حرب غزة (2008/2009م)- دراسة قانونية
الدكتورالسيد مصطفي أحمد أبو الخير
في الأيام الأخيرة من عام 2008م والعالم يستعد لوداع عام قد مضي إلا القليل منه واستقبال عام جديد عله ينسي العالم ما حدث في العام السابق من كوارث ومآس، فوجئ العالم بقيام الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة إلي حين، بالعدوان العسكري علي غزة، بعد هدنة استمرت ستة أشهر بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وبين الكيان الصهيوني، انتهت في 19/12/2008م، واستمر القصف الجوي فقط علي كل غزة البشر والشجر والحجر والمدر وكل شيء في غزة الصابرة الصامدة المجاهدة، والتي تعتبر بحق تعبيرا عن حال أمة من الأمم.
فقد شنت قوات الاحتلال الصهيونية عدوانا سافرا مخالف لكل ولأبسط قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وكل المواثيق والاتفاقيات التي عقدت ليس في القانون الدولي المعاصر فحسب بل وصل الأمر إلي مخالفة حتي قواعد القانون الدولي التقليدي وكل قواعد المبادئ والأخلاق التي عرفتها البشرية، هي حرب إجرامية بكل المعايير، حربا لم تعرفها البشرية حتي في عصورها المظلمة، أستمر الطيران الحربي الصهيوني في قصف كل شيء في غزة، لم يترك حتي الحيوانات تعرضت للقصف من جانب الطيران.
فقد ضربت قوات الاحتلال الصهيونية ليس عرض الحائط بل في الأرض كل القواعد والمبادئ في القانون الدولي، وليس في القانون الدولي قاعدة أو مبدأ يؤيد ما ارتكبته وترتكبه قوات الاحتلال، وتشكل كافة الجرائم الدولية والواردة في المادة(5) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والبرتوكولات الملحقة.
استمرت المعارك الجوية أكثر من أسبوع، طال القصف الجوي كل المواقع والأماكن التي وفر لها القانون الدولي حماية من المدنيين والمساجد والمدارس والجامعات، رافق ذلك صمود شعب، وزراء الخارجية العرب لم يجتمعوا إلا بعد أربعة أو خمسة أيام من العدوان، بمقر جامعة الدول العربية، واكتفت الدول العربية حتي دول الممانعة بالأقوال، بصدور بيان طالبوا فيه باللجوء إلي مجلس الأمن، الذي أخذ أسبوع في التشاور، ثم أصدر قراره رقم(1860 في 9/1/2009م) هو أقرب إلي البيان منه إلي القرار، سوف نتناوله بالدراسة بعد وكان في أمكان الدول العربية والدول الإسلامية اللجوء إلي الجمعية العامة الاتحاد من أجل السلم، لاستصدار قرار بوقف العدوان، ونادت بعض الدول العربية باجتماع عاجل لقمة عربية، ولكن تصدت لذلك بعض الدول العربية التي زعمت بأنها غير ضرورية، إذا كانت القمة غير ضرورية في هذا التوقيت البالغ الحرج والآسف، متي يجتمعون القادة العرب؟
والموقف المصري جاء مخالفا لأحكام القانون الدولي في الآتي:
صرحت مصر بأنها لن تفتح المعبر تأسيسا علي اتفاقيات بينها وبين الكيان الصهيوني، وعلي أن الكيان الصهيوني محتل غزة وأن غزة أرض محتلة، ولا بد لقوة الاحتلال أن تكون حاضرة أثناء فتح المعابر، ويجب تنفيذ الاتفاقيات منها اتفاقيات عام 2005م، وغيرها من الاتفاقيات التي تخص المعابر الفلسطينية.
هذا الموقف المصري مخالف للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لما يأتي:
1 – بطلان اتفاقيات المعابر لمخالفتها قانون المعاهدات الدولية، ومخالفة القانون الدولي الإنسان لأن الاحتلال لا ينقل السيادة، والإشراف علي المعابر من أمور السيادة، ويبقي الإشراف علي المعابر للسلطة الفعلية وهي هنا حماس لأنها هي صاحبة السلطة الفعلية والمنتخبة في غزة .
2 – اعتراف مصر بأن غزة أرض محتلة يعطي حق الدفاع الشرعي لكافة الفصائل طبقا للمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، مما يجعل الصورايخ الفلسطينية دفاع شرعي مشروع ولا يحق للكيان الصهيوني التذرع بالرد عليها لأنه طبقا للقاعدة المستقرة في القانون الدولي (أنه لا دفاع شرعي ضد دفاع شرعي).
3 – مخالفة غلق معبر رفح لإعلان حقوق وواجبات الدول الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 375 (4) لعام 1949م.
5 – الإشراف علي المعابر من مقتضيات ومستلزمات ومتطلبات حماية السيادة ومبدأ السيادة، وطبقا للقاعدة المستقرة في القانون الدولي ومفادها (أن الاحتلال لا ينقل السيادة) وتظل السيادة لأبناء الأرض المحتلة الدولة المحتلة، لذلك لا يجوز تحكم الصهاينة في معبر رفح أو أن يكون لهم حتي الاشتراك في الإشراف عليه ويبقي ذلك مسئولية مصر وفلسطين.
6 – اعترف العدو الصهيوني بكون حركة المقاومة الإسلامية حماس وحكومتها حركة تحرر وطني بدليل أنها عقدت معها هدنة استمرت ستة أشهر حفظتها وطبقتها حماس دون العدو الصهيوني، وطبقا للقانون الدولي ينبغي مساعدة حركات التحرر الوطني في نضالها حتى الاستقلال.
والغريب أن الدول العربية التي تتمسك بالشرعية الدولية هي أول من خالفت الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، وقد تقدمت مصر بمبادرة لوقف الحرب الإجرامية علي الشعب الفلسطيني بعد مرور أكثر من عشرة أيام من الحرب، وسقوط حوالي ألف وخمسمائة شهيد أكثر من 30% منهم أطفال، وأكثر من 10% نساء وأكثر من خمسة آلاف جريح،ممن يتمتعون بالحماية القانونية لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والبرتوكولين الإضافيين لهم لعام 1977م وأكثر من ثلاثة آلاف جريح.
واكتفت جامعة الدول العربية بالموقف السياسي والوقوف سياسيا فقط في وجه العدوان، ولم يتم تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك، لم تطبق في حرب الخليج الثالثة 2003م، ولم تطبق في أي حرب حتي في حرب الخليج الثانية باحتلال العراق للكويت واستعانوا بقوات أجنبية لازالت موجودة ولم تخرج حتي الآن.
بدأت الحرب البرية بعد أن اعتقدت قوات الاحتلال أنها حققت أهدافها في ضرب نقاط القوة لحركات المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة حماس، تكبدت قوات الاحتلال خلالها قتلي وجرحي تكتم العدو علي الأرقام الحقيقية لها، ولكن تسرب البعض منها، عن طريق القنوات الفضائية، وأثبتت المقاومة قدرة علي الصمود والتصدي لأشرس حرب من قوة عسكرية تعد أقوي القوات العسكرية الموجودة في المنطقة، بإمكانيات قليلة وصدق فيهم قول الله تعالي (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة).
وقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الفيتو ضد مشروع قرار، وطالبت بصدور بيان رئاسي من المجلس مما أعطي فرصة لإطالة أمد الحرب، ولكن الوفد العربي عمد إلي ضرورة إصدار قرار من مجلس الأمن وظلت المفاوضات الشاقة أكثر من ثلاثة أيام صدر بعدها القرار رقم (1860في9/1/2009م).
التكييف القانوني لقرار مجلس الأمن رقم 1680 الصادر9/1/2009م
قرار مجلس الأمن رقم (1860 الصادر في 9/1/2009م صدر معيبا وبه المثالب القانونية الكثير وهي:
1 – هذا القرار أقرب إلي بيان رئاسي عن المجلس منه إلي القرار، لخلوه من مواد الإسناد من ميثاق الأمم المتحدة .
2 – نص القرار في ديباجته علي التذكير فقط وليس المطالبة بتطبيق قرارات مجلس الأمن أرقام (242 /1967)، و338 /1973)، و1397 /2002)، و1515 /2003)، و1850 /2008) ولا يعد ذلك سندا قانونيا للقرار لأنها القرار ذكر بها فقط دون الاستناد عليها والبناء فوقها.
3 – القرار لم يصدر وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، علما بأن الوضع ينطبق عليه الفصل السابع فهو يهدد السلم والأمن الدولي، لذلك لا يتمتع القرار بالقوة الملزمة.
4 – القرار لم ينص علي تحديد وقت معين لانتهاء الحرب، فكان يجب علي القرار أن ينص علي إيقاف القتال ابتداء من الساعة ويحددها كما يحدد اليوم الذي يبدأ فيه سريان وقف النار.
5 – القرار لم ينص علي أي آلية تراقب وقف إطلاق النار.
6 – القرار ساوي بين أطراف الحرب رغم علمه مسبقا أن إسرائيل هي التي بدأت الحرب بقرار منفرد، فكان لزاما عليه أن يطالب إسرائيل بوقف القتال، لأنها قوة معتدية وقوة احتلال، كما أن الصواريخ الفلسطينية هي من قبيل الدفاع الشرعي الذي نصت عليه المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة.
7 – القرار مخالف لإعلان حقوق وواجبات الدول الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 375 (4) لعام 1949م، والذي دعا الدول إلي مساعدة حركات التحرر الوطني، وقد اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عدة قرارات كون المقاومة الفلسطينية حركات تحرر وطني طبقا للقانون الدولي.
8 – القرار تبني وجهة النظر الإسرائيلية الخاصة بالمعابر وأشار القرار لاتفاقية عام 2005م بشأن المعابر، رغم كون هذه الاتفاقية باطلة لمخالفتها قانون المعاهدات، ولمخالفتها للقانون الدولي في كون الكيان الصهيوني قوة احتلال في غزة وقد أنسحب منها في الماضي، وطبقا للمبدأ المستقر في القانون الدولي أن الاحتلال لا ينقل السيادة، والإشراف علي المعابر من مستلزمات ومقتضيات السيادة، وبالتالي فإن الإشراف علي المعابر يكون للسلطة الفعلية في غزة وهي هنا حكومة حماس، لأنها هي السلطة الفعلية.
9 – منع وصول الأسلحة إلي حركة حماس مخالف للقانون الدولي والمادة(51) من ميثاق الأمم المتحدة التي أشارت إلي حق الدفاع الشرعي، وهو حق طبيعي لا يملك القانون الدولي حياله سوي تنظيمه فقط وليس له الحق في الحد منه أو منعه، وتقع كافة محاولات منع وصول الأسلحة لحركة تحرر وطني مخالفة صريحة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
10 - القرار في البند السادس منه أشار إلي (منع التجارة السرية في الأسلحة والذخائر) قاصدا بذلك الأسلحة التي تصل إلي حركات المقاومة الفلسطينية، وهو تكييف خاطئ طبقا للقانون الدولي كما بينا في البند السابق.
11- كل بنود القرار جاءت فضفاضة دعوات ومطالبات وترحيب، أي بعبارات وكلمات لا تفضي أو تعني الإلزام رغم خطورة الموقف، ومليئة بالنقاط الغامضة، والتي يمكن إن تعطي إسرائيل مجالا للمماطلة والالتفاف على تنفيذ القرار، مما يجعله يأخذ حكم البيان الرئاسي أكثر منه قرار، وجرى التحايل في التسمية وصدر مضمون البيان الرئاسي الذي كان موضوعا في التداول تحت عنوان قرار صدر عن مجلس الأمن الدولي.
12- تبني القرار المبادرة المصرية دون غيرها من المبادرات وهي التي تعبر عن وجهة نظر إسرائيلية وغير متوازنة لتلبيتها كافة المطالب للسلطة ولقوات الاحتلال دون وجهة نظر حماس.
13- القرار تبني مبادرة السلام العربية وهي مخالفة لأحكام ميثاق الأمم المتحدة لمخالفتها قرار التقسيم الذي قبلت إسرائيل علي أساسه عضوا بالأمم المتحدة، ولمخالفتها القانون الدولي.
14 – القرار لم يدين الجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني مخالفا بذلك اتفاقيات جنيف الأربعة والبرتوكولات الملحقة، وقصفه للمدنيين والمساجد والجامعات والمدارس وعربات الإسعاف وكافة الأماكن والأشخاص التي تتمتع بالحماية القانونية أثناء النزاعات المسلحة، رغم أنها تشكل كافة الجرائم المنصوص عليها في المادة(5) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
15 - ينص القرار على ما يسميه فتح ممرات إنسانية ولا ينص على إنهاء الحصار كما انه لا يتضمن أي إشارة جازمة لانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، وبالتالي فالنتيجة العملية للقرار ستكون استمرار الواقع الحالي في غزة واستخدام الضغط العسكري الإسرائيلي لتطويع موقف المقاومة السياسي في مفاوضات الوضع الفلسطيني الداخلي انطلاقا من اعتماد محمود عباس رئيسا مستمرا رغم انتهاء ولايته.
16- النص الصادر لا يتضمن تعبير الإلزام ولا يلزم بالانسحاب الفوري لقوات الاحتلال من غزة ويحقق شروط إسرائيل في منع التسلح على الشعب الفلسطيني، بينما العصابات الصهيونية مستمرة في عمليات القتل الجماعي في كل غزة بما فيها مقرات تابعة للأمم المتحدة.
مواقف أطراف الحرب:
وقد رفض الكيان الصهيوني القرار واستمر في حربه المفتوحة علي غزة بل أوقف العمل بمدة الهدنة المؤقتة ثلاث ساعات التي كان قد قررها قبل القرار بيومين، وكثف غاراته علي غزة واستمر في الحرب البرية كما هو مخطط لها.
أكدت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1860 الذي صدر فجر اليوم لم يلبِ طموحات الشعب الفلسطيني وساوى بين الجلاد والضحية، وأعرب الناطق باسم حركة حماس عن رفض الحركة لمشروع القرار الاممي الجديد معتبرا إياه محاولة لانتزاع أثمان سياسية وتحقيق مصالح اسرائيلة عبر العملية السياسية، وأن هذا القرار لا يلزم حركة حماس بشيء ما لم يحقق مطالبها المتمثلة بوقف ما وصفه بالعدوان فورا وإنهاء الحصار وإلزام إسرائيل بالانسحاب الفوري من غزة.
وعبر عن رأي السلطة وزير خارجيتها فقال) القرار رغم أنه يتحدث عن الوقف الفوري لإطلاق النار لكنه لا يتحدث عن الانسحاب الفوري ولا يتحدث صراحة عن موضوع رفع الحصار وإنما يتحدث عنه بطريقة غير مباشرة كما أنه فيما يتعلق بآليات والرقابة على وقف إطلاق النار والمعابر ولوجود مراقبين دوليين لتوفير الحماية فهم تحدثوا عن ترتيبات وضمانات يمكن التوصل إليها لاحقا ولاحقا هذه متى تأتي وكيف تأتي هذا هو مصدر قلقنا كفلسطينيين(.
التكييف القانوني للحرب في القانون الدولي
تعد هذه الحرب مخالفة واضحة وانتهاكا صريحا للقانون الدولي عامة والقانون الدولي الإنساني خاصة، وميثاق الأمم المتحدة فهذه حرب عدوانية وليست حرب مشروعة، فحق الدفاع الشرعي في القانون الدولي الوارد في المادة(51) من ميثاق الأمم المتحدة، حق مكفول لأهالي غزة باعتباره إقليما محتلا من قبل الكيان الصهيوني، وتطبيقا للقاعدة التي تقول(أنه لا دفاع شرعي ضد دفاع شرعي) لأن حركات المقاومة الفلسطينية حركات تحرر وطني طبقا للقانون الدولي واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والبروتوكولين الإضافيين لعام 1977م والبروتوكولات الأخرى الملحقة، واعترف بذلك العدو بعقد هدنة مع حركة حماس لمدة ستة أشهر، وكذلك الأمم المتحدة في قرارات صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أما عن الأسلحة المستخدمة في هذه الحرب فأنها أسلحة محرمة دوليا سواء قنابل الفسفور أو القنابل الارتجاجية، طبقا لاتفاقيات جنيف الأربعة والبرتوكولات المحلقة بها، كما أنها ليست ضرورية في الحرب، فضلا عن أنها ضد كل المحرمات في القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتشكل كافة الجرائم الدولية الواردة في المادة(5) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ولم تحترم قواعد قانون الحرب بل هي انتهاكات جسيمة لقانون الحرب.
والمطلوب من الدول العربية وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، أنشاء محكمة لمحاكمة قادة حرب العدو علي الجرائم التي ارتكبت في هذه الحرب، والقانون الدولي يعطيهم هذا الحق، بموجب الاختصاص العالمي لمحاكمة مجرمي الحرب، الذين ينتهكون قوانين الحرب ويرتكبون أحدي الجرائم الدولية الواردة في المادة(5) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أو التقدم لهذه المحكمة لمحاكمتهم خاصة وأن اليمن وجيبوتي من الدول العربية المصدقة علي اتفاقية المحكمة، وهناك دول إسلامية مصدقة علي اتفاقية هذه المحكمة، مما يحق لها اللجوء إليها وطلب تحريك الدعوى ضدهم.
ولكن الدول العربية والإسلامية عازفة عن إنشاء محكمة أو محاكم وطنية تختص بمحاكمة قادة الاحتلال الصهيوني عن جرائمهم في تلك الحرب أو ما سبقا من حروب، خاصة وأن الجرائم المرتكبة لا تسقط بالتقادم، كما أنها عازفة عن اللجوء إلي المحكمة الجنائية الدولية لتحريك الدعوى الجنائية ضدهم، وأيضا جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، قد عزفتا عن استخدام هذا الحق بإنشاء محاكم وطنية أو دولية خاصة للمحاكمة علي الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني، فلا يلام القانون الدولي علي عدم توفير آلية لمحاكمة مجرمي الحرب، ولكن يلام من بيده استخدام هذا الحق ولم يستخدمه.
كيفية محاكمة إسرائيل في القانون الدولي
يوجد في القانون الدولي عدة آليات يمكن بواسطتها محاكمة قادة وأفراد قوات الاحتلال الإسرائيلية عما ارتكبته وترتكبه من جرائم في الأراضي الفلسطينية وبعض الدول المجاورة، وتتمثل هذه الآليات في الآتي:
1- الوسيلة الأولي: بموجب الاختصاص القضائي العالمي: ونصت عليه العديد من الاتفاقيات الدولية أهمها اتفاقيات جنيف والبروتوكول الأول، ولا يوجد أي موانع قانونية أن تصدر الدول العربية مجتمعه عن طريق جامعة الدول العربية قانونا بشأن تشكيل محكمة جنائية لمحاكمة قادة وأفراد قوات الاحتلال الإسرائيلية علي جرائمهم في حق العرب طبقا لما سبق من اختصاص عالمي، ويمكن لمنظمة المؤتمر الإسلامي أن تفعل ذلك، ويمكن للدول العربية والإسلامية فرادي أو جماعات أن تصدر قوانين تحاكم فيه قادة وأفراد قوات الاحتلال الإسرائيلي عما أرتكبه ويرتكبه من جرائم دولية في حقهم، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا توافرت الإرادة الحقيقية والرغبة الصادقة لعمل ذلك، وطالب مجلس الجامعة العربية على مستوي وزراء الخارجية بذلك، في ختام أعمال دورته العادية رقم (116) سبتمبر 2001م، بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، ودعم المبادرات الهادفة إلى ذلك، وقد أكد المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العدل العرب عزمه على ملاحقة المسئولين بحق الاعتداءات والجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلية ضد سكان الأراضي العربية المحتلة في دورته السابعة والثلاثين بالقاهرة وطالب بإيجاد الآليات والوسائل القانونية لحماية الشعب الفلسطيني، وإسرائيل تخشى محاكمة جنرالاتها بجرائم حرب.
2- وسيلة الثانية: المحاكم الدولية الخاصة: عن طريق مجلس الأمن وهو المختص بذلك، ويمكن للأمم المتحدة أن تنشئ محكمة جنائية دولية بقرار من مجلس الأمن، كما في حالة المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا، ولكن تحكم الولايات المتحدة في مجلس الأمن لن يسمح بصدور مثل هذا القرار العادل، ولكن يمكن الوصول إلي هذا القرار عن طريقين هما:
1- طريق المادة(22) من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص علي أن(للجمعية العامة أن تنشئ من الفروع الثانوية ما تراه ضروريا للقيام بوظائفها)فللجمعية العامة طبقا لهذه المادة إنشاء ما يمكنها من أداء دورها فيمكن إنشاء محكمة جنائية دولية، على صورة هيئة معاونة، ففي الجمعية العامة نفوذ الولايات المتحدة أقل، ومن ثم فرصة صدور القرار أكبر، ويمكن إصدار قرار بإنشاء المحكمة المطلوبة.
2 - الاتحاد من أجل السلم: في حالة استخدام الولايات المتحدة حق النقض الفيتو للحيلولة دون إصدار قرار من مجلس الأمن بإنشاء محكمة جنائية لمحاكمة قادة إسرائيل السياسيين والعسكرية والأفراد، يمكن اللجوء إلي الاتحاد من أجل السلم الذي صدر في 3/11/1950م، وقد أعطي هذا القرار علي الجمعية العامة سلطات تتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين، في حالة إخفاق مجلس الأمن في القيام بواجباته ومسئولياته الرئيسية بسبب عدم إجماع الدول الدائمة فيه يحق للجمعية العامة أن تنظر في الموضوع مباشرة وتصدر التوصيات اللازمة للحفاظ علي السلم والأمن الدوليين، وتحل محل مجلس الأمن ويمكن إصدار قرار بإنشاء المحكمة المطلوبة.
3- الوسيلة الثالثة: المحكمة الجنائية الدولية: وهي سلطة القضائية الجنائية الدولية الدائمة يقتصر اختصاصها على الأفراد، وذلك بالنسبة للجرائم المرتكبة بعد دخول النظام الأساسي حيز النفاذ في 2002م، ويمكن محاكمة قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين أمامها عن الجرائم التي ارتكبوها بعد عام 2002م فهي لم تتوقف من أشاء إسرائيل، وذلك عن طريق انضمام الدول العربية للمحكمة وطبلها تحريك الدعوى الجنائية ضد القادة السياسيين والعسكريين وأفراد قواتها المسلحة. وقد بين النظام الأساسي للمحكمة في المادة(12) الشروط المسبقة لممارسة الاختصاص وبينت المادة(13) علي كيفية ممارسة الاختصاص أمام المحكمة، وأبانت المادة(14) من النظام الأساسي كيفية الإحالة من قبل دولة عضو، كما يمكن للمدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية أن يباشر التحقيقات كما ورد في المادة(15) من النظام الأساسي فنصت(1- للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة.
هذه هي الآليات التي يمكن بها محاكمة قادة إسرائيل السياسيين والعسكرية وأفراد القوات العسكرية وكل من أرتكب جريمة من الجرائم، ولكن يبقي توافر الإرادة الحقيقية والرغبة الصادقة لدي من يملكون هذا الحق لاستخدامه.
رغم ثبوت الجرائم في حق الكيان الصهيوني ووجود الآليات القانونية التي يمكنها تحقيق محاكمة للكيان الصهيوني قادة وأفراد إلا أنه يوجد عدة أسباب تعرقل الوصول إلي هذا الهدف وهي:
1 – عدم توافر الرغبة والإرادة الحقيقية فيمن يملكون استخدام هذا الحق قانونا.
2 – التواطأ العالمي والإقليمي والمحلي علي عدم استعمال هذا الحق من الدول والمنظمات الدولية وعلي رأسها الأمم المتحدة.
3 – الضغوط الدولية علي من يملكون هذا الحق التي وصلت للتهديد العسكري.
4 – النفوذ الصهيوني الهائل علي المستوي الدولي وخاصة في وسائل الإعلام العالمية التي تظهر جرائم إسرائيل بأنها دفاع شرعي ضد الإرهاب الفلسطيني، في المؤسسات الدولية وخاصة والأمم المتحدة وبمجلس الأمن بالفيتو الأمريكي الذي يقف في وجه تطبيق ذلك بحق الكيان الصهيوني بل أنه يمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن ولو بالإدانة للكيان الصهيوني.
التكييف القانوني لحصار غزة في القانون الدولي
فرض علي غزة حصارا من جميع الجهات من الشرق والغرب والشمال والجنوب، برا وبحرا وجوا، بدعوى محاربة الإرهاب ومحاصرة الفصائل الفلسطينية التي تقاوم الاحتلال والعملاء، بغية فرض استسلام في شكل تسوية سياسية.
هذا الحصار غير قانوني وغير شرعي وغير إنساني، من الناحية القانونية لم يفرض القانون الدولي الحصار إلا في حالة واحدة وعن طريق مجلس الأمن، وذلك ضد الدولة المعتدية ضمن إجراءات الأمن الجماعي التي يتخذها ويفرضها مجلس الأمن بقرار منه تطبيقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في المادة (41) التي نصت علي( لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوة المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلي أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وفقا كليا أو جزئيا وقطع العلاقات الدبلوماسية).
وهذه المادة نصت علي التدابير غير العسكرية علي سبيل المثال وليس الحصر، وتركت لمجلس الأمن السلطة الكاملة لتقرير ما يراه مناسبا وملائما من تدابير لا تصل إلي استخدام القوة العسكرية، نستطيع القول هنا أن من بينها أو مجملها الحصار، ومن تطبيقات هذه المادة ما صدر عن مجلس الأمن في أزمة احتلال العراق للكويت، فقد أصدر المجلس القرار مجلس الأمن رقم (660) بضرورة انسحاب العراق من الكويت وبعد رفض العراق تنفيذ هذا القرار، أصدر مجلس الأمن القرار رقم (661) في السادس من أغسطس عام 1990م الذي قرر فيه فرض عقوبات اقتصادية ومالية ضد العراق، ثم أصدر المجلس القرار رقم(670) في 25/9/1990م بمد الجزاءات علي جميع وسائل النقل بما فيها الطائرات، وقد سبق وطبق المجلس(41) من الميثاق علي جنوب إفريقيا عام 1963م، وعلي روديسيا (زيمبابوي حاليا) عام 1965موضد ليبيا ويوغسلافيا السابقة والسودان( ).
وأكد ميثاق الأمم المتحدة علي الحصار أيضا في المادة (42) منه التي نصت علي ( إذا رأي مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة(41) لا تفي بالغرض، أو ثبت أنها لم تقف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلي نصابه. ويجوز أن تشمل هذه الأعمال القيام بمظاهرات وفرض الحصار والعمليات الأخرى بواسطة القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة.).
وحصار غزة جريمة ضد الإنسانية طبقا للمادتين(5 و 7) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما أنه يخالف ميثاق الأمم المتحدة خاصة المادة الثانية والمادة (51)، ويحالف العديد من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة التي نصت علي ضرورة تقديم كافة أنواع الدعم لحركات التحرر الوطني وأهمها القرار رقم قرار رقم 3103 (الدورة 28) بتاريخ 12 كانون الأول (ديسمبر( 1973 إعلان المبادئ الإنسانية الأساسية في جميع النزاعات المسلحة ومبادئ الوضع القانوني الخاص بالمناضلين ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية، إعلان بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة. اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3318 (د-29) المؤرخ في 14 كانون الأول/ديسمبر 1974م.
التكييف القانوني لاتفاقية منع تهريب السلاح لغزة الموقعة بين ليفني ورايس
قبل نهاية الحرب غير المشروعة علي غزة أبرمت الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة في وزيرة الخارجية الأمريكية ووزيرة خارجية الكيان الصهيوني اتفاقية لمنع تهريب السلاح لغزة، وهذه الاتفاقية مخالفة صريحة للقواعد العامة في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ولقانون المعاهدات وميثاق حلف شمال الأطلنطي، نبين ذلك في الآتي:
1- هذه الاتفاقية تمنع السلاح عن شعب تقع تحت الاحتلال لذلك فأنها تمنعه من مقاومة الاحتلال رغم أن القانون الدولي حث كافة الدول والمنظمات الدولية وعلي رأسها الأمم المتحدة بضرورة مساعدة حركات التحرر الوطني التي تناضل ضد الاستعمار.
2- هذه الاتفاقية مخالفة صريحة لميثاق الأمم المتحدة خاصة في المادة(1/2) والمادة (55) بشأن حق تقرير المصير، كما تخالف المادة(51) الخاصة بحق الدفاع الشرعي.
3- هذه الاتفاقية مخالفة صريحة لقانون المعاهدات لعام 1969م خاصة المادة(53) المعاهدات المتعارضة مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي (النظام العام الدولي) التي نصت علي(تكون المعاهدة باطلة إذا كانت وقت عقدها تتعارض مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي. لأغراض هذه الاتفاقية يقصد بالقاعدة الآمرة من القواعد العامة للقانون الدولي القاعدة المقبولة والمعترف بها من قبل المجتمع الدولي ككل على أنها القاعـدة التي لا يجوز الإخلال بها والتي لا يمكن تعديلها إلا بقاعدة لاحقة من القواعد العامة للقانون الدولي لها ذات الطابع.). وهذه المعاهدة تخالف القواعد العامة والآمرة في القانون الدولي منها حق الدفاع الشرعي وحق تقرير المصير.
4- هذه المعاهدة تخالف ميثاق حلف شمال الأطلنطي (الناتو) خاصة في المادة (5) التي نصت علي (تتفق الأطراف علي أن أي هجوم مسلح ضد أي منها في أوربا أو أمريكا الشمالية) والمادة (6) التي نصت علي(يتضمن هجوما مسلحا علي أراضي أي من الأطراف في أوربا أو أمريكا الشمالية) يتبين من المادتين سالفي الذكر أن فلسطين تخرج من نطاق الحلف وحماية المقتصرة علي أوربا وأمريكا الشمالية.
في النهاية يمكننا القول ولا ينازعنا في ذلك أحد أن هذه الحرب الأخيرة – وأتمني أن تكون الأخيرة- تمت خارج إطار القانون والشرعية الدولية والإنسانية، ولا يوجد لها أي أساس لا في القانون الدولي ولا في الشرع ولا في الإنسانية علي مر الدهور وكر العصور، حتى في أحلك عصور الظلم والجبروت.
وفي النهاية حسبنا الله ونعم الوكيل.
الدكتورالسيد مصطفي أحمد أبو الخير
في الأيام الأخيرة من عام 2008م والعالم يستعد لوداع عام قد مضي إلا القليل منه واستقبال عام جديد عله ينسي العالم ما حدث في العام السابق من كوارث ومآس، فوجئ العالم بقيام الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة إلي حين، بالعدوان العسكري علي غزة، بعد هدنة استمرت ستة أشهر بين حركة المقاومة الإسلامية حماس وبين الكيان الصهيوني، انتهت في 19/12/2008م، واستمر القصف الجوي فقط علي كل غزة البشر والشجر والحجر والمدر وكل شيء في غزة الصابرة الصامدة المجاهدة، والتي تعتبر بحق تعبيرا عن حال أمة من الأمم.
فقد شنت قوات الاحتلال الصهيونية عدوانا سافرا مخالف لكل ولأبسط قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وكل المواثيق والاتفاقيات التي عقدت ليس في القانون الدولي المعاصر فحسب بل وصل الأمر إلي مخالفة حتي قواعد القانون الدولي التقليدي وكل قواعد المبادئ والأخلاق التي عرفتها البشرية، هي حرب إجرامية بكل المعايير، حربا لم تعرفها البشرية حتي في عصورها المظلمة، أستمر الطيران الحربي الصهيوني في قصف كل شيء في غزة، لم يترك حتي الحيوانات تعرضت للقصف من جانب الطيران.
فقد ضربت قوات الاحتلال الصهيونية ليس عرض الحائط بل في الأرض كل القواعد والمبادئ في القانون الدولي، وليس في القانون الدولي قاعدة أو مبدأ يؤيد ما ارتكبته وترتكبه قوات الاحتلال، وتشكل كافة الجرائم الدولية والواردة في المادة(5) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والبرتوكولات الملحقة.
استمرت المعارك الجوية أكثر من أسبوع، طال القصف الجوي كل المواقع والأماكن التي وفر لها القانون الدولي حماية من المدنيين والمساجد والمدارس والجامعات، رافق ذلك صمود شعب، وزراء الخارجية العرب لم يجتمعوا إلا بعد أربعة أو خمسة أيام من العدوان، بمقر جامعة الدول العربية، واكتفت الدول العربية حتي دول الممانعة بالأقوال، بصدور بيان طالبوا فيه باللجوء إلي مجلس الأمن، الذي أخذ أسبوع في التشاور، ثم أصدر قراره رقم(1860 في 9/1/2009م) هو أقرب إلي البيان منه إلي القرار، سوف نتناوله بالدراسة بعد وكان في أمكان الدول العربية والدول الإسلامية اللجوء إلي الجمعية العامة الاتحاد من أجل السلم، لاستصدار قرار بوقف العدوان، ونادت بعض الدول العربية باجتماع عاجل لقمة عربية، ولكن تصدت لذلك بعض الدول العربية التي زعمت بأنها غير ضرورية، إذا كانت القمة غير ضرورية في هذا التوقيت البالغ الحرج والآسف، متي يجتمعون القادة العرب؟
والموقف المصري جاء مخالفا لأحكام القانون الدولي في الآتي:
صرحت مصر بأنها لن تفتح المعبر تأسيسا علي اتفاقيات بينها وبين الكيان الصهيوني، وعلي أن الكيان الصهيوني محتل غزة وأن غزة أرض محتلة، ولا بد لقوة الاحتلال أن تكون حاضرة أثناء فتح المعابر، ويجب تنفيذ الاتفاقيات منها اتفاقيات عام 2005م، وغيرها من الاتفاقيات التي تخص المعابر الفلسطينية.
هذا الموقف المصري مخالف للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة لما يأتي:
1 – بطلان اتفاقيات المعابر لمخالفتها قانون المعاهدات الدولية، ومخالفة القانون الدولي الإنسان لأن الاحتلال لا ينقل السيادة، والإشراف علي المعابر من أمور السيادة، ويبقي الإشراف علي المعابر للسلطة الفعلية وهي هنا حماس لأنها هي صاحبة السلطة الفعلية والمنتخبة في غزة .
2 – اعتراف مصر بأن غزة أرض محتلة يعطي حق الدفاع الشرعي لكافة الفصائل طبقا للمادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، مما يجعل الصورايخ الفلسطينية دفاع شرعي مشروع ولا يحق للكيان الصهيوني التذرع بالرد عليها لأنه طبقا للقاعدة المستقرة في القانون الدولي (أنه لا دفاع شرعي ضد دفاع شرعي).
3 – مخالفة غلق معبر رفح لإعلان حقوق وواجبات الدول الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 375 (4) لعام 1949م.
5 – الإشراف علي المعابر من مقتضيات ومستلزمات ومتطلبات حماية السيادة ومبدأ السيادة، وطبقا للقاعدة المستقرة في القانون الدولي ومفادها (أن الاحتلال لا ينقل السيادة) وتظل السيادة لأبناء الأرض المحتلة الدولة المحتلة، لذلك لا يجوز تحكم الصهاينة في معبر رفح أو أن يكون لهم حتي الاشتراك في الإشراف عليه ويبقي ذلك مسئولية مصر وفلسطين.
6 – اعترف العدو الصهيوني بكون حركة المقاومة الإسلامية حماس وحكومتها حركة تحرر وطني بدليل أنها عقدت معها هدنة استمرت ستة أشهر حفظتها وطبقتها حماس دون العدو الصهيوني، وطبقا للقانون الدولي ينبغي مساعدة حركات التحرر الوطني في نضالها حتى الاستقلال.
والغريب أن الدول العربية التي تتمسك بالشرعية الدولية هي أول من خالفت الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، وقد تقدمت مصر بمبادرة لوقف الحرب الإجرامية علي الشعب الفلسطيني بعد مرور أكثر من عشرة أيام من الحرب، وسقوط حوالي ألف وخمسمائة شهيد أكثر من 30% منهم أطفال، وأكثر من 10% نساء وأكثر من خمسة آلاف جريح،ممن يتمتعون بالحماية القانونية لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والبرتوكولين الإضافيين لهم لعام 1977م وأكثر من ثلاثة آلاف جريح.
واكتفت جامعة الدول العربية بالموقف السياسي والوقوف سياسيا فقط في وجه العدوان، ولم يتم تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك، لم تطبق في حرب الخليج الثالثة 2003م، ولم تطبق في أي حرب حتي في حرب الخليج الثانية باحتلال العراق للكويت واستعانوا بقوات أجنبية لازالت موجودة ولم تخرج حتي الآن.
بدأت الحرب البرية بعد أن اعتقدت قوات الاحتلال أنها حققت أهدافها في ضرب نقاط القوة لحركات المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة حماس، تكبدت قوات الاحتلال خلالها قتلي وجرحي تكتم العدو علي الأرقام الحقيقية لها، ولكن تسرب البعض منها، عن طريق القنوات الفضائية، وأثبتت المقاومة قدرة علي الصمود والتصدي لأشرس حرب من قوة عسكرية تعد أقوي القوات العسكرية الموجودة في المنطقة، بإمكانيات قليلة وصدق فيهم قول الله تعالي (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة).
وقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية الفيتو ضد مشروع قرار، وطالبت بصدور بيان رئاسي من المجلس مما أعطي فرصة لإطالة أمد الحرب، ولكن الوفد العربي عمد إلي ضرورة إصدار قرار من مجلس الأمن وظلت المفاوضات الشاقة أكثر من ثلاثة أيام صدر بعدها القرار رقم (1860في9/1/2009م).
التكييف القانوني لقرار مجلس الأمن رقم 1680 الصادر9/1/2009م
قرار مجلس الأمن رقم (1860 الصادر في 9/1/2009م صدر معيبا وبه المثالب القانونية الكثير وهي:
1 – هذا القرار أقرب إلي بيان رئاسي عن المجلس منه إلي القرار، لخلوه من مواد الإسناد من ميثاق الأمم المتحدة .
2 – نص القرار في ديباجته علي التذكير فقط وليس المطالبة بتطبيق قرارات مجلس الأمن أرقام (242 /1967)، و338 /1973)، و1397 /2002)، و1515 /2003)، و1850 /2008) ولا يعد ذلك سندا قانونيا للقرار لأنها القرار ذكر بها فقط دون الاستناد عليها والبناء فوقها.
3 – القرار لم يصدر وفقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، علما بأن الوضع ينطبق عليه الفصل السابع فهو يهدد السلم والأمن الدولي، لذلك لا يتمتع القرار بالقوة الملزمة.
4 – القرار لم ينص علي تحديد وقت معين لانتهاء الحرب، فكان يجب علي القرار أن ينص علي إيقاف القتال ابتداء من الساعة ويحددها كما يحدد اليوم الذي يبدأ فيه سريان وقف النار.
5 – القرار لم ينص علي أي آلية تراقب وقف إطلاق النار.
6 – القرار ساوي بين أطراف الحرب رغم علمه مسبقا أن إسرائيل هي التي بدأت الحرب بقرار منفرد، فكان لزاما عليه أن يطالب إسرائيل بوقف القتال، لأنها قوة معتدية وقوة احتلال، كما أن الصواريخ الفلسطينية هي من قبيل الدفاع الشرعي الذي نصت عليه المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة.
7 – القرار مخالف لإعلان حقوق وواجبات الدول الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 375 (4) لعام 1949م، والذي دعا الدول إلي مساعدة حركات التحرر الوطني، وقد اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عدة قرارات كون المقاومة الفلسطينية حركات تحرر وطني طبقا للقانون الدولي.
8 – القرار تبني وجهة النظر الإسرائيلية الخاصة بالمعابر وأشار القرار لاتفاقية عام 2005م بشأن المعابر، رغم كون هذه الاتفاقية باطلة لمخالفتها قانون المعاهدات، ولمخالفتها للقانون الدولي في كون الكيان الصهيوني قوة احتلال في غزة وقد أنسحب منها في الماضي، وطبقا للمبدأ المستقر في القانون الدولي أن الاحتلال لا ينقل السيادة، والإشراف علي المعابر من مستلزمات ومقتضيات السيادة، وبالتالي فإن الإشراف علي المعابر يكون للسلطة الفعلية في غزة وهي هنا حكومة حماس، لأنها هي السلطة الفعلية.
9 – منع وصول الأسلحة إلي حركة حماس مخالف للقانون الدولي والمادة(51) من ميثاق الأمم المتحدة التي أشارت إلي حق الدفاع الشرعي، وهو حق طبيعي لا يملك القانون الدولي حياله سوي تنظيمه فقط وليس له الحق في الحد منه أو منعه، وتقع كافة محاولات منع وصول الأسلحة لحركة تحرر وطني مخالفة صريحة للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
10 - القرار في البند السادس منه أشار إلي (منع التجارة السرية في الأسلحة والذخائر) قاصدا بذلك الأسلحة التي تصل إلي حركات المقاومة الفلسطينية، وهو تكييف خاطئ طبقا للقانون الدولي كما بينا في البند السابق.
11- كل بنود القرار جاءت فضفاضة دعوات ومطالبات وترحيب، أي بعبارات وكلمات لا تفضي أو تعني الإلزام رغم خطورة الموقف، ومليئة بالنقاط الغامضة، والتي يمكن إن تعطي إسرائيل مجالا للمماطلة والالتفاف على تنفيذ القرار، مما يجعله يأخذ حكم البيان الرئاسي أكثر منه قرار، وجرى التحايل في التسمية وصدر مضمون البيان الرئاسي الذي كان موضوعا في التداول تحت عنوان قرار صدر عن مجلس الأمن الدولي.
12- تبني القرار المبادرة المصرية دون غيرها من المبادرات وهي التي تعبر عن وجهة نظر إسرائيلية وغير متوازنة لتلبيتها كافة المطالب للسلطة ولقوات الاحتلال دون وجهة نظر حماس.
13- القرار تبني مبادرة السلام العربية وهي مخالفة لأحكام ميثاق الأمم المتحدة لمخالفتها قرار التقسيم الذي قبلت إسرائيل علي أساسه عضوا بالأمم المتحدة، ولمخالفتها القانون الدولي.
14 – القرار لم يدين الجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني مخالفا بذلك اتفاقيات جنيف الأربعة والبرتوكولات الملحقة، وقصفه للمدنيين والمساجد والجامعات والمدارس وعربات الإسعاف وكافة الأماكن والأشخاص التي تتمتع بالحماية القانونية أثناء النزاعات المسلحة، رغم أنها تشكل كافة الجرائم المنصوص عليها في المادة(5) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
15 - ينص القرار على ما يسميه فتح ممرات إنسانية ولا ينص على إنهاء الحصار كما انه لا يتضمن أي إشارة جازمة لانسحاب القوات الإسرائيلية من غزة، وبالتالي فالنتيجة العملية للقرار ستكون استمرار الواقع الحالي في غزة واستخدام الضغط العسكري الإسرائيلي لتطويع موقف المقاومة السياسي في مفاوضات الوضع الفلسطيني الداخلي انطلاقا من اعتماد محمود عباس رئيسا مستمرا رغم انتهاء ولايته.
16- النص الصادر لا يتضمن تعبير الإلزام ولا يلزم بالانسحاب الفوري لقوات الاحتلال من غزة ويحقق شروط إسرائيل في منع التسلح على الشعب الفلسطيني، بينما العصابات الصهيونية مستمرة في عمليات القتل الجماعي في كل غزة بما فيها مقرات تابعة للأمم المتحدة.
مواقف أطراف الحرب:
وقد رفض الكيان الصهيوني القرار واستمر في حربه المفتوحة علي غزة بل أوقف العمل بمدة الهدنة المؤقتة ثلاث ساعات التي كان قد قررها قبل القرار بيومين، وكثف غاراته علي غزة واستمر في الحرب البرية كما هو مخطط لها.
أكدت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1860 الذي صدر فجر اليوم لم يلبِ طموحات الشعب الفلسطيني وساوى بين الجلاد والضحية، وأعرب الناطق باسم حركة حماس عن رفض الحركة لمشروع القرار الاممي الجديد معتبرا إياه محاولة لانتزاع أثمان سياسية وتحقيق مصالح اسرائيلة عبر العملية السياسية، وأن هذا القرار لا يلزم حركة حماس بشيء ما لم يحقق مطالبها المتمثلة بوقف ما وصفه بالعدوان فورا وإنهاء الحصار وإلزام إسرائيل بالانسحاب الفوري من غزة.
وعبر عن رأي السلطة وزير خارجيتها فقال) القرار رغم أنه يتحدث عن الوقف الفوري لإطلاق النار لكنه لا يتحدث عن الانسحاب الفوري ولا يتحدث صراحة عن موضوع رفع الحصار وإنما يتحدث عنه بطريقة غير مباشرة كما أنه فيما يتعلق بآليات والرقابة على وقف إطلاق النار والمعابر ولوجود مراقبين دوليين لتوفير الحماية فهم تحدثوا عن ترتيبات وضمانات يمكن التوصل إليها لاحقا ولاحقا هذه متى تأتي وكيف تأتي هذا هو مصدر قلقنا كفلسطينيين(.
التكييف القانوني للحرب في القانون الدولي
تعد هذه الحرب مخالفة واضحة وانتهاكا صريحا للقانون الدولي عامة والقانون الدولي الإنساني خاصة، وميثاق الأمم المتحدة فهذه حرب عدوانية وليست حرب مشروعة، فحق الدفاع الشرعي في القانون الدولي الوارد في المادة(51) من ميثاق الأمم المتحدة، حق مكفول لأهالي غزة باعتباره إقليما محتلا من قبل الكيان الصهيوني، وتطبيقا للقاعدة التي تقول(أنه لا دفاع شرعي ضد دفاع شرعي) لأن حركات المقاومة الفلسطينية حركات تحرر وطني طبقا للقانون الدولي واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م والبروتوكولين الإضافيين لعام 1977م والبروتوكولات الأخرى الملحقة، واعترف بذلك العدو بعقد هدنة مع حركة حماس لمدة ستة أشهر، وكذلك الأمم المتحدة في قرارات صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أما عن الأسلحة المستخدمة في هذه الحرب فأنها أسلحة محرمة دوليا سواء قنابل الفسفور أو القنابل الارتجاجية، طبقا لاتفاقيات جنيف الأربعة والبرتوكولات المحلقة بها، كما أنها ليست ضرورية في الحرب، فضلا عن أنها ضد كل المحرمات في القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتشكل كافة الجرائم الدولية الواردة في المادة(5) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ولم تحترم قواعد قانون الحرب بل هي انتهاكات جسيمة لقانون الحرب.
والمطلوب من الدول العربية وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، أنشاء محكمة لمحاكمة قادة حرب العدو علي الجرائم التي ارتكبت في هذه الحرب، والقانون الدولي يعطيهم هذا الحق، بموجب الاختصاص العالمي لمحاكمة مجرمي الحرب، الذين ينتهكون قوانين الحرب ويرتكبون أحدي الجرائم الدولية الواردة في المادة(5) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، أو التقدم لهذه المحكمة لمحاكمتهم خاصة وأن اليمن وجيبوتي من الدول العربية المصدقة علي اتفاقية المحكمة، وهناك دول إسلامية مصدقة علي اتفاقية هذه المحكمة، مما يحق لها اللجوء إليها وطلب تحريك الدعوى ضدهم.
ولكن الدول العربية والإسلامية عازفة عن إنشاء محكمة أو محاكم وطنية تختص بمحاكمة قادة الاحتلال الصهيوني عن جرائمهم في تلك الحرب أو ما سبقا من حروب، خاصة وأن الجرائم المرتكبة لا تسقط بالتقادم، كما أنها عازفة عن اللجوء إلي المحكمة الجنائية الدولية لتحريك الدعوى الجنائية ضدهم، وأيضا جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، قد عزفتا عن استخدام هذا الحق بإنشاء محاكم وطنية أو دولية خاصة للمحاكمة علي الجرائم التي ارتكبت ضد الشعب الفلسطيني، فلا يلام القانون الدولي علي عدم توفير آلية لمحاكمة مجرمي الحرب، ولكن يلام من بيده استخدام هذا الحق ولم يستخدمه.
كيفية محاكمة إسرائيل في القانون الدولي
يوجد في القانون الدولي عدة آليات يمكن بواسطتها محاكمة قادة وأفراد قوات الاحتلال الإسرائيلية عما ارتكبته وترتكبه من جرائم في الأراضي الفلسطينية وبعض الدول المجاورة، وتتمثل هذه الآليات في الآتي:
1- الوسيلة الأولي: بموجب الاختصاص القضائي العالمي: ونصت عليه العديد من الاتفاقيات الدولية أهمها اتفاقيات جنيف والبروتوكول الأول، ولا يوجد أي موانع قانونية أن تصدر الدول العربية مجتمعه عن طريق جامعة الدول العربية قانونا بشأن تشكيل محكمة جنائية لمحاكمة قادة وأفراد قوات الاحتلال الإسرائيلية علي جرائمهم في حق العرب طبقا لما سبق من اختصاص عالمي، ويمكن لمنظمة المؤتمر الإسلامي أن تفعل ذلك، ويمكن للدول العربية والإسلامية فرادي أو جماعات أن تصدر قوانين تحاكم فيه قادة وأفراد قوات الاحتلال الإسرائيلي عما أرتكبه ويرتكبه من جرائم دولية في حقهم، ولا يمكن أن يتم ذلك إلا إذا توافرت الإرادة الحقيقية والرغبة الصادقة لعمل ذلك، وطالب مجلس الجامعة العربية على مستوي وزراء الخارجية بذلك، في ختام أعمال دورته العادية رقم (116) سبتمبر 2001م، بتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، ودعم المبادرات الهادفة إلى ذلك، وقد أكد المكتب التنفيذي لمجلس وزراء العدل العرب عزمه على ملاحقة المسئولين بحق الاعتداءات والجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلية ضد سكان الأراضي العربية المحتلة في دورته السابعة والثلاثين بالقاهرة وطالب بإيجاد الآليات والوسائل القانونية لحماية الشعب الفلسطيني، وإسرائيل تخشى محاكمة جنرالاتها بجرائم حرب.
2- وسيلة الثانية: المحاكم الدولية الخاصة: عن طريق مجلس الأمن وهو المختص بذلك، ويمكن للأمم المتحدة أن تنشئ محكمة جنائية دولية بقرار من مجلس الأمن، كما في حالة المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا، ولكن تحكم الولايات المتحدة في مجلس الأمن لن يسمح بصدور مثل هذا القرار العادل، ولكن يمكن الوصول إلي هذا القرار عن طريقين هما:
1- طريق المادة(22) من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص علي أن(للجمعية العامة أن تنشئ من الفروع الثانوية ما تراه ضروريا للقيام بوظائفها)فللجمعية العامة طبقا لهذه المادة إنشاء ما يمكنها من أداء دورها فيمكن إنشاء محكمة جنائية دولية، على صورة هيئة معاونة، ففي الجمعية العامة نفوذ الولايات المتحدة أقل، ومن ثم فرصة صدور القرار أكبر، ويمكن إصدار قرار بإنشاء المحكمة المطلوبة.
2 - الاتحاد من أجل السلم: في حالة استخدام الولايات المتحدة حق النقض الفيتو للحيلولة دون إصدار قرار من مجلس الأمن بإنشاء محكمة جنائية لمحاكمة قادة إسرائيل السياسيين والعسكرية والأفراد، يمكن اللجوء إلي الاتحاد من أجل السلم الذي صدر في 3/11/1950م، وقد أعطي هذا القرار علي الجمعية العامة سلطات تتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين، في حالة إخفاق مجلس الأمن في القيام بواجباته ومسئولياته الرئيسية بسبب عدم إجماع الدول الدائمة فيه يحق للجمعية العامة أن تنظر في الموضوع مباشرة وتصدر التوصيات اللازمة للحفاظ علي السلم والأمن الدوليين، وتحل محل مجلس الأمن ويمكن إصدار قرار بإنشاء المحكمة المطلوبة.
3- الوسيلة الثالثة: المحكمة الجنائية الدولية: وهي سلطة القضائية الجنائية الدولية الدائمة يقتصر اختصاصها على الأفراد، وذلك بالنسبة للجرائم المرتكبة بعد دخول النظام الأساسي حيز النفاذ في 2002م، ويمكن محاكمة قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين أمامها عن الجرائم التي ارتكبوها بعد عام 2002م فهي لم تتوقف من أشاء إسرائيل، وذلك عن طريق انضمام الدول العربية للمحكمة وطبلها تحريك الدعوى الجنائية ضد القادة السياسيين والعسكريين وأفراد قواتها المسلحة. وقد بين النظام الأساسي للمحكمة في المادة(12) الشروط المسبقة لممارسة الاختصاص وبينت المادة(13) علي كيفية ممارسة الاختصاص أمام المحكمة، وأبانت المادة(14) من النظام الأساسي كيفية الإحالة من قبل دولة عضو، كما يمكن للمدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية أن يباشر التحقيقات كما ورد في المادة(15) من النظام الأساسي فنصت(1- للمدعي العام أن يباشر التحقيقات من تلقاء نفسه على أساس المعلومات المتعلقة بجرائم تدخل في اختصاص المحكمة.
هذه هي الآليات التي يمكن بها محاكمة قادة إسرائيل السياسيين والعسكرية وأفراد القوات العسكرية وكل من أرتكب جريمة من الجرائم، ولكن يبقي توافر الإرادة الحقيقية والرغبة الصادقة لدي من يملكون هذا الحق لاستخدامه.
رغم ثبوت الجرائم في حق الكيان الصهيوني ووجود الآليات القانونية التي يمكنها تحقيق محاكمة للكيان الصهيوني قادة وأفراد إلا أنه يوجد عدة أسباب تعرقل الوصول إلي هذا الهدف وهي:
1 – عدم توافر الرغبة والإرادة الحقيقية فيمن يملكون استخدام هذا الحق قانونا.
2 – التواطأ العالمي والإقليمي والمحلي علي عدم استعمال هذا الحق من الدول والمنظمات الدولية وعلي رأسها الأمم المتحدة.
3 – الضغوط الدولية علي من يملكون هذا الحق التي وصلت للتهديد العسكري.
4 – النفوذ الصهيوني الهائل علي المستوي الدولي وخاصة في وسائل الإعلام العالمية التي تظهر جرائم إسرائيل بأنها دفاع شرعي ضد الإرهاب الفلسطيني، في المؤسسات الدولية وخاصة والأمم المتحدة وبمجلس الأمن بالفيتو الأمريكي الذي يقف في وجه تطبيق ذلك بحق الكيان الصهيوني بل أنه يمنع صدور أي قرار من مجلس الأمن ولو بالإدانة للكيان الصهيوني.
التكييف القانوني لحصار غزة في القانون الدولي
فرض علي غزة حصارا من جميع الجهات من الشرق والغرب والشمال والجنوب، برا وبحرا وجوا، بدعوى محاربة الإرهاب ومحاصرة الفصائل الفلسطينية التي تقاوم الاحتلال والعملاء، بغية فرض استسلام في شكل تسوية سياسية.
هذا الحصار غير قانوني وغير شرعي وغير إنساني، من الناحية القانونية لم يفرض القانون الدولي الحصار إلا في حالة واحدة وعن طريق مجلس الأمن، وذلك ضد الدولة المعتدية ضمن إجراءات الأمن الجماعي التي يتخذها ويفرضها مجلس الأمن بقرار منه تطبيقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في المادة (41) التي نصت علي( لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوة المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلي أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وفقا كليا أو جزئيا وقطع العلاقات الدبلوماسية).
وهذه المادة نصت علي التدابير غير العسكرية علي سبيل المثال وليس الحصر، وتركت لمجلس الأمن السلطة الكاملة لتقرير ما يراه مناسبا وملائما من تدابير لا تصل إلي استخدام القوة العسكرية، نستطيع القول هنا أن من بينها أو مجملها الحصار، ومن تطبيقات هذه المادة ما صدر عن مجلس الأمن في أزمة احتلال العراق للكويت، فقد أصدر المجلس القرار مجلس الأمن رقم (660) بضرورة انسحاب العراق من الكويت وبعد رفض العراق تنفيذ هذا القرار، أصدر مجلس الأمن القرار رقم (661) في السادس من أغسطس عام 1990م الذي قرر فيه فرض عقوبات اقتصادية ومالية ضد العراق، ثم أصدر المجلس القرار رقم(670) في 25/9/1990م بمد الجزاءات علي جميع وسائل النقل بما فيها الطائرات، وقد سبق وطبق المجلس(41) من الميثاق علي جنوب إفريقيا عام 1963م، وعلي روديسيا (زيمبابوي حاليا) عام 1965موضد ليبيا ويوغسلافيا السابقة والسودان( ).
وأكد ميثاق الأمم المتحدة علي الحصار أيضا في المادة (42) منه التي نصت علي ( إذا رأي مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة(41) لا تفي بالغرض، أو ثبت أنها لم تقف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلي نصابه. ويجوز أن تشمل هذه الأعمال القيام بمظاهرات وفرض الحصار والعمليات الأخرى بواسطة القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة.).
وحصار غزة جريمة ضد الإنسانية طبقا للمادتين(5 و 7) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كما أنه يخالف ميثاق الأمم المتحدة خاصة المادة الثانية والمادة (51)، ويحالف العديد من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة التي نصت علي ضرورة تقديم كافة أنواع الدعم لحركات التحرر الوطني وأهمها القرار رقم قرار رقم 3103 (الدورة 28) بتاريخ 12 كانون الأول (ديسمبر( 1973 إعلان المبادئ الإنسانية الأساسية في جميع النزاعات المسلحة ومبادئ الوضع القانوني الخاص بالمناضلين ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية، إعلان بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة. اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3318 (د-29) المؤرخ في 14 كانون الأول/ديسمبر 1974م.
التكييف القانوني لاتفاقية منع تهريب السلاح لغزة الموقعة بين ليفني ورايس
قبل نهاية الحرب غير المشروعة علي غزة أبرمت الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة في وزيرة الخارجية الأمريكية ووزيرة خارجية الكيان الصهيوني اتفاقية لمنع تهريب السلاح لغزة، وهذه الاتفاقية مخالفة صريحة للقواعد العامة في القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ولقانون المعاهدات وميثاق حلف شمال الأطلنطي، نبين ذلك في الآتي:
1- هذه الاتفاقية تمنع السلاح عن شعب تقع تحت الاحتلال لذلك فأنها تمنعه من مقاومة الاحتلال رغم أن القانون الدولي حث كافة الدول والمنظمات الدولية وعلي رأسها الأمم المتحدة بضرورة مساعدة حركات التحرر الوطني التي تناضل ضد الاستعمار.
2- هذه الاتفاقية مخالفة صريحة لميثاق الأمم المتحدة خاصة في المادة(1/2) والمادة (55) بشأن حق تقرير المصير، كما تخالف المادة(51) الخاصة بحق الدفاع الشرعي.
3- هذه الاتفاقية مخالفة صريحة لقانون المعاهدات لعام 1969م خاصة المادة(53) المعاهدات المتعارضة مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي (النظام العام الدولي) التي نصت علي(تكون المعاهدة باطلة إذا كانت وقت عقدها تتعارض مع قاعدة آمرة من القواعد العامة للقانون الدولي. لأغراض هذه الاتفاقية يقصد بالقاعدة الآمرة من القواعد العامة للقانون الدولي القاعدة المقبولة والمعترف بها من قبل المجتمع الدولي ككل على أنها القاعـدة التي لا يجوز الإخلال بها والتي لا يمكن تعديلها إلا بقاعدة لاحقة من القواعد العامة للقانون الدولي لها ذات الطابع.). وهذه المعاهدة تخالف القواعد العامة والآمرة في القانون الدولي منها حق الدفاع الشرعي وحق تقرير المصير.
4- هذه المعاهدة تخالف ميثاق حلف شمال الأطلنطي (الناتو) خاصة في المادة (5) التي نصت علي (تتفق الأطراف علي أن أي هجوم مسلح ضد أي منها في أوربا أو أمريكا الشمالية) والمادة (6) التي نصت علي(يتضمن هجوما مسلحا علي أراضي أي من الأطراف في أوربا أو أمريكا الشمالية) يتبين من المادتين سالفي الذكر أن فلسطين تخرج من نطاق الحلف وحماية المقتصرة علي أوربا وأمريكا الشمالية.
في النهاية يمكننا القول ولا ينازعنا في ذلك أحد أن هذه الحرب الأخيرة – وأتمني أن تكون الأخيرة- تمت خارج إطار القانون والشرعية الدولية والإنسانية، ولا يوجد لها أي أساس لا في القانون الدولي ولا في الشرع ولا في الإنسانية علي مر الدهور وكر العصور، حتى في أحلك عصور الظلم والجبروت.
وفي النهاية حسبنا الله ونعم الوكيل.