة فقال لم أرد علم الفتيا والأحكام إنما أريد العلم بالله تعالى أفترى أنه أراد صنعة الكلام والجدل فما بالك لا تحرص على معرفة ذلك العلم الذي مات بموت عمر تسعة أعشاره وهو الذي سد باب الكلام والجدل وضرب ضبيعا بالدرة لما أورد عليه سؤالا في تعارض آيتين في كتاب الله وهجره وأمر الناس بهجره وأما قولك إن المشهورين من العلماء هم الفقهاء والمتكلمون فاعلم أن ما ينال به الفضل عند الله شيء وما ينال به الشهرة عند الناس شيء آخر فلقد كان شهرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالخلافة وكان فضله بالسر الذي وقر في قلبه وكان شهرة عمر رضي الله عنه بالسياسة وكان فضله بالعلم بالله الذي مات تسعة أعشاره بموته وبقصده التقرب إلى الله عز وجل في ولايته وعدله وشفقته على خلقه وهو أمر باطن في سره فأما سائر أفعاله الظاهرة فيتصور صدورها من طالب الجاه والاسم والسمعة والراغب في الشهرة فتكون الشهرة فيما هو المهلك والفضل فيما هو سر لا يطلع عليه أحد فالفقهاء والمتكلمون مثل الخلفاء والقضاء والعلماء وقد انقسموا فمنهم من أراد الله سبحانه بعلمه وفتواه وذبه عن سنة نبيه ولم يطلب به رياء ولا سمعة فأولئك أهل رضوان الله تعالى وفضلهم عند الله لعملهم بعلمهم ولإرادتهم وجه الله سبحانه بفتواهم ونظرهم فإن كل علم عمل فإنه فعل مكتسب وليس كل عمل علما والطبيب يقدر على التقرب إلى الله تعالى بعلمه فيكون مثابا على علمه من حيث إنه عامل لله سبحانه وتعالى به والسلطان يتوسط بين الخلق لله فيكون مرضيا عند الله سبحانه ومثابا لا من حيث إنه متكفل بعلم الدين بل من حيث هو متقلد بعمل يقصد به التقرب إلى الله عز وجل بعلمه وأقسام ما يتقرب به إلى الله تعالى ثلاثة علم مجرد وهو علم المكاشفة وعمل مجرد وهو كعدل السلطان مثلا وضبطه للناس ومركب من عمل وعلم وهو علم طريق الآخرة فإن صاحبه من العلماء والعمال جميعا فانظر إلى نفسك أتكون يوم القيامة في حزب علماء الله وأعمال الله تعالى أوفى حزبيهما فتضرب بسهمك مع كل فريق منهما فهذا أهم عليك من التقليد لمجرد الاشتهار كما قيل خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل على أنا سننقل من سيرة فقهاء السلف ما تعلم به أن الذين انتحلوا مذاهبهم ظلموهم وأنهم من أشد خصمائهم يوم القيامة فإنهم ما قصدوا بالعلم إلا وجه الله تعالى وقد شوهد من أحوالهم ما هو من علامات علماء الآخرة كما سيأتي بيانه في باب علامات علماء الآخرة فإنهم ما كانوا متجردين لعلم الفقه بل كانوا مشتغلين بعلم القلوب ومراقبين لها ولكن صرفهم عن التدريس والتصنيف فيه ما صرف الصحابة عن التصنيف والتدريس في الفقه مع أنهم كانوا فقهاء مستقلين بعلم الفتوى والصوارف والدواعي متيقنة ولا حاجة إلى ذكرها ونحن الآن نذكر من أحوال فقهاء الإسلام ما تعلم به أن ما ذكرناه ليس طعنا فيهم بل هو طعن فيمن أظهر الاقتداء بهم منتحلا مذاهبهم وهو مخالف لهم في أعمالهم وسيرهم فالفقهاء الذين هم زعماء الفقه وقادة الخلق أعني الذين كثر أتباعهم في المذاهب خمسة الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وأبو حنيفة وسفيان الثوري رحمهم الله تعالى وكل واحد منهم كان عابدا وزاهدا وعالما بعلوم الآخرة وفقيها في مصالح الخلق في الدنيا ومريدا بفقهه وجه الله تعالى فهذه خمس خصال اتبعهم فقهاء العصر من جملتها على خصلة واحدة وهي التشمير والمبالغة في تفاريع الفقه لأن الخصال الأربع لا تصلح إلا للآخرة وهذه الخصلة الواحدة تصلح للدنيا والآخرة إن أريد بها الآخرة قل صلاحها للدنيا شمروا لها وادعوا بها مشابهة أولئك الأئمة وهيهات أن تقاس الملائكة بالحدادين فلنورد الآن من أحوالهم ما يدل على هذه الخصال الأربع فإن معرفتهم بالفقه ظاهرة أما الإمام الشافعي رحمه الله فيدل على أنه كان عابدا ما روي أنه كان يقسم الليل ثلاثة أجزاء ثلثا للعلم وثلثا للعبادة وثلثا للنوم قال الربيع كان الشافعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان ستين مرة كل ذلك في الصلاة وكان البويطي أحد أصحابه يختم القرآن في رمضان في كل يوم مرة وقال الحسن الكرابيسي بت مع الشافعي غير ليلة فكان يصلي نحوا من ثلث الليل فما رأيته يزيد على خمسين آية فإذا أكثر فمائة آية وكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل الله لنفسه ولجميع المسلمين والمؤمنين ولا يمر بآية عذاب إلا تعوذ فيها وسأل النجاة لنفسه وللمؤمنين وكأنما جمع له الرجاء والخوف معا فانظر كيف يدل اقتصاره على خمسين آية على تبحره في أسرار القرآن وتدبره فيها وقال الشافعي رحمه الله ما شبعت منذ ست عشرة سنة لأن الشبع يثقل البدن ويقسي القلب ويزيل الفطنة ويجلب النوم ويضعف صاحبه عن العبادة فانظر إلى حكمته في ذكر آفات الشبع ثم في جده في العبادة إذ طرح الشبع لأجلها ورأس التعبد تقليل الطعام وقال الشافعي رحمه الله ما حلفت بالله تعالى لا صادقا ولا كاذبا قط فانظر إلى حرمته وتوقيره لله تعالى ودلالة ذلك على علمه بجلال الله سبحانه وسئل الشافعي رضي الله عنه عن مسئلة فسكت فقيل له ألا تجيب رحمك الله فقال حتى أدري الفضل في سكوتي أو في جوابي فانظر في مراقبته للسانه مع أنه أشد الأعضاء تسلطا على الفقهاء وأعصاها على الضبط والقهر وبه يستبين أنه كان لا يتكلم ولا يسكت لا لنيل الفضل وطلب الثواب وقال أحمد بن يحيى بن الوزير خرج الشافعي رحمه الله تعالى يوما من سوق القناديل فتبعناه فإذا رجل يسفه على رجل من أهل العلم فالتفت الشافعي إلينا وقال نزهوا أسماعكم عن استماع الخنا كما تنزهون ألسنتكم عن النطق به فإن المستمع شريك القائل وإن السفيه لينظر إلى أخبث شيء في إنائه فيحرص أن يفرغه في أوعيتكم ولو ردت كلمة السفيه لسعد رادها كما شقي بها قائلها وقال الشافعي رضي الله عنه كتب حكيم إلى حكيم قد أوتيت علما فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم وأما زهده رضي الله عنه فقد قال الشافعي رحمه الله من ادعى أنه جمع بين حب الدنيا وحب خالقها في قلبه فقد كذب وقال الحميدي خرج الشافعي رحمه الله إلى اليمن مع بعض الولاة فانصرف إلى مكة بعشرة آلاف درهم فضرب له خباء في موضع خارجا من مكة فكان الناس يأتونه فما برح من موضعه ذلك حتى فرقها كلها وخرج من الحمام مرة فأعطى الحمامي مالا كثيرا وسقط سوطه من يده مرة فرفعه إنسان إليه فأعطاه جزاء عليه خمسين دينارا وسخاوة الشافعي رحمه الله أشهر من أن تحكى ورأس الزهد السخاء لأن من أحب شيئا أمسكه ولم يفارق المال إلا من صغرت الدنيا في عينه وهو معنى الزهد ويدل على قوة زهده وشدة خوفه من الله تعالى واشتغال همته بالآخرة ما روي أنه روى سفيان بن عيينة حديثا في الرقائق فغشي على الشافعي فقيل له قد مات فقال إن مات فقد مات أفضل زمانه وما روى عبد الله بن محمد البلوي قال كنت أنا وعمر بن نباتة جلوسا نتذاكر العباد والزهاد فقال لي عمر ما رأيت أورع ولا أفصح من محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه خرجت أنا وهو والحارث بن لبيد إلى الصفا وكان الحارث تلميذ الصالح المري فافتتح يقرأ وكان حسن الصوت فقرأ هذه الآية عليه هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون فرأيت الشافعي رحمه الله وقد تغير لونه واقشعر جلده واضطرب اضطرابا شديدا وخر مغشيا عليه فلما أفاق جعل يقول أعوذ بك من مقام الكاذبين وإعراض الغافلين اللهم لك خضعت قلوب العارفين وذلت لك رقاب المشتاقين إلهي هب لي جودك وجللني بسترك واعف عن تقصيري بكرم وجهك قال ثم مشى وانصرفنا فلما دخلت بغداد وكان هو بالعراق فقعدت على الشط أتوضأ للصلاة إذ مر بي رجل فقال لي يا غلام أحسن وضوءك أحسن الله إليك في الدنيا والآخرة فالتفت فإذا أنا برجل يتبعه جماعة فأسرعت في وضوئي وجعلت أقفو أثره فالتفت إلي فقال هل لك من حاجة فقلت نعم تعلمني مما علمك الله شيئا فقال لي اعلم أن من صدق الله نجا ومن أشفق على دينه سلم من الردى ومن زهد في الدنيا قرت عيناه مما يراه من ثواب الله تعالى غدا أفلا أزيدك قلت نعم قال من كان فيه ثلاث خصال فقد استكمل الإيمان من أمر بالمعروف وائتمر ونهى عن المنكر وانتهى وحافظ على حدود الله تعالى ألا أزيدك قلت بلى فقال كن في الدنيا زاهدا وفي الآخرة راغبا واصدق الله تعالى في جميع أمورك تنج مع الناجين ثم مضى فسألت من هذا فقالوا هو الشافعي فانظر إلى سقوطه مغشيا عليه ثم إلى وعظه كيف يدل ذلك على زهده وغاية خوفه ولا يحصل هذا الخوف والزهد إلا من معرفة الله عز وجل فإنه إنما يخشى الله من عباده العلماء ولم يستفد الشافعي رحمه الله

    هذا الخوف والزهد من علم كتاب السلم والإجارة وسائر كتب الفقه بل هو من علوم الآخرة المستخرجة من القرآن والأخبار إذ حكم الأولين والآخرين مودعة فيهما وأما كونه عالما بأسرار القلب وعلوم الآخرة فتعرفه من الحكم المأثورة عنه روي أنه سئل عن الرياء فقال على البديهة الرياء فتنة عقدها الهوى حيال أبصار قلوب العلماء فنظروا إليها بسوء اختيار النفوس فأحبطت أعمالهم وقال الشافعي رحمه الله تعالى إذا أنت خفت على عملك العجب فانظر رضا من تطلب وفي أي ثواب ترغب ومن أي عقاب ترهب وأي عافية تشكر وأي بلاء تذكر فإنك إذا تفكرت في واحد من هذه الخصال صغر في عينك عملك فانظر كيف ذكر حقيقة الرياء وعلاج العجب وهما من كبار آفات القلب وقال الشافعي رضي الله عنه من لم يصن نفسه لم ينفعه علمه وقال رحمه الله من أطاع الله تعالى بالعلم نفعه سره وقال ما من أحد إلا له محب ومبغض فإذا كان كذلك فكن مع أهل طاعة الله عز وجل وروي أن عبد القاهر بن عبد العزيز كان رجلا صالحا ورعا

    وكان يسأل الشافعي رضي الله عنه عن مسائل في الورع والشافعي رحمه الله يقبل عليه لورعه وقال للشافعي يوما أيما أفضل الصبر أو المحنة أو التمكين فقال الشافعي رحمه الله التمكين درجة الأنبياء ولا يكون التمكين إلا بعد المحنة فإذا امتحن صبر وإذا صبر مكن ألا ترى أن الله عز وجل امتحن إبراهيم عليه السلام ثم مكنه

    وامتحن موسى عليه السلام ثم مكنه وامتحن أيوب عليه السلام ثم مكنه وامتحن سليمان عليه السلام ثم مكنه وآتاه ملكا والتمكين أفضل الدرجات قال الله عز وجل وكذلك مكنا ليوسف في الأرض وأيوب عليه السلام بعد المحنة العظيمة مكن قال الله تعالى وآتيناه أهله ومثلهم معهم الآية

    فهذا الكلام من الشافعي رحمه الله يدل على تبحره في أسرار القرآن واطلاعه على مقامات السائرين إلى الله تعالى من الأنبياء والأولياء وكل ذلك من علوم الآخرة وقيل للشافعي رحمه الله متى يكون الرجل عالما قال إذا تحقق في علم الدين فعلمه وتعرض لسائر العلوم فنظر فيما فاته فعند ذلك يكون عالما فإنه قيل لجالينوس إنك تأمر للداء الواحد بالأدوية الكثيرة المجمعة فقال إنما المقصود منها واحد وإنما يجعل معه غيره لتسكن حدته لأن الإفراد قاتل فهذا وأمثاله مما لا يحصى يدل على علو رتبته في معرفة الله تعالى وعلوم الآخرة وأما إرادته بالفقه والمناظرة فيه وجه الله تعالى فيدل عليه ما روي عنه قال وددت أن الناس انتفعوا بهذا العلم وما نسب إلي شيء منه فانظر كيف اطلع على آفة العلم وطلب الاسم له وكيف كان منزه القلب عن الالتفات إليه مجرد النية فيه لوجه الله تعالى .

    وقال الشافعي رضي الله عنه ما ناظرت أحدا قط فأحببت أن يخطىء وقال ما كلمت أحدا قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله تعالى وحفظ وما كلمت أحدا قط وأنا أبالي أن يبين الله الحق على لساني أو على لسانه وقال ما أوردت الحق والحجة على أحد فقبلها مني إلا هبته واعتقدت محبته ولا كابرني أحد على الحق ودافع الحجة إلا سقط من عيني ورفضته فهذه العلامات هي التي تدل على إرادة الله تعالى بالفقه والمناظرة فانظر كيف تابعه الناس من جملة هذه الخصال الخمس على خصلة واحدة فقط ثم كيف خالفوه فيها أيضا ولهذا قال أبو ثور رحمه الله ما رأيت ولا رأى الراءون مثل الشافعي رحمه الله تعالى.

    وقال أحمد بن حنبل رضي الله عنه ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي رحمه الله تعالى فانظر إلى إنصاف الداعي وإلى درجة المدعو له وقس به الأقران والأمثال من العلماء في هذه الأعصار وما بينهم من المشاحنة والبغضاء لتعلم تقصيرهم في دعوى الاقتداء بهؤلاء ولكثرة دعائه له قال له ابنه أي رجل كان الشافعي حتى تدعو له كل هذا الدعاء فقال أحمد يا بني كان الشافعي رحمه الله تعالى كالشمس للدنيا وكالعافية للناس فانظر هل لهذين من خلف.

    وكان أحمد رحمه الله يقول ما مس أحد بيده محبرة إلا وللشافعي رحمه الله في عنقه منة وقال يحيى بن سعيد القطان ما صليت صلاة منذ أربعين سنة إلا وأنا أدعو فيها للشافعي لما فتح الله عز وجل عليه من العلم ووفقه للسداد فيه ولنقتصر على هذه النبذة من أحواله فإن ذلك خارج عن الحصر وأكثر هذه المناقب نقلناه من الكتاب الذي صنفه الشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي رحمه الله تعالى في مناقب الشافعي رضي الله عنه وعن جميع المسلمين وأما الإمام مالك رضي الله عنه فإنه كان أيضا متحليا بهذه الخصال الخمس فإنه قيل له ما تقول يا مالك في طلب العلم فقال حسن جميل ولكن انظر إلى الذي يلزمك من حين تصبح إلى حين تمسي فالزمه وكان رحمه الله تعالى في تعظيم علم الدين مبالغا حتى كان إذا أراد أن يحدث توضأ وجلس على صدر فراشه وسرح لحيته واستعمل الطيب وتمكن من الجلوس على وقار وهيبة ثم حدث فقيل له في ذلك فقال أحب أن أعظم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال مالك العلم نور يجعله الله حيث يشاء وليس بكثرة الرواية وهذا الاحترام والتوقير يدل على قوة معرفته بجلال الله تعالى وأما إرادته وجه الله تعالى بالعلم فيدل عليه قوله الجدال في الدين ليس بشيء ويدل عليه قول الشافعي رحمه الله إني شهدت مالكا وقد سئل عن ثمان وأربعين مسئلة فقال في اثنتين وثلاثين منها لا أدري ومن يرد غير وجه الله تعالى بعلمه فلا تسمح نفسه بأن يقر على نفسه بأنه لا يدري ولذلك قال الشافعي رضي الله عنه إذا ذكر العلماء فمالك النجم الثاقب وما أحد أمن علي من مالك وروي أن أبا جعفر المنصور منعه من رواية الحديث في طلاق المكره ثم دس عليه من يسأله فروى على ملأ من الناس ليس على مستكره طلاق فضربه بالسياط ولم يترك رواية الحديث وقال مالك رحمه الله ما كان رجل صادقا في حديثه ولا يكذب إلا متع بعقله ولم يصبه مع الهرم آفة ولا خرف وأما زهده في الدنيا فيدل عليه ما روي أن المهدي أمير المؤمنين سأله فقال له هل لك من دار فقال لا ولكن أحدثك سمعت ربيعة بن أبي عبد الرحمن يقول نسب المرء داره وسأله الرشيد هل لك دار فقال لا فأعطاه ثلاثة آلاف دينار وقال اشتر بها دارا فأخذها ولم ينفقها فلما أراد الرشيد الشخوص قال لمالك رحمه الله ينبغي أن تخرج معنا فإني عزمت على أن أحمل الناس على الموطأ كما حمل عثمان رضي الله عنه الناس على القرآن فقال له أما حمل الناس على الموطأ فليس إليه سبيل لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم افترقوا بعده في ال**ار فحدثوا فعند كل أهل مصر علم وقد قال صلى الله عليه وسلم اختلاف أمتي رحمة حديث اختلاف أمتي رحمة ذكره البيهقي في رسالته الأشعرية تعليقا وأسنده في المدخل من حديث ابن عباس بلفظ اختلاف أصحابي لكم رحمة وإسناده ضعيف وأما الخروج معك فلا سبيل إليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون حديث المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون متفق عليه من حديث سفيان ابن أبي زهير وقال صلى الله عليه وسلم المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد حديث المدينة تنفي خبثها الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة وهذه دنانيركم كما هي إن شئتم فخذوها وإن شئتم فدعوها يعني أنك إنما تكلفني مفارقة المدينة لما اصطنعته إلي فلا أوثر الدنيا على مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهكذا كان زهد مالك في الدنيا ولما حملت إليه الأموال الكثيرة من أطراف الدنيا لانتشار علمه وأصحابه كان يفرقها في وجوه الخير ودل سخاؤه على زهده وقلة حبه للدنيا وليس الزهد فقد المال وإنما الزهد فراغ القلب عنه ولقد كان سليمان عليه السلام في ملكه من الزهاد ويدل على احتقاره للدنيا ما روي عن الشافعي رحمه الله أنه قال رأيت على باب مالك كراعا من أفراس خراسان ويقال مصر ما رأيت أحسن منه فقلت لمالك رحمه الله ما أحسنه فقال هو هدية مني إليك يا أبا عبد الله فقلت دع لنفسك منها دابة تركبها فقال إني أستحي من الله تعالى أن أطأ تربة فيها نبي الله صلى الله عليه وسلم بحافر دابة فانظر إلى سخائه إذ وهب جميع ذلك دفعة واحدة وإلى توقيره لتربة المدينة ويدل على إرادته بالعلم وجه الله تعالى واستحقار للدنيا ما روي أنه قال دخلت على هارون الرشيد فقال لي يا أبا عبد الله ينبغي أن تختلف إلينا حتى يسمع صبياننا منك الموطأ قال فقلت أعز الله مولانا الأمير إن هذا العلم منكم خرج فإن أنتم أعزرتموه عز وإن أنتم أذللتموه ذل والعلم يؤتى ولا يأتي فقال صدقت اخرجوا إلى المسجد حتى تسمعوا مع الناس وأما أبو حنيفة رحمه الله تعالى فلقد كان أيضا عابدا زاهدا بالله تعالى خائفا منه مريدا وجه الله تعالى بعلمه فأما كونه عابدا فيعرف بما روي عن ابن المبارك أنه قال كان أبو حنيفة رحمه الله له مروءة وكثرة صلاة وروى حماد بن أبي سليمان أنه كان يحيي الليل كله وروي أنه كان يحيي نصف الليل فمر يوما في طريق فأشار إليه إنسان وهو يمشي فقال لآخر هذا هو الذي يحيي الليل كله فلم يزل بعد ذلك يحيى الليل كله وقال أنا أستحي من الله سبحانهأن أوصف بما ليس في من عبادته وأما زهده فقد روي عن الربيع بن عاصم قال أرسلني يزيد بن عمر بن هبيرة فقدمت بأبي حنيفة عليه فأراده أن يكون حاكما على بيت المال فأبى فضربه عشرين سوطا فانظر كيف هرب من الولاية واحتمل العذاب قال الحكم بن هشام الثقفي حدثت بالشام حديثا في أبي حنيفة أنه كان من أعظم الناس أمانة وأراده السلطان على أن يتولى مفاتيح خزائنه أو يضرب ظهره فاختار عذابهم له على عذاب الله تعالى وروى أنه ذكر أبو حنيفة عند ابن المبارك فقال أتذكرون رجلا عرضت عليه الدنيا بحذافيرها ففر منها وروي عن محمد بن شجاع عن بعض أصحابه أنه قيل لأبي حنيفة قد أمر لك أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور بعشرة آلاف درهم قال فما رضي أبو حنيفة قال فلما كان اليوم الذي توقع أن يؤتى بالمال فيه صلى الصبح ثم تغشى بثوبه فلم يتكلم فجاء رسول الحسن بن قحطبة بالمال فدخل عليه فلم يكلمه فقال بعض من حضر ما يكلمنا إلا بالكلمة بعد الكلمة أي هذه عادته فقال ضعوا المال في هذا الجراب في زاوية البيت ثم أوصى أبو حنيفة بعد ذلك بمتاع بيته وقال لابنه إذا مت ودفنتموني فخذ هذه البدرة واذهب بها إلى الحسن ابن قحطبة فقل له خذ وديعتك التي أودعتها أبا حنيفة قال ابنه ففعلت ذلك فقال الحسن رحمة الله على أبيك فلقد كان شحيحا على دينه وروي أنه دعي إلى ولاية القضاء فقال أنا لا أصلح لهذا فقيل له لم فقال إن كنت صادقا فما أصلح لها وإن كنت كاذبا فالكاذب لا يصلح للقضاء وأما علمه بطريق الآخرة وطريق أمور الدين ومعرفته بالله عز وجل فيدل عليه شدة خوفه من الله تعالى وزهده في الدنيا وقد قال ابن جريج قد بلغني عن كوفيكم هذا النعمان بن ثابت أنه شديد الخوف لله تعالى وقال شريك النخعي كان أبو حنيفة طويل الصمت دائم الفكر قليل المحادثة للناس فهذا من أوضح الأمارات على العلم الباطني والاشتغال بمهمات الدين فمن أوتي الصمت والزهد فقد أوتي العلم كله فهذه نبذة من أحوال الأئمة الثلاثة وأما الإمام أحمد بن حنبل وسفيان الثوري رحمهما الله تعالى فأتباعهما أقل من أتباع هؤلاء وسفيان أقل أتباعا من أحمد ولكن اشتهارهما بالورع والزهد أظهر وجميع هذا الكتاب مشحون بحكايات أفعالهما وأقوالهما فلا حاجة إلى التفصيل الآن فانظر الآن في غير هؤلاء الأئمة الثلاثة وتأمل أن هذه الأحوال والأقوال والأفعال في الإعراض عن الدنيا والتجرد لله عز وجل هل يثمرها مجرد العلم بفروع الفقه من معرفة السلم والإجارة والظهار والإيلاء واللعان أو يثمرها علم آخر أعلى وأشرف منه وانظر إلى الذين ادعوا الاقتداء بهؤلاء أصدقوا في دعواهم أم لا الباب الثالث فيما يعده العامة من العلوم المحمودة وليس منها وفيه بيان الوجه الذي قد يكون به بعض العلوم مذموما وبيان تبديل أسامي العلوم وهو الفقه والعلم والتوحيد والتذكير والحكمة وبيان القدر المحمود من العلوم الشرعية والقدر المذموم منها


    _________________

    *******************************************
    بيان العلم الذي هو فرض عين 476007128551819654
    avatar
    د.سامي الشريف
    المشرف العام
    المشرف العام


    الجنس : ذكر
    الابراج : الجدي
    عدد المساهمات : 469
    نقاط : 14908
    السٌّمعَة : 1214
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 58
    أوسمه : بيان العلم الذي هو فرض عين Ououo_26

    بيان العلم الذي هو فرض عين Empty رد: بيان العلم الذي هو فرض عين

    مُساهمة من طرف د.سامي الشريف الجمعة 27 أبريل 2012 - 13:41

    بيان علة ذم العلم المذموم


    لعلك تقول العلم هو معرفة الشيء على ما هو به وهو من صفات الله تعالى فكيف يكون الشيء علما ويكون مع كونه علما مذموما فاعلم أن العلم لا يذم لعينه وإنما يذم في حق العباد لأحد أسباب ثلاثة الأول أن يكون مؤديا إلى ضرر ما إما لصاحبه أو لغيره كما يذم علم السحر والطلسمات وهو حق إذ شهد القرآن له وأنه سبب يتوصل به إلى التفرقة بين الزوجين وقد سحر حديث سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم متفق عليه من حديث عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومرض بسببه حتى أخبره جبريل عليه السلام بذلك وأخرج السحر من تحت حجر في قعر بئر وهو نوع يستفاد من العلم بخواص الجواهر وبأمور حسابية في مطالع النجوم فيتخذ من تلك الجواهر هيكل على صورة الشخص المسحور ويرصد به وقت مخصوص من المطالع وتقرن به كلمات يتلفظ بها من الكفر والفحش المخالف للشرع ويتوصل بسببها إلى الاستعانة بالشياطين ويحصل من مجموع ذلك بحكم إجراء الله تعالى العادة أحوال غريبة في الشخص المسحور ومعرفة هذه الأسباب من حيث إنها معرفة ليست بمذمومة ولكنها ليست تصلح إلا للإضرار بالخلق والوسيلة إلى الشر شر فكان ذلك هو السبب في كونه علما مذموما بل من اتبع وليا من أولياء الله ليقتله وقد اختفى منه في موضع حريز إذا سأل الظالم عن محله لم يجز تنبيهه عليه بل وجب الكذب فيه وذكر موضعه إرشاد وإفادة علم بالشيء على ما هو عليه ولكنه مذموم لأدائه إلى الضرر الثاني أن يكون مضرا بصاحبه في غالب الأمر كعلم النجوم فإنه في نفسه غير مذموم لذاته إذ هو قسمان قسم حسابي وقد نطق القرآن بأن مسير الشمس والقمر محسوب إذ قال عز وجل الشمس والقمر بحسبان وقال عز وجل والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم والثاني الأحكام وحاصله يرجع إلى الاستدلال على الحوادث بالأسباب وهو يضاهي استدلال الطبيب بالنبض على ما سيحدث من المرض وهو معرفة لمجاري سنة الله تعالى وعادته في خلقه ولكن قد ذمه الشرع قال صلى الله عليه وسلم إذا ذكر القدر فأمسكوا وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا حديث إذا ذكر القدر فأمسكوا الحديث رواه الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد حسن وقال صلى الله عليه وسلم أخاف على أمتي بعدي ثلاثا حيف الأئمة والإيمان بالنجوم والتكذيب بالقدر حديث أخاف على أمتي بعدي ثلاثا حيف الأئمة الحديث أخرجه ابن عبد البر من حديث أبي محجن بإسناد ضعيف وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعلموا من النجوم ما تهتدون به في البر والبحر ثم أمسكوا وإنما زجر عنه من ثلاثة أوجه أحدها أنه مضر بأكثر الخلق فإنه إذا ألقى إليهم أن هذه الآثار تحدث عقيب سير الكواكب وقع في نفوسهم أن الكواكب هي المؤثرة وأنها الآلهة المدبرة لأنها جواهر شريفة سماوية ويعظم وقعها في القلوب فيبقى القلب ملتفتا إليها ويرى الخير والشر محذورا أو مرجوا من جهتها وينمحي ذكر الله سبحانه عن القلب فإنه الضعيف يقصر نظره على الوسائط والعالم الراسخ هو الذي يطلع على أن الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره سبحانه وتعالى ومثال نظر الضعيف إلى حصول ضوء الشمس عقيب طلوع الشمس مثال النملة لو خلق لها عقل وكانت على سطح قرطاس وهي تنظر إلى سواد الخط يتجدد فتعتقد أنه فعل القلم ولا تترقى في نظرها إلى مشاهدة الأصابع ثم منها إلى اليد ثم منها إلى الإرادة المحركة اليد ثم منها إلى الكاتب القادر المريد ثم منه إلى خالق اليد والقدرة والإرادة فأكثر نظر الخلق مقصور على الأسباب القريبة السافلة مقطوع من الترقي إلى مسبب الأسباب فهذا أحد أسباب النهي عن النجوم وثانيها أن أحكام النجوم تخمين محض ليس يدرك في حق آحاد الأشخاص لا يقينا ولا ظنا فالحكم به حكم يجهل فيكون ذمه على هذا من حيث إنه جهل لا من حيث إنه علم فلقد كان ذلك معجزة لإدريس عليه السلام فيما يحكى وقد اندرس وانمحى ذلك العلم وانمحق وما يتفق من إصابة المنجم على ندور فهو اتفاق لأنه قد يطلع على بعض الأسباب ولا يحصل المسبب عقيبها إلا بعد شروط كثيرة ليس في قدرة البشر الاطلاع على حقائقها فإن اتفق أن قدر الله تعالى بقية الأسباب وقعت الإصابة وإن لم يقدر أخطأ ويكون ذلك كتخمين الإنسان في أن السماء تمطر اليوم مهما رأى الغيم يجتمع وينبعث من الجبال فيتحرك ظنه بذلك وربما يحمى النهار بالشمس ويذهب الغيم وربما يكون بخلافه ومجرد الغيم ليس كافيا في مجيء المطر وبقية الأسباب لا تدرى وكذلك تخمين الملاح أن السفينة تسلم اعتمادا على ما ألفه من العادة في الرياح ولتلك الرياح أسباب خفية هو لا يطلع عليها فتارة يصيب في تخمينه وتارة يخطىء ولهذه العلة يمنع القول عن النجوم أيضا وثالثها أنه لا فائدة فيه فأقل أحواله أنه خوض في فضول لا يغني وتضييع العمر الذي هو أنفس بضاعة الإنسان في غير فائدة وذلك غاية الخسران فقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل والناس مجتمعون عليه فقال ما هذا فقالوا رجل علامة فقال بماذا قالوا بالشعر وأنساب العرب فقال علم لا ينفع وجهل لا يضر حديث مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل والناس مجتمعون فقال ما هذا فقالوا رجل علامة الحديث أخرجه ابن عبد البر من حديث أبي هريرة وضعفه وفي آخر الحديث إنما العلم آية محكمة إلى آخره وهذه القطعة عند أبي داود وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو وقال صلى الله عليه وسلم إنما العلم آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة فإذن الخوض في النجوم وما يشبهه اقتحام خطر وخوض في جهالة من غير فائدة فإن ما قدر كائن والاحتراز منه غير ممكن بخلاف الطب فإن الحاجة ماسة إليه وأكثر أدلته بما يطلع عليه وبخلاف التعبير وإن كان تخمينا لأنه جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ولا خطر فيه السبب الثالث الخوض في علم لا يستفيد الخائض فيه فائدة علم فهو مذموم في حقه كتعلم دقيق العلوم قبل جليلها وخفيها قبل جليها وكالبحث عن الأسرار الإلهية إذ يطلع الفلاسفة والمتكلمون إليها ولم يستقلوا بها ولم يستقل بها وبالوقوف على طرق بعضها إلا الأنبياء والأولياء فيجب كف الناس عن البحث عنها وردهم إلى ما نطق به الشرع ففي ذلك مقنع للموفق فكم من شخص خاض في العلوم واستضر بها ولو لم يخض فيها لكان حاله أحسن في الدين مما صار إليه ولا ينكر كون العلم ضارا لبعض الناس كما يضر لحم الطير وأنواع الحلوى اللطيفة بالصبي الرضيع بل رب شخص ينفعه الجهل ببعض الأمور فلقد حكي أن بعض الناس شكا إلى طبيب عقم امرأته وأنها لا تلد فجس الطبيب نبضها وقال لا حاجة لك إلى دواء الولادة فإنك ستموتين إلى أربعين يوما وقد دل النبض عليه فاستشعرت المرأة الخوف العظيم وتنغص عليها عيشها وأخرجت أموالها وفرقتها وأوصت وبقيت لا تأكل ولا تشرب حتى انقضت المدة فلم تمت فجاء زوجها إلى الطبيب وقال له لم تمت فقال الطبيب قد علمت ذلك فجامعها الآن فإنها تلد فقال كيف ذاك قال رأيتها سمينة وقد انعقد الشحم على فم رحمها فعلمت أنها لا تهزل إلا بخوف الموت فخوفتها بذلك حتى هزلت وزال المانع من الولادة فهذا ينبهك على استشعار خطر بعض العلوم ويفهمك معنى قوله صلى الله عليه وسلم نعوذ بالله من علم لا ينفع حديث نعوذ بالله من علم لا ينفع أخرجه ابن عبد البر من حديث جابر بسند حسن وهو عند ابن ماجه بلفظ تعوذوا وقد تقدم فاعتبر بهذه الحكاية ولا تكن بحاثا عن علوم ذمها الشرع وزجر عنها ولازم الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم واقتصر على اتباع السنة فالسلامة في الاتباع والخطر في البحث عن الأشياء والاستقلال ولا تكثر اللجج برأيك ومعقولك ودليلك وبرهانك وزعمك أني أبحث عن الأشياء لأعرفها على ما هي عليه فأي ضرر في التفكر في العلم فإن ما يعود عليك من ضرره أكثر وكم من شيء تطلع عليه فيضرك اطلاعك عليه ضررا يكاد يهلكك في الآخرة إن لم يتداركك الله برحمته واعلم أنه كما يطلع الطبيب الحاذق على أسرار في المعالجات يستبعدها من لا يعرفها فكذلك الأنبياء أطباء القلوب والعلماء بأسباب الحياة الأخروية فلا تتحكم على سننهم بمعقولك فتهلك فكم من شخص يصيبه عارض في أصبعه فيقتضي عقله أن يطليه حتى ينبهه الطبيب الحاذق أن علاجه أن بطلي الكف من الجانب الآخر من البدن فيستبعد ذلك غاية الاستبعاد من حيث لا يعلم كيفية انشعاب الأعصاب ومنابتها ووجه التفافها على البدن فهكذا الأمر في طريق الآخرة وفي دقائق سنن الشرع وآدابه وفي عقائده التي تعبد الناس بها أسرار ولطائف ليست في سعة العقل وقوته الإحاطة بها كما أن في خواص الأحجار أمورا عجائب غاب عن أهل الصنعة علمها حتى لم يقدر أحد على أن يعرف السبب الذي به يجذب المغناطيس الحديد فالعجائب والغرائب في العقائد والأعمال وإفادتها لصفاء القلوب ونقائها وطهارتها وتزكيتها وإصلاحها للترقي إلى جوار الله تعالى وتعرضها لنفحات فضله أكثر وأعظم مما في الأدوية والعقاقير وكما أن العقول تقصر عن إدراك منافع الأدوية مع أن التجربة سبيل إليها فالعقول تقصر عن إدراك ما ينفع في حياة الآخرة مع أن التجربة غير متطرقة إليها وإنما كانت التجربة تتطرق إليها لو رجع إلينا بعض الأموات فأخبرنا عن الأعمال المقبولة النافعة المقربة إلى الله تعالى زلفى وعن الأعمال المبعدة عنه وكذا عن العقائد وذلك مما لا يطمع فيه فيكفيك من منفعة العقل أن يهديك إلى صدق النبي صلى الله عليه وسلم ويفهمك موارد إشاراته فاعزل العقل بعد ذلك عن التصرف ولازم الاتباع فلا تسلم إلا به والسلام ولذلك قال صلى الله عليه وسلم إن من العلم جهلا وإن من القول عيا حديث إن من العلم جهلا الحديث رواه أبو داود من حديث بريدة وفي إسناده من يجهل ومعلوم أن العلم لا يكون جهلا ولكنه يؤثر تأثير الجهل في الإضرار وقال أيضا صلى الله عليه وسلم قليل من التوفيق خير من كثير من العلم حديث قليل من التوفيق خير من كثير من العلم لم أجد له أصلا وقد ذكره صاحب الفردوس من حديث أبي الدرداء وقال العقل بدل العلم ولم يخرجه ولده في مسنده وقال عيسى عليه السلام ما أكثر الشجر وليس كلها بمثمر وليس كلها بطيب وما أكثر العلوم وليس كلها بنافع بيان ما بدل من ألفاظ العلوم اعلم أن منشأ التباس العلوم المذمومة بالعلوم الشرعية تحريف الأسامي المحمودة وتبديلها ونقلها بالأغراض الفاسدة إلى معان غير ما أراده السلف الصالح والقرن الأول وهي خمسة ألفاظ الفقه والعلم والتوحيد والتذكير والحكمة فهذه أسام محمودة والمتصفون بها أرباب المناصب في الدين ولكنها نقلت الآن إلى معان مذمومة فصارت القلوب تنفر عن مذمة من يتصف بمعانيها لشيوع إطلاق هذه الأسامي عليهم اللفظ الأول الفقه فقد تصرفوا فيه بالتخصيص لا بالنقل والتحويل إذا خصصوه بمعرفة الفروع الغريبة في الفتاوى والوقوف على دقائق عللها واستكثار الكلام فيها وحفظ المقالات المتعلقة بها فمن كان أشد تعمقا فيها وأكثر اشتغالا بها يقال هو الأفقه ولقد كان اسم الفقه في العصر الأول مطلقا على علم طريق الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب ويدلك عليه قوله عز وجل ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم وما يحصل به الإنذار والتخويف هو هذا الفقه دون تفريعات الطلاق والعتاق واللعان والسلم والإجارة فذلك لا يحصل به إنذار ولا تخويف بل التجرد له على الدوام يقسي القلب وينزع الخشية منه كما نشاهد الآن من المتجردين له وقال تعالى لهم قلوب لا يفقهون بها وأراد به معاني الإيمان دون الفتاوى ولعمري إن الفقه والفهم في اللغة اسمان بمعنى واحد وإنما يتكلم في عادة الاستعمال به قديما وحديثا قال تعالى لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله الآية فأحال قلة خوفهم من الله واستعظامهم سطوة الخلق على قلة الفقه فانظر إن كان ذلك نتيجة عدم الحفظ لتفريعات الفتاوى أو هو نتيجة عدم ما ذكرناه من العلوم وقال صلى الله عليه وسلم علماء فقهاء حديث علماء حكماء فقهاء رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في الزهد والخطيب في التاريخ من حديث سويد بن الحارث بإسناد ضعيف للذين وفدوا عليه وسئل سعد بن إبراهيم الزهري رحمه الله أي أهل المدينة أفقه فقال أتقاهم لله تعالى فكأنه أشار إلى ثمرة الفقه والتقوى ثمرة العلم الباطني دون الفتاوى والأقضية وقال صلى الله عليه وسلم ألا أنبئكم بالفقيه كل الفقيه قالوا بلى قال من لم يقنط الناس من رحمة الله ولم يؤمنهم من مكر الله ولم يؤيسهم من روح الله ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى ما سواه حديث ألا أنبئكم بالفقيه كل الفقيه الحديث رواه أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق وأبو بكر بن السني وابن عبد البر من حديث علي وقال ابن عبد البر أكثرهم يوقفونه عن علي ولما روى أنس بن مالك قوله صلى الله عليه وسلم لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من غدوة إلى طلوع الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب حديث أنس لأن أقعد مع قوم يذكرون الله تعالى من غدوة إلى طلوع الشمس الحديث رواه أبو داود بإسناد حسن قال فالتفت إلى زيد الرقاشي وزياد النميري وقال لم تكن مجالس الذكر مثل مجالسكم هذه يقص أحدكم وعظه على أصحابه ويسرد الحديث سردا إنما كنا نقعد فنذكر الإيمان ونتدبر القرآن ونتفقه في الدين ونعد نعم الله علينا تفقها فسمى تدبر القرآن وعد النعم تفقها قال صلى الله عليه وسلم لا يفقه العبد كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله وحتى يرى القرآن وجوها كثيرة حديث لا يفقه العبد كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله الحديث أخرجه ابن عبد البر من حديث شداد بن أوس وقال لا يصح مرفوعا وروى أيضا موقوفا على أبي الدرداء رضي الله عنه مع قوله ثم يقبل على نفسه فيكون لها أشد مقتا وقد سأل فرقد السبخي الحسن عن الشيء فأجابه فقال إن الفقهاء يخالفونك فقال الحسن رحمه الله ثكلتك أمك فريقد وهل رأيت فقيها بعينك إنما الفقيه الزاهد في الدنيا الراغب في الآخرة البصير بدينه المداوم على عبادة ربه الورع الكاف نفسه عن أعراض المسلمين العفيف عن أموالهم الناصح لجماعتهم ولم يقل في جميع في ذلك الحافظ لفروع الفتاوى ولست أقول إن اسم الفقه لم يكن متناولا للفتاوى في الأحكام الظاهرة ولكن كان بطريق العموم والشمول أو بطريق الاستتباع فكان إطلاقهم له على علم الآخرة أكثر فبان من هذا التخصيص تلبيس بعث الناس على التجرد له والإعراض عن علم الآخرة وأحكام القلوب ووجدوا على ذلك معينا من الطبع فإن علم الباطن غامض والعمل به عسير والتوصل به إلى طلب الولاية والقضاء والجاه والمال متعذر فوجد الشيطان مجالا لتحسين ذلك في القلوب بواسطة تخصيص اسم الفقه الذي هو اسم محمود في الشرع اللفظ الثاني العلم وقد كان يطلق ذلك على العلم بالله تعالى وبآياته وبأفعاله في عباده وخلقه حتى أنه لما مات عمر رضي الله عنه قال ابن مسعود رحمه الله لقد مات تسعة أعشار العلم فعرفه بالألف واللام ثم فسره العلم بالله سبحانه وتعالى وقد تصرفوا فيه أيضا بالتخصيص حتى شهروه في الأكثر بمن يشتغل بالمناظرة مع الخصوم في المسائل الفقهية وغيرها فيقال هو العالم على الحقيقة وهو الفحل في العلم ومن لا يمارس ذلك ولا يشتغل به يعد من جملة الضعفاء ولا يعدونه في زمرة أهل العلم وهذا أيضا تصرف بالتخصيص ولكن ما ورد من فضائل العلم والعلماء أكثره في العلماء بالله تعالى وبأحكامه وبأفعاله وصفاته وقد صار الآن مطلقا على من لا يحيط من علوم الشرع بشيء سوى رسوم جدلية في مسائل خلافية فيعد بذلك من فحول العلماء مع جهله بالتفسير والأخبار وعلم المذهب وغيره وصار ذلك سببا مهلكا لخلق كثير من أهل الطلب للعلم اللفظ الثالث التوحيد وقد جعل الآن عبارة عن صناعة الكلام ومعرفة طريق المجادلة والإحاطة بطرق مناقضات الخصوم والقدرة على التشدق فيها بتكثير الأسئلة وإثارة الشبهات وتأليف الإلزامات حتى لقب طوائف منهم أنفسهم بأهل العدل والتوحيد وسمى المتكلمون العلماء بالتوحيد مع أن جميع ما هو خاصة هذه الصناعة لم يكن يعرف منها شيء في العصر الأول بل كان يشتد منهم النكير على من كان يفتح بابا من الجدل والمماراة فأما ما يشتمل عليه القرآن من الأدلة الظاهرة التي تسبق الأذهان إلى قبولها في أول السماع فلقد كان ذلك معلوما للكل وكان العلم بالقرآن هو العلم كله وكان التوحيد عندهم عبارة عن أمر آخر لا يفهمه أكثر المتكلمين وإن فهموه لم يتصفوا به وهو أن يرى الأمور كلها من الله عز وجل رؤية تقطع التفاته عن الأسباب والوسائط فلا يرى الخير والشر كله إلا منه جل جلاله فهذا مقام شريف إحدى ثمراته التوكل كما سيأتي بيانه في كتاب التوكل ومن ثمراته أيضا ترك شكاية الخلق وترك الغضب عليهم والرضا والتسليم لحكم الله تعالى وكانت إحدى ثمراته قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه لما قيل له في مرضه أنطلب لك طبيبا فقال الطبيب أمرضني وقول آخر لما مرض فقيل له ماذا قال لك الطبيب في مرضك فقال قال لي إني فعال لما أريد وسيأتي في كتاب التوكل وكتاب التوحيد شواهد ذلك والتوحيد جو هو نفيس وله قشران أحدهما أبعد عن اللب من الآخر فخصص الناس الاسم بالقشر وبصنعة الحراسة للقشر وأهملوا اللب بالكلية فالقشر الأول هو أن تقول بلسانك لا إله إلا الله وهذا يسمى توحيدا مناقضا للتثليث الذي صرح به النصارى ولكنه قد يصدر من المنافق الذي يخالف سره جهره والقشر الثاني أن لا يكون في القلب مخالفة وإنكار لمفهوم هذا القول بل يشتمل ظاهر القلب على اعتقاده وكذلك التصديق به وهو توحيد عوام الخلق والمتكلمون كما سبق حراس هذا القشر عن تشويش المبتدعة والثالث وهو اللباب أن يرى الأمور كلها من الله تعالى رؤية تقطع التفاته عن الوسائط وأن يعبده عبادة يفرده بها فلا يعبد غيره ويخرج عن هذا التوحيد أتباع الهوى فكل متبع هواه فقد اتخذ هواه معبوده قال الله تعالى أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وقال صلى الله عليه وسلم أبغض إله عبد في الأرض عند الله تعالى هو الهوى حديث أبغض إله عبد في الأرض عند الله هو الهوى أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة بإسناد ضعيف وعلى التحقيق من تأمل عرف أن عابد الصنم ليس يعبد الصنم وإنما يعبد هواه إذ نفسه مائلة إلى دين آبائه فيتبع ذلك الميل وميل النفس إلى المألوفات أحد المعاني التي يعبر عنها بالهوى ويخرج من هذا التوحيد التسخط على الخلق والالتفات إليهم فإن من يرى الكل من الله عز وجل كيف يتسخط على غيره فلقد كان التوحيد عبارة عن هذا المقام وهو مقام الصديقين فانظر إلى ماذا حول وبأي قشر قنع منه وكيف اتخذوا هذا معتصما في التمدح والتفاخر بما اسمه محمود مع الإفلاس عن المعنى الذي يستحق الحمد الحقيقي وذلك كإفلاس من يصبح بكرة ويتوجه إلى القبلة ويقول وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وهو أول كذب يفاتح الله به كل يوم إن لم يكن وجه قلبه متوجها إلى الله تعالى على الخصوص فإنه إن أراد بالوجه وجه الظاهر فما وجهه إلا إلى الكعبة وما صرفه إلا عن سائر الجهات والكعبة ليست جهة للذي فطر السموات والأرض حتى يكون المتوجه إليها متوجها إليه تعالى عن أن تحده الجهات والأقطار وإن أراد به وجه القلب وهو المطلوب المتعبد به فكيف يصدق في قوله وقلبه متردد في أوطاره وحاجاته الدنيوية ومتصرف في طلب الحيل في جمع الأموال والجاه واستكثار الأسباب ومتوجه بالكلية إليها فمتى وجه وجهه للذي فطر السموات والأرض وهذه الكلمة خبر عن حقيقة التوحيد فالموحد هو الذي لا يرى إلا الواحد ولا يوجه وجهه إلا إليه وهو امتثال قوله تعالى قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وليس المراد به القول باللسان فإنما اللسان ترجمان يصدق مرة ويكذب أخرى وإنما موقع نظر الله تعالى المترجم عنه هو القلب وهو معدن التوحيد ومنبعه اللفظ الرابع الذكر والتذكير فقد قال الله تعالى وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وقد ورد في الثناء على مجالس الذكر أخبار كثيرة كقوله صلى الله عليه وسلم إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قيل وما رياض الجنة قال مجالس الذكر حديث إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا الحديث أخرجه الترمذي من حديث أنس وحسنه وفي الحديث إن لله تعالى ملائكة سياحين في الدنيا سوى ملائكة الخلق إذا رأوا مجالس الذكر ينادي بعضهم بعضا ألا هلموا إلى بغيتكم فيأتونهم ويحفون بهم ويستمعون ألا فاذكروا الله وذكروا أنفسكم حديث إن لله ملائكة سياحين في الهواء سوى ملائكة الخلق الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة دون قوله في الهواء والترمذي سياحين في الأرض وقال مسلم سيارة فنقل ذلك إلى ما ترى أكثر الوعاظ في هذا الزمان يواظبون عليه وهو القصص والأشعار والشطح والطامات أما القصص فهي بدعة وقد ورد نهي السلف عن الجلوس إلى القصاص وقالوا لم يكن ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث لم تكن القصص في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه ابن ماجه من حديث عمر بإسناد حسن ولا في زمن أبي بكر ولا عمر رضي الله عنهما حتى ظهرت الفتنة وظهر القصاص وروى أن ابن عمر رضي الله عنهما خرج من المسجد فقال ما أخرجني إلا القاص ولولاه لما خرجت وقال ضمرة قلت لسفيان الثوري نستقبل القاص بوجوهنا فقال ولوا البدع ظهوركم وقال ابن عون دخلت على ابن سيرين فقال ما كان اليوم من خبر فقلت نهى الأمير القصاص أن يقصوا فقال وفق للصواب ودخل الأعمش جامع البصرة فرأى قاصا يقص ويقول حدثنا الأعمش فتوسط الحلقة وجعل ينتف شعر إبطه فقال القاص يا شيخ ألا تستحي فقال لم أنا في سنة وأنت في كذب أنا الأعمش وما حدثتك وقال أحمد أكثر الناس كذبا القصاص والسؤال وأخرج علي رضي الله عنه القصاص من مسجد جامع البصرة فلما سمع كلام الحسن البصري لم يخرجه إذا كان يتكلم في علم الآخرة والتفكير بالموت والتنبيه على عيوب النفس وآفات الأعمال وخواطر الشيطان ووجه الحذر منها ويذكر بآلاء الله ونعمائه وتقصير العبد في شكره ويعرف حقارة الدنيا وعيوبها وتصرمها ونكث عهدها وخطر الآخرة وأهوالها فهذا هو التذكير المحمود شرعا الذي روى الحث عليه في حديث أبي ذر رضي الله عنه حيث قال حضور مجلس ذكر أفضل من صلاة ألف ركعة وحضور مجلس علم أفضل من عيادة ألف مريض وحضور مجلس علم أفضل من شهود ألف جنازة فقيل يا رسول الله ومن قراءة القرآن قال وهل تنفع قراءة القرآن إلا بالعلم حديث أبي ذر حضور مجلس علم أفضل من صلاة ألف ركعة تقدم في الباب الأول وقال عطاء رحمه الله مجلس ذكر يكفر سبعين مجلسا من مجالس اللهو فقد اتخذ المزخرفون هذه الأحاديث حجة على تزكية أنفسهم ونقلوا اسم التذكير إلى خرافاتهم وذهلوا عن طريق الذكر المحمود واشتغلوا بالقصص التي تتطرق إليها الاختلافات والزيادة والنقص وتخرج عن القصص الواردة في القرآن وتزيد عليها فإن من القصص ما ينفع سماعه ومنها ما يضر وإن كان صدقا ومن فتح ذلك الباب على نفسه اختلط عليه الصدق بالكذب والنافع بالضار فمن هذا نهى عنه ولذلك قال أحمد بن حنبل رحمه الله ما أحوج الناس إلى قاص صادق فإن كانت القصة من قصص الأنبياء عليهم السلام فيما يتعلق بأمور دينهم وكان القاص صادقا صحيح الرواية فلست أرى بها بأسا فليحذر الكذب وحكايات أحوال تومىء إلى هفوات أو مساهلات يقصر فهم العوام عن درك معانيها أو عن كونها هفوة نادرة مردفة بتفكيرات متداركة بحسنات تغطى عليها فإن العامي يعتصم بذلك في مساهلاته وهفواته ويمهد لنفسه عذرا فيه ويحتج بأنه حكى كيت وكيت عن بعض المشايخ وبعض الأكابر فكلنا بصدد المعاصي فلا غرو إن عصيت الله تعالى فقد عصاه من هو أكبر مني ويفيده ذلك جراءة على الله تعالى من حيث لا يدرى فبعد الاحتراز عن هذين المحذورين فلا بأس به وعند ذلك يرجع إلى القصص المحمودة وإلى ما يشتمل عليه القرآن ويصح في الكتب الصحيحة من الأخبار ومن الناس من يستجيز وضع الحكايات المرغبة في الطاعات ويزعم أن قصده فيها دعوة الخلق إلى الحق فهذه من نزعات الشيطان فإن في الصدق مندوحة عن الكذب وفيما ذكر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم غنية عن الاختراع في الوعظ كيف وقد كره تكلف السجع وعد ذلك من التصنع قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لابنه عمر وقد سمعه يسجع هذا الذي يبغضك إلي لا قضيت حاجتك أبدا حتى تتوب وقد كان جاءه في حاجة وقد قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن رواحة في سجع من ثلاث كلمات إياك والسجع يا ابن رواحة حديث إياك والسجع يا ابن رواحة لم أجده هكذا ولأحمد وأبي علي وابن السني وأبي نعيم في كتاب الرياضة من حديث عائشة بإسناد صحيح أنها قالت للسائب إياك والسجع فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا لا يسجعون ولابن حبان واجتنب السجع وفي البخاري نحوه من قول ابن عباس فكأن السجع المحذور المتكلف ما زاد على كلمتين ولذلك لما قال الرجل في دية الجنين كيف ندي من لا شرب ولا أكل ولا صاح ولا استهل ومثل ذلك يطل فقال النبي صلى الله عليه وسلم أسجع كسجع الأعراب حديث أسجع كسجع الأعراب أخرجه مسلم من حديث المغيرة وأما الأشعار فتكثيرها في المواعظ مذموم قال الله تعالى والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وقال تعالى وما علمناه الشعر وما ينبغي له وأكثر ما اعتاده الوعاظ من الأشعار ما يتعلق بالتواصف في العشق وجمال المعشوق وروح الوصال وألم الفراق والمجلس لا يحوى إلا أجلاف العوام وبواطنهم مشحونة بالشهوات وقلوبهم غير منفكة عن الالتفات إلى الصور المليحة فلا تحرك الأشعار من قلوبهم إلا ما هو مستكن فيها فتشتعل فيها نيران الشهوات فيزعقون ويتواجدون وأكثر ذلك أو كله يرجع إلى نوع فساد فلا ينبغي أن يستعمل من الشعر إلا ما فيه موعظة أو حكمة على سبيل استشهاد واستئناس وقد قال صلى الله عليه وسلم إن من الشعر لحكمة حديث إن من الشعر لحكمة أخرجه البخاري من حديث أبيبن كعب ولو حوى المجلس الخواص الذين وقع الاطلاع على استغراق قلوبهم بحب الله تعالى ولم يكن معهم غيرهم فإن أولئك لا يضر معهم الشعر الذي يشير ظاهره إلى الخلق فإن المستمع ينزل كل ما يسمعه على ما يستولي على قلبه كما سيأتي تحقيق ذلك في كتاب السماع ولذلك كان الجنيد رحمه الله يتكلم على بضعة عشر رجلا فإن كثروا لم يتكلم وما تم أهل مجلسه قط عشرين وحضر جماعة باب دار ابن سالم فقيل له تكلم فقد حضر أصحابك فقال لا ما هؤلاء أصحابي إنما هم أصحاب المجلس إن أصحابي هم الخواص وأما الشطح فنعني به صنفين من الكلام أحدثه بعض الصوفية أحدهما الدعاوى الطويلة العريضة في العشق مع الله تعالى والوصال المغني عن الأعمال الظاهرة حتى ينتهي قوم إلى دعوى الاتحاد وارتفاع الحجاب والمشاهدة بالرؤية والمشافهة بالخطاب فيقولون قيل لنا كذا وقلنا كذا ويتشبهون فيه بالحسين بن منصور الحلاج الذي صلب لأجل إطلاقه كلمات من هذا الجنس ويستشهدون بقوله أنا الحق وبما حكى عن أبي يزيد البسطامي أنه قال سبحاني سبحاني وهذا فن من الكلام عظيم ضرره في العوام حتى ترك جماعة من أهل الفلاحة فلاحتهم وأظهروا مثل هذه الدعاوى فإن هذا الكلام يستلذه الطبع إذ فيه البطالة من الأعمال مع تزكية النفس بدرك المقامات والأحوال فلا تعجز الأغبياء عن دعوى ذلك لأنفسهم ولا عن تلقف كلمات مخبطة مزخرفة ومهما أنكر عليهم ذلك لم يعجزوا عن أن يقولوا هذا إنكار مصدره العلم والجدال والعلم حجاب والجدل عمل النفس وهذا الحديث لا يلوح إلا من الباطن بمكاشفة نور الحق فهذا ومثله مما قد استطار في البلاد شرره وعظم في العوام ضرره حتى من نطق بشيء منه فقتله أفضل في دين الله من إحياء عشرة

    وأما أبو يزيد البسطامي رحمه الله فلا يصح عنه ما يحكى وإن سمع ذلك منه فلعله كان يحكيه عن الله عز وجل في كلام يردده في نفسه كما لو سمع وهو يقول إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني فإنه ما كان ينبغي أن يفهم منه ذلك إلا على سبيل الحكاية الصنف الثاني من الشطح كلمات غير مفهومة لها ظواهر رائقة وفيها عبارات هائلة وليس وراءها طائل إما أن تكون غير مفهومة عند قائلها بل يصدرها عن خبط في عقله وتشويش في خياله لقلة إحاطته بمعنى كلام قرع سمعه وهذا هو الأكثر وإما أن تكون مفهومة له ولكنه لا يقدر على تفهيمها وإيرادها بعبارة تدل على ضميره لقلة ممارسته للعلم وعدم تعلمه طريق التعبير عن المعاني بالألفاظ الرشيقة ولا فائدة لهذا الجنس من الكلام إلا أنه يشوش القلوب ويدهش العقول ويحير الأذهان أو يحمل على أن يفهم منها معاني ما أريدت بها ويكون فهم كل واحد على مقتضى هواه وطبعه وقد قال صلى الله عليه وسلم ما حدث أحدكم قوما بحديث لا يفقهونه إلا كان فتنة عليهم حديث ما حدث أحدكم قوما بحديث لا يفهمونه إلا كان فتنة عليهم رواه العقيلي في الضعفاء وابن السني وأبو نعيم في الرياء من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف ولمسلم في مقدمة صحيحه موقوفا على ابن مسعود وقال صلى الله عليه وسلم كلموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتريدون أن يكذب الله ورسوله حديث كلموا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون الحديث رواه البخاري موقوفا على علي ورفعه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من طريق أبي نعيم وهذا فيما يفهمه صاحبه ولا يبلغه عقل المستمع فكيف فيما لا يفهمه قائله فإن كان يفهمه القائل دون المستمع فلا يحل ذكره وقال عيسى عليه السلام لا تضعوا الحكمة عند غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم كونوا كالطبيب الرفيق يضع الدواء في موضع الداء وفي لفظ آخر من وضع الحكمة في غير أهلها فقد جهل ومن منعها أهلها فقد ظلم إن للحكمة حقا وإن لها أهلا فأعط كل ذي حق حقه وأما الطامات فيدخلها ما ذكرناه في الشطح وأمر آخر يخصها وهو صرف ألفاظ الشرع عن ظواهرها المفهومة إلى أمور باطنة لا يسبق منها إلى الأفهام فائدة كدأب الباطنية في التأويلات فهذا أيضا حرام وضرره عظيم فإن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل العقل اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ وسقط به منفعة كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فإن ما يسبق منه إلى الفهم لا يوثق به والباطن لا ضبط له بل تتعارض فيه الخواطر ويمكن تنزيله على وجوه شتى وهذا أيضا من البدع الشائعة العظيمة الضرر وإنما قصد أصحابها الإغراب لأن النفوس مائلة إلى الغريب ومستلذة له وبهذا الطريق توصل الباطنية إلى هدم جميع الشريعة بتأويل ظواهرها وتنزيلها على رأيهم كما حكيناه من مذاهبهم في كتاب المستظهر المصنف في الرد على الباطنية ومثال تأويل أهل الطامات قول بعضهم في تأويل قوله تعالى اذهب إلى فرعون إنه طغى أنه إشارة إلى قلبه وقال هو المراد بفرعون وهو الطاغي على كل إنسان وفي قوله تعالى وأن ألق عصاك أي ما يتوكأ عليه ويعتمده مما سوى الله عز وجل فينبغي أن يلقيه وفي قوله صلى الله عليه وسلم تسحروا فإن في السحور بركة حديث تسحروا فإن في السحور بركة متفق عليه من حديث أنس أراد به الاستغفار في الأسحار وأمثال ذلك حتى يحرفون القرآن من أوله إلى آخره عن ظاهره وعن تفسيره المنقول عن ابن عباس وسائر العلماء وبعض هذه التأويلات يعلم بطلانها قطعا كتنزيل فرعون على القلب فإن فرعون شخص محسوس تواتر إلينا النقل بوجوده ودعوة موسى له وكأبي جهل وأبي لهب وغيرهما من الكفار وليس من جنس الشياطين والملائكة مما لم يدرك بالحس حتى يتطرق التأويل إلى ألفاظه وكذا حمل السحور على الاستغفار فإنه كان صلى الله عليه وسلم يتناول الطعام ويقول تسحرو حديث تناول الطعام في السحور رواه البخاري من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم وزيد بن ثابت تسحرا و هلموا إلى الغذاء المبارك حديث هلموا إلى الغذاء المبارك رواه أبو داود والنسائي وابن حبان من حديث العرباض بن سارية وضعفه ابن القطان فهذه أمور يدرك بالتواتر والحس بطلانها نقلا وبعضها يعلم بغالب الظن وذلك في أمور لا يتعلق بها الإحساس فكل ذلك حرام وضلالة وإفساد للدين على الخلق ولم ينقل شيء من ذلك عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن الحسن البصري مع إكبابه على دعوة الخلق ووعظهم فلا يظهر لقوله صلى الله عليه وسلم من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار حديث من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار أخرجه الترمذي من حديث ابن عباس وحسنه وهو عند أبي داود من رواية ابن العبد وعند النسائي في الكبرى معنى إلا هذا النمط وهو أن يكون غرضه ورأيه تقرير أمر وتحقيقه فيستجر شهادة القرآن إليه ويحمله عليه من غير أن يشهد لتنزيله عليه دلالة لفظية لغوية أو نقلية ولا ينبغي أن يفهم منه أنه يجب أن لا يفسر القرآن بالاستنباط والفكر فإن من الآيات ما نقل فيها عن الصحابة والمفسرين خمسة معان وستة وسبعة ونعلم أن جميعها غير مسموع من النبي صلى الله عليه وسلم فإنها قد تكون متنافية لا تقبل الجمع فيكون ذلك مستنبطا بحسن الفهم وطول الفكر ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنه اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل حديث اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل قاله لابن عباس رواه البخاري من حديث ابن عباس دون قوله وعلمه التأويل وهو بهذه الزيادة عند أحمد وابن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد ومن يستجيز من أهل الطامات مثل هذه التأويلات مع علمه بأنها غير مرادة بالألفاظ ويزعم أنه يقصد بها دعوة الخلق إلى الخالق يضاهي من يستجيز الاختراع والوضع على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هو في نفسه حق ولكن لم ينطق به الشرع كمن يضع في كل مسألة يراها حقا حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فذلك ظلم وضلال ودخول في الوعيد المفهوم من قوله صلى الله عليه وسلم من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار حديث من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار متفق عليه من حديث أبي هريرة وعلي وأنس بل الشر في تأويل هذه الألفاظ أطم وأعظم لأنها مبدلة للثقة بالألفاظ وقاطعة طريق الاستفادة والفهم من القرآن بالكلية فقد عرفت كيف صرف الشيطان دواعي الخلق عن العلوم المحمودة إلى المذمومة فكل ذلك من تلبيس علماء السوء بتبديل الأسامي فإن اتبعت هؤلاء اعتمادا على الاسم المشهور من غير التفات إلى ما عرف في العصر الأول كنت كمن طلب الشرف بالحكمة باتباع من يسمى حكيما فإن اسم الحكيم صار يطلق على الطبيب والشاعر والمنجم في هذا العصر وذلك بالغفلة عن تبديل الألفاظ اللفظ الخامس وهو الحكمة فإن اسم الحكيم صار يطلق على الطبيب والشاعر والمنجم حتى على الذي يدحرج القرعة على أكف السوادية في شوارع الطرق والحكمة هي التي أثنى الله عز وجل عليها فقال تعالى يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وقال صلى الله عليه وسلم كلمة من الحكمة يتعلمها الرجل خير له من الدنيا وما فيها حديث كلمة من الحكمة يتعلمها الرجل خير له من الدنيا تقدم بنحوه فانظر ما الذي كانت الحكمة عبارة عنه وإلى ماذا نقل وقس به بقية الألفاظ واحترز عن الاغترار بتلبيسات علماء السوء فإن شرهم على الدين أعظم من شر الشياطين إذ الشيطان بواسطتهم يتدرج إلى انتزاع الدين من قلوب الخلق ولهذا لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شر الخلق أبى وقال اللهم اغفر حتى كرروا عليه فقال هم علماء السوء حديث لما سئل عن شر الخلق أبي وقال اللهم اغفر الحديث رواه الدارمي بنحوه من رواية الأحوص بن حكيم عن أبيه مرسلا وهو ضعيف ورواه البزار في مسنده من حديث معاذ بسند ضعيف فقد عرفت العلم المحمود والمذموم ومثار الالتباس وإليك الخيرة في أن تنظر لنفسك فتقتدي بالسلف أو تتدلى بحبل الغرور وتتشبه بالخلف فكل ما ارتضاه السلف من العلوم قد اندرس وما أكب الناس عليه فأكثره مبتدع ومحدث وقد صح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء فقيل ومن الغرباء قال الذين يصلحون ما أفسده الناس من سنتي والذين يحيون ما أماتوه من سنتي حديث بدأ الإسلام غريبا الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة مختصرا وهو بتمامه عند الترمذي من حديث عمرو بن عوف وحسنه وفي آخر هم المتمسكون بما أنتم عليه اليوم حديث هم المتمسكون بما أنتم عليه اليوم يقوله في وصف الغرباء لم أر له أصلا وفي حديث آخر الغرباء ناس قليل صالحون بين ناس كثير ومن يبغضهم في الخلق أكثر ممن يحبهم حديث الغرباء ناس قليلون صالحون أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو وقد صارت تلك العلوم غريبة بحيث يمقت ذاكرها ولذلك قال الثوري رحمه الله إذا رأيت العالم كثير الأصدقاء فاعلم أنه مخلط لأنه إن نطق بالحق أبغضوه


    _________________

    *******************************************
    بيان العلم الذي هو فرض عين 476007128551819654
    avatar
    د.سامي الشريف
    المشرف العام
    المشرف العام


    الجنس : ذكر
    الابراج : الجدي
    عدد المساهمات : 469
    نقاط : 14908
    السٌّمعَة : 1214
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 58
    أوسمه : بيان العلم الذي هو فرض عين Ououo_26

    بيان العلم الذي هو فرض عين Empty رد: بيان العلم الذي هو فرض عين

    مُساهمة من طرف د.سامي الشريف الجمعة 27 أبريل 2012 - 13:57

    بيان القدر المحمود من العلوم المحمودة


    اعلم أن العلم بهذا الاعتبار ثلاثة أقسام قسم هو مذموم قليله وكثيره وقسم هو محمود قليله وكثيرة وكلما كان أكثر كان أحسن وأفضل وقسم يحمد منه مقدار الكفاية ولا يحمد الفاضل عليه والاستقصاء فيه وهو مثل أحوال البدن فإن منها ما يحمد قليله وكثيره كالصحة والجمال ومنها ما يذم قليله وكثيره كالقبح وسوء الخلق ومنها ما يحمد الاقتصاد فيه كبذل المال فإن التبذير لا يحمد فيه وهو بذل وكالشجاعة فإن التهور لا يحمد فيها وإن كان من جنس الشجاعة فكذلك العلم فالقسم المذموم منه قليله وكثيره هو ما لا فائدة فيه في دين ولا دنيا إذ فيه ضرر يغلب نفعه كعلم السحر والطلسمات والنجوم فبعضه لا فائدة فيه أصلا وصرف العمر الذي هو أنفس ما يملكه الإنسان إليه إضاعة وإضاعة النفيس مذمومة ومنه ما فيه ضرر يزيد على ما يظن أنه يحصل به من قضاء وطر في الدنيا فإن ذلك لا يعتد به بالإضافة إلى الضرر الحاصل عنه وأما القسم المحمود إلى أقصى غايات الاستقصاء فهو العلم بالله تعالى وبصفاته وأفعاله وسنته في خلقه وحكمته في ترتيب الآخرة على الدنيا فإن هذا علم مطلوب لذاته وللتوصل به إلى سعادة الآخرة وبذل المقدور فيه إلى أقصى الجهد قصور عن حد الواجب فإنه البحر الذي لا يدرك غوره وإنما يحوم الحائمون على سواحله وأطرافه بقدر ما يسر لهم وما خاض أطرافه إلا الأنبياء والأولياء والراسخون في العلم على اختلاف درجاتهم بحسب اختلاف قوتهم وتفاوت تقدير الله تعالى في حقهم وهذا هو العلم المكنون الذي لا يسطر في الكتب ويعين على التنبه له التعلم ومشاهدة أحوال علماء الآخرة كما سيأتي علامتهم هذا في أول الأمر ويعين عليه في الآخرة المجاهدة والرياضة وتصفية القلب وتفريغه عن علائق الدنيا والتشبه فيها بالأنبياء والأولياء ليتضح منه لكل ساع إلى طلبه بقدر الرزق لا بقدر الجهد ولكن لا غنى فيه عن الاجتهاد فالمجاهدة مفتاح الهداية لا مفتاح لها سواها وأما العلوم التي لا يحمد منها إلا مقدار مخصوص فهي العلوم التي أوردناها في فروض الكفايات فإن في كل علم منها اقتصارا وهو الأقل واقتصادا وهو الوسط واستقصاء وراء ذلك الاقتصاد لا مرد له إلى آخر العمر فكن أحد رجلين إما مشغولا بنفسك وإما متفرغا لغيرك بعد الفراغ من نفسك وإياك أن تشتغل بما يصلح غيرك قبل إصلاح نفسك فإن كنت المشغول بنفسك فلا تشتغل إلا بالعلم الذي هو فرض عليك بحسب ما يقتضيه حالك وما يتعلق منه بالأعمال الظاهرة من تعلم الصلاة والطهارة والصوم وإنما الأهم الذي أهمله الكل علم صفات القلب وما يحمد منها وما يذم إذ لا ينفك بشر عن الصفات المذمومة مثل الحرص والحسد والرياء والكبر والعجب وأخواتها وجميع ذلك مهلكات وإهمالها من الواجبات مع أن الاشتغال بالأعمال الظاهرة يضاهي الاشتغال بطلاء ظاهر البدن عند التأذي بالجرب والدماميل والتهاون بإخراج المادة بالفصد والإسهال وحشوية العلماء يشيرون بالأعمال الظاهرة كما يشير الطرقية من الأطباء بطلاء ظاهر البدن وعلماء الآخرة لا يشيرون إلا بتطهير الباطن وقطع مواد الشر بإفساد منابتها وقلع مغارسها من القلب وإنما فزع الأكثرون إلى الأعمال الظاهرة عن تطهير القلوب لسهولة أعمال الجوارح واستصعاب أعمال القلوب كما يفزع إلى طلاء الظاهر من يستصعب شرب الأدوية المرة فلا يزال يتعب في الطلاء ويزيد في المواد وتتضاعف به الأمراض فإن كنت مريدا للآخرة وطالبا للنجاة وهاربا من الهلاك الأبدي فاشتغل بعلم العلل الباطنة وعلاجها على ما فصلناه في ربع المهلكات ثم ينجر بك ذلك إلى المقامات المحمودة المذكورة في ربع المنجيات لا محالة فإن القلب إذا فرغ من المذموم امتلأ بالمحمود والأرض إذا نقيت من الحشيش نبت فيها أصناف الزرع والرياحين وإن لم تفرغ من ذلك لم تنبت ذاك فلا تشتغل بفروض الكفاية لا سيما وفي زمرة الخلق من قد قام بها فإن مهلك نفسه فيما به صلاح غيره سفيه فما أشد حماقة من دخلت الأفاعي والعقارب تحت ثيابه وهمت بقتله وهو يطلب مذبة يدفع بها الذباب عن غيره ممن لا يغنيه ولا ينجيه مما يلاقيه من تلك الحيات والعقارب إذا همت به وإن تفرغت من نفسك وتطهيرها وقدرت على ترك ظاهر الإثم وباطنه وصار ذلك ديدنا لك وعادة متيسرة فيك وما أبعد ذلك منك فاشتغل بفروض الكفايات وراع التدريج فيها فابتدىء بكتاب الله تعالى ثم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعلم التفسير وسائر علوم القرآن من علم الناسخ والمنسوخ والمفصول والموصول والمحكم والمتشابه وكذلك في السنة ثم اشتغل بالفروع وهو علم المذهب من علم الفقه دون الخلاف ثم بأصول الفقه وهكذا إلى بقية العلوم على ما يتسع له العمر ويساعد فيه الوقت ولا تستغرق عمرك في فن واحد منها طلبا للاستقصاء فإن العلم كثير والعمر قصير وهذه العلوم آلات ومقدمات وليست مطلوبة لعينها بل لغيرها وكل ما يطلب لغيره فلا ينبغي أن ينسى فيه المطلوب ويستكثر منه فاقتصر من شائع علم اللغة على ما تفهم منه كلام العرب وتنطق به ومن غريبه على غريب القرآن وغريب الحديث ودع التعمق فيه واقتصر من النحو على ما يتعلق بالكتاب والسنة فما من علم إلا وله اقتصار واقتصاد واستقصاء ونحن نشير إليها في الحديث والتفسير والفقه والكلام لتقيس بها غيرها فالاقتصار في التفسير ما يبلغ ضعف القرآن في المقدار كما صنفه على الواحدي النيسابوري وهو الوجيز والاقتصاد ما يبلغ ثلاثة أضعاف القرآن كما صنفه من الوسيط فيه وما وراء ذلك استقصاء مستغنى عنه فلا مرد له إلى انتهاء العمر وأما الحديث فالاقتصار فيه تحصيل ما في الصحيحين بتصحيح نسخة على رجل خبير بعلم متن الحديث واما حفظ أسامي الرجال فقد كفيت فيه بما تحمله عنك من قبلك ولك أن تعول على كتبهم وليس يلزمك حفظ متون الصحيحين ولكن تحصله تحصيلا تقدر منه على طلب ما تحتاج إليه عند الحاجة وأما الاقتصاد فيه فأن تضيف إليهما ما خرج عنهما مما ورد في المسندات الصحيحة وأما الاستقصاء فما وراء ذلك إلى استيعاب كل ما نقل من الضعيف والقوي والصحيح والسقيم مع معرفة الطرق الكثيرة في النقل ومعرفة أحوال الرجال وأسمائهم وأوصافهم وأما الفقه فالاقتصار فيه على ما يحويه مختصر المزني رحمه الله وهو الذي رتبناه في خلاصة المختصر والاقتصاد فيه ما يبلغ ثلاثة أمثاله وهو القدر الذي أوردناه في الوسيط من المذهب والاستقصاء ما أوردناه في البسيط إلى ما وراء ذلك من المطولات وأما الكلام فمقصوده حماية المعتقدات التي نقلها أهل السنة من السلف الصالح لا غير وما وراء ذلك طلب لكشف حقائق الأمور من غير طريقتها ومقصود حفظ السنة تحصيل رتبة الاقتصار منه بمعتقد مختصر وهو القدر الذي أوردناه في كتاب قواعد العقائد من جملة هذا الكتاب والاقتصاد فيه ما يبلغ قدر مائة ورقة وهو الذي أوردناه في كتاب الاقتصاد في الاعتقاد ويحتاج إليه لمناظرة مبتدع ومعارضة بدعته بما يفسدها وينزعها عن قلب العامي وذلك لا ينفع إلا مع العوام قبل اشتداد تعصبهم وأما المبتدع بعد أن يعلم من الجدل ولو شيئا يسيرا فقلما ينفع معه الكلام فإنك إن أفحمته لم يترك مذهبه وأحال بالقصور على نفسه وقدر أن عند غيره جوابا ما وهو عاجز عنه وإنما أنت ملبس عليه بقوة المجادلة وأما العامي إذا صرف عن الحق بنوع جدل يمكن أن يرد إليه بمثله قبل أن يشتد التعصب للأهواء فإذا اشتد تعصبهم وقع اليأس منهم إذ التعصب سبب يرسخ العقائد في النفوس وهو من آفات علماء السوء فإنهم يبالغون في التعصب للحق وينظرون إلى المخالفين بعين الازدراء والاستحقار فتنبعث منهم الدعوى بالمكافأة والمقابلة والمعاملة وتتوفر بواعثهم على طلب نصرة الباطل ويقوى غرضهم في التمسك بما نسبوا إليه ولو جاءوا من جانب اللطف والرحمة والنصح في الخلوة لا في معرض التعصب والتحقير لا نجحوا فيه ولكن لما كان الجاه لا يقوم إلا بالاستتباع ولا يستميل الأتباع مثل التعصب واللعن والشتم للخصوم اتخذوا التعصب عادتهم وآلتهم وسموه ذبا عن الدين ونضالا عن المسلمين وفيه على التحقيق هلاك الخلق ورسوخ البدعة في النفوس وأما الخلافيات التي أحدثت في هذه الأعصار المتأخرة وأبدع فيها من التحريرات والتصنيفات والمجادلات ما لم يعهد مثلها في السلف فإياك وأن تحوم حولها واجتنبها اجتناب السم القاتل فإنها الداء العضال وهو الذي رد الفقهاء كلهم إلى طلب المنافسة والمباهاة على ما سيأتيك تفصيل غوائلها وآفاتها وهذا الكلام ربما يسمع من قائله فيقال الناس أعداء ما جهلوا فلا تظن ذلك فعلى الخبير سقطت فاقبل هذه النصيحة ممن ضيع العمر فيه زمانا وزاد فيه على الأولين تصنيفا وتحقيقا وجدلا وبيانا ثم ألهمه الله رشده وأطلعه على عيبه فهجره واشتغل بنفسه فلا يغرنك قول من يقول الفتوى عماد الشرع ولا يعرف علله إلا بعلم الخلاف فإن علل المذهب مذكورة في المذهب والزيادة عليها مجادلات لم يعرفها الأولون ولا الصحابة وكانوا أعلم بعلل الفتاوى من غيرهم بل هي مع أنها غير مفيدة في علم المذهب ضارة مفسدة لذوق الفقه فإن الذي يشهد له حدس المفتي إذا صح ذوقه في الفقه لا يمكن تمشيته على شروط الجدل في أكثر الأمر فمن ألف طبعه رسوم الجدل أذعن ذهنه لمقتضيات الجدل وجبن عن الإذعان لذوق الفقه وإنما يشتغل به من يشتغل لطلب الصيت والجاه ويتعلل بأنه يطلب علل المذهب وقد ينقضي عليه العمر ولا تنصرف همته إلى علم المذهب فكن من شياطين الجن في أمان واحترز من شياطين الإنس فإنهم أراحوا شياطين الجن من التعب في الإغواء والإضلال وبالجملة فالمرضى عند العقلاء أن تقدر نفسك في العالم وحدك مع الله وبين يديك الموت والعرض والحساب والجنة والنار وتأمل فيما يعنيك مما بين يديك ودع عنك ما سواه والسلام وقد رأى بعض الشيوخ بعض العلماء في المنام فقال له ما خبر تلك العلوم التي كنت تجادل فيها وتناظر عليها فبسط يده ونفخ فيها وقال طاحت كلها هباء منثورا وما انتفعت إلا بركعتين خلصتا لي في جوف الليل وفي الحديث ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل حديث ما ضل قوم بعد هدي كانوا عليه إلا أوتوا الجدل رواه الترمذي وابن ماجه من حديث أبي أمامة قال الترمذي حسن صحيح ثم قرأ ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون وفي الحديث في معنى قوله تعالى فأما الذين في قلوبهم زيغ الآية هم أهل الجدل الذين عناهم الله بقوله تعالى فاحذرهم حديث هم أهل الجدل الذين عنى الله بقوله فاحذرهم متفق عليه من حديث عائشة وقال بعض السلف يكون في آخر الزمان قوم يغلق عليهم باب العمل ويفتح لهم باب الجدل وفي بعض الأخبار إنكم في زمان ألهمتم فيه العمل وسيأتي قوم يلهمون الجدل حديث إنكم في زمان ألهمتم فيه العمل وسيأتي قوم يلهمون الجدل لم أجده وفي الخبر المشهور أبغض الخلق إلى الله تعالى الألد الخصم حديث أبغض الخلق إلى الله الألد الخصم متفق عليه من حديث عائشة وفي الخبر ما أتى قوم المنطق إلا منعوا العمل حديث ما أوتي قوم المنطق إلا منعوا العمل لم أجد له أصلا والله أعلم الباب الرابع في سبب إقبال الخلق على علم الخلاف وتفصيل آفات المناظرة والجدل وشروط إباحتها اعلم أن الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تولاها الخلفاء الراشدون المهديون وكانوا أئمة علماء بالله تعالى فقهاء في أحكامه وكانوا مستقلين بالفتاوى في الأقضية فكانوا لا يستعينون بالفقهاء إلا نادرا في وقائع لا يستغنى فيها عن المشاورة فتفرغ العلماء لعلم الآخرة وتجردوا لها وكانوا يتدافعون الفتاوى وما يتعلق بأحكام الخلق من الدنيا وأقبلوا على الله تعالى بكنه اجتهادهم كما نقل من سيرهم فلما أفضت الخلافة بعدهم إلى أقوام تولوها بغير استحقاق ولا استقلال بعلم الفتاوى والأحكام اضطروا إلى الاستعانة بالفقهاء وإلى استصحابهم في جميع أحوالهم لاستفتائهم في مجاري أحكامهم وكان قد بقي من علماء التابعين من هو مستمر على الطراز الأول وملازم صفو الدين ومواظب على سمت علماء السلف فكانوا إذا طلبوا هربوا وأعرضوا فاضطر الخلفاء إلى الإلحاح في طلبهم لتولية القضاء والحكومات فرأى أهل تلك الأعصار عز العلماء وإقبال الأئمة والولاة عليهم مع إعراضهم عنهم فاشرأبوا لطلب العلم توصلا إلى نيل العز ودرك الجاه من قبل الولاة فأكبوا على علم الفتاوى وعرضوا أنفسهم على الولاة وتعرفوا إليهم وطلبوا الولايات والصلات منهم فمنهم من حرم ومنهم من أنجح والمنجح لم يخل من ذل الطلب ومهانة الابتذال فأصبح الفقهاء بعد أن كانوا مطلوبين طالبين وبعد أن كانوا أعزة بالإعراض عن السلاطين أذلة بالإقبال عليهم إلا من وفقه الله تعالى في كل عصر من علماء دين الله وقد كان أكثر الإقبال في تلك الأعصار على علم الفتاوى والأقضية لشدة الحاجة إليها في الولايات والحكومات ثم ظهر بعدهم من الصدور والأمراء من يسمع مقالات الناس في قواعد العقائد ومالت نفسه إلى سماع الحجج فيها فعلمت رغبته إلى المناظرة والمجادلة في الكلام فأكب الناس على علم الكلام وأكثروا فيه التصانيف ورتبوا فيه طرق المجادلات واستخرجوا فنون المناقضات في المقالات وزعموا أن غرضهم الذب عن دين الله والنضال عن السنة وقمع المبتدعة كما زعم من قبلهم أن غرضهم بالاشتغال بالفتاوى الدين وتقلد أحكام المسلمين إشفاقا على خلق الله ونصيحة لهم ثم ظهر بعد ذلك من الصدور من لم يستصوب الخوض في الكلام وفتح باب المناظرة فيه لما كان قد تولد من فتح بابه من التعصبات الفاحشة والخصومات الفاشية المفضية إلى إهراق الدماء وتخريب البلاد ومالت نفسه إلى المناظرة في الفقه وبيان الأولى من مذهب الشافعي وأبي حنيفة رضي الله عنهما على الخصوص فترك الناس الكلام وفنون العلم وانثالوا على المسائل الخلافية بين الشافعي وأبي حنيفة على الخصوص وتساهلوا في الخلاف مع مالك وسفيان وأحمد رحمهم الله تعالى وغيرهم وزعموا أن غرضهم استنباط دقائق الشرع وتقرير علل المذهب وتمهيد أصول الفتاوى وأكثروا فيها التصانيف والاستنباطات ورتبوا فيها أنواع المجادلات والتصنيفات وهم مستمرون عليه إلى الآن ولسنا ندري ما الذي يحدث الله فيما بعدنا من الأعصار فهذا هو الباعث على الإكباب على الخلافيات والمناظرات لا غير ولو مالت نفوس أرباب الدنيا إلى الخلاف مع إمام آخر من الأئمة أو إلى علم آخر من العلوم لمالوا أيضا معهم ولم يسكنوا عن التعلل بأن ما اشتغلوا به هو علم الدين وأن لا مطلب لهم سوى التقرب إلى رب العالمين بيان التلبيس في تشبيه هذه المناظرات بمشاورات الصحابة ومفاوضات السلف اعلم أن هؤلاء قد يستدرجون الناس إلى ذلك بأن غرضنا من المناظرات المباحثة عن الحق ليتضح فإن الحق مطلوب والتعاون على النظر في العلم وتوارد الخواطر مفيد ومؤثر هكذا كان عادة الصحابة رضي الله عنهم في مشاوراتهم كتشاورهم في مسألة الجد والأخوة وحد شرب الخمر ووجوب الغرم على الإمام إذا أخطأ كما تقل من إجهاض المرأة جنينها خوفا من عمر رضي الله عنه وكما نقل من مسائل الفرائض وغيرها وما نقل عن الشافعي وأحمد ومحمد بن الحسن ومالك وأبي يوسف وغيرهم من العلماء رحمهم الله تعالى ويطلعك على هذا التلبيس ما أذكره وهو أن التعاون على طلب الحق من الدين ولكن له شروط وعلامات ثمان الأول أن لا يشتغل به وهو من فروض الكفايات من لم يتفرغ من فروض الأعيان ومن عليه فرض عين فاشتغل بفرض كفاية وزعم أن مقصده الحق فهو كذاب ومثاله من يترك الصلاة في نفسه ويتجرد في تحصيل الثياب ونسجها ويقول عرضي أستر عورة من يصلي عريانا ولا يجد ثوبا فإن ذلك ربما يتفق ووقوعه ممكن كما يزعم الفقيه أن وقوع النوادر التي عنها البحث في الخلاف ممكن والمشتغلون بالمناظرة مهملون لأمور هي فرض عين بالاتفاق ومن توجه عليه رد وديعة في الحال فقام وأحرم بالصلاة التي هي أقرب القربات إلى الله تعالى عصى به فلا يكفي في كون الشخص مطيعا كون فعله من جنس الطاعات ما لم يراع فيه الوقت والشروط والترتيب الثاني أن لا يرى فرض كفاية أهم من المناظرة فإن رأى ما هو أهم وفعل غيره عصى بفعله وكان مثاله مثال من يرى جماعة من العطاش أشرفوا على الهلاك وقد أهملهم الناس وهو قادر على إحيائهم بأن يسقيهم الماء فاشتغل بتعلم الحجامة وزعم أنه من فروض الكفايات ولو خلا البلد عنها لهلك الناس وإذا قيل له في البلد جماعة من الحجامين وفيهم غنية فيقول هذا لا يخرج هذا الفعل عن كونه فرض كفاية فحال من يفعل هذا ويهمل الاشتغال بالواقعة الملمة بجماعة العطاش من المسلمين كحال المشتغل بالمناظرة وفي البلد فروض كفايات مهملة لا قائم بها فأما الفتوى فقد قام بها جماعة ولا يخلو بلد من جملة الفروض المهملة ولا يلتفت الفقهاء إليها وأقربها الطب إذ لا يوجد في أكثر البلاد طبيب مسلم يجوز اعتماد شهادته فيما يعول فيه على قول الطبيب شرعا ولا يرغب أحد من الفقهاء في الاشتغال به وكذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو من فروض الكفايات وربما يكون المناظر في مجلس مناظرته مشاهدا للحرير ملبوسا ومفروشا وهو ساكت ويناظر في مسألة لا يتفق وقوعها قط وإن وقعت قام بها جماعة من الفقهاء ثم يزعم أنه يريد أن يتقرب إلى الله تعالى بفروض الكفايات وقد روى أنس رضي الله عنه أنه قيل يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال عليه السلام إذا ظهرت المداهنة في خياركم والفاحشة في شراركم وتحول الملك في صغاركم والفقه في أراذلكم حديث أنس قيل يا رسول الله متى يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحديث أخرجه ابن ماجه بإسناد حسن الثالث أن يكون المناظر مجتهدا يفتي برأيه لا بمذهب الشافعي وأبي حنيفة وغيرهما حتى إذا ظهر له الحق من مذهب أبي حنيفة ترك ما يوافق رأي الشافعي وأفتى بما ظهر له كما كان يفعله الصحابة رضي الله عنهم والأئمة فأما من ليس له رتبة الاجتهاد وهو حكم كل أهل العصر وإنما يفتي فيما يسأل عنه ناقلا عن مذهب صاحبه فلو ظهر له ضعف مذهبه لم يجز له أن يتركه فأي فائدة له في المناظرة ومذهبه معلوم وليس له الفتوى بغيره وما يشكل عليه يلزمه أن يقول لعل عند صاحب مذهبي جوابا عن هذا فإني لست مستقلا بالاجتهاد في أصل الشرع ولو كانت مباحثته عن المسائل التي فيها وجهان أو قولان لصاحبه لكان أشبه فإنه ربما يفتي بأحدهما فيستفيد من البحث ميلا إلى أحد الجانبين ولا يرى المناظرات جارية فيها قط بل ربما ترك المسألة التي فيها وجهان أو قولان وطلب مسألة يكون الخلاف فيها مبتوتا الرابع أن لا يناظر إلا في مسألة واقعة أو قريبة الوقوع غالبا فإن الصحابة رضي الله عنهم ما تشاوروا إلا فيما تجدد من الوقائع أو ما يغلب وقوعه كالفرائض ولا نرى المناظرين يهتمون بانتقاد المسائل التي تعم البلوى بالفتوى فيها بل يطلبون الطبوليات التي تسمع فيتسع مجال الجدل فيها كيفما كان الأمر وربما يتركون ما يكثر وقوعه ويقولون هذه مسألة خبرية أو هي من الزوايا وليست من الطبوليات فمن العجائب أن يكون المطلب هو الحق ثم يتركون المسألة لأنها خبرية ومدرك الحق فيها هو الإخبار أو لأنها ليست من الطبول فلا نطول فيها الكلام والمقصود في الحق أن يقصر الكلام ويبلغ الغاية على القرب لا أن يطول الخامس أن تكون المناظرة في الخلوة أحب إليه وأهم من المحافل وبين أظهر الأكابر والسلاطين فإن الخلوة أجمع للفهم وأحرى بصفاء الذهن والفكر ودرك الحق وفي حضور الجمع ما يحرك دواعي الرياء ويوجب الحرص على نصرة كل واحد نفسه محقا كان أو مبطلا وأنت تعلم أن حرصهم على المحافل والمجامع ليس لله وأن الواحد منهم يخلو بصاحبه مدة طويلة فلا يكلمه وربما يقترح عليه فلا يجيب وإذا ظهر مقدم أو انتظم مجمع لم يغادر في قوس الاحتيال منزعا حتى يكون هو المتخصص بالكلام السادس أن يكون في طلب الحق كناشد ضالة لا يفرق بين أن تظهر الضالة على يده أو على يد من يعاونه ويرى رفيقه معينا لا خصما ويشكره إذا عرفه الخطأ وأظهر له الحق كما لو أخذ طريقا في طلب ضالته فنبهه صاحبه على ضالته في طريق آخر فإنه كان يشكره ولا يذمه ويكرمه ويفرح به فهكذا كانت مشاورات الصحابة رضي الله عنهم حتى أن امرأة ردت على عمر رضي الله عنه ونبهته على الحق وهو في خطبته على ملإ من الناس فقال أصابت امرأة وأخطأ رجل وسأل رجل عليا رضي الله عنه فأجابه فقال ليس كذلك يا أمير المؤمنين ولكن كذا كذا فقال أصبت وأخطأت وفوق كل ذي علم عليم واستدرك ابن مسعود على أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما فقال أبو موسى لا تسألوني عن شيء وهذا الحبر بين أظهركم وذلك لما سئل أبو موسى عن رجل قاتل في سبيل الله فقتل فقال هو في الجنة وكان أمير الكوفة فقام ابن مسعود فقال أعده على الأمير فلعله لم يفهم فأعادوا عليه فأعاد الجواب فقال ابن مسعود وأنا أقول إن قتل فأصاب الحق فهو في الجنة فقال أبو موسى الحق ما قال وهكذا يكون إنصاف طلب الحق ولو ذكر مثل هذا الآن لأقل فقيه لأنكره واستبعده وقال لا يحتاج إلى أن يقال أصاب الحق فإن ذلك معلوم لكل أحد فانظر إلى مناظري زمانك اليوم كيف يسود وجه أحدهم إذا اتضح الحق على لسان خصمه وكيف يخجل به وكيف يجهد في مجاحدته بأقصى قدرته وكيف يذم من أفحمه طول عمره ثم لا يستحي من تشبيه نفسه بالصحابة رضي الله عنهم في تعاونهم على النظر في الحق السابع أن لا يمنع معينه في النظر من الانتقال من دليل إلى دليل ومن إشكال إلى إشكال فهكذا كانت مناظرات السلف ويخرج من كلامه جميع دقائق الجدل المبتدعة فيما له وعليه كقوله هذا لا يلزمني ذكره وهذا يناقض كلامك الأول فلا يقبل منك فإن الرجوع إلى الحق مناقض للباطل ويجب قبوله وأنت ترى أن جميع المجالس تنقضي في المدافعات والمجادلات حتى يقيس المستدل على أصل بعلة يظنها فيقال له ما الدليل على أن الحكم في الأصل معلل بهذه العلة فيقول هذا ما ظهر لي فإن ظهر لك ما هو أوضح منه وأولى فاذكره حتى أنظر فيه فيصر المعترض ويقول فيه معان سوى ما ذكرته وقد عرفتها ولا أذكرها إذ لا يلزمني ذكرها ويقول المستدل عليك إيراد ما تدعيه وراء هذا ويصر المعترض على أنه لا يلزمه ويتوخى مجالس المناظرة بهذا الجنس من السؤال وأمثاله ولا يعرف هذا المسكين أن قوله إني أعرفه ولا أذكره إذ لا يلزمني كذب على الشرع فإنه إن كان لا يعرف معناه وإنما يدعيه ليعجز خصمه فهو فاسق كذاب عصى الله تعالى وتعرض لسخطه بدعواه معرفة هو خال عنها وإن كان صادقا فقد فسق بإخفائه ما عرفه من أمر الشرع وقد سأله أخوه المسلم ليفهمه وينظر فيه فإن كان قويا رجع إليه وإن كان ضعيفا أظهر له ضعفه وأخرجه عن ظلمة الجهل إلى نور العلم ولا خلاف أن إظهار ما علم من علوم الدين بعد السؤال عنه واجب لازم فمعنى قوله لا يلزمني أي في شرع الجدل الذي أبدعناه بحكم التشهي والرغبة في طريق الاحتيال والمصارعة بالكلام لا يلزمني وإلا فهو لازم بالشرع فإنه بامتناعه عن الذكر إما كاذب وإما فاسق فتفحص عن مشاورات الصحابة ومفاوضات السلف رضي الله عنهم هل سمعت فيها ما يضاهي هذا الجنس وهل منع أحد من الانتقال من دليل إلى دليل ومن قياس إلى أثر ومن خبر إلى آية بل جميع مناظراتهم من هذا الجنس إذ كانوا يذكرون كل ما يخطر لهم كما يخطر وكانوا ينظرون فيه الثامن أن يناظر من يتوقع الاستفادة منه ممن هو مشتغل بالعلم والغالب أنهم يحترزون من مناظرة الفحول والأكابر خوفا من ظهور الحق على ألسنتهم فيرغبون فيمن دونهم طمعا في ترويج الباطل عليهم ووراء هذه شروط دقيقة كثيرة ولكن في هذه الشروط الثمانية ما يهديك إلى من يناظر لله ومن يناظر لعلة واعلم بالجملة أن من لا يناظر الشيطان وهو مستول على قلبه وهو أعدى عدو له ولا يزال يدعوه إلى هلاكه ثم يشتغل بمناظرة غيره في المسائل التي المجتهد فيها مصيب أو مساهم للمصيب في الأجر فهو ضحكة الشيطان وعبرة للمخلصين ولذلك شمت الشيطان به لما غمسه فيه من ظلمات الآفات التي نعددها ونذكر تفاصيلها فنسأل الله حسن العون والتوفيق بيان آفات المناظرة وما يتولد منها من مهلكات الأخلاق اعلم وتحقق أن المناظرة الموضوعة لقصد الغلبة والإفحام وإظهار الفضل والشرف والتشدق عند الناس وقصد المباهاة والمماراة واستمالة وجوه الناس هي منبع جميع الأخلاق المذمومة عند الله المحمودة عند عدو الله إبليس ونسبتها إلى الفواحش الباطنة من الكبر والعجب والحسد والمنافسة وتزكية النفس وحب الجاه وغيرها كنسبة شرب الخمر إلى الفواحش الظاهرة من الزنا والقذف والقتل والسرقة وكما أن الذي خير بين الشرب والفواحش وسائر الفواحش استصغر الشرب فأقدم عليه فدعاه ذلك إلى ارتكاب بقية الفواحش في سكره فكذلك من غلب عليه حب الإفحام والغلبة في المناظرة وطلب الجاه والمباهاة دعاه ذلك إلى إضمار الخبائث كلها في النفس وهيج فيه جميع الأخلاق المذمومة وهذه الأخلاق ستأتي أدلة مذمتها من الأخبار والآيات في ربع المهلكات ولكنا نشير الآن إلى مجامع ما تهيجه المناظرة فمنها الحسد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب حديث الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة وقال البخاري لا يصح وهو عند ابن ماجه من حديث أنس بإسناد ضعيف وفي تاريخ بغداد بإسناد حسن ولا ينفك المناظر عن الحسد فإنه تارة يغلب وتارة يغلب وتارة يحمد كلامه وأخرى يحمد كلام غيره فما دام يبقى في الدنيا واحد يذكره بقوة العلم والنظر أو يظن أنه أحسن منه كلاما وأقوى نظرا فلا بد أن يحسده ويحب زوال النعم عنه وانصراف القلوب والوجوه عنه إليه والحسد نار محرقة فمن بلى به فهو في العذاب في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأعظم ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما خذوا العلم حيث وجدتموه ولا تقبلوا قول الفقهاء بعضهم على بعض فإنهم يتغايرون كما تتغاير التيوس في الزريبة ومنها التكبر والترفع على الناس فقد قال صلى الله عليه وسلم من تكبر وضعه الله ومن تواضع رفعه الله حديث من تكبر وضعه الله الحديث أخرجه الخطيب من حديث عمر بإسناد صحيح وقال غريب من حديث الثوري ولابن ماجه نحوه من حديث أبي سعيد بسند حسن وقال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله تعالى العظمة إزاري والكبرياء ردائي فمن نازعني فيهما قصمته حديث الكبرياء ردائي والعظمة إزاري الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه وابن حبان من حديث أبي هريرة وهو عند مسلم بلفظ الكبرياء رداؤه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد ولا ينفك المناظر عن التكبر على الأقران والأمثال والترفع إلى فوق قدره حتى إنهم ليتقاتلون على مجلس من المجالس يتنافسون فيه في الارتفاع والانخفاض والقرب من وسادة الصدر والبعد منها والتقدم في الدخول عند مضايق الطرق وربما يتعلل الغبي والمكار الخداع منهم بأنه يبغي صيانة عز العلم وأن المؤمن منهي عن الإذلال لنفسه حديث نهى المؤمن عن إذلال نفسه أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه من حديث حذيفة لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه فتعبر عن التواضع الذي أثنى الله عليه وسائر أنبيائه بالذل وعن التكبر الممقوت عند الله بعز الدين تحريفا للاسم وإضلالا للخلق به كما فعل في اسم الحكمة والعلم وغيرهما ومنها الحقد فلا يكاد المناظر يخلو عنه وقد قال صلى الله عليه وسلم المؤمن ليس بحقود حديث المؤمن ليس بحقود لم أقف له على أصل وورد في ذم الحقد ما لا يخفى ولا ترى مناظرا يقدر على أن لا يضمر حقدا على من يحرك رأسه من كلام خصمه ويتوقف في كلامه فلا يقابله بحسن الإصغاء بل يضطر إذا شاهد ذلك إلى إضمار الحقد وتربيته في نفسه وغاية تماسكه الإخفاء بالنفاق ويترشح منه إلى الظاهر لا محالة في غالب الأمر وكيف ينفك عن هذا ولا يتصور اتفاق جميع المستمعين على ترجيح كلامه واستحسان جميع أحواله في إيراده وإصداره بل لو صدر من خصمه أدنى سبب فيه قلة مبالاة بكلامه انغرس في صدره حقد لا يقلعه مدى الدهر إلى آخر العمر ومنها الغيبة وقد شبهها الله بأكل الميتة ولا يزال المناظر مثابرا على أكل الميتة فإنه لا ينفك عن حكاية كلام خصمه ومذمته وغاية تحفظه أن يصدق فيما يحكيه عليه ولا يكذب في الحكاية عنه فيحكي عنه لا محالة ما يدل على قصور كلامه وعجزه ونقصان فضله وهو الغيبة فأما الكذب فبهتان وكذلك لا يقدر على أن يحفظ لسانه عن التعرض لعرض من يعرض عن كلامه ويصغي إلى خصمه ويقبل عليه حتى ينسبه إلى الجهل والحماقة وقلة الفهم والبلادة ومنها تزكية النفس قال الله سبحانه وتعالى فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى وقيل لحكيم ما الصدق القبيح فقال ثناء المرء على نفسه ولا يخلو المناظر من الثناء على نفسه بالقوة والغلبة والتقدم على الأقران ولا ينفك في أثناء المناظرة عن قوله لست ممن يخفى عليه أمثال هذه الأمور وأنا المتفنن في العلوم والمستقل بالأصول وحفظ الأحاديث وغير ذلك مما يتمدح به تارة على سبيل الصلف وتارة للحاجة إلى ترويج كلامه ومعلوم أن الصلف والتمدح مذمومان شرعا وعقلا ومنها التجسس وتتبع عورات الناس وقد قال تعالى ولا تجسسوا والمناظر لا ينفك عن طلب عثرات أقرانه وتتبع عورات خصومه حتى إنه ليخبر بورود مناظر إلى بلده فيطلب من يخبر بواطن أحواله ويستخرج بالسؤال مقابحه حتى يعدها ذخيرة لنفسه في إفضاحه وتخجيله إذا مست إليه حاجة حتى إنه ليستكشف عن أحوال صباه وعن عيوب بدنه فعساه يعثر على هفوة أو على عيب به من قرع أو غيره ثم إذا أحس بأدنى غلبة من جهته عرض به إن كان متماسكا ويستحسن ذلك منه ويعد من لطائف التسبب ولا يمتنع عن الإفصاح به إن كان متبجحا بالسفاهة والاستهزاء كما حكى عن قوم من أكابر المناظرين المعدودين من فحولهم ومنها الفرح لمساءة الناس والغم لمسارهم ومن لا يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه فهو بعيد من أخلاق المؤمنين فكل من طلب المباهاة بإظهار الفضل يسره لا محالة ما يسوء أقرانه وأشكاله الذين يسامونه في الفضل ويكون التباغض بينهم كما بين الضرائر فكما أن إحدى الضرائر إذا رأت صاحبتها من بعيد ارتعدت فرائصها واصفر لونها فكذا ترى المناظر إذا رأى مناظرا تغير لونه واضطرب عليه فكره فكأنه يشاهد شيطانا ماردا أو سبعا ضاريا فأين الاستئناس والاسترواح الذي كان يجري بين علماء الدين عند اللقاء وما نقل عنهم من المؤاخاة والتناصر والتساهم في السراء والضراء حتى قال الشافعي رضي الله عنه العلم بين أهل الفضل والعقل رحم متصل فلا أدري كيف يدعي الاقتداء بمذهبه جماعة صار العلم بينهم عداوة قاطعة فهل يتصور أن ينسب الأنس بينهم مع طلب الغلبة والمباهاة هيهات هيهات وناهيك بالشر شرا أن يلزمك أخلاق المنافقين ويبرئك عن أخلاق المؤمنين والمتقين ومنها النفاق فلا يحتاج إلى ذكر الشواهد في ذمه وهم مضطرون إليه فإنهم يلقون الخصوم ومحبيهم وأشياعهم ولا يجدون بدا من التودد إليهم باللسان وإظهار الشوق والاعتداد بمكانهم وأحوالهم ويعلم ذلك المخاطب والمخاطب وكل من يسمع منهم أن ذلك كذب وزور ونفاق وفجور فإنهم متوددون بالألسنة متباغضون بالقلوب نعوذ بالله العظيم منه فقد قال صلى الله عليه وسلم إذا تعلم الناس العلم وتركوا العمل وتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب وتقاطعوا في الأرحام لعنهم الله عند ذلك فأصمهم وأعمى أبصارهم حديث إذا تعلم الناس العلم وتركوا العمل وتحابوا بالألسن وتباغضوا بالقلوب الحديث أخرجه الطبراني من حديث سلمان بإسناد ضعيف رواه الحسن وقد صح ذلك بمشاهدة هذه الحالة ومنها الاستكبار عن الحق وكراهته والحرص على المماراة فيه حتى إن أبغض شيء إلى المناظر أن يظهر على لسان خصمه الحق ومنهما ظهر تشمر لجحده وإنكاره بأقصى جهده وبذل غاية إمكانه في المخادعة والمكر والحيلة لدفعه حتى تصير المماراة فيه عادة طبيعية فلا يسمع كلاما إلا وينبعث من طبعه داعية الاعتراض عليه حتى يغلب ذلك على قلبه في أدلة القرآن وألفاظ الشرع فيضرب البعض منها بالبعض والمراء في مقابلة الباطل محذور إذ ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ترك المراء بالحق على الباطل قال صلى الله عليه وسلم من ترك المراء وهو مبطل بنى الله له بيتا في ربض الجنة ومن ترك المراء وهو محق بنى الله له بيتا في أعلى الجنة حديث من ترك المراء وهو مبطل الحديث أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث أنس مع اختلاف قال الترمذي حسن وقد سوى الله تعالى بين من افترى على الله كذبا وبين من كذب بالحق فقال تعالى ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه وقال تعالى فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه ومنها الرياء وملاحظة الخلق والجهد في استمالة قلوبهم وصرف وجوههم والرياء هو الداء العضال الذي يدعو إلى أكبر الكبائر كما سيأتي في كتاب الرياء والمناظر لا يقصد إلا الظهور عند الخلق وانطلاق ألسنتهم بالثناء عليه فهذه عشر خصال من أمهات الفواحش الباطنة سوى ما يتفق لغير المتماسكين منهم من الخصام المؤدي إلى الضرب واللكم واللطم وتمزيق الثياب والأخذ باللحى وسب الوالدين وشتم الأستاذين والقذف الصريح فإن أولئك ليسوا معدودين في زمرة الناس المعتبرين وإنما الأكابر والعقلاء منهم هم الذين لا ينفكون عن هذه الخصال العشر نعم قد يسلم بعضهم من بعضها مع من هو ظاهر الانحطاط عنه أو ظاهر الارتفاع عليه أو هو بعيد عن بلده وأسباب معيشته ولا ينفك أحد منهم عنه مع أشكاله المقارنين له في الدرجة ثم يتشعب من كل واحدة من هذه الخصال العشر عشر أخرى من الرذائل لم نطول بذكرها وتفصيل آحادها مثل الأنفة والغضب والبغضاء والطمع وحب طلب المال والجاه للتمكن من الغلبة والمباهاة والأشر والبطر وتعظيم الأغنياء والسلاطين والتردد إليهم والأخذ من حرامهم والتجمل بالخيول والمراكب والثياب المحظورة والاستحقار للناس بالفخر والخيلاء والخوض فيما لا يعني وكثرة الكلام وخروج الخشية والخوف والرحمة من القلب واستيلاء الغفلة عليه حتى لا يدري المصلي منهم في صلاته ما صلى وما الذي يقرأ ومن الذي يناجيه ولايحس بالخشوع من قلبه مع استغراق العمر في العلوم التي تعين في المناظرة مع أنها لا تنفع في الآخرة من تحسين العبارة وتسجيع اللفظ وحفظ النوادر إلى غير ذلك من أمور لا تحصى والمناظرون يتفاوتون فيها على حسب درجاتهم ولهم درجات شتى ولا ينفك أعظمهم دينا وأكثرهم عقلا عن جمل من مواد هذه الأخلاق وإنما غايته إخفاؤها ومجاهدة النفس بها واعلم أن هذه الرذائل لازمة للمشتغل بالتذكير والوعظ أيضا إذا كان قصده طلب القبول وإقامة الجاه ونيل الثروة والعزة وهي لازمة أيضا للمشتغل بعلم المذهب والفتاوى إذا كان قصده طلب القضاء وولاية الأوقاف والتقدم على الأقران وبالجملة هي لازمة لكل من يطلب بالعلم غير ثواب الله تعالى في الآخرة


    _________________

    *******************************************
    بيان العلم الذي هو فرض عين 476007128551819654
    avatar
    د.سامي الشريف
    المشرف العام
    المشرف العام


    الجنس : ذكر
    الابراج : الجدي
    عدد المساهمات : 469
    نقاط : 14908
    السٌّمعَة : 1214
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 58
    أوسمه : بيان العلم الذي هو فرض عين Ououo_26

    بيان العلم الذي هو فرض عين Empty رد: بيان العلم الذي هو فرض عين

    مُساهمة من طرف د.سامي الشريف الجمعة 27 أبريل 2012 - 14:02



    فالعلم لا يهمل العالم بل يهلكه هلاك الأبد أو يحييه حياة الأبد ولذلك قال صلى الله عليه وسلم أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لا ينفعه الله بعلمه فلقد ضره مع أنه لم ينفعه وليته نجا منه رأسا برأس وهيهات هيهات فخطر العلم عظيم وطالبه طلب الملك المؤبد والنعيم السرمد فلا ينفك عن الملك أو الهلك وهو كطالب الملك في الدنيا فإن لم يتفق له الإصابة في الأموال لم يطمع في السلامة من الإذلال بل لا بد من لزوم أفضح الأحوال فإن قلت في الرخصة في المناظرة فائدة وهي ترغيب الناس في طلب العلم إذ لولا حب الرياسة لاندرست العلوم فقد صدقت فيما ذكرته من وجه ولكنه غير مفيد إذ لولا الوعد بالكرة والصولجان واللعب بالعصافير ما رغب الصبيان في المكتب وذلك لا يدل على أن الرغبة فيه محمودة ولولا حب الرياسة لاندرس العلم ولا يدل ذلك على أن طالب الرياسة ناج بل هو من الذين قال صلى الله عليه وسلم فيهم إن الله ليؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم حديث إن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم أخرجه النسائي من حديث أنس بإسناد صحيح وقال صلى الله عليه وسلم إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر حديث إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر متفق عليه من حديث أبي هريرة فطالب الرياسة في نفسه هالك وقد يصلح بسببه غيره إن كان يدعو إلى ترك الدنيا وذلك فيمن كان ظاهر حاله في ظاهر الأمر ظاهر حال علماء السلف ولكنه يضمر قصد الجاه فمثاله مثال الشمع الذي يحترق في نفسه ويستضيء به غيره فصلاح غيره في هلاكه فأما إذا كان يدعو إلى طلب الدنيا فمثاله مثال النار المحرقة التي تأكل نفسها وغيرها فالعلماء ثلاثة إما مهلك نفسه وغيره وهم المصرحون بطلب الدنيا والمقبلون عليها وإما مسعد نفسه وغيره وهم الداعون الخلق إلى الله سبحانه ظاهرا وباطنا وإما مهلك نفسه مسعد غيره وهو الذي يدعو إلى الآخرة وقد رفض الدنيا في ظاهره وقصده في الباطن قبول الخلق وإقامة الجاه فانظر من أي الأقسام أنت ومن الذي اشتغلت بالاعتداد له فلا تظنن أن الله تعالى يقبل غير الخالص لوجهه تعالى من العلم والعمل وسيأتيك في كتاب الرياء بل في جميع ربع المهلكات ما ينفي عنك الريبة فيه إن شاء الله تعالى الباب الخامس في آداب المتعلم والمعلم أما المتعلم فآدابه ووظائفه الظاهرة كثيرة ولكن تنظم تفاريقها عشر جمل الوظيفة الأولى تقديم طهارة النفس عن رذائل الأخلاق ومذموم الأوصاف إذ العلم عبادة القلب وصلاة السر وقربة الباطن إلى الله تعالى وكما لا تصح الصلاة التي هي وظيفة الجوارح الظاهرة إلا بتطهير الظاهر عن الأحداث والأخباث فكذلك لا تصح عبادة الباطن وعمارة القلب بالعلم إلا بعد طهارته عن خبائث الأخلاق وأنجاس الأوصاف قال صلى الله عليه وسلم بني الدين على النظافة حديث بني الدين على النظافة لم أجده هكذا وفي الضعفاء لابن حبان من حديث عائشة تنظفوا فإن الإسلام نظيف وللطبراني في الأوسط بسند ضعيف جدا من حديث ابن مسعود النظافة تدعو إلى الإيمان وهو كذلك باطنا وظاهرا قال الله تعالى إنما المشركون نجس تنبيها للعقول على الطهارة والنجاسة غير مقصورة على الظواهر بالحس فالمشرك قد يكون نظيف الثوب مغسول البدن ولكنه نجس الجوهر أي باطنه ملطخ بالخبائث والنجاسة عبارة عما يجتنب ويطلب البعد منه وخبائث صفات الباطن أهم بالاجتناب فإنها مع خبثها في الحال مهلكات في المآل ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب حديث لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب متفق عليه من حديث أبي طلحة الأنصاري والقلب بيت هو منزل الملائكة ومهبط أثرهم ومحل استقرارهم والصفات الرديئة مثل والغضب والشهوة والحقد والحسد والكبر والعجب وأخواتها كلاب نابحة فأنى تدخله الملائكة وهو مشحون بالكلاب ونور العلم لا يقذفه الله تعالى في القلب إلا بواسطة الملائكة وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء وهكذا ما يرسل من رحمة العلوم إلى القلوب إنما تتولاها الملائكة الموكلون بها وهم المقدسون المطهرون المبرءون عن الصفات المذمومات فلا يلاحظون إلا طيبا ولا يعمرون بما عندهم من خزائن رحمة الله إلا طيبا طاهرا ولست أقول المراد بلفظ البيت هو القلب وبالكلب هو الغضب والصفات المذمومة ولكني أقول هو تنبيه عليه وفرق بين تعبير الظواهر إلى البواطن وبين التنبيه للبواطن من ذكر الظواهر مع تقرير الظواهر ففارق الباطنية بهذه الدقيقة فإن هذه طريق الاعتبار وهو مسلك العلماء والأبرار إذ معنى الاعتبار أن يعبر ما ذكر إلى غيره فلا يقتصر عليه كما يرى العاقل مصيبة لغيره فيكون فيها له عبرة بأن يعبر منها إلى التنبه لكونه أيضا عرضة للمصائب وكون الدنيا بصدد الانقلاب فعبوره من غيره إلى نفسه ومن نفسه إلى أصل الدنيا عبرة محمودة فاعبر أنت أيضا من البيت الذي هو بناء الخلق إلى القلب الذي هو بيت من بناء الله تعالى ومن الكلب الذي ذم لصفته لا لصورته وهو ما فيه من سبعية ونجاسة إلى الروح الكلبية وهي السبعية واعلم أن القلب المشحون بالغضب والشره إلى الدنيا والتكلب عليها والحرص على التمزيق لأعراض الناس كلب في المعنى وقلب في الصورة فنور البصيرة يلاحظ المعاني لا الصور والصور في هذا العالم غالبة على المعاني والمعاني باطنة فيها وفي الآخرة تتبع الصور المعاني وتغلب المعاني فلذلك يحشر كل شخص على صورته المعنوية فيحشر الممزق لأعراض الناس كلبا ضاريا والشره إلى أموالهم ذئبا عاديا والمتكبر عليهم في صورة نمر وطالب الرياسة في صورة أسد حديث حشر الممزق لأعراض الناس في صورة كلب ضار الحديث أخرجه الثعلبي في التفسير من حديث البراء بسند ضعيف وقد وردت بذلك الأخبار وشهد به الاعتبار عند ذوي البصائر والأبصار فإن قلت كم من طالب ردىء الأخلاق حصل العلوم فهيهات ما أبعده عن العلم الحقيقي النافع في الآخرة الجالب للسعادة فإن من أوائل ذلك العلم أن يظهر له أن المعاصي سموم قاتلة مهلكة وهل رأيت من يتناول سما مع علمه بكونه سما قاتلا إنما الذي تسمعه من المترسمين حديث يلفقونه بألسنتهم مرة ويرددونه بقلوبهم أخرى وليس ذلك من العلم في شيء قال ابن مسعود رضي الله عنه ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم نور يقذف في القلب وقال بعضهم إنما العلم الخشية لقوله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء وكأنه أشار إلى أخص ثمرات العلم ولذلك قال بعض المحققين معنى قولهم تعلمنا العلم لغير الله فأبى العلم أن يكون إلا لله أن العلم أبى وامتنع علينا فلم تنكشف لنا حقيقته وإنما حصل لنا حديثه وألفاظه فإن قلت أرى جماعة من العلماء والفقهاء المحققين برزوا في الفروع والأصول وعدوا من جملة الفحول وأخلاقهم ذميمة لم يتطهروا منها فيقال إذا عرفت مراتب العلوم وعرفت علم الآخرة استبان لك أن ما اشتغلوا به قليل الغناء من حيث كونه علما وإنما غناؤه من حيث كونه عملا لله تعالى إذا قصد به التقرب إلى الله تعالى وقد سبقت إلى هذا إشارة وسيأتيك فيه مزيد بيان وإيضاح إن شاء الله تعالى الوظيفة الثانية أن يقلل علائقه من الاشتغال بالدنيا ويبعد عن الأهل والوطن فإن العلائق شاغلة وصارفة ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ومهما توزعت الفكرة قصرت عن درك الحقائق ولذلك قيل العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيك كلك فإذا أعطيته كلك فأنت من إعطائه إياك بعضه على خطر والفكرة المتوزعة على أمور متفرقة كجدول تفرق ماؤه فنشفت الأرض بعضه واختطف الهواء بعضه فلا يبقى منه ما يجتمع ويبلغ المزدرع الوظيفة الثالثة أن لا يتكبر على العلم ولا يتأمر على معلم بل يلقى إليه زمام أمره بالكلية في كل تفصيل ويذعن لنصيحته إذعان المريض الجاهل للطبيب المشفق الحاذق وينبغي أن يتواضع لمعلمه ويطلب الثواب والشرف بخدمته قال الشعبي صلى زيد بن ثابت على جنازة فقربت إليه بغلته ليركبها فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال زيد خل عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن عباس هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء والكبراء فقبل زيد بن ثابت يده وقال هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا صلى الله عليه وسلم حديث أخذ ابن عباس بركاب زيد بن ثابت وقوله هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء أخرجه الطبراني والحاكم والبيهقي في المدخل إلا أنهم قالوا هكذا نفعل قال الحاكم صحيح الإسناد على شرط مسلم وقال صلى الله عليه وسلم ليس من أخلاق المؤمن التملق إلا في طلب العلم حديث ليس من أخلاق المؤمن الملق إلا في طلب العلم أخرجه ابن عدي من حديث معاذ وأبي أمامة بإسنادين ضعيفين فلا ينبغي لطالب العلم أن يتكبر على المعلم ومن تكبره على المعلم أن يستنكف عن الاستفادة إلا من المرموقين المشهورين وهو عين الحماقة فإن العلم سبب النجاة والسعادة ومن يطلب مهربا من سبع ضار يفترسه لم يفرق بين أن يرشده إلى الهرب مشهور أو خامل وضراوة سباع النار بالجهال بالله تعالى أشد من ضراوة كل سبع فالحكمة ضالة المؤمن يغتنمها حيث يظفر بها ويتقلد المنة لمن ساقها إليه كائنا من كان فلذلك قيل العلم حرب للفتى المتعالي كالسيل حرب للمكان العالي فلا ينال العلم إلا بالتواضع وإلقاء السمع قال الله تعالى إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ومعنى كونه ذا قلب أن يكون قابلا للعلم فهما ثم لا تعينه القدرة على الفهم حتى يلقى السمع وهو شهيد حاضر القلب ليستقيل كل ما ألقى إليه بحسن الإصغاء والضراعة والشكر والفرح وقبول المنة فليكن المتعلم لمعلمه كأرض دمثة نالت مطرا غزيرا فتشربت جميع أجزائها وأذعنت بالكلية لقبوله ومهما أشار عليه المعلم بطريق في التعلم فليقلده وليدع رأيه فإن خطأ مرشده أنفع له من صوابه في نفسه إذ التجربة تطلع على دقائق يستغرب سماعها مع أنه يعظم نفعها فكم من مريض محرور يعالجه الطبيب في بعض أوقاته بالحرارة ليزيد في قوته إلى حد يحتمل صدمة العلاج فيعجب منه من لا خبرة له به وقد نبه الله تعالى بقصة الخضر وموسى عليهما السلام حيث قال الخضر إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ثم شرط عليه السكوت والتسليم فقال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ثم لم يصبر ولم يزل في مراودته إلى أن كان ذلك سبب الفراق بينهما وبالجملة كل متعلم استبقى لنفسه رأيا واختيارا دون اختيار المعلم فاحكم عليه بالإخفاق والخسران فإن قلت فقد قال الله تعالى فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون فالسؤال مأمور به فاعلم أنه كذلك ولكن فيما يأذن المعلم في السؤال عنه فإن السؤال عما لم تبلغ مرتبتك إلى فهمه مذموم ولذلك منع الخضر موسى عليه السلام من السؤال أي دع السؤال قبل أوانه فالمعلم أعلم بما أنت أهل له وبأوان الكشف وما لم يدخل أوان الكشف في كل درجة من مراقي الدرجات لا يدخل أوان السؤال عنه وقد قال علي رضي الله عنه إن من حق العالم أن لا تكثر عليه بالسؤال ولا تعنته في الجواب ولا تلح عليه إذا كسل ولا تأخذ بثوبه إذا نهض ولا تفشي له سرا ولا تغتابن أحدا عنده ولا تطلبن عثرته وإن زل قبلت معذرته وعليك أن توقره وتعظمه لله تعالى ما دام يحفظ أمر الله تعالى ولا تجلس أمامه وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته الوظيفه الرابعة أن يحترز الخائض في العلم في مبدأ الأمر عن الإضغاء إلى اختلاف الناس سواء كان ما خاض فيه من علوم الدنيا أو من علوم الآخرة فإن ذلك يدهش عقله ويحير ذهنه ويفتر رأيه ويؤيسه عن الإدراك والاطلاع بل ينبغي أن يتقن أولا الطريق الحميدة الواحدة المرضية عند أستاذه ثم بعد ذلك يصغي إلى المذاهب والشبه وإن لم يكن أستاذه مستقلا باختيار رأي واحد وإنما عادته نقل المذاهب وما قيل فيها فليحذر منه فإن إضلاله أكثر من إرشاده فلا يصلح الأعمى لقود العميان وإرشادهم ومن هذا حاله يعد في عمى الحيرة وتيه الجهل ومنع المبتدىء عن الشبه يضاهي منع الحديث العهد بالإسلام عن مخالطة الكفار وندب القوى إلى النظر في الاختلافات يضاهي حث القوى على مخالطة الكفار ولهذا يمنع الجبان عن التهجم على صف الكفار ويندب الشجاع له ومن الغفلة عن هذه الدقيقة ظن بعض الضعفاء أن الاقتداء بالأقوياء فيما ينقل عنهم من المساهلات جائز ولم يدر أن وظائف الأقوياء تخالف وظائف الضعفاء وفي ذلك قال بعضهم من رآني في البداية صار صديقا ومن رآني في النهاية صار زنديقا إذ النهاية ترد الأعمال إلى الباطن وتسكن الجوارح إلا عن رواتب الفرائض فيتراءى للناظرين أنها بطالة وكسل وإهمال وهيهات فذلك مرابطة القلب في عين الشهود والحضور وملازمة الذكر الذي هو أفضل الأعمال على الدوام وتشبه الضعيف بالقوي فيما يرى من ظاهره أنه هفوة يضاهي اعتذار من يلقى نجاسة يسيرة في كوز ماء ويتعلل بأن أضعاف هذه النجاسة قد يلقى في البحر والبحر أعظم من الكوز فما جاز للبحر فهو للكوز أجوز ولا يدري المسكين أن البحر بقوته يحيل النجاسة ماء فتنقلب عين النجاسة باستيلائه إلى صفته والقليل من النجاسة يغلب على الكوز ويحيله إلى صفته ولمثل هذا جوز للنبي صلى الله عليه وسلم ما لم يجوز لغيره حتى أبيح له تسع نسوة حديث أبيح له صلى الله عليه وسلم تسعة نسوة وهو معروف وفي الصحيحين من حديث ابن عباس كان عند النبي صلى الله عليه وسلم تسع الحديث إذ كان له من القوة ما يتعدى منه صفة العدل إلى نسائه وإن كثرن وأما غيره فلا يقدر على بعض العدل بل يتعدى ما بينهن من الضرار إليه حتى ينجر إلى معصية الله تعالى في طلبه رضاهن فما أفلح من قاس الملائكة بالحدادين الوظيفة الخامسة أن لا يدع طالب العلم فنا من العلوم المحمودة ولا نوعا من أنواعه إلا وينظر فيه نظرا يطلع به على مقصده وغايته ثم إن ساعده العمر طلب التبحر فيه وإلا اشتغل بالأهم منه واستوفاه وتطرف من البقية فإن العلوم متعاونة وبعضها مرتبط ببعض ويستفيد منه في الحال الانفكاك عن عداوة ذلك العلم بسبب جهله فإن الناس أعداء ما جهلوا قال تعالى وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم قال الشاعر ومن يك ذا فم مر مريض يجد مرا به الماء الزلالا فالعلوم على درجاتها إما سالكة بالعبد إلى الله تعالى أو معينة على السلوك نوعا من الإعانة ولها منازل مرتبة في القرب والبعد من المقصود والقوام بها حفظة كحفاظ الرباطات والثغور ولكل واحد رتبة وله بحسب درجته أجر في الآخرة إذا قصد به وجه الله تعالى الوظيفة السادسة أن لا يخوض في فن من فنون العلم دفعة بل يراعى الترتيب ويبتدىء بالأهم فإن العمر إذا كان لا يتسع لجميع العلوم غالبا فالحزم أن يأخذ من كل شيء أحسنه ويكتفي منه بشمه ويصرف جمام قوته في الميسور من علمه إلى استكمال العلم الذي هو أشرف العلوم وهو علم الآخرة أعني قسمي المعاملة والمكاشفة فغاية المعاملة المكاشفة وغاية المكاشفة معرفة الله تعالى ولست أعني به الاعتقاد الذي يتلقفه العامي وراثة أو تلقفا ولا طريق تحرير الكلام والمجادلة في تحصين الكلام عن مراوغات الخصوم كما هو غاية المتكلم بل ذلك نوع يقين هو ثمرة نور يقذفه الله تعالى في قلب عبد طهر بالمجاهدة باطنه عن الخبائث حتى ينتهي إلى رتبة إيمان أبي بكر رضي الله عنه الذي لو وزن بإيمان العالمين لرجح حديث لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين لرجح أخرجه ابن عدي من حديث ابن عمر بإسناد ضعيف ورواه البيهقي في الشعب موقوفا على عمر بإسناد صحيح كما شهد له به سيد البشر صلى الله عليه وسلم فما عندي أن ما يعتقده العامي ويرتبه المتكلم الذي لا يزيد على العامي إلا في صنعة الكلام ولأجله سميت صناعته كلاما وكان يعجز عنه عمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة رضي الله عنهم حتى كان يفضلهم أبو بكر بالسر الذي وقر في صدره والعجب ممن يسمع مثل هذه الأقوال من صاحب الشرع صلوات الله وسلامه عليه ثم يزدري ما يسمعه على وفقه ويزعم أنه من ترهات الصوفية وأن ذلك غير معقول فينبغي أن تتئد في هذا فعنده ضيعت رأس المال فكن حريصا على معرفة ذلك السر الخارج عن بضاعة الفقهاء والمتكلمين ولا يرشدك إليه إلا حرصك في الطلب وعلى الجملة فأشرف العلوم وغايتها معرفة الله عز وجل وهو بحر لا يدرك منتهى غوره وأقصى درجات البشر فيه رتبة الأنبياء ثم الأولياء ثم الذين يلونهم وقد روي أنه رؤي صورة حكيمين من الحكماء المتقدمين في مسجد وفي يد أحدهما رقعة فيها إن أحسنت كل شيء فلا تظنن أنك أحسنت شيئا حتى تعرف الله تعالى وتعلم أنه مسبب الأسباب وموجد الأشياء وفي يد الآخر كنت قبل أن أعرف الله تعالى أشرب وأظمأ حتى إذا عرفته رويت بلا شرب الوظيفة السابعة أن لا يخوض في فن حتى يستوفي الفن الذي قبله فإن العلوم مرتبة ترتيبا ضروريا وبعضها طريق إلى بعض والموفق من راعى ذلك الترتيب والتدريج قال الله تعالى الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أي لا يجاوزون فنا حتى يحكموه علما وعملا وليكن قصده في كل علم يتحراه الترقي إلى ما هو فوقه فينبغي ألا يحكم على علم بالفساد لوقوع الخلف بين أصحابه فيه ولا بخطأ واحد أو آحاد فيه ولا بمخالفتهم موجب علمهم بالعمل فترى جماعة تركوا النظر في العقليات والفقهيات متعللين فيها بأنها لو كان لها أصل لأدركه أربابها وقد مضى كشف هذه الشبه في كتاب معيار العلم وترى طائفة يعتقدون بطلان الطب لخطأ شاهدوه من طبيب وطائفة اعتقدوا صحة النجوم لصواب اتفق لواحد وطائفة اعتقدوا بطلانه لخطأ اتفق لآخر والكل خطأ بل ينبغي أن يعرف الشيء في نفسه فلا كل علم يستقل بالإحاطة به كل شخص ولذلك قال علي رضي الله عنه لا تعرف الحق بالرجال اعرف الحق تعرف أهله الوظيفة الثامنة أن يعرف السبب الذي به يدرك أشرف العلوم وأن ذلك يراد به شيئان أحدهما شرف الثمرة والثاني وثاقة الدليل وقوته وذلك كعلم الدين وعلم الطب فإن ثمرة أحدهما الحياة الأبدية وثمرة الآخر الحياة الفانية فيكون علم الدين أشرف ومثل علم الحساب وعلم النجوم فإن علم الحساب أشرف لوثاقة أدلته وقوتها وإن نسب الحساب إلى الطب كان الطب أشرف باعتبار ثمرته والحساب أشرف باعتبار أدلته وملاحظة الثمرة أولى ولذلك كان الطب أشرف وإن كان أكثره بالتخمين وبهذا تبين أن أشرف العلوم العلم بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله والعلم بالطريق الموصل إلى هذه العلوم فإياك أن ترغب إلا فيه وأن تحرص إلا عليه الوظيفة التاسعة أن يكون قصد المتعلم في الحال تحلية باطنه وتجميله بالفضيلة وفي المآل القرب من الله سبحانه والترقي إلى جوار الملأ الأعلى من الملائكة والمقربين ولا يقصد به الرياسة والمال والجاه ومماراة السفهاء ومباهاة الأقران وإن كان هذا مقصده طلب لا محالة الأقرب إلى مقصوده وهو علم الآخرة ومع هذا فلا ينبغي له أن ينظر بعين الحقارة إلى سائر العلوم أعني علم الفتاوى وعلم النحو واللغة المتعلقين بالكتاب والسنة وغير ذلك مما أوردناه في المقدمات والمتممات من ضروب العلوم التي هي فرض كفاية ولا تفهمن من غلونا في الثناء على علم الآخرة تهجين هذه العلوم فالمتكفلون بالعلوم كالمتكفلين بالثغور والمرابطين بها والغزاة المجاهدين في سبيل الله فمنهم المقاتل ومنهم الردء ومنهم الذي يسقيهم الماء ومنهم الذي يحفظ دوابهم ويتعهدهم ولا ينفك أحد منهم عن أجر إذا كان قصده إعلاء كلمة الله تعالى دون حيازة الغنائم فكذلك العلماء قال الله تعالى يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات وقال تعالى هم درجات عند الله والفضيلة نسبية واستحقارنا للصيارفة عند قياسهم بالملوك لا يدل على حقارتهم إذا قيسوا بالكناسين فلا تظن أن ما نزل عن الرتبة القصوى ساقط القدر بل الرتبة العليا للأنبياء ثم الأولياء ثم العلماء الراسخين في العلم ثم للصالحين على تفاوت درجاتهم وبالجملة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ومن قصد الله تعالى بالعلم أي علم كان نفعه ورفعه لا محالة الوظيفة العاشرة أن يعلم نسبة العلوم إلى المقصد كيما يؤثر الرفيع القريب على البعيد والمهم على غيره ومعنى المهم ما يهمك ولا يهمك إلا شأنك في الدنيا والآخرة وإذا لم يمكنك الجمع بين ملاذ الدنيا ونعيم الآخرة كما نطق به القرآن وشهد له من نور البصائر ما يجري مجرى العيان فالأهم ما يبقى أبد الآباد وعند ذلك تصير الدنيا منزلا والبدن مركبا والأعمال سعيا إلى المقصد ولا مقصد إلا لقاء الله تعالى ففيه النعيم كله وإن كان لا يعرف في هذا العالم قدره إلا الأقلون والعلوم بالإضافة إلى سعادة لقاء الله سبحانه والنظر إلى وجهه الكريم أعني النظر الذي طلبه الأنبياء وفهموه دون ما سبق إلى فهم العوام والمتكلمين على ثلاث مراتب تفهمها بالموازنة بمثال وهو أن العبد الذي علق عتقه وتمكينه من الملك بالحج وقيل له إن حججت وأتممت وصلت إلى العتق والملك جميعا وإن ابتدأت بطريق الحج والاستعداد له وعافك في الطريق مانع ضروري فلك العتق والخلاص من شقاء الرق فقط دون سعادة الملك فله ثلاثة أصناف من الشغل الأول تهيئة الأسباب بشراء الناقة وخرز الراوية وإعداد الزاد والراحلة والثاني السلوك ومفارقة الوطن بالتوجه إلى الكعبة منزلا بعد منزل والثالث الاشتغال بأعمال الحج ركنا بعد ركن ثم بعد الفراغ والنزوع عن هيئة الإحرام وطواف الوداع استحق التعرض للملك والسلطنة وله في كل مقام منازل من أول إعداد الأسباب إلى آخره من أول سلوك البوادي إلى آخره ومن أول أركان الحج إلى آخره وليس قرب من ابتدأ بأركان الحج من السعادة كقرب من هو بعد في إعداد الزاد والراحلة ولا كقرب من ابتدأ بالسلوك بل هو أقرب منه فالعلوم أيضا ثلاثة أقسام قسم يجري مجرى إعداد الزاد والراحلة وشراء الناقة وهو علم الطب والفقه وما يتعلق بمصالح البدن في الدنيا وقسم يجري مجرى سلوك البوادي وقطع العقبات وهو تطهير الباطن عن كدورات الصفات وطلوع تلك العقبات الشامخة التي عجز عنها الأولون والآخرون إلا الموفقين فهذا سلوك الطريق وتحصيل علمه كتحصيل علم جهات الطريق ومنازله وكما لا يغني علم المنازل وطرق البوادي دون سلوكها كذلك لا يغني علم تهذيب الأخلاق دون مباشرة التهذيب ولكن المباشرة دون العلم غير ممكن وقسم ثالث يجري مجرى نفس الحج وأركانه وهو العلم بالله تعالى وصفاته وملائكته وأفعاله وجميع ما ذكرناه في تراجم المكاشفة وههنا نجاة وفوز بالسعادة والنجاة حاصلة لكل سالك للطريق إذا كان غرضه المقصد الحق وهو السلامة وأما الفوز بالسعادة فلا يناله إلا العارفون بالله تعالى وهم المقربون المنعمون في جوار الله تعالى بالروح والريحان وجنة النعيم وأما الممنوعون دون ذروة الكمال فلهم النجاة والسلامة كما قال الله عز وجل فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين وكل من لم يتوجه إلى المقصد ولم ينتهض له أو انتهض إلى جهته لا على قصد الامتثال والعبودية بل لغرض عاجل فهو من أصحاب الشمال ومن الضالين فله نزل من حميم وتصلية جحيم واعلم أن هذا هو حق اليقين عند العلماء الراسخين أعني أنهم أدركوه بمشاهدة من الباطن هي أقوى وأجلى من مشاهدة الأبصار وترقوا فيه عن حد التقليد لمجرد السماع وحالهم حال من أخبر فصدق ثم شاهد فحقق وحال غيرهم حال من قبل بحسن التصديق والإيمان ولم يحظ بالمشاهدة والعيان فالسعادة وراء علم المكاشفة وعلم المكاشفة وراء علم المعاملة التي هي سلوك طريق الآخرة وقطع عقبات الصفات وسلوك طريق محو الصفات المذمومة وراء علم الصفات وعلم طريق المعالجة وكيفية السلوك في ذلك وراء علم سلامة البدن ومساعدة أسباب الصحة وسلامة البدن بالاجتماع والتظاهر والتعاون الذي يتوصل به إلى الملبس والمطعم والمسكن وهو منوط بالسلطان وقانونه في ضبط الناس على منهج العدل والسياسة في ناصية الفقيه وأما أسباب الصحة ففي ناصية الطبيب ومن قال العلم علمان علم الأبدان وعلم الأديان وأشار به إلى الفقه أراد به العلوم الظاهرة الشائعة لا للعلوم العزيزة الباطنة فإن قلت لم شبهت علم الطب والفقه بإعداد الزاد والراحلة فاعلم أن الساعي إلى الله تعالى لينال قربه هو القلب دون البدن ولست أعني بالقلب اللحم المحسوس بل هو من أسرار الله عز وجل لا يدركه الحس ولطيفة من لطائفه تارة يعبر عنه بالروح وتارة بالنفس المطمئنة والشرع يعبر عنه بالقلب لأنه المطية الأولى لذلك السر وبواسطته صار جميع البدن مطية وآلة لتلك اللطيفة وكشف الغطاء عن ذلك السر من علم المكاشفة وهو مضنون به بل لا رخصة في ذكره وغاية المأذون فيه أن يقال هو جوهر نفيس ودر عزيز أشرف من هذه الأجرام المرئية وإنما هو أمر إلهي كما قال تعالى ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وكل المخلوقات منسوبة إلى الله تعالى ولكن نسبته أشرف من نسبة سائر أعضاء البدن فلله الخلق والأمر جميعا والأمر أعلى من الخلق وهذه الجوهرة النفيسة الحاملة لأمانة الله تعالى المتقدمة بهذه الرتبة على السموات والأرضين والجبال إذ أبين أن يحملنها وأشفقن منها من عالم الأمر ولا يفهم من هذا أنه تعريض بقدمها فإن القائل بقدم الأرواح مغرور جاهل لا يدري ما يقول فلنقبض عنان البيان عن هذا الفن فهو وراء ما نحن بصدده والمقصود أن هذه اللطيفة هي الساعية إلى قرب الرب لأنها من أمر الرب فمنه مصدرها وإليه مرجعها وأما البدن فمطيتها التي تركبها وتسعى بواسطتها فالبدن لها في طريق الله تعالى كالناقة للبدن في طريق الحج وكالراوية الخازنة للماء الذي يفتقر إليه البدن فكل علم مقصده مصلحة البدن فهو من جملة مصالح المطية ولا يخفى أن الطب كذلك فإنه قد يحتاج إليه في حفظ الصحة على البدن ولو كان الإنسان وحده لاحتاج إليه والفقه يفارقه في أنه لو كان الإنسان وحده ربما كان يستغنى عنه ولكنه خلق على وجه لا يمكنه أن يعيش وحده إذ لا يستقل بالسعي وحده في تحصيل طعامه بالحراثة والزرع والخبز والطبخ وفي تحصيل الملبس والمسكن وفي إعداد آلات ذلك كله فاضطر إلى المخالطة والاستعانة ومهما اختلط الناس وثارت شهواتهم تجاذبوا أسباب الشهوات وتنازعوا وتقاتلوا وحصل من قتالهم هلاكهم بسبب التنافس من خارج كما يحصل هلاكهم بسبب تضاد الأخلاط من داخل وبالطب يحفظ الاعتدال في الأخلاط المتنازعة من داخل وبالسياسة والعدل يحفظ الاعتدال في التنافس من خارج وعلم طريق اعتدال الأخلاط طب وعلم طريق اعتدال أحوال الناس في المعاملات والأفعال فقه وكل ذلك لحفظ البدن الذي هو مطية فالمتجرد لعلم الفقه أو الطب إذا لم يجاهد نفسه ولا يصلح قلبه كالمتجرد لشراء الناقة وعلفها وشراء الراوية وخرزها إذا لم يسلك بادية الحج والمستغرق عمره في دقائق الكلمات التي تجري في مجادلات الفقه كالمستغرق عمره في دقائق الأسباب التي بها تستحكم الخيوط التي تخرز بها الراوية للحج ونسبة هؤلاء من السالكين لطريق إصلاح القلب الموصل إلى علم المكاشفة كنسبة أولئك إلى سالكي طريق الحج أو ملابسي أركانه فتأمل هذا أولا واقبل النصيحة مجانا ممن قام عليه ذلك غالبا ولم يصل إليه إلا بعد جهد جهيد وجراءة تامة على مباينة الخلق العامة والخاصة في النزوع من تقليدهم بمجرد الشهوة فهذا القدر كاف في وظائف المتعلم بيان وظائف المرشد المعلم اعلم أن للإنسان في علمه أربعة أحوال كحاله في اقتناء الأموال إذ لصاحب المال حال استفادة فيكون مكتسبا وحال ادخار لما اكتسبه فيكون به غنيا عن السؤال وحال إنفاق على نفسه فيكون منتفعا وحال بذل لغيره فيكون به سخيا متفضلا وهو أشرف أحواله فكذلك العلم يقتنى كما يقتنى المال فله حال طلب واكتساب وحال تحصيل يغني عن السؤال وحال استبصار وهو التفكر في المحصل والتمتع به وحال تبصير وهو أشرف الأحوال فمن علم وعمل وعلم فهو الذي يدعى عظيما في ملكوت السموات فإنه كالشمس تضيء لغيرها وهي مضيئة في نفسها وكالمسك الذي يطيب غيره وهو طيب والذي يعلم ولا يعمل به كالدفتر الذي يفيد غيره وهو خال عن العلم وكالمسن الذي يشحذ غيره ولا يقطع والإبرة التي تكسو غيرها وهي عارية وذبالة المصباح تضيء لغيرها وهي تحترق كما قيل ما هو إلا ذبالة وقدت تضيء للناس وهي تحترق ومهما اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمرا عظيما وخطرا جسيما فليحفظ آدابه ووظائفه

    الوظيفة الأولى الشفقة على المتعلمين وأن يجريهم مجرى بنيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنا لكم مثل الوالد لولده حديث إنما أنا لكم مثل الوالد لولده أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان من حديث أبي هريرة بأن يقصد إنقاذهم من نار الآخرة وهو أهم من إنقاذ الوالدين ولدهما من نار الدنيا ولذلك صار حق المعلم أعظم من حق الوالدين فإن الوالد سبب الوجود الحاضر والحياة الفانية والمعلم سبب الحياة الباقية ولولا المعلم لانساق ما حصل من جهة الأب إلى الهلاك الدائم وإنما المعلم هو المفيد للحياة الأخروية الدائمة أعني معلم علوم الآخرة أو علوم الدنيا على قصد الآخرة لا على قصد الدنيا فأما التعليم على قصد الدنيا فهو هلاك وإهلاك نعوذ بالله منه وكما أن حق أبناء الرجل الواحد أن يتحابوا ويتعاونوا على المقاصد كلها فكذلك حق تلامذة الرجل الواحد التحاب والتوادد ولا يكون إلا كذلك إن كان مقصدهم الآخرة ولا يكون إلا التحاسد والتباغض إن كان مقصدهم الدنيا فإن العلماء وأبناء الآخرة مسافرون إلى الله تعالى وسالكون إليه الطريق من الدنيا وسنوها وشهورها منازل الطريق والترافق في الطريق بين المسافرين إلى ال**ار سبب التواد والتحاب فكيف السفر إلى الفردوس الأعلى والترافق في طريقه ولا ضيق في سعادة الآخرة فلذلك لا يكون بين أبناء الآخرة تنازع ولا سعة في سعادات الدنيا فلذلك لا ينفك عن ضيق التزاحم والعادلون إلى طلب الرياسة بالعلوم خارجون عن موجب قوله تعالى إنما المؤمنون إخوة وداخلون في مقتضى قوله تعالى الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين.

    الوظيفة الثانية أن يقتدى بصاحب الشرع صلوات الله عليه وسلامه فلا يطلب على إفادة العلم أجرا ولا يقصد به جزاء ولا شكرا بل يعلم لوجه الله تعالى وطلبا للتقرب إليه ولا يرى لنفسه منة عليهم وإن كانت المنة لازمة عليهم بل يرى الفضل لهم إذ هذبوا قلوبهم لأن تتقرب إلى الله تعالى بزراعة العلوم فيها كالذي يعيرك الأرض لتزرع فيها لنفسك زراعة فمنفعتك بها تزيد على منفعة صاحب الأرض فكيف تقلده منة وثوابك في التعليم أكثر من ثواب المتعلم عند الله تعالى ولولا المتعلم ما نلت هذا الثواب فلا تطلب الأجر إلا من الله تعالى كما قال عز وجل ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله فإن المال وما في الدنيا خادم البدن والبدن مركب النفس ومطيتها والمخدوم هو العلم إذ به شرف النفس فمن طلب بالعلم المال كان كمن مسح أسفل مداسه بوجهه لينظفه فجعل المخدوم خادما والخادم مخدوما وذلك هو الانتكاس على أم الرأس ومثله هو الذي يقوم في العرض الأكبر مع المجرمين ناكسي رءوسهم عند ربهم وعلى الجملة فالفضل والمنة للمعلم فانظر كيف انتهى أمر الدين إلى قوم يزعمون أن مقصودهم التقرب إلى الله تعالى بما هم فيه من علم الفقه والكلام والتدريس فيهما وفي غيرهما فإنهم يبذلون المال والجاه ويتحملون أصناف الذل في خدمة السلاطين لاستطلاق الجرايات ولو تركوا ذلك لتركوا ولم يختلف إليهم ثم يتوقع المعلم من المتعلم أن يقوم له في كل نائبة وينصر وليه ويعادي عدوه وينتهض جهارا له في حاجاته ومسخرا بين يديه في أوطاره فإن قصر في حقه ثار عليه وصار من أعدى أعدائه فأخسس بعالم يرضى لنفسه بهذه المنزلة ثم يفرح بها ثم لا يستحي من أن يقول غرضي من التدريس نشر العلم تقربا إلى الله تعالى ونصرة لدينه فانظر إلى الأمارات حتى ترى ضروب الاغترارات

    الوظيفة الثالثة أن لا يدع من نصح المتعلم شيئا وذلك بأن يمنعه من التصدي لرتبة قبل استحقاقها والتشاغل بعلم خفي قبل الفراغ من الجلى ثم ينبهه على أن الغرض بطلب العلوم القرب إلى الله تعالى دون الرياسة والمباهاة والمنافسة ويقدم تقبيح ذلك في نفسه بأقصى ما يمكن فليس ما يصلحه العالم الفاجر بأكثر مما يفسده فإن علم من باطنه أنه لا يطلب العلم إلا للدنيا نظر إلى العلم الذي يطلبه فإن كان هو علم الخلاف في الفقه والجدل في الكلام والفتاوى في الخصومات والأحكام فيمنعه من ذلك فإن هذه العلوم ليست من علوم الآخرة ولا من العلوم التي قيل فيها تعلمنا العلم لغير الله فأبى العلم أن يكون إلا لله وإنما ذلك علم التفسير وعلم الحديث وما كان الأولون يشتغلون به من علم الآخرة ومعرفة أخلاق النفس وكيفية تهذيبها فإذا تعلمه الطالب وقصد به الدنيا فلا بأس أن يتركه فإنه يثمر له طمعا في الوعظ والاستتباع ولكن قد يتنبه في أثناء الأمر أو آخره إذ فيه العلوم المخوفة من الله تعالى المحقرة للدنيا المعظمة للآخرة وذلك يوشك أن يؤدي إلى الصواب في الآخرة حتى يتعظ بما يعظ به غيره ويجري حب القبول والجاه مجرى الحب الذي ينثر حوالي الفخ ليقتنص به الطير وقد فعل الله ذلك بعباده إذ جعل الشهوة ليصل الخلق بها إلى بقاء النسل وخلق أيضا حب الجاه ليكون سببا لإحياء العلوم وهذا متوقع في هذه العلوم فأما الخلافيات المحضة ومجادلات الكلام ومعرفة التفاريع الغريبة فلا يزيد التجرد لها مع الإعراض عن غيرها إلا قسوة القلب وغفلة عن الله تعالى وتماديا في الضلال وطلبا للجاه إلا من تداركه الله تعالى برحمته أو مزج به غيره من العلوم الدينية ولا برهان على هذا كالتجربة والمشاهدة فانظر واعتبر واستبصر لتشاهد تحقيق ذلك في العباد والبلاد والله المستعان وقد رؤي سفيان الثوري رحمه الله حزينا فقيل له ما لك فقال صرنا متجرا لأبناء الدنيا يلزمنا أحدهم حتى إذا تعلم جعل قاضيا أو عاملا أو قهرمانا

    الوظيفة الرابعة وهي من دقائق صناعة التعليم أن يزجر المتعلم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح وبطريق الرحمة لا بطريق التوبيخ فإن التصريح يهتك حجاب الهيئة ويورث الجرأة على الهجوم بالخلاف ويهيج الحرص على الإصرار إذ قال صلى الله عليه وسلم وهو مرشد كل معلم لو منع الناس عن فت البعر لفتوه وقالوا ما نهينا عنه إلا وفيه شيء حديث لو منع الناس عن فت البعر لفتوه الحديث لم أجده وينبهك على هذا قصة آدم وحواء عليهما السلام وما نهيا عنه فما ذكرت القصة معك لتكون سمرا بل لتتنبه بها على سبيل العبرة ولأن التعريض أيضا يميل النفوس الفاضلة والأذهان الذكية إلى استنباط معانيه فيفيد فرح التفطن لمعناه رغبة في العلم به ليعلم أن ذلك مما لا يعزب عن فطنته .

    الوظيفة الخامسة أن المتكفل ببعض العلوم ينبغي أن لا يقبح في نفس المتعلم العلوم التي وراءه كمعلم اللغة إذ عادته تقبيح علم الفقه ومعلم الفقه عادته تقبيح علم الحديث والتفسير وأن ذلك نقل محض وسماع وهو شأن العجائز ولا نظر للعقل فيه ومعلم الكلام ينفر عن الفقه ويقول ذلك فروع وهو كلام في حيض النسوان فأين ذلك من الكلام في صفة الرحمن فهذه أخلاق مذمومة للمعلمين ينبغي أن تجتنب بل المتكفل بعلم واحد ينبغي أن يوسع على المتعلم طريق التعلم في غيره وإن كان متكفلا بعلوم فينبغي أن يراعى التدريج في ترقية المتعلم من رتبة إلى رتبة.

    الوظيفة السادسة أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه فلا يلقى إليه ما لا يبلغه عقله فينفره أو يخبط عليه عقله اقتداء في ذلك بسيد البشر صلى الله عليه وسلم حيث قال نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم ونكلمهم على قدر عقولهم حديث نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن ننزل الناس منازلهم الحديث رويناه في جزء من حديث أبي بكر بن الشخير من حديث عمر أخصر منه وعند أبي داود من حديث عائشة أنزلوا الناس منازلهم فليبث إليه الحقيقة إذا علم أنه يستقل بفهمها وقال صلى الله عليه وسلم ما أحد يحدث قوما بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة على بعضهم وقال علي رضي الله عنه وأشار إلى صدره إن ههنا لعلوما جمة لو وجدت لها حملة وصدق رضي الله عنه فقلوب الأبرار قبور الأسرار فلا ينبغي أن يفشي العالم كل ما يعلم إلى كل أحد هذا إذا كان يفهمه المتعلم ولم يكن أهلا للانتفاع به فكيف فيما لا يفهمه وقال عيسى عليه السلام لا تعلقوا الجواهر في أعناق الخنازير فإن الحكمة خير من الجوهر ومن كرهها فهو شر من الخنازير ولذلك قيل كل لكل عبد بمعيار عقله وزن له بميزان فهمه حتى تسلم منه وينتفع بك وإلا وقع الإنكار لتفاوت المعيار وسئل بعض العلماء عن شيء فلم يجب فقال السائل أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من كتم علما نافعا جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار حديث من كتم علما نافعا جاء يوم القيامة ملجما بلجام من نار أخرجه ابن ماجه من حديث أبي سعيد بإسناد ضعيف وتقدم حديث أبي هريرة بنحوه فقال اترك اللجام واذهب فإن جاء من يفقه وكتمته فليلجمني فقد قال الله تعالى ولا تؤتوا السفهاء أموالكم تنبيها على أن حفظ العلم ممن يفسده ويضره أولى وليس الظلم في إعطاء غير المستحق بأقل من الظلم في منع المستحق أأنثر درا بين سارحة النعم فأصبح مخزونا براعية الغنم لأنهم أمسوا بجهل لقدره فلا أنا أضحى أن أطوقه البهم فإن لطف الله اللطيف بلطفه وصادفت أهلا للعلوم وللحكم نشرت مفيدا واستفدت مودة وإلا فمخزون لدي ومكتتم فمن منج الجهال علما أضاعه ومن منع المستوجبين فقد ظلم.

    الوظيفة السابعة أن المتعلم القاصر ينبغي أن يلقى إليه الجلى اللائق به ولا يذكر له وراء هذا تدقيقا وهو يدخره عنه فإن ذلك يفتر رغبته في الجلى ويشوش عليه قلبه ويوهم إليه البخل به عنه إذ يظن كل أحد أنه أهل لكل علم دقيق فما من أحد إلا وهو راض عن الله سبحانه في كمال عقله وأشدهم حماقة وأضعفهم عقلا هو أفرحهم بكمال عقله وبهذا يعلم أن من تقيد من العوام بقيد الشرع ورسخ في نفسه العقائد المأثورة عن السلف من غير تشبيه ومن غير تأويل وحسن مع ذلك سريرته ولم يحتمل عقله أكثر من ذلك فلا ينبغي أن يشوش عليه اعتقاده بل ينبغي أن يخلى وحرفته فإنه لو ذكر له تأويلات الظاهر اتحل عنه قيد العوام ولم يتيسر قيده بقيد الخوض فيرتفع عنه السد الذي بينه وبين المعاصي وينقلب شيطانا مريدا بهلك نفسه وغيره بل لا ينبغي أن يخاض مع العوام في حقائق العلوم الدقيقة بل يقتصر معهم على تعليم العبادات وتعليم الأمانة في الصناعات التي هم بصددها ويملأ قلوبهم من الرغبة والرهبة في الجنة والنار كما نطق به القرآن ولا يحرك عليهم شبهة فإنه ربما تعلقت الشبهة بقلبه ويعسر عليه حلها فيشقى ويهلك وبالجملة لا ينبغي أن يفتح للعوام باب البحث فإنه يعطل عليهم صناعاتهم التي بها قوام الخلق ودوام عيش الخواص



    الوظيفة الثامنة أن يكون المعلم عاملا بعلمه فلا يكذب قوله فعله لأن العلم يدرك بالبصائر والعمل يدرك بالأبصار وأرباب الأبصار أكثر فإذا خالف العمل العلم منع الرشد وكل من تناول شيئا وقال للناس لا تتناولوه فإنه سم مهلك سخر الناس به واتهموه وزاد حرصهم على ما نهوا عنه فيقولون لولا أنه أطيب الأشياء وألذها لما كان يستأثر به ومثل المعلم المرشد من المسترشدين مثل النقش من الطين والظل من العود فكيف ينتقش الطين بما لا نقش فيه ومتى استوى الظل والعود أعوج ولذلك قيل في المعنى لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم وقال الله تعالى أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ولذلك كان وزر العالم في معاصيه أكثر من وزر الجاهل إذ يزل بزلته عالم كثير ويقتدون به ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها ولذلك قال علي رضي الله عنه قصم ظهري رجلان عالم متهتك وجاهل متنسك فالجاهل يغر الناس بتنسكه والعالم يغرهم بتهتكه والله أعلم


    _________________

    *******************************************
    بيان العلم الذي هو فرض عين 476007128551819654
    alsaidilawyer
    alsaidilawyer
    مدير المنتدى
    مدير المنتدى


    الجنس : ذكر
    الابراج : الدلو
    عدد المساهمات : 4032
    نقاط : 80909
    السٌّمعَة : 2684
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    العمر : 53
    الموقع : الجمهورية اليمنية - محافظة إب

    بيان العلم الذي هو فرض عين Empty رد: بيان العلم الذي هو فرض عين

    مُساهمة من طرف alsaidilawyer السبت 28 أبريل 2012 - 7:04

    شكرا
    مشاركـة موفقــــة
    جزاك الله خيراً في دنياك وأخرتك
    ووفقك لما يحبه ويرضاه
    وأعانك على طاعته
    وجنبك معصيته
    وأسكنك
    الجنة
    بيان العلم الذي هو فرض عين 08310


    _________________

    *******************************************

    بيان العلم الذي هو فرض عين 08310

    بيان العلم الذي هو فرض عين 17904110
    أطياف
    أطياف
    المشرفه المميزه
    المشرفه المميزه


    الجنس : انثى
    الابراج : السمك
    عدد المساهمات : 435
    نقاط : 14164
    السٌّمعَة : 251
    تاريخ التسجيل : 24/07/2011
    العمر : 34
    الموقع : الجزائر

    بيان العلم الذي هو فرض عين Empty رد: بيان العلم الذي هو فرض عين

    مُساهمة من طرف أطياف السبت 22 سبتمبر 2012 - 13:27

    بيان العلم الذي هو فرض عين 31973810


    _________________

    *******************************************
    بيان العلم الذي هو فرض عين 164440077484592284
    أ. إيمان الطيب
    أ. إيمان الطيب
    إداري
    إداري


    الجنس : انثى
    الابراج : السمك
    عدد المساهمات : 1256
    نقاط : 26981
    السٌّمعَة : 215
    تاريخ التسجيل : 17/04/2010
    العمر : 44
    الموقع : اليمن السعيده
    أوسمه : بيان العلم الذي هو فرض عين Ououo_12

    بيان العلم الذي هو فرض عين Empty رد: بيان العلم الذي هو فرض عين

    مُساهمة من طرف أ. إيمان الطيب الثلاثاء 2 أكتوبر 2012 - 11:19

    بيان العلم الذي هو فرض عين 002aaa


    _________________

    *******************************************
    بيان العلم الذي هو فرض عين 10-f10

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 18 أبريل 2024 - 22:45