منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

منتديات فرسان المعرفة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الشمول والتنوع والتميز والإبداع

قال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا اذكروا الله كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا)أ
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة , أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرالله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)
عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يدعو بهذا الدعاء "اللهم! اغفر لي خطيئتي وجهلي. وإسرافي في أمري. وما أنت أعلم به مني. اللهم! اغفر لي جدي وهزلي. وخطئي وعمدي. وكل ذلك عندي. اللهم! اغفر لي ما قدمت وما أخرت. وما أسررت وما أعلنت. وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم وأنت المؤخر. وأنت على كل شيء قدير". رواه مسلم في صحيحه برقم (2719)
عن عقبة بن عامر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة)رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحة
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم! أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري. وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي. وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي. واجعل الحياة زيادة لي في كل خير. واجعل الموت راحة لي من كل شر". رواه مسلم في صحيحه برقم (2720)
عن أبي الأحوص، عن عبدالله رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقول "اللهم! إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى". رواه مسلم في صحيحه برقم(2721)
عن زيد بن أرقم رضى الله عنه. قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان يقول "اللهم! إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهم! آت نفسي تقواها. وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها. اللهم! إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها". رواه مسلم في صحيحه برقم(2722)
عن عبدالله رضى الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده لا شريك له". قال: أراه قال فيهن "له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. رب! أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها. وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها. رب! أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر. رب! أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر". وإذا أصبح قال ذلك أيضا "أصبحنا وأصبح الملك لله". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله رضى الله عنه . قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده. لا شريك له. اللهم! إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها. وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها. اللهم! إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر. وفتنة الدنيا وعذاب القبر". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن أبي موسى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت) رواه البخاري.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمساجد إذا خرج منه حتى يعود إليه, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله , ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) متفق عليه
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) روه الشيخان والترمذي.
عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(الطهور شطر الإيمان والحمدلله تملأ الميزان وسبحان الله والحمدلله تملأ أو تملآن ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه أو موبقها) رواه مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من قال سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة حُطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)رواه البخاري ومسلم.
عن أبي سعيد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( استكثروا من الباقيات الصالحات ) قيل وما هن يارسول الله؟ قال ( التكبير والتهليل والتسبيح والحمدلله ولا حول ولاقوة إلابالله ) رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الاسناد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أحب الكلام إلى الله أربع- لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر ). رواه مسلم

    كتاب الأحكام السلطانية للماوردي – الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ : فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ .

    alsaidilawyer
    alsaidilawyer
    مدير المنتدى
    مدير المنتدى


    الجنس : ذكر
    الابراج : الدلو
    عدد المساهمات : 4030
    نقاط : 81096
    السٌّمعَة : 2684
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    العمر : 53
    الموقع : الجمهورية اليمنية - محافظة إب

    كتاب الأحكام السلطانية للماوردي – الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ : فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ . Empty كتاب الأحكام السلطانية للماوردي – الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ : فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ .

    مُساهمة من طرف alsaidilawyer الإثنين 29 سبتمبر 2014 - 11:39

    كتاب الأحكام السلطانية للماوردي 


     الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ : فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ .


    وَأَمْوَالُ الْفَيْءِ وَالْغَنَائِمِ : مَا وَصَلَتْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَوْ كَانُوا سَبَبَ وُصُولِهَا وَيَخْتَلِفُ الْمَالَانِ فِي حُكْمِهِمَا وَهُمَا مُخَالِفَانِ لِأَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنَّ الصَّدَقَاتِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ تَطْهِيرًا لَهُمْ , وَالْفَيْءَ وَالْغَنِيمَةَ مَأْخُوذَانِ مِنْ الْكُفَّارِ انْتِقَامًا مِنْهُمْ وَالثَّانِي أَنَّ مَصْرِفَ الصَّدَقَاتِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لَيْسَ لِلْأَئِمَّةِ اجْتِهَادٌ فِيهِ وَفِي أَمْوَالِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ مَا يَقِفُ مَصْرِفُهُ عَلَى اجْتِهَادِ الْأَئِمَّةِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّ أَمْوَالَ الصَّدَقَاتِ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ أَرْبَابُهَا بِقِسْمَتِهَا فِي أَهْلِهَا وَلَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ أَنْ يَنْفَرِدُوا بِوَضْعِهِ فِي مُسْتَحِقِّهِ حَتَّى يَتَوَلَّاهُ أَهْلُ الِاجْتِهَادِ مِنْ الْوُلَاةِ وَالرَّابِعُ اخْتِلَافُ الْمَصْرِفَيْنِ عَلَى مَا سَنُوَضِّحُ . أَمَّا الْفَيْءُ وَالْغَنِيمَةُ فَهُمَا مُتَّفِقَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَمُخْتَلِفَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ : فَأَمَّا وَجْهَا اتِّفَاقِهِمَا فَأَحَدُهُمَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ وَاصِلٌ بِالْكُفْرِ . وَالثَّانِي : أَنَّ مَصْرِفَ خُمُسِهِمَا وَاحِدٌ وَأَمَّا وَجْهَا افْتِرَاقِهِمَا فَأَحَدُهُمَا أَنَّ مَالَ الْفَيْءِ مَأْخُوذٌ عَفْوًا وَمَالَ الْغَنِيمَةِ مَأْخُوذٌ قَهْرًا وَالثَّانِي أَنَّ مَصْرِفَ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ مُخَالِفٌ الْغَنِيمَةَ لِمَصْرِفِ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ مَا سَنُوَضِّحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَسَنَبْدَأُ بِمَالِ الْفَيْءِ فَنَقُولُ : إنَّ كُلَّ مَالٍ وَصَلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَفْوًا مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَلَا بِإِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ فَهُوَ كَمَالِ الْهُدْنَةِ وَالْجِزْيَةِ وَأَعْشَارِ مَتَاجِرِهِمْ أَوْ كَانَ وَاصِلًا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِمْ كَمَالِ الْخَرَاجِ فَفِيهِ إذَا أُخِذَ مِنْهُمْ أَدَاءَ الْخُمُسِ لِأَهْلِ الْخُمُسِ مَقْسُومًا عَلَى خَمْسَةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه : لَا خُمُسَ  فِي الْفَيْءِ وَنَصُّ الْكِتَابِ فِي خُمُسِ الْفَيْءِ يَمْنَعُ مِنْ مُخَالَفَتِهِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } . فَيُقْسَمُ الْخُمُسُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ مُتَسَاوِيَةٍ : سَهْمٌ مِنْهَا كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَيَاتِهِ يُنْفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَيَصْرِفُهُ فِي مَصَالِحِهِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ; فَذَهَبَ مَنْ يَقُولُ بِمِيرَاثِ الْأَنْبِيَاءِ إلَى أَنَّهُ مَوْرُوثٌ عَنْهُ مَصْرُوفٌ إلَى وَرَثَتِهِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ : يَكُونُ مِلْكًا لِلْإِمَامِ بَعْدَهُ لِقِيَامِهِ بِأُمُورِ الْأُمَّةِ مَقَامَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : قَدْ سَقَطَ بِمَوْتِهِ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه إلَى أَنَّهُ يَكُونُ مَصْرُوفًا فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَأَرْزَاقِ الْجَيْشِ وَإِعْدَادِ الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ وَبِنَاءِ الْحُصُونِ وَالْقَنَاطِرِ وَأَرْزَاقِ الْقَضَاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى مِنْ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَالسَّهْمُ الثَّانِي سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى زَعَمَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَدْ سَقَطَ حَقُّهُمْ مِنْهُ الْيَوْمَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ حَقَّهُمْ فِيهِ ثَابِتٌ , وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ابْنَا عَبْدِ مَنَافٍ خَاصَّةً لَا حَقَّ فِيهِ لِمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ كُلِّهَا يُسَوَّى فِيهِ بَيْنَ صِغَارِهِمْ وَكِبَارِهِمْ وَأَغْنِيَائِهِمْ وَفُقَرَائِهِمْ , وَيُفَضَّلُ فِيهِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّهُمْ أَعْطَوْهُ بِاسْمِ الْقَرَابَةِ , وَلَا حَقَّ فِيهِ لِمَوَالِيهِمْ وَلَا لِأَوْلَادِ بَنَاتِهِمْ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ حُصُولِ الْمَالِ وَقَبْلَ قَسْمِهِ كَانَ سَهْمُهُ مِنْهُ مُسْتَحَقًّا لِوَرَثَتِهِ وَالسَّهْمُ الثَّالِثُ لِلْيَتَامَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ . وَالْيُتْمُ : مَوْتُ الْأَبِ مَعَ الصِّغَرِ , وَيَسْتَوِي فِيهِ حُكْمُ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ ; فَإِذَا بَلَغَا زَالَ اسْمُ الْيُتْمِ عَنْهُمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { لَا يُتْمَ بَعْدَ حُلُمٍ } . وَالسَّهْمُ الرَّابِعُ لِلْمَسَاكِينِ وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَكْفِيهِمْ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ , لِأَنَّ مَسَاكِينَ الْفَيْءِ يَتَمَيَّزُونَ عَنْ مَسَاكِينِ الصَّدَقَاتِ لِاخْتِلَافِ مَصْرِفِهِمَا  وَالسَّهْمُ الْخَامِسُ : لِبَنِي السَّبِيلِ , وَهُمْ الْمُسَافِرُونَ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ , وَسَوَاءٌ مِنْهُمْ مَنْ ابْتَدَأَ بِالسَّفَرِ أَوْ كَانَ مُجْتَازًا , فَهَذَا حُكْمُ الْخُمُسِ فِي قَسْمِهِ وَأَمَّا أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لِلْجَيْشِ خَاصَّةً لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ لِيَكُونَ مُعَدًّا لِأَرْزَاقِهِمْ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ مَصْرُوفٌ فِي الْمَصَالِحِ الَّتِي مِنْهَا أَرْزَاقُ الْجَيْشِ وَمَا لَا غِنَى لِلْمُسْلِمِينَ عَنْهُ .
    وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ الْفَيْءُ فِي أَهْلِ الصَّدَقَاتِ , وَلَا تُصْرَفُ الصَّدَقَاتُ فِي أَهْلِ الْفَيْءِ وَيُصْرَفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ فِي أَهْلِهِ وَأَهْلِ الصَّدَقَةِ مَنْ لَا هِجْرَةَ لَهُ وَلَيْسَ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا مِنْ حُمَاةِ الْبَيْضَةِ وَأَهْلُ الْفَيْءِ هُمْ ذَوُو الْهِجْرَةِ الذَّابُّونَ عَنْ الْبَيْضَةِ وَالْمَانِعُونَ عَنْ الْحَرِيمِ وَالْمُجَاهِدُونَ لِلْعَدُوِّ , وَكَانَ اسْمُ الْهِجْرَةِ لَا يَنْطَلِقُ إلَّا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ وَطَنِهِ إلَى الْمَدِينَةِ لِطَلَبِ الْإِسْلَامِ , وَكَانَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ أَسْلَمَتْ وَهَاجَرَتْ بِأَسْرِهَا تُدْعَى الْبَرَرَةُ , وَكُلُّ قَبِيلَةٍ هَاجَرَ بَعْضُهَا تُدْعَى الْخِيرَةُ , فَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ بَرَرَةٌ وَخِيرَةٌ , ثُمَّ سَقَطَ حُكْمُ الْهِجْرَةِ بَعْدَ الْفَتْحِ وَصَارَ الْمُسْلِمُونَ مُهَاجِرِينَ وَأَعْرَابًا , فَكَانَ أَهْلُ الصَّدَقَةِ يُسَمَّوْنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْرَابًا , وَيُسَمَّى أَهْلُ الْفَيْءِ مُهَاجِرِينَ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَشْعَارِهِمْ كَمَا قَالَ فِيهِ بَعْضُهُمْ ( مِنْ السَّرِيعِ ) :
    قَدْ لَفَّهَا اللَّيْلُ بِعَصْلَبِيِّ أَرْوَعَ خَرَّاجٍ مِنْ الدَّوِيِّ
    مُهَاجِرٍ لَيْسَ بِأَعْرَابِيِّ
    وَلِاخْتِلَافِ الْفَرِيقَيْنِ فِي حُكْمِ الْمَالَيْنِ مَا تَمَيَّزَ وَسَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَهُمَا وَجَوَّزَ صَرْفَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ
    وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَصِلَ قَوْمًا لِتَعُودَ صِلَاتُهُمْ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَالرُّسُلِ وَالْمُؤَلَّفَةِ جَازَ أَنْ يَصِلَهُمْ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ ; فَقَدْ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُؤَلَّفَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَأَعْطَى عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ الْفَزَارِيَّ مِائَةَ بَعِيرٍ وَالْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ التَّمِيمِيَّ مِائَةَ بَعِيرٍ وَالْعَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيَّ خَمْسِينَ بَعِيرًا فَتَسَخَّطَهَا وَعَتَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ ( مِنْ الْمُتَقَارِبِ ) :
    كَانَتْ نِهَابًا تَلَافَيْتُهَا بِكَرِّي عَلَى الْمُهْرِ فِي الْأَجْرَعِ  
    وَإِيقَاظِي الْقَوْمَ أَنْ يَرْقُدُوا إذَا هَجَعَ الْقَوْمُ لَمْ أَهْجَعْ
    فَأَصْبَحَ نَهْبِي وَنَهْبُ الْعَبِيدِ بَيْنَ عُيَيْنَةَ وَالْأَقْرَعِ و
    َقَدْ كُنْتُ فِي الْحَرْبِ ذَا قُدْرَةٍ فَلَمْ أُعْطَ شَيْئًا وَلَمْ أُمْنَعْ
    وَإِلَّا أُقَاتِلْ أُعْطِيتُهَا عَدِيدَ قَوَائِمِهَا الْأَرْبَعِ
    فَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلَا حَابِسٌ يَفُوقَانِ مِرْدَاسًا فِي مَجْمَعِ
    وَلَا كُنْتُ دُونَ امْرِئٍ مِنْهُمَا وَمَنْ تَضَعْ الْيَوْمَ لَا يُرْفَعْ
    فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : " اذْهَبْ فَاقْطَعْ عَنِّي لِسَانَهُ " . فَلَمَّا ذَهَبَ بِهِ قَالَ أَتُرِيدُ أَنْ تَقْطَعَ لِسَانِي ؟ قَالَ : لَا , وَلَكِنْ أُعْطِيكَ حَتَّى تَرْضَى , فَأَعْطَاهُ فَكَانَ ذَلِكَ قَطْعَ لِسَانِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ صِلَةُ الْإِمَامِ لَا تَعُودُ بِمَصْلَحَةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ الْمَقْصُودُ بِهَا نَفْعَ الْمُعْطِي خَاصَّةً كَانَتْ صِلَاتُهُمْ مِنْ مَالِهِ . رُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ ( مِنْ السَّرِيعِ ) :
    يَا عُمَرَ الْخَيْرِ جُزِيتَ الْجَنَّهْ اُكْسُ بُنَيَّاتِي وَأُمَّهُنَّهْ
    وَكُنْ لَنَا مِنْ الزَّمَانِ جُنَّهْ أُقْسِمُ بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّهْ
    فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه : إنْ لَمْ أَفْعَلْ يَكُونُ مَاذَا ؟ فَقَالَ : إذًا أَبَا حَفْصٍ لَأَذْهَبَنَّهْ . فَقَالَ : وَإِذَا ذَهَبْتَ يَكُونُ مَاذَا ؟ فَقَالَ : يَكُونُ عَنْ حَالِي لَتُسْأَلَنَّهْ يَوْمَ تَكُونُ الْأَعْطِيَاتُ هَنَّهْ وَمَوْقِفُ الْمَسْئُولِ بَيْنَهُنَّهْ إمَّا إلَى نَارٍ وَإِمَّا جَنَّهْ قَالَ فَبَكَى عُمَرُ رضي الله عنه حَتَّى خَضَبَتْ لِحْيَتُهُ وَقَالَ يَا غُلَامُ أَعْطِهِ قَمِيصِي هَذَا لِذَلِكَ الْيَوْمِ لَا لِشِعْرِهِ , أَنَا وَاَللَّهِ لَا أَمْلِكُ غَيْرَهُ . فَجَعَلَ مَا وَصَلَ بِهِ مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّ صِلَتَهُ لَا تَعُودُ بِنَفْعٍ عَلَى غَيْرِهِ فَخَرَجَتْ مِنْ  الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَمِثْلُ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ , غَيْرَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا إمَّا لِأَجْلِ شِعْرِهِ الَّذِي اسْتَزَلَّهُ فِيهِ , وَإِمَّا لِأَنَّ الصَّدَقَةَ مَصْرُوفَةٌ فِي جِيرَانِهَا وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ وَكَانَ مِمَّا نَقَمَهُ النَّاسُ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه أَنْ جَعَلَ كُلَّ الصِّلَاتِ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ وَلَمْ يَرَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ
    وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ ذُكُورَ أَوْلَادِهِ مَالَ الْفَيْءِ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِهِ , فَإِنْ كَانُوا صِغَارًا كَانُوا فِي إعْطَاءِ الذَّرَارِيِّ مِنْ ذَوِي السَّابِقَةِ وَالتَّقَدُّمِ , وَإِنْ كَانُوا كِبَارًا فَفِي إعْطَاءِ الْمُقَاتِلَةِ مِنْ أَمْثَالِهِمْ . حَكَى ابْنُ إسْحَاقَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما لَمَّا بَلَغَ أَتَى أَبَاهُ عُمَرُ بْن الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَسَأَلَهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ فَفَرَضَ لَهُ فَيْءَ أَلْفَيْنِ , ثُمَّ جَاءَ غُلَامٌ مِنْ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ قَدْ بَلَغَ فَسَأَلَهُ أَنْ يَفْرِضَ لَهُ فَفَرَضَ لَهُ فَيْءَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَرَضْتَ لِي فَيْءَ أَلْفَيْنِ وَفَرَضْتَ لِهَذَا فَيْءَ ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَلَمْ يَشْهَدْ أَبُو هَذَا مَا قَدْ شَهِدْتُ قَالَ أَجَلْ لَكِنِّي رَأَيْتُ أَبَا أُمِّكَ يُقَاتِلُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَأَيْتُ أَبَا أُمِّ هَذَا يُقَاتِلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِلْأُمِّ أَكْثَرُ مِنْ الْأَلْفِ . وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ أَوْلَادَهُ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ لِأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ ذُرِّيَّتِهِ الدَّاخِلِينَ فِي عَطَائِهِ وَأَمَّا عَبِيدُهُ وَعَبِيدُ غَيْرِهِ , فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُقَاتِلَةً فَنَفَقَاتُهُمْ فِي مَالِهِ وَمَالِ سَادَاتِهِمْ , وَإِنْ كَانُوا مُقَاتِلَةً فَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَفْرِضُ لَهُمْ فِي الْعَطَاءِ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه وَالشَّافِعِيُّ رحمه الله يَأْخُذُ فِيهِمْ بِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه , فَلَا يَفْرِضُ لَهُمْ فِي الْعَطَاءِ وَلَكِنْ تُزَادُ سَادَاتُهُمْ فِي الْعَطَاءِ لِأَجْلِهِمْ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْعَطَاءِ مُعْتَبَرَةٌ بِحَالِ الذُّرِّيَّةِ ; فَإِنْ عَتَقُوا جَازَ أَنْ يَفْرِضَ لَهُمْ فِي الْعَطَاءِ
    وَيَجُوزُ أَنْ يَفْرِضَ لِنُقَبَاءِ أَهْلِ الْفَيْءِ فِي عَطَايَاهُمْ , وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْرِضَ لِعُمَّالِهِمْ لِأَنَّ النُّقَبَاءَ مِنْهُمْ وَالْعُمَّالَ يَأْخُذُونَ أَجْرًا عَلَى عَمَلِهِمْ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامِلُ الْفَيْءِ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامِلُ الصَّدَقَاتِ مِنْهُمَا إذَا أَرَادَ سَهْمَهُ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ ; لِأَنَّ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَاتُ  وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْفَيْءُ وَلَا يَجُوزُ لِعَامِلِ الْفَيْءِ أَنْ يَقْسِمَ مَا جَبَاهُ إلَّا بِإِذْنِ . وَيَجُوزُ لِعَامِلِ الصَّدَقَاتِ أَنْ يَقْسِمَ مَا جَبَاهُ بِغَيْرِ إذْنٍ مَا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ , لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ صَرْفِ مَالِ الْفَيْءِ عَنْ اجْتِهَادِ الْإِمَامِ وَمَصْرِفِ الصَّدَقَةِ نَصٌّ بِالْكِتَابِ
    وَصِفَةُ عَامِلِ الْفَيْءِ مَعَ وُجُودِ أَمَانَتِهِ وَشَهَامَتِهِ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ وِلَايَتِهِ فِيهِ : هِيَ تَنْقَسِمُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : أَحَدُهَا أَنْ يَتَوَلَّى تَقْدِيرَ أَمْوَالِ الْفَيْءِ وَتَقْدِيرَ وَضْعِهَا فِي الْجِهَاتِ الْمُسْتَحَقَّةِ مِنْهَا كَوَضْعِ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ فَمِنْ شُرُوطِ وِلَايَةِ هَذَا الْعَامِلِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا مُسْلِمًا مُجْتَهِدًا فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ مُضْطَلِعًا بِالْحِسَابِ وَالْمِسَاحَةِ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي : أَنْ يَكُونَ عَامَّ الْوِلَايَةِ عَلَى جِبَايَةِ مَا اسْتَقَرَّ مِنْ أَمْوَالِ الْفَيْءِ كُلِّهَا فَالْمُعْتَبَرُ فِي صِحَّةِ وِلَايَتِهِ شُرُوطُ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالِاضْطِلَاعِ بِالْحِسَابِ وَالْمِسَاحَةِ , وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا مُجْتَهِدًا لِأَنَّهُ يَتَوَلَّى قَبْضَ مَا اسْتَقَرَّ بِوَضْعِ غَيْرِهِ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ : أَنْ يَكُونَ خَاصَّ الْوِلَايَةِ عَلَى نَوْعٍ مِنْ أَمْوَالِ الْفَيْءِ خَاصٍّ فَيُعْتَبَرُ مَا وَلِيَهُ مِنْهَا , فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْنِ فِيهِ عَنْ اسْتِنَابَةٍ اُعْتُبِرَ فِيهِ الْإِسْلَامُ وَالْحُرِّيَّةُ مَعَ اضْطِلَاعِهِ بِشُرُوطِ مَا وَلِيَ مِنْ مِسَاحَةٍ أَوْ حِسَابٍ , وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا وَلَا عَبْدًا , لِأَنَّ فِيهَا وِلَايَةً وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ الِاسْتِنَابَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِأَنَّهُ كَالرَّسُولِ الْمَأْمُورِ وَأَمَّا كَوْنُهُ ذِمِّيًّا فَيَنْظُرُ فِيمَا رَدَّ إلَيْهِ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ , فَإِنْ كَانَتْ مُعَامَلَتُهُ فِيهِ مَعَ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَالْجِزْيَةِ وَأَخْذِ الْعُشْرِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ; جَازَ أَنْ يَكُونَ ذِمِّيًّا , وَإِنْ كَانَتْ مُعَامَلَتُهُ فِيهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ كَالْخَرَاجِ الْمَوْضُوعِ عَلَى رِقَابِ الْأَرْضِينَ إذَا صَارَتْ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَفِي جَوَازِ كَوْنِهِ ذِمِّيًّا وَجْهَانِ . وَإِذَا بَطَلَتْ وِلَايَةُ الْعَامِلِ فَقَبَضَ مَالَ الْفَيْءِ مَعَ فَسَادِ وِلَايَتِهِ بَرِئَ الدَّافِعُ مِمَّا عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَنْهَهُ عَنْ الْقَبْضِ , لِأَنَّ الْقَابِضَ مِنْهُ مَأْذُونٌ لَهُ وَإِنْ فَسَدَتْ وِلَايَتُهُ وَجَرَى فِي الْقَبْضِ مَجْرَى الرَّسُولِ , وَيَكُونُ الْفَرْقُ بَيْنَ صِحَّةِ وِلَايَتِهِ وَفَسَادِهَا أَنَّ لَهُ الْإِجْبَارَ عَلَى الدَّفْعِ مَعَ صِحَّةِ الْوِلَايَةِ وَلَهُ الْإِجْبَارُ مَعَ فَسَادِهَا , فَإِنْ نُهِيَ عَنْ الْقَبْضِ مَعَ  فَسَادِ وِلَايَتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْقَبْضُ وَلَا الْإِجْبَارُ وَلَمْ يَبْرَأْ الدَّافِعُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ إذَا عَلِمَ بِنَهْيِهِ وَفِي بَرَاءَتِهِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالنَّهْيِ وَجْهَانِ كَالْوَكِيلِ .
    فَأَمَّا الْغَنِيمَةُ فَهِيَ أَكْثَرُ أَقْسَامًا وَأَحْكَامًا لِأَنَّهَا أَصْلٌ تَفَرَّعَ عَنْهُ الْفَيْءُ فَكَانَ حُكْمُهَا أَعَمَّ وَتَشْتَمِلُ عَلَى أَقْسَامٍ : أَسْرَى , وَسَبْيٌ , وَأَرْضِينَ , وَأَمْوَالٌ .
    فَأَمَّا الْأَسْرَى فَهُمْ الْمُقَاتِلُونَ مِنْ الْكُفَّارِ إذَا ظَفَرَ الْمُسْلِمُونَ بِأَسْرِهِمْ أَحْيَاءَ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِمْ ; فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إلَى أَنَّ الْإِمَامَ أَوْ مَنْ اسْتَنَابَهُ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ فِي أَمْرِ الْجِهَادِ مُخَيَّرٌ فِيهِمْ إذَا أَقَامُوا عَلَى كُفْرِهِمْ فِي الْأَصْلَحِ مِنْ أَحَدِ أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ : إمَّا الْقَتْلُ , وَإِمَّا الِاسْتِرْقَاقُ , وَإِمَّا الْفِدَاءُ بِمَالٍ أَوْ أَسْرَى , وَإِمَّا الْمَنُّ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ فِدَاءٍ . فَإِنْ أَسْلَمُوا سَقَطَ الْقَتْلُ عَنْهُمْ وَكَانَ عَلَى خِيَارِهِ فِي أَحَدِ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ مَالِكٌ : يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ : الْقَتْلُ أَوْ الِاسْتِرْقَاقُ أَوْ الْمُفَادَاةُ بِالرِّجَالِ دُونَ الْمَالِ , وَلَيْسَ لَهُ الْمَنُّ , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَكُونُ مُخَيَّرًا بَيْنَ شَيْئَيْنِ الْقَتْلُ أَوْ الِاسْتِرْقَاقُ وَلَيْسَ لَهُ الْمَنُّ وَلَا الْمُفَادَاةُ بِالْمَالِ ; وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِالْمَنِّ وَالْفِدَاءِ , قَالَ تَعَالَى : { فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا } . وَمَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي عَزَّةَ الْجُمَحِيِّ يَوْمَ بَدْرٍ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَلَّا يَعُودَ لِقِتَالِهِ فَعَادَ لِقِتَالِهِ يَوْمَ أُحُدٍ فَأُسِرَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِ فَقَالَ اُمْنُنْ عَلَيَّ فَقَالَ : { لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ } . وَلَمَّا قَتَلَ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ بِالصَّفْرَاءِ بَعْدَ انْكِفَائِهِ مِنْ بَدْرٍ لَمَّا اسْتَوْقَفَتْهُ ابْنَتُهُ قُتَيْلَةُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَأَنْشَدَتْهُ قَوْلَهَا ( مِنْ الْكَامِلِ ) :  يَا رَاكِبًا إنَّ الْأُثَيْلَ مَظِنَّةٌ عَنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفَّقُ
    أَبْلِغْ بِهِ مَيْتًا   فَإِنَّ تَحِيَّةً مَا إنْ تَزَالُ بِهَا الرَّكَائِبُ تَخْفُقُ
    مِنِّي إلَيْهِ وَعَبْرَةٌ مَسْفُوحَةٌ  جَاءَتْ لِمَائِحِهَا وَأُخْرَى تُخْنَقُ
    أَمُحَمَّدٌ يَا خَيْرَ ضِنْءِ كَرِيمَةٍ فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعْرِقُ
    النَّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ قَتَلْتَ قَرَابَةً وَأَحَقُّهُمْ إنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ
    مَا كَانَ ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وَرُبَّمَا مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحْنَقُ
    فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { لَوْ سَمِعْتُ شِعْرَهَا مَا قَتَلْتُهُ } . وَلَوْ لَمْ يَجُزْ الْمَنُّ لَمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّ أَقْوَالَهُ أَحْكَامٌ مَشْرُوعَةٌ . وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَقَدْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِدَاءَ أَسْرَى بَدْرٍ وَفَادَى بَعْدَهُمْ رَجُلًا بِرَجُلَيْنِ , فَإِذَا ثَبَتَ خِيَارُهُ فِيمَنْ لَمْ يُسْلِمْ بَيْنَ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ تَصَفَّحَ أَحْوَالَهُمْ وَاجْتَهَدَ بِرَأْيِهِ فِيهِمْ , فَمَنْ عَلِمَ مِنْهُ قُوَّةَ بَأْسٍ وَشِدَّةَ نِكَايَةٍ وَيَئِسَ مِنْ إسْلَامِهِ وَعَلِمَ مَا فِي قَتْلِهِ مِنْ وَهَنِ قَوْمِهِ قَتَلَهُ صَبْرًا مِنْ غَيْرِ مُثْلَةٍ , وَمَنْ رَآهُ مِنْهُمْ ذَا جَلَدٍ وَقُوَّةٍ عَلَى الْعَمَلِ وَكَانَ مَأْمُونَ الْخِيَانَةِ وَالْخَبَاثَةِ اسْتَرَقَّهُ لِيَكُونَ عَوْنًا لِلْمُسْلِمِينَ , وَمَنْ رَآهُ مِنْهُمْ مَرْجُوَّ الْإِسْلَامِ أَوْ مُطَاعًا فِي قَوْمِهِ وَرَجَا بِالْمَنِّ عَلَيْهِ إمَّا إسْلَامَهُ أَوْ تَأْلِيفَ قَوْمِهِ مَنَّ عَلَيْهِ وَأَطْلَقَهُ , وَمَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ ذَا مَالٍ وَجَدَّةٍ وَكَانَ بِالْمُسْلِمِينَ خُلَّةٌ وَحَاجَةٌ فَأَدَّاهُ عَلَى مَالٍ وَجَعَلَهُ عُدَّةً لِلْإِسْلَامِ وَقُوَّةً لِلْمُسْلِمِينَ . وَإِنْ كَانَ فِي أَسْرَى عَشِيرَتِهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ رِجَالٍ أَوْ نِسَاءٍ فَأَدَّاهُ عَلَى إطْلَاقِهِمْ فَيَكُونُ خِيَارُهُ فِي الْأَرْبَعَةِ عَلَى وَجْهِ الْأَحْوَطِ الْأَصْلَحِ وَيَكُونُ الْمَالُ الْمَأْخُوذُ فِي الْفِدَاءِ غَنِيمَةً تُضَافُ إلَى الْغَنَائِمِ , وَلَا يُخَصُّ بِهَا مَنْ أُسِرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَفَعَ فِدَاءَ الْأَسْرَى مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ إلَى مَنْ أَسَرَهُمْ قَبْلَ نُزُولِ قَسْمِ الْغَنِيمَةِ فِي الْغَانِمِينَ : وَمَنْ أَبَاحَ الْإِمَامُ دَمَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِعِظَمِ نِكَايَتِهِ وَشِدَّةِ أَذِيَّتِهِ ثُمَّ أُسِرَ جَازَ لَهُ الْمَنُّ عَلَيْهِ وَالْعَفْوُ عَنْهُ قَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ سِتَّةٍ عَامَ الْفَتْحِ وَلَوْ تَعَلَّقُوا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ كَانَ يَكْتُبُ  الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَقُولُ لَهُ اُكْتُبْ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَيَكْتُبُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ فَلَحِقَ بِقُرَيْشٍ وَقَالَ إنِّي أَصْرِفُ مُحَمَّدًا حَيْثُ شِئْتُ فَنَزَلَ فِيهِ قوله تعالى : { وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ } . وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ , كَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِسَبِّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : وَالْحُوَيْرِثُ بْنُ نُفَيْلٍ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمِقْيَسُ بْنُ حُبَابَةَ كَانَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ قَتَلَ أَخًا لَهُ خَطَأً فَأَخَذَ دِيَتَهُ ثُمَّ اغْتَالَ الْقَاتِلَ فَقَتَلَهُ وَعَادَ إلَى مَكَّةَ مُرْتَدًّا وَأَنْشَأَ يَقُولُ ( مِنْ الطَّوِيلِ ) : شَفَى النَّفْسَ أَنْ قَدْ بَاتَ بِالْقَاعِ مُسْنَدًا يُضَرِّجُ ثَوْبَيْهِ دِمَاءُ الْأَخَادِعِ وَكَانَتْ هُمُومُ النَّفْسِ مِنْ قَبْلِ قَتْلِهِ تُلِمُّ فَتُحْفِي عَنْ وِطَاءِ الْمَضَاجِعِ ثَأَرْتُ بِهِ قَهْرًا وَحَمَّلْتُ عَقْلَهُ سَرَاةَ بَنِي النَّجَّارِ أَرْبَابَ فَارِعِ وَأَدْرَكْتُ ثَأْرِي وَاضْطَجَعْتُ مُوَسَّدًا وَكُنْتُ عَنْ الْإِسْلَامِ أَوَّلَ رَاجِعِ وَسَارَةُ مَوْلَاةٌ لِبَعْضِ بَنِي الْمُطَّلِبِ كَانَتْ تَسُبُّ وَتُؤْذِي وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ كَانَ يُكْثِرُ التَّأْلِيبَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَلَبًا لِثَأْرِ أَبِيهِ . فَأَمَّا { عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ فَإِنَّ عُثْمَانَ رضي الله عنه اسْتَأْمَنَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ أَعَادَ الِاسْتِئْمَانَ ثَانِيَةً فَلَمَّا وَلَّى قَالَ مَا كَانَ فِيكُمْ مَنْ يَقْتُلُهُ حِينَ أَعْرَضْتُ عَنْهُ , قَالُوا هَلَّا أَوْمَأْتَ إلَيْنَا بِعَيْنِكَ ؟ قَالَ : مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ } وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ فَقَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيُّ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ وَأَمَّا مِقْيَسُ بْنُ صَبَابَةَ فَقَتَلَهُ نُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ وَأَمَّا الْحُوَيْرِثُ بْنُ نُفَيْلٍ فَقَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَبْرًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , ثُمَّ قَالَ : { لَا يُقْتَلُ قُرَيْشِيٌّ بَعْدَ هَذَا إلَّا بِقَوَدٍ } . وَأَمَّا قَيْنَتَا ابْنِ خَطَلٍ فَقُتِلَتْ إحْدَاهُمَا وَهَرَبَتْ الْأُخْرَى حَتَّى اُسْتُؤْمِنَ لَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّنَهَا وَأَمَّا سَارَةُ فَتَغَيَّبَتْ حَتَّى اُسْتُؤْمِنَ لَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم  فَأَمَّنَهَا ثُمَّ تَغَيَّبَتْ مِنْ بَعْدُ حَتَّى أَوْطَأَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَرَسًا لَهُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِالْأَبْطَحِ فَقَتَلَهَا { وَأَمَّا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فَإِنَّهُ سَارَ إلَى نَاحِيَةِ الْبَحْرِ وَقَالَ لَا أَسْكُنُ مَعَ رَجُلٍ قَتَلَ أَبَا الْحَكَمِ يَعْنِي أَبَاهُ فَلَمَّا رَكِبَ الْبَحْرَ قَالَ لَهُ صَاحِبُ السَّفِينَةِ أَخْلِصْ قَالَ : وَلِمَ ؟ قَالَ لَا يَصْلُحُ فِي الْبَحْرِ إلَّا الْإِخْلَاصُ فَقَالَ : وَاَللَّهِ لَئِنْ كَانَ لَا يَصْلُحُ فِي الْبَحْرِ إلَّا الْإِخْلَاصُ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ فَرَجَعَ وَكَانَتْ زَوْجَتُهُ بِنْتُ الْحَارِثِ قَدْ أَسْلَمَتْ وَهِيَ أُمُّ حَلِيمٍ فَأَخَذَتْ لَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَانًا , وَقِيلَ بَلْ خَرَجَتْ إلَيْهِ بِأَمَانِهِ إلَى الْبَحْرِ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ فَأَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لَا تَسْأَلُنِي الْيَوْمَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَيْتُكَ . فَقَالَ إنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَسْأَلَ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لِي كُلَّ نَفَقَةٍ أَنْفَقْتُهَا لِأَصُدَّ بِهَا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُلَّ مَوْقِفٍ وَقَفْتُهُ لِأَصُدَّ بِهِ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ مَا سَأَلَ . فَقَالَ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَدَعُ دِرْهَمًا أَنْفَقْتُهُ فِي الشِّرْكِ إلَّا أَنْفَقْتُ مَكَانَهُ فِي الْإِسْلَامِ دِرْهَمَيْنِ وَلَا مَوْقِفًا وَقَفْتُهُ فِي الشِّرْكِ إلَّا وَقَفْتُ مَكَانَهُ فِي الْإِسْلَامِ مَوْقِفَيْنِ فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ رضي الله عنه } . هَذَا الْخَبَرُ يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْكَامٌ فَلِذَلِكَ اسْتَوْفَيْنَاهُ .
    alsaidilawyer
    alsaidilawyer
    مدير المنتدى
    مدير المنتدى


    الجنس : ذكر
    الابراج : الدلو
    عدد المساهمات : 4030
    نقاط : 81096
    السٌّمعَة : 2684
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    العمر : 53
    الموقع : الجمهورية اليمنية - محافظة إب

    كتاب الأحكام السلطانية للماوردي – الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ : فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ . Empty رد: كتاب الأحكام السلطانية للماوردي – الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ : فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ .

    مُساهمة من طرف alsaidilawyer الإثنين 29 سبتمبر 2014 - 11:40

    وَأَمَّا قَتْلُ مَنْ أَضْعَفَهُ الْهَرَمُ أَوْ أَعْجَزَتْهُ الزَّمَانَةُ أَوْ كَانَ مِمَّنْ تَخَلَّى مِنْ الرُّهْبَانِ وَأَصْحَابِ الصَّوَامِعِ , فَإِنْ كَانُوا يَمُدُّونَ الْمُقَاتِلَةَ بِرَأْيِهِمْ وَيُحَرِّضُونَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ جَازَ قَتْلُهُمْ عِنْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ وَكَانُوا فِي حُكْمِ الْمُقَاتِلَةِ بَعْدَ الْأَسْرِ وَإِنْ لَمْ يُخَالِطُوهُمْ فِي رَأْيٍ وَلَا تَحْرِيضٍ فَفِي إبَاحَةِ قَتْلِهِمْ قَوْلَانِ : .
    وَأَمَّا السَّبْيُ فَهُمْ النِّسَاءُ وَالْأَطْفَالُ , فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْتَلُوا إذَا كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ وَيَكُونُ سَبْيًا مُسْتَرَقًّا يُقْسَمُونَ مَعَ الْغَنَائِمِ , وَإِنْ كَانَ النِّسَاءُ مِنْ قَوْمٍ لَيْسَ لَهُمْ كِتَابٌ كَالدَّهْرِيَّةِ وَعَبَدَةِ  الْأَوْثَانِ وَامْتَنَعْنَ مِنْ الْإِسْلَامِ , فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْتَلْنَ , وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُسْتَرْقَقْنَ , لَا يُفَرَّقُ فِيمَنْ اُسْتُرْقِقْنَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : { لَا تُوَلَّهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا }
    فَإِنْ فَادَى بِالسَّبْيِ عَلَى مَالٍ جَازَ لِأَنَّ هَذَا الْفِدَاءَ بَيْعٌ وَيَكُونُ مَالُ فَدَائِهِمْ مَغْنُومًا مَكَانَهُمْ وَلَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِطَابَةُ نُفُوسِ الْغَانِمِينَ عَنْهُمْ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ .
    وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُفَادِيَ بِهِمْ عَنْ أَسْرَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَيْدِي قَوْمِهِمْ عَوَّضَ الْغَانِمِينَ عَنْهُمْ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ .
    وَإِنْ أَرَادَ الْمَنَّ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِاسْتِطَابَةِ نُفُوسِ الْغَانِمِينَ عَنْهُمْ إمَّا بِالْعَفْوِ عَنْ حُقُوقِهِمْ مِنْهُمْ وَإِمَّا بِمَالٍ يُعَوِّضُهُمْ عَنْهُمْ . فَإِنْ كَانَ الْمَنُّ عَلَيْهِمْ لِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ جَازَ أَنْ يُعَوِّضَهُمْ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ , وَإِنْ كَانَ لِأَمْرٍ يَخُصُّهُ عَاوَضَ عَنْهُمْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْغَانِمِينَ عَنْ تَرْكِ حَقِّهِ لَمْ يُسْتَنْزَلْ عَنْهُ إجْبَارًا حَتَّى يَرْضَى وَخَالَفَ ذَلِكَ حُكْمُ الْأَسْرَى الَّذِي لَا يَلْزَمُهُ اسْتِطَابَةُ نُفُوسِ الْغَانِمِينَ فِي الْمَنِّ عَلَيْهِمْ ; لِأَنَّ قَتْلَ الرِّجَالِ مُبَاحٌ وَقَتْلَ السَّبْيِ مَحْظُورٌ فَصَارَ السَّبْيُ مَالًا مَغْنُومًا لَا يَسْتَنْزِلُونَ عَنْهُ إلَّا بِاسْتِطَابَةِ النُّفُوسِ . قَدْ اسْتَعْطَفَتْ هَوَازِنُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ سَبَاهُمْ بِحُنَيْنٍ وَأَتَاهُ وُفُودُهُمْ وَقَدْ فَرَّقَ الْأَمْوَالَ وَقَسَمَ السَّبْيَ فَذَكَّرُوهُ حُرْمَةَ رَضَاعِهِ فِيهِمْ مِنْ لَبَنِ حَلِيمَةَ وَكَانَتْ مِنْ هَوَازِنَ . حَكَى ابْنُ إسْحَاقَ أَنَّ هَوَازِنَ لَمَّا سُبِيَتْ وَغُنِمَتْ أَمْوَالُهُمْ بِحُنَيْنٍ قَدِمَتْ وُفُودُهُمْ مُسْلِمِينَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَنَا أَصْلٌ وَعَشِيرَةٌ وَقَدْ أَصَابَنَا مِنْ الْبَلَاءِ مَا لَا يَخْفَى عَلَيْكَ فَامْنُنْ عَلَيْنَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ ثُمَّ قَامَ مِنْهُمْ أَبُو صُرَدَ زُهَيْرُ بْنُ صُرَدَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّمَا فِي الْحَظَائِرِ عَمَّاتُكَ وَخَالَاتُكَ وَحَوَاضِنُكَ اللَّائِي كُنَّ يَكْفُلْنَكَ وَلَوْ أَنَّا مُلِّكْنَا لِلْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ أَوْ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ثُمَّ نَزَلْنَا بِمِثْلِ الْمَنْزِلِ الَّذِي نَزَلْنَا رَجَوْنَا عَطْفَهُ وَجَائِزَتَهُ وَأَنْتَ خَيْرُ الْكَفِيلِينَ ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ ( مِنْ الْبَسِيطِ ) :
    اُمْنُنْ عَلَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَرَمٍ فَإِنَّكَ الْمَرْءُ نَرْجُوهُ وَنَدَّخِرُ 
    اُمْنُنْ عَلَى بَيْضَةٍ قَدْ عَاقَهَا قَدَرٌ مُمَزَّقٌ شَمْلُهَا فِي دَهْرِهَا غَبَرُ 
    اُمْنُنْ عَلَى نِسْوَةٍ قَدْ كُنْتَ تَرْضَعُهَا إذْ فُوكَ يَمْلَؤُهُ مِنْ مَحْضِهَا الدُّرَرُ
    الْآنَ إذْ كُنْتَ طِفْلًا كُنْتَ تَرْضَعُهَا وَإِذْ تُرَبِّيكَ مَا تَأْتِي وَمَا تَذَرُ
    لَا تَجْعَلَنَّا كَمَنْ شَالَتْ نَعَامَتُهُ وَاسْتَبْقِ مِنَّا فَإِنَّا مَعْشَرٌ زُهُرُ 
    إذْ لَمْ تُدَارِكُنَا نَعْمَاءُ تَنْشُرُهَا يَا أَرْجَحَ النَّاسِ حِلْمًا حِينَ يُخْتَبَرُ 
    إنَّا لَنَشْكُركَ النُّعْمَى وَإِنْ كَثُرَتْ وَعِنْدَنَا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ نَدَّخِرُ 
    فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { أَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ أَحَبُّ إلَيْكُمْ أَمْ أَمْوَالُكُمْ ؟ } . فَقَالُوا خَيَّرَتْنَا بَيْنَ أَمْوَالِنَا وَأَحْسَابِنَا بَلْ تَرُدُّ عَلَيْنَا أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا فَهُمْ أَحَبُّ إلَيْنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { أَمَّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ } . وَقَالَتْ قُرَيْشٌ مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ , وَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ : أَمَّا أَنَا وَبَنُو تَمِيمٍ فَلَا , وَقَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ أَمَّا أَنَا وَبَنُو فَزَارَةَ فَلَا ; وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ : أَمَّا أَنَا وَبَنُو سُلَيْمٍ فَلَا , فَقَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ : مَا كَانَ لَنَا فَهُوَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ لِبَنِي سُلَيْمٍ : قَدْ وَهَنْتُمُونِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { أَمَّا مَنْ تَمَسَّكَ مِنْكُمْ بِحَقِّهِ مِنْ هَذَا السَّبْيِ فَلَهُ بِكُلِّ إنْسَانٍ سِتُّ قَلَائِصَ فَرُدُّوا إلَى النَّاسِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ } . فَرَدُّوا , وَكَانَ عُيَيْنَةُ قَدْ أَخَذَ عَجُوزًا مِنْ عَجَائِزِ هَوَازِنَ وَقَالَ إنِّي لَا أَرَى لَهَا فِي الْحَيِّ نَسَبًا فَعَسَى أَنْ يُعَظِّمَ فِدَاؤُهَا فَامْتَنَعَ مِنْ رَدِّهَا بِسِتِّ قَلَائِصَ , فَقَالَ أَبُو صُرَدَ خَلِّهَا عَنْكَ , فَوَاَللَّهِ مَا فُوهَا بِبَارِدٍ , وَلَا ثَدْيُهَا بِنَاهِدٍ , وَلَا بَطْنُهَا بِوَالِدٍ , وَلَا زَوْجُهَا بِوَاحِدٍ , وَلَا دَرُّهَا بِمَاغِدٍ , فَرَدَّهَا بِسِتِّ قَلَائِصَ , ثُمَّ إنَّ عُيَيْنَةَ لَقِيَ الْأَقْرَعَ  فَشَكَا إلَيْهِ فَقَالَ إنَّكَ مَا أَخَذْتَهَا بَيْضَاءَ غَرِيرَةً وَلَا نَصْفَاءَ وَثِيرَةً وَكَانَ فِي السَّبْيِ الشَّيْمَاءُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أُخْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الرَّضَاعَةِ فَعَنَّفَ بِهَا إلَى أَنْ أَتَتْهُ وَهِيَ تَقُولُ : أَنَا أُخْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الرَّضَاعَةِ , فَلَمَّا انْتَهَتْ إلَيْهِ قَالَتْ لَهُ أَنَا أُخْتُكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ ؟ فَقَالَتْ عَضَّةٌ عَضَضْتَنِيهَا وَأَنَا مُتَوَرِّكَتُكَ فَعَرَفَ الْعَلَامَةَ وَبَسَطَ لَهَا رِدَاءَهُ وَأَجْلَسَهَا عَلَيْهِ وَخَيَّرَهَا بَيْنَ الْمُقَامِ عِنْدَهُ مُكَرَّمَةً أَوْ الرُّجُوعِ إلَى قَوْمِهَا مُمَتَّعَةً فَاخْتَارَتْ أَنْ يُمَتِّعَهَا وَيَرُدَّهَا إلَى قَوْمِهَا فَفَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ قَبْلَ وُرُودِ الْوَفْدِ وَرَدِّ السَّبْيِ ; فَأَعْطَاهَا غُلَامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ محكل وَجَارِيَةً فَزَوَّجَتْ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ فَفِيهِمْ مَنْ نَسْلِهِمَا بَقِيَّةٌ . وَفِي هَذَا الْخَبَرِ مَعَ الْأَحْكَامِ الْمُسْتَفَادَةِ مِنْهُ سِيرَةٌ يَجِبُ أَنْ يَتَّبِعَهَا الْوُلَاةُ فَلِذَلِكَ اسْتَوْفَيْنَاهُ
    وَإِذَا كَانَ فِي السَّبَايَا ذَوَاتُ أَزْوَاجٍ بَطَلَ نِكَاحُهُنَّ بِالسَّبْيِ سَوَاءٌ سُبِيَ أَزْوَاجُهُنَّ مَعَهُنَّ أَمْ لَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ سُبِينَ مَعَ أَزْوَاجِهِنَّ فَهُنَّ عَلَى النِّكَاحِ , وَإِنْ أَسْلَمَتْ مِنْهُنَّ ذَاتُ زَوْجٍ قَبْلَ حُصُولِهَا فِي السَّبْيِ فَهِيَ حُرَّةٌ وَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِذَا قَسَمَ السَّبَايَا فِي الْغَانِمِينَ حَرُمَ وَطْؤُهُنَّ حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ إنْ كُنَّ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ أَوْ بِوَضْعِ الْحَمْلِ إنْ كُنَّ حَوَامِلَ . رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِسَبْيِ هَوَازِنَ فَقَالَ : { أَلَا لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ }
    وَمَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوهُ لَمْ يَمْلِكُوهُ وَكَانَ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ أَرْبَابِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنْ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ رُدَّ عَلَى مَالِكِهِ مِنْهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : قَدْ مَلَكَهُ الْمُشْرِكُونَ إذَا غَلَبُوا عَلَيْهِ , حَتَّى لَوْ كَانَتْ أَمَةً وَدَخَلَ سَيِّدُهَا الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا , وَلَوْ كَانَتْ أَرْضًا أَسْلَمَ عَنْهَا الْمُتَغَلِّبُ عَلَيْهَا ; كَانَ أَحَقَّ بِهَا وَإِذَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ كَانُوا أَحَقَّ بِهِ مِنْ مَالِكِهِ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ أَدْرَكَهُ مَالِكُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَانَ أَحَقَّ بِهِ , وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَهَا كَانَ مَالِكُهُ أَحَقَّ بِثَمَنِهِ وَغَانِمُهُ أَحَقَّ بِعَيْنِهِ , وَيَجُوزُ شِرَاءُ أَوْلَادِ أَهْلِ الْحَرْبِ مِنْهُمْ كَمَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ , وَيَجُوزُ شِرَاءُ أَوْلَادِ أَهْلِ الْعَهْدِ مِنْهُمْ وَلَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ
    وَيَجْرِي عَلَى مَا غَنِمَهُ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ حُكْمُ الْغَنِيمَةِ فِي أَخْذِ خُمُسِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ : لَا يُؤْخَذُ خُمُسُهُ حَتَّى يَكُونُوا سَرِيَّةً وَاخْتَلَفُوا فِي السَّرِيَّةِ , فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ : السَّرِيَّةُ أَنْ يَكُونُوا عَدَدًا مُمْتَنِعًا , وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : السَّرِيَّةُ تِسْعَةٌ فَصَاعِدًا , لِأَنَّ سَرِيَّةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ كَانَتْ تِسْعَةٌ وَهَذَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ ; لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ إلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ سَرِيَّةً وَحْدَهُ فَقَتَلَهُ , وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ وَآخَرَ مَعَهُ سَرِيَّةً
    وَإِذَا أَسْلَمَ الْأَبَوَانِ كَانَ إسْلَامًا لِصِغَارِ أَوْلَادِهِمَا مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ وَلَا يَكُونُ إسْلَامًا لِلْبَالِغَيْنِ مِنْهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَالِغُ مَجْنُونًا وَقَالَ مَالِكٌ : يَكُونُ إسْلَامُ الْأَبِ إسْلَامًا لَهُمْ وَلَا يَكُونُ إسْلَامُ الْأَطْفَالِ بِأَنْفُسِهِمْ إسْلَامًا وَلَا رِدَّتُهُمْ رِدَّةً وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إسْلَامُ الطِّفْلِ إسْلَامٌ وَرِدَّتُهُ رِدَّةٌ إذَا كَانَ يَعْقِلُ وَيُمَيِّزُ لَكِنْ لَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَكُونُ إسْلَامُ الطِّفْلِ إسْلَامًا وَلَا تَكُونُ رِدَّتُهُ رِدَّةً وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةِ مَعْنٍ عَنْهُ إنْ عَرَفَ نَفْسَهُ صَحَّ إسْلَامُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهَا لَمْ يَصِحَّ .
    وَأَمَّا الْأَرْضُونَ إذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ فَتُقْسَمُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا مَا مُلِكَتْ عَنْوَةً وَقَهْرًا حَتَّى فَارَقُوهَا بِقَتْلٍ أَوْ أَسْرٍ أَوْ جَلَاءٍ ; فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهَا بَعْدَ اسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهَا فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه إلَى أَنَّهَا تَكُونُ غَنِيمَةً كَالْأَمْوَالِ تُقْسَمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ إلَّا أَنْ يَطِيبُوا نَفْسًا بِتَرْكِهَا فَتُوقَفُ عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ مَالِكٌ : تَصِيرُ وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ غُنِمَتْ , وَلَا يَجُوزُ قَسْمُهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : الْإِمَامُ فِيهَا بِالْخِيَارِ بَيْنَ قِسْمَتِهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَتَكُونُ أَرْضًا عُشْرِيَّةً أَوْ يُعِيدُهَا إلَى أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ بِخَرَاجٍ يَضْرِبُهُ عَلَيْهَا فَتَكُونُ أَرْضَ خَرَاجٍ وَيَكُونُ الْمُشْرِكُونَ بِهَا أَهْلَ ذِمَّةٍ أَوْ يَقِفُهَا عَلَى كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَصِيرُ هَذِهِ الْأَرْضُ دَارَ إسْلَامٍ سَوَاءٌ سَكَنَهَا الْمُسْلِمُونَ أَوْ أُعِيدَ إلَيْهَا الْمُشْرِكُونَ لِمِلْكِ الْمُسْلِمِينَ لَهَا , وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْزِلَ عَنْهَا لِلْمُشْرِكِينَ لِئَلَّا تَصِيرَ دَارَ حَرْبٍ .
    وَالْقِسْمُ الثَّانِي مِنْهَا مَا مُلِكَ مِنْهُمْ عَفْوًا لِانْجِلَائِهِمْ عَنْهَا خَوْفًا فَتَصِيرُ  بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا وَقْفًا وَقِيلَ بَلْ تَصِيرُ وَقْفًا حَتَّى يَقِفَهَا الْإِمَامُ لَفْظًا وَيَضْرِبَ عَلَيْهَا خَرَاجًا يَكُونُ أُجْرَةً لِرِقَابِهَا تُؤْخَذُ مِمَّنْ عُومِلَ عَلَيْهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ , وَيَجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ خَرَاجِهَا وَأَعْشَارِ زُرُوعِهَا وَثِمَارِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ الثِّمَارُ مِنْ نَخْلٍ كَانَتْ فِيهَا وَقْتَ الِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهَا , فَتَكُونُ تِلْكَ النَّخْلُ وَقْفًا مَعَهَا لَا يَجِبُ فِي ثَمَرِهَا عُشْرٌ , وَيَكُونُ الْإِمَامُ فِيهَا مُخَيَّرًا بَيْنَ وَضْعِ الْخَرَاجِ عَلَيْهَا أَوْ الْمُسَاقَاةِ عَلَى ثَمَرَتِهَا وَيَكُونُ مَا اُسْتُؤْلِفَ غَرْسُهُ مِنْ النَّخْلِ مَعْشُورًا وَأَرْضُهُ خَرَاجًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَجْتَمِعُ الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ , وَيَسْقُطُ الْعُشْرُ بِالْخَرَاجِ وَتَصِيرُ هَذِهِ الْأَرْضُ دَارَ إسْلَامٍ , وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ هَذِهِ الْأَرْضِ وَلَا رَهْنِهَا , وَيَجُوزُ بَيْعُ مَا اُسْتُحْدِثَ فِيهَا مِنْ نَخْلٍ أَوْ شَجَرٍ .
    وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهَا صُلْحًا عَلَى أَنْ تُقَرَّ فِي أَيْدِيهِمْ بِخَرَاجٍ يُؤَدُّونَهُ عَنْهَا , فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يُصَالِحَهُمْ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْأَرْضِ لَنَا فَتَصِيرُ بِهَذَا الصُّلْحِ وَقْفًا مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ ; وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَا رَهْنُهَا وَيَكُونُ الْخَرَاجُ أُجْرَةً لَا يَسْقُطُ عَنْهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ فَيُؤْخَذُ خَرَاجُهَا إذَا انْتَقَلَتْ إلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ , وَقَدْ صَارُوا بِهَذَا الصُّلْحِ أَهْلَ عَهْدٍ فَإِنْ بَذَلُوا الْجِزْيَةَ عَلَى رِقَابِهِمْ جَازَ إقْرَارُهُمْ فِيهَا عَلَى التَّأْبِيدِ , وَإِنْ مَنَعُوا الْجِزْيَةَ لَمْ يُجْبَرُوا عَلَيْهَا وَلَمْ يَرَوْا فِيهَا إلَّا الْمُدَّةَ الَّتِي يُقَرُّ فِيهَا أَهْلُ الْعَهْدِ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ , وَلَا يُجَاوِزُونَ السَّنَةَ وَفِي إقْرَارِهِمْ فِيهَا مَا بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَالسِّتَّةِ وَجْهَانِ وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يُصَالِحُوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضِينَ لَهُمْ وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا خَرَاجٌ يُؤَدُّونَهُ عَنْهَا , وَهَذَا الْخَرَاجُ فِي حُكْمِ الْجِزْيَةِ مَتَى أَسْلَمُوا سَقَطَ عَنْهُمْ ; وَلَا تَصِيرُ أَرْضُهُمْ دَارَ إسْلَامٍ وَتَكُونُ دَارَ عَهْدٍ , وَلَهُمْ بَيْعُهَا وَرَهْنُهَا وَإِذَا انْتَقَلَتْ إلَى مُسْلِمٍ لَمْ يُؤْخَذْ خَرَاجُهَا وَيُقَرُّونَ فِيهَا مَا أَقَامُوا عَلَى الصُّلْحِ , وَلَا تُؤْخَذُ جِزْيَةُ رِقَابِهِمْ لِأَنَّهُمْ فِي غَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَدْ صَارَتْ دَارُهُمْ بِالصُّلْحِ دَارَ إسْلَامٍ وَصَارُوا بِهِ أَهْلَ ذِمَّةٍ تُؤْخَذُ جِزْيَةُ رِقَابِهِمْ , فَإِنْ نَقَضُوا الصُّلْحَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ مَعَهُمْ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِمْ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إلَى أَنَّهَا إنْ مُلِّكَتْ أَرْضُهُمْ عَلَيْهِمْ فَهِيَ عَلَى حُكْمِهَا , وَإِنْ لَمْ تُمَلَّكْ صَارَتْ الدَّارُ حَرْبًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ فِي دَارِهِمْ مُسْلِمٌ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ بَلَدٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَهِيَ دَارُ إسْلَامٍ  يَجْرِي عَلَى أَهْلِهَا حُكْمُ الْبُغَاةِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ مُسْلِمٌ وَلَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ دَارِ الْحَرْبِ بَلَدٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَهِيَ دَارُ حَرْبٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَدْ صَارَتْ دَارَ حَرْبٍ فِي الْأَمْرَيْنِ كِلَيْهِمَا
    alsaidilawyer
    alsaidilawyer
    مدير المنتدى
    مدير المنتدى


    الجنس : ذكر
    الابراج : الدلو
    عدد المساهمات : 4030
    نقاط : 81096
    السٌّمعَة : 2684
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    العمر : 53
    الموقع : الجمهورية اليمنية - محافظة إب

    كتاب الأحكام السلطانية للماوردي – الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ : فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ . Empty رد: كتاب الأحكام السلطانية للماوردي – الْبَابُ الثَّانِي عَشَرَ : فِي قَسْمِ الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ .

    مُساهمة من طرف alsaidilawyer الإثنين 29 سبتمبر 2014 - 11:41

    ************************
    ( فَصْلٌ ) وَأَمَّا الْأَمْوَالُ الْمَنْقُولَةُ فَهِيَ الْغَنَائِمُ الْمَأْلُوفَةُ , وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُهَا عَلَى رَأْيِهِ , وَلَمَّا تَنَازَعَ فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَوْمَ بَدْرٍ جَعَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِلْكًا لِرَسُولِهِ يَضَعُهَا حَيْثُ شَاءَ وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ : سَأَلْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ عَنْ الْأَنْفَالِ يَعْنِي عَنْ قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْأَنْفَالِ قُلْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ } . فَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فِينَا أَصْحَابُ بَدْرٍ أُنْزِلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفْلِ فَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا فَانْتَزَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ أَيْدِينَا فَجَعَلَهُ إلَى رَسُولِهِ فَقَسَّمَهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى سَوَاءٍ وَاصْطَفَى مِنْ غَنِيمَةِ بَدْرٍ سَيْفَهُ ذَا الْفِقَارِ وَكَانَ سَيْفَ مُنَبِّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ , وَأَخَذَ مِنْهَا سَهْمَهُ وَلَمْ يُخَمِّسْهَا إلَى أَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ بَدْرٍ قوله تعالى : { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } . فَتَوَلَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ قِسْمَةَ الْغَنَائِمِ كَمَا تَوَلَّى قِسْمَةَ الصَّدَقَاتِ , فَكَانَ أَوَّلُ غَنِيمَةٍ خَمَّسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ بَدْرٍ غَنِيمَةَ بَنِي قَيْنُقَاعِ . وَإِذَا جُمِعَتْ الْغَنَائِمُ لَمْ تُقْسَمْ مَعَ قِيَامِ الْحَرْبِ حَتَّى تَنْجَلِيَ ; لِيُعْلَمَ بِانْجِلَائِهَا تَحَقُّقُ الظَّفَرِ وَاسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ , وَلِئَلَّا يَتَشَاغَلَ الْمُقَاتِلَةُ بِهَا فَيُهْزَمُوا , فَإِذَا انْجَلَتْ الْحَرْبُ كَانَ تَعْجِيلُ قِسْمَتِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَجَوَازُ تَأْخِيرِهَا إلَى  دَارِ الْإِسْلَامِ وَبِحَسَبِ مَا يَرَاهُ أَمِيرُ الْجَيْشِ مِنْ الصَّلَاحِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى تَصِيرَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَقْسِمُهَا حِينَئِذٍ فَإِذَا أَرَادَ قِسْمَتَهَا بَدَأَ بِأَسْلَابِ الْقَتْلَى فَأَعْطَى كُلَّ قَاتِلٍ سَلَبَ قَتِيلِهِ سَوَاءٌ شَرَطَ الْإِمَامُ لَهُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَشْرِطْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ إنْ شَرَطَ لَهُمْ ذَلِكَ اسْتَحَقُّوهُ , وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ لَهُمْ كَانَ غَنِيمَةً فَيَشْتَرِكُونَ فِيهَا وَقَدْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ حِيَازَةِ الْغَنَائِمِ : { مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ } . وَالشَّرْطُ مَا تَقَدَّمَ الْغَنِيمَةَ لَا مَا تَأَخَّرَ عَنْهَا , وَقَدْ أَعْطَى أَبُو قَتَادَةَ أَسْلَابَ قَتَلَاهُ وَكَانُوا عِشْرِينَ قَتِيلًا وَالسَّلَبُ مَا كَانَ عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ لِبَاسٍ يَقِيهِ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ سِلَاحٍ يُقَاتِلُ بِهِ وَمَا كَانَ تَحْتَهُ مِنْ فَرَسٍ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ , وَلَا يَكُونُ مَا فِي الْمُعَسْكَرِ مِنْ أَمْوَالِهِ سَلَبًا وَهَلْ يَكُونُ مَا فِي وَسَطِهِ مِنْ مَالٍ وَمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ حَقِيبَةٍ سَلَبًا ؟ فِيهِ قَوْلَانِ , وَلَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ وَقَالَ مَالِكٌ : يُؤْخَذُ خُمُسُهُ لِأَهْلِ الْخُمُسِ , فَإِذَا فَرَغَ مِنْ إعْطَاءِ السَّلَبِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيمَا يَصْنَعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ , فَالصَّحِيحُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بَعْدَ السَّلَبِ بِإِخْرَاجِ الْخُمُسِ مِنْ جَمِيعِ الْغَنِيمَةِ فَيَقْسِمُهُ بَيْنَ أَهْلِ الْخُمُسِ عَلَى خَمْسَةٍ كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ } الْآيَةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ : يُقْسَمُ الْخُمُسُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ : لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه : يُقْسَمُ الْخُمُسُ عَلَى سِتَّةِ أَسْهُمٍ : سَهْمٌ لِلَّهِ تَعَالَى يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْكَعْبَةِ
    وَأَهْلُ الْخُمُسِ فِي الْغَنِيمَةِ هُمْ أَهْلُ الْخُمُسِ فِي الْفَيْءِ , فَيَكُونُ سَهْمٌ مِنْ الْخُمُسِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيُصْرَفُ بَعْدَهُ لِلْمَصَالِحِ , وَالسَّهْمُ الثَّانِي لِذَوِي الْقُرْبَى مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ , وَالسَّهْمُ الثَّالِثُ لِلْيَتَامَى , وَالسَّهْمُ الرَّابِعُ لِلْمَسَاكِينِ , وَالسَّهْمُ الْخَامِسُ لِبَنِي السَّبِيلِ ,
    ثُمَّ يَرْضَخُ بَعْدَ الْخُمُسِ لِأَهْلِ الرَّضْخِ ; وَهُمْ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي مُقَدَّمُونَ عَلَى الْخُمُسِ وَأَهْلُ الرَّضْخِ مَنْ لَا سَهْمَ لَهُ مِنْ حَاضِرِي الْوَقْعَةِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ وَالصَّبِيَّانِ وَالزَّمْنَى , وَأَهْلُ الذِّمَّةِ  يَرْضَخُ لَهُمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ بِحَسَبِ عَنَائِهِمْ وَلَا يَبْلُغُ بِرَضِيخِ أَحَدٍ مِنْهُمْ سَهْمَ فَارِسٍ وَلَا رَاجِلٍ فَلَوْ زَالَ نَقْصُ أَهْلِ الرَّضْخِ بَعْدَ حُضُورِ الْوَقْعَةِ بِعِتْقِ الْعَبْدِ وَبُلُوغِ الصَّبِيِّ وَإِسْلَامِ الْكَافِرِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ أَسْهَمَ لَهُمْ وَلَمْ يَرْضَخْ , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَائِهَا رَضَخَ لَهُمْ وَلَمْ يُسْهِمْ .
    ثُمَّ تُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ وَالرَّضْخِ مِنْهَا بَيْنَ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ , وَهُمْ الرِّجَالُ الْأَحْرَارُ الْمُسْلِمُونَ الْأَصِحَّاءُ يَشْتَرِكُ فِيهَا مَنْ قَاتَلَ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ , لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ عَوْنٌ لِلْقَاتِلِ وَرِدْءٌ لَهُ عِنْدَ الْحَاجَةِ , وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي قوله تعالى : { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا } عَلَى تَأْوِيلَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ تَكْثِيرُ السَّوَادِ وَهَذَا قَوْلُ السُّدِّيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ . وَالثَّانِي أَنَّهُ الْمُرَابَطَةُ عَلَى الْخَيْلِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَوْنٍ وَتُقْسَمُ الْغَنِيمَةُ بَيْنَهُمْ قِسْمَةَ الِاسْتِحْقَاقِ لَا يَرْجِعُ فِيهَا إلَى خِيَارِ الْقَاسِمِ وَوَالِي الْجِهَادِ وَقَالَ مَالِكٌ : مَالُ الْغَنِيمَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ , إنْ شَاءَ قَسَمَهُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ تَسْوِيَةً وَتَفْضِيلًا وَإِنْ شَاءَ أَشْرَكَ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَشْهَدْ الْوَقْعَةَ وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : { الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ } . مَا يَدْفَعُ هَذَا الْمَذْهَبَ وَإِذَا اخْتَصَّ بِهَا مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَجَبَ أَنْ يَفْضُلَ الْفَارِسُ عَلَى الرَّاجِلِ لِفَضْلِ عَنَائِهِ وَاخْتُلِفَ فِي قَدْرِ تَفْضِيلِهِ , فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يُعْطَى الْفَارِسُ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلُ سَهْمًا وَاحِدًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : يُعْطَى الْفَارِسُ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَالرَّاجِلُ سَهْمًا وَاحِدًا وَلَا يُعْطَى سَهْمُ الْفَارِسِ إلَّا لِأَصْحَابِ الْخَيْلِ خَاصَّةً , وَيُعْطَى رُكَّابُ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْجِمَالِ وَالْفِيَلَةِ سِهَامَ الرَّجَّالَةِ , وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عِتَاقِ الْخَيْلِ وَهُجَّانِهَا , وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ لَا يُسْهَمُ إلَّا لِلْعِتَاقِ السَّوَابِقِ وَإِذَا شَهِدَ الْوَقْعَةَ بِفَرَسٍ أَسْهَمَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ عَلَيْهِ وَإِذَا خَلَّفَهُ فِي الْعَسْكَرِ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ وَإِذَا حَضَرَ الْوَقْعَةَ بِأَفْرَاسٍ لَمْ يُسْهِمْ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ , وَبِهِ  قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يُسْهِمُ لِفَرَسَيْنِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ . وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ يُسْهِمُ لِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا سَهْمَ لِمَا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَمَنْ مَاتَ فَرَسُهُ بَعْدَ حُضُورِ الْوَقْعَةِ أَسْهَمَ لَهُ , وَلَوْ مَاتَ قَبْلَهَا لَمْ يُسْهِمْ لَهُ , وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ هُوَ الْمَيِّتَ , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ مَاتَ هُوَ وَفَرَسُهُ بَعْدَ دُخُولِ دَارِ الْحَرْبِ أَسْهَمَ لَهُ وَإِذَا جَاءَهُمْ مَدَدٌ قَبْلَ انْجِلَاءِ الْحَرْبِ شَارَكُوهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ , وَإِنْ جَاءُوا بَعْدَ انْجِلَائِهَا لَمْ يُشَارِكُوهُمْ : وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ قَبْلَ انْجِلَائِهَا شَارَكُوهُمْ وَيُسَوَّى فِي قِسْمَةِ الْغَنَائِمِ بَيْنَ مُرْتَزِقَةِ الْجَيْشِ وَبَيْنَ الْمُتَطَوِّعَةِ إذَا شَهِدَ جَمِيعُهُمْ الْوَقْعَةَ
    وَإِذَا غَزَا قَوْمٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ كَانَ مَا غَنِمُوهُ مَخْمُوسًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُخَمِّسُ وَقَالَ الْحَسَنُ : لَا يَمْلِكُ مَا غَنِمُوهُ
    وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ أَوْ كَانَ مَأْسُورًا مَعَهُمْ فَأَطْلَقُوهُ وَأَمَّنُوهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَغْتَالَهُمْ فِي نَفْسٍ وَلَا مَالٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ , وَقَالَ دَاوُد يَجُوزُ أَنْ يَغْتَالَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إلَّا أَنْ يَسْتَأْمِنُوهُ فَيَلْزَمُهُ الْمُوَادَعَةُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الِاغْتِيَالُ
    وَإِذَا كَانَ فِي الْمُقَاتِلَةِ مَنْ ظَهَرَ عَنَاؤُهُ وَأَثَّرَ بَلَاؤُهُ لِشَجَاعَتِهِ وَإِقْدَامِهِ أَخَذَ سَهْمَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ أُسْوَةَ غَيْرِهِ وَزِيدَ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ بِحَسَبِ عَنَائِهِ فَإِنَّ لِذِي السَّابِقَةِ وَالْإِقْدَامِ حَقًّا لَا يُضَاعُ ; قَدْ عَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوَّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ عَمِّهِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتَوَجَّهَ مَعَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ إلَى أَدْنَى مَاءٍ بِالْحِجَازِ وَكَانَ أَمِيرُ الْمُشْرِكِينَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فَرَمَى سَعْدٌ وَنَكَى ; كَانَ أَوَّلَ مَنْ رَمَى سَهْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ ( مِنْ الْوَافِرِ ) :
    أَلَا هَلْ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي حَمَيْتُ صَحَابَتِي بِصُدُورِ نَبْلِي
    أَذُودُ بِهَا أَوَائِلَهُمْ ذِيَادًا بِكُلِّ حَزُونَةٍ وَبِكُلِّ سَهْلِ
    فَمَا يُعْتَدُّ رَامٍ فِي عَدُوٍّ بِسَهْمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَبْلِي
    وَذَلِكَ أَنَّ دِينَكَ دِينُ صِدْقٍ وَذُو حَقٍّ أَتَيْتَ بِهِ وَعَدْلِ
    فَلَمَّا قَدِمَ اعْتَذَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا سَبَقَ إلَيْهِ وَتَقَدَّمَ فِيهِ
    وَالْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ حَقَّانِ أَوْصَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ : يَجْتَمِعَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ , وَيَفْتَرِقَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ , ثُمَّ تَتَفَرَّعُ أَحْكَامُهُمَا . فَأَمَّا الْأَوْجُهُ الَّتِي يَجْتَمِعَانِ فِيهَا فَأَحَدُهَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْخُوذٌ عَنْ مُشْرِكٍ صَغَارًا لَهُ وَذِمَّةً وَالثَّانِي : أَنَّهُمَا مَا لَا فَيْءٍ ; يُصْرَفَانِ فِي أَهْلِ الْفَيْءِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّهُمَا يَجِبَانِ بِحُلُولِ الْحَوْلِ وَلَا يُسْتَحَقَّانِ قَبْلَهُ . وَأَمَّا الْأَوْجُهُ الَّتِي يَفْتَرِقَانِ فِيهَا : فَأَحَدُهَا أَنَّ الْجِزْيَةَ نَصٌّ وَأَنَّ الْخَرَاجَ اجْتِهَادٌ . وَالثَّانِي : أَنَّ أَقَلَّ الْجِزْيَةِ مُقَدَّرٌ بِالشَّرْعِ وَأَكْثَرَهَا مُقَدَّرٌ بِالِاجْتِهَادِ , وَالْخَرَاجُ أَقَلُّهُ وَأَكْثَرُهُ مُقَدَّرٌ بِالِاجْتِهَادِ . وَالثَّالِثُ : أَنَّ الْجِزْيَةَ تُؤْخَذُ مَعَ بَقَاءِ الْكُفْرِ وَتُقَسَّطُ بِحُدُوثِ الْإِسْلَامِ ; وَالْخَرَاجُ يُؤْخَذُ مَعَ الْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ فَأَمَّا الْجِزْيَةُ فَهِيَ مَوْضُوعَةٌ عَلَى الرُّءُوسِ وَاسْمُهَا مُشْتَقٌّ مِنْ الْجَزَاءِ , إمَّا جَزَاءً عَلَى كُفْرِهِمْ لِأَخْذِهَا مِنْهُمْ صَغَارًا , وَإِمَّا جَزَاءً عَلَى أَمَانِنَا لَهُمْ لِأَخْذِهَا مِنْهُمْ رِفْقًا . وَالْأَصْلُ فِيهَا قوله تعالى : { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }  أَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ { الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ } فَأَهْلُ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَاحِدٌ فَيُحْتَمَلُ نَفْيُ هَذَا الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَأْوِيلَيْنِ : أَحَدُهُمَا لَا يُؤْمِنُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ الْقُرْآنُ وَالثَّانِي لَا يُؤْمِنُونَ بِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم : لِأَنَّ تَصْدِيقَ الرُّسُلِ إيمَانٌ بِالْمُرْسِلِ . وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ { وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } يَحْتَمِلُ تَأْوِيلَيْنِ : أَحَدُهُمَا لَا يَخَافُونَ وَعِيدَ الْيَوْمِ الْآخِرِ , وَإِنْ كَانُوا مُعْتَرِفِينَ بِالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالثَّانِي لَا يُصَدَّقُونَ بِمَا وَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنْوَاعِ الْعَذَابِ . وَقَوْلُهُ { وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ } يَحْتَمِلُ تَأْوِيلَيْنِ : أَحَدُهُمَا مَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِنَسْخِهِ مِنْ شَرَائِعِهِمْ وَالثَّانِي مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُمْ وَحَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ . وَقَوْلُهُ { وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ } فِيهِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ اتِّبَاعِ الرَّسُولِ وَهَذَا قَوْلُ الْكَلْبِيِّ . وَالثَّانِي : الدُّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ . وَقَوْلُهُ { مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ } فِيهِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا مِنْ دِينِ أَبْنَاءِ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ . وَالثَّانِي مِنْ الَّذِينَ بَيْنَهُمْ الْكِتَابُ لِأَنَّهُمْ فِي اتِّبَاعِهِ كَأَبْنَائِهِ وقوله تعالى { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ } فِيهِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا حَتَّى يَدْفَعُوا الْجِزْيَةَ وَالثَّانِي حَتَّى يَضْمَنُوهَا لِأَنَّ بِضَمَانِهَا يَجِبُ الْكَفُّ عَنْهُمْ . وَفِي الْجِزْيَةِ تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُجْمَلَةِ الَّتِي لَا نَعْرِفُ مِنْهَا مَا أُرِيدَ بِهَا إلَّا أَنْ يَرِدَ بَيَانٌ وَالثَّانِي أَنَّهَا مِنْ الْأَسْمَاءِ الْعَامَّةِ الَّتِي يَجِبُ إجْرَاؤُهَا عَلَى عُمُومِهَا إلَّا مَا قَدْ خَصَّهُ الدَّلِيلُ . وَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى { عَنْ يَدٍ } تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا عَنْ غِنًى وَقُدْرَةٍ . وَالثَّانِي : أَنْ يَعْتَقِدُوا أَنَّ لَنَا فِي أَخْذِهَا مِنْهُمْ يَدًا وَقُدْرَةً عَلَيْهِمْ . وَفِي قَوْلِهِ { وَهُمْ صَاغِرُونَ } تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا أَذِلَّاءَ مُسْتَكِينِينَ وَالثَّانِي أَنْ تُجْرَى عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ , فَيَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَضَعَ الْجِزْيَةَ عَلَى  رِقَابِ مَنْ دَخَلَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لِيُقَرُّوا بِهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَيَلْتَزِمُ لَهُمْ بِبَذْلِهَا حَقَّانِ : أَحَدُهُمَا الْكَفُّ عَنْهُمْ وَالثَّانِي الْحِمَايَةُ لَهُمْ لِيَكُونُوا بِالْكَفِّ آمَنِينَ وَبِالْحِمَايَةِ مَحْرُوسِينَ رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ قَالَ : { احْفَظُونِي فِي ذِمَّتِي } . وَالْعَرَبُ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ كَغَيْرِهِمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا آخُذُهَا مِنْ الْعَرَبِ لِئَلَّا يَجْرِي عَلَيْهِمْ صَغَارٌ , وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ مُرْتَدٍّ وَلَا دَهْرِيٍّ وَلَا عَابِدِ وَثَنٍ . وَأَخَذَهَا أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ إذَا كَانُوا عَجَمًا وَلَمْ يَأْخُذْهَا مِنْهُمْ إذَا كَانُوا عَرَبًا , وَأَهْلُ الْكِتَابِ هُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَكِتَابُهُمْ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ , وَيَجْرِي الْمَجُوسُ مَجْرَاهُمْ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ وَإِنْ حَرُمَ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ وَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ وَتُؤْخَذُ مِنْ الصَّابِئِينَ وَالسَّامِرَةِ إذَا وَافَقُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فِي أَصْلِ مُعْتَقِدِهِمْ وَمَنْ دَخَلَ فِي الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة قَبْلَ تَبْدِيلِهِمَا أُقِرَّ عَلَى مَا دَانَ بِهِ مِنْهُمَا , وَلَا يُقَرُّ إنْ دَخَلَ بَعْدَ تَبْدِيلِهِمَا وَمَنْ جُهِلَتْ حَالَتُهُ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُ وَلَمْ تُؤْكَلْ ذَبِيحَتُهُ . وَمَنْ انْتَقَلَ مِنْ يَهُودِيَّةٍ إلَى نَصْرَانِيَّةٍ لَمْ يُقَرَّ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَأُخِذَ بِالْإِسْلَامِ , فَإِنْ عَادَ إلَى دِينِهِ الَّذِي انْتَقَلَ عَنْهُ فَفِي إقْرَارِهِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ وَيَهُودُ خَيْبَرَ وَغَيْرُهُمْ فِي الْجِزْيَةِ سَوَاءٌ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ .
    وَلَا تَجِبُ الْجِزْيَةُ إلَّا عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْعُقَلَاءِ , وَلَا تَجِبُ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا عَبْدٍ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ وَذَرَارِيَّ , وَلَوْ تَفَرَّدَتْ مِنْهُمْ امْرَأَةٌ عَلَى أَنْ تَكُونَ تَبَعًا لِزَوْجٍ أَوْ نَصِيبٍ لَمْ تُؤْخَذْ مِنْهَا جِزْيَةٌ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِرِجَالِ قَوْمِهَا وَإِنْ كَانُوا أَجَانِبَ مِنْهَا , وَلَوْ تَفَرَّدَتْ امْرَأَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَبَذَلَتْ الْجِزْيَةَ لِلْمَقَامِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَلْزَمْهَا مَا بَذَلَتْهُ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهَا كَالْهِبَةِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهَا إنْ امْتَنَعَتْ وَلَزِمَتْ ذِمَّتُهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَبَعًا لِقَوْمِهَا . وَلَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ , فَإِنْ زَالَ إشْكَالُهُ وَبَانَ أَنَّهُ رَجُلٌ أُخِذَ بِهَا فِي مُسْتَقْبَلِ أَمْرِهِ وَمَاضِيهِ


    _________________

    *******************************************

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 7 نوفمبر 2024 - 16:26