الكنوز الملية في الفرائض الجلية
الشيخ عبدالعزيز بن محمد السلمان رحمه الله تعالى
باب الفرائض
س 1 – ما هي الفرائض ولما سميت بذلك ، وما الأصل فيها وما الذي ورد في الحث على تعلمها ؟
ج – الفرائض جمع فريضة بمعنى مفروضة، ولحقتها الهاء للنقل من المصدر إلى الاسم من الفرض بمعنى التوقيت، ومنه فمن فرض فيهن الحج ، والجزء من الشيء كالتفريض، ومن القوس موضع الوتر، وما أوجبه الله كالمفروض والقراءة والسنة يقال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أي سن ونوع من التمر، والجند يفترضون، والترس وعود من أعواد البيت، والعطية الموسومة وما فرضته على نفسك فوهبته، ومن الزند حيث يقدح منه، والحز الذي فيه، وقوله تعالى سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا جعلنا فيها فرائض الأحكام وبالتشديد أي جعلنا فيها فريضة بعد فريضة، أو فصلناها وبيناها .
وبمعنى التقدير ومنه فنصف ما فرضتم ويقال فرض القاضي النفقة، أي قدرها ويقال فرضت الفارة الثوب إذا قطعته، والفرض في الشرع ما ثبت بدليل مقطوع به، كالكتاب والسنة المتواترة والإجماع، وسمي هذا النوع من الفقه فرائض، لأنه سهام مقدرة مقطوعة مبينة ثبتت بدليل مقطوع به وشرعًا العلم بقسمة الميراث، وإنما خص بتسميته بالفرائض لوجهين:
أحدهما أن الله سماه به فقال بعد القسمة فريضة من الله والنبي صلى الله عليه وسلم سماه به، فقال [تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ] .
والثاني: أن الله تعالى ذكر الصلاة والصوم وغيرهما من العبادات مجملاً، ولم يبين مقاديرها، وذكر الفرائض وبين سهامها وقدرها تقديرًا لا يحتمل الزيادة والنقصان، فخص هذا النوع بهذا الاسم لهذا المعنى .
والأصل فيها آيات المواريث والأخبار الآتية كخبر الصحيحين، الحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر، وأما الآثار التي وردت في الحث على تعلم الفرائض فهي ما يلي :
روى أبو داود بإسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ فَضْلٌ آيَةٌ مُحْكَمَةٌ أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا فَإِنَّهُ نِصْفُ الْعِلْمِ وَهُوَ يُنْسَى وَهُوَ أَوَّلُ شَيْءٍ يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي] أخرجه ابن ماجه .
ويُروى عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا الناسَ فإنِّي أمرؤٌ مَقْبُوضٌ وَإِنَّ العِلمَ سَيُقْبضُ حتى يَخْتَلِفَ الرجلانِ في الفَريضةِ فلا يَجِدانِ مَن يَفْصِلُ بينهما] .
وروي عن سعيد عن جرير بن عبد الحميد عن الأعمش عن إبراهيم قال قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعلموا الفرائض فإنها من دينكم .
س 2 – تكلم بوضوح عما يلي : من الذي اشتهر من الصحابة بعلم الفرائض ، وما معنى قوله عليه الصلاة والسلام فإنه نصف العلم ، حد هذا العلم، موضوعه، ثمرته، نسبته إلى غيره، فضله، واضعه، استمداده، حكمه، مسائله ؟
ج – اشتهر من الصحابة رضي الله عنهم بعلم الفرائض أربعة: علي وابن عباس وزيد وابن مسعود، ولم يتفق هؤلاء في مسألة إلا وافقتهم الأمة، وما اختلفوا إلا وقعوا فرادى، ثلاثة في جانب وواحد في جانب .
وعنه عليه السلام [أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ ، وَأَشَدُّهَا فِي دِينِ اللَّهِ عُمَرُ ، وَأَصْدَقُها حَيَاءً عُثْمَانُ ، وَأَعْلَمُها بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَقْرَؤُها لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أُبَي وَأَعْلَمْهَا بالفَرَائِضِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ َلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ]، رواه أحمد والترمذي .
وحُكِيَ أن الوليد بن مسلم رأى في منامه أنه دخل بستانًا فأكل من جميع ثمره إلا العنب الأبيض، فقصه على شيخه الأوزاعي فقال تصيب من العلوم كلها إلا الفرائض، فإنها جوهر العلم، كما أن العنب الأبيض جوهر العنب .
وأما قوله فإنها نصف العلم فاختلفوا في معناه، فبعض توقف ولو يؤول، وقال لا نتكلم فيه بل يجب علينا إتباعه وهؤلاء قليل، وقال قوم إن معنى كونها نصف العلم باعتبار الحال فإن للناس حالتين، حالة حياة وحالة وفاة، فالفرائض تتعلق بالثاني وباقي العلوم بالأول .
وقيل النصف بمعنى الصنف قال الشاعر :
إِذا مِتُّ كان الناسُ نِصفان شَامِتٌ
وآخَرُ مُثْنٍ بِالذِي كُنْتُ أَصْنَعُ
وقيل هو نصف العلم باعتبار الثواب، لأن له بتعلم مسألة واحدة من الفرائض مائة حسنة، ومن غيرها من العلوم عشر حسنات، وقيل سمي نصفًا، لأن ثوابه مثل ثواب بقية العلوم، قيل وأحسن الأقوال، أن يقال أسباب الملك نوعان اختياري، وهو ما يملك رده كالشراء والهبة ونحوها، وقهري وهو ما لا يملك رده، وهو الإرث، وقيل إن العلم يستفاد بالنص تارة، وبالقياس تارة، وعلم الفرائض من أجل العلوم خطرًا وأرفعها قدرًا وأعظمها أجرًا، إذ هو من العلوم القرآنية والصناعية الدينية .
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال [مَن عَلَّمَ فَرِيْضَةً كَمَنْ أَعْتَقَ عَشْرَ رِقَابٍ، وَمَنَ قَطعَ مِيْراثًا قَطعَ اللهُ مِيراثه مِن الجنَّةِ] .
وحد علم الفرائض، هو فقه المواريث وما يضم إلى ذلك من حسابها، وموضوعه التركات وثمرته إيصال ذوي الحقوق حقوقهم، ونسبته إلى غيره أنه من العلوم الشرعية، وفضله ما ورد من الحث والترغيب في تعلمه وتعليمه، وواضعه الله سبحانه، واستمداده من الكتاب والسنة والإجماع، وحكمه فرض كفاية، إذا قام به من يكفي، سقط الإثم عن الباقين، ومسائله ما يذكر في كل باب من أبوابه .
س 3 – كم الحقوق المتعلقة بالتركة، وما هي، وهل هي مرتبة، وضح ذلك .
ج – عددها خمسة، مرتبة إن ضاقت التركة :
الأول : مؤنة التجهيز من كفن وأجرة حفر قبر وغسل ونحو ذلك، فهذه مقدمة على الحقوق المتعلقة بعين التركة عندنا خلافًا للأئمة الثلاثة .
الثاني : الحقوق المتعلقة بعين التركة كدين برهن وكأرش جناية متعلقة برقبة العبد الجاني .
الثالث : الديون المرسلة في الذمة، كدين بلا رهن وسواء كانت هذه الديون لله أو لآدمي.
الرابع : الوصايا .
الخامس : الإرث، وهو المقصود بالذات وقد نظمت هذه المذكورة في بيت واحد :
هُون فَدَيْنٌ قالوا وصَايَا فَقَسْمَ مَا
يُخلِّفُ فَافهَمْ حُكْمَهُنَّ مُرَتَّّبَا
قال الجعبري :
إِذا ماتَ ذُو مَالٍ فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ
مُؤنتُهُ قدّمْ عَلَى الدَّيْنِ أَوَّلاً
وَبَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ أمْضِ وَصيَّةً
مِنْ الثلثِ وَأقسِمْ مَا تَبَقَّى مُفَصَّلاَ
وقال آخر:
فَمُؤَنُ التَّجهِيزِ بِالمعْرُوْفِ
ثمَ قَضَايَا دَيْنِهِ المأْلوُفِ
وَبَعْدَ ذَا تُنفَّذُ الْوَصِيَّةْ
وَيَقَعُ الميراثُ في البَقِيَّةْ
س 4 – تكلم بوضوح عما يلي : تعريف الإرث أركان الإرث، شروط الإرث، والأدلة على شرف هذا العلم .
ج – الأركان لغة جمع ركن وهو جانب الشيء الأقوى وفي الاصطلاح، هو عبارة عن جزء الماهية، والإرث في اللغة البقاء، قال عليه الصلاة والسلام [إنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم] أي على بقية من بقايا شريعته، وشرعًا هو حق قابل للتجزؤ ثبت لمستحق بعد موت من كان له ذلك لقرابة بينهما أو نحوها، وعرفه، بعضهم فقال، انتقال مال الغير إلى الغير على سبيل الخلافة .
ومن شرف هذا العلم، أن الله سبحانه وتعالى تولى بيانه وقسمته بنفسه وأوضحه وضوح النهار بشمسه، فقال يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ إلى آخر الآيتين، وقال سبحانه يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إلى آخر الآية، فبين أهم سهام الفرائض ومستحقيها والباقي يعرف بالاستنباط لمن تأمل فيها وفي غيرها من الآيات والأحاديث، وعدد الأركان ثلاثة: وارث ومورث وحق موروث .
قال في البرهانية :
وَوَارِثٌ مُوَرِّثٌ مَوْرُوْث
أَرْكَانُهُ مَا دُوْنَهَا تَوْرِيْثُ
والشرط لغة العلامة واصطلاحًا ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته، وشروط الإرث ثلاثة :
الأول : تحقق موت المورث، إما بمشاهدة أو استفاضة، أو شهادة عدلين أو إلحاقه بالأموات حكمًا كالمفقود، أو إلحاقه بالأموات تقديرًا كالجنين، إذا انفصل ميتًا بسبب جناية على أمه توجب الغرة، وهي عبد أو أمة تقدر بخمس من الإبل تكون لورثة الجنين، فيقدر حيا ثم يقدر أنه مات لتورث عنه تلك الغرة .
الثاني : تحقق حياة الوارث بعد موت مورثه ولو لحظة .
الثالث : العلم بالجهة المقتضية للإرث من زوجية أو ولاء أو قرابة، وتعين جهة القرابة من بنوه أو أبوة أو نحو ذلك، والعلم بالدرجة التي اجتمع فيها الميت والوارث .
وقال البرهاني :
وهي تحقق وجود الوارث
موت المورث اقتضاء التوارث