منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

منتديات فرسان المعرفة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الشمول والتنوع والتميز والإبداع

قال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا اذكروا الله كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا)أ
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة , أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرالله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)
عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يدعو بهذا الدعاء "اللهم! اغفر لي خطيئتي وجهلي. وإسرافي في أمري. وما أنت أعلم به مني. اللهم! اغفر لي جدي وهزلي. وخطئي وعمدي. وكل ذلك عندي. اللهم! اغفر لي ما قدمت وما أخرت. وما أسررت وما أعلنت. وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم وأنت المؤخر. وأنت على كل شيء قدير". رواه مسلم في صحيحه برقم (2719)
عن عقبة بن عامر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة)رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحة
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم! أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري. وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي. وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي. واجعل الحياة زيادة لي في كل خير. واجعل الموت راحة لي من كل شر". رواه مسلم في صحيحه برقم (2720)
عن أبي الأحوص، عن عبدالله رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقول "اللهم! إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى". رواه مسلم في صحيحه برقم(2721)
عن زيد بن أرقم رضى الله عنه. قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان يقول "اللهم! إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهم! آت نفسي تقواها. وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها. اللهم! إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها". رواه مسلم في صحيحه برقم(2722)
عن عبدالله رضى الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده لا شريك له". قال: أراه قال فيهن "له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. رب! أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها. وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها. رب! أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر. رب! أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر". وإذا أصبح قال ذلك أيضا "أصبحنا وأصبح الملك لله". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله رضى الله عنه . قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده. لا شريك له. اللهم! إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها. وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها. اللهم! إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر. وفتنة الدنيا وعذاب القبر". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن أبي موسى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت) رواه البخاري.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمساجد إذا خرج منه حتى يعود إليه, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله , ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) متفق عليه
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) روه الشيخان والترمذي.
عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(الطهور شطر الإيمان والحمدلله تملأ الميزان وسبحان الله والحمدلله تملأ أو تملآن ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه أو موبقها) رواه مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من قال سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة حُطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)رواه البخاري ومسلم.
عن أبي سعيد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( استكثروا من الباقيات الصالحات ) قيل وما هن يارسول الله؟ قال ( التكبير والتهليل والتسبيح والحمدلله ولا حول ولاقوة إلابالله ) رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الاسناد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أحب الكلام إلى الله أربع- لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر ). رواه مسلم

    كتاب الأحكام السلطانية للماوردي - الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ : فِي أَحْكَامِ الْجَرَائِمِ .

    alsaidilawyer
    alsaidilawyer
    مدير المنتدى
    مدير المنتدى


    الجنس : ذكر
    الابراج : الدلو
    عدد المساهمات : 4030
    نقاط : 81110
    السٌّمعَة : 2684
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    العمر : 53
    الموقع : الجمهورية اليمنية - محافظة إب

    كتاب الأحكام السلطانية للماوردي - الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ : فِي أَحْكَامِ الْجَرَائِمِ . Empty كتاب الأحكام السلطانية للماوردي - الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ : فِي أَحْكَامِ الْجَرَائِمِ .

    مُساهمة من طرف alsaidilawyer الإثنين 29 سبتمبر 2014 - 10:52

    كتاب الأحكام السلطانية للماوردي
     
     الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ : فِي أَحْكَامِ الْجَرَائِمِ .




    الْجَرَائِمُ مَحْظُورَاتٌ شَرْعِيَّةٌ زَجَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِحَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ , وَلَهَا عِنْدَ التُّهْمَةِ حَالُ اسْتِبْرَاءٍ تَقْتَضِيهِ السِّيَاسَةُ الدِّينِيَّةُ , وَلَهَا عِنْدَ ثُبُوتِهَا وَصِحَّتِهَا حَالُ اسْتِيفَاءٍ تُوجِبُهُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ . فَأَمَّا حَالُهَا بَعْدَ التُّهْمَةِ وَقَبْلَ ثُبُوتِهَا وَصِحَّتِهَا فَمُعْتَبَرٌ بِحَالِ النَّظَرِ فِيهَا , فَإِنْ كَانَ حَاكِمًا رُفِعَ إلَيْهِ رَجُلٌ قَدْ اُتُّهِمَ بِسَرِقَةٍ أَوْ زِنًا لَمْ يَكُنْ لِتُهْمَةٍ بِهَا تَأْثِيرٌ عِنْدَهُ ; وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْبِسَهُ لِكَشْفٍ وَلَا اسْتِبْرَاءٍ , وَلَا أَنْ يَأْخُذَهُ بِأَسْبَابِ الْإِقْرَارِ إجْبَارًا , وَلَمْ يَسْمَعْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي السَّرِقَةِ إلَّا مِنْ خَصْمٍ مُسْتَحِقٍّ لِمَا قُرِفَ وَرَاعَى مَا يَبْدُو مِنْ إقْرَارِ الْمَتْهُومِ أَوْ إنْكَارِهِ ; إنْ اُتُّهِمَ بِالزِّنَا لَمْ يَسْمَعْ الدَّعْوَى عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَذْكُرَ الْمَرْأَةَ الَّتِي زَنَى بِهَا وَيَصِفَ مَا فَعَلَهُ بِهَا مِمَّا يَكُونُ زِنًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ , فَإِنْ أَقَرَّ حَدَّهُ بِمُوجِبِ إقْرَارِهِ , وَإِنْ أَنْكَرَ , وَكَانَتْ بَيِّنَةٌ سَمِعَهَا عَلَيْهِ , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحْلَفَهُ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ دُونَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى , إذَا طَلَبَ الْخَصْمُ الْيَمِينَ .
    وَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ الَّذِي رُفِعَ إلَيْهِ هَذَا الْمَتْهُومُ أَمِيرًا أَوْ مِنْ أَوْلَادِ الْأَحْدَاثِ وَالْمُعَاوِنُ كَانَ لَهُ مَعَ هَذَا الْمَتْهُومِ مِنْ أَسْبَابِ الْكَشْفِ وَالِاسْتِبْرَاءِ مَا لَيْسَ لِلْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ وَذَلِكَ مِنْ تِسْعَةِ أَوْجُهٍ يَخْتَلِفُ بِهَا حُكْمُ النَّاظِرِينَ .
    أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْأَمِيرِ أَنْ يَسْمَعَ قَرْفَ الْمَتْهُومِ مِنْ أَعْوَانِ الْإِمَارَةِ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ لِلدَّعْوَى الْمُقَرَّرَةِ وَيَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمْ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ حَالِ الْمَتْهُومِ , وَهَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الرِّيَبِ ؟ وَهَلْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِمِثْلِ مَا قُرِفَ بِهِ أَمْ لَا ؟ فَإِنَّ بَرَّءُوهُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ خَفَّتْ التُّهْمَةُ , وَوُضِعَتْ وَعُجِّلَ إطْلَاقُهُ وَلَمْ يُغْلَظْ عَلَيْهِ , وَإِنْ قَرَفُوهُ  بِأَمْثَالِهِ وَعَرَفُوهُ بِأَشْبَاهِهِ غَلُظَتْ التُّهْمَةُ وَقَوِيَتْ وَاسْتُعْمِلَ فِيهَا مِنْ حَالِ الْكَشْفِ مَا سَنَذْكُرُهُ , وَلَيْسَ هَذَا لِلْقُضَاةِ .
    وَالثَّانِي : أَنَّ لِلْأَمِيرِ أَنْ يُرَاعِيَ شَوَاهِدَ الْحَالِ , وَأَوْصَافَ الْمَتْهُومِ فِي قُوَّةِ التُّهْمَةِ وَضَعْفِهَا , فَإِنْ كَانَتْ التُّهْمَةُ زِنًا وَكَانَ الْمَتْهُومُ مُطِيعًا لِلنِّسَاءِ ذَا فُكَاهَةٍ وَخِلَابَةٍ قَوِيَتْ التُّهْمَةُ , وَإِنْ كَانَ بِضِدِّهِ ضَعُفَتْ , وَإِنْ كَانَتْ التُّهْمَةُ بِسَرِقَةٍ وَكَانَ الْمَتْهُومُ بِهَا ذَا عِيَارَةٍ أَوْ فِي بَدَنِهِ آثَارُ ضَرْبٍ أَوْ كَانَ مَعَهُ حِينَ أُخِذَ مِنْقَبٌ قَوِيَتْ التُّهْمَةُ , وَإِنْ كَانَ بِضِدِّهِ ضَعُفَتْ وَلَيْسَ هَذَا لِلْقُضَاةِ أَيْضًا .
    وَالثَّالِثُ : أَنَّ لِلْأَمِيرِ أَنْ يَجْعَلَ حَبْسَ الْمَتْهُومِ لِلْكَشْفِ وَالِاسْتِبْرَاءِ . وَاخْتُلِفَ فِي مُدَّةِ حَبْسِهِ لِذَلِكَ , فَذَكَرَ عَبْدَ اللَّهِ الزُّبَيْرِيَّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ حَبْسَهُ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَالْكَشْفِ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ لَا يَتَجَاوَزُهُ . وَقَالَ غَيْرُهُ : بَلْ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ وَهَذَا أَشْبَهُ وَلَيْسَ لِلْقُضَاةِ أَنْ يَحْبِسُوا أَحَدًا إلَّا بِحَقٍّ وَجَبَ .
    وَالرَّابِعُ : أَنْ يَجُوزَ لِلْأَمِيرِ مَعَ قُوَّةِ التُّهْمَةِ أَنَّ يَضْرِبَ الْمَتْهُومَ ضَرْبَ التَّعْزِيرِ لَا ضَرْبَ الْحَدِّ لِيَأْخُذَهُ بِالصِّدْقِ عَنْ حَالِهِ فِيمَا قُرِفَ بِهِ وَاتُّهِمَ , فَإِنْ أَقَرَّ , وَهُوَ مَضْرُوبٌ اُعْتُبِرَتْ حَالُهُ فِيمَا ضُرِبَ عَلَيْهِ , فَإِنْ ضُرِبَ لَمْ يَكُنْ لِإِقْرَارِهِ تَحْتَ الضَّرْبِ حُكْمٌ , وَإِنْ ضُرِبَ لِيُصَدِّقَ عَنْ حَالَةٍ وَأَقَرَّ تَحْتَ الضَّرْبِ قُطِعَ ضَرْبُهُ وَاسْتُعِيدَ إقْرَارُهُ , فَإِذَا أَعَادَهُ كَانَ مَأْخُوذًا بِالْإِقْرَارِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ , فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَسْتَعِدْهُ لَمْ يُضَيَّقْ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ , وَإِنْ كَرِهْنَاهُ .
    وَالْخَامِسُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَمِيرِ فِيمَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الْجَرَائِمُ وَلَمْ يَنْزَجِرْ عَنْهَا بِالْحُدُودِ أَنْ يَسْتَدِيمَ حَبْسَهُ إذَا اسْتَضَرَّ النَّاسُ بِجَرَائِمِهِ حَتَّى يَمُوتَ بَعْدَ أَنْ يَقُومَ بِقُوتِهِ وَكُسْوَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَدْفَعَ ضَرَرُهُ عَنْ النَّاسِ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلْقُضَاةِ .
    وَالسَّادِسُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَمِيرِ إحْلَافُ الْمَتْهُومِ اسْتِبْرَاءً لِحَالِهِ وَتَغْلِيظًا عَلَيْهِ فِي الْكَشْفِ عَنْ أَمْرِهِ فِي التُّهْمَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ , وَلَا يُضَيِّقُ  عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالصَّدَقَةِ كَالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ فِي الْبَيْعَةِ السُّلْطَانِيَّةِ , وَلَيْسَ لِلْقُضَاةِ إحْلَافُ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِ حَقٍّ وَلَا أَنْ يُجَاوِزَ الْإِيمَانَ بِاَللَّهِ إلَى الطَّلَاقِ أَوْ الْعِتْقِ .
    وَالسَّابِعُ : أَنَّ لِلْأَمِيرِ أَنْ يَأْخُذَ أَهْلَ الْجَرَائِمِ بِالتَّوْبَةِ إجْبَارًا وَيُظْهِرَ مِنْ الْوَعِيدِ عَلَيْهِمْ مَا يَقُودُهُمْ إلَيْهَا طَوْعًا , وَلَا يُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ الْوَعِيدَ بِالْقَتْلِ فِيمَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقَتْلُ ; لِأَنَّهُ وَعِيدُ إرْهَابٍ يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْكَذِبِ إلَى حَيِّزِ التَّعْزِيرِ وَالْأَدَبِ , وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحَقِّقَ وَعِيدَهُ بِالْقَتْلِ فَيَقْتُلَ فِيمَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقَتْلُ .
    وَالثَّامِنُ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْأَمِيرِ أَنْ يَسْمَعَ شَهَادَاتِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَمَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ الْقُضَاةُ إذَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ .
    وَالتَّاسِعُ : أَنَّ لِلْأَمِيرِ النَّظَرَ فِي الْمُوَاثَبَاتِ , وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ غُرْمًا , وَلَا حَدًّا , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثَرٌ سَمِعَ قَوْلَ مَنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى , وَإِنْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا أَثَرٌ فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ يَبْدَأُ بِسَمَاعِ دَعْوَى مَنْ بِهِ الْأَثَرُ وَلَا يُرَاعِي السَّبْقَ . وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَسْمَعُ قَوْلَ أَسْبَقِهِمَا بِالدَّعْوَى وَيَكُونُ الْمُبْتَدِئُ بِالْمُوَاثَبَةِ أَعْظَمَهُمَا جُرْمًا وَأَغْلَظَهُمَا تَأْدِيبًا , وَيَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَهُمَا فِي التَّأْدِيبِ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الِاقْتِرَابِ وَالتَّعَدِّي . وَالثَّانِي : بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الْهَيْبَةِ وَالتَّصَاوُنِ , وَإِذَا رَأَى مِنْ الصَّلَاحِ فِي رَدْعِ السَّفَلَةِ أَنْ يُشْهِرَهُمْ وَيُنَادِيَ عَلَيْهِمْ بِجَرَائِمِهِمْ سَاغَ لَهُ ذَلِكَ , فَهَذِهِ أَوْجُهٌ يَقَعُ بِهَا الْفَرْقُ فِي الْجَرَائِمِ بَيْنَ نَظَرِ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ فِي حَالِ الِاسْتِبْرَاءِ وَقَبْلَ ثُبُوتِ الْحَدِّ لِاخْتِصَاصِ الْأَمِيرِ بِالسِّيَاسَةِ وَاخْتِصَاصِ الْقُضَاةِ بِالْأَحْكَامِ .


    ****************************
    ( فَصْلٌ ) وَأَمَّا بَعْدَ ثُبُوتِ جَرَائِمِهِمْ فَيَسْتَوِي فِي إقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِمْ أَحْوَالُ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ , وَثُبُوتُهَا عَلَيْهِمْ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ : إقْرَارٌ وَبَيِّنَةٌ , وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمٌ يُذْكَرُ فِي مَوْضِعِهِ .
    وَالْحُدُودُ زَوَاجِرُ وَضَعَهَا اللَّهُ - تَعَالَى - لِلرَّدْعِ عَنْ ارْتِكَابِ مَا حَظَرَ وَتَرْكِ مَا أَمَرَ  بِهِ لِمَا فِي الطَّمَعِ مِنْ مُغَالَبَةِ الشَّهَوَاتِ الْمُلْهِيَةِ عَنْ وَعِيدِ الْآخِرَةِ بِعَاجِلِ اللَّذَّةِ , فَجَعَلَ اللَّهُ - تَعَالَى - مِنْ زَوَاجِرِ الْحُدُودِ مَا يَرْدَعُ بِهِ ذَا الْجَهَالَةِ حَذَرًا مِنْ أَلَمِ الْعُقُوبَةِ وَخِيفَةً مِنْ نَكَالِ الْفَضِيحَةِ لِيَكُونَ مَا حَظَرَ مِنْ مَحَارِمِهِ مَمْنُوعًا وَمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ فُرُوضِهِ مَتْبُوعًا فَتَكُونُ الْمَصْلَحَةُ أَعَمَّ وَالتَّكْلِيفُ أَتَمَّ , قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } : يَعْنِي فِي اسْتِنْقَاذِهِمْ مِنْ الْجَهَالَةِ , وَإِرْشَادِهِمْ مِنْ الضَّلَالَةِ وَكَفِّهِمْ عَنْ الْمَعَاصِي وَبَعْثِهِمْ عَلَى الطَّاعَةِ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالزَّوَاجِرُ ضَرْبَانِ : حَدٌّ وَتَعْزِيرٌ : فَأَمَّا الْحُدُودُ فَضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى . وَالثَّانِي : مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ , فَأَمَّا الْمُخْتَصَّةُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا مَا وَجَبَ فِي تَرْكِ مَفْرُوضٍ . وَالثَّانِي : مَا وَجَبَ فِي ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ . فَأَمَّا مَا وَجَبَ فِي تَرْكِ مَفْرُوضٍ كَتَارِكِ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا يُسْأَلُ عَنْ تَرْكِهِ لَهَا , فَإِنْ قَالَ : لِنِسْيَانٍ أُمِرَ بِهَا قَضَاءً فِي وَقْتِ ذِكْرِهَا وَلَمْ يَنْتَظِرْ بِهَا مِثْلَ وَقْتِهَا , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَذَلِكَ وَقْتُهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا غَيْرُ ذَلِكَ } . وَإِنْ تَرَكَهَا لِمَرَضٍ صَلَّاهَا بِحَسَبِ طَاقَتِهِ مِنْ جُلُوسٍ أَوْ اضْطِجَاعٍ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا } . وَإِنْ تَرَكَهَا جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا كَانَ كَافِرًا , حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ يُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ إذَا  لَمْ يَتُبْ , وَإِنْ تَرَكَهَا اسْتِثْقَالًا لِفِعْلِهَا مَعَ اعْتِرَافِهِ بِوُجُوبِهَا , فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهُ يُضْرَبُ فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَلَا يُقْتَلُ , قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يَصِيرُ بِتَرْكِهَا كَافِرًا يُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ . وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بِتَرْكِهَا وَلَا يُقْتَلُ حَدًّا وَلَا يَصِيرُ مُرْتَدًّا , وَلَا يُقْتَلُ إلَّا بَعْدَ الِاسْتِتَابَةِ , فَإِنْ تَابَ وَأَجَابَ إلَى فِعْلِهَا تُرِكَ وَأُمِرَ بِهَا , فَإِنْ قَالَ أُصَلِّيهَا فِي مَنْزِلِي وُكِّلَتْ إلَى أَمَانَتِهِ , وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى فِعْلِهَا بِمَشْهَدٍ مِنْ النَّاسِ , وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ التَّوْبَةِ وَلَمْ يُجِبْ إلَى فِعْلِ الصَّلَاةِ قُتِلَ بِتَرْكِهَا فِي الْحَالِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَبَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي وَيَقْتُلُهُ بِسَيْفٍ صَبْرًا . وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يَقْتُلُهُ ضَرْبًا بِالْخَشَبِ حَتَّى يَمُوتَ وَيَعْدِلَ عَنْ السَّيْفِ الْمُوَحَّى لِيَسْتَدْرِكَ التَّوْبَةَ بِتَطَاوُلِ الْمَدَى . وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ بِتَرْكِ الصَّلَوَاتِ الْفَوَائِتِ إذَا امْتَنَعَ مِنْ قَضَائِهَا , فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّ قَتْلَهُ بِهَا كَالْمُوَقَّتَاتِ . وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهَا لِاسْتِقْرَارِهَا فِي الذِّمَّةِ بِالْفَوَاتِ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ قَتْلِهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ ; لِأَنَّهُ مِنْهُمْ وَيَكُونُ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ . فَأَمَّا تَارِكُ الصِّيَامِ فَلَا يُقْتَلُ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ وَيُحْبَسُ عَنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ مُدَّةَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ , وَيُؤَدَّبُ تَعْزِيرًا , فَإِنْ أَجَابَ إلَى الصِّيَامِ تُرِكَ , وَوُكِّلَ إلَى أَمَانَتِهِ , فَإِنْ شُوهِدَ آكِلًا عُزِّرَ , وَلَمْ يُقْتَلْ . وَأَمَّا إذَا تَرَكَ الزَّكَاةَ فَلَا يُقْتَلُ بِهَا وَتُؤْخَذُ إجْبَارًا مِنْ مَالِهِ , وَيُعَزَّرُ إنْ كَتَمَهَا بِغَيْرِ شُبْهَةٍ , وَإِنْ تَعَذَّرَ أَخْذُهَا لِامْتِنَاعِهِ حُورِبَ عَلَيْهَا وَإِنْ أَفْضَى الْحَرْبُ إلَى قَتْلِهِ حَتَّى تُؤْخَذَ مِنْهُ كَمَا حَارَبَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مَانِعِي الزَّكَاةِ . وَأَمَّا الْحَجُّ فَفَرْضُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى التَّرَاخِي مَا بَيْنَ الِاسْتِطَاعَةِ وَالْمَوْتِ , فَلَا يُتَصَوَّرُ عَلَى مَذْهَبِهِ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِهِ , وَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الْفَوْرِ ,  فَيُتَصَوَّرُ عَلَى مَذْهَبِهِ تَأْخِيرُهُ عَنْ وَقْتِهِ وَلَكِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ وَلَا يُعَزَّرُ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ بَعْدَ الْوَقْتِ أَدَاءً لَا قَضَاءً , فَإِنَّ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهِ حَجَّ عَنْهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ . وَأَمَّا الْمُمْتَنِعُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ دُيُونٍ وَغَيْرِهَا فَتُؤْخَذُ مِنْهُ جَبْرًا إنْ أَمْكَنَ وَيُحْبَسُ بِهَا إذَا تَعَذَّرَتْ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهَا مُعْسِرًا فَيُنْظَرُ إلَى مَيْسَرَةٍ فَهَذَا حُكْمُ مَا وَجَبَ بِتَرْكِ الْمَفْرُوضَاتِ .
    وَأَمَّا مَا وَجَبَ بِارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ فَضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا مَا كَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ - تَعَالَى - وَهِيَ أَرْبَعَةٌ : حَدُّ الزِّنَا , وَحَدُّ الْخَمْرِ , وَحَدُّ السَّرِقَةِ , وَحَدُّ الْمُحَارَبَةِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ شَيْئَانِ : حَدُّ الْقَذْفِ بِالزِّنَا , وَالْقَذْفِ فِي الْجِنَايَاتِ , وَسَنَذْكُرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُفَصَّلًا .


    **********************
    الْفَصْلُ الْأَوَّلُ : فِي حَدِّ الزِّنَا
    الزِّنَا هُوَ تَغْيِيبُ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ حَشَفَةَ ذَكَرِهِ فِي أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ مِنْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ مِمَّنْ لَا عِصْمَةَ بَيْنَهُمَا وَلَا شُبْهَةً , وَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ الزِّنَا مُخْتَصًّا بِالْقُبُلِ دُونَ الدُّبُرِ وَيَسْتَوِي فِي حَدِّ الزِّنَا حُكْمُ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ , وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَالَتَانِ : بِكْرٌ وَمُحْصَنٌ . أَمَّا الْبِكْرُ فَهُوَ الَّذِي لَمْ يَطَأْ زَوْجَةً بِنِكَاحٍ , فَيُحَدُّ إنْ كَانَ حُرًّا مِائَةَ سَوْطٍ تُفَرَّقُ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ إلَّا الْوَجْهَ وَالْمَقَاتِلَ لِيَأْخُذَ كُلُّ عُضْوٍ حَقَّهُ , بِسَوْطٍ لَا حَدِيدٍ فَيَقْتُلُ , وَلَا خَلَقٍ فَلَا يُؤْلِمُ , وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَغْرِيبِهِ مَعَ الْجَلْدِ , فَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ اقْتِصَارًا عَلَى جَلْدِهِ . وَقَالَ مَالِكٌ يُغَرَّبُ الرَّجُلُ وَلَا تُغَرَّبُ الْمَرْأَةُ , وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ تَغْرِيبَهَا عَامًا عَنْ بَلَدِهَا إلَى مَسَافَةٍ أَقَلُّهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ , لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : { خُذُوا عَنِّي قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا , الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ  وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ } وَحَدُّ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ سَوَاءٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ . وَأَمَّا الْعَبْدُ , وَمَنْ جَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الرِّقِّ مِنْ الْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ فَحَدُّهُمْ فِي الزِّنَا خَمْسُونَ جَلْدَةً عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ لِنَقْصِهِمْ بِالرِّقِّ . وَاخْتُلِفَ فِي تَغْرِيبِ مَنْ رُقَّ مِنْهُمْ فَقِيلَ : لَا يُغَرَّبُ لِمَا فِي التَّغْرِيبِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِسَيِّدِهِ , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وَقِيلَ يُغَرَّبُ عَامًا كَامِلًا كَالْحُرِّ , وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يُغَرَّبَ نِصْفَ عَامٍ كَالْجَلْدِ فِي تَنْصِيفِهِ , وَأَمَّا الْمُحْصَنُ فَهُوَ الَّذِي أَصَابَ زَوْجَتَهُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ , وَحَدُّهُ الرَّجْمُ بِالْأَحْجَارِ , أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهَا حَتَّى يَمُوتَ وَلَا يَلْزَمُ تَوَقِّي مَقَاتِلِهِ , بِخِلَافِ الْجَلْدِ ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالرَّجْمِ الْقَتْلُ , وَلَا يُجْلَدُ مَعَ الرَّجْمِ . وَقَالَ دَاوُد : يُجْلَدُ مِائَةَ سَوْطٍ ثُمَّ يُرْجَمُ , وَالْجَلْدُ مَنْسُوخٌ فِي الْمُحْصَنِ { وَقَدْ رَجَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَاعِزًا وَلَمْ يَجْلِدْهُ } . وَلَيْسَ الْإِسْلَامُ شَرْطًا فِي الْإِحْصَانِ , فَيُرْجَمُ الْكَافِرُ كَالْمُسْلِمِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : الْإِسْلَامُ شَرْطٌ فِي الْإِحْصَانِ , فَإِذَا زَنَى الْكَافِرُ جُلِدَ , وَلَمْ يُرْجَمْ { وَقَدْ رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا } وَلَا يُرْجَمُ إلَّا مُحْصَنًا , فَأَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَهِيَ مِنْ شُرُوطِ الْإِحْصَانِ فَإِذَا زَنَى الْعَبْدُ لَمْ يُرْجَمْ , وَإِنْ كَانَ ذَا زَوْجَةٍ جُلِدَ خَمْسِينَ , وَقَالَ دَاوُد : يُرْجَمُ كَالْحُرِّ .
    وَاللِّوَاطُ وَإِتْيَانُ الْبَهَائِمِ زِنًا يُوجِبُ جَلْدَ الْبِكْرِ , وَرَجْمَ الْمُحْصَنِ , وَقِيلَ بَلْ يُوجِبُ قَتْلَ الْبِكْرِ وَالْمُحْصَنِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا حَدَّ فِيهَا , وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { اُقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ وَمَنْ أَتَاهَا }
    وَإِذَا زَنَى الْبِكْرُ بِمُحْصَنَةٍ أَوْ الْمُحْصَنُ بِالْبِكْرِ جُلِدَ الْبِكْرُ مِنْهُمَا , وَرُجِمَ الْمُحْصَنُ , وَإِذَا عَاوَدَ الزِّنَا بَعْدَ الْحَدِّ حُدَّ , وَإِذَا زَنَى مِرَارًا قَبْلَ الْحَدِّ حُدَّ لِلْجَمِيعِ حَدًّا وَاحِدًا
    وَالزِّنَا يَثْبُتُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ : إمَّا بِإِقْرَارٍ أَوْ بَيِّنَةٍ . فَأَمَّا الْإِقْرَارُ , فَإِذَا أَقَرَّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ بِالزِّنَا مَرَّةً وَاحِدَةً طَوْعًا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا آخُذُهُ حَتَّى يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ , وَإِذَا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ قَبْلَ الْجَلْدِ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِرُجُوعِهِ عَنْهُ . وَأَمَّا الْبَيِّنَةُ فَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِفِعْلِ الزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ عُدُولٍ لَا امْرَأَةَ فِيهِمْ يَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ شَاهَدُوا دُخُولَ ذَكَرِهِ فِي الْفَرْجِ كَدُخُولِ الْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ , فَإِنْ لَمْ يُشَاهِدُوا ذَلِكَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَلَيْسَتْ شَهَادَةً , فَإِذَا قَامُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى حَقِّهَا مُجْتَمِعِينَ أَوْ مُتَفَرِّقِينَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ : لَا أَقْبَلُهَا إذَا تَفَرَّقُوا فِي الْأَدَاءِ وَأَجْعَلُهُمْ قَذَفَةً . وَإِذَا شَهِدُوا بِالزِّنَا بَعْدَ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ سُمِعَتْ شَهَادَتُهُمْ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا أَسْمَعُهَا بَعْدَ سَنَةٍ وَأَجْعَلُهُمْ قَذَفَةً وَإِذَا لَمْ يُكْمِلْ شُهُودُ الزِّنَا أَرْبَعَةً فَهُمْ قَذَفَةٌ يُحَدُّونَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَلَا يُحَدُّونَ فِي الثَّانِي . وَإِذَا شَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ بِالزِّنَا جَازَ الِاقْتِصَارُ عَلَى شَاهِدَيْنِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ . وَلَا يَجُوزُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ , وَإِذَا رُجِمَ الزَّانِي بِالْبَيِّنَةِ حُفِرَتْ لَهُ بِئْرٌ عِنْدَ رَجْمِهِ يَنْزِلُ فِيهَا إلَى وَسَطِهِ يَمْنَعُهُ مِنْ الْهَرَبِ , فَإِنْ هَرَبَ اُتُّبِعَ , وَرُجِمَ حَتَّى يَمُوتَ , وَإِنْ رُجِمَ بِإِقْرَارِهِ لَمْ تُحْفَرْ لَهُ , وَإِنْ هَرَبَ لَمْ يُتْبَعْ . وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَوْ مَنْ حَكَمَ بِرَجْمِهِ مِنْ الْوُلَاةِ أَنْ يَحْضُرَ رَجْمَهُ , وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَحْضُرَ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَجُوزُ إلَّا بِحُضُورِ مَنْ حَكَمَ بِرَجْمِهِ ; وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { اُغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا } . وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَحْضُرَ الشُّهُودُ رَجْمَهُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ حُضُورُهُمْ وَأَنْ يَكُونُوا أَوَّلَ مَنْ يَرْجُمُهُ ; وَلَا تُحَدُّ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا بَعْدَ الْوَضْعِ حَتَّى يُوجَدَ لِوَلَدِهَا مُرْضِعٌ
    وَإِذَا ادَّعَى فِي الزِّنَا شُبْهَةً مُحْتَمَلَةً مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِزَوْجَتِهِ أَوْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَا وَهُوَ حَدِيثُ الْإِسْلَامِ دُرِئَ بِهَا عَنْهُ الْحَدُّ . قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ } .  وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْأَجْنَبِيَّةُ لِزَوْجَتِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شُبْهَةً لَهُ وَحُدَّ مَنْ أَصَابَهَا , وَإِذَا أَصَابَ ذَاتَ مَحْرَمٍ بِعَقْدِ نِكَاحٍ حُدَّ , وَلَا يَكُونُ الْعَقْدُ مَعَ تَحْرِيمِهَا بِالنَّصِّ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ ; وَجَعَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ شُبْهَةً يَسْقُطُ بِهَا الْحَدُّ عَنْهُ . وَإِذَا تَابَ الزَّانِي بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْحَدُّ , وَلَوْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ فِي أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ . قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : { ثُمَّ إنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } . وَفِي قَوْلِهِ { بِجَهَالَةٍ } تَأْوِيلَانِ : أَحَدُهُمَا بِجَهَالَةِ سُوءٍ . وَالثَّانِي لِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا سُوءٌ وَهَذَا أَظْهَرُ التَّأْوِيلَيْنِ , وَلَكِنْ مَنْ جَهِلَ بِأَنَّهَا سُوءٌ لَمْ يَأْثَمْ بِهَا , وَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَشْفَعَ فِي إسْقَاطِ حَدٍّ عَنْ زَانٍ وَلَا غَيْرِهِ , وَلَا يَحِلُّ لِلْمَشْفُوعِ إلَيْهِ أَنْ يَشْفَعَ فِيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا } . وَفِي الْحَسَنَةِ وَالسَّيِّئَةِ ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ : أَحَدُهَا الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ الْتِمَاسُ الْخَيْرِ لِمَنْ يَشْفَعُ لَهُ , وَالشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ الْتِمَاسُ الشَّرِّ لَهُ , وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ . وَالثَّانِي أَنَّ الْحَسَنَةَ الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالسَّيِّئَةَ الدُّعَاءُ عَلَيْهِمْ . وَالثَّالِثُ : وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَنَّ الْحَسَنَةَ تَحْصِيلُهُ مِنْ الظُّلْمِ وَالسَّيِّئَةَ دَفْعُهُ عَنْ الْحَقِّ . وَفِي الْكِفْلِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا الْإِثْمُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ . وَالثَّانِي : أَنَّهُ النَّصِيبُ , وَهُوَ قَوْلُ السُّدِّيِّ
    ************************
    الْفَصْلُ الثَّانِي : فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ
    كُلُّ مَالٍ مُحْرَزٍ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا إذَا سَرَقَهُ بَالِغٌ عَاقِلٌ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْمَالِ  وَلَا فِي حِرْزِهِ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى مِنْ مِفْصَلِ الْكُوعِ , فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيَةً بَعْدَ قَطْعِهِ إمَّا مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ بَعْدَ إحْرَازِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ مِفْصَلِ الْكَعْبِ , فَإِنْ سَرَقَ ثَالِثَةً قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُقْطَعُ فِيهَا , وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تُقْطَعُ فِي الثَّالِثَةِ يَدُهُ الْيُسْرَى , وَفِي الرَّابِعَةِ رِجْلُهُ الْيُمْنَى وَإِنْ سَرَقَ خَامِسَةً عُزِّرَ وَلَمْ يُقْتَلْ , وَإِنْ سَرَقَ مِرَارًا قَبْلَ الْقَطْعِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قَطْعٌ وَاحِدٌ .
    وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قَدْرِ النِّصَابِ الَّذِي تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمَا تَبْلُغُ قِيمَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا مِنْ غَالِبِ الدَّنَانِيرِ الْجَيِّدَةِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُقَدَّرٌ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ دِينَارٍ , وَلَا يُقْطَعُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ . وَقَدَّرَهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَوْ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ , وَقَدَّرَهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَقَدَّرَهُ مَالِكٌ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ , قَالَ دَاوُد : يُقْطَعُ فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ
    وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَالِ الَّذِي تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ , فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي كُلِّ مَالٍ حَرُمَ عَلَى سَارِقِهِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُقْطَعُ فِيمَا كَانَ أَصْلُهُ مُبَاحًا كَالصَّيْدِ وَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ , وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْطَعُ فِيهِ بَعْدَ تَمَلُّكِهِ , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقْطَعُ فِي الطَّعَامِ الرَّطْبِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْطَعُ فِيهِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقْطَعُ سَارِقُ الْمُصْحَفِ , وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْطَعُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ مِنْ قَنَادِيلِ الْمَسْجِدِ أَوْ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُقْطَعُ : وَإِذَا سَرَقَ عَبْدًا صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ أَوْ أَعْجَمِيًّا لَا يَفْهَمُ قُطِعَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقْطَعُ , وَلَوْ سَرَقَ صَبِيًّا صَغِيرًا لَمْ يُقْطَعْ وَقَالَ مَالِكٌ يُقْطَعُ
    وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْحِرْزِ فَشَذَّ عَنْهُمْ دَاوُد وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ وَقُطِعَ كُلُّ سَارِقٍ مِنْ حِرْزٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ , وَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إلَى اعْتِبَارِ الْحِرْزِ فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ وَأَنَّهُ لَا قَطْعَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ , رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { لَا قَطْعَ فِي حَرِيسَةِ الْخَيْلِ حَتَّى تُوَلِّيَ إلَى مَعَاقِلِهَا } . وَهَكَذَا لَوْ اسْتَعَارَ فَجَحَدَ لَمْ يُقْطَعْ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يُقْطَعُ وَاخْتُلِفَ فِي جَعْلِ الْحِرْزِ شَرْطًا فِي صِفَتِهِ , فَسَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ بَيْنَ الْأَحْرَازِ  فِي كُلِّ الْأَمْوَالِ وَجَعَلَ حِرْزَ أَقَلِّ الْأَمْوَالِ حِرْزَ أَجَلِهَا : وَالْأَحْرَازُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْوَالِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ فِيهَا . فَيَخِفُّ الْحِرْزُ فِيمَا قَلَّتْ قِيمَتُهُ مِنْ الْخَشَبِ وَالْحَطَبِ , وَيَغْلُظُ وَيَشْتَدُّ فِيمَا كَثُرَتْ قِيمَتُهُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ , فَلَا يُجْعَلُ حِرْزُ الْحَطَبِ حِرْزَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ , فَيُقْطَعُ سَارِقُ الْخَشَبِ مِنْهُ , وَلَا يُقْطَعُ سَارِقُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنْهُ , وَيُقْطَعُ نَبَّاشُ الْقُبُورِ إذَا سَرَقَ أَكْفَانَ مَوْتَاهَا ; لِأَنَّ الْقُبُورَ أَحْرَازٌ لَهَا فِي الْعُرْفِ , وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحْرَازًا لِغَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُقْطَعُ النَّبَّاشُ ; لِأَنَّ الْقَبْرَ لَيْسَ بِحِرْزٍ لِغَيْرِ الْكَفَنِ . وَإِذَا شَدَّ الرَّجُلُ مَتَاعَهُ عَلَى بَهِيمَةٍ سَائِرَةٍ كَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِمِثْلِهِ فَسَرَقَ سَارِقٌ مِنْ الْمَتَاعِ مَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ قُطِعَ ; لِأَنَّهُ سَارِقٌ مِنْ حِرْزٍ . وَلَوْ سَرَقَ الْبَهِيمَةَ وَمَا عَلَيْهَا لَمْ يُقْطَعْ ; لِأَنَّهُ سَرَقَ الْحِرْزَ وَالْمَحْرُوزَ , وَلَوْ سَرَقَ إنَاءً مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ قُطِعَ , وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ مَحْظُورًا ; لِأَنَّهُ مَالٌ مَمْلُوكٌ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ طَعَامٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنْ كَانَ فِي الْإِنَاءِ الْمَسْرُوقِ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ أَوْ مَاءٌ مَشْرُوبٌ فَشَرِبَهُ لَمْ يُقْطَعْ , وَلَوْ أَفْرَغَ الْإِنَاءَ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ ثُمَّ سَرَقَهُ قُطِعَ . وَإِذَا اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي نَقْبِ الْحِرْزِ ثُمَّ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِأَخْذِ الْمَالِ قُطِعَ الْمُنْفَرِدُ مِنْهُمَا بِالْأَخْذِ دُونَ الْمُشَارِكِ فِي النَّقْبِ , وَلَوْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فَنَقَبَ أَحَدُهُمَا , وَلَمْ يَأْخُذْ وَأَخَذَ الْآخَرُ وَلَمْ يَنْقُبْ لَمْ يُقْطَعْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا , وَفِي مِثْلِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ : اللِّصُّ الظَّرِيفُ لَا يُقْطَعُ . وَإِذَا دَخَلَ الْحِرْزَ وَاسْتَهْلَكَ الْمَالَ فِيهِ غَرِمَ وَلَمْ يُقْطَعْ , وَإِذَا قُطِعَ السَّارِقُ وَالْمَالُ بَاقٍ رُدَّ عَلَى مَالِكِهِ , فَإِنْ عَادَ السَّارِقُ بَعْدَ قَطْعِهِ فَسَرَقَ ثَانِيَةً بَعْدَ إحْرَازِهِ قُطِعَ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يُقْطَعُ فِي مَالٍ مَرَّتَيْنِ , وَإِذَا اسْتَهْلَكَ السَّارِقُ مَا سَرَقَهُ قُطِعَ وَأُغْرِمَ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قُطِعَ لَمْ يَغْرَمْ وَإِنْ أُغْرِمَ لَمْ يُقْطَعْ . وَإِذَا وُهِبَتْ لَهُ السَّرِقَةُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَطْعُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : يَسْقُطُ , وَإِذَا عَفَا رَبُّ الْمَالِ عَنْ الْقَطْعِ لَمْ يَسْقُطْ قَدْ عَفَا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ سَارِقِ رِدَائِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : { لَا عَفَا اللَّهُ عَنِّي إنْ عَفَوْتُ , وَأَمَرَ بِقَطْعِهِ } . وَحُكِيَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أُتِيَ بِلُصُوصٍ فَقَطَعَهُمْ حَتَّى بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَقَدِمَ لِيُقْطَعَ فَقَالَ ( مِنْ الطَّوِيلِ ) :  يَمِينِي أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُعِيذُهَا بِعَفْوِكَ أَنْ تَلْقَى نَكَالًا يُبِينُهَا يَدِي كَانَتْ الْحَسْنَاءَ لَوْ تَمَّ سَتْرُهَا وَلَا تُقَدِّمُ الْحَسْنَاءُ عَيْبًا يَشِينُهَا فَلَا خَيْرَ فِي الدُّنْيَا وَكَانَتْ خَبِيثَةً إذَا مَا شِمَالٌ فَارَقَتْهَا يَمِينُهَا فَقَالَ مُعَاوِيَةُ كَيْف أَصْنَعُ بِكَ وَقَدْ قَطَعْتَ أَصْحَابَكَ ؟ فَقَالَتْ أُمُّ السَّارِقِ اجْعَلْهَا مِنْ جُمْلَةِ ذُنُوبِكَ الَّتِي تَتُوبُ إلَى اللَّهِ مِنْهَا فَخَلَّى سَبِيلَهُ , فَكَانَ أَوَّلَ حَدٍّ تُرِكَ فِي الْإِسْلَامِ . وَيَسْتَوِي فِي قَطْعِ السَّرِقَةِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ , وَلَا يُقْطَعُ صَبِيٌّ , وَلَا يُقْطَعُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا سَرَقَ فِي إغْمَائِهِ , وَلَا يُقْطَعُ عَبْدٌ سَرَقَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ , وَلَا وَالِدٌ سَرَقَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ . وَقَالَ دَاوُد يُقْطَعَانِ
    alsaidilawyer
    alsaidilawyer
    مدير المنتدى
    مدير المنتدى


    الجنس : ذكر
    الابراج : الدلو
    عدد المساهمات : 4030
    نقاط : 81110
    السٌّمعَة : 2684
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    العمر : 53
    الموقع : الجمهورية اليمنية - محافظة إب

    كتاب الأحكام السلطانية للماوردي - الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ : فِي أَحْكَامِ الْجَرَائِمِ . Empty رد: كتاب الأحكام السلطانية للماوردي - الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ : فِي أَحْكَامِ الْجَرَائِمِ .

    مُساهمة من طرف alsaidilawyer الإثنين 29 سبتمبر 2014 - 10:56

    الْفَصْلُ الثَّالِثُ : فِي حَدِّ الْخَمْرِ
    كُلُّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ أَوْ قَلِيلُهُ مِنْ خَمْرٍ أَوْ نَبِيذٍ حَرَامٍ حُدَّ شَارِبُهُ سَوَاءٌ سَكِرَ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحُدُّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ , وَإِنْ لَمْ يَسْكَرْ , وَلَا يُحَدُّ مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ حَتَّى يَسْكَرَ . وَالْحَدُّ : أَنْ يُجْلَدَ أَرْبَعِينَ بِالْأَيْدِي وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَيُبَكَّتَ بِالْقَوْلِ الْمُمِضِّ وَالْكَلَامِ الرَّادِعِ لِلْخَبَرِ الْمَأْثُورِ فِيهِ . وَقِيلَ بَلْ يُحَدُّ بِالسَّوْطِ اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الْحُدُودِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَجَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ إذَا لَمْ يَرْتَدِعْ بِهَا إلَى ثَمَانِينَ جَلْدَةً , فَإِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه حَدَّ شَارِبَ الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ إلَى أَنْ رَأَى تَهَافُتَ النَّاسِ فِيهِ فَشَاوَرَ الصَّحَابَةَ فِيهِ , وَقَالَ : أَرَى النَّاسَ قَدْ تَهَافَتُوا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ فَمَاذَا تَرَوْنَ ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام أَرَى أَنْ تَحُدَّهُ ثَمَانِينَ ; لِأَنَّهُ إذَا شَرِبَ الْخَمْرَ سَكِرَ , وَإِذَا سَكِرَ هَذَى , وَإِذَا هَذَى افْتَرَى , فَحَدَّهُ ثَمَانِينَ حَدَّ الْفِرْيَةِ فَجَلَدَ فِيهِ عُمَرُ بَقِيَّةَ أَيَّامِهِ . وَالْأَئِمَّةُ مِنْ بَعْدِهِ ثَمَانِينَ فَقَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : مَا أَحَدٌ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَيَمُوتُ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئًا أَلْحَقَ قَتْلَهُ إلَّا شَارِبَ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ شَيْءٌ رَأَيْنَاهُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , فَإِنْ حُدَّ شَارِبُ الْخَمْرِ أَرْبَعِينَ فَمَاتَ مِنْهَا كَانَتْ نَفْسُهُ  هَدَرًا , وَإِنْ حُدَّ ثَمَانِينَ فَمَاتَ ضُمِنَتْ نَفْسُهُ . وَفِي قَدْرِ مَا يُضْمَنُ مِنْهَا قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا جَمِيعُ دِيَتِهِ لِمُجَاوَزَتِهِ النَّصَّ فِي حَدِّهِ . وَالثَّانِي نِصْفُ دِيَتِهِ ; لِأَنَّ نِصْفَ حَدِّهِ نَصٌّ وَنِصْفَهُ مَزِيدٌ . وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ أَوْ شَرِبَهَا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا حَرَامٌ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ , وَإِنْ شَرِبَهَا لِعَطَشٍ حُدَّ ; لِأَنَّهَا لَا تَرْوِي , وَإِنْ شَرِبَهَا لِدَاءٍ لَمْ يُحَدَّ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَبْرَأُ بِهَا , وَإِذَا اعْتَقَدَ إبَاحَةَ النَّبِيذِ حُدَّ , وَإِنْ كَانَ فِي عَدَالَتِهِ , وَلَا يُحَدُّ السَّكْرَانُ حَتَّى يُقِرَّ بِشُرْبِ الْخَمْرِ الْمُسْكِرِ أَوْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ شَرِبَ مُخْتَارًا مَا لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ مُسْكِرٌ . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ أَحُدُّهُ لِلسُّكْرِ , وَهَذَا سَهْوٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ يُكْرَهُ عَلَى شُرْبِ الْمُسْكِرِ . وَحُكْمُ السَّكْرَانِ فِي جَرَيَانِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِ كَالصَّاحِي إذَا كَانَ عَاصِيًا بِسُكْرِهِ , فَإِنْ خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْمَعْصِيَةِ لِإِكْرَاهِهِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ مَا لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مُسْكِرٌ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ قَلَمٌ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ . وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْمُسْكِرِ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ حَدَّ السُّكْرِ مَا زَالَ مَعَهُ الْعَقْلُ حَتَّى لَا يُفَرِّقَ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَلَا يَعْرِفَ أُمَّهُ مِنْ زَوْجَتِهِ , وَحَدَّهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ مَا أَفْضَى بِصَاحِبِهِ إلَى أَنْ يَتَكَلَّمَ بِلِسَانٍ مُنْكَسِرٍ وَمَعْنًى غَيْرِ مُنْتَظِمٍ وَيَتَصَرَّفَ بِحَرَكَةِ مُخْتَبِطٍ وَمَشْيِ مُتَمَايِلٍ وَإِذَا جَمَعَ بَيْنَ اضْطِرَابِ الْكَلَامِ فَهْمًا وَإِفْهَامًا وَبَيْنَ اضْطِرَابِ الْحَرَكَةِ مَشْيًا وَقِيَامًا صَارَ دَاخِلًا فِي حَدِّ السُّكْرِ , وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا فَهُوَ زِيَادَةٌ فِي حَدِّ السُّكْرِ


    *****************************
    الْفَصْلُ الرَّابِعُ : فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَاللِّعَانِ
    حَدُّ الْقَذْفِ بِالزِّنَا ثَمَانُونَ جَلْدَةً , وَرَدَ النَّصُّ بِهَا وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا , لَا يُزَادُ فِيهَا وَلَا يُنْقَصُ مِنْهَا , وَهُوَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ يُسْتَحَقُّ بِالطَّلَبِ وَيَسْقُطُ بِالْعَفْوِ , فَإِذَا اجْتَمَعَتْ فِي الْمَقْذُوفِ بِالزِّنَا خَمْسَةُ شُرُوطٍ , وَفِي الْقَاذِفِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ وَجَبَ الْحَدُّ فِيهِ .  أَمَّا الشُّرُوطُ الْخَمْسَةُ فِي الْمَقْذُوفِ فَهِيَ : أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا حُرًّا عَفِيفًا , فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ سَاقِطَ الْعِصْمَةِ بِزِنًا حُدَّ فِيهِ فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ ; لِأَجْلِ الْأَذَى وَلِبَذَاءَةِ اللِّسَانِ . وَأَمَّا الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ فِي الْقَاذِفِ فَهِيَ : أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا حُرًّا , فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يُحَدَّ وَلَمْ يُعَزَّرْ , وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حُدَّ أَرْبَعِينَ نِصْفَ الْحَدِّ لِلْحُرِّ لِنِصْفِهِ بِالرِّقِّ . وَيُحَدُّ الْكَافِرُ كَالْمُسْلِمِ , وَتُحَدُّ الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ , وَيَفْسُقُ الْقَاذِفُ وَلَا يُعْمَلُ بِشَهَادَتِهِ , فَإِنْ تَابَ زَالَ فِسْقُهُ وَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ قَبْلَ الْحَدِّ وَبَعْدَهُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إنْ تَابَ قَبْلَ الْحَدِّ , وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إنْ تَابَ بَعْدَ الْحَدِّ , وَالْقَذْفُ بِاللِّوَاطِ , وَإِتْيَانُ الْبَهَائِمِ كَقَذْفِ الزِّنَا فِي وُجُوبِ الْحَدِّ . وَلَا يُحَدُّ الْقَاذِفُ بِالْكُفْرِ وَالسَّرِقَةِ وَيُعَزَّرُ ; لِأَجْلِ الْأَذَى وَالْقَذْفُ بِالزِّنَا مَا كَانَ صَرِيحًا فِيهِ كَقَوْلِهِ : يَا زَانٍ , أَوْ قَدْ زَنَيْتَ أَوْ رَأَيْتُكَ تَزْنِي , فَإِنْ قَالَ : يَا فَاجِرُ أَوْ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا لُوطِيُّ كَانَ كِنَايَةً لِاحْتِمَالِهِ , فَلَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْقَذْفَ وَلَوْ قَالَ يَا عَاهِرُ كَانَتْ كِنَايَةً عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ لِاحْتِمَالِهِ , وَصَرِيحًا عِنْدَ آخَرِينَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : { الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ } وَجَعَلَ مَالِكٌ رحمه الله التَّعْرِيضَ فِيهِ كَالصَّرِيحِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ . وَالتَّعْرِيضُ أَنْ يَقُولَ فِي حَالِ الْغَضَبِ وَالْمُلَاحَاةِ أَنَا مَا زَنَيْتُ فَجَعَلَهُ بِمَثَابَةِ قَوْلِهِ : إنَّكَ زَنَيْتَ , وَلَا حَدَّ فِي التَّعْرِيضِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رحمهما الله حَتَّى يُقِرَّ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْقَذْفَ ; فَإِذَا قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ كَانَ قَاذِفًا ; لِأَبَوَيْهِ دُونَهُ فَيُحَدُّ لَهُمَا إنْ طَلَبَا أَوْ أَحَدُهُمَا إلَّا أَنْ يَكُونَا مَيِّتَيْنِ فَيَكُونَ الْحَدُّ مَوْرُوثًا عَنْهُمَا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : حَدُّ الْقَذْفِ لَا يُورَثُ ; وَلَوْ أَرَادَ الْمَقْذُوفُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ بِمَالٍ لَمْ يَجُزْ . وَإِذَا قَذَفَ ابْنَهُ لَمْ يُحَدَّ , وَإِذَا لَمْ يُحَدَّ الْقَاذِفُ حَتَّى زَنَى الْمَقْذُوفُ لَمْ يَسْقُطْ حَدُّ الْقَذْفِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَسْقُطُ .
    وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَا حُدَّ لَهَا إلَّا أَنْ يُلَاعِنَ مِنْهَا .  وَاللِّعَانُ أَنْ يَقُولَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ عِنْدَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الْحَاكِمِ وَشُهُودٍ أَقَلُّهَا أَرْبَعَةٌ : أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ زَوْجَتِي هَذِهِ مِنْ الزِّنَا بِفُلَانٍ , وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ زِنًا وَمَا هُوَ مِنِّي إنْ أَرَادَ أَنْ يَنْفِيَ الْوَلَدَ وَيُكَرِّرَ ذَلِكَ أَرْبَعًا , ثُمَّ يَقُولَ فِي الْخَامِسَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيَّ إنْ كُنْتُ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا بِفُلَانٍ إنْ كَانَ ذَكَرَ الزَّانِيَ بِهَا , وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَا , وَمَا هُوَ مِنِّي , فَإِذَا قَالَ هَذَا فَقَدْ أَكْمَلَ لِعَانَهُ وَسَقَطَ حَدُّ الْقَذْفِ عَنْهُ وَوَجَبَ بِهِ حَدُّ الزِّنَا عَلَى زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ تُلَاعِنَ فَتَقُولَ : أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّ زَوْجِي هَذَا لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا بِفُلَانٍ , وَأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مِنْهُ , وَمَا هُوَ مِنْ زِنًا تُكَرِّرُ ذَلِكَ أَرْبَعًا , ثُمَّ تَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ , وَعَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ إنْ كَانَ زَوْجِي مِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَا بِفُلَانٍ فَإِذَا أَكْمَلَتْ هَذِهِ سَقَطَ حَدُّ الزِّنَا عَنْهَا , وَانْتَفَى الْوَلَدُ عَنْ الزَّوْجِ وَوَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا وَحَرُمَتْ عَلَى الْأَبَدِ . وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا وَقَعَتْ بِهِ الْفُرْقَةُ , فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ وَاقِعَةٌ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ . وَقَالَ مَالِكٌ : الْفُرْقَةُ بِلِعَانِهِمَا مَعًا , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِهِمَا حَتَّى يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ ; وَإِذَا قَذَفَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا حُدَّتْ , وَلَمْ تُلَاعَنْ , وَإِذَا أَكَذَبَ الزَّوْجُ نَفْسَهُ بَعْدَ اللِّعَانِ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ وَحُدَّ لِلْقَذْفِ وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ الزَّوْجَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحَلَّهَا أَبُو حَنِيفَةَ


    **************************
    الْفَصْلُ الْخَامِسِ : فِي قَوَدِ الْجِنَايَاتِ وَعَقْلِهَا
    الْجِنَايَاتُ عَلَى النُّفُوسِ ثَلَاثَةٌ : عَمْدٌ , وَخَطَأٌ , وَعَمْدٌ شِبْهُ الْخَطَإِ . فَأَمَّا الْعَمْدُ الْمَحْضُ فَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّدَ قَتْلَ النَّفْسِ بِمَا يُقْطَعُ بِحَدِّهِ كَالْحَدِيدِ أَوْ بِمَا يَمُورُ فِي اللَّحْمِ مَوْرَ الْحَدِيدِ أَوْ مَا يَقْتُلُ غَالِبًا بِثِقَلِهِ كَالْحِجَارَةِ وَالْخَشَبِ فَهُوَ قَتْلٌ عَمْدٌ يُوجِبُ الْحَدَّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْعَمْدُ الْمُوجِبُ لِلْقَوَدِ مَا قُتِلَ بِحَدِّهِ مِنْ حَدِيدٍ وَغَيْرِهِ إذَا مَارَ فِي اللَّحْمِ مَوْرًا , وَلَا يَكُونُ مَا قَتَلَ بِثِقَلِهِ أَوْ أَلَمِهِ مِنْ الْأَحْجَارِ وَالْخَشَبِ عَمْدًا , وَلَا يُوجِبُ قَوَدًا . وَحُكْمُ الْعَمْدِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ حُرًّا مَعَ تَكَافُؤِ الدَّمَيْنِ بَيْنَ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِوَلِيِّ  الْمَقْتُولِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْقَوَدِ وَلَيْسَتْ لَهُ الدِّيَةُ إلَّا عَنْ مُرَاضَاةِ الْقَاتِلِ . وَوَلِيُّ الدَّمِ هُوَ وَارِثُ الْمَالِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ . وَقَالَ مَالِكٌ : أَوْلِيَاؤُهُ ذُكُورُ الْوَرَثَةِ دُونَ إنَاثِهِمْ وَلَا قَوَدَ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى اسْتِيفَائِهِ , فَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمْ سَقَطَ الْقَوَدُ وَوَجَبَتْ الدِّيَةُ . وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَسْقُطُ , وَإِذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ لَمْ يَكُنْ لِلْبَالِغِ وَالْعَاقِلِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْقَوَدِ وَتَكَافُؤُ الدَّمَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنْ لَا يَفْضُلَ الْقَاتِلُ عَلَى الْمَقْتُولِ بِحُرِّيَّةٍ , وَلَا إسْلَامٍ , فَإِنْ فَضُلَ الْقَاتِلُ عَلَيْهِ بِأَحَدِهِمَا فَقَتَلَ حُرٌّ عَبْدًا أَوْ مُسْلِمٌ كَافِرًا , فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا اعْتِبَارَ بِهَذَا التَّكَافُؤِ فَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ وَالْمُسْلِمُ بِالْكَافِرِ كَمَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ وَالْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ وَمَا تَتَحَامَاهُ النُّفُوسُ مِنْ هَذَا وَتَأْبَاهُ قَدْ مَنَعَ الْقَائِلِينَ بِهِ مِنْ الْعَمَلِ عَلَيْهِ . حُكِيَ أَنَّهُ رُفِعَ إلَى أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي مُسْلِمٌ قَتَلَ كَافِرًا فَحَكَمَ عَلَيْهِ الْقَوَدَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِرُقْعَةٍ فَأَلْقَاهَا إلَيْهِ فَإِذَا فِيهَا مَكْتُوبٌ ( مِنْ السَّرِيعِ ) : يَا قَاتِلَ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ جُرْتَ وَمَا الْعَادِلُ كَالْجَائِرِ يَا مَنْ بِبَغْدَادَ وَأَطْرَافِهَا مِنْ عُلَمَاءِ النَّاسِ أَوْ شَاعِرِ اسْتَرْجِعُوا وَابْكُوا عَلَى دِينِكُمْ وَاصْطَبِرُوا فَالْأَجْرُ لِلصَّابِرِ جَارَ عَلَى الدِّينِ أَبُو يُوسُفِ بِقَتْلِهِ الْمُؤْمِنَ بِالْكَافِرِ فَدَخَلَ أَبُو يُوسُفَ عَلَى الرَّشِيدِ وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَأَقْرَأهُ الرُّقْعَةَ فَقَالَ لَهُ الرَّشِيدُ : تَدَارَكْ هَذَا الْأَمْرَ بِحِيلَةٍ لِئَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَخَرَجَ أَبُو يُوسُفَ وَطَالَبَ أَصْحَابَ الدَّمِ بِبَيِّنَةٍ عَلَى صِحَّةِ الذِّمَّةِ وَثُبُوتِهَا فَلَمْ يَأْتُوا بِهَا فَأَسْقَطَ الْقَوَدَ ; وَالتَّوَصُّلُ إلَى مِثْلِ هَذَا سَائِغٌ عِنْدَ ظُهُورِ الْمَصْلَحَةِ فِيهِ وَيُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ , وَإِنْ فَضُلَتْ قِيمَةُ الْقَاتِلِ عَلَى الْمَقْتُولِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا قَوَدَ عَلَى الْقَاتِلِ إذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ عَلَى قِيمَةِ الْمَقْتُولِ . وَإِذَا اخْتَلَفَ أَدْيَانُ الْكُفَّارِ قُيِّدَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ . وَيُقَادُ الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ وَالْكَبِيرُ بِالصَّغِيرِ وَالْعَاقِلُ بِالْمَجْنُونِ , وَلَا قَوَدَ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا يُقَادُ وَالِدُ وَلَدٍ وَيُقَادُ الْوَلَدُ بِالْوَالِدِ وَالْأَخُ بِالْأَخِ
    وَأَمَّا الْخَطَأُ الْمَحْضُ فَهُوَ أَنْ يَتَسَبَّبَ إلَيْهِ فِي الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ , فَلَا يُقَادُ الْقَاتِلُ بِالْمَقْتُولِ كَرَجُلٍ رَمَى هَدَفًا فَأَمَاتَ إنْسَانًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ أَوْ أَشْرَعَ جَنَاحًا فَوَقَعَ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ رَكِبَ دَابَّةً فَرَمَحَتْ وَوَطِئَتْ إنْسَانًا أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ إذَا حَدَثَ عَنْهُ الْمَوْتُ قَتْلٌ خَطَأٌ مَحْضٌ يُوجِبُ الدِّيَةَ دُونَ الْقَوَدِ , وَتَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي لَا فِي مَالِهِ مُؤَجَّلَةً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ حِينَ يَمُوتُ الْقَتِيلُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ حِينَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِدِيَتِهِ , وَالْعَاقِلَةُ مِنْ عَدَدِ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ مِنْ الْعَصَبَاتِ , فَلَا يَحْمِلُهُ الْأَبُ وَإِنْ عَلَا وَلَا الِابْنُ وَإِنْ سَفَلَ وَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ مِنْ الْعَاقِلَةِ , وَلَا يَتَحَمَّلُ الْقَاتِلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ مِنْ الدِّيَةِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَكُونُ الْقَاتِلُ كَأَحَدِ الْعَاقِلَةِ , وَاَلَّذِي يَتَحَمَّلُهُ الْمُوسِرُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ نِصْفُ دِينَارٍ أَوْ قَدْرُهُ مِنْ الْإِبِلِ , وَيَتَحَمَّلُ الْأَوْسَطُ رُبْعَ دِينَارٍ أَوْ قَدْرَهُ مِنْ الْإِبِلِ , وَلَا يَتَحَمَّلُ الْفَقِيرُ شَيْئًا مِنْهَا . وَمَنْ أَيْسَرَ بَعْدَ فَقْرِهِ تَحَمَّلَ , وَمَنْ افْتَقَرَ بَعْدَ يَسَارِهِ لَمْ يَتَحَمَّلْ . وَدِيَةُ نَفْسِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إنْ قُدِّرَتْ ذَهَبًا أَلْفُ دِينَارٍ مِنْ غَالِبِ الدَّنَانِيرِ الْجَيِّدَةِ , وَإِنْ قُدِّرَتْ وَرِقًا اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ , وَإِنْ كَانَتْ إبِلًا فَهِيَ مِائَةُ بَعِيرٍ أَخْمَاسًا , مِنْهَا عِشْرُونَ ابْنَةَ مَخَاضٍ , وَعِشْرُونَ ابْنَةَ لَبُونٍ , وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً ; وَعِشْرُونَ جَذَعَةً , وَأَصْلُ الدِّيَةِ الْإِبِلُ , وَمَا عَدَاهَا بَدَلٌ . وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ النِّصْفُ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ . وَاخْتُلِفَ فِي دِيَةِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ , فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّهَا كَدِيَةِ الْمُسْلِمِ , قَالَ مَالِكٌ : نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ ; وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ . وَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ فَدِيَتُهُ ثُلُثَا عُشْرِ دِيَةِ الْمُسْلِمِ ثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ , وَدِيَةُ الْعَبْدِ قِيمَتُهُ مَا بَلَغَتْ , وَإِنْ زَادَتْ عَلَى دِيَةِ الْحُرِّ أَضْعَافًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا أَبْلُغُ بِهَا دِيَةَ الْحُرِّ إذَا زَادَتْ وَأَنْقُصُ مِنْهَا عَشَرَةَ دَرَاهِمَ
    وَأَمَّا الْعَمْدُ شِبْهُ الْخَطَإِ فَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَامِدًا فِي الْفِعْلِ غَيْرَ قَاصِدٍ لِلْقَتْلِ كَرَجُلٍ ضَرَبَ رَجُلًا بِخَشَبَةٍ أَوْ رَمَى بِحَجَرٍ يَجُوزُ أَنْ يَسْلَمَ مِنْ مِثْلِهَا أَوْ يَتْلَفَ  فَأَفْضَى إلَى قَتْلِهِ أَوْ كَمُعَلِّمٍ ضَرَبَ صَبِيًّا بِمَعْهُودٍ أَوْ عَزَّرَ السُّلْطَانُ رَجُلًا عَلَى ذَنْبٍ فَتَلِفَ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْقَتْلِ , وَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُغَلَّظَةً وَتَغْلِيظُهَا فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهَا ثُلُثُهَا , وَفِي الْإِبِلِ أَنْ تَكُونَ أَثْلَاثًا مِنْهَا ثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : { لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَبْدًا وَلَا عَمْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا } . وَدِيَةُ الْخَطَإِ الْمَحْضِ فِي الْحَرَمِ وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَذِي الرَّحِمِ مُغَلَّظَةٌ , وَدِيَةُ الْعَمْدِ الْمَحْضِ إذَا عُفِيَ فِيهِ عَنْ الْقَوَدِ مُغَلَّظَةٌ تُسْتَحَقُّ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةً
    وَإِذَا اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ وَاحِدٍ وَجَبَ الْقَوَدُ عَلَى جَمِيعِهِمْ فَعَلَيْهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ كَثُرُوا ; وَلِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ وَيَقْتُلَ بَاقِيَهُمْ , وَإِنْ عَفَا عَنْ جَمِيعِهِمْ فَعَلَيْهِمْ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ تَسْقُطُ عَلَيْهِمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ ذَابِحًا وَبَعْضُهُمْ جَارِحًا أَوْ مُوجِئًا فَالْقَوَدُ فِي النَّفْسِ عَلَى الذَّابِحِ , وَالْمُوجِئِ , وَالْجَارِحُ مَأْخُوذٌ بِحُكْمِ الْجِرَاحَةِ دُونَ النَّفْسِ . وَإِذَا قَتَلَ الْوَاحِدُ جَمَاعَةً قُتِلَ بِالْأَوَّلِ وَلَزِمَتْهُ فِي مَالِهِ دِيَةُ الْبَاقِينَ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُقْتَلُ جَمِيعَهُمْ وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ ; وَإِذَا قَتَلَهُمْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ وَكَانَ الْقَوَدُ لِمَنْ قُرِعَ مِنْهُمْ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَى أَوْلِيَاؤُهُمْ عَلَى تَسْلِيمِ الْقَوَدِ لِأَحَدِهِمْ فَيُقَادُ لَهُ وَيَلْزَمُ فِي مَالِهِ دِيَاتُ الْبَاقِينَ , وَإِذَا أَمَرَ الْمُطَاعُ رَجُلًا بِالْقَتْلِ فَالْقَوَدُ عَلَى الْآمِرِ وَالْمَأْمُورِ مَعًا , وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ غَيْرَ مُطَاعٍ كَانَ الْقَوَدُ عَلَى الْمَأْمُورِ دُونَ الْآمِرِ ; وَإِذَا أُكْرِهَ عَلَى الْقَتْلِ وَجَبَ الْقَوَدُ عَلَى الْمُكْرَهِ , وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى الْمُكْرَهِ قَوْلَانِ :
    وَأَمَّا الْقَوَدُ فِي الْأَطْرَافِ فَكُلُّ طَرَفٍ قُطِعَ مِنْ مِفْصَلٍ فَفِيهِ الْقَوَدُ فَيُقَادُ مِنْ الْيَدِ بِالْيَدِ وَالرِّجْلِ بِالرِّجْلِ وَالْأُصْبُعِ بِالْأُصْبُعِ وَالْأُنْمُلَةِ بِالْأُنْمُلَةِ وَالسِّنِّ بِمِثْلِهَا , وَلَا تُقَادُ يُمْنَى بِيُسْرَى وَلَا عُلْيَا بِسُفْلَى وَلَا ضِرْسٌ بِسِنٍّ وَلَا ثَنِيَّةٌ بِرُبَاعِيَّةٍ , وَلَا يُؤْخَذُ بِسِنِّ مَنْ قَدْ ثُغِرَ سِنُّ مَنْ لَمْ يَثْغَرْ ; وَلَا تُؤْخَذُ يَدٌ سَلِيمَةٌ بِيَدٍ شَلَّاءَ وَلَا بِلِسَانٍ أَخْرَسَ , وَتُؤْخَذُ الْيَدُ الْكَاتِبَةُ وَالصَّانِعَةُ بِيَدِ مَنْ لَيْسَ بِكَاتِبٍ وَلَا صَانِعٍ . وَتُؤْخَذُ الْعَيْنُ بِالْعَيْنِ وَتُؤْخَذُ النَّجْلَاءُ بِالْحَوْلَاءِ وَالْعَشْوَاءِ , وَلَا تُؤْخَذُ الْعَيْنُ الْقَائِمَةُ وَالْيَدُ الشَّلَّاءُ إلَّا بِمِثْلِهَا , وَيُقَادُ الْأَنْفُ الَّذِي يَشُمُّ بِالْأَنْفِ الْأَخْشَمِ , وَأُذُنُ السَّمِيعِ بِأُذُنِ  الْأَصَمِّ . وَقَالَ مَالِكٌ : لَا قَوَدَ عَلَيْهِ وَيُقَادُ مِنْ الْعَرَبِيِّ بِالْعَجَمِيِّ , وَمِنْ الشَّرِيفِ بِالدَّنِيءِ . فَإِنَّ عُفِيَ عَنْ الْقَوَدِ بِهَذِهِ الْأَطْرَافِ إلَى الدِّيَةِ فَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ , وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ ; وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ عُشْرُ الدِّيَةِ وَهُوَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ , وَفِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ أَنَامِلِ الْأَصَابِعِ ثَلَاثَةٌ وَثُلُثٌ إلَّا أُنْمُلَةَ الْإِبْهَامِ فَفِيهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ , وَدِيَةُ الْيَدَيْنِ كَالرِّجْلَيْنِ إلَّا فِي أَنَامِلِهِمَا فَيَكُونُ فِي كُلِّ أُنْمُلَةٍ مِنْهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ . وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ , وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ , وَلَا فَضْلَ لِعَيْنِ الْأَعْوَرِ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ , وَأَوْجَبَ مَالِكٌ رحمه الله فِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ جَمِيعَ الدِّيَةِ . وَفِي الْجُفُونِ الْأَرْبَعِ جَمِيعُ الدِّيَةِ , وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا رُبْعُ الدِّيَةِ وَفِي الْأَنْفِ الدِّيَةُ , وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَةُ , وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ , وَفِي اللِّسَانِ الدِّيَةُ وَفِي الشَّفَتَيْنِ رُبْعُ الدِّيَةِ وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ , وَلَا فَضْلَ لِسِنٍّ عَلَى ضِرْسٍ وَلَا لِثَنِيَّةٍ عَلَى نَاجِذٍ , وَفِي إذْهَابِ السَّمْعِ الدِّيَةُ , فَإِنْ قَطَعَ أُذُنَيْهِ فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ , وَكَذَلِكَ لَوْ قَطَعَ أَنْفَهُ فَأَذْهَبَ شَمَّهُ فَعَلَيْهِ دِيَتَانِ , وَفِي إذْهَابِ الْكَلَامِ الدِّيَةُ فَإِنْ قَطَعَ لِسَانَهُ فَأَذْهَبَ كَلَامَهُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَفِي إذْهَابِ الْعَقْلِ الدِّيَةُ . وَفِي إذْهَابِ الذَّكَرِ الدِّيَةُ ; وَذَكَرُ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ذَكَرِ الْعِنِّينِ وَالْخَصِيِّ حُكُومَةٌ , وَفِي الْأُنْثَيَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ ; وَفِي ثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ دِيَتُهَا , وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي ثَدْيَيْ الرَّجُلِ حُكُومَةٌ وَقِيلَ دِيَةٌ .
    وَأَمَّا الشِّجَاجُ , فَأَوَّلُهَا الْخَارِصَةُ وَهِيَ الَّتِي أَخَذَتْ فِي الْجِلْدِ , وَلَا قَوَدَ فِيهَا , وَلَا دِيَةَ , وَفِيهَا حُكُومَةٌ . ثُمَّ الدَّامِيَةُ , وَهِيَ الَّتِي أَخَذَتْ فِي الْجِلْدِ وَأَدَمَتْ وَفِيهَا حُكُومَةٌ , ثُمَّ الدَّامِغَةُ , وَهِيَ الَّتِي قَدْ خَرَجَ دِمَاؤُهَا مِنْ قَطْعِ الْجِلْدِ كَالدَّامِغَةِ وَفِيهَا حُكُومَةٌ . ثُمَّ الْمُتَلَاحِمَةُ , وَهِيَ الَّتِي قَطَعَتْ وَأَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ وَفِيهَا حُكُومَةٌ . ثُمَّ الْبَاضِعَةُ وَهِيَ الَّتِي قَطَعَتْ اللَّحْمَ بَعْدَ الْجِلْدِ وَفِيهَا حُكُومَةٌ . ثُمَّ السِّمْحَاقُ , وَهِيَ الَّتِي قَطَعَتْ جَمِيعَ اللَّحْمِ بَعْدَ الْجِلْدِ وَأَبْقَتْ عَلَى عَظْمِ الرَّأْسِ غِشَاوَةً رَقِيقَةً وَفِيهَا حُكُومَةُ وَحُكُومَاتُ هَذِهِ الشِّجَاجِ تَزِيدُ عَلَى حَسَبِ تَرْتِيبِهَا . ثُمَّ الْمُوضِحَةُ , وَهِيَ الَّتِي قَطَعَتْ الْجِلْدَ وَاللَّحْمَ وَالْغِشَاوَةَ وَأَوْضَحَتْ عَنْ الْعَظْمِ فَفِيهَا الْقَوَدُ , فَإِنْ عُفِيَ عَنْهَا فَفِيهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ . ثُمَّ الْهَاشِمَةُ , وَهِيَ الَّتِي  أَوْضَحَتْ عَنْ اللَّحْمِ حَتَّى ظَهَرَ وَهَشَّمَتْ عَظْمَ الرَّأْسِ حَتَّى تَكَسَّرَ وَفِيهَا عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ ; فَإِنْ أَرَادَ الْقَوَدَ مِنْ الْهَشْمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ , وَإِنْ أَرَادَهُ مِنْ الْمُوضِحَةِ قُيِّدَ لَهُ مِنْهَا , وَأُعْطِي فِي زِيَادَةِ الْهَشْمِ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ وَقَالَ مَالِكٌ : فِي الْهَشْمِ حُكُومَةٌ . ثُمَّ الْمُنَقِّلَةُ , وَهِيَ الَّتِي أَوْضَحَتْ وَهَشَّمَتْ حَتَّى شَظِيَ الْعَظْمُ وَزَالَ عَنْ مَوْضِعِهِ وَاحْتَاجَ إلَى نَقْلِهِ وَإِعَادَتِهِ وَفِيهَا خَمْسَ عَشْرَةَ مِنْ الْإِبِلِ , فَإِنْ اسْتَقَادَ مِنْ الْمُوضِحَةِ أُعْطِيَ فِي الْهَشْمِ وَالتَّنْقِيلِ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ . ثُمَّ الْمَأْمُومَةُ وَتُسَمَّى الدَّامِغَةَ , وَهِيَ الَّتِي وَصَلَتْ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ .
    وَأَمَّا جِرَاحُ الْجَسَدِ فَلَا تُقَدَّرُ دِيَةُ شَيْءٍ مِنْهَا إلَّا الْجَافِيَةَ , وَهِيَ الْوَاصِلَةُ إلَى الْجَوْفِ وَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ , وَلَا قَوَدَ فِي جِرَاحِ الْجَسَدِ إلَّا الْمُوضِحَةَ عَنْ عَظْمٍ فَفِيهَا حُكُومَةٌ . وَإِذَا قُطِعَتْ أَطْرَافُهُ فَانْدَمَلَتْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَاتُهَا , وَإِنْ كَانَتْ أَضْعَافَ دِيَةِ النَّفْسِ , وَلَوْ مَاتَ مِنْهَا قَبْلَ انْدِمَالِهَا كَانَتْ عَلَيْهِ دِيَةُ النَّفْسِ وَسَقَطَتْ دِيَاتُ الْأَطْرَافِ , وَلَوْ مَاتَ بَعْدَ انْدِمَالِ بَعْضِهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ دِيَةُ النَّفْسِ فِيمَا لَمْ يَنْدَمِلْ مَعَ دِيَةِ الْأَطْرَافِ , وَفِيمَا انْدَمَلَ مِنْ لِسَانِ الْأَخْرَسِ وَيَدِ الْأَشَلِّ وَالْأُصْبُعِ الزَّائِدِ وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ حُكُومَةٌ , وَالْحُكُومَةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ أَنْ يُقَوِّمَ الْحَاكِمُ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَوْ كَانَ عَبْدًا لَمْ يُجْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُقَوِّمَهُ لَوْ كَانَ عَبْدًا بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَيُعْتَبَرَ مَا بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ دِيَتِهِ فَيَكُونَ قَدْرُ الْحُكُومَةِ فِي جِنَايَتِهِ . وَإِذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ مِنْ الضَّرْبِ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ إذَا كَانَ حُرًّا غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ وَلَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى , فَإِنْ اسْتَهَلَّ الْجَنِينُ صَارِخًا فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً , وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى , وَعَلَى كُلِّ قَاتِلِ نَفْسٍ ضَمِنَ دِيَتَهَا الْكَفَّارَةُ عَامِدًا كَانَ أَوْ خَاطِئًا وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْخَاطِئِ , دُونَ الْعَامِدِ .
    وَالْكَفَّارَةُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ , فَإِنْ أَعْوَزَهَا صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ , فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ , وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْقَوْلِ الْآخَرِ , وَإِذَا ادَّعَى قَوْمٌ قَتْلًا عَلَى قَوْمٍ , وَمَعَ الدَّعْوَى لَوْثٌ وَاللَّوْثُ أَنْ يَعْنُوا بِالدَّعْوَى مَا يُوقِعُ فِي النَّفْسِ صِدْقَ الْمُدَّعِي فَيَصِيرُ الْقَوْلُ  بِاللَّوْثِ قَوْلَ الْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيُحْكَمُ لَهُ بِالدِّيَةِ دُونَ الْقَوَدِ , وَلَوْ نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْيَمِينِ أَوْ بَعْضِهَا حَلَفَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ . وَإِذَا وَجَبَ الْقَوَدُ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِاسْتِيفَائِهِ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ , فَإِنْ كَانَ فِي طَرَفٍ لَمْ يُمَكِّنْهُ السُّلْطَانُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ حَتَّى يَتَوَلَّاهُ غَيْرُهُ , وَأَجَرَهُ الَّذِي يَتَوَلَّاهُ فِي مَالِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ دُونَ الْمُقْتَصِّ لَهُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : تَكُونُ فِي مَالِ الْمُقْتَصِّ لَهُ دُونَ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ , فَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي نَفْسٍ جَازَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ السُّلْطَانُ فِي اسْتِيفَائِهِ بِنَفْسِهِ إذَا كَانَ ثَابِتَ النَّفْسِ إلَّا اسْتَوْفَاهُ السُّلْطَانُ لَهُ بِأَوْحَى سَيْفٍ وَأَمْضَاهُ , فَإِنْ تَفَرَّدَ وَلِيُّ الْقَوَدِ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ وَلَمْ يَتَعَدَّ عَزَّرَهُ السُّلْطَانُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَيْهِ , وَقَدْ صَارَ إلَى حَقِّهِ الْقَوَدُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ .


    ********************************
    الْفَصْلُ السَّادِسُ : فِي التَّعْزِيرِ
    وَالتَّعْزِيرُ تَأْدِيبٌ عَلَى ذُنُوبٍ لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا الْحُدُودُ , وَيَخْتَلِفُ حُكْمُهُ بِاخْتِلَافِ حَالِهِ وَحَالِ فَاعِلِهِ , فَيُوَافِقُ الْحُدُودَ مِنْ وَجْهِ أَنَّهُ تَأْدِيبُ اسْتِصْلَاحٍ وَزَجْرٍ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الذَّنْبِ وَيُخَالِفُ الْحُدُودَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا أَنَّ تَأْدِيبَ ذِي الْهَيْبَةِ مِنْ أَهْلِ الصِّيَانَةِ أَخَفُّ مِنْ تَأْدِيبِ أَهْلِ الْبَذَاءَةِ وَالسَّفَاهَةِ ; لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : { أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ } . فَتُدَرَّجُ فِي النَّاسِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ : فَإِنْ تُسَاوَوْا فِي الْحُدُودِ الْمُقَدَّرَةِ فَيَكُونُ تَعْزِيرُ مَنْ جَلَّ قَدْرُهُ بِالْإِعْرَاضِ عَنْهُ , وَتَعْزِيرُ مَنْ دُونَهُ بِالتَّعْنِيفِ لَهُ وَتَعْزِيرٌ بِزَوَاجِر الْكَلَامِ وَغَايَةِ الِاسْتِحْقَاقِ الَّذِي لَا قَذْفَ فِيهِ وَلَا سَبَبَ , ثُمَّ يُعْدَلُ بِمَنْ دُونَ ذَلِكَ إلَى الْحَبْسِ الَّذِي يُحْبَسُونَ فِيهِ عَلَى حَسَبِ ذَنْبِهِمْ وَبِحَسَبِ هَفَوَاتِهِمْ , فَمِنْهُمْ مَنْ يُحْبَسُ يَوْمًا , وَمِنْهُمْ مَنْ يُحْبَسُ أَكْبَرَ مِنْهُ إلَى غَايَةٍ مُقَدَّرَةٍ . وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ تُقَدَّرُ غَايَتُهُ بِشَهْرٍ لِلِاسْتِبْرَاءِ وَالْكَشْفِ وَبِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِلتَّأْدِيبِ وَالتَّقْوِيمِ ثُمَّ يُعْدَلُ بِمَنْ دُونَ ذَلِكَ إلَى النَّفْيِ وَالْإِبْعَادِ إذَا تَعَدَّتْ ذُنُوبُهُ إلَى اجْتِذَابِ غَيْرِهِ إلَيْهَا وَاسْتِضْرَارِهِ بِهَا  وَاخْتُلِفَ فِي غَايَةِ نَفْيِهِ وَإِبْعَادِهِ . فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ تُقَدَّرُ بِمَا دُونَ الْحَوْلِ وَلَوْ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ لِئَلَّا يَصِيرَ مُسَاوِيًا لِتَعْزِيرِ الْحَوْلِ فِي الزِّنَا , وَظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ فِيهِ عَلَى الْحَوْلِ بِمَا يَرَى مِنْ أَسْبَابِ الزَّوَاجِرِ ثُمَّ يُعْدَلُ بِمَنْ دُونَ ذَلِكَ إلَى الضَّرْبِ يَنْزِلُونَ فِيهِ عَلَى حَسَبِ الْهَفْوَةِ فِي مِقْدَارِ الضَّرْبِ وَبِحَسَبِ الرُّتْبَةِ فِي الِامْتِهَانِ وَالصِّيَانَةِ .
    وَاخْتُلِفَ فِي أَكْثَرِ مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ الضَّرْبُ فِي التَّعْزِيرِ , فَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَكْثَرَهُ فِي الْحُرِّ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا لِيَنْقُصَ عَنْ أَقَلِّ الْحُدُودِ فِي الْخَمْرِ , فَلَا يُبْلَغَ بِالْحُرِّ أَرْبَعِينَ وَبِالْعَبْدِ عِشْرِينَ , وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : أَكْثَرُ التَّعْزِيرِ تِسْعَةٌ وَثَلَاثُونَ سَوْطًا فِي الْحُرِّ وَالْعَبْدِ , وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَكْثَرُهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ . وَقَالَ مَالِكٌ : لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ , وَيَجُوزُ أَنْ يُتَجَاوَزَ بِهِ أَكْثَرَ الْحُدُودِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ تَعْزِيرُ كُلِّ ذَنْبٍ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ حَدِّهِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ وَأَعْلَاهُ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ يُقَصَّرُ بِهِ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ بِخَمْسَةِ أَسْوَاطٍ , فَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ فِي التَّعْزِيرِ بِالزِّنَا رُوعِيَ مِنْهُ مَا كَانَ , فَإِنْ أَصَابُوهَا بِأَنْ نَالَ مِنْهَا مَا دُونَ الْفَرْجِ ضَرَبُوهُمَا أَعْلَى التَّعْزِيرِ , وَهُوَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ سَوْطًا , وَإِنْ وَجَدُوهُمَا فِي إزَارٍ لَا حَائِلَ بَيْنَهُمَا مُتَبَاشِرَيْنِ غَيْرَ مُتَعَامِلَيْنِ لِلْجِمَاعِ ضَرَبُوهُمَا سِتِّينَ سَوْطًا , وَإِنْ وَجَدُوهُمَا غَيْرَ مُتَبَاشِرَيْنِ ضَرَبُوهُمَا أَرْبَعِينَ سَوْطًا , وَإِنْ وَجَدُوهُمَا خَالِيَيْنِ فِي بَيْتٍ عَلَيْهِمَا ثِيَابُهُمَا ضَرَبُوهُمَا ثَلَاثِينَ سَوْطًا , وَإِنْ وَجَدُوهُمَا فِي طَرِيقٍ يُكَلِّمُهَا وَتُكَلِّمُهُ ضَرَبُوهُمَا عِشْرِينَ سَوْطًا , وَإِنْ وَجَدُوهُ يَتْبَعُهَا , وَلَمْ يَقِفُوا عَلَى ذَلِكَ يُحَقِّقُوا , وَإِنْ وَجَدُوهُمَا يُشِيرُ إلَيْهَا وَتُشِيرُ إلَيْهِ بِغَيْرِ كَلَامٍ ضَرَبُوهُمَا عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ , وَهَكَذَا يَقُولُ فِي التَّعْزِيرِ بِسَرِقَةِ مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ , فَإِذَا سَرَقَ نِصَابًا مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ ضُرِبَ أَعْلَى التَّعْزِيرِ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا , وَإِذَا سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ ضُرِبَ سِتِّينَ سَوْطًا . وَإِذَا سَرَقَ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ ضُرِبَ خَمْسِينَ سَوْطًا , فَإِذَا جَمَعَ الْمَالَ فِي الْحِرْزِ , وَاسْتَرْجَعَ مِنْهُ قَبْلَ إخْرَاجِهِ ضُرِبَ أَرْبَعِينَ سَوْطًا , وَإِذَا نَقَبَ الْحِرْزَ وَدَخَلَ وَلَمْ يَأْخُذْ ضُرِبَ ثَلَاثِينَ سَوْطًا . وَإِذَا نَقَبَ الْحِرْزَ وَلَمْ يَدْخُلْ ضُرِبَ عِشْرِينَ سَوْطًا . وَإِذَا تَعَرَّضَ لِلنَّقْبِ أَوْ لِفَتْحِ بَابٍ وَلَمْ يُكْمِلْهُ ضُرِبَ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ . وَإِذَا وُجِدَ مَعَهُ مِنْقَبٌ أَوْ كَانَ مُرْصِدًا لِلْمَالِ يُحَقَّقُ ثُمَّ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِيمَا سِوَى هَذَيْنِ , وَهَذَا التَّرْتِيبُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَحْسَنًا فِي  الظَّاهِرِ فَقَدْ تَجَرَّدَ الِاسْتِحْسَانُ فِيهِ عَنْ دَلِيلٍ يُتَقَدَّرُ بِهِ , وَهَذَا الْكَلَامُ فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ الَّتِي يَخْتَلِفُ فِيهَا الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ .
    وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ الْحَدَّ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ الْعَفْوُ عَنْهُ وَلَا الشَّفَاعَةُ فِيهِ فَيَجُوزُ فِي التَّعْزِيرِ الْعَفْوُ عَنْهُ وَتَسُوغُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ , فَإِنْ تَفَرَّدَ التَّعْزِيرُ بِحَقِّ السَّلْطَنَةِ وَحُكْمِ التَّقْوِيمِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ جَازَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُرَاعِيَ الْأَصْلَحَ فِي الْعَفْوِ أَوْ التَّعْزِيرِ وَجَازَ أَنْ يَشْفَعَ فِيهِ مَنْ سَأَلَ الْعَفْوَ عَنْ الذَّنْبِ . رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : { اشْفَعُوا إلَيَّ وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا يَشَاءُ } .
    وَلَوْ تَعَلَّقَ بِالتَّعْزِيرِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ كَالتَّعْزِيرِ فِي الشَّتْمِ وَالْمُوَاثَبَةِ فَفِيهِ حَقُّ الْمَشْتُومِ وَالْمَضْرُوبِ , وَحَقُّ السَّلْطَنَةِ لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّهْذِيبِ , فَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُسْقِطَ بِعَفْوِهِ حَقَّ الْمَشْتُومِ وَالْمَضْرُوبِ , وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ لَهُ حَقَّهُ مِنْ تَعْزِيرِ الشَّاتِمِ وَالضَّارِبِ , فَإِنْ عَفَا الْمَضْرُوبُ وَالْمَشْتُومُ كَانَ وَلِيُّ الْأَمْرِ بَعْدَ عَفْوِهِمَا عَلَى خِيَارِهِ فِي فِعْلِ الْأَصْلَحِ مِنْ التَّعْزِيرِ تَقْوِيمًا وَالصَّفْحِ عَنْهُ عَفْوًا , فَإِنْ تَعَافَوْا عَنْ الشَّتْمِ وَالضَّرْبِ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَيْهِ سَقَطَ التَّعْزِيرُ الْآدَمِيُّ . وَاخْتُلِفَ فِي سُقُوطِ حَقِّ السَّلْطَنَةِ عَنْهُ وَالتَّقْوِيمِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ . أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ أَنَّهُ يَسْقُطُ , وَلَيْسَ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُعَزِّرَ فِيهِ ; لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ أَغْلَظُ وَيَسْقُطُ حُكْمُهُ بِالْعَفْوِ فَكَانَ حُكْمُ التَّعْزِيرِ بِالسَّلْطَنَةِ أَسْقَطَ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ الْأَظْهَرُ أَنَّ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يُعَزِّرَ فِيهِ مَعَ الْعَفْوِ قَبْلَ التَّرَافُعِ إلَيْهِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُعَزِّرَ فِيهِ مَعَ الْعَفْوِ بَعْدَ التَّرَافُعِ إلَيْهِ مُخَالَفَةً لِلْعَفْوِ عَنْ حَدِّ الْقَذْفِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ مِنْ حُقُوقِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ , وَلَوْ تَشَاتَمَ وَتَوَاثَبَ وَالِدٌ مَعَ وَلَدٍ سَقَطَ تَعْزِيرُ الْوَالِدِ فِي حَقِّ الْوَلَدِ وَلَمْ يَسْقُطْ تَعْزِيرُ الْوَلَدِ فِي حَقِّ الْوَالِدِ كَمَا لَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ , وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِوَالِدِهِ وَكَانَ تَعْزِيرُ الْأَبِ مُخْتَصًّا بِحَقِّ السَّلْطَنَةِ , وَالتَّقْوِيمُ لَا حَقَّ فِيهِ لِلْوَلَدِ . وَيَجُوزُ لِوَلِيِّ الْأَمْرِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعَفْوِ عَنْهُ , وَكَانَ تَعْزِيرُ الْوَلَدِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ حَقِّ الْوَلَدِ وَحُقُوقِ السَّلْطَنَةِ , فَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّ  الْأَمْرِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعَفْوِ عَنْهُ مَعَ مُطَالَبَةِ الْوَالِدِ بِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ لَهُ وَهَذَا الْكَلَامُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي الَّذِي يَخْتَلِفُ فِيهِ الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ .
    وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّ الْحَدَّ وَإِنْ كَانَ مَا حَدَثَ عَنْهُ مِنْ التَّلَفِ هَدَرًا فَإِنَّ التَّعْزِيرَ يُوجِبُ ضَمَانَ مَا حَدَثَ عَنْهُ مِنْ التَّلَفِ قَدْ أَرْهَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ امْرَأَةً فَأُخْمِصَتْ بَطْنُهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَشَاوَرَ عَلِيًّا عليه السلام وَحَمَلَ دِيَةَ جَنِينِهَا .
    وَاخْتُلِفَ فِي مَحَلِّ دِيَةِ التَّعْزِيرِ فَقِيلَ : تَكُونُ عَلَى عَاقِلَةِ وَلِيِّ الْأَمْرِ , وَقِيلَ تَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ , فَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَفِي مَالِهِ إنْ قِيلَ : إنَّ الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَتِهِ , وَإِنْ قِيلَ : إنَّ الدِّيَةَ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَفِي مَحَلِّ الْكَفَّارَةِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا فِي مَالِهِ . وَالثَّانِي : فِي بَيْتِ الْمَالِ , وَهَكَذَا الْمُعَلِّمُ إذَا ضَرَبَ صَبِيًّا أَدَبًا مَعْهُودًا فِي الْعُرْفِ فَأَفْضَى إلَى تَلَفِهِ ضَمِنَ دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَالْكَفَّارَةَ فِي مَالِهِ . وَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ ضَرْبُ زَوْجَتِهِ إذَا نَشَزَتْ عَنْهُ , فَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ ضَرْبِهِ ضَمِنَ دِيَتَهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ إلَّا إنْ قَتَلَهَا فَيُقَادُ بِهَا .
    وَأَمَّا صِفَةُ الضَّرْبِ فِي التَّعْزِيرِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْعَصَا وَبِالسَّوْطِ الَّذِي كُسِرَتْ ثَمَرَتُهُ كَالْحَدِّ . وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِهِ بِسَوْطٍ لَمْ تُكْسَرْ ثَمَرَتُهُ فَذَهَبَ الزُّبَيْرِيُّ إلَى جَوَازِهِ , فَإِنْ زَادَ فِي الصِّفَةِ عَلَى ضَرْبِ الْحُدُودِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبْلَغَ بِهِ إنْهَارُ الدَّمِ . وَذَهَبَ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه إلَى حَظْرِهِ بِسَوْطٍ لَمْ تُكْسَرْ ثَمَرَتُهُ , لِأَنَّ الضَّرْبَ فِي الْحُدُودِ أَبْلَغُ وَأَغْلَظُ , وَهُوَ كَذَلِكَ مَحْظُورٌ فَكَانَ فِي التَّعْزِيرِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْظُورًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُبْلَغَ بِتَعْزِيرٍ إنْهَارُ الدَّمِ , وَضَرْبُ الْحَدِّ يَجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ فِي الْبَدَنِ كُلِّهِ بَعْدَ تَوَقِّي الْمَوَاضِعِ الْقَاتِلَةِ لِيَأْخُذَ كُلُّ عُضْوٍ نَصِيبَهُ مِنْ الْحَدِّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَسَدِ . وَاخْتُلِفَ فِي ضَرْبِ التَّعْزِيرِ فَأَجْرَاهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَجْرَى الضَّرْبِ فِي تَفْرِيقِهِ وَحَظْرِ جَمْعِهِ , وَخَالَفَهُمْ الزُّبَيْرِيُّ فَجَوَّزَ جَمْعَهُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ الْجَسَدِ ; لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ إسْقَاطُهُ عَنْ جَمِيعِ الْجَسَدِ جَازَ إسْقَاطُهُ عَنْ بَعْضِهِ بِخِلَافِ الْحَدِّ وَيَجُوزُ أَنْ يُصْلَبَ فِي التَّعْزِيرِ حَيًّا . قَدْ { صَلَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو نَابٍ } , وَلَا يُمْنَعُ إذَا صُلِبَ أَدَاءَ طَعَامٍ وَلَا شَرَابٍ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ  الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ وَيُصَلِّي مُومِيًا وَيُعِيدُ إذَا أُرْسِلَ وَلَا يُتَجَاوَزُ بِصَلْبِهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ , وَيَجُوزُ فِي نَكَالِ التَّعْزِيرِ أَنْ يُجَرَّدَ مِنْ ثِيَابِهِ إلَّا قَدْرَ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَيُشْهَرُ فِي النَّاسِ وَيُنَادَى عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ وَلَمْ يَتُبْ , وَيَجُوزُ أَنْ يُحْلَقَ شَعْرُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُحْلَقَ لِحْيَتُهُ . وَاخْتُلِفَ فِي جَوَازِ تَسْوِيدِ وُجُوهِهِمْ , فَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ ; وَمَنَعَ مِنْهُ الْأَقَلُّونَ .


    _________________

    *******************************************

    كتاب الأحكام السلطانية للماوردي - الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ : فِي أَحْكَامِ الْجَرَائِمِ . 08310

    كتاب الأحكام السلطانية للماوردي - الْبَابُ التَّاسِعَ عَشَرَ : فِي أَحْكَامِ الْجَرَائِمِ . 17904110

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 21 نوفمبر 2024 - 1:35