تبدأ إصاباتُ النُّخاع الشوكي عادةً بضربة تُؤدِّي إلى كسر الفقرات أو خلعها من مكانها. والفقراتُ هي الأقراص العَظميَّة التي تشكِّل العمود الفقري. لا يحدث تمزُّقٌ في النُّخاع الشوكي في أغلب الحالات، لكن يمكن أن تضغطَ قطعٌ من الفقرات عليه أو على أحد الأعصاب الخارجة منه. وعندما تحدث إصابةٌ تامَّة في النُّخاع الشوكي، فإنَّه يصبح عاجزاً عن إيصال أيَّة رسائل تحت مستوى المنطقة المُصابة. وبالنتيجة، فإنَّ الإنسان يُصاب بالشلل تحت تلك النقطة. أمَّا في حالة الإصابة غير التامَّة، فيبقى هناك بعضُ الحسِّ والحركة تحت مستوى الإصابة. تعدُّ إصابةُ النخاع الشوكي حالةً طبِّية طارئة. وقد تتمكَّن المعالجةُ الفورية من تخفيف الآثار طويلة الأمد. أمَّا المعالجةُ التي تأتي بعد ذلك فقد تشمل تناول الأدوية، إضافةً إلى إعادة التأهيل.
مقدمة
يمكن لإصابات النُّخاع الشوكي أن تكونَ مدمِّرة للغاية. ويتعرَّض الاف الناس لإصابات النخاع الشوكي سنوياً، ويعود السبب الرَّئيسي إلى حوادث السيَّارات أو السقوط. يعيشُ أكثر من مليون شخصاً حول العالم حالياً بشلل دائم في الذراعين، أو الساقين، أو كليهما، بسبب إصابات في النُّخاع الشوكي. يساعد هذا البرنامجُ التثقيفي على فهم أسباب إصابات النخاع الشوكي وخيارات علاجها. كما يقدِّم هذا البرنامج أيضاً بعضَ النصائح حول تجنُّب إصابات النخاع الشوكي.
تشريحُ النخاع الشوكي
النخاعُ الشوكي هو الرابط الرَّئيسي بين الدماغ وبقية الجسم؛ فهو يجمع المعلومات من ذراعينا وساقينا وصدرنا وظهرنا، ويرسلها إلى الدماغ، ممَّا يسمح لنا بأن نشعرَ ونلمس. كما يسمح النخاعُ الشوكي أيضاً للدماغ بإرسال الأوامر والرسائل إلى عضلات الجسم. ونتيجةً لهذه الرسائل، يصبح بمقدورنا التنفُّس والتحرُّك والمشي. ويُطلَق على الأعصاب التي تمرُّ من الحبل الشوكي إلى الذراعين والساقين والصدر والبطن "الأعصابَ المحيطيَّة". يقعُ النُّخاع الشوكي في العمود الفقري، وتحميه الفقرات. الفقراتُ هي بنى عظميَّة صُلبة، تفصل فيما بينها أقراصٌ ليِّنة تسمح للعمود الفقري بالانحناء والالتواء. يتضمَّن جسمُ الإنسان من 24 فقرة متحرِّكة.
- 7 فقرات رقبيَّة، مرقَّمة من الفقرة الرقبيَّة 1 إلى الفقرة الرقبيَّة 7 (من C1 إلى C7) مرتَّبة من الأعلى إلى الأسفل.
- 12 فقرة صدرية، مرقَّمة من الفقرة الصدرية 1 إلى الفقرة الصدرية 12 (من T1 إلى T12).
- 5 فقرات قطنيَّة، مرقَّمة من الفقرة القطنية 1 إلى الفقرة القطنية 5 (من L1 إلى L5).
تُسمَّى الفقرات وفقاً للقسم الخاص بها في العمود الفقري، وتُعطى رقماً محدَّداً تبعاً لترتيبها؛ فعلى سبيل المثال، تحمل الفقرةُ الرقبيَّة الأولى الرقم 1 (أو C1، ويشير حرف C إلى أوَّل كلمة Cervical التي تعني "رقبي"، و 1 إلى موضع الفقرة الأولى في الرقبة؛ بينما يشير حرف T إلى أوَّل كلمة Thoracic التي تعني "صدري"، و L إلى أوَّل كلمة Lumbar التي تعني "قطني"). يتشكَّل عظمُ الذيل أو العجز والعصعص من فقرات ملتصقة ببعضها البعض، ممَّا يعني أنَّها لا تتحرَّك. تربط الأعصابُ المحيطية النخاعَ الشوكي بمختلف أجزاء الجسم؛ فالأعصابُ المحيطية التي تذهب إلى الذراعين موصولة بالعمود الفقري في منطقة الرقبة. كما أنَّ الأعصابَ المحيطة التي تذهب إلى الصدر والبطن موصولةٌ بالعمود الفقري في منطقة الصدر. أمَّا الأعصابُ المحيطة التي تذهب إلى السَّاقين والأعضاء التناسلية فهي موصولة بالعمود الفقري في المنطقة القطنية ومنطقة العجز. يمتدُّ النخاع الشوكي من أسفل الجمجمة إلى أعلى منطقة الفقرات القطنية. ومن الفقرة القطنية الأولى (L1) وما بعد، تذهب جميعُ الأعصاب إلى السَّاقين وإلى الجزء السُّفلي من الجسم. إذا أُصيبت الأعصابُ المحيطية، فإنَّها قد تشفى من تلقاء نفسها وتتجدَّد؛ فعلى سبيل المثال، إذا كان قد قُطع إصبعُ شخص بالصدفة، ومن ثمَّ أُعيدُ وصلُه بعملية جراحية، قد تنمو الأعصابُ مجدَّداً، ويمكن أن يشعرَ الشخص بإصبعه مجدَّداً. ولكن خِلافاً للأعصاب المحيطية، لا يتجدَّد النخاعُ الشوكي عند تعرُّضه للإصابة. وهذا يعني أنَّه إذا تعرَّضت الأعصابُ داخل النخاع الشوكي للإصابة، فإنَّها لا تستطيع أن تصلحَ نفسها وتعاود الاتِّصال. ولهذا السبب، تؤدِّي إصاباتُ النخاع الشوكي إلى شلل دائم عادة.
أسباب إصابات النخاع الشوكي
يمكن أن يُصابَ النُّخاعُ الشوكي عند انضغاطه أو عند انقطاع إمداد الدم إليه. ويمكن لهاتين الحالتين أن تحدثا عندَ كسر فقرة أو أكثر، ممَّا يتسبَّب بضغط على النخاع الشوكي. كما يمكن أن يُصابَ النخاعُ الشوكي أيضاً لدى انزلاق فقرات على بعضها البعض إلى درجة الضغط عليه، وتُسمَّى هذه الحالة "خلعاً جزئياً". تشمل الأسبابُ الأكثر شيوعاً لإصابات النُّخاع الشوكي:
- حوادث السيَّارات.
- العنف.
- السقوط.
- الحوادث الرياضية.
أعراض إصابات النخاع الشوكي
تعتمد أعراضُ إصابة النخاع الشوكي على موقع الإصابة وشدَّتها. وتعني إصابةُ النخاع الشوكي الكاملة أنَّه لا يقوم بوظيفته على الإطلاق تحت المنطقة المتضرِّرة. أمَّا إصابةُ النخاع الشوكي الجزئية فتعني أنَّه يقوم ببعض الوظائف تحت المنطقة المتضرِّرة. كلَّما كانت منطقةُ الإصابة أعلى في النخاع الشوكي، كان تضرُّر الشخص أشدَّ. تسبِّب الإصابةُ الكاملة في منطقة الصدر من العمود الفقري الشللَ التام في الساقين، ولكن يبقى بإمكان الذراعين القيام بوظيفتها. وهذا ما يُعرف باسم الشَّلل النصفي أو السُّفلي. أمَّا الإصابةُ الكاملة بين الفقرة الرقبيَّة الرابعة والفقرة الرقبيَّة السابعة فتسبِّب ضعفاً شديداً في الذراعين وشللاً تاماً في الساقين. وهذا ما يُعرف باسم الشَّلل الرباعي أو شلل الأطراف. تجعل الإصابةُ الكاملة في النخاع الشوكي بين الفقرة الرقبيَّة الأولى والفقرة الرقبيَّة الثالثة المريضَ غيرَ قادر على التنفُّس من تلقاء نفسه أو تحريك الذراعين أو الساقين. ولذلك، يحتاج المريضُ المصاب في الفقرة الرقبيَّة الأولى إلى تنفُّس اصطناعي، ولا يمكنه تحريك الذراعين أو الساقين. ومن ناحيةٍ أخرى، يمكن للمريض المصاب في الفقرات الصدرية أن يتنفَّس من تلقاء نفسه من دون جهاز للتنفُّس الاصطناعي. كما يمكنه أيضاً التحرُّك على كرسي بعجلات، لأنَّ الذراعين لا تتأثَّران. الأعراضُ الأخرى التي تترافق مع إصابات النخاع الشوكي أحياناً هي التالية:
- ألم في مكان الإصابة -- وهذا الألم يتحسَّن مع الوقت.
- تصلُّب في الذراعين أو السَّاقين المتضرِّرين، وهو ما يُعرف عادة "بالتشنُّج".
- تقرُّحات على الجلد بسبب عدم القدرة على التحرُّك.
تشمل الأعراضُ الأخرى لإصابات النخاع الشوكي ما يلي:
- فقدان السيطرة على المثانة أو الأمعاء.
- خلل في الأداء الجنسي.
علاج إصابات النخاع الشوكي
تتضمَّن معالجةُ إصابة النخاع الشوكي ثلاث مراحل عادةً.
- الحد من تدهور الإصابة.
- إعادة تأهيل المريض لكي يتسنَّى له القيام بوظائف الجسم بأفضل ما يمكن.
- التعامل مع المضاعفات المحتملة على المدى الطويل.
الحدُّ من حصول إصابة إضافية
يمكن القيام بشيئين للحدِّ من إلحاق إصابة إضافية بالنخاع الشوكي. الأوَّل، وهو إعادة ترصيف العمود الفقري وشده. وقد يحتاج الأمر إلى إزالة الضغط عن النخاع الشوكي، والذي قد يشمل إجراء عملية جراحية. وثانياً، تناول المريضُ دواء ستيروئيدي في أقرب وقت ممكن بعد الإصابة؛ فقد أظهرت الدراساتُ الأخيرة أنَّ الأدوية الستيروئيدية قد تساعد على تحسين وظائف الجهاز العصبي.
إعادة التأهيل
بمجرَّد أن يستقرَّ العمود الفقري وتصبح حالة المريض مستقرَّة طبياً، يصبح بإمكانه البدء ببرنامج مكثَّف لإعادة التأهيل، ويشمل ذلك المعالجة الفيزيائية والمعالجة المهنية. تهدف المعالجاتُ الفيزيائية والمهنية إلى تقوية العضلات النَّشيطة المتبقِّية، وتعليم المرضى طرقاً جديدة لرعاية أنفسهم. كما قد يحتاج المريض أيضاً إلى تعلم كيفية تفريغ المثانة، وذلك باستخدام قثاطير مطَّاطية خاصَّة. وهذا ما يُسمَّى "قثطرة المثانة". قد يحتاج المرضى أيضاً إلى إعادة تعلم كيفية القيادة في أثناء الخضوع لمعالجات إعادة التأهيل. قد تكون مجموعاتُ الدعم والإرشاد مفيدةً أيضاً للمريض وعائلته للتعامل مع الوضع الجديد.
الرعايةُ على المدى الطويل
مع مرور الوقت، يحتاج المرضى الذين يعانون من إصابات في النخاع الشوكي إلى أن يبقوا منتبهين تحسُّباً لأية مضاعفات طويلة الأمد، مثل قرحات الفراش وعدوى المثانة، أو التصلُّب الشَّديد في المفاصل. كلَّما تمَّت ملاحظة المضاعفات طويلة الأمد في وقت مبكِّر، كان العلاج أسهل وأكثر نجاحاً. من المهمِّ ملاحظةُ أنَّ بعضَ القوانين تحمي الأشخاص المشلولين من التمييز. وتكون معظمُ المباني ووسائل النقل العام في بعض الدُّول مجهَّزةً بوسائل خاصَّة تسهل حركةَ ذوي الاحتياجات الخاصَّة.
الوقاية من إصابات النخاع الشوكي
تعدُّ الوقايةُ من إصابة النخاع الشوكي أسهلَ بكثير من معالجتها. وفيما يلي بعض الأسئلة للتذكير بالأسباب الرئيسيَّة لإصابات النخاع الشوكي ونصائح لتجنُّبها. تشمل بعضُ النصائح ما يلي:
- ارتداء وسائل السلامة المطلوبة.
- عدم ممارسة حركات رياضية تستلزم تحرُّكَ الرأس أولاً، مثل اللعب في مركز رأس الحربة في لعبة كرة القدم أو الانزلاق بحيث يكون الرأسُ إلى الأمام في لعبة البيسبول، أو الغوص في المياه الضحلة.
- تجنُّب طَرق الألواح بالرأس في لعبة هوكي الجليد.
- لابُدَّ من وجود شخصين للمراقبة في أثناء تنفيذ حركات جديدة أو صعبة في ألعاب الجمباز.
- يجب عدمُ القفز من علوٍّ يزيد على 10 إلى 12 قدماً، إذ يمكن أن يؤدِّي ذلك إلى كسر الظهر وإصابة النخاع الشوكي حتَّى إذا نزل الرياضي واقفاً على قدميه.
إذا كان الشخصُ حاضراً عندَ وقوع حادث سيَّارة أو حادث رياضي، لا يجوزُ تحريكُ العمود الفقري للشخص المصاب! ولا محاولة إعادة ترصيفه من شخصٍ واحد، وإنَّما لا يُسمَح للشخص المصاب بأن يتحرَّك فقط.
الخلاصَة
يمكن أن تكونَ إصاباتُ النخاع الشوكي مدمِّرة للغاية. ويصاب أكثر الاف الناس في كلِّ عام بسبب حوادث السير أو السقوط. للأسف، لا يوجد حالياً أيُّ علاج لإصابات النخاع الشوكي. لذلك، فإنَّ تجنُّبَ هذه الإصابات هو الخيار الأفضل! يتضمَّن علاجُ إصابات النخاع الشوكي ثلاث مراحل:
- الحد من إلحاق إصابة إضافية بالعمود الفقري.
- إعادة التأهيل.
- التَّعامل مع المضاعفات طويلة الأمد.
لقد ساعد التقدُّمُ الطبِّي، الذي أُحرز مؤخَّراً، المرضى الذين يعانون من إصابات في النخاع الشوكي على عيش حياة منتجة وفعَّالة!