قضاء المرأة في اليمن بين الواقع و الطموح
ورقة عمل مقدمة من القاضية أفراح صالح بادويلان/رئيسة محكمة الأحداث-أمانة العاصمة صنعاء، في مؤتمر "حقوق المرأة في العالم العربي"من الأقوال إلى الأفعال"صنعـــاء - 3-5 ديسمبر 2005م
** المقدمة :-
لم يشهد التاريخ المعاصر للمجتمع الإنساني صراعاً اجتماعياً فكرياً مثلما شهد في عمل المرأة و قد استلزم الأمر وقتاً طويلاً إلى أن آمنت الشعوب واجمع مفكروها بان عمل المرأة ومشاركتها في عمليه البناء أمر ضروري، وقد أسهم في ترسيخ هذا قيام الثورات السياسية وثورات التحرر وما أتت به من أفكار وهي في الأساس ليست بدعة زمانها إذا ما قورنت بنظرة الإسلام إلى عمل المرأة منذ أن أشرق نوره وهي نظرة عدل و إنصاف. بعد ذلك انتقل الصراع إلى الجائز وغير الجائز في عمل المرأة وخصوصاً ما يتعلق بالولاية وشغل موقع القرار. ولقد أخذت مهنة القضاء النصيب الأكثر في هذا الصراع كون القضاء وظيفة عالية المقام تختلف عن غيرها من الأدءات الوظيفية وهي ذات صلة مزدوجة بالدين والدنيا ولعل علاقتها بالدين من حيث إنها تفويض الهي لإقامة العدل في الأرض هو الذي جعلها أكثر جدلاً ونقاشاً بين الفريقين المؤيد والمعارض لتولي المرأة القضاء. وقد جعل منها أعداء الإسلام مدخلاً لذمة وتأويله بشكل خاطئ الغرض منه انتقاص عظمة الإسلام دين الحقوق ونصير المرأة. وقد كان لهذا التأويل أثره في توجيه الإرادة السياسية نحو هضم هذا الحق في العديد من الدول.
بشكل عام إن أي جدل أو نقاش يكون موضوعه المرأة هو جدلٌ غنيٌ ويظل قضيةً تاريخيةً متعاقبة لا تحسم في الغالب الاّ بنضال شاق وشاق جداً مادام ظلت تتجاذب هذه القضايا رؤى فكرية متناقضة كما هو حاصل في مجتمعاتنا العربية التي حصرت عمل المرأة تاريخياً في زاوية الحقل والمنزل حيث تستنزف كل قواها الجسدية والنفسية دون اخذ ابسط حقوقها.وقد نما الاهتمام بهذه القضية كجزء مرتبط بحقوق المرأة وحقوق الإنسان بشكل عام. ولعل الحديث الذي يدور حول الإصلاح والتحديث القضائي كجزء من الإصلاح الشامل دفع بهذه القضية إلى الحوار المفتوح والمطالبة بحسمها بقرارات سياسية وتنفيذية قطعية، خصوصاً إن مسار إستراتيجية التحديث والإصلاح القضائي قد قام على أساس تصحيح المفاهيم. وقد آن الأوان أن تصحح النظرة لعمل المرأة في السلك القضائي. بيد أن تحديد ذلك لابد وأن يكون مترافقاً مع تدابير عملية تؤكد مصداقيتها.
** أهداف ورقة العمل :
1- تحاول الورقة إيضاح الموقف الحقيقي للدين الإسلامي لإزالة الشوائب التي علقت بوعي السلطة وبالوعي الاجتماعي بشكل عام, بخصوص مشاركة المرأة في القضاء.
2- إلقاء الضوء على تجربة يمنية تعد من أهم المنجزات الوطنية وأغناها في مجال حقوق المرأة وبيان مواطن الضعف التي تحول دون تطويرها.
3-حث السلطة على اتخاذ مزيد من التدابير العملية للدفع بالقضية إلى مجرى طبيعي وعادل.
4- ربط القضية بخلفيتها النظرية الموجودة في الدستور والقوانين الوطنية وفي أدبيات الأمم المتحدة ، والابتعاد عن الجدل الفقهي مادام لا يوجد نص شرعي أصيل يمنع قضاء المرأة.
** قضاء المرأة في الشريعة الإسلامية ( المرجعية الشرعية ) :-
لم تحرم الشريعة الإسلامية تولي المرأة القضاء إطلاقاً إذ لا يوجد نص شرعي في القرآن الكريم أو السنة المطهرة يحرم ذلك أو يجعله مكروهاًً وقد قال تعالى في محكم كتابه العزيز(( ما فرطنا في الكتاب من شيء)). فهل يغفل القرآن قضيةً هامةً تتعلق بالفصل في محاور حيوية هي الدماء والأموال والأعراض والعلاقات الإنسانية؟ هذه الحقيقة توصلنا إلى أن موضوع قضاء المرأة هو قضية فقهية اجتهادية بحتة.
ومن العلماء المتقدمين جاء للكاساني (( وأما الذكورة فليست من جواز التقليد للقضاء في الجملة لأن المرأة من أهل الشهادة في الجملة، ﺇلا أنها لاتتقاضى في الحدود والقصاص لأنه لا شهادة لها في ذلك وأهلية القضاء تدور مدار أهلية الشهادة )) وقد ذهب إلى ذلك أيضاً الأحناف حيث أجازوا قضاء المرأة ولكن في غير الحدود و الجنايات وهذا المذهب هو الذي تسلكه اليمن تجاه المرأة. وسنورد عليه تعقيباً لاحقاً. ويرى أبن جرير والطبري عكس ذلك ويطلقان جواز قضائها دون تحفظ ويقيسون ذلك على الإطلاق لولايتها العامة. وذهب إلى ذلك الخوارج الذين اجازوا ان تتولى المرأة منصب الامامة العظمى. فالقضاء من باب أولى. ومن أبرز العلماء المعاصرين ممن خاضوا في هذا المجال الشيخ القرضاوي وله عدة مؤلفات في ولاية المرأة ويتلخص اجتهاده في أنه لا يمتنع شيء من الولاية عن المرأة الا الخلافة التي تجمع امر المسلمين في أصقاع الأرض المترامية .كما أن المالكية أجازوا للمرأة الوصاية و الوكالة أي أن تكون وصية أو وكيلة في الخصومات والعقود.
وقد نفذ عدد من المعارضين عبر التأويل الخاطىء لبعض أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام ((أن النساء ناقصات عقل ودين)) وهي اشارة الى مسألة فسيولوجية بحتة ومثبتة علمياً على هذا النحو، فتنقص عبادتها بالأعذار الشرعية كالحيض والنفاس ويختلط تفكيرها بالعاطفة وهو أمر ضروري لإحداث التوازن الطبيعي في الحياة ، ولكن لاتاثير للعاطفة على قضائها ولأن الرجل أيضاً لديه قدر من العاطفة ومنهم من هو ضعيف الشخصية قليل الذكاء والادراك ولا يتوجب أن تشفع له ذكورته ليكون قضاؤه جائزاً. من ناحية اخرى فان الاحتكام مهما يكن قدر العاطفة يكون بنصوص قانونية اشرف على اعدادها وصياغتها فطاحل العلماء واجازتها جهات تشريعية وهو ما يشكل صمام أمان يكبح جماح العاطفة عند المرأة والرجل على حد سواء.
أما الحديث الآخر للرسول عليه الصلاة والسلام ((لا افلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) فقد لوي عنقه ليا حيث ورد في مناسبة معينة وقد قاله عليه الصلاة والسلام على صيغة الدعاء على اعداء المسلمين وذلك عندما علم ان الروم تتزعمهم امرأة وهو أيضاً تنبؤ سياسي بزوال دولتهم. وكانت ابنة كسرى في موقع الولاية العامة ولم تكن قاضية ولا ينبغي تحميل هذا الحديث اكثر من اهدافه وجعله قياساً نستصدر منه قاعدة شرعية او حكماً عاماً. و قد اهتم في هذا الأمر عدد من الباحثين و المعنيين بقضايا المرأة و قدموا التفسيرات الواضحة في هذا الأمر.
وفي الواقع العملي لم يولِّ الرسول ((عليه الصلاة والسلام)) امرأة على القضاء لان ذلك لم يكن متاحاً حتى للرجل. فالرسول عليه السلام مكلف بادارة جميع شئون المسلمين بما فيها نزاعاتهم الشخصية والحقوقية، ثم عندما بدأ تولي الرجال القضاء بفعل توسع الدولة الاسلامية وكثرة مهامها لم يكن ذلك دليل تحريم ولكنه دليل عدم الوجوب. وهنالك وقائع عملية في عهد الرسول عليه السلام تؤكد هذه الحقيقة وتدحض الموضوعية التي ادعى بها المعارضون واستمدوها من تأويل أحاديث الرسول عليه السلام. من هذه الوقائع تولية الرسول عليه السلام المرأة سلطة الافتاء (( خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء)) ويقصد بالحميراء سيدتنا عائشة (( رضي الله عنها ))، والإفتاء في رأينا أخطر من القضاء من حيث قوة تاثيره وتعميمه جغرافياً على نطاق واسع من بقاع المسلمين ومن حيث أنه يظل متوارثا ومستنداً إليه كلما أثيرت المشكلة موضوع الفتوى. ولا يخفى ما تتطلبه الفتوى من سعة العلم ورجاحة العقل وقدرته على التحليل والاستنباط والتفسير وقوة الذاكرة والثقة المطلقة في النفس. ولم يكن الرسول عليه السلام عند تكليفه امرأة للقيام بالافتاء على مشقته الا واثقاً في قدرتها التي تؤهلها لهذه المهمة الشاقة. أما الحكم القضائي فهو واقع على مصالح محدودة قد تكون عيناً أو بشراً، ناهيك عن أن الحكم عرضة للرجوع والالغاء من خلال الاستئناف بدرجاته. فهل يا ترى القادرة على الفتوى غير قادره علىٍٍ القضاء ؟؟
وقد عمل (( عليه الصلاة والسلام)) بمشورة أم سلمى يوم صلح الحديبية وسميت مستشارة الرسول إن تلك الاستشارة ليست عجزاً من الرسول وهو الذي يوحى له ولا ينطق عن الهوى وانما هو بتلك الاستشارة يرسي نظام دولة ويؤسس للمشاركة السياسية للمرأة في هذا النظام !!
وقد استشار المرأة سيدنا عمر بن الخطاب واقر حقها في نقد الحاكم وآمن بصواب رأيها حين قال عبارته المشهورة (( اصابت امرأة وأخطأ عمر)) وهو الفاروق، الذي لا يشق له غبار في التفريق بين الخطأ والصواب. ومما لاشك فيه ان استشارة النساء في امور الدولة العامة دليل اقرار الاسلام لأهليتهن في ممارسة الحقوق السياسية بما فيها توجيه سياسة الدولة من خلال نقد الحاكم ومحاسبته وهو ما يعد تمكيناً سياسياً أن لم يكن موقعاً للقرار مادام الحاكم استمع ونفذ. وحين نورد هذه الأمثلة إنما نوسع الطريق امام القاضية لا لتتمكن من الفصل بين الناس في اروقة المحاكم وانما لتتسلم ايضا مقاليد القرار بعموم المؤسسة العدلية بهيئاتها العليا الاشرافية ومنها مجلس القضاء الاعلى الذي يمسك بناصية الاصلاح والتحديث ويرسم استراتيجيتها.
وفي عهد عمر بن الخطاب(( رضي الله عنه)) تعينت بقرار منه أول قاضية في الاسلام وهي الشفاء بنت عبد الله بن عدي المخزومية، وقد ولاها على نظام الحسبة في السوق او كما يسمي ذلك البعض قضاء الحسبة و قضاء السوق و جعلها تفصل في المنازعات التجارية والمالية وهي بمثابة قاضي محكمة تجارية في يومنا هذا.
وقد قال البعض انها بمثابة وزير مالية. والعبرة ليست في التسمية وإنما في حقيقة المهام التي تؤديها. وقيل أيضاً أن أم الخليفة المقتدر تولت رئاسة محكمة استئناف بغداد! والمستعرض أو الباحث في المصدر الاصيل لأحكام الشريعة ((القرآن الكريم)) لن يجد تحريماً أو كراهة لسلطة المرأة بل سيجد التعظيم والتمجيد لنساء يمنيات مسكن بناصية القرار السياسي العام لشعوبهن وقبائلهن ، بل وأ سسن أنظمة حكم اعتمدها الاسلام نهجاً لنظام الدولة ونقصد هنا نظام الشورى الذي انتهجته الملكة بلقيس ملكة سبأ وهي تقود دولة لا محكمة وحسب ، ولم يكن القضاء الا جزءاً لا يتجزأ من مهام الحاكم آنذاك !و نذكر أيضاً السيدة أروى بنت أحمد (الصليحية) التي ظل حكمها في اليمن في اواخر القرن الخامس الهجري نحو أربعين عاماً.
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز من سورة النساء ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر)) وسنلاحظ هنا التعميم في الخطاب الالهي فهو موجه لكافة المؤمنين والمؤمنات، ولفظ الولاية ورد واضحاً وصريحاً وهو الأمر الذي نفهم منه المساواة بين الرجل والمرأة في ممارسة حق الاشراف على أمور بعضهم بعضاً. وبطبيعة الحال فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاسم مشترك في جميع اعمال السلطات بما فيها السلطة القضائية لان القضاء في حقيقته ما هو الا جملة من أوامر الأداء والامتناع. أ داء للمعروف ومنعاً للمنكر وقياس ماهية المعروف والمنكر لا يخضع لمزاج القاضي وانما هو عبارة عن مواد قانونية تم افراغها في القوانين والنظم واللوائح أبان فيها المشرع ما يجب أن يؤدى وما يجب أن نمتنع عنه ويعتبر الإتيان به فعلاً مخالفاً للقانون يستوجب العقاب .
وتنتهج السلطات اليمنية الرأي الفقهي الذي يجيز قضاء المرأة فيما دون الحدود. حيث يدير هذا الاتجاه قضاء المرأة مدار شهادتها وهو الرأي الوسطي بين من قال بجواز قضائها على الإطلاق وبين من قال بعدم جواز قضائها على الإطلاق.
ومع التطور الهائل الذي حصل في انظمة القضاء تلاشت تقريبا ولاية القاضي الفرد وأصبح للقضاء الجماعي مكانة راسخة خصوصاً في المحاكم الاستئنافية الأولى والعليا ويطلق على ذلك الشعبة او الدائرة فيتم النظر في الحدود من قبل هيئة مما لا يجعل جناحاً على قضاء المرأة في الحدود والقصاص او على اقل تقدير في الجنايات الصغرى خصوصاً. أن الاتجاه الفقهي المذكور يدير قضاء الحدود مدار الشهادة على اعتبار فرضية ضعف الذاكرة عند المرأة وعدم قبول شهادتها الا بوجود امرأة اخرى تذكرها كما لو ان الرجل لا يعتل بضعف الذاكرة. ولو افترضنا جدلاً أن ضعف الذاكرة اعتلال انثوي فان المتوجب أن لا تكون القاضية كذلك لأن لشخصية القاضي ومؤهلاته سواء كان رجلاً أم امرأة خصوصية شديدة تتعلق بخصوصية القضاء ذاته وقد ساوى هذا الاتجاه الفقهي بين الشاهدة والقاضية في القدرات الذاتية والموضوعية وهو ما لا يتوجب ان يكون حاصلاً حتى بين الشاهد والقاضي من الذكور. فالقاضي رجل أو امرأة من المفترض أن يتمتع بكفاءة علمية وقدرة ذهنية تكون شرطاً لقبول قضائه بينما لا يشترط وجودها لدى الشاهد فهو اي الشاهد ناقل للواقعة بحذافيرها سواء كانت مرئية أو مسموعة أو محسوسة بأي شكل ولا يقبل منه غير ذلك فلا يفسر ما رأى ولا يوأول ما يسمع ولا يبني أي استنتاج على شهادته ويرجع وزن شهادته الى القاضي وحده.
ومن هذا نستخلص ان قياس شهادة المرأة لاينبغي بسطه حكماً على قضائها بهذه الصورة المجردة، وعلى الرغم من ذلك فان نظام الشعبة في نظر الحدود يسقط حجية هذا الاتجاة فبدلاً من وجود المرأة الأخرى فهناك رجل أو رجلان قاضيان ينظران ويحكمان بجانبها .
لكن السلطات اليمنية لم تمنح هذا الحق للقاضية في المحاكم العامة بينما منحته للقاضية في محاكم الإحداث التي تنظر وتحكم في جميع أنواع الجنايات بما فيها الجرائم الحدية وتسير المحاكمة في محاكم الأحدث بنفس القوانين الجزائية والإجرائية التي تسير بها جلسات المحاكم العامة و الفرق أن هناك عملية حسابية يتوجب أن تقوم بها قاضية الأحداث من حيث خصم جزء من العقوبة أو إسقاط الحد الذي تفترضه سن الصغير، وهو ما يعتبر تناقضا في رؤية المؤسسة العدلية تجاه قضاء المرأة في الحدود ونوعاً من الانتقائية ترضي الحس ألذكوري لديها الذي هو جزء من موروث ثقافي واجتماعي عام، ويلعب هذا الموروث دوراً مؤثراً في توجيه بوصلة الإدارة السياسية تجاه قضايا حساسة كهذه بدليل أن التجربة اليمنية أول ما ولدت في محافظة عدن وقد وجدت تجارب مماثلة في المغرب و لبنان، وهو الأمر الحاصل في المغرب ولبنان فكانت المرأة تفصل في كل النزاعات وترأس أيضاً المحاكم العامة.
** المرجعية القانونية لقضاء المرأة في اليمن وموقف الدولة :-
* المواثيق الدولية:
ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945م هو أول معاهدة دولية تناولت مسألة المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء ، وعدم التمييز بسبب الجنس وهو من أهم مبادئ هذا الميثاق واليمن تعتبر فرداً من الأسرة الدولية الموقعة على هذا الميثاق. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948م، ويمنع التمييز بكل أشكاله : ( لكل انسان الحق في التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الاعلان دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة ودون اي تفرقة بين الرجال و النساء) واليمن طبعاً ملتزمة بهذا الاعلان .
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المدونة في الاتفاقية ومنها حق العمل واختيار المهنة بنفس القدر من الشروط التي يتمتع بها. واليمن أيضاً ملتزمة بهذا العهد.
اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة: وهي اول صك قانوني اعتمد سنة1952م يعالج حصراً حقوق المرأة واهم ما ورد في هذه الاتفاقية أن تقدم المرأة بشروط متساوية مع الرجل بالتصويت في جميع الانتخابات وشغل المناصب العامة وممارسة جميع المهام المذكورة في القوانين الوطنية .
اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة ((السيداو)) وتبنتها الجمعية العامة سنة 1979م وتعتبر هذه الاتفاقية أهم وثيقة دولية تخص حقوق المرأة وقد دخلت حيز التنفيذ سنة1981م وهي عهد وقعت عليه اليمن. وتكمن أهمية هذه الاتفاقية في انها حددت بشكل واضح مفهوم التمييز وعرفته بوضوح. حيث ورد في المادة الاولى من هذه الاتفاقية ان التمييز يقصد به أي تفرقة أو إبعاد أو تقييد يتم على اساس الجنس أو أي شكل من أشكال المعاملة من شأنه أن يؤدي إلى إنقاص حقوق المرأة وقد تحفظت اليمن على المادة الثانية من هذه الاتفاقية وهي المادة التي تلزم الدولة بتجسيد المساواة في دساتيرها الوطنية وفي جميع القوانين واتخاذ التدابير التشريعية لحظر كل تمييز وإقرار الحماية القانونية عبر المحاكم وإلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة.
*الدستور والقوانين الوطنية:
حقيقةً أن الدستور اليمني اقر مبدأ المساواة وذلك وأضح في المواد(41,31,24 ) اللاتي تنص على ان المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات العامة وان النساء شقائق الرجال لهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينص عليه القانون وان الدولة تكفل تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وتصدر القوانين لتحقيق ذلك، ويعد الحق في تقلد المناصب وشغل الوظيفة العامة قاسماً مشتركاً بين جميع القوانين المتعلقة بذلك كقوانين الخدمة المدنية والعمل والانتخابات.
وبالرجوع إلى القانون الخاص بالسلطة القضائية رقم (1) لسنة1990م نجد في مادته (57) عدة اشتراطات يتوجب توفرها فيمن يعينٍ في وظائف السلطة القضائية وهي على النحو التالي :-
ا - التمتع بالجنسية اليمنية.
ب - كمال الأهلية.
ج - الخلو من العاهات المؤثرة في القضاء.
د - لايقل سنه عن ثلاثين عاماً.
ه - لايتولى العمل القضائي الأ بعد مضي فترة تدريبية لا تقل عن سنتين.
و- يكون حائزاً على شهادة من المعهد العالي للقضاء بعد الشهاده الجامعية في الشريعة والقانون أو الحقوق من احدى الجامعات المعترف بها في الجمهورية اليمنية.
ز- محمود السيرة والسلوك وحسن السمعة.
ح - أن لا يكون قد حكم عليه قضائياً بجريمة مخلة بالشرف أو الأمانة .
والمستعرض لهذه الحقوق القانونية و ما جاء في قانون السلطة القضائية يجد أن القوانين محررة من أي تمييز ضد المرأة,و لا يجد في ذلك ما يقصر العمل القضائي على الذكور. وقد كانت اللوائح الداخلية للمعهد العالي للقضاء تشترط ضمنياً من خلال تعبئة استمارة القبول أن يكون الملتحق بالمعهد منحدراً من أسرة قضائية وهو مفهوم تأريخي موروث من عهد الائمة حيث ينحصر القضاء في أسر بعينها وهم أسر السادة أو الأسر المتنفذة في سدة الحكم وهو كما نرى جزءاً من إيديولوجية متخلفة تحكم المؤسسة القضائية برمتها. وقد ألغيت هذه الشروط بعد قيام الوحدة اليمنية وهوعهد يحسب لليمن أنه عهد الانطلاق في رحاب الديمقراطية ومأسسة المجتمع واحترام حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية وعكس التزاماتها الدولية في تشريعاتها الوطنية، ويعتبر إلغاء الخصوصية الأسرية بين ذكور القضاء قفزة نوعية في تاريخ هذه المؤسسة إلا أنه وللآسف الشديد ظلت القضية بالنسبة للمرأة مسكوتاً عنها طيلة خمس عشرة سنة أي منذ سنة 1990م وحتى يومنا، وذلك بتوقف أي تعيين جديد من الاناث في اليمن .
** التجربة اليمنية بين الأقوال والأفعال :-
تعود التجربة اليمنية لقضاء المرأة إلى سبعينيات القرن الماضي. وبهذا فان اليمن سباقة على مستوى الخليج والجزيرة بل وسبقت العديد من الدول العربية منها مصر وليبيا وتونس وسوريا والعراق، وبالمقابل سبقتنا دول أخرى مثل المغرب - التي تعود فيها التجربة إلى خمسينيات القرن الماضي - ويوجد فيها أكثر من خمسمائة قاضية منهن من يترأسن شعباً استئنافية وعضوات بالمحكمة العليا والمحكمة الدستورية وهن لسن خريجات معهد القضاء وحسب بل ويقمن بالتدريس فيه ويتخرج على أيديهن رجال القضاء وتفصل المرأة في المغرب بجميع أنواع القضايا بما فيها الجنايات الكبرى. ولا نستطيع القول إن الإرادة السياسية في المغرب قد ابتدعت نشاط المرأة في القضاء من فراغ سياسي ولكن القول إن هذه الإرادة قد دعمت هذا النشاط وواكبته في بيئة تتميز بموروث ثقافي اجتماعي يتقبل المرأة في كل مفاصل السلطة ومواقع الولاية. الأمر الذي يمكن قياسه على التجربة اليمنية من حيث ميلادها في محافظة عدن وبقاء عدن حاضنة لها سنوات طويلة تعدت الثلاثة عقود((فقد تعينت أول قاضية سنة 1971م وهي المحامية حميدة زكريا، وبعدها عينت سنة 1974م أول عضو نيابة عامة وهي المحامية راقيه حميدان. بيد أن المناطق المجاورة لم تخلُ من هذا النشاط لاحقاً مثل أبين و لحج التي شهدت عواصمها قاضية واحدة فقط بداية الثمانينيات وبالمثل كانت حضرموت سنة 1984م. بينما يتركز في عدن ثلاث عشرة قاضية و أعداد مماثلة من عضوات النيابة العامة، وكن القاضيات آنذاك يصلن إلى كرسي القضاء بعملية انتخابية إذ يتقدم وزير العدل ورئيس المحكمة العليا بمذكرة ترشيح إلى مجلس الشعب ويتم التصويت في المجلس على هذا الترشيح.
إن المتأمل اليوم تجربة المغرب واليمن على عراقتهما سيلاحظ الفرق الشاسع بين ما وصلت إليه القاضية المغربية وما لم تصل إليه القاضية اليمنية. والملاحظ أن الإرادة السياسية منذ نشؤ هذه التجربة واكبت القضية في مجتمعات تتقبل ثقافتها قضاء المرأة وعملها بشكل عام بينما لم يستطع النظام السياسي فرض إرادته في مناطق أخرى من اليمن لان موروثها الاجتماعي والثقافي يصادر أي إرهاصات لنشؤ مثل هذه التجارب كشبوة والمهرة. وللحق فان تعميمها يتطلب نضالاً شاقاً وإرادة سياسية شجاعة وصبراً وثباتاً من المرأة نفسها لفرض وجودها. كما أن الحاجة ملحه إلى تدخل سياسي حتى لا تجهض التجربة وتظل محصورة في مناطق وعدد معين من القاضيات هن في الحقيقة الجيل الثاني من القاضيات اللواتي تسلمن القضاء في بداية الثمانينيات وقد مضى على ذلك عشرون سنة ونيفاً وهنا تكمن الخطورة. فهن كعدد بشري سينتهي إما نهاية طبيعية كالمرض والموت أو مهنياً بالتقاعد أو الاستقالة المسببة وهذه هي طبيعة الحياة وقانونها التي لا راد لها.
وقد تفهمت القيادة السياسية والتنفيذية بحكمة الظروف ألمحيطه بهذا الموضوع فنرى نهجاً واضحاً في إتباع سياسة التقبل المجتمعي التدريجي آخذة بنظر الاعتبار درجة المرونة التي تتميز بهياكل نطاق جغرافي. وبهذه السياسة تم توزيع عدد من القاضيات خارج محافظة عدن بعد التجميد الذي أوقف الموضوع أربعة عشر عاما مضت كلها في جدل عقيم حول جواز أو عدم جواز قضاء المرأة من عدمه، وقد شهدت العاصمة صنعاء أول قاضية وكذلك محافظة تعز وذلك في الحركة القضائية التي صدرت مؤخرا في ديسمبر 2004م. ويعني ذلك إن الإرادة السياسية أصبحت واضحة تجاه هذا الموضوع حيث كان الدور الحاسم لرئيس الجمهورية رئيس مجلس القضاء الأعلى (حفظه الله ) في المؤتمر القضائي الأول المنعقد في ديسمبر 2003 م. وضمن ما قاله أنه يجب تشجيع المرأة مادام لا يوجد في الدين والدستور ما يمنع قضاءها، وللحق كان للقيادة التنفيذية المتمثلة في شخص وزير العدل دور فاعل من خلال الدفع بالموضوع باتجاه الحسم النهائي لإيمانه الشديد بأن ذلك يعد جزءاً من عملية إصلاح وتحديث القضاء وجزءاً من العملية التنموية للبلد. وبعد كلمة الرئيس الفاصلة بأسابيع معدودات تم انتداب إحدى القاضيات كرئيسة محكمة والتصريح بفتح باب المعهد العالي للقضاء أمام المرأة لاستكمال شرط الانتساب إلى السلطة القضائية وهو يعد سابقه في تاريخ المعهد وتاريخ السلطة القضائية بشكل عام. وبعد عام واحد من انعقاد المؤتمر القضائي الأول جاءت الحركة القضائية وتم فيها تعيين أربع قاضيات رئيسات محاكم وترفيع أخريات إلى محاكم الاستئناف.
لكن بقراءة جيدة سنلاحظ إن الحركة تمت في إطار العدد الموجود نفسه ولم يتم أي تعيين جديد، على اعتبار أن تعيين جديد لابد وان يكون عبر المعهد ( شهادة المعهد شرط أساسي من شروط الانتساب إلى السلطة القضائية). ولهذا يلتحق الطالب بعد حصوله على شهادة الإجازة العامة من إحدى كليات الحقوق أو الشريعة بالمعهد العالي للقضاء ولمدة ثلاثة سنوات دراسية ثم سنتين للتدريب حتى يحصل على الإجازة الخاصة، وبذلك يتطلب إعداد القاضي في اليمن تسع سنوات من التأهيل والتدريب وهي فترة طويلة إضافة إلى الأربعة عشر عاما الماضية من التجميد لكي تشهد الساحة القضائية دماء جديدة. وهناك سبع عشرة قاضية يمتلكن الدرجة القضائية وخبرة طويلة لأكثر من عشر سنوات في ممارسة الوظائف المساعدة للقضاء. فماذا لو تم منحهن الولاية بقرار جمهوري ليفصلن ويحكمن بأنفسهن وهو المفترض إن يحصل لو أردنا تدخلاً عملياً لتطِوير هذا المنجز الوطني ويؤكد رؤيتنا بأهمية التدخل السياسي المباشر وعدم ترك الموضوع مفتوحاً هكذا للمد والجزر والتعصبات الفكرية لأناس لا يريدون لهذا البلد أن يتطور.
ويوجد حالياً في اليمن ست عشرة قاضية يمتلكن الولاية أي يمارسن عملهن بموجب قرارات جمهورية (الحركة القضائية). ويعتبر هذا القرار بمثابة توكيل أو تفويض من الحاكم بإنابتهن في إقامة العدل بموجب ذلك يفصلن فعلياً في القضايا ويصدرن الأحكام. بينما هناك العدد الآخر المشار إليه حاصلات على الدرجة القضائية فقط ويتمتعن بمزايا الوظيفة من راتب وعلاوات ولكنهن لا يقمن بإصدار الأحكام أو الفصل بين المتخاصمين لأنه لم يصدر بهن قرار جمهوري. ومن الملاحظ اقتصار رئاسة المحاكم على محاكم الأحداث ولم يصدر أي قرار بترؤس المحاكم العامة أو التجارية أو الشعب الاستئنافية وينحصر قضاؤهن جميعاً في غير الجنايات، والقاضية الوحيدة التي تنظر في الجنايات هي قاضية الأحداث. ونستطيع القول انه مهما ساد التجربة من قصور إلا أنها في جميع الأحوال تعتبر منجزاً وطنياً هاماً ملكا للوطن ويتطلب الحفاظ عليه قدراً كبيراً من السعة الفكرية والموازنة الحكيمة بين مصالح أفراد المجتمع ومصلحة المجتمع ذاته؛ لأن هذه القضية بالذات تعتبر من القضايا المحفوفة بمحاذير مرتبطة ارتباطاً شديداً بثقافة المجتمع وتركيبته البنائية النفسية والاجتماعية خصوصاً وإننا في بلد تشكل فيه البنى التقليدية أكثر من (70%) من التركيب العام للبنية الاجتماعية. وقد برزت بعض الآراء تفترض تطبيق نظام (الكوتا) السياسية كتدبير عملي على مقاعد المعهد العالي للقضاء على غرار تخصيص بعض الدوائر الانتخابية للنساء. ولكننا شخصياً لا نرى حاجة لنظام الكوتا في قطاع العدالة ولكننا مع التخطيط المسبق والحوار المفتوح مع قيادة وزارة العدل مباشرة مادام وقد اتضحت لنا رؤية هذه القيادة، ولتعبر المرأة إلى منصة القضاء عبر القنوات الرسمية ولا بد للجيل الجديد من الخريجات إن يتمسكن بهذا الحق ولا ينتظرن إن تفرش الطريق إلى المعهد بالورود ونقول إن ذلك واجب وطني مقدس على الجميع الحفاظ عليه ونقول (واجباً) لأن في عدم إنقاذه إجهاضاً له لا محالة.
** الخلاصة والتقييم :-
• تستند التجربة اليمنية إلى ثلاث مرجعيات تضمن وجودها:
1. مرجعيه شرعية دينية تتمثل في عدم وجود المانع الديني.
2. مرجعية شرعية دولية وتتمثل في التزام اليمن بالمواثيق الدولية الخاصة بحقوق المرأة.
3. مرجعية دستورية بإقرار الدستور والقوانين بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة .
• الجانب العملي التطبيقي متأخر عن الجانب النظري لقانوني فيما لو أخذ في الاعتبار تاريخ التجربة وعراقتها.
• رغم وجود الاستحقاقات بحكم مدة الخدمة والخبرة لم تصل القاضية بعد إلى عضوية المحكمة العليا بينما في المغرب مثلاً وصلت إلى رئاسة دوائر في محكمة النقض و المحكمة الدستورية وأيضا في لبنان.
• خلو الهيئات الإشرافية العليا للسلطة القضائية من القاضيات مثل هيئة التفتيش القضائي ومجلس القضاء الأعلى وحصر قضاء المرأة في الأحوال الشخصية والمدنية.
• حصر رئاسة القاضية في محاكم الإحداث رغم أنها محاكم جنائية وتفصل فيها المرأة في الجنايات وما ينتج منها من أروش وديات وهو ما يعد تناقضاً في سياسة المؤسسة القضائية تجاه المرأة.
• بقاء نفس العدد من القاضيات معظمهن من خريجات الثمانينيات والاكتفاء بإعادة توزيعهن جغرافياً عند صدور الحركة القضائية. وقد بلغ عدد القاضيات في المغرب أكثر من (500) قاضية وفي لبنان أكثر من (100) قاضية وفي الأردن (19) قاضية بينما في اليمن(17) قاضية من أصل (1200) قاضٍ رجل أي بنسبة (0.7 %).
• بعد أربعة عشر عاماً من الجمود لم تأتِ الترجمة العملية لتوجيهات الأخ رئيس الجمهورية رئيس مجلس القضاء الأعلى وكذلك وزير العدل بالقدر الكافي الذي يتناسب ومؤشر خطورة المشكلة .
• عدم استيعاب الخبرات العملية في القضاء للنساء من ذوات الدرجة القضائية. فهناك سبع عشرة قاضية يحملن الدرجة ولم يعطِن الولاية حتى يتمكن من الفصل في النزاعات وإصدار الأحكام رغم أنهن يمارسن أعمالاً قضائية كأمانة السر والتوثيق ولهن من الخبرة العملية ما تجاوز العشر أو الخمس عشرة سنة. ويعطي هذا فرصة إمام قيادة وزارة العدل لتأكيد مصداقية توجهاتها لاتخاذ تدابير عملية سريعة والعمل على انتداب هؤلاء كقاضيات تمهيداً للدفع بهن إلى مجلس القضاء الأعلى لتثبيتهن بقرارات.
• مازال المعهد العالي للقضاء لا يتقبل أي امرأة في صفوفه وأن كانت الأبواب قد فتحت بحسب تصريح وزير العدل في 2003 م. وقد أثبت الواقع العملي أن مجرد الحديث في هذا الشأن لا يكفي ولا بد إن تتفهم إدارة المعهد أبعاد القضية وخصوصيتها وبالذات بُعدها الوطني وألا يجعل من امتحان القبول قضية تحدٍّ واستفزاز ولا بد من وجود قاضية في قوام لجنة القبول في المعهد أي أن دور وزير العدل لم ينتهِ بعد ومازال مطالباً بالكثير من التدابير العملية.
• اقتصار الشعب الاستئنافية (المدنية والشخصية) على الرجال رغم إن منهم من يقل خبرةً عن زميلته القاضية في نفس الشعبة ناهيك عن اقتصار الدوائر الجنائية على الذكور كلياً رغم التطور الحاصل في أنظمة القضاء وإحلال نظام الشُّعب بدلاً من قضاء القاضي الفرد مما ينسف حجية الرأي الفقهي الذي تنتهجه المؤسسة القضائية.
• اختصار الدورات الإنعاشية والإطلاع على تجارب القضاة الرجال في الخارج وحرمان القاضيات منها.
** الجانب الايجابي من التقييم :-
1. الفصل في الجدل الدائر حول جواز قضاء المرأة من قبل القيادة السياسية في كلمة فخامة رئيس الجمهورية التي ألقاها في المؤتمر القضائي الأول منتصف ديسمبر 2003م، وهو ما يعتبر خطوة متقدمة.
2. توسيع النطاق الجغرافي في السنة الأخيرة 2005 م لتثبيت التجربة في محافظات تشهدها لأول مرة (أمانة العاصمة صنعاء و تعز) رغم إن العدد مازال نفسه.
3. تساوي القاضيات مع القضاة من حيث التقييم في دورات التفتيش القضائي ومنح درجات الكفاءة.
4. وضوح الرؤية لدى قيادة وزارة العدل مقارنة بقيادات سابقة .
** توصيات عامة :-
1. ضرورة تفعيل دور منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحكومية من خلال الاستمرار بإجراء الدراسات وإقامة الأنشطة والحوارات المفتوحة لإبقاء القضية حية في وعي المجتمع والسلطة.
2. على الدولة الاستمرار باتجاه فرض قضاء المرأة بقرارات جمهورية في المحافظات التي لم يتحقق فيها هذا المنجز.
3. لابد من تجذير التجربة باتخاذ جملة من التدابير العملية لتمكين المرأة من الالتحاق بالمعهد العالي للقضاء وتمكين القاضيات من قيادة العمل القضائي عن طريق رئاسة المحاكم والشُّعب الاستئنافية إعمالاً بمبدأ الكفاءة وابتعاداً عن مقياس الذكورة و الأنوثة.
4. الاستفادة من الكوادر القديمة في الهيئات الإشرافية كالتفتيش القضائي وعضوية مجلس القضاء الأعلى.
5. الحوار والتنسيق الدائم مع وزير العدل على المستوى الحكومي على سبيل المثا
ورقة عمل مقدمة من القاضية أفراح صالح بادويلان/رئيسة محكمة الأحداث-أمانة العاصمة صنعاء، في مؤتمر "حقوق المرأة في العالم العربي"من الأقوال إلى الأفعال"صنعـــاء - 3-5 ديسمبر 2005م
** المقدمة :-
لم يشهد التاريخ المعاصر للمجتمع الإنساني صراعاً اجتماعياً فكرياً مثلما شهد في عمل المرأة و قد استلزم الأمر وقتاً طويلاً إلى أن آمنت الشعوب واجمع مفكروها بان عمل المرأة ومشاركتها في عمليه البناء أمر ضروري، وقد أسهم في ترسيخ هذا قيام الثورات السياسية وثورات التحرر وما أتت به من أفكار وهي في الأساس ليست بدعة زمانها إذا ما قورنت بنظرة الإسلام إلى عمل المرأة منذ أن أشرق نوره وهي نظرة عدل و إنصاف. بعد ذلك انتقل الصراع إلى الجائز وغير الجائز في عمل المرأة وخصوصاً ما يتعلق بالولاية وشغل موقع القرار. ولقد أخذت مهنة القضاء النصيب الأكثر في هذا الصراع كون القضاء وظيفة عالية المقام تختلف عن غيرها من الأدءات الوظيفية وهي ذات صلة مزدوجة بالدين والدنيا ولعل علاقتها بالدين من حيث إنها تفويض الهي لإقامة العدل في الأرض هو الذي جعلها أكثر جدلاً ونقاشاً بين الفريقين المؤيد والمعارض لتولي المرأة القضاء. وقد جعل منها أعداء الإسلام مدخلاً لذمة وتأويله بشكل خاطئ الغرض منه انتقاص عظمة الإسلام دين الحقوق ونصير المرأة. وقد كان لهذا التأويل أثره في توجيه الإرادة السياسية نحو هضم هذا الحق في العديد من الدول.
بشكل عام إن أي جدل أو نقاش يكون موضوعه المرأة هو جدلٌ غنيٌ ويظل قضيةً تاريخيةً متعاقبة لا تحسم في الغالب الاّ بنضال شاق وشاق جداً مادام ظلت تتجاذب هذه القضايا رؤى فكرية متناقضة كما هو حاصل في مجتمعاتنا العربية التي حصرت عمل المرأة تاريخياً في زاوية الحقل والمنزل حيث تستنزف كل قواها الجسدية والنفسية دون اخذ ابسط حقوقها.وقد نما الاهتمام بهذه القضية كجزء مرتبط بحقوق المرأة وحقوق الإنسان بشكل عام. ولعل الحديث الذي يدور حول الإصلاح والتحديث القضائي كجزء من الإصلاح الشامل دفع بهذه القضية إلى الحوار المفتوح والمطالبة بحسمها بقرارات سياسية وتنفيذية قطعية، خصوصاً إن مسار إستراتيجية التحديث والإصلاح القضائي قد قام على أساس تصحيح المفاهيم. وقد آن الأوان أن تصحح النظرة لعمل المرأة في السلك القضائي. بيد أن تحديد ذلك لابد وأن يكون مترافقاً مع تدابير عملية تؤكد مصداقيتها.
** أهداف ورقة العمل :
1- تحاول الورقة إيضاح الموقف الحقيقي للدين الإسلامي لإزالة الشوائب التي علقت بوعي السلطة وبالوعي الاجتماعي بشكل عام, بخصوص مشاركة المرأة في القضاء.
2- إلقاء الضوء على تجربة يمنية تعد من أهم المنجزات الوطنية وأغناها في مجال حقوق المرأة وبيان مواطن الضعف التي تحول دون تطويرها.
3-حث السلطة على اتخاذ مزيد من التدابير العملية للدفع بالقضية إلى مجرى طبيعي وعادل.
4- ربط القضية بخلفيتها النظرية الموجودة في الدستور والقوانين الوطنية وفي أدبيات الأمم المتحدة ، والابتعاد عن الجدل الفقهي مادام لا يوجد نص شرعي أصيل يمنع قضاء المرأة.
** قضاء المرأة في الشريعة الإسلامية ( المرجعية الشرعية ) :-
لم تحرم الشريعة الإسلامية تولي المرأة القضاء إطلاقاً إذ لا يوجد نص شرعي في القرآن الكريم أو السنة المطهرة يحرم ذلك أو يجعله مكروهاًً وقد قال تعالى في محكم كتابه العزيز(( ما فرطنا في الكتاب من شيء)). فهل يغفل القرآن قضيةً هامةً تتعلق بالفصل في محاور حيوية هي الدماء والأموال والأعراض والعلاقات الإنسانية؟ هذه الحقيقة توصلنا إلى أن موضوع قضاء المرأة هو قضية فقهية اجتهادية بحتة.
ومن العلماء المتقدمين جاء للكاساني (( وأما الذكورة فليست من جواز التقليد للقضاء في الجملة لأن المرأة من أهل الشهادة في الجملة، ﺇلا أنها لاتتقاضى في الحدود والقصاص لأنه لا شهادة لها في ذلك وأهلية القضاء تدور مدار أهلية الشهادة )) وقد ذهب إلى ذلك أيضاً الأحناف حيث أجازوا قضاء المرأة ولكن في غير الحدود و الجنايات وهذا المذهب هو الذي تسلكه اليمن تجاه المرأة. وسنورد عليه تعقيباً لاحقاً. ويرى أبن جرير والطبري عكس ذلك ويطلقان جواز قضائها دون تحفظ ويقيسون ذلك على الإطلاق لولايتها العامة. وذهب إلى ذلك الخوارج الذين اجازوا ان تتولى المرأة منصب الامامة العظمى. فالقضاء من باب أولى. ومن أبرز العلماء المعاصرين ممن خاضوا في هذا المجال الشيخ القرضاوي وله عدة مؤلفات في ولاية المرأة ويتلخص اجتهاده في أنه لا يمتنع شيء من الولاية عن المرأة الا الخلافة التي تجمع امر المسلمين في أصقاع الأرض المترامية .كما أن المالكية أجازوا للمرأة الوصاية و الوكالة أي أن تكون وصية أو وكيلة في الخصومات والعقود.
وقد نفذ عدد من المعارضين عبر التأويل الخاطىء لبعض أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام ((أن النساء ناقصات عقل ودين)) وهي اشارة الى مسألة فسيولوجية بحتة ومثبتة علمياً على هذا النحو، فتنقص عبادتها بالأعذار الشرعية كالحيض والنفاس ويختلط تفكيرها بالعاطفة وهو أمر ضروري لإحداث التوازن الطبيعي في الحياة ، ولكن لاتاثير للعاطفة على قضائها ولأن الرجل أيضاً لديه قدر من العاطفة ومنهم من هو ضعيف الشخصية قليل الذكاء والادراك ولا يتوجب أن تشفع له ذكورته ليكون قضاؤه جائزاً. من ناحية اخرى فان الاحتكام مهما يكن قدر العاطفة يكون بنصوص قانونية اشرف على اعدادها وصياغتها فطاحل العلماء واجازتها جهات تشريعية وهو ما يشكل صمام أمان يكبح جماح العاطفة عند المرأة والرجل على حد سواء.
أما الحديث الآخر للرسول عليه الصلاة والسلام ((لا افلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) فقد لوي عنقه ليا حيث ورد في مناسبة معينة وقد قاله عليه الصلاة والسلام على صيغة الدعاء على اعداء المسلمين وذلك عندما علم ان الروم تتزعمهم امرأة وهو أيضاً تنبؤ سياسي بزوال دولتهم. وكانت ابنة كسرى في موقع الولاية العامة ولم تكن قاضية ولا ينبغي تحميل هذا الحديث اكثر من اهدافه وجعله قياساً نستصدر منه قاعدة شرعية او حكماً عاماً. و قد اهتم في هذا الأمر عدد من الباحثين و المعنيين بقضايا المرأة و قدموا التفسيرات الواضحة في هذا الأمر.
وفي الواقع العملي لم يولِّ الرسول ((عليه الصلاة والسلام)) امرأة على القضاء لان ذلك لم يكن متاحاً حتى للرجل. فالرسول عليه السلام مكلف بادارة جميع شئون المسلمين بما فيها نزاعاتهم الشخصية والحقوقية، ثم عندما بدأ تولي الرجال القضاء بفعل توسع الدولة الاسلامية وكثرة مهامها لم يكن ذلك دليل تحريم ولكنه دليل عدم الوجوب. وهنالك وقائع عملية في عهد الرسول عليه السلام تؤكد هذه الحقيقة وتدحض الموضوعية التي ادعى بها المعارضون واستمدوها من تأويل أحاديث الرسول عليه السلام. من هذه الوقائع تولية الرسول عليه السلام المرأة سلطة الافتاء (( خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء)) ويقصد بالحميراء سيدتنا عائشة (( رضي الله عنها ))، والإفتاء في رأينا أخطر من القضاء من حيث قوة تاثيره وتعميمه جغرافياً على نطاق واسع من بقاع المسلمين ومن حيث أنه يظل متوارثا ومستنداً إليه كلما أثيرت المشكلة موضوع الفتوى. ولا يخفى ما تتطلبه الفتوى من سعة العلم ورجاحة العقل وقدرته على التحليل والاستنباط والتفسير وقوة الذاكرة والثقة المطلقة في النفس. ولم يكن الرسول عليه السلام عند تكليفه امرأة للقيام بالافتاء على مشقته الا واثقاً في قدرتها التي تؤهلها لهذه المهمة الشاقة. أما الحكم القضائي فهو واقع على مصالح محدودة قد تكون عيناً أو بشراً، ناهيك عن أن الحكم عرضة للرجوع والالغاء من خلال الاستئناف بدرجاته. فهل يا ترى القادرة على الفتوى غير قادره علىٍٍ القضاء ؟؟
وقد عمل (( عليه الصلاة والسلام)) بمشورة أم سلمى يوم صلح الحديبية وسميت مستشارة الرسول إن تلك الاستشارة ليست عجزاً من الرسول وهو الذي يوحى له ولا ينطق عن الهوى وانما هو بتلك الاستشارة يرسي نظام دولة ويؤسس للمشاركة السياسية للمرأة في هذا النظام !!
وقد استشار المرأة سيدنا عمر بن الخطاب واقر حقها في نقد الحاكم وآمن بصواب رأيها حين قال عبارته المشهورة (( اصابت امرأة وأخطأ عمر)) وهو الفاروق، الذي لا يشق له غبار في التفريق بين الخطأ والصواب. ومما لاشك فيه ان استشارة النساء في امور الدولة العامة دليل اقرار الاسلام لأهليتهن في ممارسة الحقوق السياسية بما فيها توجيه سياسة الدولة من خلال نقد الحاكم ومحاسبته وهو ما يعد تمكيناً سياسياً أن لم يكن موقعاً للقرار مادام الحاكم استمع ونفذ. وحين نورد هذه الأمثلة إنما نوسع الطريق امام القاضية لا لتتمكن من الفصل بين الناس في اروقة المحاكم وانما لتتسلم ايضا مقاليد القرار بعموم المؤسسة العدلية بهيئاتها العليا الاشرافية ومنها مجلس القضاء الاعلى الذي يمسك بناصية الاصلاح والتحديث ويرسم استراتيجيتها.
وفي عهد عمر بن الخطاب(( رضي الله عنه)) تعينت بقرار منه أول قاضية في الاسلام وهي الشفاء بنت عبد الله بن عدي المخزومية، وقد ولاها على نظام الحسبة في السوق او كما يسمي ذلك البعض قضاء الحسبة و قضاء السوق و جعلها تفصل في المنازعات التجارية والمالية وهي بمثابة قاضي محكمة تجارية في يومنا هذا.
وقد قال البعض انها بمثابة وزير مالية. والعبرة ليست في التسمية وإنما في حقيقة المهام التي تؤديها. وقيل أيضاً أن أم الخليفة المقتدر تولت رئاسة محكمة استئناف بغداد! والمستعرض أو الباحث في المصدر الاصيل لأحكام الشريعة ((القرآن الكريم)) لن يجد تحريماً أو كراهة لسلطة المرأة بل سيجد التعظيم والتمجيد لنساء يمنيات مسكن بناصية القرار السياسي العام لشعوبهن وقبائلهن ، بل وأ سسن أنظمة حكم اعتمدها الاسلام نهجاً لنظام الدولة ونقصد هنا نظام الشورى الذي انتهجته الملكة بلقيس ملكة سبأ وهي تقود دولة لا محكمة وحسب ، ولم يكن القضاء الا جزءاً لا يتجزأ من مهام الحاكم آنذاك !و نذكر أيضاً السيدة أروى بنت أحمد (الصليحية) التي ظل حكمها في اليمن في اواخر القرن الخامس الهجري نحو أربعين عاماً.
يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز من سورة النساء ((والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر)) وسنلاحظ هنا التعميم في الخطاب الالهي فهو موجه لكافة المؤمنين والمؤمنات، ولفظ الولاية ورد واضحاً وصريحاً وهو الأمر الذي نفهم منه المساواة بين الرجل والمرأة في ممارسة حق الاشراف على أمور بعضهم بعضاً. وبطبيعة الحال فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاسم مشترك في جميع اعمال السلطات بما فيها السلطة القضائية لان القضاء في حقيقته ما هو الا جملة من أوامر الأداء والامتناع. أ داء للمعروف ومنعاً للمنكر وقياس ماهية المعروف والمنكر لا يخضع لمزاج القاضي وانما هو عبارة عن مواد قانونية تم افراغها في القوانين والنظم واللوائح أبان فيها المشرع ما يجب أن يؤدى وما يجب أن نمتنع عنه ويعتبر الإتيان به فعلاً مخالفاً للقانون يستوجب العقاب .
وتنتهج السلطات اليمنية الرأي الفقهي الذي يجيز قضاء المرأة فيما دون الحدود. حيث يدير هذا الاتجاه قضاء المرأة مدار شهادتها وهو الرأي الوسطي بين من قال بجواز قضائها على الإطلاق وبين من قال بعدم جواز قضائها على الإطلاق.
ومع التطور الهائل الذي حصل في انظمة القضاء تلاشت تقريبا ولاية القاضي الفرد وأصبح للقضاء الجماعي مكانة راسخة خصوصاً في المحاكم الاستئنافية الأولى والعليا ويطلق على ذلك الشعبة او الدائرة فيتم النظر في الحدود من قبل هيئة مما لا يجعل جناحاً على قضاء المرأة في الحدود والقصاص او على اقل تقدير في الجنايات الصغرى خصوصاً. أن الاتجاه الفقهي المذكور يدير قضاء الحدود مدار الشهادة على اعتبار فرضية ضعف الذاكرة عند المرأة وعدم قبول شهادتها الا بوجود امرأة اخرى تذكرها كما لو ان الرجل لا يعتل بضعف الذاكرة. ولو افترضنا جدلاً أن ضعف الذاكرة اعتلال انثوي فان المتوجب أن لا تكون القاضية كذلك لأن لشخصية القاضي ومؤهلاته سواء كان رجلاً أم امرأة خصوصية شديدة تتعلق بخصوصية القضاء ذاته وقد ساوى هذا الاتجاه الفقهي بين الشاهدة والقاضية في القدرات الذاتية والموضوعية وهو ما لا يتوجب ان يكون حاصلاً حتى بين الشاهد والقاضي من الذكور. فالقاضي رجل أو امرأة من المفترض أن يتمتع بكفاءة علمية وقدرة ذهنية تكون شرطاً لقبول قضائه بينما لا يشترط وجودها لدى الشاهد فهو اي الشاهد ناقل للواقعة بحذافيرها سواء كانت مرئية أو مسموعة أو محسوسة بأي شكل ولا يقبل منه غير ذلك فلا يفسر ما رأى ولا يوأول ما يسمع ولا يبني أي استنتاج على شهادته ويرجع وزن شهادته الى القاضي وحده.
ومن هذا نستخلص ان قياس شهادة المرأة لاينبغي بسطه حكماً على قضائها بهذه الصورة المجردة، وعلى الرغم من ذلك فان نظام الشعبة في نظر الحدود يسقط حجية هذا الاتجاة فبدلاً من وجود المرأة الأخرى فهناك رجل أو رجلان قاضيان ينظران ويحكمان بجانبها .
لكن السلطات اليمنية لم تمنح هذا الحق للقاضية في المحاكم العامة بينما منحته للقاضية في محاكم الإحداث التي تنظر وتحكم في جميع أنواع الجنايات بما فيها الجرائم الحدية وتسير المحاكمة في محاكم الأحدث بنفس القوانين الجزائية والإجرائية التي تسير بها جلسات المحاكم العامة و الفرق أن هناك عملية حسابية يتوجب أن تقوم بها قاضية الأحداث من حيث خصم جزء من العقوبة أو إسقاط الحد الذي تفترضه سن الصغير، وهو ما يعتبر تناقضا في رؤية المؤسسة العدلية تجاه قضاء المرأة في الحدود ونوعاً من الانتقائية ترضي الحس ألذكوري لديها الذي هو جزء من موروث ثقافي واجتماعي عام، ويلعب هذا الموروث دوراً مؤثراً في توجيه بوصلة الإدارة السياسية تجاه قضايا حساسة كهذه بدليل أن التجربة اليمنية أول ما ولدت في محافظة عدن وقد وجدت تجارب مماثلة في المغرب و لبنان، وهو الأمر الحاصل في المغرب ولبنان فكانت المرأة تفصل في كل النزاعات وترأس أيضاً المحاكم العامة.
** المرجعية القانونية لقضاء المرأة في اليمن وموقف الدولة :-
* المواثيق الدولية:
ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945م هو أول معاهدة دولية تناولت مسألة المساواة في الحقوق بين الرجال والنساء ، وعدم التمييز بسبب الجنس وهو من أهم مبادئ هذا الميثاق واليمن تعتبر فرداً من الأسرة الدولية الموقعة على هذا الميثاق. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948م، ويمنع التمييز بكل أشكاله : ( لكل انسان الحق في التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الاعلان دون تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة ودون اي تفرقة بين الرجال و النساء) واليمن طبعاً ملتزمة بهذا الاعلان .
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية المدونة في الاتفاقية ومنها حق العمل واختيار المهنة بنفس القدر من الشروط التي يتمتع بها. واليمن أيضاً ملتزمة بهذا العهد.
اتفاقية الحقوق السياسية للمرأة: وهي اول صك قانوني اعتمد سنة1952م يعالج حصراً حقوق المرأة واهم ما ورد في هذه الاتفاقية أن تقدم المرأة بشروط متساوية مع الرجل بالتصويت في جميع الانتخابات وشغل المناصب العامة وممارسة جميع المهام المذكورة في القوانين الوطنية .
اتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة ((السيداو)) وتبنتها الجمعية العامة سنة 1979م وتعتبر هذه الاتفاقية أهم وثيقة دولية تخص حقوق المرأة وقد دخلت حيز التنفيذ سنة1981م وهي عهد وقعت عليه اليمن. وتكمن أهمية هذه الاتفاقية في انها حددت بشكل واضح مفهوم التمييز وعرفته بوضوح. حيث ورد في المادة الاولى من هذه الاتفاقية ان التمييز يقصد به أي تفرقة أو إبعاد أو تقييد يتم على اساس الجنس أو أي شكل من أشكال المعاملة من شأنه أن يؤدي إلى إنقاص حقوق المرأة وقد تحفظت اليمن على المادة الثانية من هذه الاتفاقية وهي المادة التي تلزم الدولة بتجسيد المساواة في دساتيرها الوطنية وفي جميع القوانين واتخاذ التدابير التشريعية لحظر كل تمييز وإقرار الحماية القانونية عبر المحاكم وإلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات الوطنية التي تشكل تمييزاً ضد المرأة.
*الدستور والقوانين الوطنية:
حقيقةً أن الدستور اليمني اقر مبدأ المساواة وذلك وأضح في المواد(41,31,24 ) اللاتي تنص على ان المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات العامة وان النساء شقائق الرجال لهن من الحقوق وعليهن من الواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينص عليه القانون وان الدولة تكفل تكافؤ الفرص لجميع المواطنين سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وتصدر القوانين لتحقيق ذلك، ويعد الحق في تقلد المناصب وشغل الوظيفة العامة قاسماً مشتركاً بين جميع القوانين المتعلقة بذلك كقوانين الخدمة المدنية والعمل والانتخابات.
وبالرجوع إلى القانون الخاص بالسلطة القضائية رقم (1) لسنة1990م نجد في مادته (57) عدة اشتراطات يتوجب توفرها فيمن يعينٍ في وظائف السلطة القضائية وهي على النحو التالي :-
ا - التمتع بالجنسية اليمنية.
ب - كمال الأهلية.
ج - الخلو من العاهات المؤثرة في القضاء.
د - لايقل سنه عن ثلاثين عاماً.
ه - لايتولى العمل القضائي الأ بعد مضي فترة تدريبية لا تقل عن سنتين.
و- يكون حائزاً على شهادة من المعهد العالي للقضاء بعد الشهاده الجامعية في الشريعة والقانون أو الحقوق من احدى الجامعات المعترف بها في الجمهورية اليمنية.
ز- محمود السيرة والسلوك وحسن السمعة.
ح - أن لا يكون قد حكم عليه قضائياً بجريمة مخلة بالشرف أو الأمانة .
والمستعرض لهذه الحقوق القانونية و ما جاء في قانون السلطة القضائية يجد أن القوانين محررة من أي تمييز ضد المرأة,و لا يجد في ذلك ما يقصر العمل القضائي على الذكور. وقد كانت اللوائح الداخلية للمعهد العالي للقضاء تشترط ضمنياً من خلال تعبئة استمارة القبول أن يكون الملتحق بالمعهد منحدراً من أسرة قضائية وهو مفهوم تأريخي موروث من عهد الائمة حيث ينحصر القضاء في أسر بعينها وهم أسر السادة أو الأسر المتنفذة في سدة الحكم وهو كما نرى جزءاً من إيديولوجية متخلفة تحكم المؤسسة القضائية برمتها. وقد ألغيت هذه الشروط بعد قيام الوحدة اليمنية وهوعهد يحسب لليمن أنه عهد الانطلاق في رحاب الديمقراطية ومأسسة المجتمع واحترام حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية وعكس التزاماتها الدولية في تشريعاتها الوطنية، ويعتبر إلغاء الخصوصية الأسرية بين ذكور القضاء قفزة نوعية في تاريخ هذه المؤسسة إلا أنه وللآسف الشديد ظلت القضية بالنسبة للمرأة مسكوتاً عنها طيلة خمس عشرة سنة أي منذ سنة 1990م وحتى يومنا، وذلك بتوقف أي تعيين جديد من الاناث في اليمن .
** التجربة اليمنية بين الأقوال والأفعال :-
تعود التجربة اليمنية لقضاء المرأة إلى سبعينيات القرن الماضي. وبهذا فان اليمن سباقة على مستوى الخليج والجزيرة بل وسبقت العديد من الدول العربية منها مصر وليبيا وتونس وسوريا والعراق، وبالمقابل سبقتنا دول أخرى مثل المغرب - التي تعود فيها التجربة إلى خمسينيات القرن الماضي - ويوجد فيها أكثر من خمسمائة قاضية منهن من يترأسن شعباً استئنافية وعضوات بالمحكمة العليا والمحكمة الدستورية وهن لسن خريجات معهد القضاء وحسب بل ويقمن بالتدريس فيه ويتخرج على أيديهن رجال القضاء وتفصل المرأة في المغرب بجميع أنواع القضايا بما فيها الجنايات الكبرى. ولا نستطيع القول إن الإرادة السياسية في المغرب قد ابتدعت نشاط المرأة في القضاء من فراغ سياسي ولكن القول إن هذه الإرادة قد دعمت هذا النشاط وواكبته في بيئة تتميز بموروث ثقافي اجتماعي يتقبل المرأة في كل مفاصل السلطة ومواقع الولاية. الأمر الذي يمكن قياسه على التجربة اليمنية من حيث ميلادها في محافظة عدن وبقاء عدن حاضنة لها سنوات طويلة تعدت الثلاثة عقود((فقد تعينت أول قاضية سنة 1971م وهي المحامية حميدة زكريا، وبعدها عينت سنة 1974م أول عضو نيابة عامة وهي المحامية راقيه حميدان. بيد أن المناطق المجاورة لم تخلُ من هذا النشاط لاحقاً مثل أبين و لحج التي شهدت عواصمها قاضية واحدة فقط بداية الثمانينيات وبالمثل كانت حضرموت سنة 1984م. بينما يتركز في عدن ثلاث عشرة قاضية و أعداد مماثلة من عضوات النيابة العامة، وكن القاضيات آنذاك يصلن إلى كرسي القضاء بعملية انتخابية إذ يتقدم وزير العدل ورئيس المحكمة العليا بمذكرة ترشيح إلى مجلس الشعب ويتم التصويت في المجلس على هذا الترشيح.
إن المتأمل اليوم تجربة المغرب واليمن على عراقتهما سيلاحظ الفرق الشاسع بين ما وصلت إليه القاضية المغربية وما لم تصل إليه القاضية اليمنية. والملاحظ أن الإرادة السياسية منذ نشؤ هذه التجربة واكبت القضية في مجتمعات تتقبل ثقافتها قضاء المرأة وعملها بشكل عام بينما لم يستطع النظام السياسي فرض إرادته في مناطق أخرى من اليمن لان موروثها الاجتماعي والثقافي يصادر أي إرهاصات لنشؤ مثل هذه التجارب كشبوة والمهرة. وللحق فان تعميمها يتطلب نضالاً شاقاً وإرادة سياسية شجاعة وصبراً وثباتاً من المرأة نفسها لفرض وجودها. كما أن الحاجة ملحه إلى تدخل سياسي حتى لا تجهض التجربة وتظل محصورة في مناطق وعدد معين من القاضيات هن في الحقيقة الجيل الثاني من القاضيات اللواتي تسلمن القضاء في بداية الثمانينيات وقد مضى على ذلك عشرون سنة ونيفاً وهنا تكمن الخطورة. فهن كعدد بشري سينتهي إما نهاية طبيعية كالمرض والموت أو مهنياً بالتقاعد أو الاستقالة المسببة وهذه هي طبيعة الحياة وقانونها التي لا راد لها.
وقد تفهمت القيادة السياسية والتنفيذية بحكمة الظروف ألمحيطه بهذا الموضوع فنرى نهجاً واضحاً في إتباع سياسة التقبل المجتمعي التدريجي آخذة بنظر الاعتبار درجة المرونة التي تتميز بهياكل نطاق جغرافي. وبهذه السياسة تم توزيع عدد من القاضيات خارج محافظة عدن بعد التجميد الذي أوقف الموضوع أربعة عشر عاما مضت كلها في جدل عقيم حول جواز أو عدم جواز قضاء المرأة من عدمه، وقد شهدت العاصمة صنعاء أول قاضية وكذلك محافظة تعز وذلك في الحركة القضائية التي صدرت مؤخرا في ديسمبر 2004م. ويعني ذلك إن الإرادة السياسية أصبحت واضحة تجاه هذا الموضوع حيث كان الدور الحاسم لرئيس الجمهورية رئيس مجلس القضاء الأعلى (حفظه الله ) في المؤتمر القضائي الأول المنعقد في ديسمبر 2003 م. وضمن ما قاله أنه يجب تشجيع المرأة مادام لا يوجد في الدين والدستور ما يمنع قضاءها، وللحق كان للقيادة التنفيذية المتمثلة في شخص وزير العدل دور فاعل من خلال الدفع بالموضوع باتجاه الحسم النهائي لإيمانه الشديد بأن ذلك يعد جزءاً من عملية إصلاح وتحديث القضاء وجزءاً من العملية التنموية للبلد. وبعد كلمة الرئيس الفاصلة بأسابيع معدودات تم انتداب إحدى القاضيات كرئيسة محكمة والتصريح بفتح باب المعهد العالي للقضاء أمام المرأة لاستكمال شرط الانتساب إلى السلطة القضائية وهو يعد سابقه في تاريخ المعهد وتاريخ السلطة القضائية بشكل عام. وبعد عام واحد من انعقاد المؤتمر القضائي الأول جاءت الحركة القضائية وتم فيها تعيين أربع قاضيات رئيسات محاكم وترفيع أخريات إلى محاكم الاستئناف.
لكن بقراءة جيدة سنلاحظ إن الحركة تمت في إطار العدد الموجود نفسه ولم يتم أي تعيين جديد، على اعتبار أن تعيين جديد لابد وان يكون عبر المعهد ( شهادة المعهد شرط أساسي من شروط الانتساب إلى السلطة القضائية). ولهذا يلتحق الطالب بعد حصوله على شهادة الإجازة العامة من إحدى كليات الحقوق أو الشريعة بالمعهد العالي للقضاء ولمدة ثلاثة سنوات دراسية ثم سنتين للتدريب حتى يحصل على الإجازة الخاصة، وبذلك يتطلب إعداد القاضي في اليمن تسع سنوات من التأهيل والتدريب وهي فترة طويلة إضافة إلى الأربعة عشر عاما الماضية من التجميد لكي تشهد الساحة القضائية دماء جديدة. وهناك سبع عشرة قاضية يمتلكن الدرجة القضائية وخبرة طويلة لأكثر من عشر سنوات في ممارسة الوظائف المساعدة للقضاء. فماذا لو تم منحهن الولاية بقرار جمهوري ليفصلن ويحكمن بأنفسهن وهو المفترض إن يحصل لو أردنا تدخلاً عملياً لتطِوير هذا المنجز الوطني ويؤكد رؤيتنا بأهمية التدخل السياسي المباشر وعدم ترك الموضوع مفتوحاً هكذا للمد والجزر والتعصبات الفكرية لأناس لا يريدون لهذا البلد أن يتطور.
ويوجد حالياً في اليمن ست عشرة قاضية يمتلكن الولاية أي يمارسن عملهن بموجب قرارات جمهورية (الحركة القضائية). ويعتبر هذا القرار بمثابة توكيل أو تفويض من الحاكم بإنابتهن في إقامة العدل بموجب ذلك يفصلن فعلياً في القضايا ويصدرن الأحكام. بينما هناك العدد الآخر المشار إليه حاصلات على الدرجة القضائية فقط ويتمتعن بمزايا الوظيفة من راتب وعلاوات ولكنهن لا يقمن بإصدار الأحكام أو الفصل بين المتخاصمين لأنه لم يصدر بهن قرار جمهوري. ومن الملاحظ اقتصار رئاسة المحاكم على محاكم الأحداث ولم يصدر أي قرار بترؤس المحاكم العامة أو التجارية أو الشعب الاستئنافية وينحصر قضاؤهن جميعاً في غير الجنايات، والقاضية الوحيدة التي تنظر في الجنايات هي قاضية الأحداث. ونستطيع القول انه مهما ساد التجربة من قصور إلا أنها في جميع الأحوال تعتبر منجزاً وطنياً هاماً ملكا للوطن ويتطلب الحفاظ عليه قدراً كبيراً من السعة الفكرية والموازنة الحكيمة بين مصالح أفراد المجتمع ومصلحة المجتمع ذاته؛ لأن هذه القضية بالذات تعتبر من القضايا المحفوفة بمحاذير مرتبطة ارتباطاً شديداً بثقافة المجتمع وتركيبته البنائية النفسية والاجتماعية خصوصاً وإننا في بلد تشكل فيه البنى التقليدية أكثر من (70%) من التركيب العام للبنية الاجتماعية. وقد برزت بعض الآراء تفترض تطبيق نظام (الكوتا) السياسية كتدبير عملي على مقاعد المعهد العالي للقضاء على غرار تخصيص بعض الدوائر الانتخابية للنساء. ولكننا شخصياً لا نرى حاجة لنظام الكوتا في قطاع العدالة ولكننا مع التخطيط المسبق والحوار المفتوح مع قيادة وزارة العدل مباشرة مادام وقد اتضحت لنا رؤية هذه القيادة، ولتعبر المرأة إلى منصة القضاء عبر القنوات الرسمية ولا بد للجيل الجديد من الخريجات إن يتمسكن بهذا الحق ولا ينتظرن إن تفرش الطريق إلى المعهد بالورود ونقول إن ذلك واجب وطني مقدس على الجميع الحفاظ عليه ونقول (واجباً) لأن في عدم إنقاذه إجهاضاً له لا محالة.
** الخلاصة والتقييم :-
• تستند التجربة اليمنية إلى ثلاث مرجعيات تضمن وجودها:
1. مرجعيه شرعية دينية تتمثل في عدم وجود المانع الديني.
2. مرجعية شرعية دولية وتتمثل في التزام اليمن بالمواثيق الدولية الخاصة بحقوق المرأة.
3. مرجعية دستورية بإقرار الدستور والقوانين بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة .
• الجانب العملي التطبيقي متأخر عن الجانب النظري لقانوني فيما لو أخذ في الاعتبار تاريخ التجربة وعراقتها.
• رغم وجود الاستحقاقات بحكم مدة الخدمة والخبرة لم تصل القاضية بعد إلى عضوية المحكمة العليا بينما في المغرب مثلاً وصلت إلى رئاسة دوائر في محكمة النقض و المحكمة الدستورية وأيضا في لبنان.
• خلو الهيئات الإشرافية العليا للسلطة القضائية من القاضيات مثل هيئة التفتيش القضائي ومجلس القضاء الأعلى وحصر قضاء المرأة في الأحوال الشخصية والمدنية.
• حصر رئاسة القاضية في محاكم الإحداث رغم أنها محاكم جنائية وتفصل فيها المرأة في الجنايات وما ينتج منها من أروش وديات وهو ما يعد تناقضاً في سياسة المؤسسة القضائية تجاه المرأة.
• بقاء نفس العدد من القاضيات معظمهن من خريجات الثمانينيات والاكتفاء بإعادة توزيعهن جغرافياً عند صدور الحركة القضائية. وقد بلغ عدد القاضيات في المغرب أكثر من (500) قاضية وفي لبنان أكثر من (100) قاضية وفي الأردن (19) قاضية بينما في اليمن(17) قاضية من أصل (1200) قاضٍ رجل أي بنسبة (0.7 %).
• بعد أربعة عشر عاماً من الجمود لم تأتِ الترجمة العملية لتوجيهات الأخ رئيس الجمهورية رئيس مجلس القضاء الأعلى وكذلك وزير العدل بالقدر الكافي الذي يتناسب ومؤشر خطورة المشكلة .
• عدم استيعاب الخبرات العملية في القضاء للنساء من ذوات الدرجة القضائية. فهناك سبع عشرة قاضية يحملن الدرجة ولم يعطِن الولاية حتى يتمكن من الفصل في النزاعات وإصدار الأحكام رغم أنهن يمارسن أعمالاً قضائية كأمانة السر والتوثيق ولهن من الخبرة العملية ما تجاوز العشر أو الخمس عشرة سنة. ويعطي هذا فرصة إمام قيادة وزارة العدل لتأكيد مصداقية توجهاتها لاتخاذ تدابير عملية سريعة والعمل على انتداب هؤلاء كقاضيات تمهيداً للدفع بهن إلى مجلس القضاء الأعلى لتثبيتهن بقرارات.
• مازال المعهد العالي للقضاء لا يتقبل أي امرأة في صفوفه وأن كانت الأبواب قد فتحت بحسب تصريح وزير العدل في 2003 م. وقد أثبت الواقع العملي أن مجرد الحديث في هذا الشأن لا يكفي ولا بد إن تتفهم إدارة المعهد أبعاد القضية وخصوصيتها وبالذات بُعدها الوطني وألا يجعل من امتحان القبول قضية تحدٍّ واستفزاز ولا بد من وجود قاضية في قوام لجنة القبول في المعهد أي أن دور وزير العدل لم ينتهِ بعد ومازال مطالباً بالكثير من التدابير العملية.
• اقتصار الشعب الاستئنافية (المدنية والشخصية) على الرجال رغم إن منهم من يقل خبرةً عن زميلته القاضية في نفس الشعبة ناهيك عن اقتصار الدوائر الجنائية على الذكور كلياً رغم التطور الحاصل في أنظمة القضاء وإحلال نظام الشُّعب بدلاً من قضاء القاضي الفرد مما ينسف حجية الرأي الفقهي الذي تنتهجه المؤسسة القضائية.
• اختصار الدورات الإنعاشية والإطلاع على تجارب القضاة الرجال في الخارج وحرمان القاضيات منها.
** الجانب الايجابي من التقييم :-
1. الفصل في الجدل الدائر حول جواز قضاء المرأة من قبل القيادة السياسية في كلمة فخامة رئيس الجمهورية التي ألقاها في المؤتمر القضائي الأول منتصف ديسمبر 2003م، وهو ما يعتبر خطوة متقدمة.
2. توسيع النطاق الجغرافي في السنة الأخيرة 2005 م لتثبيت التجربة في محافظات تشهدها لأول مرة (أمانة العاصمة صنعاء و تعز) رغم إن العدد مازال نفسه.
3. تساوي القاضيات مع القضاة من حيث التقييم في دورات التفتيش القضائي ومنح درجات الكفاءة.
4. وضوح الرؤية لدى قيادة وزارة العدل مقارنة بقيادات سابقة .
** توصيات عامة :-
1. ضرورة تفعيل دور منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحكومية من خلال الاستمرار بإجراء الدراسات وإقامة الأنشطة والحوارات المفتوحة لإبقاء القضية حية في وعي المجتمع والسلطة.
2. على الدولة الاستمرار باتجاه فرض قضاء المرأة بقرارات جمهورية في المحافظات التي لم يتحقق فيها هذا المنجز.
3. لابد من تجذير التجربة باتخاذ جملة من التدابير العملية لتمكين المرأة من الالتحاق بالمعهد العالي للقضاء وتمكين القاضيات من قيادة العمل القضائي عن طريق رئاسة المحاكم والشُّعب الاستئنافية إعمالاً بمبدأ الكفاءة وابتعاداً عن مقياس الذكورة و الأنوثة.
4. الاستفادة من الكوادر القديمة في الهيئات الإشرافية كالتفتيش القضائي وعضوية مجلس القضاء الأعلى.
5. الحوار والتنسيق الدائم مع وزير العدل على المستوى الحكومي على سبيل المثا