الفصل السابع
كيفية تهذيب الكلام وأوقات تأليفه
تهذيب الكلام:عبارة عن تردادِ النظر فيه بعد عمله- نظماً كان أو نثراً- وتغيير ما يجب تغييره,وحذف ما ينبغي حذفه وإصلاح ما يتعين إصلاحه وتحرير ما يدقُّ من معانيه واطّراح ما يتجافى عن مضاجع الرِّقّةِ من عليظ ألفاظه, لتشرق شموس التهذيب في سماء بلاغته, وترشف الأسماع على الطرب رقيق سُلافته,فإن الكلام إذا كان موصوفاً بالمهذب منعوتاً بالمنقّح علت رُتْبُهُ وإن كانت معانيه غير مبتكرة وكل كلامٍ قيل فيه:لوكان موضع هذه الكلمة غيرها, ولوْ تقدّمَ هذا المتأخّرُ وتأخر هذا المتقدّمُ, أو لو تمم هذه النقص بكذا, أو لو حذفت هذه اللفظة أو لو اتضح هذا المقصد وسهل هذا المطلب لكان الكلام أحسن والمعنى أبين كان ذلك الكلام غير منتظمٍِ في نوع التهذيبِ.
وكان زهير بن أبى سلمى معروفاً بالتنقيح والتهذيب وله قصائد تعرف بالحوليَّات - قيل : إنه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهرُ ويهذبها ويُنقِّحها في أربعة أشهرِ وبعرضها على علماءِ قبيلته أربعة أشهرٍ ولهذا كان الخليفة عمر بن الخطاب مع جلالته في العلم وتقدمه في النقد - يقدِّمه على سائر الفحول من طبقته.
وما أحسن ما أشار أبو تمام في التهذيب بقوله:
خذها ابنة الفكر المُهذّب ِ في الدُّجى واللّيْل أسْودُ رقْعةِ الجِلبــــاب
فأنه خص تهذيب الفكر بالدجى لكون الليل تهدأ فيه الأصوات وتسكن الحركات فيكون الفكر مجتمعاً ومرآة التهذيب فيه صقيلة, لخلوِّ الخاطر وصفا القريحة لاسيما وسط الليل.
قال أبو عبادة البحتري: كنت في جداثتي أروي الشِّعْرَ وكنت أرجع حتى قصدت أبا تَمام وانقطعت إليه واتكلت في تعريفه عليه,فكان أول ما قال لي: يا أبا عُباَدَة؟ تخير الأوقات وأنت قليل الهموم صِفْرٌ من الغموم.
وأعلم أن العادة في الأوقات إذا قصد الإنسان تأليف شئ أو حفظه أن يختار وقت السحر - وذلك أن النفس تكون قد أخذت حظها من الراحة وقسطها من النوم وخف عليها ثقل الغذاء وناسب بين الألفاظ والمعاني في تأليف الكلام وكن كأنك خياطُ تقدر الثياب على مقادير الأجسام وإذا عارضك الضجر فأرح نفسك ولا تعمل إلا وأنت فارغ القلب ولا تنظم إلا بشهوةٍ فإن الشهوةَ نعم المعين على حسن النظم وجملةُ الحال: أن تعتبر شعرك بما سلف من أشعار الماضين - فما استحسن العلماء فاقصده وما استقبحوه فاجتنبه.
(عن كتاب ((خزانة الأدب-وزهر الآداب)) باختصار)
مختارات من كتاب(جواهر الأدب)تأليف المرحوم السيد أحمد الهاشمي أختارها/المحامي محمد قايد محمد الصايدي -اليمن - إب(alsaydilawyer@yahoo.com)
كيفية تهذيب الكلام وأوقات تأليفه
تهذيب الكلام:عبارة عن تردادِ النظر فيه بعد عمله- نظماً كان أو نثراً- وتغيير ما يجب تغييره,وحذف ما ينبغي حذفه وإصلاح ما يتعين إصلاحه وتحرير ما يدقُّ من معانيه واطّراح ما يتجافى عن مضاجع الرِّقّةِ من عليظ ألفاظه, لتشرق شموس التهذيب في سماء بلاغته, وترشف الأسماع على الطرب رقيق سُلافته,فإن الكلام إذا كان موصوفاً بالمهذب منعوتاً بالمنقّح علت رُتْبُهُ وإن كانت معانيه غير مبتكرة وكل كلامٍ قيل فيه:لوكان موضع هذه الكلمة غيرها, ولوْ تقدّمَ هذا المتأخّرُ وتأخر هذا المتقدّمُ, أو لو تمم هذه النقص بكذا, أو لو حذفت هذه اللفظة أو لو اتضح هذا المقصد وسهل هذا المطلب لكان الكلام أحسن والمعنى أبين كان ذلك الكلام غير منتظمٍِ في نوع التهذيبِ.
وكان زهير بن أبى سلمى معروفاً بالتنقيح والتهذيب وله قصائد تعرف بالحوليَّات - قيل : إنه كان ينظم القصيدة في أربعة أشهرُ ويهذبها ويُنقِّحها في أربعة أشهرِ وبعرضها على علماءِ قبيلته أربعة أشهرٍ ولهذا كان الخليفة عمر بن الخطاب مع جلالته في العلم وتقدمه في النقد - يقدِّمه على سائر الفحول من طبقته.
وما أحسن ما أشار أبو تمام في التهذيب بقوله:
خذها ابنة الفكر المُهذّب ِ في الدُّجى واللّيْل أسْودُ رقْعةِ الجِلبــــاب
فأنه خص تهذيب الفكر بالدجى لكون الليل تهدأ فيه الأصوات وتسكن الحركات فيكون الفكر مجتمعاً ومرآة التهذيب فيه صقيلة, لخلوِّ الخاطر وصفا القريحة لاسيما وسط الليل.
قال أبو عبادة البحتري: كنت في جداثتي أروي الشِّعْرَ وكنت أرجع حتى قصدت أبا تَمام وانقطعت إليه واتكلت في تعريفه عليه,فكان أول ما قال لي: يا أبا عُباَدَة؟ تخير الأوقات وأنت قليل الهموم صِفْرٌ من الغموم.
وأعلم أن العادة في الأوقات إذا قصد الإنسان تأليف شئ أو حفظه أن يختار وقت السحر - وذلك أن النفس تكون قد أخذت حظها من الراحة وقسطها من النوم وخف عليها ثقل الغذاء وناسب بين الألفاظ والمعاني في تأليف الكلام وكن كأنك خياطُ تقدر الثياب على مقادير الأجسام وإذا عارضك الضجر فأرح نفسك ولا تعمل إلا وأنت فارغ القلب ولا تنظم إلا بشهوةٍ فإن الشهوةَ نعم المعين على حسن النظم وجملةُ الحال: أن تعتبر شعرك بما سلف من أشعار الماضين - فما استحسن العلماء فاقصده وما استقبحوه فاجتنبه.
(عن كتاب ((خزانة الأدب-وزهر الآداب)) باختصار)
مختارات من كتاب(جواهر الأدب)تأليف المرحوم السيد أحمد الهاشمي أختارها/المحامي محمد قايد محمد الصايدي -اليمن - إب(alsaydilawyer@yahoo.com)