قانون العقوبات / المرحلة الثانية / قانون / الكورس الثاني
مفهوم الجريمة
في القانون :
تطبيقا لمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات ، يضع لكل جريمة نصا خاصا في القانون يحدد أركانها ويعين عقابها ، بل أن محاولة وضع تعريف عام للجريمة ي القانون لا تخلو من ضرر لأن هذا التعريف مهما بذل في صياغته من جهد لن يأتي جامعا لكل معاني الجريمة المطلوبة وإن جاء كذلك في زمن فقد لا يستمر في أخر ومن هذهِ القوانيين العراقي والمصري والايطالي والسوري واللبناني والكويتي والليبي والأردني والسوداني، في حين ذهبت قوانيين عقوبات أخرى باتجاه احتوائها على تعريف عام كقانون العقوبات الأسباني والبولوني والسويسري والسوفيتي .
في الفقه :
ففي ظل المذهب الفردي يغلب الجانب الشكلي على مفهوم الجريمة ، وتعريفها ( يكفي لاعتبار السلوك الإنساني جريمة تخصص نص جنائي لهُ ، الأمر الذي يجعل مفهوم الجريمة يرتبط بالقانون نفسه بمقدار ما يتعلق الأمر بتحديد النموذج ألجرمي للسلوك الإنساني الذي يقرهُ المشرّع ) أما في ظل المذهب الاشتراكي ( الجانب المادي هو المعول عليه في تعريف الجريمة ، فالجريمة ظاهرة اجتماعية تظهر في المجتمع عند بلوغه مرحلة معينة التطور وتزول بانعدام الظروف المادية التي أدت إلى وجودها ) والتعريف الذي نراه جامعا لهذهِ الأركان ويتفق مع روح قانون العقوبات العراقي الحالي ، هو : ( كل سلوك خارجي ايجابيا كان أم سلبيا حرمهُ القانون وقرر لهُ عقابا إذا صدر عن إنسان مسؤول ) .
أركان الجريمة
من أجل اعتبار السلوك الإنساني جريمة بمعناها القانوني الجزائي بجب توافر شروط وعناصر معينة ، فإن الجريمة كفكرة قانونية إنما تقوم على ثلاثة أركان هي :
1- الركن المادي 2- الركن الشرعي 3- الركن المعنوي
الركن المادي للجريمة :
الواقعة الإجرامية ، وهي (السلوك المادي الخارجي الذي ينص القانون على تجريمه) وفي ذلك نصت المادة ( من ق ع ع معرفةً الركن المادي للجريمة بأنهُ ( سلوك إجرامي بارتكاب فعل جرمه القانون أو الامتناع عن فعل أمر به القانون ) ، وللركن المادي ثلاث عناصر:
1- السلوك الإجرامي 2- النتيجة الضارة 3- السببية بين السلوك والجريمة
22
1- السلوك الإجرامي : (يراد به النشاط المادي الخارجي المكون للجريمة) فلا جريمة من دونه ، لأن القانون لايعاقب على مجرد النوايا والرغبات والشهوات ويختلف هذا النشاط في جريمة عنها في أخرى .
2- النتيجة الضارة : ( التغير الذي يحدث في العالم الخارجي كأثر للسلوك الإجرامي ) أن للنتيجة الضارة مدلولين أحدهما مادي ، وهو (التعبير الناتج عن السلوك الإجرامي في العالم الخارجي) والأخر قانوني وهو ( العدوان الذي ينال مصلحة أو حقا يحميه القانون) ففي جريمة القتل تكون النتيجة ؛ الوفاة ، أما في جريمة السرقة تكون النتيجة انتقال المال إلى حيازة الجاني .
3- العلاقة السببية : ( الصلة التي تربط مابين السلوك الإجرامي والنتيجة الجرمية كرابطة العلة والمعلول) بحيث تثبت أن السلوك الإجرامي الواقع هو الذي أدى إلى حدوث التيجة الضارة.
س : ما هو معيار تحقيق العلاقة السببية ؟
ج : أهمية وضع معيار لمعرفة تحقيق علاقة السببية عندما تساهم مع سلوك الجاني في أحداث النتيجة الجرمية عوامل أخرى ، إذا كان تدخل هذهِ العوامل بنفي علاقة السببية أو يتركها قائمة .، هناك أمثله كثيرة نتطرق إلى بعضها ؛ لو أطلق شخص عيارا ناريا على أخر فأصابه بجروح خطيرة ثم مات المجني عليه لأن الطبيب أرتكب خطأ فاحشا أو قصر في العناية بجروحه أو عهد إلى شخص أخر بالعلاج لا اختصاص لهُ بالطب أو أصيب بعدوى أو أن المستشفى الذي نقل إليه أحترق فهلك المريض بأثر الحريق ، وفي الإجابة على تلك الاحتمالات ظهرت نظريات أهمها :
1- نظرية تعادل الأسباب : المساواة بين جميع العوامل التي ساهمت في أحداث النتيجة الجرمية ، بمعنى قيام السببية بين كل منهما وبين النتيجة ، بأن العلاقة السببية تقوم بين السلوك الإجرامي والنتيجة الجرمية أذا ثبت أن هذا السلوك كان عاملا ساهم في أحداثه .
2- نظرية السبب الملائم ( الكافي) : أن العلاقة السببية لايمكن أن تعد متوافرة بين السلوك الإجرامي والنتيجة الجرمية الإ إذا ثبت مقدار مساهمة السلوك الإجرامي في إحداث النتيجة ، وهذا يقتضي أن تحدد :
آ- أثر السلوك الإجرامي
ب- نميز بين العوامل التي ساهمت في إحداث النتيجة .
علاقة السببية في القانون العراقي : في المادة (49) من ق ع ع ، نصت في فقريتها:
( لا يسأل شخص عن جريمة لم تكن نتيجة لسلوكه الإجرامي ولكنه يسأل عن الجريمة ولو كان قد ساهم مع سلوكه الإجرامي في إحداثها سبب أخر أو معاصر أو لاحق ولو كان يجهله)
23
( إما إذا كان ذلك السبب وحده كافيا لإحداث نتيجة الجريمة ، فلا يسأل الفاعل في هذهِ الحالة إلا عن الفعل الذي أرتكبه)
موقف المشرّع العراقي:
أعتمد معيار نظرية تعادل الأسباب مع بعض التضييق من نطاقها ، ذلك بأن قيد انتفاء علاقة السببية بين السلوك الإجرامي والنتيجة الجرمية بشرط كفاية السبب الطارئ وحده لإحداث النتيجة الجرمية دون أن يضيف ذلك شرط استقلال السبب الذي تضيفه نظرية تعادل الأسباب إلى شرط الكفاية .
الركن النفسي للجريمة
الركن المادي للجريمة عناصره مادية يعني جسدها الظاهر للعيان ، فأنه يضم الركن المعنوي عناصرها النفسية ، أن الجريمة ليست كيانا ماديا خالصا قوامه الفعل والإثارة وهو ما أصطلح على تسميته الركن النفسي أو المعنوي أو الشخصي للجريمة .
القوة النفسية : من شأنها الخلق والسيطرة وهذهِ القوة هي ؛ (الإرادة) ولا إرادة لمن لا اختيار لهُ أي لمن لا حرية لهُ في الاختيار أو يسميها البعض (إرادة إثميه) ، ويشترط لتحقيق الركن النفسي تحقيق الإرادة أي حرية الاختيار و ( هي العنصر اللازم لتوافر الركن النفسي للجريمة).
الإدراك: (الإهلية) هو عنصر لازم لتحقيق المسؤولية الجزائية (العقابية) حيث هو في الواقع حاله أو حق يوجد في الفاعل متى أتضح أن ملكاته الذهنية كانت طبيعية وقت ارتكاب الجريمة
الإرادة الآثمة : (في الجرائم العمدية بالقصد الجنائي ) أن يكون الجاني قد أرادَ العمل المادي المكون للجريمة ( السلوك الإجرامي) الذي أتاه ، كما ورد في المادة (33) الفقرة الأولى من ق ع ع .
الركن الشرعي للجريمة
وصف أو تكييف يضيفه القانون على السلوك ، وبهذا يتميز الركن الشرعي عن كل من الركن المادي والنفسي ، وعناصر الركن الشرعي ، هي :
1- انطباق السلوك على قاعدة قانونية جزائية إيجابية أي على نص تجريم .
2- عدم توافر سبب من أسباب الأباحة بالنسبة لهذا السلوك أي عدم انطباق قاعدة مبيحه لهُ .
24
صور ارتكاب الجريمة
الشروع في الجريمة : لاتقع الجريمة عادة دفعة واحدة بل قد تمر قبل أن تتم بمراحل وأدوار معينة ، فالجاني قبل أن يرتكب الجريمة ويتمها لابد من أن يفكر فيها ثم بعد أن تختمر الفكرة لديه يصمم على ارتكابها ، وعند ذلك يعد بأعداد العدة والتحضير لها ، فيشتري السم أو السلاح إذا أراد القتل أو الحبل والسلم إذا أراد السرقة .
مراحل الجريمة السابقة للشروع :
1- مرحلة التفكير والتصميم : التعبير عن أولى الخطوات في نشاط الجاني نحو الجريمة ، وهي مرحلة تتميز بأنها داخلية لا تظهر في الحيز الخارجي ، أن جميع قوانيين العقوبات الحديثة على عدم اعتبار هذهِ المرحلة داخله في الشروع وبالتالي لا عقاب عليها ، أن في هذا الأمر دفع للحرج على القضاة لأن أثبات النيات عسير ، تنص المادة (30) من ق ع ع ( ....ولا يعد شروعا مجرد العزم على ارتكاب الجريمة ) ، والاتفاق الجنائي والتهديد كل منهما جريمة يعاقب عليهما القانون لأنهما سلوك خارجي وهو الركن المادي للجريمة الواقعة .
2- مرحلة التحضير :الخطوات التي تتلو مرحلة التفكير والتصميم نحو ارتكاب الجريمة ، وهي خطوات تظهر في الحيز الخارجي بأعمال مادية ملموسة يقال لها ( الأعمال التحضيرية) كشراء سلاح للقتل أو السلم للسرقة وبالتالي لا عقاب عليها حيث نصت المادة (30) من ق ع (لا يعد شروعا .....ولا الأعمال التحضيرية لذلك ما لم ينص القانون على خلاف ذلك) .
أركان الشروع
مرحلة التنفيذ : أن مرحلة التنفيذ هي المرحلة الثالثة من مراحل ارتكاب الجريمة ، والتي تتلو مرحلة التحضير ، وتتكون أيضا من أعمال مادية خارجية ، وبهذا تتشابه مع مرحلة التحضير غير أنها تتميز عنها بأن أعمالها لا تمت إلى التحضيرية للجريمة بأية صله بل هي تدخل في عداد الأعمال التنفيذية للجريمة ، أما أركان الشروع ، فهي :
آ- الركن الأول : البدء بالتنفيذ الجريمة وهو الركن المادي الخارجي.
ب- الركن الثاني : قصد ارتكاب جناية أو جنحة وهو الركن المعنوي الداخلي.
ج- الركن الثالث : عدم تمام الجريمة لسبب خارج عن إرادة الجاني .
البدء بالتنفيذ: بأنهُ الفعل الذي ينشيء الخطر على الحق الذي يحميه بعقابه على جريمة معينه أو يكتشف عن وجود هذا الخطر ، ولم يتفقوا رجال الفقه بل ذهبوا إلى تفسير وفق مذهبين ، هما:
25
1- المذهب الموضوعي : ويرى أنصار هذا المذهب ؛ أن العامل المهم في الجريمة هو السلوك الإجرامي الذي يرتكب وما يترتب عليه من ضرر أو ما يمثله من خطر ، فهم يعتدون بالسلوك ذاته ، وعلى هذا فإن هذا بدء التنفيذ في القتل لا يتحقق الإ بمباشرة سلوك يؤدي إلى إزهاق لروح المجني عليه كطعنه بسكين أو أطلاق النار عليه أو السارق الإ إذا بدأ في إتيان فعل الاختلاس بأن يضع يده على المال المراد سرقته .
2- المذهب الشخصي : أن العقاب على الشروع لا يقصد به مقابلة السلوك الإجرامي الذي قام به الجاني ، لأن هذا السلوك لا يحقق نتيجة ، وإنما الغرض من العقاب هو مواجهة خطورة الجاني التي كشف عنها سلكه فقيمة السلوك عندهم أنهُ مجرد قرينة على هذهِ الخطورة وأي سلوك يكشف عنها يعتبر بدءا بالتنفيذ وعلى هذا الأساس فإن أصحاب هذا المذهب يرون أن البدء بالتنفيذ وبالتالي الشروع ،وهو السلوك الذي يؤدي حالا ومباشرة إلى الجريمة ، ولقد أستقر قضاء محكمة التميز الفرنسية وكذلك محكمة النقض المصرية.
موقف المشرّع العراقي : يبدو من استعراض المادة (30) من ق ع ع ، لم بقصد التضييق في معنى البدء بالتنفيذ ودليلنا على ذلك قوله ، وهو يعرّف الشروع بأنه ( البدء في التنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة .......) والتالي فهو لا يشترط لتحقيق الشروع ، وفقا لهذا النص ، أن يبدأ الفاعل بتنفيذ جزء من الأفعال المكونة للركن المادي للجريمة إلا قال بأن الشروع هو البدء في تنفيذ جناية أو جنحة .
أما القضاء العراقي ؛ تبنت المحاكم الكبرى في العراق المذهب المادي بل أصدرت أحيان أحكاما أخذت فيها بمذهب هو أضيق حتى من المذهب المادي ، غير أن هذهِ الإحكام لحسن الحظ نقضت من قبل محكمة التمييز .
أما محكمة التمييز ؛ قديما تتأرجح بين المذهبين المادي والشخصي ، والآن لا تميل نحو الأخذ بالمذهب الشخصي .
الركن المادي
(قصد ارتكاب جناية أو جنحة ) وهو انصراف إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة التي كان احتمال وقوعها بسلوكه قويا ، غير أنها لم تقع ، وأن تكون تلك الجريمة أما جناية أو جنحة وأشارت إلى ذلك المادة (30) من ق ع ع والواقع أن هذا الركن إنما يكون من شقين ، هما :
1- أن يكون لدى الجاني عند ارتكابه الأفعال المكونة للبدء بالتنفيذ قصدَ ارتكاب جريمة .
2- أن تكون هذهِ الجريمة أما جناية أو جنحة .
26
أما الشق الأول :وجوب تحقيق قصد ارتكاب جريمة معينة لدى الجاني عند بدئهِ بالأفعال المكونة للبدء بالتنفيذ فإذا أنعدم هذا القصد أنعدم الشروع في الجريمة فإذا أحدث شخص جروحا بأخر عند ذلك بشروع في قتله فيما إذا كان الفاعل قد تعمد بفعله موت المجني عليه ، فإن لم يكن يقصد من ذلك موت المجني عليه ، انتفى الشروع وعدَ فعله جريمة جرح عمدا أو جرح خطأ حسب الظروف .
أما الشق الثاني : أن الشروع يقتصر على الجنايات والجنح من الجرائم وأن لا شروع في المخالفات ، ذلك لتفاهتها وعدم دلالتها على خطورة مرتكبيها .
وقف التنفيذ أو خيبة أثره:عدم إتمام الجريمة على النحو الذي قصد إليه الجاني ويجب أن يكون ذلك ، أي عدم تمام الجريمة لأسباب خارجه عن إرادة الجاني وعدم تمام الجريمة ، يكون بأحد أمرين ؛ أما أن يوقف تنفيذ السلوك الذي هدف به الجاني تحقيق الجريمة ، كأن يمسك أحدهم بيد الجاني أثناء محاولته طعن المجني عليه بسكين ، أو أن يضبط اللص أثناء دخوله المنزل للسرقة منهُ وتسمى هذهِ الحالة ( الشروع الناقص) وفيها لا يتم الجاني الأفعال اللازمة لوقوع الجريمة لسبب خارج عن أرادته ، ولا تفرق المادة (30) من ق ع ع في الحكم بين الصورتين ، إذ يعد الجاني شارعاً في الجريمة ، متى كان وقف التنفيذ أو خيبة الأثر تعود لأسباب لا دخل لإرادة الجاني فيها .
العدول الاختياري :قد يكون سبب عدم إتمام الجريمة ، هو إرادة الجاني ورغبته كأن يمتنع عن أطلاق الرصاص رأفة بالمجني عليه وفي هذهِ الحالة ، تسمى (حالة العدول الاختياري) لا وجود للشروع لعدم تحقيق شرط عدم تدخل إرادة الجاني في تمام الجريمة ويراد بالعدول الاختياري هو ؛ أن يختار الجاني نفسه وبمحض إرادته أن لا تتم الجريمة بعد أن بدأ بتنفيذها
عقاب الشروع :
نصت المادة (31) من ق ع ع بأنه يعاقب على الشروع في الجنايات والجنح بالعقوبات التالية ، ما لم يكن ينص القانون خلاف ذلك .
آ- السجن المؤبد : إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة الإعدام .
ب- السجن مدة تزيد على خمسة عشر سنة : إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة السجن المؤبد .
ج- السجن مدة لا تزيد على نصف الحد الأقصى للعقوبة : إذا كانت العقوبة السجن المؤقت ، فإذا كانت نصف الحد الأقصى للعقوبة خمس سنوات أو أقل فتكون العقوبة عندئذ الحبس لمدة لا تزيد على نصف مدة الحد الأقصى للعقوبة المقررة للجريمة .
د – الحبس أو الغرامة التي لا تزيد على نصف الحد الأقصى لعقوبة الحبس أو الغرامة ، إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة الحبس أو الغرامة .
27
كما نصت المادة (33) بأنهُ : ( تسري على الشروع الإحكام الخاصة بالعقوبات التبعية والتكميلية والتدابير الاحترازية المقررة للجريمة التامة ) مما يعني أن القانون العراقي يعاقب على الشروع في الجريمة ، إذا كانت جناية أو جنحة بما لا يزيد على نصف الحد الأقصى للعقوبة المقررة لنفس الجريمة فيما إذا ارتكبت تامة مضافا إليها ما هو مخصص للجريمة التامة نفسها من عقوبات تبعية وتكميلية وتدابير احترازية .
الجريمة المستحيلة : هي الجريمة التي لا يمكن أن تتحقق مهما بذل الفاعل من جهد في سبيلها ، كما لو أطلق شخص الرصاص على أخر بقصد قتله فظهر أن المجني عليه قد فارق الحياة قبل أطلاق الرصاص عليه أو ضغط على الزناد غير أن المسدس لم ينطلق ، أو سرق شخص حاجة وظهر أنها مملوكة لهُ ، والجريمة المستحيلة صورة من صور الشروع ( الجريمة الخائبة) .
عقاب الجريمة المستحيلة :أختلف الكُتّاب في العقاب على الجريمة المستحيلة مما أدى إلى ظهور مذاهب متعددة في ذلك ؛
المذهب الأول : (أن لا عقاب على الجريمة المستحيلة البته) وقال به أصحاب المذهب المادي ( الموضوعي ) في تحديد البدء في التنفيذ في الشروع وهو أقدم الآراء في الموضوع حيث كان سائد في القرن التاسع عشر .
المذهب الثاني : تلافيا لما أصاب مذهبهم من نقد المذهب المادي ، قالوا؛ بوجوب التميز في ذلك من الاستحالة هما : الاستعانة المطلقة ( لا عقاب عليها) والاستحالة النسبية ( يعاقب بعقوبة الشروع في الجريمة) .
المذهب الثالث : قال بهذا المذهب مجموعة من الفقهاء المحدثين وعلى رأسهم العلامة ( جارو) ومضمونه ؛ التمييز من نوعين من الاستحالة هما : الاستحالة القانونية والاستحالة المادية الأول لا عقاب عليه والثاني يعاقب عليه بعقوبة الشروع ، وتتحقق حالة الجريمة المستحيلة استحالة قانونية فيما إذا انتفى ركن من أركان الجريمة إلى جانب النتيجة كحالة منْ يطلق الرصاص على ميت بقصد قتله وهو لا يعلم بوفاته أو سرقة مالا يظهر أنهُ مملوكا له ، أما الجريمة المستحيلة استحالة مادية فتتحقق عندما تتوافر كافة أركان الجريمة وعناصرها المكونة عدا النتيجة التي يحول دون تحقيقها ظرف مادي عرضي .
المذهب الرابع : وقال به أنصار المذهب الشخصي الذين يرون أن الحكمة من العقاب على الشروع هي مواجهة الخطورة الإجرامية التي يكشف عنها سلوك الجاني ، فمادام سلوك الجاني يكشف بوضوح عن إرادته لارتكاب الجريمة ، فهو يستحق العقاب سواء كانت النتيجة ممكنة أو مستحيلة وآيا كانت درجة استحالتها ، لذلك قالوا ؛ بالعقاب مطلقا على الجريمة المستحيلة الإ إذا دلت الحالات على سذاجة الفاعل .
28
موقف المشرّع العراقي : نص ق ع ع في المادة (30) منهُ : (ويعتبر شروعا في ارتكاب الجريمة كل فعل صدر بقصد ارتكاب جناية أو جنحة مستحيلة التنفيذ أما لسبب يتعلق بموضوع الجريمة أو بالوسيلة التي استفحلت في ارتكاب في ارتكابها ما لم يكن اعتقاد الفاعل صلاحية عمله لإحداث النتيجة مبنيا على وهم أو جهل مطبق .....).
س: ماهي الجريمة الوهمية ؟
ج/ الجريمة التي لا وجود لها الإ في ذهن الجاني وتصوره ومخيلته خطا ، كحالة الأعمى الذي يغتصب امرأة ظاناً أنها أجنبية ، فإذا هي زوجته وحالة منْ يحاول قتل أخر بالسحر والقراءة الغيبية وحالة منْ يسرق مالا يظهر أنهُ مملوكا لهُ .
المساهمة في الجريمة : هو أن يتعاون أكثر من شخص في ارتكاب جريمة واحدة ، وبالتالي فهي حالة تعدد الجناة الذين يرتكبون نفس الجريمة ، مما يعني أنهُ لتحقيق هذهِ الصورة من صور ارتكاب الجريمة لابد من أن يتحقق أمران هما :
1- تعدد الجناة مرتكبي الجريمة 2- وحدة الجريمة
تعدد الجناة مرتكبي الجريمة :يتعاون عدة أشخاص على ارتكابها بأن يقوم كل منهم بدور المساهمة فيها وفي هذهِ الحالة قد تكون أدوارهم متماثلة في الأهمية وقد تكون مختلفة كما لو حمل أحد السراق بعض المال المسروق وإخراجه من المنزل وحمل زميل لهُ البعض الأخر منهُ ووقف ثالث في باب الدار ليراقب الطريق .
وحدة الجريمة المرتكبة : لا يكفي لتحقيق المساهمة في الجريمة تعدد الجناة بل لابد لذلك أيضا أن تكون الجريمة المرتكبة نتيجة هذا التعاون بين الجناة هي جريمة واحدة ومعيار وحدة الجريمة فهو وحدة الركن المادي ووحدة الركن المعنوي ، ويعد الركن المادي للجريمة واحداً ، إذا كانت النتيجة الجريمة التي حققها الجناة واحدة سواء كان بفعل مادي واحد أو أفعال مادية متعددة.
الاتجاهات الفقهية في المساهمة الجنائية :تعدد الجناة الذين يرتكبون الجريمة الواحدة ، وإذا كان سلوك كل مساهم لازم لتحقيق النتيجة الجرمية بالصورة التي تحدث بها فإن دور بعض المساهمين قد يكون أكثر أهمية من دور البعض الأخر ، ويمكن رد الاتجاهات المختلفة إلى نظامين ، هما :
1- نظام وحدة الجريمة في المساهمة الجنائية .
2- نظام تعدد الجرائم في المساهمة الجنائية .
29
نظام وحدة الجريمة : أن الجريمة التي يرتكبها الفاعلون الأصليون ويساعدهم فيها الشركاء هي جريمة واحدة وتأتي مسؤولية الشركاء من استعارتهم فيها الجريمة من الفاعلين الأصليين استعارة مطلقة لأن أفعالهم التي يقومون بها في الأصل غير معاقب عليها (مباحة) ولكنها أصبحت معاقب عليها لعلاقتها بارتكاب الجريمة أي بأفعال الفاعلين الأصليين ، ومدلول هذا أن هؤلاء ، إذا لم يرتكبون الجريمة فإن الشركاء لا يعاقبون ، فجريمة الشركاء أذن ، تأتي من ارتكاب الفاعلين الجريمة ، فإذا أعار شخص سكينا لأخر ليقتل بها فهو شريك إذا قتل المستعير .
نظام تعدد الجرائم : أن صاحب هذهِ النظرية الأول هو الفقيه الأسكندونافي GETZ ثم أيدها جماعة المدرسة الوضعية لتحل محل نظرية الاستعارة مار الذكر تلك النظرية التي تقوم ، حسب قولهم على الغرض والزعم ، وتقوم هذهِ النظرية على فكرة تجزئة الجريمة إلى أدوار متعددة وكل دور يصبح جريمة قتل بذاتها ، وبذلك يسأل كل مساهم فيها على فعله فقط دون أن تؤخذ أفعال الآخرين بعين الاعتبار ، أن كل مساهم يؤخذ بظروفه التي أحاطت فعل مساهمته دون أن يتأثر بظروف الآخرين من المساهمين وبالرغم من ذياع شهرة هذا المذهب يؤخذ عليه أنهُ ينسى وحدة المشرّع في الجريمة الواحدة فيقسمها إلى جرائم متعددة كما أنهُ يقضي على فكرة الخطورة المتأتية من المساهمة في الجريمة الواحدة .
موقف القانون العراقي :تكلم ق ع ع عن المساهمة الجنائية في الفصل الخامس من الباب الثالث من الكتاب الأول من المواد (47) إلى المادة (54) حيث حدد في المادة (47) الفاعل وفي المادة (48) الشريك وبيّنَ في المادة (50) عقوبة الفاعل وجعلها هي نفسها عقوبة الشريك ،كل هذا يدل على أن قانون العقوبات العراقي إنما أخذ بنظام وحدة الجريمة وأقر مذهب الاستعارة المطلقة حيث عاقب الشريك بالعقوبة المقررة قانونا للجريمة التي ساهم فيها (عقوبة الفاعل الأصلي) ومع ذلك فقد أخذ بضرورة التمييز بين الفاعل والشريك ورتب على هذا احكاما خاصة ( المادة 50) كما ترك للقاضي حق تقرير العقوبة بالنسبة للفاعل والشريك ولم يطبق الظروف الشخصية المشددة للعقوبة الخاصة بالفاعل على الشريك الا إذا كان عالما بها وهذهِ من أسس مذهب الاستعارة النسبية ، أي أنه أختط لهُ طريقا وسطا بين مذهب الاستعارة المطلقة ومذهب الاستعارة النسبية بل أقرب إلى الثانية من الأولى .
صور المساهمة في الجريمة
1- المساهمة الأصلية في الجريمة : ويسمي كل من ساهم بارتكاب الجريمة بهذه الصورة (الفاعل) في الجريمة ويسمى عمله ب ( الفعل الأصلي) في الجريمة وتتحقق بقيام المساهم بدور أساس في الجريمة .
2- المساهمة التبعية في الجريمة : ويسمي كل من ساهم بارتكاب الجريمة بهذهِ الصورة ( الشريك) في الجريمة ويسمى عمله بالاشتراك في الجريمة وتتحقق بقيام المساهم بدور غير أساسي (ثانوي) في الجريمة .
30
التمييز بين المساهمة الأصلية والمساهمة التبعية في الجريمة
أن هذهِ المسألة محل خلاف في الفقه ، حيث تنازعتا نظريتان ، هما :
1- النظرية الشخصية : ومعيارها في التمييز بين المساهمة الأصلية والمساهمة التبعية يكمن في الركن المعنوي للجريمة ، إذ تميز المساهم الأصلي عن المساهم التبعي بأنه من توافرت لديه نية من نوع خاص ، أما نوع عمل المساهم فهي لا تهتم به مطلقا وبالتالي لا ترى فيه مؤثرا في التميز موضوع البحث ، وتعتمد النظرية في تميزها على اعتبارات شخصية مردها إلى إرادة من أقترف الفعل الذي ساهم به في ارتكاب الجريمة ، فالمساهم الأصلي في نظرها من تتوافر لديه نية الفاعل الأصلي . أما المساهم التبعي فهو من تتوافر لديه نية الشريك الاول من ينظر إلى الجريمة باعتبارها مشروعة الإجرامي هو سيده ويعتبر غيره من زملائه مجرد أتباع له بالجريمة يعملون لحسابه والثاني ؛ هو من ينظر إليها باعتبارها مشروع غيره ، أما هو فمجرد معضد لصاحب المشروع وعامل لحسابه .
2- النظرية الموضوعية :ومعيارها في التمييز بين المساهمة الأصلية والمساهمة التبعية يكمن في الركن المادي للجريمة أي في نوع السلوك الذي يرتكبه المتهم ومقدار خطواته على الحق الذي يحميه القانون ،حيث تجعل هذا المعيار هو مقدار مساهمة الفعل من ناحية مادية في إحداث النتيجة الإجرامية فالفعل الأكثر خطورة على الحق والأقوى مساهمة في إحداث النتيجة يجعل مقترفه مساهما أصليا في الجريمة ، أما الفعل الأقل خطورة والأضعف مساهمة فلا تعود مقترفه أن يكن غير مساهم تبعي .
أهمية التمييز :في قانون العقوبات العراقي ، ساوى العقاب في وجوه ، أهمها :
1- من حيث العقاب : تقرر كثير من قوانيين العقوبات للمساهم التبعي في الجريمة نفس عقوبة الجريمة التي ساهم فيها ، وبذلك تساوي بينه وبين المساهم الأصلي في العقاب .
2- من حيث أعتبار تعدد الجناة ظرفا مشددا : تقرر كثير من قوانيين العقوبات اعتبار تعدد الجناة مرتكبي الجريمة في بعض الجرائم ظرفا مشددا للجريمة يستوجب تشديد عقوبتها ، كما هو الحال في جريمة السرقة في القانون العراقي .
3- من حيث توافر أركان بعض الجرائم : هناك بعض الجرائم لا يتصور ارتكابها الا من قبل شخص ذي صفة معينة وتصبح هذه الصفة عندئذ ركنا من أركان الجريمة ، كجريمة الرشوة حيث لا يرتكبها الا موظف وجريمة الزنا لا يرتكبها الا زوج .
4- من حيث تأشير الظروف : أن بعض قوانيين العقوبات وإن كانت تقضي في الأصل بمعاقبة المساهم التبعي بعقوبة المساهم الأصلي الا أنها أحيانا لم تجعل الظروف التي تتوافر لدى المساهم التبعي حيث تفرد ولكل منهما إحكاما تختلف عن الإحكام التي يخضع لها الأخر .
31