خطبة عيد الفطر
جائزة الصائمين
د. محمد الفزيع
الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر
الله أكبر كبيراً ، والحمد لله بكرة وأصيلاً .
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون .
الحمد لله الذي سخر الليل والنهار ، والشمس والقمر ، كل في فلك يسبحون .
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ، ليحكم بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون .
الحمد لله الذي جعل جنات الفردوس نزلاً يتنافس فيه المتنافسون .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنفع العبد يوم لا ينفع مال ولا بنون .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الحوض المورود والمقام المحمود واللواء المعقود والكرم والجود ، أول من تفتخ له أبواب الجنان ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الذي تنقطع فيه المنون .
أيها المسلمون :
ها قد رحل عنا شهر الجود والكرم ، شهر الصيام والقيام والقرآن ، شهر البر والجود والإحسان، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر، فليت شعري من المقبول منا فنهنيه ، ومن المطرود المحروم منا فنعزيه ؟
أيها الصائمون :
إن يومكم هذا، يوم عظيم ، وعيد كريم، في هذا اليوم الذي توج الله به شهر الصيام ؛ تعلن النتائج وتوزع الجوائز، في هذا اليوم يفرح الذين جدوا واجتهدوا في رمضان، سبق قوم ففازوا، وتأخر آخرون فخابوا، في هذا اليوم يفرح المصلون ، ويندم الكسالى النائمون والعابثون اللاعبون .
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
إن الجوائز الإلهية والمنح الربانية التي توزع اليوم ما هي إلا جزء من الجوائز العظيمة والمنح الكريمة والعطايا الجليلة التي يخص الله بها عباده الصائمين يوم القيامة ، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله : للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح ، وإذا لقي ربه فرح بصومه ) .قال ابن رجب : (وأما فرحه عند لقاء ربه، ففيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرا ) .
تصور نفسك أيها الصائم حينما تقف بين يدي الديان تبارك وتعالى يوم القيامة ، فيعرض عليك سجلاتك التي لن تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها ، فتجدها مثقلة بجبال الحسنات التي أكرمك بها جزاءً على صيامك وصلاتك وزكواتك وصدقاتك ، لكنك مع هذا فإن خوفاً يساورك على ما اقترقت من ذنوب وخطايا ، وتخشى أن تـأكل حسناتك أكلاً ، فلا تدري إلا وينبري لك صيامك وقراءتك القرآن فيشفعان لك ويطلبان من العفو الغفور أن يعفو عنك ويتجاوز عن سيئاتك ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد ، يقول الصيام رب إني منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، فيشفعان ) رواه أحمد ، فيقبل الله شفاعتهما ، ثم يتفضل المنان عليك بأعظم نعمة وأجلها ، وهي العتق من النيران ، والفوز بالجنان ، جزاءً وفاقاً على إحسانك ، ثم يعطيك كتابك بيمينك ، فترفع يديك بين البشر وتصرخ ( هاؤم اقرؤوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه) .
هذا جزاؤك ، وهذه هديتك ، وهذا قدرك ، سمعت أمر ربك فأخذته ، قرأت كتابه فالتزمته ، عرفت رسوله فاتبعته ، فكان جزاؤك أعظم جزاء ، الجنة دار المتقين ، وعدك الوهاب بها فأوفى بوعده ( جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ).
فتيمم وجهك شطر الجنة وتمر على الصراط كلمح البصر ، أو كلمح البرق ، أو كجياد الخيل ، أو كجياد الرجال ، حتى تقف عند باب الريان الذي أعده الكريم للصائمين دون غيرهم ، روى سهل بن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن في الجنة بابا يقال له: الريان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد ) فتضع رجلك عند باب الجنة فتستقبلك الملائكة الكرام بأحلى كلمة ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) فتطأ الجنة برجلك ، وتصبح في وهلة واحدة ، وفي لمحة سريعة ، بل في لمحة بصر ، من أهل الجنة التي أعد الله فيها لعباده الصالحين ما لا يخطر ببال ولم يدر في خيال ، قال رسول الله ( قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين : ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، واقرؤوا إن شئتم : (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) قال ابن كثير – رحمه الله - : ( أي: فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد، لَمَّا أخفوا أعمالهم أخفى الله لهم من الثواب، جزاء وفاقا؛ فإن الجزاء من جنس العمل ) .
ستدخل الجنة التي بناها القوي العزيز بأجمل بناء وأبهجه ، لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، وجعل المسك طينتها ، وفرشها باللؤلؤ والياقوت ، وأنبت في أرضها الزعفران ، ثم تساق سوقاً إلى قصرك الذي أعده الله لك ، يقول الله ( ويدخلهم الجنة عرفها لهم ) قال القرطبي : (أي إذا دخلوها يقال لهم تفرقوا إلى منازلكم ؛ فهم أعرف بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم ) ولا تدري فقد يكون قصرك من القصور الجميلة التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله : ( إن في الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها . فقام إليه أعرابي فقال لمن هي يا رسول الله ؟ قال : ( هي لمن أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى لله بالليل والناس نيام ) رواه الترمذي .
بل إنك لا تدري فقد يكون قصرك تلك الخيمة من اللؤلؤ التي أعدها الله لعباده المؤمنين ، قال - صلى الله عليه وسلم - حينما قال : ( إن للمؤمن فى الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة ، طولها ستون ميلا ، للمؤمن فيها أهلون ، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا ) رواه مسلم .
تقف عند باب قصرك ، وتستقبل استقبالاً لم يحلم به أعظم ملوك الدنيا ، إذ الحور العين على الباب واقفات ، وعند الناصية صافات ، طاهرات مطهرات ، قاصرات الطرف مطيعات ، الواحدة منهن كاللؤلو المكنون ، يحار الطرف في حسنها ، وكأنه يريد أن يشرب من كأس جمالها ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الدنيا لأضاءت ما بينهما ، ولملأته ريحا ، ولنصيفها - خمارها - على رأسها خير من الدنيا وما فيها ) رواه البخاري .
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
ستبدأ بعدها أيها الصائم رحلة النعيم ، فتبدأها بقصرك الكبير ، المفروش ببسط الحرير ، وتجلس على ذاك السرير ، وتلبس الذهب والفضة: ( يحلون فيها من أساور من ذهب ولباسهم فيها حرير ) وإلى جانبك الحور العين اللائي وصفهن الله بأنهن كالياقوت والمرجان ، والخدم الذين هم في الجمال كاللؤلو المنثور ( ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً ) وتشرب في أواني الذهب والفضة ( ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة قدروها تقديرا ) وتأكل ألوان الفاكهة وأصنافها ( وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وفرش مرفوعة ) فتعيش في النعيم ، وتتقلب في النعيم ، تأكل النعيم ، وتشربه ، وتتنفس هواءه ، وستكون حالك كما قال الله تعالى : ( إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون في جنات النعيم على سرر متقابلين يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون وعندهم قاصرات الطرف عين كأنهن بيض مكنون ) .
فتسأل نفسك أفي الجنة أعظم من هذا النعيم ؟ فتخرج من قصرك ، فتجد أن الله تعالى بنى لك بيتاً آخر جزاءً لك على المسجد الذي بنيته في الدنيا ( من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة ) وبيتاً آخر جزاءً لك على السنن الرواتب التي كنت تصليها ( من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة) وبيتاً ثالثاً في طرف الجنة جزاء تركك المراء والجدال ، وبيتاً رابعاً جزاءً على تحريك الصدق في حديثك ، وبيتاً خامساً جزاءً على خلقك الحسن في الدنيا ، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( أنا زعيم ببيت في ربض - طرف - الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا ، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ) وفي كل بيت من هذه البيوت عجب عجاب لم تره في حياتك قط .
تنتقل بين هذه القصور والبيوت ثم تكتشف بعدها أمراًَ آخر ، إذ ستجد ملايين الأشجار التي غرسها الله لك جزاء على تسبيحك وتحميدك في الدنيا ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر غرس الله له بكل واحدة منهن شجرة في الجنة ) فبكل تسبيحة شجرة ، وكل تحميدة شجرة ، وكل تهليلة شجرة ، وكل تكبيرة شجرة ، وهكذا تتوالى الأشجار وتجتمع في رصيدك حتى تبلغ الملايين ، فتدرك عظمة ملك الله ، وتتذكر حينها تلك الآية العظيمة التي لم تفهم حقيقتها حق الفهم في الدنيا : ( وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيراً ) وإذا كانت هذه البيوت والقصور والخدم والحور، لعبد من عباده ! فما بالكم بما أعد الله للأنبياء والشهداء ؟
تتجول بين قصورك وبيوتك ، متأملاً في أنهار الجنة التي سيرها الله تحت قصورك وبيوتك ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ) فتتجول بين هذه الأنهار، وحينها سترى لأول مرة أنهار اللبن ، وأنهار الخمر ، وأنهار العسل ، كما سترى نهراً يشق الجنة شقاً ، وعلى حافتيه عذارى من الحور العين يغنين بأحسن أصوات يسمعها الخلائق حتى ما يرون أن في الجنة لذة مثلها .
تتجول في أرجاء الجنة وأطرافها ؛ فتتذكر حالك في الدنيا حينما كنت عبداً ذليلاً راكعاً ساجداً لله ، وتتذكر صيامك وصلاتك وصدقاتك ، ثم تتذكر أقاربك وأرحامك ، فيجمعك الله بهم - إن كانوا من الصالحين - ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين ) فتلتقي بزوجتك إن كانت صالحة ، وذريتك إن كانوا مؤمنين ، وستلتقي دون مقدمات بولدك الذي مات قبل بلوغه ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( يتلقى أحدهم أباه - أو قال أبويه - فيأخذ بثوبه كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا فلا يتناهى - أو قال ينتهي - حتى يدخله وأباه الجنة ) رواه مسلم .
وهكذا تستقر في الجنة ويجمع الله لك أسرتك ، فتتذكر أصدقاءك وجيرانك وخلانك ، فتلتقي بهم وقد تتذكرون بعضاً من أخبار الدنيا : ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم ) .
أما أعظم نعمة وأجزلها وأجملها ؛ فهي رؤية المؤمنين ربهم تبارك وتعالى رأي العين ، كما كانوا يرون الشمس والقمر في الدنيا ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله - تبارك وتعالى - تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار ؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل ) رواه مسلم .
فهذه جائزة الصيام ، أعدها الكريم لعباده الصائمين ، قال تعالى : ( كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية ) قال مجاهد : الأيام الخالية هي أيام الصيام ، أي : كلوا واشربوا بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه الله ) .
اللهم ارزقنا الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ،وتقبل صيامنا وقيامنا ، إنك سميع الدعاء .
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الله أكبر سبعاً
الله أكبر كبيراً ، والحمد لله بكرة وأصيلاً .
الحمد لله الذي استحمد بفضله ، ورضي الحمد شكرا من خلقه ، أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وبعد .
فلقد مر بنا شهر رمضان كطيف خيال، مرّ بخيراته وبركاته ، إن أودعت فيه خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، ونسأل الله تعالى أن يبارك فيما كان فيه من خير ، وأن يتجاوز عما كان فيه من تقصير، وأن يتقبل صيامنا وقيامنا .
أيها المؤمنون :
إن العاقل الفطن لا يفكر في العيد ؛ بقدر تفكيره واهتمامه بقبول الله تعالى لعمله ، إذ إن مصيبة المصائب أن تصوم ثم يرد عليك صيامك ، وأن تصلي فلا تقبل صلاتك ، وهذه والله مصيبة المصائب ، قال علي ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل ، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول : ( إنما يتقبل الله من المتقين ) .
وسألت عائشة - رضي الله عنها - رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم - عن قوله سبحانه: ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قالت : أهُم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ قال: (لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصلّون ويصومون ويتصدّقون ، ويخافون أن لا يُتقبَّل منهم) وكان بعض السلف يظْهَرُ عليه الحزن يوم عيد الفطر فيقال له : إنه يوم فرح وسرور فيقول : صدقتم ، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً فلا أدري أيقبله مني أم لا ؟فنسأل الله تعالى أن يتقبل عملنا وعملكم وصيامنا وصيامكم .
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
إن من أعظم علامات قبول العمل في رمضان ، التوبة النصوح من جميع الذنوب الماضية والعزيمة الصادقة على الاستقامة على الطاعة في الأيام القادمة ، فما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحها ، وأحسن منها الحسنة بعد الحسنة تتلوها .
يقول الله تعالى : ( وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله - عز وجل - يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار , ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل , حتى تطلع الشمس من مغربها ) .
فيا مقصراً في أداء الصلاة مع الجماعة في المساجد ما أجمل التوبة بعد رمضان .
ويا أيها العاق لوالديه ما أجمل التوبة بعد رمضان .
أخي قاطع الرحم ما أجمل التوبة بعد رمضان .
أخي المقصر في حق زوجته ما أجمل التوبة بعد رمضان .
أخي المقصر في حق أولاده ما أجمل التوبة بعد رمضان .
أخي المقصر في حق جيرانه ما أجمل التوبة بعد رمضان .
أخي العاشق للغيبة والحديث في أعراض الناس وأسرارهم ما أجمل التوبة بعد رمضان .
أخي آكل الربا ما أجمل التوبة وأكل الحلال بعد رمضان .
أخي المدخن ما أجمل التوبة بعد رمضان .
أختي غير المحجبة ما أجمل الحجاب بعد رمضان .
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المقبولين ، وأن يختم لنا بخير وأن يجمعنا على خير ، ثم صلوا وسلموا على خير الورى ، فقد أمركم بذلك ربكم تبارك وتعالى ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً )
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وآمنا في أوطاننا ، واشف مرضانا ، وارحم موتانا ، وبلغنا مما يرضيك آمالنا ، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا .
اللهم إنا نسألك خير المسألة ، وخير الدعاء ، وخير النجاح ، وخير العمل ، وخير الثواب ، وخير الحياة ، وخير الممات ، وثبتنا ، وثقل موازيننا ، وحقق إيماننا ، وارفع درجاتنا ، وتقبل صلاتنا ، وصيامنا ، واغفر خطيئاتنا ، ونسألك الدرجات العلى من الجنة .
اللهم إنا نسألك فواتح الخير ، وخواتمه ، وجوامعه وأوله وآخره ، وظاهره ، وباطنه .
اللهم إنا نسألك أن ترفع ذكرنا ، وتضع وزرنا ، وتصلح أمرنا ، وتطهر قلوبنا ، وتحصن فروجنا ، وتنور قلوبنا ، وتغفر لنا ذنوبنا ، ونسألك الدرجات العلى من الجنة .
وتقبل الله طاعتكم ، وكل عام وأنتم بخير ، وأدام الله أفراحكم في دياركم العامرة ، والحمد لله رب العالمين .
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ، ثم الذين كفروا بربهم يعدلون .
الحمد لله الذي سخر الليل والنهار ، والشمس والقمر ، كل في فلك يسبحون .
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ، ليحكم بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون .
الحمد لله الذي جعل جنات الفردوس نزلاً يتنافس فيه المتنافسون .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنفع العبد يوم لا ينفع مال ولا بنون .
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صاحب الحوض المورود والمقام المحمود واللواء المعقود والكرم والجود ، أول من تفتخ له أبواب الجنان ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الذي تنقطع فيه المنون .
أيها المسلمون :
ها قد رحل عنا شهر الجود والكرم ، شهر الصيام والقيام والقرآن ، شهر البر والجود والإحسان، ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر، فليت شعري من المقبول منا فنهنيه ، ومن المطرود المحروم منا فنعزيه ؟
أيها الصائمون :
إن يومكم هذا، يوم عظيم ، وعيد كريم، في هذا اليوم الذي توج الله به شهر الصيام ؛ تعلن النتائج وتوزع الجوائز، في هذا اليوم يفرح الذين جدوا واجتهدوا في رمضان، سبق قوم ففازوا، وتأخر آخرون فخابوا، في هذا اليوم يفرح المصلون ، ويندم الكسالى النائمون والعابثون اللاعبون .
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
إن الجوائز الإلهية والمنح الربانية التي توزع اليوم ما هي إلا جزء من الجوائز العظيمة والمنح الكريمة والعطايا الجليلة التي يخص الله بها عباده الصائمين يوم القيامة ، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال الله : للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح ، وإذا لقي ربه فرح بصومه ) .قال ابن رجب : (وأما فرحه عند لقاء ربه، ففيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخرا ) .
تصور نفسك أيها الصائم حينما تقف بين يدي الديان تبارك وتعالى يوم القيامة ، فيعرض عليك سجلاتك التي لن تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها ، فتجدها مثقلة بجبال الحسنات التي أكرمك بها جزاءً على صيامك وصلاتك وزكواتك وصدقاتك ، لكنك مع هذا فإن خوفاً يساورك على ما اقترقت من ذنوب وخطايا ، وتخشى أن تـأكل حسناتك أكلاً ، فلا تدري إلا وينبري لك صيامك وقراءتك القرآن فيشفعان لك ويطلبان من العفو الغفور أن يعفو عنك ويتجاوز عن سيئاتك ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الصيام والقرآن يشفعان للعبد ، يقول الصيام رب إني منعته الطعام والشراب بالنهار فشفعني فيه ، ويقول القرآن رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، فيشفعان ) رواه أحمد ، فيقبل الله شفاعتهما ، ثم يتفضل المنان عليك بأعظم نعمة وأجلها ، وهي العتق من النيران ، والفوز بالجنان ، جزاءً وفاقاً على إحسانك ، ثم يعطيك كتابك بيمينك ، فترفع يديك بين البشر وتصرخ ( هاؤم اقرؤوا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه) .
هذا جزاؤك ، وهذه هديتك ، وهذا قدرك ، سمعت أمر ربك فأخذته ، قرأت كتابه فالتزمته ، عرفت رسوله فاتبعته ، فكان جزاؤك أعظم جزاء ، الجنة دار المتقين ، وعدك الوهاب بها فأوفى بوعده ( جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ).
فتيمم وجهك شطر الجنة وتمر على الصراط كلمح البصر ، أو كلمح البرق ، أو كجياد الخيل ، أو كجياد الرجال ، حتى تقف عند باب الريان الذي أعده الكريم للصائمين دون غيرهم ، روى سهل بن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن في الجنة بابا يقال له: الريان ، يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه أحد غيرهم ، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد ) فتضع رجلك عند باب الجنة فتستقبلك الملائكة الكرام بأحلى كلمة ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) فتطأ الجنة برجلك ، وتصبح في وهلة واحدة ، وفي لمحة سريعة ، بل في لمحة بصر ، من أهل الجنة التي أعد الله فيها لعباده الصالحين ما لا يخطر ببال ولم يدر في خيال ، قال رسول الله ( قال الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين : ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، واقرؤوا إن شئتم : (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ) قال ابن كثير – رحمه الله - : ( أي: فلا يعلم أحد عظمة ما أخفى الله لهم في الجنات من النعيم المقيم، واللذات التي لم يطلع على مثلها أحد، لَمَّا أخفوا أعمالهم أخفى الله لهم من الثواب، جزاء وفاقا؛ فإن الجزاء من جنس العمل ) .
ستدخل الجنة التي بناها القوي العزيز بأجمل بناء وأبهجه ، لبنة من ذهب ، ولبنة من فضة ، وجعل المسك طينتها ، وفرشها باللؤلؤ والياقوت ، وأنبت في أرضها الزعفران ، ثم تساق سوقاً إلى قصرك الذي أعده الله لك ، يقول الله ( ويدخلهم الجنة عرفها لهم ) قال القرطبي : (أي إذا دخلوها يقال لهم تفرقوا إلى منازلكم ؛ فهم أعرف بمنازلهم من أهل الجمعة إذا انصرفوا إلى منازلهم ) ولا تدري فقد يكون قصرك من القصور الجميلة التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله : ( إن في الجنة غرفا يرى ظهورها من بطونها وبطونها من ظهورها . فقام إليه أعرابي فقال لمن هي يا رسول الله ؟ قال : ( هي لمن أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وأدام الصيام ، وصلى لله بالليل والناس نيام ) رواه الترمذي .
بل إنك لا تدري فقد يكون قصرك تلك الخيمة من اللؤلؤ التي أعدها الله لعباده المؤمنين ، قال - صلى الله عليه وسلم - حينما قال : ( إن للمؤمن فى الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة ، طولها ستون ميلا ، للمؤمن فيها أهلون ، يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا ) رواه مسلم .
تقف عند باب قصرك ، وتستقبل استقبالاً لم يحلم به أعظم ملوك الدنيا ، إذ الحور العين على الباب واقفات ، وعند الناصية صافات ، طاهرات مطهرات ، قاصرات الطرف مطيعات ، الواحدة منهن كاللؤلو المكنون ، يحار الطرف في حسنها ، وكأنه يريد أن يشرب من كأس جمالها ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (ولو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الدنيا لأضاءت ما بينهما ، ولملأته ريحا ، ولنصيفها - خمارها - على رأسها خير من الدنيا وما فيها ) رواه البخاري .
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
ستبدأ بعدها أيها الصائم رحلة النعيم ، فتبدأها بقصرك الكبير ، المفروش ببسط الحرير ، وتجلس على ذاك السرير ، وتلبس الذهب والفضة: ( يحلون فيها من أساور من ذهب ولباسهم فيها حرير ) وإلى جانبك الحور العين اللائي وصفهن الله بأنهن كالياقوت والمرجان ، والخدم الذين هم في الجمال كاللؤلو المنثور ( ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤاً منثوراً ) وتشرب في أواني الذهب والفضة ( ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة قدروها تقديرا ) وتأكل ألوان الفاكهة وأصنافها ( وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وفرش مرفوعة ) فتعيش في النعيم ، وتتقلب في النعيم ، تأكل النعيم ، وتشربه ، وتتنفس هواءه ، وستكون حالك كما قال الله تعالى : ( إلا عباد الله المخلصين أولئك لهم رزق معلوم فواكه وهم مكرمون في جنات النعيم على سرر متقابلين يطاف عليهم بكأس من معين بيضاء لذة للشاربين لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون وعندهم قاصرات الطرف عين كأنهن بيض مكنون ) .
فتسأل نفسك أفي الجنة أعظم من هذا النعيم ؟ فتخرج من قصرك ، فتجد أن الله تعالى بنى لك بيتاً آخر جزاءً لك على المسجد الذي بنيته في الدنيا ( من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة ) وبيتاً آخر جزاءً لك على السنن الرواتب التي كنت تصليها ( من ثابر على اثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتا في الجنة) وبيتاً ثالثاً في طرف الجنة جزاء تركك المراء والجدال ، وبيتاً رابعاً جزاءً على تحريك الصدق في حديثك ، وبيتاً خامساً جزاءً على خلقك الحسن في الدنيا ، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( أنا زعيم ببيت في ربض - طرف - الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا ، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ) وفي كل بيت من هذه البيوت عجب عجاب لم تره في حياتك قط .
تنتقل بين هذه القصور والبيوت ثم تكتشف بعدها أمراًَ آخر ، إذ ستجد ملايين الأشجار التي غرسها الله لك جزاء على تسبيحك وتحميدك في الدنيا ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من قال سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر غرس الله له بكل واحدة منهن شجرة في الجنة ) فبكل تسبيحة شجرة ، وكل تحميدة شجرة ، وكل تهليلة شجرة ، وكل تكبيرة شجرة ، وهكذا تتوالى الأشجار وتجتمع في رصيدك حتى تبلغ الملايين ، فتدرك عظمة ملك الله ، وتتذكر حينها تلك الآية العظيمة التي لم تفهم حقيقتها حق الفهم في الدنيا : ( وإذا رأيت ثم رأيت نعيماً وملكاً كبيراً ) وإذا كانت هذه البيوت والقصور والخدم والحور، لعبد من عباده ! فما بالكم بما أعد الله للأنبياء والشهداء ؟
تتجول بين قصورك وبيوتك ، متأملاً في أنهار الجنة التي سيرها الله تحت قصورك وبيوتك ( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ) فتتجول بين هذه الأنهار، وحينها سترى لأول مرة أنهار اللبن ، وأنهار الخمر ، وأنهار العسل ، كما سترى نهراً يشق الجنة شقاً ، وعلى حافتيه عذارى من الحور العين يغنين بأحسن أصوات يسمعها الخلائق حتى ما يرون أن في الجنة لذة مثلها .
تتجول في أرجاء الجنة وأطرافها ؛ فتتذكر حالك في الدنيا حينما كنت عبداً ذليلاً راكعاً ساجداً لله ، وتتذكر صيامك وصلاتك وصدقاتك ، ثم تتذكر أقاربك وأرحامك ، فيجمعك الله بهم - إن كانوا من الصالحين - ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين ) فتلتقي بزوجتك إن كانت صالحة ، وذريتك إن كانوا مؤمنين ، وستلتقي دون مقدمات بولدك الذي مات قبل بلوغه ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( يتلقى أحدهم أباه - أو قال أبويه - فيأخذ بثوبه كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا فلا يتناهى - أو قال ينتهي - حتى يدخله وأباه الجنة ) رواه مسلم .
وهكذا تستقر في الجنة ويجمع الله لك أسرتك ، فتتذكر أصدقاءك وجيرانك وخلانك ، فتلتقي بهم وقد تتذكرون بعضاً من أخبار الدنيا : ( وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم ) .
أما أعظم نعمة وأجزلها وأجملها ؛ فهي رؤية المؤمنين ربهم تبارك وتعالى رأي العين ، كما كانوا يرون الشمس والقمر في الدنيا ، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله - تبارك وتعالى - تريدون شيئاً أزيدكم ؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار ؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل ) رواه مسلم .
فهذه جائزة الصيام ، أعدها الكريم لعباده الصائمين ، قال تعالى : ( كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية ) قال مجاهد : الأيام الخالية هي أيام الصيام ، أي : كلوا واشربوا بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه الله ) .
اللهم ارزقنا الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ،وتقبل صيامنا وقيامنا ، إنك سميع الدعاء .
نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الله أكبر سبعاً
الله أكبر كبيراً ، والحمد لله بكرة وأصيلاً .
الحمد لله الذي استحمد بفضله ، ورضي الحمد شكرا من خلقه ، أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وبعد .
فلقد مر بنا شهر رمضان كطيف خيال، مرّ بخيراته وبركاته ، إن أودعت فيه خيراً فخير ، وإن شراً فشر ، ونسأل الله تعالى أن يبارك فيما كان فيه من خير ، وأن يتجاوز عما كان فيه من تقصير، وأن يتقبل صيامنا وقيامنا .
أيها المؤمنون :
إن العاقل الفطن لا يفكر في العيد ؛ بقدر تفكيره واهتمامه بقبول الله تعالى لعمله ، إذ إن مصيبة المصائب أن تصوم ثم يرد عليك صيامك ، وأن تصلي فلا تقبل صلاتك ، وهذه والله مصيبة المصائب ، قال علي ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل ، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول : ( إنما يتقبل الله من المتقين ) .
وسألت عائشة - رضي الله عنها - رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم - عن قوله سبحانه: ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا ءاتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) قالت : أهُم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ قال: (لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصلّون ويصومون ويتصدّقون ، ويخافون أن لا يُتقبَّل منهم) وكان بعض السلف يظْهَرُ عليه الحزن يوم عيد الفطر فيقال له : إنه يوم فرح وسرور فيقول : صدقتم ، ولكني عبد أمرني مولاي أن أعمل له عملاً فلا أدري أيقبله مني أم لا ؟فنسأل الله تعالى أن يتقبل عملنا وعملكم وصيامنا وصيامكم .
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد
إن من أعظم علامات قبول العمل في رمضان ، التوبة النصوح من جميع الذنوب الماضية والعزيمة الصادقة على الاستقامة على الطاعة في الأيام القادمة ، فما أحسن الحسنة بعد السيئة تمحها ، وأحسن منها الحسنة بعد الحسنة تتلوها .
يقول الله تعالى : ( وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله - عز وجل - يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار , ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل , حتى تطلع الشمس من مغربها ) .
فيا مقصراً في أداء الصلاة مع الجماعة في المساجد ما أجمل التوبة بعد رمضان .
ويا أيها العاق لوالديه ما أجمل التوبة بعد رمضان .
أخي قاطع الرحم ما أجمل التوبة بعد رمضان .
أخي المقصر في حق زوجته ما أجمل التوبة بعد رمضان .
أخي المقصر في حق أولاده ما أجمل التوبة بعد رمضان .
أخي المقصر في حق جيرانه ما أجمل التوبة بعد رمضان .
أخي العاشق للغيبة والحديث في أعراض الناس وأسرارهم ما أجمل التوبة بعد رمضان .
أخي آكل الربا ما أجمل التوبة وأكل الحلال بعد رمضان .
أخي المدخن ما أجمل التوبة بعد رمضان .
أختي غير المحجبة ما أجمل الحجاب بعد رمضان .
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المقبولين ، وأن يختم لنا بخير وأن يجمعنا على خير ، ثم صلوا وسلموا على خير الورى ، فقد أمركم بذلك ربكم تبارك وتعالى ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً )
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وآمنا في أوطاننا ، واشف مرضانا ، وارحم موتانا ، وبلغنا مما يرضيك آمالنا ، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا .
اللهم إنا نسألك خير المسألة ، وخير الدعاء ، وخير النجاح ، وخير العمل ، وخير الثواب ، وخير الحياة ، وخير الممات ، وثبتنا ، وثقل موازيننا ، وحقق إيماننا ، وارفع درجاتنا ، وتقبل صلاتنا ، وصيامنا ، واغفر خطيئاتنا ، ونسألك الدرجات العلى من الجنة .
اللهم إنا نسألك فواتح الخير ، وخواتمه ، وجوامعه وأوله وآخره ، وظاهره ، وباطنه .
اللهم إنا نسألك أن ترفع ذكرنا ، وتضع وزرنا ، وتصلح أمرنا ، وتطهر قلوبنا ، وتحصن فروجنا ، وتنور قلوبنا ، وتغفر لنا ذنوبنا ، ونسألك الدرجات العلى من الجنة .
وتقبل الله طاعتكم ، وكل عام وأنتم بخير ، وأدام الله أفراحكم في دياركم العامرة ، والحمد لله رب العالمين .