الباب السابع عشر
في حالة الإنسان في دنياه وما يحتاج أن يتزود منها
في حالة الإنسان في دنياه وما يحتاج أن يتزود منها
من كتاب : تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين
الراغب الأصفهاني
الإنسان مسافر ومبدأ سفره من حيث ما أشار إليه تعالى بقوله: )وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوٌ ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين(. وحيث قال في صفة نبيه: )وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى(. ومنتهى سفره دار السلام ودار القرار. وله في سفره أربعة منازل ظهر أبيه وبطن أمه وظهر الأرض والموقف، وله حالتان حالة هو فيها مستودع وهو ما دام في هذه المنازل، وحالة هو فيها مستقرٌ وهو إذا حصل في دار القرار وإلى ذلك أشار الله تعالى بقوله: )وهو الذي أنشأكم من نفسٍ واحدة فمستقر ومستودع(. والمنزل الذي فيه يحتاج إلى تزود ظهر الأرض فالإنسان في كدح وكبد ما لم ينته إلى دار القرار كما قال الله تعالى: )يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه(. وقال تعالى: )لقد خلقنا الإنسان في كَبد(. وهو مجبول على طلب الراحة لكن الناس في طلبها على ضربين ضرب عموا عن الآخرة وقالوا: )وما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا( أو فعلوا فعل من قال ذلك وإن لم يقولوا قولهم، فطلبوا الراحة من حيث لا راحة وهم كالموصوفين بقوله عز وجل: )والذين كفروا أعمالُهم كسراب بقيعة يحسبه الضمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً( وقوله: )إنما مثل الحياة الدنيا كماءٍ أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض..( الآية. فإنهم طلبوا من الدنيا ما ليس في طبيعتها ولا موجوداً فيها ولها. وما أحسن قول الشاعر:
أريد من زمني ذا أن يبلغنـي ما ليس يبلغه في نفسه الزمن
وقال آخر:
مضى قبلنا قوم رجوا أن يقوموا بلا تعب عيشاً فلم يتقوّمِ
وضرب عرفوا الدنيا والآخرة وعلموا أن الدنيا كما قال الله تعالى: )ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين وإن الدار الآخرة لهي الحيوان(. وعلمواأن فيها يستقر الإنسان ويطمئن كما قال الله تعالى: )يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية(. وإنه يحتاج إلى أن يسافر إليها كما قال عليه السلام: "سافروا تغنموا". فاحتملوا المشقة، علماً أن كل تعب يؤديهم إلى راحة فهو راحة فسعدوا كما قال الله تعالى: )وأما الذين سعدوا ففي الجنة(.
وقد جعل للإنسان حرثين مفيدين لزادين: احدهما روحاني كالمعارف والحكم والعبادات والاخلاق الحميدة، وثمرته الحياة الابدية والغني الدائم، والاستكثار منه محمود ولا يكاد يطلبه الاَّ من قد عرفه وعرف منفعته. والثاني جسماني كالمال والاثاث، وفي الجملة ما قد نبه الله تعالى عليه بقوله: )زُين للناس حبُّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوَّمة والانعام والحرث(. وثمرته ان تحصل به الحياة الدنيوية الفانية، ويسترجع من الإنسان اذا فارق دنياه، ولا ينتفع منه بشيء الاَّ بقدر ما أستعان به في الوصول إلى الزاد الأُخروي كما نبه الله تعالى عليه بقوله: )وما الحياة الدنيا في الآخرة الاَّ متاع(. ولا يولع بالركون اليها الا من جهل حقائقها ومنافعها. والاستكثار منه ليس بمذموم ما لم يكن مثبطاً لصاحبه عن مقصده، وكان متناولاً على الوجه الذي يجب وكما يجب، ومجعولاً الى الوجه الذي ينتفع به في مقصده، لكن تناوله على هذا الوجه والاستكثار منه لا يتأتى الاَّ اذا كان السلطان عادلاً والامور جارية على أَذلالها فيحفظ الناس معاملاتهم على مقتضى الشرع، ثم يكون صاحبه اذا تناوله كما قال تعالى: )ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أُوتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة(. فاذا لم يكن الامر كما ذكرنا من الاستقامة فليس الا الاقتصاد والاقتصار والتبلغ بما امكن حتى ينقضي السفر. الموفق في الدنيا اذا رأَى نفسه قاصرة عن الجمع بين الامرين اهتم بما يبقى واقل العناية بما يفني وآثر الآخرة على الدنيا فلا يلتفت إلى الدنيا الاَّ بقدر ما يتبلغ به إلى الآخرة مراعياً فيه حكم الشرع ومحافظاً لقول الله عز وجل: )يا ايها الناس ان وعد الله حقٌّ فلا تغرنَّكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور( وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما انا والدنيا انما مَثَلي فيها مثل راكب سار في يوم صائف فرفعت له شجرة فنزل فقام في ظلها ساعة ثم راح وتركها". وقد نبه الله تعالى على حال من يريد ان يتجرد ويتخلص من حبالة الدنيا على سبيل المثال بقوله: )ان الله مبتليكم بنَهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني الا من اغترف غرفة بيده(. ومحبة الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم رأس كل خطيئة.وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم: "من سكن قلبه حبُّ الدنيا بثلاثةٍ شغلٍ لا يبلغ مَداه وفقر لا يبلغ غناه وامل لا يبلغ منتهاه". وقال صلى الله عليه وسلم: "من كانت الدنيا اكبر همه فرَّق الله تعالى همته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا الا ما كتب له ومن كانت الآخرة اكبر همه جمع الله تعالى شمله وجعل غناه في قلبه واتته الدنيا وهي راغمة" وهذا معنى قوله عز وجل: )من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب( ومعرفة ذلك والوصول اليه لا يمكن الا ان يستضيء العقل بنور الشرع معتمداً على من له الخلق والأَمر.
وقد جعل للإنسان حرثين مفيدين لزادين: احدهما روحاني كالمعارف والحكم والعبادات والاخلاق الحميدة، وثمرته الحياة الابدية والغني الدائم، والاستكثار منه محمود ولا يكاد يطلبه الاَّ من قد عرفه وعرف منفعته. والثاني جسماني كالمال والاثاث، وفي الجملة ما قد نبه الله تعالى عليه بقوله: )زُين للناس حبُّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسوَّمة والانعام والحرث(. وثمرته ان تحصل به الحياة الدنيوية الفانية، ويسترجع من الإنسان اذا فارق دنياه، ولا ينتفع منه بشيء الاَّ بقدر ما أستعان به في الوصول إلى الزاد الأُخروي كما نبه الله تعالى عليه بقوله: )وما الحياة الدنيا في الآخرة الاَّ متاع(. ولا يولع بالركون اليها الا من جهل حقائقها ومنافعها. والاستكثار منه ليس بمذموم ما لم يكن مثبطاً لصاحبه عن مقصده، وكان متناولاً على الوجه الذي يجب وكما يجب، ومجعولاً الى الوجه الذي ينتفع به في مقصده، لكن تناوله على هذا الوجه والاستكثار منه لا يتأتى الاَّ اذا كان السلطان عادلاً والامور جارية على أَذلالها فيحفظ الناس معاملاتهم على مقتضى الشرع، ثم يكون صاحبه اذا تناوله كما قال تعالى: )ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أُوتوا ويؤثرون على انفسهم ولو كان بهم خصاصة(. فاذا لم يكن الامر كما ذكرنا من الاستقامة فليس الا الاقتصاد والاقتصار والتبلغ بما امكن حتى ينقضي السفر. الموفق في الدنيا اذا رأَى نفسه قاصرة عن الجمع بين الامرين اهتم بما يبقى واقل العناية بما يفني وآثر الآخرة على الدنيا فلا يلتفت إلى الدنيا الاَّ بقدر ما يتبلغ به إلى الآخرة مراعياً فيه حكم الشرع ومحافظاً لقول الله عز وجل: )يا ايها الناس ان وعد الله حقٌّ فلا تغرنَّكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور( وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما انا والدنيا انما مَثَلي فيها مثل راكب سار في يوم صائف فرفعت له شجرة فنزل فقام في ظلها ساعة ثم راح وتركها". وقد نبه الله تعالى على حال من يريد ان يتجرد ويتخلص من حبالة الدنيا على سبيل المثال بقوله: )ان الله مبتليكم بنَهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني الا من اغترف غرفة بيده(. ومحبة الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم رأس كل خطيئة.وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم: "من سكن قلبه حبُّ الدنيا بثلاثةٍ شغلٍ لا يبلغ مَداه وفقر لا يبلغ غناه وامل لا يبلغ منتهاه". وقال صلى الله عليه وسلم: "من كانت الدنيا اكبر همه فرَّق الله تعالى همته وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا الا ما كتب له ومن كانت الآخرة اكبر همه جمع الله تعالى شمله وجعل غناه في قلبه واتته الدنيا وهي راغمة" وهذا معنى قوله عز وجل: )من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب( ومعرفة ذلك والوصول اليه لا يمكن الا ان يستضيء العقل بنور الشرع معتمداً على من له الخلق والأَمر.