الجنايات – تعريفها لغة وإصطلاحاً وأنواعها
من كتاب التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي – الجزء الثاني
الدكتور عبد القادر عودة
1 - معنى الجناية:
الجناية لغة: اسم لما يجنيه المرء من شر وما اكتسبه، تسميه للمصدر من جنى عليه شرًا، وهو عام، إلا أنه خُصِّ بما يحرم من الأفعال، وأصله من جنى الثمر وهو أخذه من الشجرة.
أما فى الاصطلاح الفقهى فالجناية: اسم لفعل محرم شرعًا سواء وقع الفعل فى نفس أو مال أو غير ذلك. لكن عرف الفقهاء جرى على إطلاق اسم الجناية على الأفعال الواقعة على نفس الإنسان أو أطرافه وهى القتل والجرح والضرب (1) .
وأكثر الفقهاء يتكلمون عن القتل والجرح والضرب تحت عنوان الجنايات، متأثرين فى ذلك بما تعارفوا عليه من إطلاق اسم الجناية على هذه الأفعال (2) .
ولكن بعض الفقهاء يتكلمون عن هذه الأفعال تحت عنوان الجراح (3) ناظرين إلى أن الجراحة هى أكثر طرق القتل والاعتداء على النفس والأطراف. كما أن بعض الفقهاء يؤثرون لفظ الدماء. (4) ويجعلونه عنوانًا لجرائم القتل والجرح
_________
(1) البحر الرائق ج8 ص 286 , الزيلعى ج6 ص79.
(2) المرجعان السابقان , وبدائع الصنائع ص 233 , الإقناع ج4 ص162 , البجيرمى على المنهج ج4 ص 129.
(3) تحفة المحتاج ج4 ص1 , المغنى ج9 ص318 , الأم ج6 ص1.
(4) الشرح الكبير للدردير ج4 ص210 , مواهب الجليل للحطاب ج6 ص230.
(2/4)
________________________________________
والضرب، ناظرين فى ذلك إما إلى النتيجة الغالبة لهذه الجرائم وهى إراقة الدماء وإما إلى أن أحكام هذه الجرائم وضعت لحماية الدماء.
******
2 - أقسام الجناية:
ويقسم الفقهاء الجناية (1) . على الآدمى إلى ثلاثة أقسام:
1 - جناية على النفس مطلقًا، ويدخل تحت هذا القسم الجرائم التى تهلك النفس أى القتل بمختلف أنواعه.
2 - جناية على ما دون النفس مطلقًا، ويدخل تحت هذا القسم الجرائم التى تمس جسم الأنسان ولا تمس نفسه وهى الضرب والجرح.
3 - جناية على ما هو نفس من وجه دون وجه. ويقصد من هذا التعبير الجناية على الجنين لأنه يعتبر نفسًا من وجه ولا يعتبر كذلك من وجهة آخر، فيعتبر نفس من وجه لأنه آدمى، ولا يعتبر كذلك لأنه لم ينفصل عن أمه. ويعبر عن هذه الجناية فى الاصطلاح القانون الوضعى بالإجهاض.
3 - جرائم القتل والضرب والجرح قد تقع عمدًا وقد تقع خطأ: ولكنها سواء كانت عمد أو خطًا ليست فى الواقع إلا صورًا قانونية مختلفة بفعل واحد يقع على جسم المجنى عليه، فالضرب بعصا قد لا يحدث أثرًا وقد يحدث شجه أو جرحًا، وقد يؤدى إلى موت المجنى عليه وقد يكون الضارب قاصدًا مجرد الاعتداء فيكون فعله ضربًا أو جرحًا متعمدًا وقد لا يقصد الاعتداء فيكون فعله ضربًا أو جرحًا خطأ.
فإذا مات المجنى عليه كان الضرب قتلاً عمدًا إذا قصد الجانى القتل، وكان قتلاً شبه عمد أى ضربًا مفضيًا لموت إذا تعمد الجانى الاعتداء ولم يقصد القتل، وكان قتلاً خطأ إذا لم يقصد الاعتداء أصلاً. فالفارق بين هذه الصور المتعددة المختلفة هو نتيجة الفعل وقصد الجانى، وهذا التصوير لجرائم القتل والجرح والضرب متحد فى الشريعة والقوانين الوضعية.
_________
(1) يلاحظ أن معنى الجناية فى الشريعة يتفق مع معنى الجريمة , فالفعل جناية ولو كان مخالفة أو جنحة أو أكثر جسامة منهما , ولفظ الجناية فى الشريعة مخالف لمعنى هذا اللفظ ن المصرى الذى يعتبر جناية كل فعل معاقب عليه بالإعدام أو الأشغال الشاقة أو السجن.
(2/5)
________________________________________
وتتفق أحكام جرائم القتل والجرح والضرب فى الشريعة الإسلامية مع أحكامها فى القوانين الوضعية فيما يختص بأركان الجريمة وصورها والأفعال المختلفة المكونة لها. ولا تكاد الشريعة تختلف عن القوانين إلا فى نوع العقوبة التى يقررها كلاً منهما لهذه الجرائم. بل أن القوانين حين تتناول هذه الجرائم تتناولها على نفس طريقة الشريعة فتجمعها فى باب واحد، كما يتكلم عنها الشراح دفعة واحدة لشدة ما بينها من اتصال، وهو نفس ما فعله فقهاء الشريعة فى شرح هذه الجرائم.
* * *