ذكر أقاليم العالم ومركز القبلة
اعلم أن كل مصنف في هذا الباب جعل الأقاليم أربعة عشر: سبعة ظاهرة
عامرة،: وسبعة خراباً. وسمعت بعض المنجمين يقول الخلق كلهم في المغرب ولا يسكن المشرق أحد من الحر وسمعت غيره يقول من البرد. وقالوا من أقصى المغرب إلى هذه العامرة بأقصى الترك ستمائة فرسخ على سير مستو بلا تعريج. وعلى هذا صنف من ذكرنا كتبهم في هذا الباب، ونحن ننقل منها وعمن لقينا من كبراء المنجمين هذا الباب، لأنه علم يحتاج إليه في سمت القبلة ومعرفة مواضع الأقاليم منها. فإني رأيت خلقا قد اختلفوا في القبلة وحولها وتماروا فيها ولو عرفوا الوجه في ذلك ما اختلفوا فيها ولا غيروا ما وضعه الأوائل.
فأما الأرض فإنها كالكرة، موضوعة جوف الفلك كالمحة جوف البيضة، والنسيم حول الأرض وهو جاذب لها من جميع جوانبها إلى الفلك، وبنية الخلق على الأرض أن النسيم جاذب لما في أيديهم من الخفة، والأرض جاذبة لما في أيديهم من الثقل، لأن الأرض بمنزلة الحجر الذي يجذب الحديد. ومثلوا الفلك بخراط يدير شيئاً مجوفاً وسطه جوزة، فإذا أدار ذلك الشيء وقفت الجوزة وسطه. والأرض مقسومة بنصفين بينهما خط الاستواء، وهو من المشرق إلى المغرب، وهذا طول الأرض، وهو أكبر خط في كرة الأرض. كما أن منطقة البروج أكبر خط في الفلك، عرض الأرض من القطب الجنوبي الذي يدور حوله سهيل إلى الشمال الذي يدور حوله بنات نعش. فاستدارة الأرض موضع خط الاستواء ثلاثمائة وستون درجة، والدرجة خمسة وعشرون فرسخاً، فيكون ذلك تسعة آلاف فرسخ. وبين خط الاستواء وكل واحد من القطبين تسعون درجة، واستدارتها عرضاً مثل ذلك، لأن العمارة في الأرض بعد خط الاستواء أربع وعشرون درجة، ثم الباقي قد غمره البحر. فالخلق على الربع الشمالي من الأرض والربع الجنوبي خراب، والنصف الذي تحتنا لا ساكن فيه، والربعان الظاهران هما الأربعة عشر إقليماً التي ذكرنا.
الإقليم الأول ثمانية وثلاثون ألف فرسخ وخمسمائة فرسخ، وعرضه ألف وتسعمائة وخمسة وتسعون فرسخاً. أوله حيث يكون الظل نصف النهار إذا استوى مع الليل قدماً واحدة ونصفاً وعشراً وسدس عشر قدم، وآخره في هذا الوقت قدمان وثلاثة أخماس. والذي بين طرفيه عرضاً نحو من ثلاثمائة وتسعين ميلاً، والميل أربعة آلاف ذراع، ووقع وسطه قريباً من صنعاء وعدن والاحقاف، ووقع طرفه الذي يلي الشام بتهامة قرب مكة، فدخل فيه من الأمهات: صنعاء وعدن وحضرموت ونجران وجرش وجيشان وصعدة وتبالة وعمان والبحرين وأدنى أرض السودان إلى المغرب وطوائف من بلد الهند والصين مما يلي ساحل البحر، وكل ما في سمت هذه البلدان شرقاً وغرباً فهو داخل في هذا الإقليم.
الإقليم الثاني أوله حيث يكون الظل إذا استوى الليل والنهار كما قلنا عند الظهيرة قدمين وثلاثة أخماس قدم، والذي بين طرفيه ثلاثمائة وخمسون ميلاً قاصداً، ووقع وسطه قرب يثرب، وأقصى جنوبيه وراء مكة، والآخر من قبل الشمال عند الثعلبية فمكة، والثعلبية بين إقليمين، ووقع في هذا الإقليم من المدن: مكة ويثرب والربذة وفيد والثعلبية وأسوان مصر إلى حد النوبة والمنصورة واليمامة وطائفة من بلاد السند والهند، وكل ما كان على خط هذه البلدان شرقاً وغرباً فهو داخل فيه. الإقليم الثالث أوله حيث يكون ظل نصف النهار ثلاثة أقدام ونصفاً وعشراً وسدس عشر قدم، وآخره حيث يكون ظل الاستواء فيه نصف النهار أربعة أقدام ونصفاً وثلث عشر قدم، فيبلغ النهار في وسطه أربع عشرة ساعة، ووقع وسطه بالقرب من مدين شعيب في شق الشام ومن واقصة في شق العراق، وصار عرضه نحواً من ثلاثمائة ميل ونصف قاصداً، فصارت الثعلبية وماكان في سمتها شرقاً وغرباً في طرفه الأقصى الذي يلي الجنوب، وصارت بغداد وفارس وقندهار الهند والاردن وبيروت في حده الادنى الذي يلي الشام، وكذلك كل ما كان في سمت ذلك شرقا وغرباً فواقصة وما كان في سمتها شرقاً وغرباً بين إقليمين ووقع فيه من المدن: الكوفة والبصرة وواسط ومصر والاسكندرية والرملة والاردن ودمشق وعسقلان والأرض المقدسة وقندهار الهند وسواحل كرمان وسجستان والقيروان وكسكر والمداين، وما كان في سمتهن شرقاً وغرباً فهو داخل في الإقليم.
الإقليم الرابع أوله حيث يكون الظل فيه في الوقت الذي ذكرنا أربعة أقدام وثلاثة أخماس وثلث خمس قدم، وعرضه نحواً من مائتين وستين ميلاً ونيفاً قاصداً، ووقع وسطه بالقرب من أقور ومنبج وعرقة وسلمية وقومس من نحو الري، ووقع طرفه الأدنى الذي يلي العراق بالقرب من بغداد وما كان على سمتها شرقاً وغرباً، ووقع طرفه الأقصى الذي يلي الشام بالقرب من قاليقلا وساحل طبرستان إلى أردبيل وجرجان وما كان في هذا السمت، ووقع فيه من المشاهير: نصيبين ودارا والرقة وقنسرين وحلب وحران وسميساط والثغور الشامية والموصل وسامرا وحلوان وشهرزور وماسبذان والدينور ونهاوند وهمذان واصبهان والمراغة وزنجان وقزوين وطوس وبلخ وجميع ما التفت هذه المدن على السمت.
الإقليم الخامس أوله حيث يكون الظل خمسة أقدام وثلاثة أخماس وسدس خمس قدم، والذي بين طرفيه عرضاً نحو مائتين وثلاثين ميلاً قاصداً، ووقع وسطه بالقرب من أرض تفليس من الرحاب ومرو من خراسان وأرض جرجان وكل ما كان في هذا السمت من البلدان شرقاً وغرباً، ووقع طرفه الأقصى الذي يلي الشمال بالقرب من دبيل فيه من البلدان: قاليقلا وطبرستان وملطية ورومية وديلمان وجيلان وعمورية وسرخس ونسا وبيورد وكش والاندلس وما قرب من رومية وانطالية.
الإقليم السادس أوله حيث يكون الظل ستة أقدام وستة أعشار وسدس عشر قدم، يفضل آخره على ظل أوله قدما واحدة فقط، ويكون عرضه نحواً من مائتي ميل ونيف قاصداً، ووقع طرفه الأدنى الذي يلي الجنوب حيث وقع الطرف الأقصى الشمالي الذي يليه من الإقليم الخامس وذلك سمت دبيل شرقاً وغرباً، فأما طرفه الأقصى الشمالي ألذي يلي الشمال فوقع بالقرب من أرض خوارزم وما وراءها وأسبيجاب مما يلي الترك، ووقع وسطه بالقرب من القسطنطينية ومن آمل خراسان ومن فرغانة وما كان في هذا السمت شرقاً وغرباً ووقع فيه: سمرقند وبرذعة وقبلة والخزر والجيل وأطراف الأندلس ألتي تلي الشمال وأطراف الصقالبة ألتي تلي الجنوب.
الإقليم السابع أوله ألذي يكون الظل فيه سبعة أقدام ونصفاً وعشراً وسدس عشر قدم، كما هو في الإقليم السادس لأن آخره الذي هو أول هذا وآخره ألذي يلي الجنوب حيث وقع الطرف الأقصى الشمالي من الإقليم الذي يليه وهو السادس وذلك سمت خوارزم وطراربند شرقاً وغرباً، ووقع طرفه الأقصى ألذي يلي الشمال في أقاصي أرض الصقالبة وأطراف الترك ألتي تلي خوارزم في الشمال، ووقع وسطه في بلاد اللان بلا مدن معروفة.
وقال عبد الله بن عمرو: الدنيا مسيرة خمسمائة سنة، أربعمائة سنة خراب ومائة عمران، موضع المسلمين منها سنة. وعن أبي الجلد قال: الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ، السودان اثنا عشر ألف فرسخ، والروم ثمانية آلاف فرسخ، وفارس ثلاثة آلاف، والعرب ألف فرسخ.
ذكر مملكة الإسلام
اعلم أن مملكة الإسلام حرسها الله تعالى ليست بمستوية فيمكن أن توصف بتربيع أو طول وعرض، وإنما هي متشعبة يعرف ذلك من تأمل مطالع الشمس ومغاربها، ودوخ البلدان وعرف المسالك ومسح الأقاليم بالفراسخ. وسنجتهد في تقريب الوصف وتصويره لذوي العقول والإفهام إن شاء الله تعالى.
الشمس تغرب في حافة بلد المغرب ويرونها تنزل في البحر المحيط، وكذلك أهل الشام يرونها تغيب في بحر الروم. وإقليم مصر يأخذ من البحر الرومي طولا إلى بلد النوبة، ويقع بين بحر القلزم وتخوم المغرب. ويمتد المغرب من تخوم مصر إلى البحر المحيط، مثل الشريطة يضغطه، من قبل الشمال بحر الروم ومن قبل الجنوب بلدان السودان. ويمد إقليم الشام من تخوم مصر نحو الشمال إلى بلد الروم، فيقع بين بحر الروم وبادية العرب. ويتصل البادية وبعض الشام بجزيرة العرب، ويدور على الجزيرة بحر الصين إلى عبادان من أرض مصر. ويتصل أرض العراق بالبادية وبعض الجزيرة. ويتصل بتخوم العراق الشمالية إقليم أقور فيمتد إلى بلد الروم وقد تقوس عليه الفرات من نحو الغرب، ووقع خلف الفرات بقية البادية وطرف من الشام، فهذه أقاليم العرب.
ووقعت خوزستان والجبال على تخوم العراق الشرقية وطائفة من الجبال، وإقليم الرحاب على تخوم أقور الشرقية. ووقعت فارس وكرمان والسند خلف خوزستان على صف واحد، البحر جنوبيها والمفازة وخراسان شماليها. وتاخمت السند وخراسان من قبل الشرق بلدان الكفر، وتاخمت الرحاب بلد الروم من قبل الغرب والشمال. ووقع إقليم الديلم بين الرحاب والجبال والمفازة وخراسان. فهذه مملكة الاسلام فتدبرها وفيها تفتل وتعرج لمن شقها من شرقها إلى غربها. ألا ترى إنك إذا أخذت من البحر المحيط إلى مصر كنت على الاستواء ثم تميل يسيراً إلى العراق ثم تنفتل في أقاليم الاعاجم وخراسان مائلة إلى جهة الشمال، أولا ترى أن الشمس تطلع عن يمين بخارا من نحو أسبيجاب.
وأما مساحتها على الوصف الذي شرحناه فإنك تأخذ من البحر المحيط إلى القيروان مائة وعشرين مرحلة، ثم إلى النيل ستين مرحلة، ثم إلى دجلة خمسين مرحلة، ثم إلى جيحون ستين مرحلة، ثم إلى تونكت خمسة عشر يوماً، ثم إلى طراز خمسة عشر يوماً، وإن عطفت إلى فرغانة فمن جيحون إلى أوزكند ثلاثين مرحلة، وإن عطفت إلى كاشخر فأربعين مرحلة. ووجه آخر تأخذ من سواحل اليمن إلى البصرة خمسين يوماً، ثم إلى أصفهان مائة فرسخ وثمانية وثلاثين، ثم إلى نيسابور ثلاثين مرحلة، ثم إلى جيحون عشرين مرحلة، ثم إلى طراز ثلاثين مرحلة، وهذا على الاستواء، ويسقط إقليم مصر والمغرب والشام.
وأما العرض فمختلف جداً لأن إقليم المغرب قليل العرض وكذلك مصر، ثم إذا حاذيت الشام إتسعت المملكة، تم لا تزال تتسع حتى تصير وراء جيحون إلى بلد السند نحو ثلاثة أشهر وأما أبو زيد فجعل العرض من ملطية، مادأ على الجزيرة والعراق وفارس وكرمان إلى أرض المنصورة، ولم يذكر المراحل إلا أنها تكون نحو أربعة أشهر غير عشرة أيام، والذي ذكرنا أبين واتقن فمن أقصى المشرق بكاشخر إلى السوس الأقصى نحو عشرة أشهر.
قدر للخليفة سنة 232 ما يرتفع من الخراج والصدقات، سوى الحمايات والجبايات من جميع المملكة، فبلغ ألفي ألف وثلاثمائة ألف وعشرين ألفاً ومائتين وأربعة وستين ديناراً ونصفاً. قال وحسب خراج الروم للمعتصم فبلغ خمسمائه قنطار وكذا قنطاراً، فإذا به أقل من ثلاثة آلاف ألف دينار، فكتب إلى ملك الروم: إن أخس ناحية عليها أخس عبيدي، خراجها أكثر من خراج أرضك.
وطول المملكة على ما قدمنا ألفان وستمائة فرسخ، كل مائة فرسخ ألف ألف ومائتا ألف ذراع. فالفرسخ اثنا عشر ألف ذراع، والذراع أربعة وعشرون أصبعا. والاصبع ست حبات شعير مصفوفة بطون بعضها إلى بعض. والميل ثلت الفرسخ. وفي البريد خلاف بالبادية. والعراق اثنا عشر ميلاً، وبالشام وخراسان ستة، ألا ترى كيف بني بخراسان على كل فرسخين رباط، ورتب فيه أصحاب البريد، فبهذا نأخذ.