بسم الله الرحمن الرحيم
الخاتمة الدنوية- تعريفها وأنواعها
الخاتمة الدنوية- تعريفها وأنواعها
تعريف الخاتمة لغة:
جاء في تعريف الخاتمة ومشتقاتها اللفظية عند علماء اللغة العربية بقولهم بأن(خَتَم)الشئ من باب ضَرَبَ فهو(مَختْومٌ)و(مُخَتًّمَ)شدد للمبالغة,و(خَتَمَ)الله له بخير,وخَتَم القرآن بلغ أخره,و(اختَتَم)الشئ ضد افتتحه,و(الخَاتَِمُ) بفتح التاء وكسرها و(الخَيْتامُ)و(الخَاتَامُ)كله بمعنى والجمع(الخَوَاتِيمُ)و(تَّخَتَّمَ)لبس الخاتم,و(خاتِمةُ)الشئ آخِرُه,ومحمد خاتم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام,و(الخِتَامُ)الطين الذي يختم به,وقوله تعالى (ختامه مسك)أي أخره لأن آخر ما يجدونه رائحة المسك,أنظرمعجم مختار الصحاح للأمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي في باب الخاء الصفحة رقم(71)
كما جاء لفظ ختم ويختم وخاتم وختام ومختوم في القرآن الكريم بعدة معان منها:
1-جاء لفظ ختم ومختوم بمعنى طبع ومطبوع,قال تعالى(ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشواةٌ من نار ولهم عذاب أليم)سورة البقرة الآية رقم(7)ومعنى(ختم الله)أي طبع الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشواة من نار حالت بينهم وبين الإيمان,وقال تعالى(قل أرءايتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به)سورة الانعام الآية (46)فمعنى(ختم الله على قلوبكم)في هذه الآية الكريمة أي طبع عليها فجعلكم لا تفهمون شيئا,وقال تعالى(يسقون من رحيق مختوم)سورة المطففين الآية(35)فمعنى(رحيق مختوم)في هذه الآية الكريمة مطبوع عليه لا يفك ختمه غير الأبرار.
2-جاء لفظ نختم بمعنى نطبق ونمنع,قال تعالى(اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون)سورة يس الآية(65)فمعنى(نختم على أفواههم)في هذه الآية الكريمة هو نطبق على أفواههم ونمنعهم من الكلام.
3-جاء لفظ خاتم وختام بمعنى أخر الشئ,قال تعالى(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما)سورة الأحزاب الآية رقم(40) أي أن محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام فلا نبي بعده,وقال تعالى(ختامه مسكٌ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)سورة المطففين الآية(36)فمعنى(ختامه مسك)في الآية الكريمة,أي أخر شربة من الرحيق المختوم تفوح منه رائحة المسك.
وهذا هو التعريف اللغوي المختار لخاتمة الإنسان أولختام حياته ويقصد به الأنفاس الأخيرة من الإنسان واللحظات الأخيرة من حياته.
أنواع الخاتمة الدنوية
لا شك ولا ريب أن خاتمة الإنسان في الدنيا تنقسم إلى نوعين,إما خاتمة حسنة وإما خاتمة سيئة,فإما أن يختم الإنسان حياته وهوعلى ملة الإسلام فيكون أخر ما ينطق به في الدنيا قوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله أو أيات من القرآن الكريم,وهذا ما جاء فيه قوله تعالى(يثبت الله الذين أمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الأخرة ويضل الله الظالمين ويفعل مايشاء)سورة إبراهيم الآية(27)فالقول الثابت في هذه الآية هوأن يلفظ العبد المؤمن بالشهادتين في اللحظات الأخيرة من حياته وقبل أن تزهق روحه إلى باريها فتكون أخر ما ينطق به في حياته,حيث وأن اللحظات الأخيرة من حياة الإنسان,تعتبر أهم اللحظات في حياة الإنسان كونها الدقائق الحاسمة التي يحدد فيها مصيره في الحياة الأخرة,فإما يصير إلى النعيم والسعادة وأمايصير إلى الشقاوة والجحيم والعذاب الأليم,ولهذا فإن إبليس يجند في هذه اللحظات جنوده ويستخدم فيها كل أسلحته وكامل قواه,فيأتيه من بين يديه ومن خلفه ومن أمامه,لعله يلهيه عن ذكر ربه وعن التلفظ بالشهادتين قبل موته فتأتي رحمة الله تعالى بالعبد المؤمن فتنتصر على الشيطان وجنوده فيثبته الله بالقول الثابت فيكون أخر ما ينطق به في حياته الشهادتان,وهذه هي الخاتمة الحسنة والموت على ملة الإسلام,وللخاتمة الحسنة عدة صور منها أن يموت العبد وهو واقف بين يدي ربه قائم في صلاته أو ساجد فيها ليس بينه وبين مولاه حجاب,أوأن يموت بعد إنتهائه من صلاته مسبحاً ومكبراً وحامداً لله,أوأن يموت وهو بملابس الإحرام أثناء أداءه لفريضة حج أو عمرة مهلالاً ومكبراً وملبياً,أو أن يموت في طريقه إلى بيت الله لأداء فريضة الحج أو لاداء عمرة,أو أن يموت وهو يصلى في الحرم المكي الشريف بين يدي الله عزوجل,أو أن يموت وهو يقرأالقرآن الكريم أو يستمع إلى أحد المقرئين بخشوع وأطمئنان ورغبة ورهبة,أو أن يموت وهو صائم لله عزوجل,أو أن يقتل شهيداً وهومجاهداً في سبيل الله خالصاً في جهاده لله سبحانه وتعالى.
وأما الخاتمة السيئة فأن لها صوراً عديدة منها أن يموت الإنسان على غير ملة الإسلام بمعنى أن يرتد عن الإسلام ويدخل في دين أخر,أوأن يموت وهو قاطعاً للصلاة منتهكاً لحرمات الله غارقاً في المعاصي والذنوب والأثام ومصراً عليها,أو أن يموت وهو مخموراً غارقاً في سكره أو يموت وهو في طريقه إلى المخمارة أويموت وهو يسمع الغناء والعزف واللهو,أو أن يحال بينه وبين النطق بالشهادتين قبل موته,فيكون من أتباع إبليس الذي يفرح بهم أشد الفرح,فقدقال الأستاذ أبومحمد الفراء إذا أجتمع إبليس وجنوده لم يفرحوا بشئ أكثر من فرحهم بثلاثة أشياء رجل مؤمن قتل مؤمناً ورجل يموت على الكفر ورجل في قلبه خوف الفقر.
أنظر ص71 من كتاب الروض الفائق في المواعظ والرقائق للعالم العلامة والحبر الفهامة الشيخ شعيب الحريفيش-دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت.
(خسر أخرته بنزوة لم تتم)
حكى في كتاب الروض الفائق في المواعظ والرقائق للعالم العلامة والحبر الفهامة الشيخ شعيب الحريفيش- الصادر من دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت ص10,أن مؤذناً أذن في منارة أربعين سنة فصعد يوماً وأذن حتى بلغ قوله حى على الفلاح فوقع بصره على أمرأة نصرانية فذهب عقله وقلبه فترك الاذآن وذهب إليها فخطبها فقالت إن مهري ثقيل عليك فقال وماهو فقالت تدخل في ديني وتترك دين الإسلام ففعل ودخل دينها,فقالت له إن أبي في أسفل الدار أنزل إليه وأخطبني منه فنزل فزلت قدمه في السلم فسقط ومات كافراً ولم يقض شهوته منها نعوذ بالله من سوء الخاتمة.
(مخمور في أخر الليل معذب في أول النهار)
قصة واقعية:
بينما كنت جالساً في النصف الأخير من الليل في منزل عمي الكائن خارج العاصمة صنعاء في منطقة قريبةً من الطريق الرئيسي الممتد من أمانة العاصمة صنعاء إلى مدينة مأرب,أقرأ في إحدى الكتب الفقهية فإذا بي أسمع صوت إنصدام سيارات أو إنقلاب سيارة يأتي من أتجاه طريق صنعاء مأرب,فنظرت من النافذة المطلة على مكان الحادث فرايت أضواء سيارة في مكان الصوت ثابت لا يتحرك,وإذا بي بعد برهة قصيرة أسمع صرخة مؤلمة تأتي من مكان الحادث لتقطع سكون الليل المظلم,فخرجت مسرعاً من المنزل وانطلقت نحو مكان الحادث,كما خرج أيضاً بعض سكان المنازل القريبة حينما سمعوا ماسمعته واتجهوا نحو مكان الحادث,فوجدنا سيارة نوع هيلوكس مقلوبة في خارج الطريق الكفرات إلى أعلى وسقفها إلى أسفل,وكان صوت الغناء ينطلق من مسجلة السيارة المقلوبة يملأ الأفاق ولم يكن فيها سوء السائق فقط,كان نصفه الأمامي خارج السيارة وقدماه ونصفه الأخر داخل السيارة فأخرجناه من داخل السيارة وطرحناه في الارض على ظهره وتحسسنا انفاسه,لنرى هل لازال على قيد الحياه أم لا؟فوجدنا أنه لازال يتنفس وشممنا رائحة تنبعث من فمه لم أدري رائحة ماهي,فهمس لي أحد المتواجدين بأنه يشم رائحة خمر من فم السائق, فقمنا بإرسال أحد المتواجدين الى النقطة العسكرية الواقعة بالقرب من مكان الحادث لإبلاغهم بالحادث,كما قمنا بايقاف سيارة لنقل السائق إلى المستشفى, وأثناء ما وقفت أحد السيارات المارة حضر بعض أفراد الشرطة إلى مكان الحادث,فحملنا السائق إلى السيارة, وذهب أحد افراد الشرطة مع صاحب السيارة لاسعاف السائق إلى المستشفى من أجل أن لا يتم حجز صاحب السياره الذي قام بإسعاف السائق بتهمة أنه الصادم, بينما بقى بعض أفراد الشرطة في مكان الحادث,وأتصلوا بمكتب المرور وأبلغوهم بالحادث فحضر أحد أفراد المرور إلى مكان الحادث لكي يقوم بالإجراءات اللازمة تجاه الحادث, ثم قام مندوب المرور مع أفراد الشرطة بتفتيش السيارة لينظروا ماذا بداخلها من أشياء , بهدف الحفاظ على ممتلكات السائق التي فيها, ولعلهم يجدون فيها أشياء ثمينة وما يدل على هوية السائق, فوجدوا في السيارة بعض اشرطة الكاسيت الغنائية وقارورة خمر قد شرب منها بعضها وبقى فيها البعض, فحرروا محضراً بالحادث وبالمضبوطات التي وجدوها في السيارة, وقاموا بأخذ السيارة إلى حوش مكتب المرور, بينما رجعت إلى المنزل والحزن يملأ قلبي وبقيت أفكر في ذلك السائق طول الليل وأتمنى له الشفاء من أجل أن لا تنتهي حياته بتلك الخاتمة السيئة,ولم أقدر على النوم حتى سمعت المؤذن ينادي لصلاة الفجر فقمت لأداء الصلاة ثم عدت إلى الفراش فنمت سويعات, وفي الصباح خرجت من المنزل والتقيت ببعض من أعرفهم من أبناء الحارة, ممن شاهدوا الحادثة, وسألتهم هل وصلتهم أخبار عن مصير ذلك السائق فقالوا لي أنه مات في الطريق ولم يصل إلى المستشفى إلا وقد فارق الحياة وأن سبب الإنقلاب هو أن السائق كان مخموراً وسكراناً وفاقدا للعقل ولم يستطع التحكم بالسيارة, وأن رائحة الخمر كانت تفوح من فمه, فازددت حزناً على ذلك السائق الشاب, وقلت في نفسي غفر الله له ورحمه وتجاوز عن سيئاته فأي خاتمة ختم بها حياته, سكر وخمرٌ في أخر الليل, وظلمة القبر في أول النهار, فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ونعوذ بالله من سوء الخاتمة ومن مكر الله عزوجل,ونسأله حسن الخاتمة والعفو والعافية في الدنيا والأخرة ,فأنه لا يأمن مكر الله عزوجل إلا القوم الظالمين.
وقد وردت في العديد من الكتب حكايات وقصص كثيرة عن بعض من كانت خاتمتهم في الدنيا سيئة وبعض من كانت خاتمتهم خاتمة حسنة
نسأل من الله عزوجل أن يجعلنا يجعل خاتمتنا حسنة وأن يجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاه..أمين