بسم الله الرحمن الرحيم
-زكاة الفطر-
-زكاة الفطر-
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما، والحمد لله الذي سهل لعباده طرق العبادة ويسر، وتابع لهم مواسم العبادة لتزدان أوقاتهم بالطاعة وتؤمر، فما انتهى شهر الصيام إلا بدخول أشهر حج بيت الله المطهر، أحمده على صفاته الكاملة، واشكره على آلاءه السابغة التي لا تحصر، وأقر بوحدانيته وتقديره وتدبيره، فهو المتفرد بالخلق والتدبير، وكل شيء عنده بأجل مقدر.
أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى واشكروا نعمته عليكم بهذا العيد السعيد، فإنه اليوم الذي توج الله به شهر الصيام وأفتتح به أشهر الحج إلى بيت الله الحرام، وهو أحد الأعياد الشرعية الثلاثة، وثانيها عيد الأضحى، وثالثها عيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة، وليس في الإسلام سواها عيد ليس في الإسلام عيد لمولد نبي، ولا لمولد زعيم، ولا لانتصار على عدو، ولا لقيام دولة ليس في الإسلام سوى هذه الأعياد الثلاثة: عيد الأضحى، وعيد الفطر، وعيد الأسبوع، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله اكبر، الله اكبر، ولله الحمد.
أيها المسلمون، في هذا اليوم تخرجون قبل الصلاة زكاة الفطر تقربا إلى الله تعالى، وأداء للفريضة، فقد فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زكاة الفطر وأمر أن تخرج قبل صلاة العيد، فمن أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، ولو في يوم العيد فهي صدقة من الصدقات لا تجزئ عن فريضة الزكاة إلا أن يكون الإنسان معذورا، فرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين تطهيرا لصيامهم، وطعمة لمساكينهم، فرضها على الكبير والصغير والذكر والأنثى والحر والعبد، فرضها -صلى الله عليه وسلم- صاعا من طعام الآدميين من تمر أو بر أو رز أو غيرها، فلا تخرج من الدراهم، ولا من الثياب والأمتعة، وإنما تخرج مما فرضه رسول الله -صل الله عليه وسلم- من طعام الآدميين خاصة، فمن أخرجها من غيره، فهي مردودة لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد".
أيها المسلمون، في هذا اليوم تخرجون إلى مصلى العيد، معظمين لربكم بأفئدتكم وألسنتكم، تكبرون الله عز وجل، وتوحدنه، وتحمدونه على ما هداكم، ويسر لكم من نعمة الصيام والقيام وغيرهما من الطاعات، في هذا اليوم تؤدون صلاة العيد تعظيما لله عز وجل، وإقامة لذكره وبرهانا على ما في قلوبكم من محبته وشكره تؤدونها.
أيها المسلمون، في الصحراء تعظيما إظهارا لشعائر الله، وأتباعا لسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تنتظرون جوائز ربكم، وتحسنون الظن أن يتقبل منكم .
أيها المسلمون: في هذا اليوم ودعتم بالأمس شهر رمضان، وانقسم الناس فيه إلى قسمين: قسم فرح بالتخلص منه، لأنه ثقيل عليه متعب لنفسه وبدنه، فهو يريد أن يتخلص من رمضان ويفارقه، وقسم آخر فرح بفطره فرح بتخلصه به من الذنوب: "فأن من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه" .
الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، والله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا للإسلام، وعلى ما من به علينا من إتمام الصيام والقيام، والحمد لله على ما أنعم به علينا من دين الإسلام ذلك الدين القيم، الذي أكمله الله تعالى لنا عقيدة ومنهجا، ثم نحمده أن هدانا له وقد أضل عنه كثيرا.
أيها المسلمون، أن دين الإسلام هو الذي ارتضاه الله لنفسه، وفرضه على عباده إلى يوم القيامة، أن الدين عند الله الإسلام ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين، ولذلك ختم الله بهذا الدين الأديان كلها بما بعث به محمدا -صلى الله عليه وسلم- فلا نبي بعده، ولا دين سوى ما جاء به، وفيه إصلاح الخلق والعز والتمكين في كل زمان ومكان، فمن تمسك بهذا الإسلام عقيدة ومنهجا، من تمسك به نال العزة والرفعة في الدنيا والآخرة، واسمعوا قول الله عز جل وهو سبحانه لا يخلف الميعاد: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)، ويقول الله تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ *الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ).
أيها المسلمون، أن ذلك لوعد حق مثلما أنكم تنطقون، ولقد كأن ذلك في سلف هذه الأمة حين تمسكوا بهذا الدين، فصاروا قادة العالم بالعلم والعقيدة والأخلاق الفاضلة، والحضارة الراقية، وفتحوا بدينهم وأخلاقهم مشارق الأرض ومغاربها، فلو عدنا نحن المسلمين اليوم إلى ما كأن عليه سلفنا بالأمس، لحصل لنا من العز والتمكين ما حصل لهم.
أيها المسلمون، لقد فهم أعداء الإسلام ذلك، فهموه منذ ظهر الإسلام فها هو هرقل ملك الروم قال لأبي سفيان حين سأله عن النبي -صلى الله عليه وسلم: وما يدعو إليه قال له هرقل وهو ملك الروم، قال: أن كأن ما تقول صدقا فسيملك موضع قدمي هاتين، ولقد كأن صدقا، ولقد ملكت الأمة الإسلامية ملكت ما تحت قدمي هرقل وكسرى وسادوا العالم، وبهذا القرن قال أحد رؤساء الوزارة البريطانية مادام هذا القرآنموجودا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان، وقال أحد المسئولين في وزارة الخارجية الفرنسية: أن الخطر الذي يهددنا تهديدا مباشرا وعنيفا: هو الخطر الإسلامي، ومن أجل خوف أعداء الإسلام من ظهور المسلمين عليهم حاول أعداء المسلمين والإسلام بكل ما أوتوا من قوة بالمكر والخديعة، حاولوا أن يقضوا على الإسلام بالغزو العسكري المسلح، وبالغزو الفكري، والخلقي، فاحتلوا كثيرا من بلاد المسلمين في مصر العراق والشام، وافسدوا عقائد كثير منهم، وأخلاقهم، وغزوا كثير من المسلمين ولا سيما ذووا الضعف في الدين والبصيرة، حتى خففوا الدين في نفوسهم، وأخرجوهم من الإسلام، أو كادوا لولا أن من الله على هذه البلاد بالتخلص من استعمارهم، لقد أدخل أعداء الإسلام على المسلمين أنواعا من اللهو واللعب، ليصرفوهم عن دينهم، وعن الجد في أمورهم زينوا في قلوبهم الشهوات، وأدخلوا في عقولهم الشبهات، وثقلوا عليهم الصلوات والعبادات، بل صوروا لهم صوروا لهم الصلاة والعبادة في الأمور التقليدية البالية، التي لا مكان لها في هذا العصر فانخدع كثير من الناس بهذه الدعاية الباطلة، واستهانوا بشرائع دينهم، وأنكروا عقائده وصاروا كالأنعام، بل هم أضل سبيلا يتبعون الشهوات ويضيعون الصلوات، كما قال الله عز وجل: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا*إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا).
أيها المسلمون، أن هذه الدعاية الباطلة، وهذا الترويج الكاذب إنه خدع كثيرا من الناس ولا سيما الشباب، الذي يذهبون إلى بلاد الكفر، والذين يشاهدون ما يشاهدون من أنواع الفسق والفجور، حتى هان عليهم الدين، وهان عليه ما كأن أسلافهم الصالحة.
أيها المسلمون، أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، كما قال الله عز وجل : (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ)، ومفهوم الآية الكريمة إنهم أن لم يفعلوا ذلك، فليسوا إخوانا لنا في الدين، والأخوة في الدين لا تنتفي إلا بالكفر، ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما صح عنه: "بين الرجل وبني الشرك والكفر ترك الصلاة"، وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة"، وحظ نكرة في سياغ النفي العام، فلا حظ من قليل أو كثير في الإسلام لمن ترك الصلاة هذا ما يدل عليه كتاب الله، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والآثار عن الصحابة -رضي الله عنهم-، وإذا كفر المسلم بعد إسلامه صار مرتدا يجب قتله إلا أن يتوب، ويترتب على ردته أحكام دنيوية، وأحكام أخروية، أما الأحكام الدنيوية فأن من كفر فأن زوجته ينفسخ نكاحها منه، ولا تحل له حتى يرجع إلى الإسلام ويصلي، فلا يحل له النظر إلى زوجته ولا مباشرتها ولا جماعها، ولا يحل لنا أن نأكل ما ذبحه فتصوروا ، أيها المسلمون يذبح اليهودي أو النصراني الذبيحة، فنأكلها لقول الله تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ)، ويذبح تارك الصلاة الذبيحة فلا نأكلها، لأنها ميتة فلا تحل أيها المسلمون، وإذا مات تارك الصلاة على تركها فإنه لا يصلى عليه، ولا يدعى له ولا يدفن مع المسلمين، ولا يحل لأحد من أقاربه أن يرث شيئا من ماله، بل يكون ماله في بيت مال المسلمين للدولة، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم"، هذه أحكام الدنيا في تارك الصلاة، أما أحكام الآخرة فأن تارك الصلاة كما جاء به الحديث يحشر مع فرعون وهامأن وقارون وأبي بن خلف رؤساء الكفر، ويخلد في النار وهذه الأحكام كلها ترتفع إذا رجع الإنسان إلى الإسلام، وتاب إلى ربه وأقام الصلاة.
أيها المسلمون، كنا نتكلم في كل يوم عيد بما يناسب من المشاكل الاجتماعية، وإننا قبل ذلك تكلمنا عن حكم تارك الصلاة وتكلمنا أيضا عن هؤلاء الذين يجلبون اليهود والنصارى والوثنيين إلى جزيرة العرب، وبينا أن هؤلاء مخالفون، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، هكذا قال -صلى الله عليه وسلم- عهد به إلى أمته، وهو في مرض موته وفي السنن عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب"، فجزيرة العرب أيها المسلمون، ليست كغيرها من بلدأن الإسلام، لأنها مهد الإسلام، ومنها خرج الإسلام، واليها يعود الإسلام، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم: "أن الدين ليأزر إلى المدينة كما تأزر الحية إلى جحرها"، وإني أقرع على رؤوس هؤلاء، أقرع عليه، وأقرع رؤوسهم أيضا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا المشركين من جزيرة العرب"، وإنني أقول لهم أن الله سائلكم يوم القيامة إذا وقفتم بين يديه، ولم يكن عندكم مال ينجيكم، ولا ولد يفديكم إنكم مسئولون عن هذا الحديث الذي قاله النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو في مرض موته في آخر حياته يعهد به إلى أمته -صلى الله عليه وسلم- فاعدوا لأنفسكم جوابا، وأعدوا لأقدامكم مرتقى، وإلا فما أدري ماذا يكون حالكم، أما المشكلة التي هي موضوع بحثنا هذا العام فإنها مشكلة الزواج وهي مشكلة اجتماعية عامة، وسنتناولها من وجوه أربعة: أولا: من جهة ارتفاع المهور هذا الارتفاع الفاحش الذي هو خلاف شريعة الله، فأن المشروع تقليل المهور، وأن أعظم النساء بركة أيسره مؤونة.
أيها المسلمون، أيها المؤمنون، أيها المواطنون: أتريدون أن يخرج شبابكم إلى بلاد أخر يتزوجون منها، وحينئذ تحدث مشاكل، ومشاكل رويدكم أيها الناس، أن ارتفاع المهور خلاف السنة وأن فيه مشاكل ومضار عديدة، ولهذا ادعوكم وأبدأ أولا بولاة الأمور من الأمراء والعلماء والوجهاء والأعيان أن يكونوا قدوة في هذا الأمر، حتى يحلوا هذه المشكلة العظيمة، أما الأمر الثاني: فهو عزوف كثير من الشباب والشابات عن الزواج خصوصا المتعلمين منهم، وهذا جهل وخلاف ما أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأن النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج"، إذن ألا يجدر بكم أيها الشباب من ذكور وإناث، ألا يجدر بكم أن تقولوا سمعنا وأطعنا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أتريدون أن تذهبوا شبابكم بدون زواج، حتى إذا بردت الشهوة فكيم وكبرت سنكم ذهبتم تطلبون الزواج بعد فوات الأوان؛ أما الأمر الثالث: فهو الإسراف في الولائم ذلك الإسراف الذي هو وقوع فيما نهى الله عنه، فأن الله يقول: (ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).
أيها الناس: ما هذا الإسراف الذي نسمع به، والذي قد نشاهده نحن في هذه الولائم، أن هذه الأطعمة، وأن هذه اللحوم إنها ربما تلقى في المزابل وربما تلقى في البراري مال ضائع ووقوع في الإسراف الذي نهى الله عنه، فيا أيها الأغنياء تذكروا حال الفقر السابقة، وتذكروا حال الفقراء في بلاد المسلمين، ولا تلهكوا أموالكم فيما ينهى الله عنه ورسوله؛ اتقوا الله تعالى في الإسراف؛ واحذروه فأن الله تعالى يقول: (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، أما الأمر الرابع: وما أدراك ما الأمر الرابع، فهو اتخاذ بعض الأولياء اتخاذ مولياتهم بمنزلة السلعة يزوجونهن حسب رغبتهم، لا حسب ما تقتضيه الأمانة ومصلحتهن، أن بعض الناس يحتكر بناته وأخواته ومن له ولاية عليها من النساء، حتى لا يزوجها إلا إذا دفع له مال يرضيه، وأنه لا يحل للأب ولا لغيره أن يشترط لنفسه شيئا من مهر المرأة، لأن المهر لها كما قال الله عز وجل: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)، فأضاف الصدقات، وهي المهور إلى الزوجات لا إلى أوليائهن، فلا يحل للأب ولا للام من حضر وبدو أن يشترط لنفسه شيئا من مهر المرأة، فأن ذلك حرام عليه ولكن المرأة إذا ملكته، فلها أن تكرم به أو منه من شاءت من أبيها أو أخيها أو أحدا من أقاربها.
أيها المسلمون، وأن بعض الناس يحتكر ابنته يخطبها الكفء، ولكنه يمنع هذه صغيرة وهي قد فاتت وهو كاذب في هذا، ولكنه قد لا يرضى الرجل الخاطب لغرض شخصي بينه وبينه، وهذا حرام عليه ولا يحل له.
أيها المسلمون، إني أقص عليكم قصة، ولو أطلت عليكم فالأمر مهم سمعت أن أحدا من الناس عنده ثلاث بنات، وكانت الكبيرة منهن تخطب، ولكنه يمنعها، فأراد الله عز وجل فمرضت الكبيرة وحضرها الموت، فكانت في سياق الموت توصي من حولها، وتقول: قولوا لأبي حسبي الله عليك، حيث منعني شبابي ومنعني شهوتي، واني واقفة بين يدي الله أنا وهو، فليعد لنفسه الجواب، أو كما قالت: أفلا تخافون أن تكون هذه عاقبة بناتكم، إذا منعتموهن، فاتقوا الله عباد الله ولا يحل للرجل كذلك أن يجبر ابنته على زواج من لا تريد من لا تريد النكاح به، لأن ذلك محرم عليه سواء كأن الاب أو غيره، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح البكر حتى تستأذن"، وفي رواية لمسلم "والبكر يستأمرها أبوها".
فاتقوا الله، عباد الله: تمسكوا بدينكم واعتصموا به، واحذروا كيد أعدائكم ومكرهم، ولا تغرنكم الحياة الدنيا، ولا يغرنكم بالله الغرور، وإني مواصل معكم بالخطبة الثانية؛ نرجو الله تعالى أن ينفعنا جميعا بما سمعنا .
الخطبة الثانية:
فأما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واشكروه على ما أنعم به عليكم من إتمام الصيام والقيام واسألوه قبول ذلك، فإنما المعول على القبول.
واعلموا أيها المسلمون، أنه وأن كأن شهركم ناقص العدد، فهو كامل الأجر لأن الله إنما فرض عليكم صوم الشهر، وقد صمتموه ولله الحمد، ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة".
أيها المسلمون، إنكم تجتمعون في هذا المكان على طبقات مختلفة ما بين صغير وكبير وغني وفقير وذكر وأنثى، فتذكروا بهذا الاجتماع، وهذا الاختلاف اجتماعكم يوم الجمع الأكبر يوم القيامة، فذلك والله يوم التغابن، انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أفضل درجات وأكبر تفضيلا.
اذكروا أيها المسلمون، يوم يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد، يسمعهم الداعي ويأخذهم البصر حافية أقدامهم عارية أجسامهم: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)، يوم توضع الموازين فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون؛ أسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته أن يجعلني وإياكم من هؤلاء، ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون، أعوذ بالله منها أسأله تعالى أن يعيذني وإياكم منها؛ تذكروا يوما ينصب الصراط على نار جهنم، فتمرون عليه على قدر أعمالكم، فمسلم ناج ومكردس في نار جهنم من كأن مستقيما في هذه الدنيا على دين الله كأن مستقيما يوم القيامة على الصراط، ومن كأن منحرفا وزائغا في هذه الدنيا زلت به قدمه على الصراط يوم القيامة.
أيها المسلمون، إنكم بعد اجتماعكم هنا سوف تتفرقون إلى منازلكم، فتذكروا تذكروا بذلك تفرق الناس من المجتمع العظيم يوم القيامة، ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون، فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحضرون، وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة، فأولئك في العذاب محضرون؛ أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا.
أيها المسلمون، تذكروا ذلك، واعملوا ما ينجيكم في هذا اليوم، فالله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، وكأن من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا خرج لصلاة العيد من طريق رجع من طريق أخرى، لتظهر بذلك شعائر العيد، فاتبعوه بذلك، فإنه بكم أجدر وأحرى، ولا بأس أن يهنئ الناس بعضهم بعضا في العيد، لأنه فعل بعض الصحابة -رضي الله عنهم-، ولأن التهنئة بالعيد تجلب المودة والألفة، ويحصل بها التزاور والمودة، ولكن لا يهنئ الرجل المرأة إلا أن تكون من محارمه، فأن بدأته هي بالتهنئة، وهي من معارفه لا بأس أن يرد عليها، إذا لم يحصل بذلك خلوة بها، أو فتنة ولا يصافح الرجل المرأة، إلا أن تكون من محارمه، وأن كثيرا من الناس يصافح المرأة من ليس من محرمها، لكونه ابن عمها أو ابن خالها أو أخا زوجها أو ما أشبه ذلك، وهذا حرام عليهم، سواء كانوا من الحاضرة أم من البدو لا فرق في ذلك، فلا يجوز لامرأة أن تصافح أحدا بيدها مباشرة، إلا أن يكون من محارمها، إما إذا كأن من وراء حائل، فانه لا باس به إذا لم تخش الفتنة، ولا يقبل الإنسان امرأة على فمها إلا أن تكون زوجته، أما إذا كانت ليست زوجته فلا حق له، ولكنها من محارمه فلا بأس أن يقبل رأسها وجبهتها ...