الباب الثالث عشر
في أسباب تفاوت الناس
في أسباب تفاوت الناس
من كتاب : تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين
الراغب الأصفهاني
الراغب الأصفهاني
أسباب ذلك سبعة أشياء:
الأول :- اختلاف الأمزجة وتفاوت الطينة واختلاف الخلقة، كما أشير فيما روي أن الله تعالى لما أراد خلق آدم عليه السلام أمر أن يؤخذ من كل أرض قبضةٌ، فجاء بنو آدم على قدر طينتها الأحمر والأبيض والأسود والسهل والحزْنُ والطيب والخبيث، وإلى نحو هذا أشار الله تعالى بقوله: )والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خَبُثَ لا يخرج إلاّ نكدا(. وقال تعالى: )هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء(
والثاني : اختلاف أحوال الوالدين في الصلاح والفساد، وذلك أن الإنسان قد يرث من أبويه آثار ما هما عليه من جميل السيرة والخلق وقبيحهما، كما يرث مشابهتَهُما في خلقهما، ولهذا قال الله تعالى: )وكان أبوهما صالحا(. وعلى نحوه روي أنه قال التوراة "إِني إذا رضيتُ باركتُ وإِن بركتي لتبلغ البطن السابع وإذ سَخِطْتُ لعنتُ وإِن لعنتي لتبلغ البطن السابع" تنبيهاً على أن الخير والشر الذي يكسبه الإنسان ويتخلق به يبقى أثره موروثاً إلى البطن السابع.
والثالث : اختلاف ما تتكوَّن منه النطفة التي يكون منها الولد، ودم الطمث الذي يتربى به الولد، فذلك له تأثيرٌ بحسب طيب ما تكونا منه وخبثه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "تخيروا لنطفكم" وقال: "الناكح غارس فلينظر أحدكم أين يضع غرسه" وقال: "إياكم وخضراء الدّمن، قيل وما خضراءُ الدمن قال: "المرأة الحسناءُ في المنبت السوء"
والرابع :- اختلاف ما يتفقد به من الرضاع ومن طيب المطعم الذي يتربى به، ولتأثير الرضاع يقول العرب لمن تصفه بالفضل: "لله درُّه"
والخامس :- اختلاف أحوالهم في تأديبهم وتلقينهم وتطبيعهم وتعويدهم العادات الحسنة والقبيحة، فحق الولد على الوالدين أن يؤخذ بالآداب الشرعية وأخطار الحق بباله وتعويده فعل الخير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مُروهم بالصلاة لسبع واضربوهم لعشر" ويجب أن يصان عن مجالسة الأردياء، فإنه في حال صباه كالشمع يتشكل بكل شكل يُشكل به، وأن يحسن في عينه المدح والكرامة ويقبح عنده الذم والمهانة، ويبغض إليه الحرص على المآكل والمشارب، ويعود الاقتصاد في تناولها ومخالفة الشهوة ومجانبة ذوي السخف، ويؤخذ بقلة النوم في النهار، فهو يشيب ويورث الكسل ويعود التأني في أفعاله وأقواله، ويمنع من مفاخرة الأقران ومن الضرب والشتم والعبث والاستكثار من الذهب والفضة، ويعوِّد صلة الرحم وحسن تأدية فروض الشرع. قال بعض الحكماء: "من سعادة الإنسان أن يتفق له في صباه من يعوّده تعاطي الشريعة حتى إذا بلغ الحلم وعرف وجوبها فوجدها مطابقة لما تعوده قويت بصيرته ونفذت في تعاطيها عزيمته"
والسادس :- اختلاف من يتخصص به ويخالطه، فيأخذ طريقته فيما يتمذهب به )عن المرءِ لا تسأل وابصر قرينه(
والسابع :- اختلاف اجتهاده في تزكية نفسه بالعلم والعمل حين استقلاله بنفسه. والفاضل التام الفضيلة من اجتمعت له هذه الأسباب المسعدة. وهو أن يكون طيب الطينة معتدل الأمزجة جارياً في أصلاب آباءٍ صالحين ذوي أمانة واستقامة، متكوناً من نطفة طيبة ومن دم طمث طيب على مقتضى الشرع، ومرتضعاً بدَرٍ طيب ومأخوذاً في صغره من قبل مربيه بالآداب الصالحة وبالصيانة عن مصاحبة الأشرار، ومتخصصاً بعد بلوغه بمذهب حق ومجهداً نفسه في تعرف الحق مسارعاً إلى الخير.
فمن وُفق في هذه الأشياء تنجع فيه الخيرات من جميع الجهات كما قال الله تعالى: (لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم). ويكون جديراً أن يعد ممن وصفه الله تعالى بقوله: (وأنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار). والرذل التام الرذيلة هو من يكون بعكس هذا في الأمور التي ذكرناها.
واعلم أن من طابت أحواله انتفع بكل ما سمعه وشاهده أن خيراً وأن شراً، ومن خبثت أحواله استضر بكل ما سمعه وشاهده. وعلى ذلك دلَّ الله تعالى بقوله: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً).
فالخبيث من الأرض وإن طاب بذره وعذب ماؤه لا ينبت إلاّ خبيثاً، والطيب من الأرض وإن كدر بذره وملح ماؤه لا ينبت إلاّ طيباً، ولذلك قال يسبحانه وتعالى في كتابه: (تسقى بماءٍ واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل) وقال في صفة كتابه: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاؤٌ والذين لا يؤمنون في آذانهم وقرٌ عليهم عمىّ).
الأول :- اختلاف الأمزجة وتفاوت الطينة واختلاف الخلقة، كما أشير فيما روي أن الله تعالى لما أراد خلق آدم عليه السلام أمر أن يؤخذ من كل أرض قبضةٌ، فجاء بنو آدم على قدر طينتها الأحمر والأبيض والأسود والسهل والحزْنُ والطيب والخبيث، وإلى نحو هذا أشار الله تعالى بقوله: )والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خَبُثَ لا يخرج إلاّ نكدا(. وقال تعالى: )هو الذي يصوّركم في الأرحام كيف يشاء(
والثاني : اختلاف أحوال الوالدين في الصلاح والفساد، وذلك أن الإنسان قد يرث من أبويه آثار ما هما عليه من جميل السيرة والخلق وقبيحهما، كما يرث مشابهتَهُما في خلقهما، ولهذا قال الله تعالى: )وكان أبوهما صالحا(. وعلى نحوه روي أنه قال التوراة "إِني إذا رضيتُ باركتُ وإِن بركتي لتبلغ البطن السابع وإذ سَخِطْتُ لعنتُ وإِن لعنتي لتبلغ البطن السابع" تنبيهاً على أن الخير والشر الذي يكسبه الإنسان ويتخلق به يبقى أثره موروثاً إلى البطن السابع.
والثالث : اختلاف ما تتكوَّن منه النطفة التي يكون منها الولد، ودم الطمث الذي يتربى به الولد، فذلك له تأثيرٌ بحسب طيب ما تكونا منه وخبثه، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: "تخيروا لنطفكم" وقال: "الناكح غارس فلينظر أحدكم أين يضع غرسه" وقال: "إياكم وخضراء الدّمن، قيل وما خضراءُ الدمن قال: "المرأة الحسناءُ في المنبت السوء"
والرابع :- اختلاف ما يتفقد به من الرضاع ومن طيب المطعم الذي يتربى به، ولتأثير الرضاع يقول العرب لمن تصفه بالفضل: "لله درُّه"
والخامس :- اختلاف أحوالهم في تأديبهم وتلقينهم وتطبيعهم وتعويدهم العادات الحسنة والقبيحة، فحق الولد على الوالدين أن يؤخذ بالآداب الشرعية وأخطار الحق بباله وتعويده فعل الخير كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مُروهم بالصلاة لسبع واضربوهم لعشر" ويجب أن يصان عن مجالسة الأردياء، فإنه في حال صباه كالشمع يتشكل بكل شكل يُشكل به، وأن يحسن في عينه المدح والكرامة ويقبح عنده الذم والمهانة، ويبغض إليه الحرص على المآكل والمشارب، ويعود الاقتصاد في تناولها ومخالفة الشهوة ومجانبة ذوي السخف، ويؤخذ بقلة النوم في النهار، فهو يشيب ويورث الكسل ويعود التأني في أفعاله وأقواله، ويمنع من مفاخرة الأقران ومن الضرب والشتم والعبث والاستكثار من الذهب والفضة، ويعوِّد صلة الرحم وحسن تأدية فروض الشرع. قال بعض الحكماء: "من سعادة الإنسان أن يتفق له في صباه من يعوّده تعاطي الشريعة حتى إذا بلغ الحلم وعرف وجوبها فوجدها مطابقة لما تعوده قويت بصيرته ونفذت في تعاطيها عزيمته"
والسادس :- اختلاف من يتخصص به ويخالطه، فيأخذ طريقته فيما يتمذهب به )عن المرءِ لا تسأل وابصر قرينه(
والسابع :- اختلاف اجتهاده في تزكية نفسه بالعلم والعمل حين استقلاله بنفسه. والفاضل التام الفضيلة من اجتمعت له هذه الأسباب المسعدة. وهو أن يكون طيب الطينة معتدل الأمزجة جارياً في أصلاب آباءٍ صالحين ذوي أمانة واستقامة، متكوناً من نطفة طيبة ومن دم طمث طيب على مقتضى الشرع، ومرتضعاً بدَرٍ طيب ومأخوذاً في صغره من قبل مربيه بالآداب الصالحة وبالصيانة عن مصاحبة الأشرار، ومتخصصاً بعد بلوغه بمذهب حق ومجهداً نفسه في تعرف الحق مسارعاً إلى الخير.
فمن وُفق في هذه الأشياء تنجع فيه الخيرات من جميع الجهات كما قال الله تعالى: (لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم). ويكون جديراً أن يعد ممن وصفه الله تعالى بقوله: (وأنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار). والرذل التام الرذيلة هو من يكون بعكس هذا في الأمور التي ذكرناها.
واعلم أن من طابت أحواله انتفع بكل ما سمعه وشاهده أن خيراً وأن شراً، ومن خبثت أحواله استضر بكل ما سمعه وشاهده. وعلى ذلك دلَّ الله تعالى بقوله: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً).
فالخبيث من الأرض وإن طاب بذره وعذب ماؤه لا ينبت إلاّ خبيثاً، والطيب من الأرض وإن كدر بذره وملح ماؤه لا ينبت إلاّ طيباً، ولذلك قال يسبحانه وتعالى في كتابه: (تسقى بماءٍ واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل) وقال في صفة كتابه: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاؤٌ والذين لا يؤمنون في آذانهم وقرٌ عليهم عمىّ).