معجم لسان العرب
أبو الفضل جمال الدين محمد
بن مكرم المعروف بـ ( إبن منظور)
حرف
الهمزة
نذكر في هذا الحرف الهمزة الأصلية
التي هي لام الفعل ، فأما المبدلة من الواو نحو العزاء ، الذي أصله عزاو ؛ لأنه من
" عزوت " ، أو المبدلة من الياء نحو الآباء ، الذي أصله " أباي
" ؛ لأنه من أبيت ، فنذكره في باب الواو والياء ، ونقدم هنا الحديث في الهمزة .
قال الأزهري
: اعلم
أن الهمزة لا هجاء لها ، إنما تكتب مرة ألفا ومرة ياء ومرة واوا ، والألف اللينة
لا حرف لها ، إنما هي جزء من مدة بعد فتحة . والحروف ثمانية وعشرون حرفا مع الواو
والألف والياء ، وتتم بالهمزة تسعة وعشرين حرفا .
والهمزة كالحرف الصحيح غير أن لها
حالات من التليين والحذف والإبدال والتحقيق تعتل ، فألحقت بالأحرف المعتلة الجوف ،
وليست من الجوف ، إنما هي حلقية في أقصى الفم ؛ ولها ألقاب كألقاب الحروف الجوف ،
فمنها همزة التأنيث ، كهمزة الحمراء والنفساء والعشراء والخشاء ، وكل منها مذكور
في موضعه ؛ ومنها الهمزة الأصلية في آخر الكلمة مثل : الحفاء والبواء والوطاء
والطواء ؛ ومنها الوحاء والباء والداء والإيطاء في الشعر . هذه كلها همزها أصلي .
ومنها همزة المدة المبدلة من الياء والواو : كهمزة السماء والبكاء والكساء والدعاء
والجزاء وما أشبهها . ومنها الهمزة المجتلبة بعد الألف الساكنة نحو : همزة وائل
وطائف ، وفي الجمع نحو : كتائب وسرائر . ومنها الهمزة الزائدة نحو : همزة الشمأل
والشأمل والغرقئ . ومنها الهمزة التي تزاد لئلا يجتمع ساكنان ؛ نحو : اطمأن واشمأز
وازبأر وما شاكلها . ومنها همزة الوقفة في آخر الفعل لغة لبعض دون بعض نحو قولهم
للمرأة : قولئ ، وللرجلين قولأ ، وللجميع قولؤ ، لهذا وصلوا الكلام لم يهمزوا ،
ويهمزون لا إذا وقفوا عليها . ومنها همزة التوهم كما روى الفراء عن بعض العرب أنهم
يهمزون ما لا همز فيه إذا ضارع المهموز .
قال : وسمعت امرأة من غني تقول : رثأت
زوجي بأبيات ، كأنها لما سمعت رثأت اللبن ذهبت إلى أن مرثية الميت منها . قال :
ويقولون لبأت بالحج وحلأت السويق فيغلطون ؛ لأن " حلأت " يقال في دفع
العطشان عن الماء ، ولبأت يذهب بها اللبا . وقالوا : استنشأت الريح والصواب
استنشيت ، ذهبوا به إلى قولهم : نشأ السحاب . ومنها الهمزة الأصلية الظاهرة نحو همز
الخبء والدفء والكفء والعبء وما أشبهها ؛ ومنها اجتماع همزتين في كلمة واحدة نحو
همزتي الرئاء والحاوئاء ؛ وأما الضياء فلا يجوز همز يائه ، والمدة الأخيرة فيه
همزة أصلية من ضاء يضوء ضوءا . قال أبو العباس أحمد بن يحيى فيمن همز ما ليس بمهموز :
وكنت أرجي بئر نعمان حائرا فلوأ بالعينين والأنف حائر
أراد لوى فهمز ، كما قال :
كمشترئ بالحمد ما لا يضيره
قال أبو
العباس : هذه لغة من يهمز ما ليس بمهموز . قال
: والناس كلهم يقولون ، إذا كانت الهمزة طرفا وقبلها ساكن حذفوها في الخفض والرفع
، وأثبتوها في النصب ، إلا الكسائي وحده ، فإنه يثبتها كلها .
قال : لهذا كانت الهمزة وسطى أجمعوا
كلهم على أن لا تسقط .
قال : واختلف العلماء بأي صورة تكون
الهمزة ، فقالت طائفة : نكتبها بحركة ما قبلها وهم الجماعة . وقال أصحاب القياس :
نكتبها بحركة نفسها ؛ واحتجت الجماعة بأن الخط ينوب عن اللسان .
قال : وإنما يلزمنا أن نترجم بالخط ما
نطق به اللسان . قال أبو العباس : وهذا هو الكلام .
قال : ومنها اجتماع الهمزتين بمعنيين
واختلاف النحويين فيهما . قال الله عز وجل : أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا
يؤمنون من
القراء من يحقق الهمزتين فيقرأ : ( أأنذرتهم ) قرأ به عاصم
وحمزة والكسائي ، وقرأ أبو
عمرو : ( آأنذرتهم ) مطولة ؛ وكذلك جميع ما
أشبهه نحو قوله تعالى : ( آأنت قلت للناس ) ، ( آألد وأنا عجوز ) ، ( آإله مع الله
) وكذلك قرأ ابن كثير ونافع ويعقوب بهمزة مطولة
، وقرأ عبد الله بن أبي إسحاق : ( آأنذرتهم ) بألف بين الهمزتين ، وهي
لغة سائرة بين العرب . قال ذو الرمة :
تطاللت فاستشرفته فعرفته فقلت له آأنت زيد
الأرانب ؟
وأنشد أحمد بن يحيى :
خرق إذا ما القوم أجروا فكاهة تذكر آإياه يعنون أم
قردا ؟
وقال الزجاج : زعم سيبويه أن من العرب من يحقق الهمزة ولا يجمع
بين الهمزتين ، وإن كانتا من كلمتين . قال : وأهل الحجاز لا يحققون واحدة منهما .
وكان الخليل
يرى تخفيف الثانية ، فيجعل الثانية بين الهمزة والألف ولا يجعلها ألفا
خالصة . قال : ومن جعلها ألفا خالصة ، فقد أخطأ من جهتين ؛ إحداهما : أنه جمع بين
ساكنين . والأخرى : أنه أبدل من همزة متحركة قبلها حركة ألفا ، والحركة الفتح .
قال : وإنما حق الهمزة إذا تحركت وانفتح ما قبلها أن تجعل بين بين - أعني بين
الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها - فتقول في [ ص: 27 ] سأل سأل ، وفي رؤف رؤف ، وفي بئس بئس
، وهذا في الخط واحد ، وإنما تحكمه بالمشافهة .
قال : وكان غير الخليل يقول في مثل قوله : " فقد جاء أشراطها
" أن تخفف الأولى .
قال سيبويه : جماعة من العرب يقرأون : ( فقد جاء
أشراطها ) ، يحققون الثانية ويخففون الأولى . قال وإلى هذا ذهب أبو عمرو بن العلاء .
قال : وأما الخليل
، فإنه يقرأ بتحقيق الأولى وتخفيف الثانية .
قال : وإنما اخترت تخفيف الثانية
لاجتماع الناس على بدل الثانية في قولهم : آدم وآخر ، لأن الأصل في آدم " أأدم " ، وفي آخر " أأخر " .
قال الزجاج : وقول الخليل
أقيس ، وقول أبي عمرو جيد أيضا .
وأما الهمزتان إذا كانتا مكسورتين ،
نحو قوله : على البغاء إن أردن تحصنا ، وإذا كانتا مضمومتين نحو قوله : أولياء أولئك فإن أبا
عمرو يخفف الهمزة الأولى منهما ، فيقول : على البغاء إن ، ( وأولياء أولئك ) ، فيجعل الهمزة
الأولى في البغاء بين الهمزة والياء ويكسرها ، ويجعل الهمزة في قوله : أولياء أولئك الأولى بين الواو والهمزة ويضمها .
قال : وجملة ما قاله في مثل هذه ثلاثة
أقوال ؛ أحدها : وهو مذهب الخليل ، أن يجعل مكان
الهمزة الثانية همزة بين بين ، فإذا كان مضموما جعل الهمزة بين الواو والهمزة .
قال : أولياء أولئك ، ( على البغاء إن ) .
وأما أبو
عمرو فيقرأ على ما ذكرنا ، وأما ابن أبي إسحاق وجماعة
من القراء فإنهم يجمعون بين الهمزتين ، وأما اختلاف الهمزتين نحو قوله تعالى : كما آمن السفهاء ألا فأكثر القراء على تحقيق الهمزتين ،
وأما أبو عمرو فإنه يحقق الهمزة الثانية في
رواية سيبويه ، ويخفف الأولى فيجعلها بين الواو
والهمزة ، فيقول : السفهاء ألا ، ويقرأ ( من في السماء أن ) فيحقق الثانية ، وأما سيبويه والخليل فيقولان : ( السفهاء ولا ) يجعلان
الهمزة الثانية واوا خالصة . وفي قوله تعالى : ( أأمنتم من في السماء ين ) ياء
خالصة ، والله أعلم .
قال : ومما جاء عن العرب في تحقيق
الهمز وتليينه وتحويله وحذفه ، قال أبو زيد الأنصاري : الهمز على ثلاثة أوجه : التحقيق
والتخفيف والتحويل . فالتحقيق منه أن تعطى الهمزة حقها من الإشباع ، فإذا أردت أن
تعرف إشباع الهمزة ، فاجعل العين في موضعها ، كقولك من الخبء : قد خبأت لك بوزن
خبعت لك ، وقرأت بوزن قرعت ، فأنا أخبغ وأقرع ، وأنا خابع وخابئ وقارئ نحو قارع ،
بعد تحقيق الهمزة بالعين ، كما وصفت لك . قال : والتخفيف من الهمز إنما سموه
تخفيفا ؛ لأنه لم يعط حقه من الإعراب والإشباع ، وهو مشرب همزا ، تصرف في وجوه
العربية بمنزلة سائر الحروف التي تحرك ، كقولك : خبات وقرات ، فجعل الهمزة ألفا
ساكنة على سكونها في التحقيق ، إذا كان ما قبلها مفتوحا ، وهي كسائر الحروف التي
يدخلها التحريك ، كقولك : لم يخبإ الرجل ، ولم يقرإ القرآن ، فكسر الألف من "
يخبإ " و " يقرإ " لسكون ما بعدها ، فكأنك قلت لم يخبير جل ولم يقر
يلقرآن ، وهو يخبو ويقرو ، فيجعلها واوا مضمومة في الأدراج ، فإن وقفتها جعلتها
ألفا غير أنك تهيئها للضمة من غير أن تظهر ضمتها فتقول : ما أخبأه وأقرأه ، فتحرك
الألف بفتح لبقية ما فيها من الهمزة كما وصفت لك ، وأما التحويل من الهمز ، فإن
تحول الهمز إلى الياء والواو ، كقولك : قد خبيت المتاع فهو مخبي ، فهو يخباه
، فاعلم ، فيجعل الياء ألفا حيث كان قبلها فتحة نحو ألف يسعى ويخشى ؛ لأن ما قبلها
مفتوح .
قال : وتقول رفوت الثوب رفوا ، فحولت
الهمزة واوا كما ترى ، وتقول : لم يخب عني شيئا . فتسقط موضع اللام من نظيرها من
الفعل للإعراب ، وتدع ما بقي على حاله متحركا ، وتقول : ما أخباه . فتسكن الألف
المحولة كما أسكنت الألف من قولك : ما أخشاه وأسعاه .
قال : ومن محقق الهمز قولك للرجل :
يلؤم . كأنك قلت : يلعم ، إذا كان بخيلا ، وأسد يزئر كقولك يزعر ، فإذا أردت
التخفيف قلت للرجل : يلم . وللأسد : يزر . على أن ألقيت الهمزة من قولك يلؤم ويزئر
، وحركت ما قبلها بحركتها على الضم والكسر ، إذا كان ما قبلها ساكنا ؛ فإذا أردت
تحويل الهمزة منها قلت للرجل يلوم فجعلتها واوا ساكنة ؛ لأنها تبعت ضمة ، والأسد
يزير فجعلتها ياء للكسرة قبلها نحو : يبيع ويخيط ؛ وكذلك كل همزة تبعت حرفا ساكنا
عدلتها إلى التخفيف ، فإنك تلقيها وتحرك بحركتها الحرف الساكن قبلها ، كقولك للرجل
: سل ، فتحذف الهمزة وتحرك موضع الفاء من نظيرها من الفعل بحركتها ، وأسقطت ألف
الوصل ؛ إذ تحرك ما بعدها ، وإنما يجتلبونها للإسكان ، فإذا تحرك ما بعدها لم
يحتاجوا إليها . وقال رؤبة :
وأنت يا با مسلم وفيتا
ترك الهمزة ، وكان وجه الكلام : يا أبا مسلم ؛ فحذف الهمزة وهي أصلية ، كما قالوا لا أب
لك ، ولا ابا لك ، ولا با لك ، ولاب لغيرك ، ولا با لشانئك .
ومنها نوع آخر من المحقق ، وهو قولك
من رأيت ، وأنت تأمر : إرأ ، كقولك : إرع زيدا ، فإذا أردت التخفيف قلت : ر زيدا ،
فتسقط ألف الوصل لتحرك ما بعدها .
قال أبو
زيد : وسمعت من العرب من يقول : يا فلان
نويك ؛ على التخفيف ، وتحقيقه نؤيك ، كقولك إبغ بغيك ، إذا أمره أن يجعل نحو خبائه
نؤيا كالطوق يصرف عنه ماء المطر .
قال : ومن هذا النوع : رأيت الرجل ،
فإذا أردت التخفيف قلت : رايت ، فحركت الألف بغير إشباع همز ، ولم تسقط الهمزة لأن
ما قبلها متحرك ، وتقول للرجل : ترأى ذلك على التحقيق .
[ ص: 28 ] وعامة كلام العرب في يرى وترى وارى
ونرى ؛ على التخفيف ، لم تزد على أن ألقت الهمزة من الكلمة ، وجعلت حركتها بالضم
على الحرف الساكن قبلها .
قال أبو
زيد : واعلم أن واو فعول ومفعول ، وياء فعيل
، وياء التصغير لا يعتقبن الهمز في شيء من الكلام ؛ لأن الأسماء طولت بها ، كقولك
في التحقيق : هذه خطيئة ، كقولك خطيعة ، فإذا أبدلتها إلى التخفيف قلت : هذه خطية
، جعلت حركتها ياء للكسرة ؛ وتقول : هذا رجل خبوء ، كقولك خبوع ، فإذا خففت قلت :
رجل خبو ، فتجعل الهمزة واوا للضمة التي قبلها ، وجعلتها حرفا ثقيلا في وزن حرفين
مع الواو التي قبلها ، وتقول : هذا متاع مخبوء بوزن مخبوع ، فإذا خففت . قلت :
متاع مخبو ، فحولت الهمزة واوا للضمة قبلها .
قال أبو
منصور : ومن العرب من يدغم الواو في الواو ويشددها
، فيقول : مخبو . قاد أبو زيد : تقول رجل براء من الشرك ، كقولك :
براع ، فإذا عدلتها إلى التخفيف قلت : براو ، فتصير الهمزة واوا لأنها مضمومة ،
وتقول : مررت برجل براي ، فتصير ياء على الكسرة ، ورأيت رجلا برايا ، فتصير ألفا ؛
لأنها مفتوحة . ومن تحقيق الهمزة قولهم : هذا غطاء
وكساء وخباء ، فتهمز موضع اللام من نظيرها من الفعل ؛ لأنها غاية ، وقبلها ألف
ساكنة ، كقولهم : هذا غطاع وكساع وخباع ، فالعين موضع الهمزة ، فإذا جمعت الاثنين
على سنة الواحد في التحقيق ، قلت : هذان غطاآن وكساآن وخباآن ، كقولك : غطاعان وكساعان
وخباعان ، فتهمز الاثنين على سنة الواحد ؛ وإذا أردت التخفيف قلت : هذا غطاو وكساو
وخباو ، فتجعل الهمزة واوا ؛ لأنها مضمومة ؛ وإن جمعت الاثنين بالتخفيف على سنة
الواحد قلت : هذان غطاأن وكساأن وخباأن ، فتحرك الألف التي في موضع اللام من
نظيرها من الفعل ، بغير إشباع ؛ لأن فيها بقية من الهمزة ، وقبلها ألف ساكنة ،
فإذا أردت تحويل الهمزة قلت : هذا غطاو وكساو ؛ لأن قبلها حرفا ساكنا وهي مضمومة ؛
وكذلك الفضاء : هذا فضاو ، على التحويل ؛ لأن ظهور الواو هاهنا أخف من ظهور الياء
، وتقول في الاثنين إذا جمعتهما على سنة تحويل الواو : هما غطاوان وكساوان وخباوان
وفضاوان .
قال أبو
زيد : وسمعت بعض بني
فزارة يقول : هما كسايان وخبايان وفضايان ، فيحول الواو إلى الياء . قال :
والواو في هذه الحروف أكثر في الكلام .
قال : ومن تحقيق الهمزة قولك : يا زيد
من أنت ، كقولك من عنت ، فإذا عدلت الهمزة إلى التخفيف قلت : يا زيد من نت ، كأنك
قلت : مننت ؛ لأنك أسقطت الهمزة من " أنت " وحركت ما قبلها بحركتها ،
ولم يدخله إدغام ؛ لأن النون الأخيرة ساكنة والأولى متحركة ؛ وتقول : من أنا ،
كقولك : من عنا على التحقيق ، فإذا أردت التخفيف قلت : يا زيد من نا ، كأنك قلت :
يا زيد منا ، أدخلت النون الأولى في الآخرة ، وجعلتهما حرفا واحدا ثقيلا في وزن
حرفين ، لأنهما متحركان في حال التخفيف ، ومثله قوله تعالى : لكنا هو الله ربي خففوا الهمزة من " لكن أنا
" فصارت " لكن نا " ، كقولك : لكننا ، ثم أسكنوا بعد التخفيف
فقالوا : لكنا .
قال : وسمعت أعرابيا من قيس يقول : يا أب أقبل ، وياب أقبل ، ويا أبة أقبل ،
ويابة أقبل ، فألقى الهمزة من . . .
ومن تحقيق الهمزة قولك : إفعوعلت من
" وأيت " : إيأوأيت ، كقولك : إفعوعيت ، فإذا عدلته على التخفيف قلت :
ايويت وحدها ، وويت ، والأولى منهما في موضع الفاء من الفعل وهي ساكنة ، والثانية
هي الزائدة فحركتها بحركة الهمزتين قبلها .
وثقل ظهور الواوين مفتوحتين ، فهمزوا
الأولى منهما ، ولو كانت الواو الأولى واو عطف لم يثقل ظهورهما في الكلام ، كقولك
: ذهب زيد ووافد ، وقدم عمرو وواهب .
قال : إذا أردت تحقيق " مفعوعل
" من " وأيت " . قلت : موأوئي ، كقولك : موعوعي ، فإذا عدلت إلى
التخفيف قلت : مواوي ، فتفتح الواو التي في موضع الفاء بفتحة الهمزة التي في موضع
العين من الفعل ، وتكسر الواو الثانية وهي الثابتة ، بكسر الهمزة التي بعدها .
قال أبو
زيد : وسمعت بعض بني
عجلان من قيس يقول : رأيت غلاميبيك ،
ورأيت غلاميسد ، تحول الهمزة التي في أسد وفي أبيك إلى الياء ، ويدخلونها في الياء
التي في الغلامين ، التي هي نفس الإعراب ، فيظهر ياء ثقيلة في وزن حرفين ، كأنك
قلت رأيت غلاميبيك ورأيت غلاميسد .
قال وسمعت رجلا من بني كلب يقول : هذه دأبة ، وهذه امرأة شأبة ، فهمز
الألف فيهما ، وذلك أنه ثقل عليه إسكان الحرفين معا ، وإن كان الحرف الآخر منهما
متحركا . وأنشد الفراء :
يا عجبا لقد رأيت عجبا حمار قبان يسوق أرنبا
وأمها خاطمها أن تذهبا
قال أبو زيد : أهل الحجاز وهذيل وأهل مكة والمدينة لا ينبرون . وقف عليها عيسى بن عمر فقال : ما آخذ من قول تميم إلا بالنبر وهم أصحاب النبر ، وأهل الحجاز إذا اضطروا نبروا . قال : وقال أبو عمر الهذلي : قد توضيت ، فلم يهمز وحولها ياء ،
وكذلك ما أشبه هذا من باب الهمز . والله تعالى أعلم .
أبو الفضل جمال الدين محمد
بن مكرم المعروف بـ ( إبن منظور)
حرف
الهمزة
نذكر في هذا الحرف الهمزة الأصلية
التي هي لام الفعل ، فأما المبدلة من الواو نحو العزاء ، الذي أصله عزاو ؛ لأنه من
" عزوت " ، أو المبدلة من الياء نحو الآباء ، الذي أصله " أباي
" ؛ لأنه من أبيت ، فنذكره في باب الواو والياء ، ونقدم هنا الحديث في الهمزة .
قال الأزهري
: اعلم
أن الهمزة لا هجاء لها ، إنما تكتب مرة ألفا ومرة ياء ومرة واوا ، والألف اللينة
لا حرف لها ، إنما هي جزء من مدة بعد فتحة . والحروف ثمانية وعشرون حرفا مع الواو
والألف والياء ، وتتم بالهمزة تسعة وعشرين حرفا .
والهمزة كالحرف الصحيح غير أن لها
حالات من التليين والحذف والإبدال والتحقيق تعتل ، فألحقت بالأحرف المعتلة الجوف ،
وليست من الجوف ، إنما هي حلقية في أقصى الفم ؛ ولها ألقاب كألقاب الحروف الجوف ،
فمنها همزة التأنيث ، كهمزة الحمراء والنفساء والعشراء والخشاء ، وكل منها مذكور
في موضعه ؛ ومنها الهمزة الأصلية في آخر الكلمة مثل : الحفاء والبواء والوطاء
والطواء ؛ ومنها الوحاء والباء والداء والإيطاء في الشعر . هذه كلها همزها أصلي .
ومنها همزة المدة المبدلة من الياء والواو : كهمزة السماء والبكاء والكساء والدعاء
والجزاء وما أشبهها . ومنها الهمزة المجتلبة بعد الألف الساكنة نحو : همزة وائل
وطائف ، وفي الجمع نحو : كتائب وسرائر . ومنها الهمزة الزائدة نحو : همزة الشمأل
والشأمل والغرقئ . ومنها الهمزة التي تزاد لئلا يجتمع ساكنان ؛ نحو : اطمأن واشمأز
وازبأر وما شاكلها . ومنها همزة الوقفة في آخر الفعل لغة لبعض دون بعض نحو قولهم
للمرأة : قولئ ، وللرجلين قولأ ، وللجميع قولؤ ، لهذا وصلوا الكلام لم يهمزوا ،
ويهمزون لا إذا وقفوا عليها . ومنها همزة التوهم كما روى الفراء عن بعض العرب أنهم
يهمزون ما لا همز فيه إذا ضارع المهموز .
قال : وسمعت امرأة من غني تقول : رثأت
زوجي بأبيات ، كأنها لما سمعت رثأت اللبن ذهبت إلى أن مرثية الميت منها . قال :
ويقولون لبأت بالحج وحلأت السويق فيغلطون ؛ لأن " حلأت " يقال في دفع
العطشان عن الماء ، ولبأت يذهب بها اللبا . وقالوا : استنشأت الريح والصواب
استنشيت ، ذهبوا به إلى قولهم : نشأ السحاب . ومنها الهمزة الأصلية الظاهرة نحو همز
الخبء والدفء والكفء والعبء وما أشبهها ؛ ومنها اجتماع همزتين في كلمة واحدة نحو
همزتي الرئاء والحاوئاء ؛ وأما الضياء فلا يجوز همز يائه ، والمدة الأخيرة فيه
همزة أصلية من ضاء يضوء ضوءا . قال أبو العباس أحمد بن يحيى فيمن همز ما ليس بمهموز :
وكنت أرجي بئر نعمان حائرا فلوأ بالعينين والأنف حائر
أراد لوى فهمز ، كما قال :
كمشترئ بالحمد ما لا يضيره
قال أبو
العباس : هذه لغة من يهمز ما ليس بمهموز . قال
: والناس كلهم يقولون ، إذا كانت الهمزة طرفا وقبلها ساكن حذفوها في الخفض والرفع
، وأثبتوها في النصب ، إلا الكسائي وحده ، فإنه يثبتها كلها .
قال : لهذا كانت الهمزة وسطى أجمعوا
كلهم على أن لا تسقط .
قال : واختلف العلماء بأي صورة تكون
الهمزة ، فقالت طائفة : نكتبها بحركة ما قبلها وهم الجماعة . وقال أصحاب القياس :
نكتبها بحركة نفسها ؛ واحتجت الجماعة بأن الخط ينوب عن اللسان .
قال : وإنما يلزمنا أن نترجم بالخط ما
نطق به اللسان . قال أبو العباس : وهذا هو الكلام .
قال : ومنها اجتماع الهمزتين بمعنيين
واختلاف النحويين فيهما . قال الله عز وجل : أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا
يؤمنون من
القراء من يحقق الهمزتين فيقرأ : ( أأنذرتهم ) قرأ به عاصم
وحمزة والكسائي ، وقرأ أبو
عمرو : ( آأنذرتهم ) مطولة ؛ وكذلك جميع ما
أشبهه نحو قوله تعالى : ( آأنت قلت للناس ) ، ( آألد وأنا عجوز ) ، ( آإله مع الله
) وكذلك قرأ ابن كثير ونافع ويعقوب بهمزة مطولة
، وقرأ عبد الله بن أبي إسحاق : ( آأنذرتهم ) بألف بين الهمزتين ، وهي
لغة سائرة بين العرب . قال ذو الرمة :
تطاللت فاستشرفته فعرفته فقلت له آأنت زيد
الأرانب ؟
وأنشد أحمد بن يحيى :
خرق إذا ما القوم أجروا فكاهة تذكر آإياه يعنون أم
قردا ؟
وقال الزجاج : زعم سيبويه أن من العرب من يحقق الهمزة ولا يجمع
بين الهمزتين ، وإن كانتا من كلمتين . قال : وأهل الحجاز لا يحققون واحدة منهما .
وكان الخليل
يرى تخفيف الثانية ، فيجعل الثانية بين الهمزة والألف ولا يجعلها ألفا
خالصة . قال : ومن جعلها ألفا خالصة ، فقد أخطأ من جهتين ؛ إحداهما : أنه جمع بين
ساكنين . والأخرى : أنه أبدل من همزة متحركة قبلها حركة ألفا ، والحركة الفتح .
قال : وإنما حق الهمزة إذا تحركت وانفتح ما قبلها أن تجعل بين بين - أعني بين
الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها - فتقول في [ ص: 27 ] سأل سأل ، وفي رؤف رؤف ، وفي بئس بئس
، وهذا في الخط واحد ، وإنما تحكمه بالمشافهة .
قال : وكان غير الخليل يقول في مثل قوله : " فقد جاء أشراطها
" أن تخفف الأولى .
قال سيبويه : جماعة من العرب يقرأون : ( فقد جاء
أشراطها ) ، يحققون الثانية ويخففون الأولى . قال وإلى هذا ذهب أبو عمرو بن العلاء .
قال : وأما الخليل
، فإنه يقرأ بتحقيق الأولى وتخفيف الثانية .
قال : وإنما اخترت تخفيف الثانية
لاجتماع الناس على بدل الثانية في قولهم : آدم وآخر ، لأن الأصل في آدم " أأدم " ، وفي آخر " أأخر " .
قال الزجاج : وقول الخليل
أقيس ، وقول أبي عمرو جيد أيضا .
وأما الهمزتان إذا كانتا مكسورتين ،
نحو قوله : على البغاء إن أردن تحصنا ، وإذا كانتا مضمومتين نحو قوله : أولياء أولئك فإن أبا
عمرو يخفف الهمزة الأولى منهما ، فيقول : على البغاء إن ، ( وأولياء أولئك ) ، فيجعل الهمزة
الأولى في البغاء بين الهمزة والياء ويكسرها ، ويجعل الهمزة في قوله : أولياء أولئك الأولى بين الواو والهمزة ويضمها .
قال : وجملة ما قاله في مثل هذه ثلاثة
أقوال ؛ أحدها : وهو مذهب الخليل ، أن يجعل مكان
الهمزة الثانية همزة بين بين ، فإذا كان مضموما جعل الهمزة بين الواو والهمزة .
قال : أولياء أولئك ، ( على البغاء إن ) .
وأما أبو
عمرو فيقرأ على ما ذكرنا ، وأما ابن أبي إسحاق وجماعة
من القراء فإنهم يجمعون بين الهمزتين ، وأما اختلاف الهمزتين نحو قوله تعالى : كما آمن السفهاء ألا فأكثر القراء على تحقيق الهمزتين ،
وأما أبو عمرو فإنه يحقق الهمزة الثانية في
رواية سيبويه ، ويخفف الأولى فيجعلها بين الواو
والهمزة ، فيقول : السفهاء ألا ، ويقرأ ( من في السماء أن ) فيحقق الثانية ، وأما سيبويه والخليل فيقولان : ( السفهاء ولا ) يجعلان
الهمزة الثانية واوا خالصة . وفي قوله تعالى : ( أأمنتم من في السماء ين ) ياء
خالصة ، والله أعلم .
قال : ومما جاء عن العرب في تحقيق
الهمز وتليينه وتحويله وحذفه ، قال أبو زيد الأنصاري : الهمز على ثلاثة أوجه : التحقيق
والتخفيف والتحويل . فالتحقيق منه أن تعطى الهمزة حقها من الإشباع ، فإذا أردت أن
تعرف إشباع الهمزة ، فاجعل العين في موضعها ، كقولك من الخبء : قد خبأت لك بوزن
خبعت لك ، وقرأت بوزن قرعت ، فأنا أخبغ وأقرع ، وأنا خابع وخابئ وقارئ نحو قارع ،
بعد تحقيق الهمزة بالعين ، كما وصفت لك . قال : والتخفيف من الهمز إنما سموه
تخفيفا ؛ لأنه لم يعط حقه من الإعراب والإشباع ، وهو مشرب همزا ، تصرف في وجوه
العربية بمنزلة سائر الحروف التي تحرك ، كقولك : خبات وقرات ، فجعل الهمزة ألفا
ساكنة على سكونها في التحقيق ، إذا كان ما قبلها مفتوحا ، وهي كسائر الحروف التي
يدخلها التحريك ، كقولك : لم يخبإ الرجل ، ولم يقرإ القرآن ، فكسر الألف من "
يخبإ " و " يقرإ " لسكون ما بعدها ، فكأنك قلت لم يخبير جل ولم يقر
يلقرآن ، وهو يخبو ويقرو ، فيجعلها واوا مضمومة في الأدراج ، فإن وقفتها جعلتها
ألفا غير أنك تهيئها للضمة من غير أن تظهر ضمتها فتقول : ما أخبأه وأقرأه ، فتحرك
الألف بفتح لبقية ما فيها من الهمزة كما وصفت لك ، وأما التحويل من الهمز ، فإن
تحول الهمز إلى الياء والواو ، كقولك : قد خبيت المتاع فهو مخبي ، فهو يخباه
، فاعلم ، فيجعل الياء ألفا حيث كان قبلها فتحة نحو ألف يسعى ويخشى ؛ لأن ما قبلها
مفتوح .
قال : وتقول رفوت الثوب رفوا ، فحولت
الهمزة واوا كما ترى ، وتقول : لم يخب عني شيئا . فتسقط موضع اللام من نظيرها من
الفعل للإعراب ، وتدع ما بقي على حاله متحركا ، وتقول : ما أخباه . فتسكن الألف
المحولة كما أسكنت الألف من قولك : ما أخشاه وأسعاه .
قال : ومن محقق الهمز قولك للرجل :
يلؤم . كأنك قلت : يلعم ، إذا كان بخيلا ، وأسد يزئر كقولك يزعر ، فإذا أردت
التخفيف قلت للرجل : يلم . وللأسد : يزر . على أن ألقيت الهمزة من قولك يلؤم ويزئر
، وحركت ما قبلها بحركتها على الضم والكسر ، إذا كان ما قبلها ساكنا ؛ فإذا أردت
تحويل الهمزة منها قلت للرجل يلوم فجعلتها واوا ساكنة ؛ لأنها تبعت ضمة ، والأسد
يزير فجعلتها ياء للكسرة قبلها نحو : يبيع ويخيط ؛ وكذلك كل همزة تبعت حرفا ساكنا
عدلتها إلى التخفيف ، فإنك تلقيها وتحرك بحركتها الحرف الساكن قبلها ، كقولك للرجل
: سل ، فتحذف الهمزة وتحرك موضع الفاء من نظيرها من الفعل بحركتها ، وأسقطت ألف
الوصل ؛ إذ تحرك ما بعدها ، وإنما يجتلبونها للإسكان ، فإذا تحرك ما بعدها لم
يحتاجوا إليها . وقال رؤبة :
وأنت يا با مسلم وفيتا
ترك الهمزة ، وكان وجه الكلام : يا أبا مسلم ؛ فحذف الهمزة وهي أصلية ، كما قالوا لا أب
لك ، ولا ابا لك ، ولا با لك ، ولاب لغيرك ، ولا با لشانئك .
ومنها نوع آخر من المحقق ، وهو قولك
من رأيت ، وأنت تأمر : إرأ ، كقولك : إرع زيدا ، فإذا أردت التخفيف قلت : ر زيدا ،
فتسقط ألف الوصل لتحرك ما بعدها .
قال أبو
زيد : وسمعت من العرب من يقول : يا فلان
نويك ؛ على التخفيف ، وتحقيقه نؤيك ، كقولك إبغ بغيك ، إذا أمره أن يجعل نحو خبائه
نؤيا كالطوق يصرف عنه ماء المطر .
قال : ومن هذا النوع : رأيت الرجل ،
فإذا أردت التخفيف قلت : رايت ، فحركت الألف بغير إشباع همز ، ولم تسقط الهمزة لأن
ما قبلها متحرك ، وتقول للرجل : ترأى ذلك على التحقيق .
[ ص: 28 ] وعامة كلام العرب في يرى وترى وارى
ونرى ؛ على التخفيف ، لم تزد على أن ألقت الهمزة من الكلمة ، وجعلت حركتها بالضم
على الحرف الساكن قبلها .
قال أبو
زيد : واعلم أن واو فعول ومفعول ، وياء فعيل
، وياء التصغير لا يعتقبن الهمز في شيء من الكلام ؛ لأن الأسماء طولت بها ، كقولك
في التحقيق : هذه خطيئة ، كقولك خطيعة ، فإذا أبدلتها إلى التخفيف قلت : هذه خطية
، جعلت حركتها ياء للكسرة ؛ وتقول : هذا رجل خبوء ، كقولك خبوع ، فإذا خففت قلت :
رجل خبو ، فتجعل الهمزة واوا للضمة التي قبلها ، وجعلتها حرفا ثقيلا في وزن حرفين
مع الواو التي قبلها ، وتقول : هذا متاع مخبوء بوزن مخبوع ، فإذا خففت . قلت :
متاع مخبو ، فحولت الهمزة واوا للضمة قبلها .
قال أبو
منصور : ومن العرب من يدغم الواو في الواو ويشددها
، فيقول : مخبو . قاد أبو زيد : تقول رجل براء من الشرك ، كقولك :
براع ، فإذا عدلتها إلى التخفيف قلت : براو ، فتصير الهمزة واوا لأنها مضمومة ،
وتقول : مررت برجل براي ، فتصير ياء على الكسرة ، ورأيت رجلا برايا ، فتصير ألفا ؛
لأنها مفتوحة . ومن تحقيق الهمزة قولهم : هذا غطاء
وكساء وخباء ، فتهمز موضع اللام من نظيرها من الفعل ؛ لأنها غاية ، وقبلها ألف
ساكنة ، كقولهم : هذا غطاع وكساع وخباع ، فالعين موضع الهمزة ، فإذا جمعت الاثنين
على سنة الواحد في التحقيق ، قلت : هذان غطاآن وكساآن وخباآن ، كقولك : غطاعان وكساعان
وخباعان ، فتهمز الاثنين على سنة الواحد ؛ وإذا أردت التخفيف قلت : هذا غطاو وكساو
وخباو ، فتجعل الهمزة واوا ؛ لأنها مضمومة ؛ وإن جمعت الاثنين بالتخفيف على سنة
الواحد قلت : هذان غطاأن وكساأن وخباأن ، فتحرك الألف التي في موضع اللام من
نظيرها من الفعل ، بغير إشباع ؛ لأن فيها بقية من الهمزة ، وقبلها ألف ساكنة ،
فإذا أردت تحويل الهمزة قلت : هذا غطاو وكساو ؛ لأن قبلها حرفا ساكنا وهي مضمومة ؛
وكذلك الفضاء : هذا فضاو ، على التحويل ؛ لأن ظهور الواو هاهنا أخف من ظهور الياء
، وتقول في الاثنين إذا جمعتهما على سنة تحويل الواو : هما غطاوان وكساوان وخباوان
وفضاوان .
قال أبو
زيد : وسمعت بعض بني
فزارة يقول : هما كسايان وخبايان وفضايان ، فيحول الواو إلى الياء . قال :
والواو في هذه الحروف أكثر في الكلام .
قال : ومن تحقيق الهمزة قولك : يا زيد
من أنت ، كقولك من عنت ، فإذا عدلت الهمزة إلى التخفيف قلت : يا زيد من نت ، كأنك
قلت : مننت ؛ لأنك أسقطت الهمزة من " أنت " وحركت ما قبلها بحركتها ،
ولم يدخله إدغام ؛ لأن النون الأخيرة ساكنة والأولى متحركة ؛ وتقول : من أنا ،
كقولك : من عنا على التحقيق ، فإذا أردت التخفيف قلت : يا زيد من نا ، كأنك قلت :
يا زيد منا ، أدخلت النون الأولى في الآخرة ، وجعلتهما حرفا واحدا ثقيلا في وزن
حرفين ، لأنهما متحركان في حال التخفيف ، ومثله قوله تعالى : لكنا هو الله ربي خففوا الهمزة من " لكن أنا
" فصارت " لكن نا " ، كقولك : لكننا ، ثم أسكنوا بعد التخفيف
فقالوا : لكنا .
قال : وسمعت أعرابيا من قيس يقول : يا أب أقبل ، وياب أقبل ، ويا أبة أقبل ،
ويابة أقبل ، فألقى الهمزة من . . .
ومن تحقيق الهمزة قولك : إفعوعلت من
" وأيت " : إيأوأيت ، كقولك : إفعوعيت ، فإذا عدلته على التخفيف قلت :
ايويت وحدها ، وويت ، والأولى منهما في موضع الفاء من الفعل وهي ساكنة ، والثانية
هي الزائدة فحركتها بحركة الهمزتين قبلها .
وثقل ظهور الواوين مفتوحتين ، فهمزوا
الأولى منهما ، ولو كانت الواو الأولى واو عطف لم يثقل ظهورهما في الكلام ، كقولك
: ذهب زيد ووافد ، وقدم عمرو وواهب .
قال : إذا أردت تحقيق " مفعوعل
" من " وأيت " . قلت : موأوئي ، كقولك : موعوعي ، فإذا عدلت إلى
التخفيف قلت : مواوي ، فتفتح الواو التي في موضع الفاء بفتحة الهمزة التي في موضع
العين من الفعل ، وتكسر الواو الثانية وهي الثابتة ، بكسر الهمزة التي بعدها .
قال أبو
زيد : وسمعت بعض بني
عجلان من قيس يقول : رأيت غلاميبيك ،
ورأيت غلاميسد ، تحول الهمزة التي في أسد وفي أبيك إلى الياء ، ويدخلونها في الياء
التي في الغلامين ، التي هي نفس الإعراب ، فيظهر ياء ثقيلة في وزن حرفين ، كأنك
قلت رأيت غلاميبيك ورأيت غلاميسد .
قال وسمعت رجلا من بني كلب يقول : هذه دأبة ، وهذه امرأة شأبة ، فهمز
الألف فيهما ، وذلك أنه ثقل عليه إسكان الحرفين معا ، وإن كان الحرف الآخر منهما
متحركا . وأنشد الفراء :
يا عجبا لقد رأيت عجبا حمار قبان يسوق أرنبا
وأمها خاطمها أن تذهبا
قال أبو زيد : أهل الحجاز وهذيل وأهل مكة والمدينة لا ينبرون . وقف عليها عيسى بن عمر فقال : ما آخذ من قول تميم إلا بالنبر وهم أصحاب النبر ، وأهل الحجاز إذا اضطروا نبروا . قال : وقال أبو عمر الهذلي : قد توضيت ، فلم يهمز وحولها ياء ،
وكذلك ما أشبه هذا من باب الهمز . والله تعالى أعلم .