بسم الله الرحمن الرحيم
التسفل وزيارة الموتى في المنام بين الواقع والأحلام
التسفل وزيارة الموتى في المنام بين الواقع والأحلام
قال تعالى (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لأيات لقومٍ يتفكرون) سورة الزمر الأية (42) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخله إزاره فإنه لا يدري ماخلقه عليه ثم ليقل:بأسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه, وأن أمسكت نفسي فأرحمها وأن أرسلتها فأحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين)متفق عليه.
فهذه الأية الكريمة والحديث الشريف يؤكدان أن الله عزوجل يتوفى الأنفس حينما تنام في الليل فيمسك التي قدرعليها الموت أي يقبضها عنده ولا يردها إلى الجسد,ويرسل النفس التي لم يحن أجلها إلى الجسد فتصحو من نومها لتباشر حياتها إلى أن يحين أجلهافتموت,وقد ورد في ظلال القرآن الكريم للسيد قطب الجزء الخامس في تفسيره للأية السابقة ما يؤكد ذلك بقوله(فالله يستوفي الآجال للأنفس التي تموت,وهو يتوفاها كذلك في منامها وإن لم تمت بعد ولكنها في النوم متوفاة إلى حين,فالتي حان أجلها يمسكها فلا تستيقظ والتي لم يحن أجلها يرسلها فتصحو,إلى أن يحل أجلها المسمى,فالأنفس في قبضته دائماً في صحوها وفي نومها)
فإذا كان المولى عزوجل يتوفى جميع الأنفس عند نومها,فهل يعني هذا أن الأنفس التي يتوفاه المولى عزوجل في نومها تصعد إلى السماء وتلتقي مع بعضها البعض وتعرف بعضها البعض أم لا؟ وهل تلتقي الأنفس النائمة مع الأنفس التي قد قضى عليها الموت والتي كانت تعرفها في الدنيا وتسأل كلٌ منهما الأخرى عن حالها,فتحدث النفس الميتة النفس النائمة عن حالها وماجرى لها بعد الموت؟وهل صحيح أنه يمكن للنفس الميتة أن ترسل لأهلها في الدنيا رسالة أو توصية مع النفس النائمة تكشف لهم أسرارلايعلمون بها لكونه لم يكن يعلمها أحد في الدنيا إلا الميت قبل موته أوهووشخص أخرمن الأحياء يقوم باخفاءها لأجل فائدة أو مصلحة؟
وفي الواقع أن هذه الأمور تعتبر من الأمور الغيبية التي يصعب على الإنسان الإجابة عليها بإجابات يقينية وقاطعة وذلك لإنعدام الأدلة الصريحة من الكتاب والسنة والتي يمكن الاستناد إليها والاعتماد عليها في الإجابة على تلك الأسئلة أجابة مقنعة وقاطعة.
ولكن مع هذا أن رؤية الحي للميت في المنام ومعرفة أحواله في القبر,هل هو في نعيم أم في عذاب؟ تعتبر من الأمورالمسلمة بها بين جميع المسلمين,والتي لايمكن تكذيبها أو إنكارها, لما روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (أن الأرواح جنود مجندة ماتعارف منها ائتلف وما تناكر منها أختلف).
كما أن الكثيرمن كتب المسلمين قد نقلت لنا العديد من الروايات عن بعض الصالحين الذين تم رؤيتهم في المنام بعد موتهم فأخبروا أهل الدنيا عن حالهم, فقد جاء في كتاب صفة الصفة للإمام جمال الدين أبي الفرج عبدالرحمن بن علي الجوزي الصفحة رقم (122)عن عبدالله بن عبدالله بن العباس قال:كان العباس خليلاً لعمر فلما أصيب عمر جعل يدعو الله أن يريه عمر في المنام قال:فرآه بعد حول وهو يمسح العرق عن وجهه قال:ما فعلت؟ قال:هذا أوان فرغت إن كاد عرشي ليهد لولا أني لقيت رؤوفاً رحيماً.
وورد في الصفحة رقم (154) أنه روى عن الربيع قال رأيت الشافعي بعد وفاته بالمنام فقلت:يا أبا عبدالله ما صنع الله بك؟ قال:أجلسني على كرسي من ذهب ونثرعلى اللؤلؤ الرطب والسلام.
وورد في الصفحة رقم (216) أنه روى عن أبو بكرالمروزي:رأيت أحمد بن حنبل في النوم كأنه في روضة وعليه حلتان خضروان وعلى رأسه تاج من النور,وإذا هو يمشي مشية لم أكن أعرفها,فقلت:يا أحمد ماهذه المشية التي لم أكن أعرفها لك؟ فقال:هذه مشية الخدام في دار السلام فقلت:ماهذا التاج الذي أراه على رأسك؟ فقال إن ربي عزوجل أوقفني وحاسبني حساباً يسيراً وحباني وقرَّبني وأباحني النظر إليه,وتوجني بهذه التاج وقال لي:يا احمد هذا تاج الوقار توجتك به كما قلت القرآن كلامي غير مخلوق.
وعن أبي علي بن البناء قال:لما ماتت أم القطيعي دفنها في جوار أحمد بن حنبل,فرأها في المنام بعد ليال فقال:ما فعل الله بك؟ فقالت:يابنى رضي الله عنك,فلقد دفنتني في جوار رجل تنزل على قبره في كل ليلة,أو قال في كل جمعة رحمة تعم جميع أهل المقبرة وأنا منهم.
وقال مسلمة بن عبد الملك رأيت عمر بن عبدالعزيز بعد موته في المنام فقلت له إلى أي الحالات صرت يا أمير المؤمنين فقال يا مسيلمة هذا أوان فراغي والله ما استرحت إلى الآن فقلت يا أمير المؤمنين فأين أنت فقال أنا مع أئمة الهدى في جنات عدن. أنظر الروض الفائق في المواعظ والرقائق للعالم العلامة والحبر الفهامة الشيخ شعيب الحريفيش ص160 - دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت.
فهذه الرويات وغيرها الكثير من الرويات التي يمكن للقارئ أن يجدها في العديد من الكتب الإسلامية والتي تبين لنا فيها حال بعض الموتي إما من النعيم أو العذاب,وأنا لا يمكنني تكذيب مثل تلك الرويات أو التشكيك فيها,واود من خلال إيراد تلك الرويات الخلوص إلى أنه بلا شك ولا ريب يمكن للأحياء أثناء نومهم رؤية الموتى ومعرفة أحوالهم,وهذا ما تسمى بالرؤيا الصادقة والتي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يبقى من النبؤة سوى الرؤية الصادقة,ولكن هناك موضوع أخر أود أن اتطرق إليه وهوزيارة الموتي في المنام,فقد كان هناك ظاهرة منتشرة بين أوساط المجتمع اليمني نتيجة للأمية التي كان يعيشها خلال الفترة الماضية وهذه الظاهرة هي ما كانت تسمى بـ (التسفل),ولفظها قد أتي من لفظ (السفل)بضم السين وكسرها و(السفول)بالضم و(السفال)بالفتح و(السفالة) بالضم وهى ضد العلو,ويقصد بها قيام النفس البشرية في المنام بزيارة الموتى إلى قبورهم ومعرفة أحوالهم والكشف عن أمور دنوية خفية لم يكن يعلم بها إلا الميت,حيث يدعي أحد الأحياء أنه قام في المنام بالذهاب إلى المقبرة والإلتقاء بأهلها ومعرفة أحوالهم,ويكون التسفل خاص بالنساء دون الرجال ويحدث ذلك للمرأة بعد أن يتوفى عنها قريب عزيزعليها,حيث وأنها تحزن عليه حزناً شديداً,ومن شدة حزنها عليه,وتفكيرها فيه ليلاً ونهاراً,فأنها تقوم برويته في المنام عدة ليالي ورؤية غيره من الموتى المدفونين معه في المقبرة,وتعرف هذه المرأة التي تدعي ذلك بـ(المتسفلة)فيقال أنها تذهب أثناء النوم إلى المقبرة وتنزل إلى تحت الأرض وتزور الموتي وتعرف أحوالهم وهل هم في راحة ونعيم أم أنهم في شقاء وعذاب اليم,بل ويقال أنها تكشف عن أسراربعض الموتي وعن العديد من الأمور الخفية التي قد يتوفى الميت ولا يعلم بها سواه أو شخص أخر يخفيها بعد موت الميت لمصلحة أو لمنفعة له,ويقال أنها تقوم بحمل توصيات ورسائل من الموتي إلى أهلهم الأحياء في الدنيا سواء بخصوص دين في ذمته للغير أو بدين في ذمة الغير له وغير ذلك من الأمورالخفيه,وكان قبل سنوات يقوم أهل بعض الموتى بإستئجار(المتسفلة)لتأتي إلى منزل الميت لكي تقوم بزيارة الميت إلى قبره ومعرفة حاله وبعض الأسرار والأمورالخفية,ويقال أن المتسفلة تنام في غرفة منفردة,ليلة أو أكثر ثم تخبر أهل الميت بأنها قد قامت بزيارة المقبرة التي دفن فيها ميتهم وأنها التقت به وتكشف لهم بعض الأمورعن الميت وعن أخرين من الموتى المدفونين في المقبرة.
والحقيقة أنني لا أنكر أن الأحياء يمكنهم أثناء النوم روية بعض الأموات في الأحلام ومعرفة أحوالهم, ولكن ما لا أصدقه إطلاقاً ما تدعيه بعض النساء التي تسمى بالمتسفلة, لاني أستبعد أن بأمكان الحي أن يتحكم في أحلامه برؤية من شاء من الأموات ومتى شاء ذلك,فليس من المعقول إطلاقاً أن يكون بمقدور إنسان التحكم بأحلامه, ورؤية من شاء في المنام ومتى شاء, ولا يمكن للشخص أن ينام بقصد أن يرى الميت الفلاني في أحلامه أو يزوره إلى قبره,فيتحقق له ذلك ويرى فعلاً ذلك الميت الذي يريده ويزوره إلى قبره, ولا يمكن للشخص أن يرى في المنام شخصاً لم يلتقي به في الدنيا فيخبره عن حاله ويرسل معه توصية إلى أهله في الدنيا, وليس من المعقول أن يهتم الميت بامورالأحياء الدنوية أو باطماعها وشهواتها فيخبر أحد الأحياء في المنام بأسرار دنوية أخفاها عنهم في حياته إلا إذا كانت سبب عذابه في القبرويسعى إلى تبليغ أهله الاحياء بالدنيا كي يبرون ذمته منها كاغتصابه لأرض الغير أو أكله مال مظلوم أو دين في ذمته أو غير ذلك .
فالانسان أثناء النوم يعتبر كالميت بدون عقل,لايستطيع التحكم بشئ من تصرفاته وأحاسيسه وشعوره أو بأحد أعضاء جسده ولهذا فأن المولى عزوجل رفع عنه القلم حتى يصحو, كما أن الاحلام في المنام تعد من الأموراللارادية التي يتحكم بها المولى عزوجل فتحدث للشخص دون أن يكون لإرادته أي دخل فيها,ودون أن يكون له أي قدرة أو أستطاعة على التحكم بها,فمن الممكن والمعقول أن يقوم لالشخص برؤية الميت الفلاني في المنام ويعرف حاله دون أن يكون قاصد اً ذلك,ومن الممكن أن يرى النائم أنه ذهب إلى المقبرة والتقى بالموتى من الذين كان يعرفهم في الدنيا ورأى أحوالهم في القبور دون أن يكون قبل نومه يريد ذلك أو يرغب بذلك ...
قصة واقعية
أخبرتني عمتي أخت والدي أنها كانت ترى في المنام أنها تقوم بزيارة الموتي في المقبرة التي دفن فيها,وذلك عدة ليالي ليست متتالية وأنما لسنوات عدة بعد وفاته,وأخبرتني عن مكان وجود الباب الذي تنزل منه من سطح الأرض إلى المقبرة بباطن الأرض فتلتقي فيها بالموتى فتتحدث معهم وتسأل عن أحوالهم , ومع أن عمتي في الحقيقة ليست متعلمة فهي أمية ولكنها أخبرتني عن أمور شاهدتها في كل مرة أثناء زيارتها للمقبرة,لو لم تكن عمتي أمية لقلت أنها قرأتها في إحدى الكتب ومن ذلك ماروته لي عن العذاب الذي تراه يحدث لأحد الموتى, مما جعلني أصدق واقعة زيارة الأحياء في المنام للمقابر واللقاء مع الموتى,فقد أخبرتني أنها أثناء ما تصل إلى المقبرة إذا تشاهد رجلاً مقيداً بالسلاسل الحديدية ويقاد بالاغلال الملتفة حول عنقه ورأت ملكين يضربانه بأسواط من الحديد وهو يصرخ ويصيح حتى يزلزل أركان الكون,وأثناء ما تنظر إلى ذلك الرجل ومايلقاه من عذاب إذا تسمع وكأن المؤذن يؤذن لصلاة الفجر,وترى رجلان قد أتيا بإناء كبير فيه ماء حاريتصاعد منه البخار نحو السماء,فيوضع أمام ذلك الميت,ويأمره الملكان بأن يتوضاء بذلك الماء الساخن, فيقوم ذلك الميت بغمس يده في الماء ثم يرفعها بسرعة وهو يصيح من شدة حرارة الماء ويبكى بكاء الثكالى,ويقول لا أستطيع أن أتوضأ بهذا الماء,فيضربه الملكان بالاسواط ويقولان له تؤضا فأنك قد أبيت أن تتؤضا في الدنيا بماء بارد,فاليوم تتوضأ بماء يغلي الوجوه والأجسام,فيتوضاء بالماء الساخن وهو يصيح ويصرخ من شدة مايلقاه من حراراة الماء فينسلخ جلده عن جسده,ثم يؤتى له بقطعة حديد ملتهبة شديدة الحمرة,فيأمره الملكان بأن يصلى عليها فيرفع أحدى قدميه ليضعها على قطعة الحديد الملتهبة,فلا يقدرعلى ذلك فيردها سريعاً وهو يصرخ ويبكي قائلاً لا أستطيع لا أستطيع,فيقوم الملكان بضربه بالأسواط الحديدية قائلان له صل وأسجد اليوم علي قطعة النار,فأنك قد أبيت أن تصلي وأن تسجد لله في الدنيا على التراب والرمل وكنت قادراً على ذلك,وما أن يطرح قدميه على قطعة الحديد الملتهبة إلا ويصرخ صرخة تزلزل أركان المقبرة,فتسأل عمتى الموتى عن حال ذلك الرجل فيقال لها بأنه كان تاركاً للصلاة في الدنيا,وأن هذا هو حاله كل يوم وليلة منذ وفاته وفي كل وقت من أوقات الصلوات الخمس يحدث له ذلك,فتصحو عمتى من نومها وإذا بها تسمع المؤذن ينادي لصلاة الفجر(الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبرالله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر حي على الصلاة)وقد غشاها العرق من هول مارأته في المنام من حال ذلك الميت الذي يعذب في قبره,فتقوم لأداء صلاة الفجربقلب خاشع وجسم خاضع ذليل تدعو الله أن يقيها من عذاب القبر والناروأن ينعم عليها بالعفو والرحمة والغفران,فنعوذ بالله من عذاب القبرومن عذاب النار ومن فتنة المحيا والممات.
وهذه إحدى الرويات عن أحوال بعض الموتى والتي قد جعلتني أقوم بالكتابة عن هذا الموضوع لما فيه من ترهيب لكل ذي قلب ولكل ذي عقل لعله ينتفع بها القارئ ويتعظ بمن سبقه,وأعلم أن ذلك من الموضوعات التي تجد جدلاً واسعاً بين أوساط المجتمعات العربية والإسلامية فمنهم مصدق لمثل هذه الرويات ومنهم مكذب لها والله أعلم بالصواب.