القانون الدولي العام
الجزء الأول
الجزء الأول
الباب الأول : في المبادئ والأصول
الفصل الأول : في التعريف بالقانون الدولي العام
.
البحث الأول : الخلاف حول تعريف القانون الدولي العام
لا يزال تعريف القانون الدولي العام يعد من الأمور غير المتفق عليها ،وقد برزت ثلاثة اتجاهات فقهية تعرف القانون الدولي العام من خلال أشخاصه وهي كالأتي :
أولا : المذهب التقليدي : يذهب هذا المذهب إلى الدولة هي شخص القانون الدولي الوحيد
وعلى هذا يعرف القانون الدولي العام بأنه عبارة عن مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العلاقات
بين الدول أي انه القانون الذي يعني بحقوق وواجبات الدول
ثانيا : المذهب الموضوعي : يذهب إلى الفرد هو شخص القانون الدولي الوحيد وأول من نادى بهذا المذهب الفرنسي ديكي حيث أنكر الشخصية المعنوية للدولة وأنها في راية مجرد افتراض لا قيمة له
وعنده أن الدول ليست من أشخاص القانون الدولي بل الإفراد وحدهم من أشخاص هذا القانون
ولهذا فان قواعد القانون الدولي لأتخاطب الدول بل تخاطب الإفراد ولاسيما الحكام لأنهم من
الأفراد مثل غيرهم
ثالثا : الاتجاهات الحديثة : تذهب إلى أن الدولة هي الشخص الرئيسي للقانون الدولي العام أي أن الدولة ليس الشخص الوحيد التي تخاطبه قواعد القانون الدولي العام وتقسم هذه الاتجاهات إلى ثلاثة فئات
تعتبر الفئة الأولى؛ أن الدولة تعتبر الشخص الرئيسي للقانون الدولي من دون تحديد الأشخاص الآخرين وتستبعد الفئة الثانية؛ الفرد بصورة صريحة من أن يكون من أشخاص القانون الدولي العام
حيث تعرف هذه الفئة القانون الدولي العام بأنه :
مجموعة القواعد القانونية التي تلزم الدول المستقلة ومختلف المنظمات الدولية في علاقاتها المتبادلة
وإما الفئة الثالثة؛ فإنها تفسح للفرد مجالا ضيقا متواضعا إلى جانب الدولة والمنظمات الدولية
وتقدير هذه المذاهب هي المذهب التقليدي يحصر أشخاص القانون الدولي بالدول وحدها والمذهب الموضوعي يجعل الأفراد وحدهم من أشخاص القانون . ويؤخذ عليها ابتعادهما عن دافع بنيان المجتمع الدولي ، فهو ليس مؤلفا من الإفراد كما يقول المذهب الموضوعي ، ولاهو مؤلف من الدول كما يقول المذهب التقليدي ،بل ان المجتمع الدولي يضم في الوقت الحاضر الى جانب الدول أشخاصا آخرين وان قواعد القانون الدولي تنطبق على الدول كما تنطبق على المنظمات الدولية والأشخاص الدولية الأخرى وعلى هذا يمكن تعريف القانون الدولي العام بأنه عبارة عن
((مجموعة من القواعد القانونية التي تحكم العلاقات بين أشخاص القانون الدولي العام وتحديد اختصاصات والتزامات كل منها ))
البحث الثاني :تميز القانون الدولي العام من غيره
أولا: تميزه من قواعد المجاملات الدولية :
المجاملات الدولية عبارة عن مجموعة من العادات تسير عليها الدول على سبيل المجاملة لتسيير العلاقات فيما بينها وذلك من دون أي التزام قانوني أو أخلاقي يقع عليها كإعفاء الممثلين الدبلوماسيين للدولة الأجنبية من الضرائب ، والفرق بين قواعد المجاملات الدولية وقواعد القانون الدولي يمكن في أن مخالفة قواعد القانون الدولي تعد عملا غير مشروع تترتب عليه المسؤولية الدولية . في حين أن عدم قيام الدولة بها يعتبر مجاملة دولية لا تعد عملا غير مشروع ولا تترتب عليه أية مسؤولية قانونية ، وكل ما يمكن أن يترتب على هذه المخالفة أن تقابلها الدولة الأخرى بالمثل .
ثانيا :تميزه من قواعد الأخلاق الدولية :
قواعد الأخلاق الدولية هي عبارة عن مجموعة من المبادئ السامية التي يفرضها الضمير العالمي على الدول لمراعاتها في سلوكها مع بعضها البعض وذلك من غير التزام قانوني من جانبها كاستعمال الرأفة
1
في الحروب . وان مخالفة
هذه القواعد لا تعد مخالفة دولية ومن ثم فهي لا ترتب أية مسؤولية دولية . غير أن عدم مراعاة هذه القواعد قد يثير الرأي العام العالمي ضد الدولة المخلة أو المخالفة .
ثالثا: تميزه من القانون الطبيعي :
لقد عرف الأستاذ لوفور القانون الطبيعي : بأنه ((عبارة عن مجموعة من القواعد الموضوعية التي يكشفها العقل ، وهي تسبق أرادة الإنسان لتفرض حكمها عليها)). ويفتح من هذا التعريف أن الفرق بين القانون الدولي الوضعي والقانون الطبيعي هو أن القانون الطبيعي تصوير قانوني نظري يعبر عن العدالة والمثل العليا في حين أن القانون الدولي قانون طبيعي وضعي له قوة يستخدمها من التطبيق
رابعا : تميزه من القانون الدولي الخاص:
القانون الدولي الخاص هو ذلك الفرع من القانون الداخلي الذي يحدد جنسية الأشخاص التابعة للدولة ومركز الأجانب فيها وبين الحلول الواجبة الإتباع في مسائل المتنازع الدولي للقوانين والاختصاص القضائي
وبهذا تختلف قواعد القانون الدولي الخاص عن قواعد القانون الدولي العام .
المبحث الثالث : تسمية القانون الدولي العام
لقد كان الكتاب المتقدمون أمثال دي مارتنس وفاتيل يطلقون على القانون الدولي اسم قانون الشعوب . ويعود أصل التسمية إلى اصطلاح قانون الشعوب في القانون الروماني حيث كان يعتقد به القانون الذي يسري على جميع الأجانب المنتمين إلى الشعوب التي كانت خاضعة لسلطات الإمبراطورية الرومانية في مقابل القانون المدني الذي كان يطبق حصرا على المواطنين الرومان ثم ظهرت خلال العصور الحديثة تسميات عديدة أخرى ، سماها جرسيوس بقانون الحرب والسلم وسماها القانون السياسي الخارجي ، ألا أن التسمية التي نالت حظوة كبيرة لدى الكتاب وحتى اليوم هي اسم القانون الدولي المنسوب إلى الفيلسوف الانكليزي بنتام الذي استعمله لأول مرة في كتابه الذي ظهر عام 1789
الفصل الثاني : طبيعة القانون الدولي العام
اختلف الفقهاء في طبيعة قواعد القانون الدولي العام هل أنها قواعد قانونية بالمعنى الصحيح ؟
فمنهم من رأى أنها قواعد قانونية بالمعنى الصحيح تلتزم بها الدول كما تلتزم الأفراد بقواعد القانون الداخليومنهم من نفى صفة القواعد القانونية عنها أي صفة الالتزام القانوني ، وصحتها في ذلك أن أي قاعدة لكي تصبح قاعدة قانونية ملزمة يجب أن تتوفر فيها ثلاثة شروط :
1- أن توجد سلطة تشريعية تقوم بوضعها
2- أن توجد سلطة قضائية تتولى تطبيقها
3- أن يوجد جزاء منظم يطبق على من يخالفها
وهذه الشروط الثلاثة غير متوافرة في رأيهم بالنسبة لقواعد القانون الدولي العام ، فهي لا تعد أن تكون مجرد قواعد أخلاقية لا يترتب على مخالفتها أية مسؤولية قانونية .ومن اجل تقدير الحجج التي استند أليها أصحاب هذا الرأي لابد من مناقشتها كل على انفراد.
أولا: عن السلطة التشريعية : القانون الدولي العام قانون على الرغم من افتقاره إلى مشروع أعلى ، ذلك لان التشريع ، ليس المصدر الوحيد للقانون فهناك مصادر أخرى للقانون وفي مقدمتها العرف الذي لا يزال مصدرا لكثير من قواعد القانون الداخلي ، كما أن بعض الأنظمة القانونية كالقانون الانكليزي مثلا مازال يقوم على العرف ، والأمر كذلك بالنسبة للقانون الدولي الذي استطاع أن يستعين بالعرف وبالمصادر الأخرى
ثانيا : عن السلطة القضائية : أن انعدام القضاء لا يؤثر في وجود القانون ، لان مهمة القاضي تختصر في تطبيق القوانين لأخلقها ، فالمفروض أن القانون موجود قبل وجود القاضي . هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان القانون الدولي العام قد عرف القضاء كأداة التسوية المنازعات التي تقوم في نطاقه منذ زمن بعيد بإشكال مختلفة وكان من أهم صوره الأولى التحكم ثم ظهرت الهيئات القضائية الدائمة وعلى هذا الأساس أنشئت محكمة التحكم الدائمة في لاهاي سنة 1899ومحكمة العدل الدولية عام 1945 التي حلت محل محكمة العدل الدولية الدائمة .
2
ثالثا : عن الجزاء : أن فقدان الجزاء أو عدم كفايته لا يؤثر كذلك في وجود القانون وكيانه وذلك لان وظيفة الجزاء هي ضمان حسن تطبيق وتنفيذ مايو جد من قواعد قانونية ، أي أن الجزاء يتحرك عندما يوجد قواعد قانونية يراد تطبيقها بالفعل فلا يصح الخلط أذن بين المصدر الذي بينها صفة الالتزام في القواعد القانونية وبين الأداة التي تتضمن حسن تطبيقه وتنفيذه فوجود القانون أذن لا يتوقف على وجود الجزاء فالقانون يوجد ولم يصبحه جزاء أو كان الجزاء الذي يحميه ضيقا دون أن يؤثر ذلك في صفته القانونية ، ومع ذلك فان القانون الدولي العام لا يخلو من الجزاءات التي يمكن تجزئتها إلى قسمين : جزاءات خالية من الإكراه ،،، وأخرى تتضمن عنصر الإكراه .
1- الجزاءات الخالية من الإكراه : وهي تشمل الإشكال الآتية :
أ- الجزاءات المعنوية : وتأخذ عادة بشكل اللوم الذي توجهه المؤشرات والمنظمات الدولية إلى الدولة المخالفة . ومن الأمثلة على ذلك اللوم الذي وجهته الأمم المتحدة إلى دول العدوان الثلاثي على سنة 1956 وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومؤثرات دول عدم الانحياز باستنكار وشجب سياسة التفرقة العنصرية ألتي تمارسها جنوب أفريقيا ، وغيرها وتأخذ الجزاءات المعنوية إشكالا أخرى مختلفة كالاحتجاج الدبلو ماسي والتحذير الذي تقوم به الدول . واستنكار الرأي العام العالمي ..... الخ
ب- قطع العلاقات الدبلوماسية: مع دولة بقصد توجيه اللوم أليها من قبل دولة أخرى : وقد يشمل قطع العلاقات الدبلوماسية وقف جميع العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدولتين ومن التطبيقات الحديثة لهذا النوع من الجزاء نذكر قطع العلاقات الدبلوماسية الذي اتخذته عشر دول افريقية اثنان منها أعضاء في الكومنولث البريطاني ضد بريطانيا أمر إعلان استقلال روسيا الجنوبية من طرف واحد عام 1956
ج- الجزاءات المالية : وهي التي تكون نتيجة تقرير مسؤولية الدولة وإلزامها بالتعويض وتقطع هذه الجزاءات أما بالطرق الدبلوماسية ـ بالمفاوضات مثلا ـ أو عن طريق التحكم أو القضاء الدولي
د- الجزاءات القانونية : وهي تؤدي إلى إلغاء أو وقف التعريفات القانونية ذات الطبيعة الدولية كالمعاهدات . ولهذا النوع من الجزاء صورة متنوعة كإلغاء معاهدة بعدم توافر شرط في شروط انعقادها وكإلغاء المعاهدة لتعارضها مع أحكام معاهدة أسمى منها أو لتعارضها مع القانون الدولي وغيرها.
هـ - الجزاءات التأديبية : وتقرر هذه الجزاءات من قبل المنظمات الدولية استنادا إلى ميثاق الموقع كطرد الدولة التي تقوم بواجبات الميثاق . ومن التطبيقات لهذا النوع من الجزاء القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة
في 12تشرين الثاني عام 1947والقاضي بمنع جنوب أفريقيا من المشاركة في دورتها التاسعة والعشرين
2- الجزاءات التي تتضمن الإكراه : وهي تشمل الأشكال التالية:
أ- الإعمال البوليسية : هي من الجزاءات التي اقرها القانون الدولي العرفي قبل قيام الأمم المتحدة ومن أمثالها الحملة التي وجهتها الدول الأوربية إلى الصين سنة 1900 لحماية سفاراتها من الثورة التي نشبت هناك
ب- الاقتصاص : وهي الأعمال التي تتضمن مخالفة لقواعد القانون الدولي حيث ترد الدولة على مخالفات مماثلة صدرت عن الدولة الأخرى بقصد حملها على وقف تلك المخالفات أو التعويض عنها وتتخذ الاقتصاص صورا مختلفة منها الاحتلال العسكري في وقت السلم لإقليم الدولة المخلة بالتزاماتها الدولية أو الجزء منها ومن ذلك احتلال ايطاليا لميناء كورفو في اليونان سنة 1923 بقصد حمل الحكومة اليونانية على دفع التعويض عن قتل جنرال ايطالي كان يعمل في لجنة لتخطيط الحدود هناك . ومنها الحصار السلمي الذي تقيمه الدولة أو ضد الدولة أو الدول المعتدية وذلك بعزلها عن بقية الدول بإقامة المنع المسلح لأي اتصال بين هذه الدول والدول الأخرى
ج- تدابير القسر والقمع المتخذة من قبل الأمم المتحدة : حرم ميثاق الأمم المتحدة على الدول الأعضاء استخدام القوة أو التهديد بها ضد سلامة الأراضي والاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه أخر
3
لا يتفق مع مقاصد الأمم المتحدة ( م2ف4 ) آلا في الحالات التي بينها ميثاقها . وهي حالة الدفاع الشرعي (م.15) وحالة مساهمة الأعضاء في تنفيذ تدابير القسر والقمع المتخذة من قبل الأمم المتحدة وفقا لأحكام الفصل السابع من الميثاق وقد طبقت الأمم المتحدة هذه التدابير ضد كوريا الشمالية اثر اعتدائها على كوريا الجنوبية عام 1950 وضد العراق بموجب قرار مجلس الأمن المرقم 678في تشرين الثاني عام 1990 اثر احتلال الكويت .
د- الجزاء الاقتصادي : المقاطعة الاقتصادية : ويكون باستخدام الوسائل الاقتصادية والمالية
لإكراه الدول على احترام القانون ،ومن أهم صور هذا الجزاء المقاطعة الاقتصادية التي تفرضها إحدى الدول أو المنظمات الدولية كجزاء ضد الدولة المعتدية ويمكن تطبيقه في وقت السلم والحرب .ومن أمثلة المقاطعة التي تفرضها الدول فرادى ، مقاطعة بعض الدول العربية لفرنسا بصدد حرب التحرير الجزائرية من سنة 1956 إلى 1963 . وأما المقاطعة في نطاق المنظمات الدولية فأنها تعد أحدى التدابير التي نصت عليها مواثيق المنظمات الدولية كجزاء جماعي يفرض على الدولة التي تنتهك ميثاق المنظمة أو تمارس أعمالا عدوانية تجاه دولة أخرى في شانها تهديد السلم والأمن الدولي .وهذه الجزاءات نص عليها ميثاق الأمم المتحدة في المادة 41 ضمن الجزاءات التي نذكر فيها : قرار مجلس الأمن المرقم 661 يفرض حصار اقتصادي على العراق في أزمة الخليج في عام 1990 وفرض الحظر الجوي على ليبيا بالقرار المرقم 748 في عام 1992 لإلزامها بتسليم مواطنين ليبين متهمين في حادث تفجير طائرة ألبان أمريكان فوق لوكربي في عام 1988 وغيرها من الجزاءات .
وأما المقاطعة من قبل المنظمات الإقليمية فلقد مارست المنظمات الإقليمية أيضا المقاطعة الاقتصادية كجزاء ضد الدول الأعضاء وغير الأعضاء فيها كمقاطعة معظم الدول الأمريكية لعلاقتها الاقتصادية مع كوبا بمقتضى القرار الذي أصدره المؤتمر الاستشاري لمنظمة الدول الأمريكية في عام 1964 والذي استمر حتى عام 1975
وأما جامعة الدول العربية فأنها بدورها أيضا طبقت المقاطعة الاقتصادية على مرحلتين :: المرحلة الأولى :: ابتدائا من عام 1945 عندما قررت مقاطعة المنتوجات الصهيونية في فلسطين وأما المرحلة الثانية فقد بدأت في عام 1951عندما اصدر مجلس جامعة الدول العربية قرار في أيار 1951 يقضي بإنشاء جهاز بالمقاطعة العربية لإسرائيل .
وكان للمقاطعة العربية وجهان : احدهما سلبي والأخر ايجابي ويتضمن الوجه السلبي من المقاطعة وقف التعامل بطريق مباشر او غير مباشر مع إسرائيل أما الوجه الايجابي في المقاطعة فهو يهدف إلى منع رؤوس الأموال الأجنبية من التدفق على إسرائيل وإغراء الموجود على الهرب منها والى منافسة إسرائيل في أسواق صادراتها وعرقلة حصول إسرائيل على المواد اللازمة لصناعاتها .
هـ - الجزاءات الجنائية : لم تكن هذه الجزاءات معروفة في القانون الدولي العام ، ولم تبدأ في الظهور الأبعد الحرب العالمية الثانية ،، حيث تمت محاكمة كبار مجرمي الحرب الألمان ومجرمي الحرب في اليابان حيث حوكم الفريق الأول أمام محكمة نورمبرغ سنة 1945 وحوكم الفريق الثاني أمام المحكمة الدولية في طوكيو سنة1946 على ان الجهود الدولية انصرفت منذ قيام الأمم المتحدة لاتخاذ هاتين المحكمتين أساسا لبناء نظام دولي جنائي دقيق ودائم وعلى هذا الأساس تم تأسيس المحكمة الجنائية الدولية وللمحكمة بموجب نظامها الأساسي اختصاص النظر في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان ،وقد انشأ مجلس الأمن أيضا محكمتين جنائيتين لمحاكمة المتهمين المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني في يوغسلافيا السابقة وفي رواندا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حيث قرار حيث قرر مجلس الأمن بقراره المرقم 808 والمؤرخ في 22/3/1993 أنشاء محكمة دولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين في الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني التي ارتكبت في أقاليم يوغسلافيا السابقة عام 1991 كما أن مجلس الأمن انشأ بقراره المرقم 955 والمؤرخ في 8تشرين الثاني 1994 محكمة دولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن أعمال إبادة الجنس البشري وغيرها في الانتهاكات التي ارتكبت في رواندا .
4
و – الضمان : يقصد بالضمان تعهد الدولة بمقتضى معاهدة الضمان تنفيذ التزام دولي او بضمان القضاء على خرق ذلك الالتزام . وقد يكون الضمان في جانب واحد كما قد يكون جماعيا متبادلا وفي أمثلة الضمان الجماعي التزام الدول الأعضاء بموجب ميثاق الأمم المتحدة بالقيام بعمل جماعي من اجل ضمان احترام التزاماتها الناجمة عن الميثاق ولا سيما ضمان سلامة أراضي كل دولة واستقلالها السياسي ( المادة الثانية الفقرات 4و5 من الميثاق ) كما يتضمن الميثاق وضع قوات مسلحة تحت تصرف مجلس الأمن لاستخدامها في المحافظة على السلم والأمن الدوليين
( الفقرة الأولى من المادة 43 ميثاق الأمم المتحدة )
مما سبق يتضح ان قواعد القانون الدولي العام قواعد قانونية بالمعنى الصحيح وقد نشأت بطريقة سلمية وتحتوي على جميع شروط القاعدة القانونية ولا أول على ذلك من أن الدول اعترفت بقواعد القانون الدولي في تدابيرها علاوة على ما ورد في الوثائق الرسمية الدولية في تصرفات ثنائية او جماعية تقر بهذا الاعتراف بشكل لا يدع مجالا للشك في تقيد الدولة بقواعد القانون الدولي العام والأمثلة على ذلك عديدة نذكر منها :
1- الوثائق الدولية ::جاء في المادة السادسة من معاهدة الإحالة على التحكم بين الولايات المتحدة وانكلترا في قضية
( الاليا ) عام 1871في تقيد هيئة التحكم بقواعد القانون الدولي .
وجاء في ديباجة عهد عصبة الأمم سنة 1919 من انه : ((يجب أن تراعى على وجه التشدد قواعد القانون الدولي العام على اعتبار أنها من ألان فصاعدا الناظم الفصلي لسلوك الحكومات ))
وجاء مثل هذا التأكيد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة سنة 1945 بان شعوب الأمم المتحدة قد ألت على أنفسها أي تبني :: الأحوال التي يمكن في ظلها تحقق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي :: كما جاء في المادة الأولى منه أن من أهم أهداف الأمم المتحدة حفظ السلم والأمن الدوليين بوسائل سلمية وفقا لمبادئ العدل والقانون الدولي .
2- الدساتير الداخلية :إلى جانب الوثائق الدولية فان دساتير كثير من الدول أخذت تعترف بضرورة التقيد بقوة القانون الدولي بشكل عام ومن أمثلة ذلك :ما جاء في المادة العاشرة في الدستور الايطالي الصادر في عام 1947 من أن
(( النظام العام الايطالي يتقيد بقوة القانون الولي المعترف بها بوجه عام ))
ونص دستور ألمانية الاتحادية الصادر في 22/أيار 1949 في المادة الخامسة والعشرين منه أن (( قواعد القانون الدولي تعتبر جزءا لا يتجزأ من قوانين الاتحاد ولها الأسبقية على القوانين وتنشئ لسكان الاتحاد حقوقا وواجبات مباشرة )).
وهكذا فان جميع هذه الأمثلة من المواثيق والمعاهدات والدساتير الداخلية تتضمن اعترافا صريحا بالقانون الدولي العام .
3- القضاء الدولي : أما القضاء الدولي فهو الأخر لا يرى في القانون الدولي إلا تلك المبادئ والقواعد القانونية المطبقة فعلا وحقيقة في المجتمع الدولي ، ويتجلى ذلك في حكم محكمة العدل الدولية الدائمة سنة 1927 في قضية اللوتس الذي جاء فيه (( بان مبادئ القانون الدولي بمعناها العام ليست سوى القانون الدولي كما هو مطبق فعلا بين الشعوب التي يتألف منها المجتمع الدولي
مما تقدم نستخلص إلى انه لا يمكن إنكار وجود القانون الدولي العام أو إنكار الصفة القانونية لقواعد ذلك أن حكومات جميع الدول قد التزمت به على مر السنين كما اعترف به معظم دساتيرها وأشار أليه في نصوصه إلى جانب الاعتراف به في المواثيق الدولية .))
5
الفصل الثالث : أساس القانون الدولي العام
يقصد بأساس القانون الدولي العام الأساس الذي تستمد منه قواعد هذا القانون قوتها الإلزامية وقد اختلف الفقهاء في تحديد الأساس الذي تستمد منه هذه الصفة قوتها وانقسموا في ذلك إلى عدة فرق هي كالأتي:
المبحث الأول : المذهب الإرادي : يجعل أنصار هذا المذهب من أرادة الدول الصريحة أو الضمنية أساس الالتزام بقواعد القانون الدولي العام . فالقانون الداخلي هو وليد الإرادة المنفردة للدولة والقانون الدولي العام هو وليد الإرادة الجماعية للدول . وتفرعت عن هذا المذهب نظريات كالأتي ::
الفرع الأول نظرية التحديد الذاتي : مؤدى هذه النظرية أن الدولة ذات السيادة لا يمكن أن تخضع لإرادة من أرادتها لأنها تفقد بذلك اعتبارها وكيانها ، غير انه بإمكانها تقييد أرادتها فيما تنشئه من علاقات مع الدول الأخرى لان الدولة تعيش في المجتمع الدولي تتقيد بالقانون الدولي بإرادتها دون إن تخضع بهذا لأية سلطة أخرى سوى إرادتها فالتزام الدول بقواعد القانون الدولي وجه أذن تقيد هذه الدول بفعل إرادتها بهذه القواعد . غير أن هذه النظرية تؤدي إلى عدم استقرار الأوضاع القانونية في المجتمع الدولي وذلك لان بإمكان أية دولة أن لا تلزم بقواعد القانون الدولي بمجرد إعلانها عزمها على عدم التقيد بها
الفرع الثاني نظرية الإرادة المشتركة للدول : وفقا لهذه النظرية انه لا يمكن الاستناد إلى الإرادة المنفردة لكل دولة لإخفاء صفة الإلزام على قواعد القانون . إذ أن الإرادة المنفردة لكل دولة لا يمكن أن تلزم إرادة الدول الأخرى ولا يتحقق ارتباط الدول بقواعد القانون وخضوعها لها لابد من اجتماع أرادتها المتفرقة على قبول الارتباط والتقيد بها ولهذا أسميت هذه النظرية بنظرية الإرادة الجماعية أو الإرادة المشتركة وهذه الإرادة المشتركة هي التي تعلو في السلطة على لإرادات المنفردة التي تساهم في تكوينها . وعليه فان اتحاد الدول هذا هو الأساس الذي تتخذ منه قواعد القانون الدولي العام قوتها الإلزامية إلا انه يؤخذ على هذه النظرية انه ما الذي يمنع الدول التي ساهمت في تكوين هذه الإرادة على عدم احترامها وعدم التقيد بها حتى أرادت :إضافة إلى أن فكرة الإرادة الجماعية أو المشتركة لا يمكن أن تفسر التزام الدول التي انضمت حديثا إلى الجماعة الدولية بقواعد القانون الدولي الناشئة عن هذه الإرادة التي لم تسلم في وجودها .
المبحث الثاني : المذهب الموضوعي : يبحث أنصار هذا المذهب عن أساس القانون خارج دائرة الإرادة الإنسانية ، آذ أن أساس القانون ـ وفقا لهذا الذهب ـ تعينه عوامل خارجة عن الإرادة وانقسموا إلى فريقين كالأتي :
الفرع الأول : المدرسة النمساوية ( النظرية المجردة للقانون ) تقوم هذه النظرية على اعتبار كل تنظيم قانوني يستند إلى هرم من القواعد أساس صحة كل قاعدة منها يرجح إلى وجود القاعدة القانونية التي تعلوها في هذا الهرم القانوني وتستمد منها قوتها الملزمة . وهكذا تتدرج قواعد القانون حتى تصل إلى قاعدة أساسية افتراضية تسود جميع القواعد الأخرى وتكسبها قوتها الإلزامية وهذه القاعدة الأساسية في رأي أصحاب هذه النظرية هي قاعدة قدسية الاتفاق والوفاء بالعهد . ويؤخذ على هذه النظرية أنها تقوم على مجرد افتراضي غير قابل للإثبات . وفضلا عن ذلك فان أصحاب هذه النظرية بينوا المصدر الذي تستخدمه القاعدة الأساسية وجودها وقوتها الإلزامية .
الفرع الثاني:المدرسة الفرنسية (نظرية التضامن الاجتماعي ) ينكر أصحاب هذه النظرية على الدولة صفة السيادة وصفة الإرادة الأخلاقية لقواعد القانون وفكرة الشخصية المعنوية كما أن الدولة بالنسبة لهم ليست سوى مجموعة من الإفراد الطبيعيين أما القانون فانه ليس من أرادة الدولة لان وجود سابق على وجود الدولة وأعلى منها . انه ليس إلا القانون الموضوعي المعبر عن ضرورات التضامن الاجتماعي . وأساس القوة الملزمة للقانون هو ضرورات التضامن الاجتماعي ، أي شعور الإفراد الذين تتألف منهم مختلف الجماعات بالتضامن الذي يربط بين أفراد كل جماعة وكذلك أفراد الجماعات المختلفة
6
ويذهب جورج سيل إلى القول بان القانون ليس الأحدث اجتماعي قائم على ضرورات الحياة في المجتمع . فأساس القانون أذن هو الحدث الاجتماعي ليس ألا
ولكن يؤخذ على هذه النظرية أن الأساس الذي تقدمه للقانون غامض وناقص ، آذ لا يمكن أن يكون أساس القانون في الحدث الاجتماعي وضرورة المحافظة على حياة الجماعة وبقائها لان الجماعة الإنسانية سبقت القانون في الوجود
المبحث الثالث: المدرسة السوفيتية : تقيم هذه المدرسة الأساس الملزم للقانون على فكرة الصراع الطبقي فالقانون ما هو لا تعبر عن أرادة الطبقة المسيطرة في مجتمع معين وانعكاسا لمصلحتها ، وقد نقل الفقهاء السوفيت هذه الفكرة إلى نطاق القانون الدولي في صورة الصراع والتعاون القائم بين الدول النظامين ( الرأسمالي والاشتراكي ) وان أساس القانون الدولي في رأيهم يمكن في التعايش السلمي أي اتفاق أرادة الدول المختلفة من حيث تركيبها الاقتصادي والاجتماعي والمعبرة عن مصالح الطبقات السائدة فيها آذ أن الدول المنتمية إلى النظامين تتناقصين يربطها الكثير من المصالح الاقتصادية والثقافية . كذلك مصالحها في تعزيز السلام والأمن الدوليين وليس هناك من وسيلة أخرى لخلق وتطوير قواعد القانون الدولي سوى الاتفاق بينها لأجل المحافظة على مصالحها المشتركة ....ولكن يؤخذ على هذه المدرسة ان القواعد القانونية كثيرا ما تعبر عن المصالح العامة لأعضاء الجماعة دونما ارتباط بالمصلحة الخاصة لطبقة بعينها وان البعض من المجتمعات قد عرف القانون على الرغم من خلوه من الطبقات المتميزة وبالتالي من ظاهرة الصراع فيما بينها . وهذه المدرسة لم يعد من يدافع عنها وذلك بسبب تفكك الاتحاد السوفيتي في نهاية عام 1991 .
الخلاصة :: تلك هي أهم النظريات والمذاهب التي حاولت أيجاد أساس القانون الدولي العام وقد رأينا أنها جميعا لم تنتج من سهام النقد ، الأمر الذي جعل بعض الفقهاء يذهبون إلى البحث عن الأساس الذي يقوم عليه القانون أمر خارج عن نطاق القانون ،غير أن مالا يمكن هو أننا ما نزال في مرحلة العلاقات الدولية تلعب فيها سيادة الدول دورا هاما ويصل من أولى مستبيعات ذلك أن الدول أن تلتزم برضاها صحيح أن القانون الدولي كأي قانون أخر هو وليد الحاجة الاجتماعية ولكن هذه الحاجة التي هي دافع لإيجاد سلوك معنية أن تحتاج لرضا الدول حتى تتحول المبادئ إلى قواعد قانونية وعليه فان أساس القانون الدولي في المرحلة الحاضرة هو رضا الدول الصريح أو الضمني بالخضوع لأحكامه .
الفصل الرابع : العلاقة القانون الدولي والقانون الداخلي
يسود الفقه الدولي في شان تحديد العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي نظريتان مختلفتان ، تقوم أحداهما على فكرة ازدواج القانونين التي تنكر أية صلة بين القانون الدولي والداخلي واستندت الأخرى إلى فكرة وحدة القانون التي تعترف بوجود صلة وثيقة بين القانونين وتوجب تغلب قواعد احدهما على قواعد الأخر عند التعارض.
المبحث الأول : نظرية ازدواج القانونين : دافع عن هذه النظرية أنصار المدرسة الوضعية الإرادية ويذهب أنصار هذه النظرية إلى اعتبار القانون الداخلي نظامين قانونين متساوين مستقلين ومنفصلتين كل منهما عن الأخر ولأتداخل بينهما . وذلك للأسباب الآتية
1- اختلاف مصادر القانون الداخلي عم مصادر القانون الدولي : فالقانون الداخلي يصدر عن الإرادة المنفردة للدولة بينما يصدر القانون الدولي عن الإرادة المشتركة لعدة دول وحيث أن هذه المصادر تختلف في طبيعتها فقد انعدمت أية صلة بين القانونين وأصبح كل منهما مستقلا عن الأخر
2- اختلاف أشخاص القانون الداخلي عن أشخاص القانون الدولي : بينما يخاطب قواعد القانون الداخلي الإفراد في علاقاتها المتبادلة أو في عملا قائم مع الدولة نخاطب قواعد القانون الدولي فقط واختلاف في طبيعة أشخاص كل من القانونين يعدم الصلة بينهما ويجعل كل واحد منها مستقلا عن الأخر.
3- اختلاف موضوع القانونين : فالقانون الداخلي ينظم علاقات الإفراد داخل الدولة بعضهم ببعض بينما يقوم القانون الدولي العام بتنظيم العلاقات بين الدول المستقلة في وقت السلم وفي وقت الحرب
4- اختلاف طبيعة البناء القانوني في كل منهما : إذ يشمل البناء القانوني الداخلي على هيئات تقوم بفرض احترام القانون كالمحاكم والسلطات التنفيذية اما القانون الدولي العام فلا نشاهد مثل هذه الهيئات = وان وجدت بعضها فانه لا يعد وان تكون بدائيا .
7
نتائج النظرية : يترتب على الأخذ بنظرية ازدواج القانونين النتائج التالية :
1- يستقل كل من القانونين بقواعد من حيث الموضوع ومن حيث الشكل فمن حيث الموضوع فالدولة تنشئ القانون الدولي باتفاق مع غيرها من الدول وتنشئ القانون الداخلي بإرادتها المنفردة وعلى كل دولة ان تراعي عند ممارستها العملية إنشاء القانون الداخلي احترام ما التزمت به دوليا فان لم تفعل ذلك تقوم بإصدار قانون يخالف التزاماتها الدولية فلا يترتب على ذلك بطلاقة القانون بل ينفذ القانون داخل الدولة وتتحمل الدولة المسؤولية الدولية لمخالفتها ما التزمت به دوليا .
إما من حيث الشكل : فالقواعد القانونية الدولية لا يمكن ان تكسب وصف التزام في دائرة القانون الداخلي إلا إذا تحولت الى القواعد قانون داخلية ، وفقا لإجراءات المتبقية في إصدار القوانين الداخلية
2- عدم اختصاص المحاكم الوطنية بتطبيق القانون الدولي
3- انه لا يمكن قيام تنازع او تعارض بين القانونين لاختلاف في نطاق تطبيق كل منهما ، وذلك لان التنازع بين القانونين لا يمكن حصوله إلا بين قانونين يشتركان في نطاق تطبيق واحد.
غير ان هذا لا يعني فقدان كل علاقة بين القانونين بل العلاقة قد تنشا بينهما بالإحالة او الاستقبال
فقد يحيل احد القانونين على الأخر لحل مسالة معنية وفقا لقواعد القانون المحال عليه ، على اعتبار ان تلك المسالة تدخل في دائرة سلطان هذا القانون وحده ويجب ان تعالج وفقا لإحكامه وهو داخل نطاقه الخاص . كان يحدد القانون الدولي حقوق الأجانب دون تعينهم فهو يحيل على القانون الداخلي تعيين من يعد وطنيا ومن يعد أجنبيا وقد يحيل القانون الداخلي على القانون الدولي كان يعفي القانون الداخلي الممثلين الدبلوماسيين من الضرائب او من الخضوع للقوانين الداخلية ويحيل القانون الداخلي قواعد القانون الدولي وتدمجها فيها بنص صريح فتكون عند إذ جزءا منها
تقدير نظرية ازدواج القانونين : انتقدت نظرية ازدواج القانونين واهم الانتقادات التي واجهت إليها هي الآتية :
ان الحجة المستمدة في اختلاف في المصادر بين القانون الدولي العام والقانون الداخلي تخلط بين أصل القاعدة القانونية وبين عوامل التعبير عنها والاختلاف في طريقة التعبير لا يؤدي الى الفصل بينهما نهائيا
1- ان الحجة المستمدة من اختلاف بين القانونين من حيث الأشخاص يرد عليها أكثر من مأخذ فمن ناحية نجد في نطاق كل قانون قواعد قانونية تخاطب ( أشخاصها مختلفين . يضاف الى ذلك انه قد يتطابق من الناحية الفنية أشخاص القانون في النظامين الدولي والداخلي فالدولة وهي الشخص القانوني المباشر في النظام القانوني ليس لها وجود بدون الإفراد الحاكمين والمحكومين الذي يتألف منهم عنصر السكان المكون للدولة ومن ثم كان الحاكمون المخاطبين الحقيقيين بقواعد القانون في النظامين الداخلي والدولي).
2- أما الحجة المستمدة في اختلاف طبيعة تركيب كل من النظامين الداخلي والدولي فيلاحظ انه لا يوجد بينهما اختلاف جذري يتعلق بطبيعة كل منهما وإنما الاختلاف شكلي يتعلق بدرجة تنظيم كل منهما ويعود سبب الاختلاف إلى التفاوت فيما بين الجماعة الدولية والجماعة الوطنية من حيث مدى الاندماج في الوسط الاجتماعي
المبحث الثاني : نظرية وحدة القانون: تجعل هذه النظرية من قواعد القانون الدولي العام وقواعد القانون الداخلي كتلة قانونية واحدة ، أي نظاما قانونيا واحدا لا ينفصل عن بعضه وتقوم هذه النظرية على فكرة التدرج القانوني الذاتي يقضي بضرورة خضوع القاعدة القانونية الأدنى مرتبة في السلم القانوني إلى القاعدة التي تعلوها ويستمد قوتها منها إلى أن ينتهي التدرج عند القاعدة الأساسية العامة التي تعد أساس القانون كله ودليل الوحدة القائمة بين فروعه ،على أنصار هذه النظرية قد اختلفوا في تحديد القانون الذي فيه القاعدة الأساسية العامة التي تسود جميع القواعد الأخرى وتكسب قوتها الإلزامية ففريق يرى باب القاعدة الأساسية العامة التي تعد أساس للقانون مثبتة في القانون الداخلي ومن دستور الدولة بالذات وذلك لان الدولة هي التي تحدد بإرادتها التزامات الدولة حيث لا توجد سلطة عليا فوق الدولة تحدد هذه الالتزامات وعلى ذلك فان القانون الدولي العام يتفرع عن القانون الداخلي وقد أطلق على هذا الرأي اسم نظرية وحدة القانون مع علوية القانون الداخلي ،
8
ويؤخذ على الرأي انه إذا استطاع ان يفسر الأساس الملزم لبعض القواعد القانونية ( المعاهدات ) فانه عاجز عن تفسير التزام الدولة بغير ذلك من القواعد القانونية الدولية وخاصة العرفية منها ومن ناحية أخرى فلو صح ان التزامات الدولة تستند الى دستور الدولة لبقي نفاذها خاضعا لنفاذ الدستور بحيث يؤدي كل تعديل او إلغاء للدستور الى تعديل و إلغاء لهذه الالتزامات ، وهذا بخلاف ما عليه واقع العمل الاجتماعي .
وهذا ذهب فريق كان بان القاعدة القانونية الأساسية العامة مثبتة في القانون الدولي العام وهذا يعني ان القانون الدولي يسمو على كافة نظم القانون . ذلك لان تدرج ومد القوانين بعضها على بعض على ما يقرر دعاة هذا الرأي يكون بحسب أتباع نطاق تطبيقها وحيث أن القانون الدولي العام هو المنظم الوحيد للجماعة الدولية فانه أسمى القوانين مرتبة وسلطان ،وبناءا على ذلك فان أنصار هذا الرأي يرون أن القانون الدولي العام نفوذا مباشرا في قوانين الدولة الداخلية دون الحاجة للنص فيها على ذلك ، وذهب بعضهم إلى ابعد من ذلك حيث قال بإمكان نسخ القانون الدولي العام لما يتعارض معه من الأحكام في القوانين الداخلية بحكم سيادته على هذه القوانين وقد أطلق على هذا الرأي اسم نظرية وحدة القانون مع علوية القانون الدولي ،ألا أن التسليم بهذا الرأي على هذا الوجه ينطوي على مجافاة كبيرة للواقع في المجالين الدستوري والدولي ، وذلك لان الدول أذا كانت قد سلمت بسيادة القانون الدولي العام على قوانينها وأقاليمها فإنها لم تقبل مع هذا تطبيقه المباشر على سلطاتها ورعايا بل علقت ذلك على أقرار في دساتيرها وقوانينها بمقتضى ما يعرف بنظام الدمج ، هذا في ناحية ومن ناحية أخرى فان هذا الرأي لا ينسجم مع المنطق التاريخي لأنه انتهى إلى القول بان القانون الداخلي يتفرع من القانون الدولي وهذا غير صحيح وذلك لان القانون الداخلي اسبق في الوجود من القانون الدولي حيث أن الدولة وجدت قبل وجود القانون الدولي بل أن وجود الدول هو الذي أدى إلى نشوء الجماعة الدولية وهو أمر أدى إلى ضرورة تنظيم العلاقات بين الدول .
المبحث الثالث : المفاضلة بين النظريتين ـ علو القانون الدولي على القانون الداخلي
في الواقع أن ما سارت عليه الدول لا يؤيد بصورة قاطعة وجه نظر أي من النظريتين وحدة القانون أو ازدواج القانونين ألا أن الاعتبارات العملية هي التي فرضت ضرورة علو القانون الدولي على القانون الداخلي ويؤكد هذا القول ما سارت عليه الدول سواء على نطاق الصعيد الوطني أم أجريت عليه في علاقاتها الدولية
أ – على الصعيد الدولي لقد استقر التعامل الدبلوماسي والقضاء الدولي على مبدأ علو القانون الدولي على القانون الداخلي وذلك على النحو الأتي
أولا: التعامل الدبلوماسي : لقد أقرت المعاهدات والمواثيق الدولية مبدأ علو القانون الدولي على القانون الداخلي فقد قضت مثلا بروتو كولات التحكم الفنزولية لسنة 1903 بان يحكم المحكومون طبقا لمبادئ القانون الدولي والعدالة دون آن يتقيدوا بدقة أحكام القانون الداخلي ،
ومن المعاهدات الحديثة التي أكدت هذا المبدأ أيضا الاتفاقية العامة المعقودة في 3حزيران 1955 بين تونس وفرنسا حيث نصت المادة 3 منها على اعتراف الحكومتين بعلوية الاتفاقات والمعاهدات على القانون الداخلي.
لقد كان الكتاب المتقدمون أمثال دي مارتنس وفاتيل يطلقون على القانون الدولي اسم قانون الشعوب . ويعود أصل التسمية إلى اصطلاح قانون الشعوب في القانون الروماني حيث كان يعتقد به القانون الذي يسري على جميع الأجانب المنتمين إلى الشعوب التي كانت خاضعة لسلطات الإمبراطورية الرومانية في مقابل القانون المدني الذي كان يطبق حصرا على المواطنين الرومان ثم ظهرت خلال العصور الحديثة تسميات عديدة أخرى ، سماها جرسيوس بقانون الحرب والسلم وسماها القانون السياسي الخارجي ، ألا أن التسمية التي نالت حظوة كبيرة لدى الكتاب وحتى اليوم هي اسم القانون الدولي المنسوب إلى الفيلسوف الانكليزي بنتام الذي استعمله لأول مرة في كتابه الذي ظهر عام 1789
الفصل الثاني : طبيعة القانون الدولي العام
اختلف الفقهاء في طبيعة قواعد القانون الدولي العام هل أنها قواعد قانونية بالمعنى الصحيح ؟
فمنهم من رأى أنها قواعد قانونية بالمعنى الصحيح تلتزم بها الدول كما تلتزم الأفراد بقواعد القانون الداخليومنهم من نفى صفة القواعد القانونية عنها أي صفة الالتزام القانوني ، وصحتها في ذلك أن أي قاعدة لكي تصبح قاعدة قانونية ملزمة يجب أن تتوفر فيها ثلاثة شروط :
1- أن توجد سلطة تشريعية تقوم بوضعها
2- أن توجد سلطة قضائية تتولى تطبيقها
3- أن يوجد جزاء منظم يطبق على من يخالفها
وهذه الشروط الثلاثة غير متوافرة في رأيهم بالنسبة لقواعد القانون الدولي العام ، فهي لا تعد أن تكون مجرد قواعد أخلاقية لا يترتب على مخالفتها أية مسؤولية قانونية .ومن اجل تقدير الحجج التي استند أليها أصحاب هذا الرأي لابد من مناقشتها كل على انفراد.
أولا: عن السلطة التشريعية : القانون الدولي العام قانون على الرغم من افتقاره إلى مشروع أعلى ، ذلك لان التشريع ، ليس المصدر الوحيد للقانون فهناك مصادر أخرى للقانون وفي مقدمتها العرف الذي لا يزال مصدرا لكثير من قواعد القانون الداخلي ، كما أن بعض الأنظمة القانونية كالقانون الانكليزي مثلا مازال يقوم على العرف ، والأمر كذلك بالنسبة للقانون الدولي الذي استطاع أن يستعين بالعرف وبالمصادر الأخرى
ثانيا : عن السلطة القضائية : أن انعدام القضاء لا يؤثر في وجود القانون ، لان مهمة القاضي تختصر في تطبيق القوانين لأخلقها ، فالمفروض أن القانون موجود قبل وجود القاضي . هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فان القانون الدولي العام قد عرف القضاء كأداة التسوية المنازعات التي تقوم في نطاقه منذ زمن بعيد بإشكال مختلفة وكان من أهم صوره الأولى التحكم ثم ظهرت الهيئات القضائية الدائمة وعلى هذا الأساس أنشئت محكمة التحكم الدائمة في لاهاي سنة 1899ومحكمة العدل الدولية عام 1945 التي حلت محل محكمة العدل الدولية الدائمة .
2
ثالثا : عن الجزاء : أن فقدان الجزاء أو عدم كفايته لا يؤثر كذلك في وجود القانون وكيانه وذلك لان وظيفة الجزاء هي ضمان حسن تطبيق وتنفيذ مايو جد من قواعد قانونية ، أي أن الجزاء يتحرك عندما يوجد قواعد قانونية يراد تطبيقها بالفعل فلا يصح الخلط أذن بين المصدر الذي بينها صفة الالتزام في القواعد القانونية وبين الأداة التي تتضمن حسن تطبيقه وتنفيذه فوجود القانون أذن لا يتوقف على وجود الجزاء فالقانون يوجد ولم يصبحه جزاء أو كان الجزاء الذي يحميه ضيقا دون أن يؤثر ذلك في صفته القانونية ، ومع ذلك فان القانون الدولي العام لا يخلو من الجزاءات التي يمكن تجزئتها إلى قسمين : جزاءات خالية من الإكراه ،،، وأخرى تتضمن عنصر الإكراه .
1- الجزاءات الخالية من الإكراه : وهي تشمل الإشكال الآتية :
أ- الجزاءات المعنوية : وتأخذ عادة بشكل اللوم الذي توجهه المؤشرات والمنظمات الدولية إلى الدولة المخالفة . ومن الأمثلة على ذلك اللوم الذي وجهته الأمم المتحدة إلى دول العدوان الثلاثي على سنة 1956 وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومؤثرات دول عدم الانحياز باستنكار وشجب سياسة التفرقة العنصرية ألتي تمارسها جنوب أفريقيا ، وغيرها وتأخذ الجزاءات المعنوية إشكالا أخرى مختلفة كالاحتجاج الدبلو ماسي والتحذير الذي تقوم به الدول . واستنكار الرأي العام العالمي ..... الخ
ب- قطع العلاقات الدبلوماسية: مع دولة بقصد توجيه اللوم أليها من قبل دولة أخرى : وقد يشمل قطع العلاقات الدبلوماسية وقف جميع العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدولتين ومن التطبيقات الحديثة لهذا النوع من الجزاء نذكر قطع العلاقات الدبلوماسية الذي اتخذته عشر دول افريقية اثنان منها أعضاء في الكومنولث البريطاني ضد بريطانيا أمر إعلان استقلال روسيا الجنوبية من طرف واحد عام 1956
ج- الجزاءات المالية : وهي التي تكون نتيجة تقرير مسؤولية الدولة وإلزامها بالتعويض وتقطع هذه الجزاءات أما بالطرق الدبلوماسية ـ بالمفاوضات مثلا ـ أو عن طريق التحكم أو القضاء الدولي
د- الجزاءات القانونية : وهي تؤدي إلى إلغاء أو وقف التعريفات القانونية ذات الطبيعة الدولية كالمعاهدات . ولهذا النوع من الجزاء صورة متنوعة كإلغاء معاهدة بعدم توافر شرط في شروط انعقادها وكإلغاء المعاهدة لتعارضها مع أحكام معاهدة أسمى منها أو لتعارضها مع القانون الدولي وغيرها.
هـ - الجزاءات التأديبية : وتقرر هذه الجزاءات من قبل المنظمات الدولية استنادا إلى ميثاق الموقع كطرد الدولة التي تقوم بواجبات الميثاق . ومن التطبيقات لهذا النوع من الجزاء القرار الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة
في 12تشرين الثاني عام 1947والقاضي بمنع جنوب أفريقيا من المشاركة في دورتها التاسعة والعشرين
2- الجزاءات التي تتضمن الإكراه : وهي تشمل الأشكال التالية:
أ- الإعمال البوليسية : هي من الجزاءات التي اقرها القانون الدولي العرفي قبل قيام الأمم المتحدة ومن أمثالها الحملة التي وجهتها الدول الأوربية إلى الصين سنة 1900 لحماية سفاراتها من الثورة التي نشبت هناك
ب- الاقتصاص : وهي الأعمال التي تتضمن مخالفة لقواعد القانون الدولي حيث ترد الدولة على مخالفات مماثلة صدرت عن الدولة الأخرى بقصد حملها على وقف تلك المخالفات أو التعويض عنها وتتخذ الاقتصاص صورا مختلفة منها الاحتلال العسكري في وقت السلم لإقليم الدولة المخلة بالتزاماتها الدولية أو الجزء منها ومن ذلك احتلال ايطاليا لميناء كورفو في اليونان سنة 1923 بقصد حمل الحكومة اليونانية على دفع التعويض عن قتل جنرال ايطالي كان يعمل في لجنة لتخطيط الحدود هناك . ومنها الحصار السلمي الذي تقيمه الدولة أو ضد الدولة أو الدول المعتدية وذلك بعزلها عن بقية الدول بإقامة المنع المسلح لأي اتصال بين هذه الدول والدول الأخرى
ج- تدابير القسر والقمع المتخذة من قبل الأمم المتحدة : حرم ميثاق الأمم المتحدة على الدول الأعضاء استخدام القوة أو التهديد بها ضد سلامة الأراضي والاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه أخر
3
لا يتفق مع مقاصد الأمم المتحدة ( م2ف4 ) آلا في الحالات التي بينها ميثاقها . وهي حالة الدفاع الشرعي (م.15) وحالة مساهمة الأعضاء في تنفيذ تدابير القسر والقمع المتخذة من قبل الأمم المتحدة وفقا لأحكام الفصل السابع من الميثاق وقد طبقت الأمم المتحدة هذه التدابير ضد كوريا الشمالية اثر اعتدائها على كوريا الجنوبية عام 1950 وضد العراق بموجب قرار مجلس الأمن المرقم 678في تشرين الثاني عام 1990 اثر احتلال الكويت .
د- الجزاء الاقتصادي : المقاطعة الاقتصادية : ويكون باستخدام الوسائل الاقتصادية والمالية
لإكراه الدول على احترام القانون ،ومن أهم صور هذا الجزاء المقاطعة الاقتصادية التي تفرضها إحدى الدول أو المنظمات الدولية كجزاء ضد الدولة المعتدية ويمكن تطبيقه في وقت السلم والحرب .ومن أمثلة المقاطعة التي تفرضها الدول فرادى ، مقاطعة بعض الدول العربية لفرنسا بصدد حرب التحرير الجزائرية من سنة 1956 إلى 1963 . وأما المقاطعة في نطاق المنظمات الدولية فأنها تعد أحدى التدابير التي نصت عليها مواثيق المنظمات الدولية كجزاء جماعي يفرض على الدولة التي تنتهك ميثاق المنظمة أو تمارس أعمالا عدوانية تجاه دولة أخرى في شانها تهديد السلم والأمن الدولي .وهذه الجزاءات نص عليها ميثاق الأمم المتحدة في المادة 41 ضمن الجزاءات التي نذكر فيها : قرار مجلس الأمن المرقم 661 يفرض حصار اقتصادي على العراق في أزمة الخليج في عام 1990 وفرض الحظر الجوي على ليبيا بالقرار المرقم 748 في عام 1992 لإلزامها بتسليم مواطنين ليبين متهمين في حادث تفجير طائرة ألبان أمريكان فوق لوكربي في عام 1988 وغيرها من الجزاءات .
وأما المقاطعة من قبل المنظمات الإقليمية فلقد مارست المنظمات الإقليمية أيضا المقاطعة الاقتصادية كجزاء ضد الدول الأعضاء وغير الأعضاء فيها كمقاطعة معظم الدول الأمريكية لعلاقتها الاقتصادية مع كوبا بمقتضى القرار الذي أصدره المؤتمر الاستشاري لمنظمة الدول الأمريكية في عام 1964 والذي استمر حتى عام 1975
وأما جامعة الدول العربية فأنها بدورها أيضا طبقت المقاطعة الاقتصادية على مرحلتين :: المرحلة الأولى :: ابتدائا من عام 1945 عندما قررت مقاطعة المنتوجات الصهيونية في فلسطين وأما المرحلة الثانية فقد بدأت في عام 1951عندما اصدر مجلس جامعة الدول العربية قرار في أيار 1951 يقضي بإنشاء جهاز بالمقاطعة العربية لإسرائيل .
وكان للمقاطعة العربية وجهان : احدهما سلبي والأخر ايجابي ويتضمن الوجه السلبي من المقاطعة وقف التعامل بطريق مباشر او غير مباشر مع إسرائيل أما الوجه الايجابي في المقاطعة فهو يهدف إلى منع رؤوس الأموال الأجنبية من التدفق على إسرائيل وإغراء الموجود على الهرب منها والى منافسة إسرائيل في أسواق صادراتها وعرقلة حصول إسرائيل على المواد اللازمة لصناعاتها .
هـ - الجزاءات الجنائية : لم تكن هذه الجزاءات معروفة في القانون الدولي العام ، ولم تبدأ في الظهور الأبعد الحرب العالمية الثانية ،، حيث تمت محاكمة كبار مجرمي الحرب الألمان ومجرمي الحرب في اليابان حيث حوكم الفريق الأول أمام محكمة نورمبرغ سنة 1945 وحوكم الفريق الثاني أمام المحكمة الدولية في طوكيو سنة1946 على ان الجهود الدولية انصرفت منذ قيام الأمم المتحدة لاتخاذ هاتين المحكمتين أساسا لبناء نظام دولي جنائي دقيق ودائم وعلى هذا الأساس تم تأسيس المحكمة الجنائية الدولية وللمحكمة بموجب نظامها الأساسي اختصاص النظر في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان ،وقد انشأ مجلس الأمن أيضا محكمتين جنائيتين لمحاكمة المتهمين المسؤولين عن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني في يوغسلافيا السابقة وفي رواندا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة حيث قرار حيث قرر مجلس الأمن بقراره المرقم 808 والمؤرخ في 22/3/1993 أنشاء محكمة دولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين في الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني التي ارتكبت في أقاليم يوغسلافيا السابقة عام 1991 كما أن مجلس الأمن انشأ بقراره المرقم 955 والمؤرخ في 8تشرين الثاني 1994 محكمة دولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن أعمال إبادة الجنس البشري وغيرها في الانتهاكات التي ارتكبت في رواندا .
4
و – الضمان : يقصد بالضمان تعهد الدولة بمقتضى معاهدة الضمان تنفيذ التزام دولي او بضمان القضاء على خرق ذلك الالتزام . وقد يكون الضمان في جانب واحد كما قد يكون جماعيا متبادلا وفي أمثلة الضمان الجماعي التزام الدول الأعضاء بموجب ميثاق الأمم المتحدة بالقيام بعمل جماعي من اجل ضمان احترام التزاماتها الناجمة عن الميثاق ولا سيما ضمان سلامة أراضي كل دولة واستقلالها السياسي ( المادة الثانية الفقرات 4و5 من الميثاق ) كما يتضمن الميثاق وضع قوات مسلحة تحت تصرف مجلس الأمن لاستخدامها في المحافظة على السلم والأمن الدوليين
( الفقرة الأولى من المادة 43 ميثاق الأمم المتحدة )
مما سبق يتضح ان قواعد القانون الدولي العام قواعد قانونية بالمعنى الصحيح وقد نشأت بطريقة سلمية وتحتوي على جميع شروط القاعدة القانونية ولا أول على ذلك من أن الدول اعترفت بقواعد القانون الدولي في تدابيرها علاوة على ما ورد في الوثائق الرسمية الدولية في تصرفات ثنائية او جماعية تقر بهذا الاعتراف بشكل لا يدع مجالا للشك في تقيد الدولة بقواعد القانون الدولي العام والأمثلة على ذلك عديدة نذكر منها :
1- الوثائق الدولية ::جاء في المادة السادسة من معاهدة الإحالة على التحكم بين الولايات المتحدة وانكلترا في قضية
( الاليا ) عام 1871في تقيد هيئة التحكم بقواعد القانون الدولي .
وجاء في ديباجة عهد عصبة الأمم سنة 1919 من انه : ((يجب أن تراعى على وجه التشدد قواعد القانون الدولي العام على اعتبار أنها من ألان فصاعدا الناظم الفصلي لسلوك الحكومات ))
وجاء مثل هذا التأكيد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة سنة 1945 بان شعوب الأمم المتحدة قد ألت على أنفسها أي تبني :: الأحوال التي يمكن في ظلها تحقق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي :: كما جاء في المادة الأولى منه أن من أهم أهداف الأمم المتحدة حفظ السلم والأمن الدوليين بوسائل سلمية وفقا لمبادئ العدل والقانون الدولي .
2- الدساتير الداخلية :إلى جانب الوثائق الدولية فان دساتير كثير من الدول أخذت تعترف بضرورة التقيد بقوة القانون الدولي بشكل عام ومن أمثلة ذلك :ما جاء في المادة العاشرة في الدستور الايطالي الصادر في عام 1947 من أن
(( النظام العام الايطالي يتقيد بقوة القانون الولي المعترف بها بوجه عام ))
ونص دستور ألمانية الاتحادية الصادر في 22/أيار 1949 في المادة الخامسة والعشرين منه أن (( قواعد القانون الدولي تعتبر جزءا لا يتجزأ من قوانين الاتحاد ولها الأسبقية على القوانين وتنشئ لسكان الاتحاد حقوقا وواجبات مباشرة )).
وهكذا فان جميع هذه الأمثلة من المواثيق والمعاهدات والدساتير الداخلية تتضمن اعترافا صريحا بالقانون الدولي العام .
3- القضاء الدولي : أما القضاء الدولي فهو الأخر لا يرى في القانون الدولي إلا تلك المبادئ والقواعد القانونية المطبقة فعلا وحقيقة في المجتمع الدولي ، ويتجلى ذلك في حكم محكمة العدل الدولية الدائمة سنة 1927 في قضية اللوتس الذي جاء فيه (( بان مبادئ القانون الدولي بمعناها العام ليست سوى القانون الدولي كما هو مطبق فعلا بين الشعوب التي يتألف منها المجتمع الدولي
مما تقدم نستخلص إلى انه لا يمكن إنكار وجود القانون الدولي العام أو إنكار الصفة القانونية لقواعد ذلك أن حكومات جميع الدول قد التزمت به على مر السنين كما اعترف به معظم دساتيرها وأشار أليه في نصوصه إلى جانب الاعتراف به في المواثيق الدولية .))
5
الفصل الثالث : أساس القانون الدولي العام
يقصد بأساس القانون الدولي العام الأساس الذي تستمد منه قواعد هذا القانون قوتها الإلزامية وقد اختلف الفقهاء في تحديد الأساس الذي تستمد منه هذه الصفة قوتها وانقسموا في ذلك إلى عدة فرق هي كالأتي:
المبحث الأول : المذهب الإرادي : يجعل أنصار هذا المذهب من أرادة الدول الصريحة أو الضمنية أساس الالتزام بقواعد القانون الدولي العام . فالقانون الداخلي هو وليد الإرادة المنفردة للدولة والقانون الدولي العام هو وليد الإرادة الجماعية للدول . وتفرعت عن هذا المذهب نظريات كالأتي ::
الفرع الأول نظرية التحديد الذاتي : مؤدى هذه النظرية أن الدولة ذات السيادة لا يمكن أن تخضع لإرادة من أرادتها لأنها تفقد بذلك اعتبارها وكيانها ، غير انه بإمكانها تقييد أرادتها فيما تنشئه من علاقات مع الدول الأخرى لان الدولة تعيش في المجتمع الدولي تتقيد بالقانون الدولي بإرادتها دون إن تخضع بهذا لأية سلطة أخرى سوى إرادتها فالتزام الدول بقواعد القانون الدولي وجه أذن تقيد هذه الدول بفعل إرادتها بهذه القواعد . غير أن هذه النظرية تؤدي إلى عدم استقرار الأوضاع القانونية في المجتمع الدولي وذلك لان بإمكان أية دولة أن لا تلزم بقواعد القانون الدولي بمجرد إعلانها عزمها على عدم التقيد بها
الفرع الثاني نظرية الإرادة المشتركة للدول : وفقا لهذه النظرية انه لا يمكن الاستناد إلى الإرادة المنفردة لكل دولة لإخفاء صفة الإلزام على قواعد القانون . إذ أن الإرادة المنفردة لكل دولة لا يمكن أن تلزم إرادة الدول الأخرى ولا يتحقق ارتباط الدول بقواعد القانون وخضوعها لها لابد من اجتماع أرادتها المتفرقة على قبول الارتباط والتقيد بها ولهذا أسميت هذه النظرية بنظرية الإرادة الجماعية أو الإرادة المشتركة وهذه الإرادة المشتركة هي التي تعلو في السلطة على لإرادات المنفردة التي تساهم في تكوينها . وعليه فان اتحاد الدول هذا هو الأساس الذي تتخذ منه قواعد القانون الدولي العام قوتها الإلزامية إلا انه يؤخذ على هذه النظرية انه ما الذي يمنع الدول التي ساهمت في تكوين هذه الإرادة على عدم احترامها وعدم التقيد بها حتى أرادت :إضافة إلى أن فكرة الإرادة الجماعية أو المشتركة لا يمكن أن تفسر التزام الدول التي انضمت حديثا إلى الجماعة الدولية بقواعد القانون الدولي الناشئة عن هذه الإرادة التي لم تسلم في وجودها .
المبحث الثاني : المذهب الموضوعي : يبحث أنصار هذا المذهب عن أساس القانون خارج دائرة الإرادة الإنسانية ، آذ أن أساس القانون ـ وفقا لهذا الذهب ـ تعينه عوامل خارجة عن الإرادة وانقسموا إلى فريقين كالأتي :
الفرع الأول : المدرسة النمساوية ( النظرية المجردة للقانون ) تقوم هذه النظرية على اعتبار كل تنظيم قانوني يستند إلى هرم من القواعد أساس صحة كل قاعدة منها يرجح إلى وجود القاعدة القانونية التي تعلوها في هذا الهرم القانوني وتستمد منها قوتها الملزمة . وهكذا تتدرج قواعد القانون حتى تصل إلى قاعدة أساسية افتراضية تسود جميع القواعد الأخرى وتكسبها قوتها الإلزامية وهذه القاعدة الأساسية في رأي أصحاب هذه النظرية هي قاعدة قدسية الاتفاق والوفاء بالعهد . ويؤخذ على هذه النظرية أنها تقوم على مجرد افتراضي غير قابل للإثبات . وفضلا عن ذلك فان أصحاب هذه النظرية بينوا المصدر الذي تستخدمه القاعدة الأساسية وجودها وقوتها الإلزامية .
الفرع الثاني:المدرسة الفرنسية (نظرية التضامن الاجتماعي ) ينكر أصحاب هذه النظرية على الدولة صفة السيادة وصفة الإرادة الأخلاقية لقواعد القانون وفكرة الشخصية المعنوية كما أن الدولة بالنسبة لهم ليست سوى مجموعة من الإفراد الطبيعيين أما القانون فانه ليس من أرادة الدولة لان وجود سابق على وجود الدولة وأعلى منها . انه ليس إلا القانون الموضوعي المعبر عن ضرورات التضامن الاجتماعي . وأساس القوة الملزمة للقانون هو ضرورات التضامن الاجتماعي ، أي شعور الإفراد الذين تتألف منهم مختلف الجماعات بالتضامن الذي يربط بين أفراد كل جماعة وكذلك أفراد الجماعات المختلفة
6
ويذهب جورج سيل إلى القول بان القانون ليس الأحدث اجتماعي قائم على ضرورات الحياة في المجتمع . فأساس القانون أذن هو الحدث الاجتماعي ليس ألا
ولكن يؤخذ على هذه النظرية أن الأساس الذي تقدمه للقانون غامض وناقص ، آذ لا يمكن أن يكون أساس القانون في الحدث الاجتماعي وضرورة المحافظة على حياة الجماعة وبقائها لان الجماعة الإنسانية سبقت القانون في الوجود
المبحث الثالث: المدرسة السوفيتية : تقيم هذه المدرسة الأساس الملزم للقانون على فكرة الصراع الطبقي فالقانون ما هو لا تعبر عن أرادة الطبقة المسيطرة في مجتمع معين وانعكاسا لمصلحتها ، وقد نقل الفقهاء السوفيت هذه الفكرة إلى نطاق القانون الدولي في صورة الصراع والتعاون القائم بين الدول النظامين ( الرأسمالي والاشتراكي ) وان أساس القانون الدولي في رأيهم يمكن في التعايش السلمي أي اتفاق أرادة الدول المختلفة من حيث تركيبها الاقتصادي والاجتماعي والمعبرة عن مصالح الطبقات السائدة فيها آذ أن الدول المنتمية إلى النظامين تتناقصين يربطها الكثير من المصالح الاقتصادية والثقافية . كذلك مصالحها في تعزيز السلام والأمن الدوليين وليس هناك من وسيلة أخرى لخلق وتطوير قواعد القانون الدولي سوى الاتفاق بينها لأجل المحافظة على مصالحها المشتركة ....ولكن يؤخذ على هذه المدرسة ان القواعد القانونية كثيرا ما تعبر عن المصالح العامة لأعضاء الجماعة دونما ارتباط بالمصلحة الخاصة لطبقة بعينها وان البعض من المجتمعات قد عرف القانون على الرغم من خلوه من الطبقات المتميزة وبالتالي من ظاهرة الصراع فيما بينها . وهذه المدرسة لم يعد من يدافع عنها وذلك بسبب تفكك الاتحاد السوفيتي في نهاية عام 1991 .
الخلاصة :: تلك هي أهم النظريات والمذاهب التي حاولت أيجاد أساس القانون الدولي العام وقد رأينا أنها جميعا لم تنتج من سهام النقد ، الأمر الذي جعل بعض الفقهاء يذهبون إلى البحث عن الأساس الذي يقوم عليه القانون أمر خارج عن نطاق القانون ،غير أن مالا يمكن هو أننا ما نزال في مرحلة العلاقات الدولية تلعب فيها سيادة الدول دورا هاما ويصل من أولى مستبيعات ذلك أن الدول أن تلتزم برضاها صحيح أن القانون الدولي كأي قانون أخر هو وليد الحاجة الاجتماعية ولكن هذه الحاجة التي هي دافع لإيجاد سلوك معنية أن تحتاج لرضا الدول حتى تتحول المبادئ إلى قواعد قانونية وعليه فان أساس القانون الدولي في المرحلة الحاضرة هو رضا الدول الصريح أو الضمني بالخضوع لأحكامه .
الفصل الرابع : العلاقة القانون الدولي والقانون الداخلي
يسود الفقه الدولي في شان تحديد العلاقة بين القانون الدولي والقانون الداخلي نظريتان مختلفتان ، تقوم أحداهما على فكرة ازدواج القانونين التي تنكر أية صلة بين القانون الدولي والداخلي واستندت الأخرى إلى فكرة وحدة القانون التي تعترف بوجود صلة وثيقة بين القانونين وتوجب تغلب قواعد احدهما على قواعد الأخر عند التعارض.
المبحث الأول : نظرية ازدواج القانونين : دافع عن هذه النظرية أنصار المدرسة الوضعية الإرادية ويذهب أنصار هذه النظرية إلى اعتبار القانون الداخلي نظامين قانونين متساوين مستقلين ومنفصلتين كل منهما عن الأخر ولأتداخل بينهما . وذلك للأسباب الآتية
1- اختلاف مصادر القانون الداخلي عم مصادر القانون الدولي : فالقانون الداخلي يصدر عن الإرادة المنفردة للدولة بينما يصدر القانون الدولي عن الإرادة المشتركة لعدة دول وحيث أن هذه المصادر تختلف في طبيعتها فقد انعدمت أية صلة بين القانونين وأصبح كل منهما مستقلا عن الأخر
2- اختلاف أشخاص القانون الداخلي عن أشخاص القانون الدولي : بينما يخاطب قواعد القانون الداخلي الإفراد في علاقاتها المتبادلة أو في عملا قائم مع الدولة نخاطب قواعد القانون الدولي فقط واختلاف في طبيعة أشخاص كل من القانونين يعدم الصلة بينهما ويجعل كل واحد منها مستقلا عن الأخر.
3- اختلاف موضوع القانونين : فالقانون الداخلي ينظم علاقات الإفراد داخل الدولة بعضهم ببعض بينما يقوم القانون الدولي العام بتنظيم العلاقات بين الدول المستقلة في وقت السلم وفي وقت الحرب
4- اختلاف طبيعة البناء القانوني في كل منهما : إذ يشمل البناء القانوني الداخلي على هيئات تقوم بفرض احترام القانون كالمحاكم والسلطات التنفيذية اما القانون الدولي العام فلا نشاهد مثل هذه الهيئات = وان وجدت بعضها فانه لا يعد وان تكون بدائيا .
7
نتائج النظرية : يترتب على الأخذ بنظرية ازدواج القانونين النتائج التالية :
1- يستقل كل من القانونين بقواعد من حيث الموضوع ومن حيث الشكل فمن حيث الموضوع فالدولة تنشئ القانون الدولي باتفاق مع غيرها من الدول وتنشئ القانون الداخلي بإرادتها المنفردة وعلى كل دولة ان تراعي عند ممارستها العملية إنشاء القانون الداخلي احترام ما التزمت به دوليا فان لم تفعل ذلك تقوم بإصدار قانون يخالف التزاماتها الدولية فلا يترتب على ذلك بطلاقة القانون بل ينفذ القانون داخل الدولة وتتحمل الدولة المسؤولية الدولية لمخالفتها ما التزمت به دوليا .
إما من حيث الشكل : فالقواعد القانونية الدولية لا يمكن ان تكسب وصف التزام في دائرة القانون الداخلي إلا إذا تحولت الى القواعد قانون داخلية ، وفقا لإجراءات المتبقية في إصدار القوانين الداخلية
2- عدم اختصاص المحاكم الوطنية بتطبيق القانون الدولي
3- انه لا يمكن قيام تنازع او تعارض بين القانونين لاختلاف في نطاق تطبيق كل منهما ، وذلك لان التنازع بين القانونين لا يمكن حصوله إلا بين قانونين يشتركان في نطاق تطبيق واحد.
غير ان هذا لا يعني فقدان كل علاقة بين القانونين بل العلاقة قد تنشا بينهما بالإحالة او الاستقبال
فقد يحيل احد القانونين على الأخر لحل مسالة معنية وفقا لقواعد القانون المحال عليه ، على اعتبار ان تلك المسالة تدخل في دائرة سلطان هذا القانون وحده ويجب ان تعالج وفقا لإحكامه وهو داخل نطاقه الخاص . كان يحدد القانون الدولي حقوق الأجانب دون تعينهم فهو يحيل على القانون الداخلي تعيين من يعد وطنيا ومن يعد أجنبيا وقد يحيل القانون الداخلي على القانون الدولي كان يعفي القانون الداخلي الممثلين الدبلوماسيين من الضرائب او من الخضوع للقوانين الداخلية ويحيل القانون الداخلي قواعد القانون الدولي وتدمجها فيها بنص صريح فتكون عند إذ جزءا منها
تقدير نظرية ازدواج القانونين : انتقدت نظرية ازدواج القانونين واهم الانتقادات التي واجهت إليها هي الآتية :
ان الحجة المستمدة في اختلاف في المصادر بين القانون الدولي العام والقانون الداخلي تخلط بين أصل القاعدة القانونية وبين عوامل التعبير عنها والاختلاف في طريقة التعبير لا يؤدي الى الفصل بينهما نهائيا
1- ان الحجة المستمدة من اختلاف بين القانونين من حيث الأشخاص يرد عليها أكثر من مأخذ فمن ناحية نجد في نطاق كل قانون قواعد قانونية تخاطب ( أشخاصها مختلفين . يضاف الى ذلك انه قد يتطابق من الناحية الفنية أشخاص القانون في النظامين الدولي والداخلي فالدولة وهي الشخص القانوني المباشر في النظام القانوني ليس لها وجود بدون الإفراد الحاكمين والمحكومين الذي يتألف منهم عنصر السكان المكون للدولة ومن ثم كان الحاكمون المخاطبين الحقيقيين بقواعد القانون في النظامين الداخلي والدولي).
2- أما الحجة المستمدة في اختلاف طبيعة تركيب كل من النظامين الداخلي والدولي فيلاحظ انه لا يوجد بينهما اختلاف جذري يتعلق بطبيعة كل منهما وإنما الاختلاف شكلي يتعلق بدرجة تنظيم كل منهما ويعود سبب الاختلاف إلى التفاوت فيما بين الجماعة الدولية والجماعة الوطنية من حيث مدى الاندماج في الوسط الاجتماعي
المبحث الثاني : نظرية وحدة القانون: تجعل هذه النظرية من قواعد القانون الدولي العام وقواعد القانون الداخلي كتلة قانونية واحدة ، أي نظاما قانونيا واحدا لا ينفصل عن بعضه وتقوم هذه النظرية على فكرة التدرج القانوني الذاتي يقضي بضرورة خضوع القاعدة القانونية الأدنى مرتبة في السلم القانوني إلى القاعدة التي تعلوها ويستمد قوتها منها إلى أن ينتهي التدرج عند القاعدة الأساسية العامة التي تعد أساس القانون كله ودليل الوحدة القائمة بين فروعه ،على أنصار هذه النظرية قد اختلفوا في تحديد القانون الذي فيه القاعدة الأساسية العامة التي تسود جميع القواعد الأخرى وتكسب قوتها الإلزامية ففريق يرى باب القاعدة الأساسية العامة التي تعد أساس للقانون مثبتة في القانون الداخلي ومن دستور الدولة بالذات وذلك لان الدولة هي التي تحدد بإرادتها التزامات الدولة حيث لا توجد سلطة عليا فوق الدولة تحدد هذه الالتزامات وعلى ذلك فان القانون الدولي العام يتفرع عن القانون الداخلي وقد أطلق على هذا الرأي اسم نظرية وحدة القانون مع علوية القانون الداخلي ،
8
ويؤخذ على الرأي انه إذا استطاع ان يفسر الأساس الملزم لبعض القواعد القانونية ( المعاهدات ) فانه عاجز عن تفسير التزام الدولة بغير ذلك من القواعد القانونية الدولية وخاصة العرفية منها ومن ناحية أخرى فلو صح ان التزامات الدولة تستند الى دستور الدولة لبقي نفاذها خاضعا لنفاذ الدستور بحيث يؤدي كل تعديل او إلغاء للدستور الى تعديل و إلغاء لهذه الالتزامات ، وهذا بخلاف ما عليه واقع العمل الاجتماعي .
وهذا ذهب فريق كان بان القاعدة القانونية الأساسية العامة مثبتة في القانون الدولي العام وهذا يعني ان القانون الدولي يسمو على كافة نظم القانون . ذلك لان تدرج ومد القوانين بعضها على بعض على ما يقرر دعاة هذا الرأي يكون بحسب أتباع نطاق تطبيقها وحيث أن القانون الدولي العام هو المنظم الوحيد للجماعة الدولية فانه أسمى القوانين مرتبة وسلطان ،وبناءا على ذلك فان أنصار هذا الرأي يرون أن القانون الدولي العام نفوذا مباشرا في قوانين الدولة الداخلية دون الحاجة للنص فيها على ذلك ، وذهب بعضهم إلى ابعد من ذلك حيث قال بإمكان نسخ القانون الدولي العام لما يتعارض معه من الأحكام في القوانين الداخلية بحكم سيادته على هذه القوانين وقد أطلق على هذا الرأي اسم نظرية وحدة القانون مع علوية القانون الدولي ،ألا أن التسليم بهذا الرأي على هذا الوجه ينطوي على مجافاة كبيرة للواقع في المجالين الدستوري والدولي ، وذلك لان الدول أذا كانت قد سلمت بسيادة القانون الدولي العام على قوانينها وأقاليمها فإنها لم تقبل مع هذا تطبيقه المباشر على سلطاتها ورعايا بل علقت ذلك على أقرار في دساتيرها وقوانينها بمقتضى ما يعرف بنظام الدمج ، هذا في ناحية ومن ناحية أخرى فان هذا الرأي لا ينسجم مع المنطق التاريخي لأنه انتهى إلى القول بان القانون الداخلي يتفرع من القانون الدولي وهذا غير صحيح وذلك لان القانون الداخلي اسبق في الوجود من القانون الدولي حيث أن الدولة وجدت قبل وجود القانون الدولي بل أن وجود الدول هو الذي أدى إلى نشوء الجماعة الدولية وهو أمر أدى إلى ضرورة تنظيم العلاقات بين الدول .
المبحث الثالث : المفاضلة بين النظريتين ـ علو القانون الدولي على القانون الداخلي
في الواقع أن ما سارت عليه الدول لا يؤيد بصورة قاطعة وجه نظر أي من النظريتين وحدة القانون أو ازدواج القانونين ألا أن الاعتبارات العملية هي التي فرضت ضرورة علو القانون الدولي على القانون الداخلي ويؤكد هذا القول ما سارت عليه الدول سواء على نطاق الصعيد الوطني أم أجريت عليه في علاقاتها الدولية
أ – على الصعيد الدولي لقد استقر التعامل الدبلوماسي والقضاء الدولي على مبدأ علو القانون الدولي على القانون الداخلي وذلك على النحو الأتي
أولا: التعامل الدبلوماسي : لقد أقرت المعاهدات والمواثيق الدولية مبدأ علو القانون الدولي على القانون الداخلي فقد قضت مثلا بروتو كولات التحكم الفنزولية لسنة 1903 بان يحكم المحكومون طبقا لمبادئ القانون الدولي والعدالة دون آن يتقيدوا بدقة أحكام القانون الداخلي ،
ومن المعاهدات الحديثة التي أكدت هذا المبدأ أيضا الاتفاقية العامة المعقودة في 3حزيران 1955 بين تونس وفرنسا حيث نصت المادة 3 منها على اعتراف الحكومتين بعلوية الاتفاقات والمعاهدات على القانون الداخلي.