الفصل الخامس
كيفية نظم الكلام
إذا أردت أن تصنع كلاماً فأخطر معانيه ببالك وتنقَّ له كرائم اللفظ واجعلها على ذكرٍ منك ليقربَ عليكَ تناولها ولا يتعبك تطلبها واعمله ما دمت في شباب نشاطك,فإذا غشيك الفتور وتخوّنكَ الملالُ فأمسك,فإن الكثير مع الملال قليل, والنفيس مع الضجر خسيس, والخواطر كالينابيع يُسْقى منها شئٌ بعد شىءٍ ,فتجد حاجتك مع الرَّيِّ , وتنال إربك من المنفعة عليك مما يُعْطيكَ يومك الأطْوَلَ بالكدِّ والمطالبة والمجاهدة والتكلف والمعاودة وإياك والتوعُّرَ فإن التُّوَعُّرَ يسلمكَ إلى التعقيد, والتعقيد هو الذي يستهلك معانيه ويشين ألفاظك.
ومَنْ أراد مَعْنًى كريماً فليلتمس له لفظاً كريماً,فإن مِنْ حقِّ المعنى الشريفِ اللفظ الشريفَ.
فإذا لم تجد اللفظة واقعةَ موقعها صائرةً إلى مستقرها حالةً في مركزها مُتَّصلة بسلكها بل وجدتها قلقةً في موضعها نافرةً عن مكانها فلا تكرهها على اغتصاب الأماكن والنزول في غير أوطانها فإنك إن لم تتعاط قريض الشعر المنظوم ولم تتكلف اختيار الكلام المنثور لم يعبك بذلك أحدٌ.
وإن تكلفته ولم تكن حاذقاً مطبوعاً ولا محكماً لشأنك بصيراً عابك من أنت أقل عيباً منه وزرى عليك من هو دونك,فإن لم تسمح لك الطبيعة بنظم الكلام في أوَّل وهْلَةٍ وتعصي عليكَ بعد إجالةِ الفكرةِ فلا تعجل ودعه سحابةَ يومك ولا تضجر وأمهله سَوَادَ لَيْلَتِك وعاوده عند نشاطك,فإنك لا تعدَمُ الإجابة والمُؤَتَاةَ.
فإن تَمَنَّعَ عليك بعد ذلك- مع تَرْوِيج الخاطر وطول الإمهالِ- فتحول من هذه الصناعة إلى أشهى الصَّناعات إليك وأخفها عليك,فإن لم تشتهيها إلا وبينكما نسبٌ. والشئ لا يحنُّ إلاّ إلى ما شاكلَهُ.
وينبغي أن تعرف أقدار المعاني فتوازن بينها أوزان المستمعين وبين أقدار الحالات فتجعل لِكُلِّ طبقةٍ كلاماً, ولكلِّ حالٍ مقاماً حتى تقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات,وأقدار المستمعين على أقدار الحالات.
(من (( كتاب الصناعتين )) باختصار)
مختارات من كتاب(جواهر الأدب)تأليف المرحوم السيد أحمد الهاشمي أختارها/المحامي محمد قايد محمد الصايدي -اليمن - إب(alsaydilawyer@yahoo.com)
كيفية نظم الكلام
إذا أردت أن تصنع كلاماً فأخطر معانيه ببالك وتنقَّ له كرائم اللفظ واجعلها على ذكرٍ منك ليقربَ عليكَ تناولها ولا يتعبك تطلبها واعمله ما دمت في شباب نشاطك,فإذا غشيك الفتور وتخوّنكَ الملالُ فأمسك,فإن الكثير مع الملال قليل, والنفيس مع الضجر خسيس, والخواطر كالينابيع يُسْقى منها شئٌ بعد شىءٍ ,فتجد حاجتك مع الرَّيِّ , وتنال إربك من المنفعة عليك مما يُعْطيكَ يومك الأطْوَلَ بالكدِّ والمطالبة والمجاهدة والتكلف والمعاودة وإياك والتوعُّرَ فإن التُّوَعُّرَ يسلمكَ إلى التعقيد, والتعقيد هو الذي يستهلك معانيه ويشين ألفاظك.
ومَنْ أراد مَعْنًى كريماً فليلتمس له لفظاً كريماً,فإن مِنْ حقِّ المعنى الشريفِ اللفظ الشريفَ.
فإذا لم تجد اللفظة واقعةَ موقعها صائرةً إلى مستقرها حالةً في مركزها مُتَّصلة بسلكها بل وجدتها قلقةً في موضعها نافرةً عن مكانها فلا تكرهها على اغتصاب الأماكن والنزول في غير أوطانها فإنك إن لم تتعاط قريض الشعر المنظوم ولم تتكلف اختيار الكلام المنثور لم يعبك بذلك أحدٌ.
وإن تكلفته ولم تكن حاذقاً مطبوعاً ولا محكماً لشأنك بصيراً عابك من أنت أقل عيباً منه وزرى عليك من هو دونك,فإن لم تسمح لك الطبيعة بنظم الكلام في أوَّل وهْلَةٍ وتعصي عليكَ بعد إجالةِ الفكرةِ فلا تعجل ودعه سحابةَ يومك ولا تضجر وأمهله سَوَادَ لَيْلَتِك وعاوده عند نشاطك,فإنك لا تعدَمُ الإجابة والمُؤَتَاةَ.
فإن تَمَنَّعَ عليك بعد ذلك- مع تَرْوِيج الخاطر وطول الإمهالِ- فتحول من هذه الصناعة إلى أشهى الصَّناعات إليك وأخفها عليك,فإن لم تشتهيها إلا وبينكما نسبٌ. والشئ لا يحنُّ إلاّ إلى ما شاكلَهُ.
وينبغي أن تعرف أقدار المعاني فتوازن بينها أوزان المستمعين وبين أقدار الحالات فتجعل لِكُلِّ طبقةٍ كلاماً, ولكلِّ حالٍ مقاماً حتى تقسم أقدار المعاني على أقدار المقامات,وأقدار المستمعين على أقدار الحالات.
(من (( كتاب الصناعتين )) باختصار)
مختارات من كتاب(جواهر الأدب)تأليف المرحوم السيد أحمد الهاشمي أختارها/المحامي محمد قايد محمد الصايدي -اليمن - إب(alsaydilawyer@yahoo.com)