بسم الله الرحمن الرحيم
استقلال القضاء في اليمن بين الواقع والطموح
استقلال القضاء في اليمن بين الواقع والطموح
المحامي محمد قايد محمد الصايدي
مبدأ استقلال القضاء والقاضي يعتبر من أهم المبادئ التي تكفل ضمان عدالة القضاء وحياد القاضي ونزاهته في كل زمان ومكان, ومن أهم الأسس والأركان, التي يقوم عليها القضاء العادل على مر العصور والازمان, وهو هدف خالد يسعى لتحقيق العدالة في المجتمع، نادت به كل المجتمعات والشعوب الحرة، التي وقفت بوجه الظلمة والاستبداد والطغيان ، لتشيد بدلا من الأنظمة الشمولية مؤسسات القانون، فأصبحت العدالة صِنوَّ القضاء المستقل الذي اقترن بها, فلا يمكن أن تتحقق العدالة في أي مجتمع ما إلا إذا كان القضاء فيه مستقلاً استقلال فعلي بجميع أركانه, ويكون القاضي فيه مستقل بشخصه استقلال فعلي وذات حياد كامل, ولقد أصبح استقلال القضاء اليوم مبدأ عالمي مهم على وفق ما ورد في الإعلان العالمي لاستقلال العدالة الصادر عن مؤتمر مونتريال المنعقد في كندا عام 1983م والمبادئ الأساسية بشأن استقلال القضاء الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1985م والتي تعتبر المرجع الدولي بشأن استقلال القضاء في العالم حيث نصت في البند الأول (تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية ) فأصبح مبدأ استقلال القضاء بهذا النص العالمي مبدأ قانوني دولي هام يشكل التزاماً دولياً على جميع الدول احترامه والنص عليه في دساتيرها وقوانينها الوطنية وجعله من الأركان التي تقوم عليها سلطتها القضائية, واوجب على جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية احترامه ومراعاته ...
ولقد كانت الدولة الإسلامية التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم أول الدول التي وضعت أسس ومبادئ القضاء العادل ومن أهمها مبدأ استقلال القاضي وحياده, من أجل رفع الظلم وتحقيق العدالة وإنشاء قضاء عادل يحكم بكتاب الله عزوجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لا يخاف في الله لومة لائم ولا يجامل أحداً حتى ولو كان الخليفة نفسه, وكان استقلال القاضي من أهم الضمانات التي كان يتمتع بها القاضي أثناء النظر والفصل في الخصومات والمنازعات, فكان القضاء العادل أحد أهم ركائز الدولة الإسلامية التي دانت لها البلدان والممالك, وخضعت لحكمها الملوك والسلاطين, ومدت سيطرتها وحكمها على العديد من البلدان والاقاليم في ثلاث قارات هي أسيا وأفريقيا وأوربا ..
مفهوم استقلال القضاء
ذهب شراح القانون إلى تحديد معنى استقلال القضاء في مفهومين هما :-
1- المفهوم الشخصي : يقصد به توفير الاستقلال للقضاة كأشخاص وعدم وضعهم تحت رهبة أي سلطة من السلطات الحاكمة وان يكون خضوعهم لسلطان القانون فقط, ويلزم توفير قدر من الضمانات الوظيفية لهم بما يكفل استقلالهم وعلى وجه الخصوص تجاه السلطة التنفيذية، كجعل اختيار القضاة وتعيينهم ونقلهم وندبهم وعزلهم ومحاسبتهم وإحالتهم إلى التقاعد بيد السلطة القضائية وحدها دون غيرها من سلطات الدولة، وكذا توفير الحماية القضائية للقضاة للنأي بهم عن التهم الكيدية من السلطة التنفيذية، وعدم جواز نقلهم من السلك القضائي إلى وظيفة أخرى وعدم جواز عزلهم بقرار من السلطة التنفيذية لعدم إعطائها فرصة للتدخل في شئون القضاة والضغط عليهم بالاتجاه الذي ترغب فيه، ويترك الأمر إلى السلطة القضائية نفسها، وعدم مسئولية القاضي تأديباً أو مدنياً عن الأخطاء التي تصدر منه أثناء تأدية عمله، إلا إذا وصلت إلى حد الخطأ المهني الجسيم أو الغش المقصود او اذا امتنع صراحة او ضمنا عن النظر في الدعوى او الفصل في قضية صالحة للحكم فيها بدون عذر شرعي أو اذا اعترف القاضي انه تعمد الجور في حكمه او انه قضى بغير الحق او بناء على رشوة فيخضع للمحاكمة المدنية اذا رفعت ضده دعوى مخاصمة وفقاً لما نص عليه قانون المرافعات والتنفيذ المدني ، وذلك لتتوافر له حرية الاجتهاد في إصدار الأحكام وإبداء الآراء باستقلالية وحياد كامل ولمنع الدعاوى الكيدية ضد القاضي, بالإضافة إلى عدم جعل ترقية القاضي أو راتبه وحقوقه المالية بيد السلطة التنفيذية أو التشريعية، وإنما بيد السلطة القضائية حصرا ، من اجل توفير الحصانة له من التأثير على حياديته، كما إن ذلك سيوفر الحياد السياسي للقاضي، من اجل إبعاده عن أي تأثيرات خارجية كالمصالح الحزبية أو الطائفية أو المذهبية أو غيرها.
2- المفهوم الموضوعي : ويقصد به تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات, واستقلال القضاء كسلطة وكيان عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وعدم السماح لأي جهة التدخل في شئون السلطة القضائية, أو إعطاء أوامر أو تعليمات أو اقتراحات للسلطة القضائية تتعلق بتنظيم السلطة، كما يعني عدم المساس بالاختصاص الأصلي للقضاء، وهو الفصل في المنازعات بتحويل الاختصاص في الفصل لجهات أخري كالمحاكم الاستثنائية ، أو المجالس التشريعية أو إعطاء صلاحيات القضاء إلى الإدارات التنفيذية، كذلك باعتبار مهمة القضاء سلطة , وليست وظيفة تتبع السلطة التنفيذية .
واقع القضاء اليمني من حيث الاستقلال الشخصي والموضوعي
إذا تأملنا إلى واقع القضاء وأوضاع القضاة في اليمن منذ تحقيق الوحدة اليمنية المباركة وحتى وقتنا هذا , نجد أن الاستقلال الفعلي للقضاء والقاضي في اليمن بمفهومه الشخصي والموضوعي ليس له أي وجود على الواقع رغم أن النصوص الدستورية والقانونية قد نصت عليه صراحة , نبين ذلك بالآتي : -
أولاً : من حيث المفهوم الموضوعي :-
أن استقلال القضاء في اليمن بمفهومه الموضوعي, قد ظل منعدماً وليس له أي وجود على الواقع الملموس منذ تحقيق الوحدة المباركة وحتى وقتنا هذا رغم أن نظام الحكم فيها ,نظام ديمقراطي يقوم على اساس مبدأ الفصل بين سلطات الدولة الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
فالمتأمل لواقع القضاء في اليمن يجد أن السلطة القضائية لم تنال استقلالها الفعلي قضائيا ومالياً وإدارياً كسلطة مستقلة عن السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية حتى الآن, وقد ظلت السلطة التنفيذية هي التي تتولى إدارة شئون القضاء عن طريق رئيس الجمهورية ووزير العدل, رغم أن دستور الجمهورية اليمنية قد نص صراحة على مبدأ استقلال القضاء كسلطة عن بقية سلطات الدولة سواء قبل التعديل أو بعد التعديل فنصت المادة (120) من دستور الجمهورية اليمنية قبل التعديل على أن (القضاء سلطة مستقلة قضائيا ومالياً وإداريا) ونصت عليه المادة رقم (147) من دستور الجمهورية اليمنية المعدل وأكد ذلك أيضاَ القانون رقم 1 لسنة 1991م بشأن السلطة القضائية, والذي نص في المادة (1) منه على مبدأ استقلال القضاء كسلطة بما نصه (القضاء سلطة مستقلة في اداء مهامه)
كما أكد الدستور المعدل على أن المحاكم وحدها هي صاحبة الاختصاص في الفصل في جميع المنازعات والجرائم كل منها بحسب درجاتها واختصاصها النوعي والمكاني, فقد نصت المادة (147 ) من الدستور (وتتولى المحاكم الفصل في جميع المنازعات والجرائم) كما نص على عدم جواز انشاء المحاكم الاستثنائية بأي حال من الأحوال, وذلك في المادة ( 148 ) والتي نصت علىى (القضاء وحدة متكاملة ويرتب القانون الجهات القضائية ودرجاتها ويحدد اختصاصاتها كما يحدد الشروط الواجب توفرها فيمن يتولى القضاء وشروط وإجراءات تعيين القضاة ونقلهم وترقيتهم و الضمانات الأخرى الخاصة بهم ولا يحوز إنشاء محاكم استثنائية بأي حال من الأحوال)
فبرغم أن هذه النصوص الدستورية والقانونية قد نصت صراحة على استقلال القضاء كسلطة بجميع جوانب الاستقلال الفنية والادارية والمالية, إلا أن القضاء اليمني كسلطة لم ينال أي شئ من الاستقلال الفعلي على الواقع الملموس, حيث كان رئيس الجمهورية في ظل قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 1991م هو من يتولى رئاسة السلطة القضائية المتمثلة برئاسة مجلس القضاء الأعلى وفقاً لنص المادة (104) منه, والتي نصت (يشكل مجلس القضاء الأعلى على النحو التالي : 1- رئيس مجلس الرئاسة .. رئيساً ..إلخ)
وإن كان القضاء اليمني قد بدأ في الحصول على جزء من الاستقلال الفعلي كسلطة في عام 2006م وذلك بصدور القانون رقم 15 لسنة 2006م بتعديل بعض مواد القانون رقم 1 لسنة 1991م بشأن السلطة القضائية والذي نص في المادة(104) (يشكل مجلس القضاء الأعلى على النحو التالي : 1- رئيس المحكمة العليا 2-وزير العدل 3- النائب العام 4- أمين عام المجلس 5- رئيس هيئة التفتيش القضائي 6- ثلاثة أعضاء يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية على أن لا يقل درجة كل منهم عن قاضي محكمة استئناف وتحدد اللائحة كيفية إدراة أعمال المجلس ومواعيد انعقاده)
وتخلى الرئيس السابق عن منصب رئاسة مجلس القضاء الأعلى وقام بتعيين القاضي العلامة عبد الوهاب السماوي رئيس المحكمة العليا في منصب رئاسة مجلس القضاء الأعلى أيضاَ , بقرار جمهوري بموجب نص المادة (104 مكرر) من التعديلات, ثم قام الرئيس عبد ربه منصور هادي بإجراء التعديلات في المواد (104, 104 مكرر) من قانون السلطة القضائية وإصدار القرار الجمهوري بالقانون رقم (18) لسنة 2012 بتعديل المادتين (104، و104 مكرر) من قانون السلطـــــــــة القضائيـــــــــة والتي تم بموجبها الفصل بين منصب رئيس المحكمة العليا ومنصب رئيس مجلس القضاء الأعلى, وقام في يوم الأربعاء بتاريخ 29 / 8/ 2012م بإصدار القرار الجمهوري رقم (35) لسنة 2012م والذي قضى فيه بتعيين العلامة القاضي الدكتور علي ناصر سالم رئيساً لمجلس القضاء الأعلى بدلاً عن القاضي عصام السماوي والذي كان يشغل منصب رئيس المحكمة العليا ورئيس مجلس القضاء الاعلى وفقاً للقانون رقم (15) لسنة 2006م المعدل لبعض مواد قانون السلطة القضائية...
إلا أن ذلك كله لم يحقق للقضاء في اليمن الاستقلال الفعلي كسلطة على الواقع الملموس بما يطمح إليه جميع أعضاء السلطة القضائية والمحامين وذلك للعديد من الأسباب منها :
1- أن السلطة التنفيذية هي من تقوم بتشكيل السلطة القضائية المتمثلة بمجلس القضاء الأعلى وتعيين أعضاءه وكذلك تعيين أعضاء السلطة القضائية , حيث أن رئيس مجلس القضاء الأعلى يتم تعيينه بقرار من رئيس الجمهورية وفقاً لما نصت عليه المادة (104) مكرر في التعديلات السابقة والاخيرة, كما أن رئيس المحكمة العليا والنائب العام واللذان هما أعضاء في مجلس القضاء الاعلى يتم تعيينهما في مناصبهما القضائية بقرارات جمهورية , كما أن رئيس هيئة التفتيش القضائي يتم أيضا تعيينه في منصبه بقرار جمهوري وأيضاَ الأعضاء الثلاثة الأخرين يتم تعيينهم بقرار من رئيس الجمهورية وفقاً لنص المادة (104) من قانون السلطة القضائية بعد التعديلات السابقة والاخيره ...
2- إن بعض أعضاء مجلس القضاء الأعلى هم من موظفي السلطة التنفيذية أثناء توليهم لمنصب عضوية مجلس القضاء الأعلى ولا يعتبرون من السلطة القضائية, حيث أن وزير العدل يعتبر من أعضاء الحكومة (السلطة التنفيذية), كما إن رئيس هيئة التفتيش القضائي هو أيضاً من موظفي السلطة التنفيذية بموجب ندبه لتولي منصب رئيس التفتيش كون هيئة التفتيش القضائي تتبع إداريا ومالياً لوزارة العدل وإحدى هيئاتها ولا تعتبر من هيئات السلطة القضائية.
3- إن مجلس القضاء الاعلى ذات اختصاص شكلي ومحدود ومقيد, وفقاً لما نص عليه الدستور بعد التعديل ووفقاً لما ينص عليه قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م المعدل بالقانون رقم 15 لسنة 2006م , حيث أنه لا يتولى الادارة الكاملة للسلطة القضائية باستقلالية تامة , فلا يتولى تشكيل الجهات القضائية, ولا يتولى ادارة شئون القضاء كسلطة مستقلة استقلال فعلي مالياً وقضائيا وادارياً, ولا يقوم بالتفتيش والرقابة على أعمال القضاة في المحاكم, حيث أنه لا يقوم باصدار قرارات تشكيل الجهات القضائية والقرارات المتعلقة بالشئون الوظيفية والادارية والمالية لاعضاء السلطة القضائية وقرارات التعيين في السلطة القضائية بعد التخرج من المعهد العالي للقضاء, والقرارات المتعلقة بنقل وتعيين وترقية القضاة في محاكم الاستئناف والمحكمة العليا والنائب العام والمحامين العموميين ورؤساء النيابات وأعضاء نيابات الاستئناف ولا يقوم بالتفتيش والمراقبة على أعمال القضاة وتقييم مستوى أدائهم , فمجلس القضاء الأعلى لايعتبر على الواقع التشريعي والفعلي ممثل السلطة القضائية والجهة الادارية العليا للسلطة القضائية وأنما هو للأسف الشديد مجرد جهة إدارية تابعة إداراياً ومالياً للسلطة التنفيذية, ممثلة برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير العدل, وجميع القرارات الهامة الاساسية المتعلقة بتشكيل الجهات القضائية وإدارة شئون السلطة القضائية قضائيا ومالياً وإدارياً تصدر من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير العدل, ولا يمتلك مجلس القضاء الأعلى سوى الموافقة عليها إن تم عرضها عليه قبل إصدار القرارات الجمهورية فيها إذا اوجب القانون عرضها عليها قبل اصدارها للموافقة عليها, وليس بمقدوره رفض تلك القرارات أو عدم الموافقة عليها لأي سبب كان, فهو ملزم بالموافقة عليها تنفيذاً للسياسة التي تضعها وتنفذها السلطة التنفيذية والتي تعتبر ادارة شئون القضاء واصدار القرارات المتعلقة به جزءً لا يتجزأ من سياسة الدولة التي تختص بها السلطة التنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير العدل, بل أن اغلب تلك القرارات قد تصدر أحياناً من السلطة التنفيذية دون ان يتم عرضها على مجلس القضاء الأعلى قبل إصدارها للموافقة عليها, بل قد تصدر دون أن يعلم بها مجلس القضاء الأعلى قبل صدورها عن طريق السلطة التنفيذية وأنما يعلم بها بعد صدورها عن طريق القنوات اليمنية أو الصحف المحلية..
4- أن القرارات التي يصدرها مجلس القضاء الأعلى ليست قرارات نهائية وأنما هي قرارات تمهيدية تخضع للتعديل والرفض من قبل السلطة القضائية, وليس لها أي حجية على الواقع إلا بعد قبولها من السلطة التنفيذية وإصدار القرارات الجمهورية فيها, فحتى القرارات التي منح قانون السلطة القضائية لمجلس القضاء الأعلى سلطة إصداراها منفرداً كقرارات حركة تنقلات رؤساء وقضاة المحاكم الابتدائية ووكلاء وأعضاء النيابات الابتدائية, فإن مجلس القضاء الأعلى يصدرها بناءاً على عرض وزير العدل, ويلزم عليه قبل إصدارها الرجوع إلى رئيس الجمهورية للحصول على موافقته قبل إصدارها وإلا فأن من حق رئيس الجمهورية إيقاف تلك القرارات وعدم نفاذها, بل وتغيير رئيس وأعضاء مجلس القضاء الأعلى في حالة قيامهم بإصدار قرارات دون الرجوع فيها إلى رئيس الجمهورية قبل إصدارها, والدليل على ذلك أن رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي قام بإيقاف حركة التنقلات القضائية لعدد من رؤساء وقضاة المحاكم الابتدائية ووكلاء وأعضاء النيابات الابتدائية التي أجريت قبل شهر رمضان المبارك لعام 1433هـ والتي أصدرها مجلس القضاء الأعلى مستنداً في إصدارها إلى نص المادة (65 / ج) من قانون السلطة القضائية بحجة عدم الرجوع إليه في إصدارها, كما أن حركة التعيين والتنقلات القضائية التي تصدر قراراتها من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير العدل بترشيح واختيار وتنقيل من وزير العدل وتصدر بناء على القرارات المتعلقة بتشكيل السلطة التنفيذية ومنها القرار الجمهوري رقم (184) لسنة 2011م بتشكيل حكومة الوفاق الوطني وتسمية أعضائها..
5- إن العمل القضائي في اليمني يعتبر وظيفة وليس سلطة , وقد نصت على ذلك المواد (57, 58, 82, 85) من قانون السلطة القضائية, ولهذا فقد ظل القضاء بهيكله وتكويناته وأعضاءه جزء من السلطة التنفيذية ولم يتحقق له أي استقلال فعلي على الواقع, فلا زال أعضاء السلطة القضائية تابعون إدارياً ومالياً للسلطة التنفيذية ممثلة بوزارة العدل ووزارة المالية ورئاسة الوزراء ومكتب الرئاسة, بل ولازالت الجهة التي تتولى إدارة شئون القضاء بشكل عام وملموس هي السلطة التنفيذية وزارة العدل ولازالت أغلب شئون القضاء الإدارية والمالية والوظيفية تدار من وزير العدل وليس من رئيس مجلس القضاء الأعلى, فقد منح قانون السلطة القضائية وزير العدل الحق في الإشراف الإداري والمالي والتنظيمي على جميع المحاكم والقضاة, حيث نصت المادة (89) من قانون السلطة القضائية على (مع عدم الإخلال بما للقضاء من استقلال فيما يصدر عنه من أحكام أو قرارات يكون لوزير العدل حق الإشراف الإداري والمالي والتنظيمي على جميع المحاكم والقضاة) والمعلوم أن وزير العدل يعتبر أحد رجال السلطة التنفيذية فهو مهما سما فأنه يمثل تلك السلطة وينفذ سياستها ويخضع مثل غيره لرقابة وأشراف وإدارة رئاسة الوزراء, كما أن هيئة التفتيش القضائي التي تتولى الرقابة والتفتيش على أعمال القضاء تعتبر جزء من السلطة التنفيذية فهي إحدى هيئات وزارة العدل وتخضع لادارة وزير العدل وظيفياً وإدارياً وماليا واشرافيا, فكيف يكون هناك استقلال فعلي للقضاء كسلطة والجهة التي تتولى ادارة شئون القضاء المالية والادارية والوظيفية والتفتيش على أعمال القضاء ومراقبتهم هي وزارة العدل إحدى جهات السلطة التنفيذية وليس مجلس القضاء الأعلى؟
6- إن السلطة القضائية في اليمن لم تنال استقلالها الفعلي كسلطة حتى الآن ولازالت السلطة القضائية جزء من السلطة التنفيذية وتتبع في كيانها وزارة العدل التي هي إحدى الوزارات الحكومية والدليل على ذلك أن مجلس القضاء الأعلى والمحكمة العليا ووزارة العدل يجمعهن مبنى واحد وليس لكل جهة منهن مبنى خاص ومستقل عن الجهة الأخرى ..
ثانياً : من حيث المفهوم الشخصي :-
إن المتأمل لاحوال القضاة في اليمن, يجد أن القاضي في اليمن لم يتمتع بأي استقلال فعلي على الواقع , رغم أن الأصل في هذا الجانب أن القاضي يكون مستقل بشخصه وذاته استقلال كامل في قضاءه, وهو من يحقق بنفسه ذلك الاستقلال أثناء ممارسته لسلطة القضاء والفصل في الخصومات, وهو من يفرض استقلاله على الواقع , ويرغم الجميع على احترام استقلاله حتى الخليفة أو الملك أو الرئيس, وعدم المساس بإستقلاله أو محاولة انقاصه, حتى ولو لم يطبق في الدولة مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث, ولم يتحقق على الواقع الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية عن بقية سلطات الدولة, ولا يحتاج القاضي إلى نصوص دستورية وقانونية لنيل استقلاله الشخصي أثناء ممارسة مهامه وإصدار الاحكام والقرارات القضائية, ولكن مع ذلك نجد أن الدستور والقوانين اليمنية قد نصت على مبدأ الاستقلال الشخصي للقاضي منذ تحقيق الوحدة اليمنية المباركة, حيث نص دستور الجمهورية اليمنية على ذلك في المادة (147) والتي نصت على (والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ولا يجوز لأية جهة وبأية صورة التدخل في القضايا أو في شأن من شئون العدالة ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون، ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم ) كما جاء هذا النص أيضاَ في المادة (1) من قانون السلطة القضائية رقم (1) لسنة 1991م .
ورغم ذلك كله نجد أن استقلال القاضي بمفهومه الشخصي لم يتحقق على الواقع بشكل كامل , فقد يكون متحققاً لدى بعض القضاة, وقد يكون منعدماً لدى بعض القضاة وقد يكون منقوصاً لدى بعضهم, وذلك للعديد من الأسباب منها :
1- إن أغلب القضاة وأعضاء النيابة العامة إن لم نقل جميعهم ينتمون إلى أحزاب سياسية سواء الحزب الحاكم أو أحد أحزاب المعارضة, فإن لم يكن انتمائهم مكشوف وواضح, فأنهم ينتمون إلى تلك الأحزاب سراَ, ولا يكشفون انتمائهم الحزبي إلا حينما يتم ترشيحهم في الانتخابات البرلمانية أو المحلية عن الاحزاب التي ينتمون إليها, وهذا ما يجعل الاستقلال الفعلي للقاضي المتحزب منعدم, حيث أن مبدأ الحياد والاستقلال الذي يجب أن يتمتع به القاضي أثناء انتمائه إلى السلطة القضائية وممارسته للقضاء, يوجب عليه أن لا يكون منتميا إلى أي حزب من الأحزاب السياسية أو إلى أي تنظيم من التنظيمات السياسية, سواء بالظاهر أو بالسر لأن تحزب القاضي يترتب عنه تسييس القضاء بمعنى أن أحكام وقرارات القاضي المنتمي إلى الحزب الحاكم التي يصدرها في القضايا ذات الطابع السياسي أو التي تكون أحد جوانبها سياسية تصدر وفقاً لسياسية الحكومة, وتأتي من السلطة التنفيذية وليس منه هو, فإذا كانت الحكومة تريد إدانة متهم بجريمة ذات طابع سياسي فإن القاضي ملزم بإدانة ذلك المتهم تنفيذاّ لسياسة الدولة وإذا كانت الحكومة تريد تبرئة المتهم من التهمة المنسوبة إليه في جريمة سياسية فإن القاضي ملزم بتبرئة المتهم حتى ولو كانت الادلة تدينه بالجريمة المنسوبة إليه, لأن الحكم لا يصدر من القاضي بناء على ما يطرح أمامه وأنما يأتيه منطوق الحكم من الحكومة وليس عليه سوى النطق به وفقاً لسياسة الدولة وحسب ما تمليه مصلحة الحكومة والحزب الحاكم, ومثله عضو النيابة أيضا ملزم في قرارته بتنفيذ سياسة الحكومة فإذا أرادت الحكومة إتهام شخص بجريمة ذات طابع سياسي أوفي قضية بعض جوانبها سياسية فإنه يكون ملزم باتهام ذلك الشخص وتقديمه للمحاكمة وبالعكس إذا كانت سياسة الدولة توجب عدم اتهام شخص بجريمة سياسية أو ذات طابع سياسي فإن عضو النيابة العامة يكون متقيد بسياسة الحكومة في قراره ومنفذاً لها فيصدرقراره بتبرئة ذلك الشخص وفقاً لتلك السياسة , وكثيراً ما يتم تسييس قرارات القاضي وعضو النيابة العامة في القضايا السياسية أو التي ذات طابع سياسي أو التي يكون فيها جانب سياسي قرارات وتصدر من القيادة العليا في الدولة..
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أن انتماءه الحزبي يجعله مرتبطا أثناء ممارسة مهامه القضائية بمصلحة حزبه وقيادات الحزب ومتأثراً بها أثناء قضاءه في الكثير من القضايا التي تهم حزبه وقياداته أو التي يكون حزبه وقياداته واعضاءه طرفاً فيها سواء كان الحزب الذي ينتمي إليه القاضي هو الحزب الحاكم أو من أحزاب المعارضة, كالطعون الانتخابية المقدمة من حزبه أو المقدمة ضد حزبه, أوالقضايا التي يكون بعض اطرافها من قيادات الحزب الذي ينتمي إليه , حيث يترتب عنه تحيز القاضي وميوله في قضائه إلى جانب حزبه أو إلى جانب الطرف الذي ينتمي إلى الحزب أو التنظيم السياسي الذي ينتمي إليه القاضي, كما يترتب عنه انعدام الثقة لدى الخصوم في قضاء القاضي الذي ينتمي إلى أحد الأحزاب أو التنظيمات السياسية في أي قضية يكون أحد أطرافها من قيادات حزبه إضافة إلى أن الانتماءات الحزبية داخل السلطة القضائية تجعلها تتأثر بالأحداث السياسية حسب الأهداف الحزبية وأوامر قيادات الأحزاب السياسية التي ينتمي إليها القضاة.
2- إن بعض القضاة ينتمون إلى بعض الجماعات الدينية سواء السياسية منها أو المذهبية كجماعة الاخوان المسلمين أو جماعة السلف أو جماعة الصوفية أو جماعة الحوثيين أو غيرها من الجماعات التي ظهرت على الساحة في اليمن وفي جميع الدول العربية الإسلامية بدلاً عن الانتماء المذهبي الذي كان منتشر سابقاً, وهذا بلا شك أحد الاسباب التي يترتب عنها عدم استقلال القاضي, وعدم وحدة القضاة كسلطة واحدة.
3- وجود العديد من صور التدخل الفعلي المباشر أو الغير مباشر في مهام واختصاصات القضاة سواء من قبل بعض أعضاء السلطة التشريعية والمشائخ والأعيان أو من قبل بعض القيادات العسكرية وأعضاء السلطة التنفيذية كالوزراء ووكلائهم والمحافظين ووكلاء المحافظات أو مدراء أمن المحافظات أو رؤساء وأمناء عموم المجالس المحلية في الدوائر التي تقع فيها المحاكم, ويكون التدخل إما بشكل مكشوف وواضح من خلال إصدار التوجيهات والأوامر إلى القضاة بخصوص القضايا المطروحة أمامهم, أو إصدار التقارير في القضايا المطروحة أمام القضاء, أو التدخل بشكل خفي وسري من خلال تحرير رسائل شخصية أو التوصيات إلى القاضي بخصوص قضية مطروحة أمامه, أو بالزيارات الودية للقاضي في المحكمة أو في منزله أو المقيل معه أو باتصال هاتفي, مما يترتب عنه الحد من استقلال القضاء والتأثير على سير العدالة وعلى ممارسة القضاة لمهامهم بحياد كامل, بل أن بعض من أعضاء البرلمان ومن المشايخ والوجهاء ومن أمناء المجالس المحلية يمارسون اساليب الترهيب والتحريض في حالة رفض القاضي تنفيذ توجيهاتهم وأوامرهم وتوصياتهم, حيث يقوم الشيخ أو عضو مجلس النواب أو امين عام المجلس المحلي بتحريض انصاره في المديريه بتقديم الشكاوي لدى مكتب التفتيش القضائي ووزارة العدل ضد ذلك القاضي, ومن ثم يقوم عضو مجلس النواب أو الشيخ باستخدام وجاهته وعلاقاته وصدقاته في مكتب التفتيش القضائي ووزارة العدل ومتابعة تلك الشكاوي والضغط على وزارة العدل ومكتب التفتيش لانزال اللجان التفتيشية على القاضي, وتحرير التقارير حسب ما يريده عضو مجلس النواب أو الشيخ حتى في أبسط المخالفات, ومن ثم نقل ذلك القاضي من المحكمة إلى محكمة اخرى حتى ولو لم تكن الفترة المحددة له قد انتهت معاقبة لذلك القاضي وانتقاماً منه لكونه لم يخضع لاوامر عضو مجلس النواب أو الشيخ ولم ينفذ توصياته, وبالعكس عند خضوع القاضي لأوامر الشيخ أو عضو مجلس النواب وتنفيذ توصياتهما فأنه يبقى في تلك المحكمة اطول فترة ممكنة, حتى ولو كان فاسداً ويرتكب أكبر المخالفات, وحتى ولو قدمت ضده الشكاوى من المواطنين فأنهما يدافعان عنه لدى مكتب التفتيش ووزارة العدل ويعرقلان ارسال أي لجان تفتيش عليه واذا وصلت لجنة تفتيش عليه فأنهما يواجهان تلك اللجنة مع اتباعهم من أبناء المنطقة التي يعمل فيها القاضي المشكو به , والدفاع عنه أمام اللجنة بأنه من أنزه القضاة وأفضلهم وأن تلك الشكاوى المقدمة ضده كيدية وغير صحيحه وأنهم يتمسكون به ويرفضون نقله حتى انتهاء فترته, مما قد يضطر بعض القضاة إلى التخلي عن جزء من استقلالهم الشخصي, والسماح للتدخل في شئون القضاء من قبل بعض المشايخ والوجهاء والمسئولين في السلطة التنفيذية وأعضاء مجلس النواب لنيل رضاهم ورضاء انصارهم في المنطقة وكسب دعمهم ومساندتهم والوقوف بجانبهم في حالة تقديم أي شكوى ضدهم من أحد المواطنين أمام هيئة التفتيش القضائي ووزارة العدل...
4- إن بعض القضاة لا يتوفر لديهم الإيمان الكامل باستقلالهم التام في قضائهم وعدم تبعيتهم لأي شخص أو جهة, وأنه لا سلطان عليهم إلا سلطان الله عز وجل والشريعة الاسلامية والقوانين النافذة في البلاد, ولهذا فأنهم يتيحون الفرصة أمام بعض رجال السلطة التنفيذية أو التشريعية للتدخل في شئون العدالة والقضاء, ويتأثرون في قضائهم بمؤثرات خارجية ويخرجون عن الحق في قضائهم في بعض القضايا المطروحة أمامهم جراء وساطة أو وجاهة أو توجيهات أحد أعضاء السلطة التنفيذية أو أحد كبار المسئولين في السلطة التنفيذية بمجرد اتصال هاتفي منه للقاضي أو إرسال رسالة مغلفة ومظرفة منه إلى القاضي مع أحد أطراف الخصومة المطروحة أمام القاضي ..