الإسلام في البلقان ورؤية غربية
الإسلام في البلقان يستصرخ الإنسانية
تعتبر
شبه جزيرة البلقان من أهم المناطق الإسلامية في القارة الأوروبية.ومن أهم
معابر ومنابر الدعوة الإسلامية في هذا الجزء من العالم,وقد خضعت البلقان
للحكم الإسلامي منذ عام 797 ه - 1394م.بينما عرفت الإسلام منذ بدايات القرن
الهجري الأول.وقد حافظ المسلمون في دول البلقان على هويتهم العقائدية رغم
المعاناة التي لاحقتهم من خصوم الإسلام والمسلمين .
البلقان
هو الفاصل بين المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية,في ذات الوقت الذي يمثّل
فيه البلقان فاصلاً بين أوروبا والإسلام.فمن وجهة النظر الأوروبية يشكّل
البلقان جسمًا غريبًا عن أوروبا المسيحية,وهو المنطقة الفاصلة التي لا بد
من عزلها,لأنها الجسم الغريب عن أوروبا.والتي تعتبره جرثومة ربما تنقل
إليها عدوى الأسلمة,لذلك كانت نظرتهم إلى شعوبه المسلمة.
يمثّل
مسلمو البلقان خليطًا مجتمعيًا متنوعًا سياسيًا و عرقياً ولغويًا
وثقافيًا,بل وحتى دينيًا-مذهبياً-.وهم في الغالب سكان المنطقة الأصليون
اعتنقوا الإسلام على امتداد قرون طويلة.
هذا ولم يحظ مسلمو البلقان إلا بقليل من الاهتمام في سياق الأبحاث عن الإسلام، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنهم قد اعتنقوا
الإسلام
بعد أن أنشئت المؤسسات الإسلامية الرئيسية. ومما دعم هذا الإهمال أن جميع
الدول القومية البلقانية في القرن العشرين،من الممالك الهشة التي وجدت في
بدايات القرن، إلى الدول الاشتراكية/الشيوعية التي نشأت في الخمسين سنة
التالية، قد ازدرت ماضيها العثماني.
وفيما
عدا البوسنة،عاملت كل هذه الدول الإسلام كخطأ ارتكب في الأزمان الغابرة،
كما عاملت المسلمين كما لو كانوا يعانون من وجود إشكالية في بنيتهم
الأيديولوجية القومية. وسعت هذه الدول إلى الابتعاد عن ماضيها العثماني في
سياق طموحها للتحول إلى جزء لا يتجزأ من أوروبا.
ومما
ساعد على دعم تلك النظرة الغربية العنصرية لمسلمي البلقان,أن
الوثائق الخاصة مسلمي شعوب البلقان منيت بخسائر فادحة بسبب الدمار الذي لحق
بالآثار والأرشيفات الإسلامية في الحروب التي نشبت في البوسنة وكوسوفا في
تسعينات القرن العشرين.
ومن
هذه الخسائر الجسيمة الدمار الذي أصاب معهد الدراسات الشرقية في سراييفو،
الذي كان يمتلك مجموعة شهيرة من وثائق وسجلات مسلمي البوسنة، وقد كان هذا
المعهد هدفاً لهجوم مباشر دمره تدميرا، كما دمرت العديد من المساجد الكبرى
مثل مسجد "بانيا لوكا" و"فوتشا"، والمدارس الدينية، والجسر العثماني الشهير
في موستار،ومقابر المسلمين. وفي عام ١٩٩٩ م نقلت سجلات بلدية كوسوفا إلى
مكان آخر، ودمر مسجد ثالث من مساجدها.
أيضاً
فإن انتماء الكثير من المسلمين إلى أقليات عرقية جعل لهم هويات
مزدوجة،فمسلمو البلقان يتوزعون إلى عرقيتين كبيرتين، هما: الإليرية
(الألبان)،والسّلافيّون الذين يضمون البوشناق, والتُّربشيين,
والغورانيّين،ومسلمي بلغاريا البوماك.هذا ويتحدث مسلمو البلقان عشر لغات
مختلفة أوسعها استعمالاً الألبانية والبوسنية والتركية ولغة الغجر
والبلغارية.
و
يتبع مسلمو البلقان المذهب الحنفي في الغالب,كما يوجد حوالي 20%من
البكتاشيين في ألبانيا وبعضهم في مقدونيا,إلى جانب وجود أقلية علوية في
بلغاريا,وينتمي جُلّ مسلمي البلقان إلى الحضارة والثقافة العثمانية.
تشير
الحقائق التاريخية أن وصول الإسلام إلى جنوب شرق أوروبا كان في القرن
الثامن الميلادي على خلفية حصار مدينة تساري جراد وتمكّنت بعض سرايا الجيش
الإسلامي من بلوغ الجزر اليونانية وأدرنة.
أما
مسلمو البلقان الحاليون فيعود وجودهم إلى زمن الفتح العثماني عندما اعتنق
عدد كبير منهم الإسلام, ثم ما لبثوا أن تحولوا بعد الانسحاب العثماني من
المنطقة إلى أقليات مبعثرة بين دول عدة وباتوا أقليات مهمشة
ومضطهدة,باستثناء مسلمي ألبانيا وكوسوفو والسنجق والبوسنة الذين حافظوا على
وحدتهم ودينهم رغم ما تعرضوا له بدورهم من عمليات تصفية عرقية,وقد أحصى
بعض المؤرخين عشر مجازر كبرى تعرض لها مسلمو البلقان منذ الانسحاب
العثماني.
مع
خسارة العثمانيين أراضي المجر وأجزاء من كرواتيا بعد 150 عامًا من الوصول
إليها وحكمها,تعرض المسلمون إلى عمليات تنصير شاملة وقُتِل منهم عدد كبير
من الذين حاولوا الصمود أو رُحّلوا أو غادروا بمحض إرادتهم.
أضف
إلى ما سبق,استقلال عدد من دول البلقان التي سعت إلى بناء الدولة العرقية
الخالصة,وكان ذلك على إثر حرب البلقان الأولى عام 1912, وعرفت تلك الفترة
تصفية حسابات واسعة وقاسية مع مسلمي البلقان بصفتهم خونة وعملاء تعاملوا مع
المستعمر العثماني ضد أبناء جلدتهم من الأرثوذكس,فعرف المسلمون في البلقان
عمليات هجرة جماعية نحو تركيا أساسًا والبلدان العربية والإسلامية الأخرى.
ثم
كانت الضربة التي قصمت ظهر البعير التي مني بها مسلمي البلقان مع وصول
الشيوعيين إلى السلطة في كل دول البلقان باستثناء اليونان, فخضع المسلمين
حينها إلى عمليات طرد وملاحقة باعتبارهم أصحاب ديانة مختلفة وأقليات غير
مرغوب فيها,وقد عرف مسلمو ألبانيا نوعًا آخر من الملاحقة,بصفتهم أغلبية في
بلدهم, فعمدت السلطات الشيوعية إلى إخضاعهم إلى عمليات مُمنهجة حاولت من
خلالها القضاء على كل ما له علاقة بالدين لديهم,وقد عرفت تلك الفترة هجرة
مئات آلاف المسلمين أغلبهم من مقدونيا.
أما
الفترة الأكثر مأساوية في تاريخ مسلمي البلقان تعود إلى تسعينيات القرن
الماضي؛ ففي تلك الفترة لاحقت السلطات البلغارية المسلمين من الأتراك
وأجبرتهم على ما سُمي حينها ببلغرتهم وكان ذلك في سنوات حكم تودور جيفكوف
الأخيرة,وتلا ذلك عمليات التطهير العرقي الأشرس الذي عرفته أوروبا في
البوسنة والملاحقات في السنجق والحرب المفتوحة على مسلمي كوسوفو
ومقدونيا,وأسفرت هذه الحملة الحاقدة على المسلمين في البلقان إلى قتل حوالي
250 ألفًا منهم وتهجير مئات الآلاف إلى أميركا وأستراليا وأوروبا الغربية
فتغيرت مرّة أخرى خارطتهم العرقية في البلقان.
هذا
و لا توجد إحصاءات رسمية دقيقة حول عدد المسلمين في البلقان,لكن أكثر ما
ورد حدد أعدادهم ما بين 8,5 إلى 11 مليون نسمة,أو ما يعادل 11-15% من مجموع
سكان المنطقة البالغ 77 مليون نسمة.
يشكّل
مسلمو ألبانيا وكوسوفو أغلبية مطلقة في بلديهما,في حين تبلغ نسبة مسلمي
البوسنة أغلبية نسبية مقارنة بأعداد الصرب والكروات الذين يقاسمونهم نفس
الأرض,والمسلمون أغلبية أيضًا في إقليم السنجق الذي لا يتمتع باستقلال
ذاتي،وقد أصبح مسلمو السنجق يتوزعون على دولتين، هما: صربيا والجبل الأسود,
ويبلغ المسلمون في مقدونيا حوالي نصف مجموع السكان, وفي بلغاريا حوالي
15%, أما في رومانيا واليونان وكرواتيا وسلوفينيا والمجر فيشكّل المسلمون
أقليات لا ثقل لها.
لم
يكن يُعرف تحديدًا عددُ المسلمين في يوغسلافيا قبل انهيار نظامها الشيوعي
الملحد,لكن هناك بعض التقديرات التي تشير إلى أن عددهم قد يبلغ أربعة
ملايين أو أكثر قليلاً في بلد يصل عدد سكانه إلى حوالي 22,5 مليون نسمة
بحسب إحصاء 1981م,ومع قولنا ذلك فإنّ عدد المسلمين الممارسين لعقيدتهم بين
هؤلاء لا يمكن تحديده على وجه الدقة.
وتعد
أكبر الجماعات المسلمة في البوسنة والهرسك,ومسلموها سلافيو الأصل في
أغلبهم,اعتنقوا الإسلام على امتداد القرون الماضية,إلى جانب وجود أعداد من
أصول تركية وعربية وغيرها,ويبلغ عدد مسلمي البوسنة حوالي 2مليون نسمة من
مجموع أربعة ملايين ونصف.
تليها
تلك التي توجد في كوسوفو ويبلغ عددها الإجمالي حوالي 1,2 مليون نسمة, أما
المجموعة الثالثة فتتواجد في مقدونيا وتتوزع بين مسلمين مقدونيين يُجهل
عددهم على وجه الدقة, مع وجود تقديرات ترجح أن عددهم يبلغ حوالي 100 ألف
نسمة,يُضاف إليهم نصف مليون نسمة من الألبان و100 ألف من المسلمين
الأتراك,ويُضاف إلى هذه المجموعات الكبرى أعداد أخرى من المسلمين يتوزعون
في الجبل الأسود ويُقدَّر عددهم بعدة عشرات من الآلاف,وحوالي مائة ألف مسلم
آخرين من أصول غجرية وأصول أخرى تنتمي إلى كل الأعراق المشار إليها أعلاه
وتتوزع على مختلف المناطق والمدن والقرى اليوغسلافية.
إذا
كان عقد التسعينيات قد مثّل لمجمل شعوب أوروبا الوسطى والبلقان عقد
استعادة الحريات المغتصبة من قبل الحكومات التسلطية الشيوعية, فإن تلك
الحقبة كانت بالنسبة لمسلمي البلقان إحدى الحقب المحزنة,بل و الأكثر سوءاً
وإيلامًا وخطورة في تاريخهم منذ فترة ما بعد سقوط الخلافة العثمانية.
-------------
تعد
الأقليات الإسلامية الموجودة في منطقة البلقان عموماً,وفي مقدونيا
واليونان والجبل الأسود خاصةً بؤراً للتوتر الدائم في القارة الأوروبية،حيث
كانت سياسة الضم الجبري عنوةً وتغيير الحدود في دول البلقان السبب الرئيس
في نشوء تلك الأقليات التي تتركز في شماريا اليونانية،مقدونيا، الجبل
الأسود. ورغم وجود هذه الأقليات في قارة متحضرة وغنية فإن أوضاعها السياسية
والاقتصادية متردية بصورة تدعو للحزن والحسرة على مآل تلك الأقليات.
إن
الجماعة المسلمة في البلقان لا تمثل وحدة متلاحمة بل تقدم نفسها في أشكال
جماعات مناطقية,تختلف علاقات كل منها سواء الرسمية أو غير الرسمية مع سلطات
البلدان التي تعيش فيها,كما أن حقيقة أوضاع الجماعات المسلمة على الأرض
ليست واحدة وتختلف اختلافًا كبيرًا سلبًا أو إيجابًا.
كما
يعد تواجد المسلمين في قلب الصراعات التي ضربت دول جنوب شرق أوروبا في
العقد الأخير,هو السبب الرئيس الذي قد غذّى عددًا من الشكوك حول حقيقة وجود
صراع بين الحضارات أو الثقافات,وهذا ما خلق خطاباً مخوِّفاً من الإسلام,أو
أيضًا الخوف من إعلان ما سُمي بالجهاد الديموجرافي في البلقان وهو ما يخفي
وراءه فكرة مخيفة تهدف إلى نزع المشروعية عن الوجود الإسلامي في
البلقان،وتغذي النهج الطامح إلى محاولات اجتثاثهم من المنطقة بدعم روسي غير
خفي وصمت غربي متواطئ وتدخّل أميركي محسوب,وهو ما أدّى وسيؤدي في الغالب
إلى عمليات التطهير العرقي التي أضحت بضاعة بلقانية بامتياز.
هذا
وقد كتب صموئيل هنتيجتون في إطار نظريته لصراع الحضارات,عما أسماه بالحدود
الدموية للإسلام البلقاني مشبهاً مسلمي البلقان بالدّاء السرطاني الذي
ينخر جسم الحضارة الغربية ويتربّص بحدودها.أما كوبلان فقد حذّر من حزام
إسلامي بلقاني أخضر يحاصر خاصرة أوروبا من جهتها الشرقية ودعا إلى ضرورة
مواجهته.ونحن في ضوء هذه الرؤى نعرض بعض ما يتعرض له مسلمي البلقان من
تحديات ومصاعب واضطهاد على يد الصليبية الحاقدة والشيوعية الملحدة
البغيضة.فهيا بنا.
لقد
ترك الحكم العثماني في منطقة البلقان الكثير من المسلمين.بالرغم من انقضاء
قرون عديدة على انتهاء الحقبة العثمانية،إلا أن الشيوعيين البلغار عمدوا
إلى تغيير أسماء المسلمين البلغار من أصول تركية بقوّة السلاح، وقتل الكثير
من المسلمين نتيجة لهذه الإجراءات القسرية، لكنها أسفرت بالتالي عن هجرة
مئات الآلاف من المواطنين البلغار المسلمين إلى تركيا للحفاظ على هوياتهم،
أمّا البقية فقد رضوا بالأمر الواقع حتى إشعار آخر،وكانوا يعرفون بعضهم
بأسمائهم التركية المسلمة لكن أوراق ثبوتهم كانت تشير إلى غير ذاك، حتى تم
التحول إلى اقتصاد السوق وانتهى ما كان يسمى بالمنظومة الاشتراكية، وأصبح
بإمكان الراغبين من المسلمين استعادة أسمائهم الحقيقية بحريّة مطلقة.
تمكن
المسلمون من تنظيم صفوفهم وعاد الكثير منهم من تركيا،وتمتعوا بازدواجية
الجنسية، ثمّ سرعان ما قاموا بتأسيس حزب أطلقوا عليه اسم “حركة الحقوق
والحريات” ونالوا نصيبهم من السلطة بل شاركوا في تأسيس الحكومة الائتلافية
في الفترة الواقعة ما بين 2005م– 2009م.بالطبع نشأت في البلاد أحزاب يمينية
وأخرى يمينية متطرفة كحزب “أتاكا” ويعني “الهجوم”.سرعان ما انقلب هذا
الحزب على مبادئه القومية واعتبر المسلمين وحركة الحقوق
وسرعان
ما ظهر صراع خفيّ ما بين الحزب اليميني المتطرّف “أتاكا” وحركة الحقوق
والحريات الممثل الرسمي للمسلمين البلغار من أصول تركية، وصلت ذروته
بالاعتداء على المصلين الذين كانوا يؤمون مسجد “بانيا باش” الوحيد في
صوفيا.المسجد بالطبع غير قادر على استيعاب كامل المصلين، لأن قدرته لا
تتجاوز 700 مصلي في الوقت الذي يرغب في تأدية المشاعر الدينية حوالي 1500
مسلم،هكذا خرج المصلون إلى الرصيف للصلاة وسرعان ما اندلعت حرب حقيقية ما
بين الطرفين، استخدم فيها القتال بالأيدي والسكاكين في 2011 م، لم تقم
وزارة الداخلية البلغارية بما يجب لمواجهة هذا الصراع الدموي واكتفت
بالتحقيق مع بعض المتورطين وسجن آخرين لأيام، واكتفى البرلمان البلغاري
بتبني بيان سياسي يدين هذه الحادثة.
وقد
كانت هناك عمليات جذب وتفاعل اجتماعي عديدة، سواء على الصعيد الاجتماعي أو
السياسي داخل دول البلقان ساعدت على تصعيد العداء ضدّ المسلمين بصورة أو
أخرى، وإن كان هذا قد حدث بطريقة تدريجية يصعب على المراقب رؤية تفاصيلها
،وذلك للعمل على تأجيج المشاعر الوطنية،أسهل طريقة بالطبع هو الوقوف في وجه
المسلمين، ومعاداة مظاهر عقيدتهم كالأذان والصلاة وغيره.
كذلك
قد عانى المسلمون أيضاً من تغييب شامل للتعليم الإسلامي في ظل الحكومات
الشيوعية مثل بلغاريا ورومانيا؛حيث منع التعليم الديني بقوانين صارمة،ومنعت
الكتب الدينية من التداول،ويعد تعلم وتعليم القرآن الكريم من الأمور
المحرمة بقوانين هذه الدول.
وهناك
أيضاً مشكلة من أخطر المشكلات الاجتماعية وهي تعرض عائل الأسرة المسلمة
لمشكلات أمنية والزج به في السجن،ومثل هؤلاء يتركون أسرهم دون عائل مم يؤدي
إلى انخفاض دخل هذه العائلات أو توقف الدخل بالكلية،وما يسببه ذلك من عوز
وتدن في مستوياتهم المعيشية،مما يفتح أمام المنظمات التنصيرية المجال
لتقديم المساعدات التي ينفثون من خلالها سمومهم بين الأسر المسلمة,كذلك فإن
هذا الأمر يؤدي إلى توجه بعض الأسر المسلمة الفقيرة إلى المتاجرة في
المحرمات مثل بيع وشراء الخمر والخنزير وغير ذلك .
وما
قام به الصرب في البوسنة والهرسك ليس منا ببعيد فلن ينسوا التاريخ الأسود
الذي دونه الصرب النصارى بأعمالهم الإجرامية وممارساتهم الوحشية ضد
المسلمين،فأزهقوا أرواح الآلاف من المسلمين،ونفذوا العديد من المذابح
الجماعية ضد الأطفال والشيوخ والنساء،وهدموا القرى والبيوت والمؤسسات التي
تخص المسلمين،ومازال شعب البوسنة وشعب كوسوفا يضمدان جراحهما،ويلملمان
شتاتهما.
إن
إخواننا المسلمين في منطقة البلقان عانوا كثيرا،ودفعوا الثمن باهظاً نتيجة
الصراع الصليبي الواقع والمعلن في شكل حروب استخدمت فيها أحدث التقنيات
العسكرية ضد شعوب لا تملك جيوشا أو أسلحة مماثلة تدافع بها عن نفسها
ووجودها .
تعتبر
منطقة البلقان حقيقة من أخطر المناطق في العالم لوجود أعراق كثيرة وأقليات
عرقية مختلفة،ولا بدّ لأيّ حكومة بلقانية من العمل على إيجاد صيغة للتعايش
السلميّ ضمن قوانين مدنية تحمي الجميع إذا أرادت أن تتقّي شرّ انفجار
“برميل الديناميت” المؤقت القابل للاشتعال وحرق الأخضر واليابس في شبه
جزيرة البلقان في أيّ وقت من الأوقات
لقد
حافظ المسلمون عبر المراحل التاريخية المختلفة على هويتهم العقائدية•فقامت
الأسر المسلمة في كوسوفا بتربية النشء المسلم تربية إسلامية خالصة،
فالأطفال يدرسون علوم الإسلام ويحفظون القرآن الكريم بالمدارس القرآنية
الملحقة بالمساجد•ما أسهم في نشر اللغة العربية بين المسلمين•
أخيرًا
ومهما يكن من أمر فإن مسلمي البلقان,ما عدا أولئك الذين يعيشون في
ألبانيا,سيظلون أقليات دينية و عرقية تعيش داخل بلدان تعادي الإسلام وترغب
في إنهاء وجوده أو على الأقل إبعاده عن الحياة العامة للمجتمعات البلقانية.
وبناءاً
على ما سبق ذكره فإن ذلك الحوار غير المتكافئ بين السلطات في البلدان
البلقانية والأقليات المسلمة الخاضعة لها ستفضي إلى إرضاء نسبي للجماعات
المسلمة, لكنها ستحملهم عاجلاً أو آجلاً على إظهار عدم رضاهم وبالتالي عودة
الاحتقان وربما التصادم مع تلك الحكومات وهو الأرجح,وخاصة مع إحساس هذه
الأقلية بالتمييز العرقي مما أدى إلى تنامي الشعور بالخوف من الذوبان
الثقافي وسط المحيط الجغرافي والثقافي المحيط بهم،هذا وتعاني الأقلية
المسلمة بحالة من عدم الاستقرار وبشعور متزايد بأن حرباً عرقية ستندلع في
أي لحظة،وربما كان هذا هو شعور العالم أيضاً.
الإسلام في البلقان يستصرخ الإنسانية
تعتبر
شبه جزيرة البلقان من أهم المناطق الإسلامية في القارة الأوروبية.ومن أهم
معابر ومنابر الدعوة الإسلامية في هذا الجزء من العالم,وقد خضعت البلقان
للحكم الإسلامي منذ عام 797 ه - 1394م.بينما عرفت الإسلام منذ بدايات القرن
الهجري الأول.وقد حافظ المسلمون في دول البلقان على هويتهم العقائدية رغم
المعاناة التي لاحقتهم من خصوم الإسلام والمسلمين .
البلقان
هو الفاصل بين المسيحية الكاثوليكية والأرثوذكسية,في ذات الوقت الذي يمثّل
فيه البلقان فاصلاً بين أوروبا والإسلام.فمن وجهة النظر الأوروبية يشكّل
البلقان جسمًا غريبًا عن أوروبا المسيحية,وهو المنطقة الفاصلة التي لا بد
من عزلها,لأنها الجسم الغريب عن أوروبا.والتي تعتبره جرثومة ربما تنقل
إليها عدوى الأسلمة,لذلك كانت نظرتهم إلى شعوبه المسلمة.
يمثّل
مسلمو البلقان خليطًا مجتمعيًا متنوعًا سياسيًا و عرقياً ولغويًا
وثقافيًا,بل وحتى دينيًا-مذهبياً-.وهم في الغالب سكان المنطقة الأصليون
اعتنقوا الإسلام على امتداد قرون طويلة.
هذا ولم يحظ مسلمو البلقان إلا بقليل من الاهتمام في سياق الأبحاث عن الإسلام، ويرجع ذلك جزئيا إلى أنهم قد اعتنقوا
الإسلام
بعد أن أنشئت المؤسسات الإسلامية الرئيسية. ومما دعم هذا الإهمال أن جميع
الدول القومية البلقانية في القرن العشرين،من الممالك الهشة التي وجدت في
بدايات القرن، إلى الدول الاشتراكية/الشيوعية التي نشأت في الخمسين سنة
التالية، قد ازدرت ماضيها العثماني.
وفيما
عدا البوسنة،عاملت كل هذه الدول الإسلام كخطأ ارتكب في الأزمان الغابرة،
كما عاملت المسلمين كما لو كانوا يعانون من وجود إشكالية في بنيتهم
الأيديولوجية القومية. وسعت هذه الدول إلى الابتعاد عن ماضيها العثماني في
سياق طموحها للتحول إلى جزء لا يتجزأ من أوروبا.
ومما
ساعد على دعم تلك النظرة الغربية العنصرية لمسلمي البلقان,أن
الوثائق الخاصة مسلمي شعوب البلقان منيت بخسائر فادحة بسبب الدمار الذي لحق
بالآثار والأرشيفات الإسلامية في الحروب التي نشبت في البوسنة وكوسوفا في
تسعينات القرن العشرين.
ومن
هذه الخسائر الجسيمة الدمار الذي أصاب معهد الدراسات الشرقية في سراييفو،
الذي كان يمتلك مجموعة شهيرة من وثائق وسجلات مسلمي البوسنة، وقد كان هذا
المعهد هدفاً لهجوم مباشر دمره تدميرا، كما دمرت العديد من المساجد الكبرى
مثل مسجد "بانيا لوكا" و"فوتشا"، والمدارس الدينية، والجسر العثماني الشهير
في موستار،ومقابر المسلمين. وفي عام ١٩٩٩ م نقلت سجلات بلدية كوسوفا إلى
مكان آخر، ودمر مسجد ثالث من مساجدها.
أيضاً
فإن انتماء الكثير من المسلمين إلى أقليات عرقية جعل لهم هويات
مزدوجة،فمسلمو البلقان يتوزعون إلى عرقيتين كبيرتين، هما: الإليرية
(الألبان)،والسّلافيّون الذين يضمون البوشناق, والتُّربشيين,
والغورانيّين،ومسلمي بلغاريا البوماك.هذا ويتحدث مسلمو البلقان عشر لغات
مختلفة أوسعها استعمالاً الألبانية والبوسنية والتركية ولغة الغجر
والبلغارية.
و
يتبع مسلمو البلقان المذهب الحنفي في الغالب,كما يوجد حوالي 20%من
البكتاشيين في ألبانيا وبعضهم في مقدونيا,إلى جانب وجود أقلية علوية في
بلغاريا,وينتمي جُلّ مسلمي البلقان إلى الحضارة والثقافة العثمانية.
تشير
الحقائق التاريخية أن وصول الإسلام إلى جنوب شرق أوروبا كان في القرن
الثامن الميلادي على خلفية حصار مدينة تساري جراد وتمكّنت بعض سرايا الجيش
الإسلامي من بلوغ الجزر اليونانية وأدرنة.
أما
مسلمو البلقان الحاليون فيعود وجودهم إلى زمن الفتح العثماني عندما اعتنق
عدد كبير منهم الإسلام, ثم ما لبثوا أن تحولوا بعد الانسحاب العثماني من
المنطقة إلى أقليات مبعثرة بين دول عدة وباتوا أقليات مهمشة
ومضطهدة,باستثناء مسلمي ألبانيا وكوسوفو والسنجق والبوسنة الذين حافظوا على
وحدتهم ودينهم رغم ما تعرضوا له بدورهم من عمليات تصفية عرقية,وقد أحصى
بعض المؤرخين عشر مجازر كبرى تعرض لها مسلمو البلقان منذ الانسحاب
العثماني.
مع
خسارة العثمانيين أراضي المجر وأجزاء من كرواتيا بعد 150 عامًا من الوصول
إليها وحكمها,تعرض المسلمون إلى عمليات تنصير شاملة وقُتِل منهم عدد كبير
من الذين حاولوا الصمود أو رُحّلوا أو غادروا بمحض إرادتهم.
أضف
إلى ما سبق,استقلال عدد من دول البلقان التي سعت إلى بناء الدولة العرقية
الخالصة,وكان ذلك على إثر حرب البلقان الأولى عام 1912, وعرفت تلك الفترة
تصفية حسابات واسعة وقاسية مع مسلمي البلقان بصفتهم خونة وعملاء تعاملوا مع
المستعمر العثماني ضد أبناء جلدتهم من الأرثوذكس,فعرف المسلمون في البلقان
عمليات هجرة جماعية نحو تركيا أساسًا والبلدان العربية والإسلامية الأخرى.
ثم
كانت الضربة التي قصمت ظهر البعير التي مني بها مسلمي البلقان مع وصول
الشيوعيين إلى السلطة في كل دول البلقان باستثناء اليونان, فخضع المسلمين
حينها إلى عمليات طرد وملاحقة باعتبارهم أصحاب ديانة مختلفة وأقليات غير
مرغوب فيها,وقد عرف مسلمو ألبانيا نوعًا آخر من الملاحقة,بصفتهم أغلبية في
بلدهم, فعمدت السلطات الشيوعية إلى إخضاعهم إلى عمليات مُمنهجة حاولت من
خلالها القضاء على كل ما له علاقة بالدين لديهم,وقد عرفت تلك الفترة هجرة
مئات آلاف المسلمين أغلبهم من مقدونيا.
أما
الفترة الأكثر مأساوية في تاريخ مسلمي البلقان تعود إلى تسعينيات القرن
الماضي؛ ففي تلك الفترة لاحقت السلطات البلغارية المسلمين من الأتراك
وأجبرتهم على ما سُمي حينها ببلغرتهم وكان ذلك في سنوات حكم تودور جيفكوف
الأخيرة,وتلا ذلك عمليات التطهير العرقي الأشرس الذي عرفته أوروبا في
البوسنة والملاحقات في السنجق والحرب المفتوحة على مسلمي كوسوفو
ومقدونيا,وأسفرت هذه الحملة الحاقدة على المسلمين في البلقان إلى قتل حوالي
250 ألفًا منهم وتهجير مئات الآلاف إلى أميركا وأستراليا وأوروبا الغربية
فتغيرت مرّة أخرى خارطتهم العرقية في البلقان.
هذا
و لا توجد إحصاءات رسمية دقيقة حول عدد المسلمين في البلقان,لكن أكثر ما
ورد حدد أعدادهم ما بين 8,5 إلى 11 مليون نسمة,أو ما يعادل 11-15% من مجموع
سكان المنطقة البالغ 77 مليون نسمة.
يشكّل
مسلمو ألبانيا وكوسوفو أغلبية مطلقة في بلديهما,في حين تبلغ نسبة مسلمي
البوسنة أغلبية نسبية مقارنة بأعداد الصرب والكروات الذين يقاسمونهم نفس
الأرض,والمسلمون أغلبية أيضًا في إقليم السنجق الذي لا يتمتع باستقلال
ذاتي،وقد أصبح مسلمو السنجق يتوزعون على دولتين، هما: صربيا والجبل الأسود,
ويبلغ المسلمون في مقدونيا حوالي نصف مجموع السكان, وفي بلغاريا حوالي
15%, أما في رومانيا واليونان وكرواتيا وسلوفينيا والمجر فيشكّل المسلمون
أقليات لا ثقل لها.
لم
يكن يُعرف تحديدًا عددُ المسلمين في يوغسلافيا قبل انهيار نظامها الشيوعي
الملحد,لكن هناك بعض التقديرات التي تشير إلى أن عددهم قد يبلغ أربعة
ملايين أو أكثر قليلاً في بلد يصل عدد سكانه إلى حوالي 22,5 مليون نسمة
بحسب إحصاء 1981م,ومع قولنا ذلك فإنّ عدد المسلمين الممارسين لعقيدتهم بين
هؤلاء لا يمكن تحديده على وجه الدقة.
وتعد
أكبر الجماعات المسلمة في البوسنة والهرسك,ومسلموها سلافيو الأصل في
أغلبهم,اعتنقوا الإسلام على امتداد القرون الماضية,إلى جانب وجود أعداد من
أصول تركية وعربية وغيرها,ويبلغ عدد مسلمي البوسنة حوالي 2مليون نسمة من
مجموع أربعة ملايين ونصف.
تليها
تلك التي توجد في كوسوفو ويبلغ عددها الإجمالي حوالي 1,2 مليون نسمة, أما
المجموعة الثالثة فتتواجد في مقدونيا وتتوزع بين مسلمين مقدونيين يُجهل
عددهم على وجه الدقة, مع وجود تقديرات ترجح أن عددهم يبلغ حوالي 100 ألف
نسمة,يُضاف إليهم نصف مليون نسمة من الألبان و100 ألف من المسلمين
الأتراك,ويُضاف إلى هذه المجموعات الكبرى أعداد أخرى من المسلمين يتوزعون
في الجبل الأسود ويُقدَّر عددهم بعدة عشرات من الآلاف,وحوالي مائة ألف مسلم
آخرين من أصول غجرية وأصول أخرى تنتمي إلى كل الأعراق المشار إليها أعلاه
وتتوزع على مختلف المناطق والمدن والقرى اليوغسلافية.
إذا
كان عقد التسعينيات قد مثّل لمجمل شعوب أوروبا الوسطى والبلقان عقد
استعادة الحريات المغتصبة من قبل الحكومات التسلطية الشيوعية, فإن تلك
الحقبة كانت بالنسبة لمسلمي البلقان إحدى الحقب المحزنة,بل و الأكثر سوءاً
وإيلامًا وخطورة في تاريخهم منذ فترة ما بعد سقوط الخلافة العثمانية.
-------------
تعد
الأقليات الإسلامية الموجودة في منطقة البلقان عموماً,وفي مقدونيا
واليونان والجبل الأسود خاصةً بؤراً للتوتر الدائم في القارة الأوروبية،حيث
كانت سياسة الضم الجبري عنوةً وتغيير الحدود في دول البلقان السبب الرئيس
في نشوء تلك الأقليات التي تتركز في شماريا اليونانية،مقدونيا، الجبل
الأسود. ورغم وجود هذه الأقليات في قارة متحضرة وغنية فإن أوضاعها السياسية
والاقتصادية متردية بصورة تدعو للحزن والحسرة على مآل تلك الأقليات.
إن
الجماعة المسلمة في البلقان لا تمثل وحدة متلاحمة بل تقدم نفسها في أشكال
جماعات مناطقية,تختلف علاقات كل منها سواء الرسمية أو غير الرسمية مع سلطات
البلدان التي تعيش فيها,كما أن حقيقة أوضاع الجماعات المسلمة على الأرض
ليست واحدة وتختلف اختلافًا كبيرًا سلبًا أو إيجابًا.
كما
يعد تواجد المسلمين في قلب الصراعات التي ضربت دول جنوب شرق أوروبا في
العقد الأخير,هو السبب الرئيس الذي قد غذّى عددًا من الشكوك حول حقيقة وجود
صراع بين الحضارات أو الثقافات,وهذا ما خلق خطاباً مخوِّفاً من الإسلام,أو
أيضًا الخوف من إعلان ما سُمي بالجهاد الديموجرافي في البلقان وهو ما يخفي
وراءه فكرة مخيفة تهدف إلى نزع المشروعية عن الوجود الإسلامي في
البلقان،وتغذي النهج الطامح إلى محاولات اجتثاثهم من المنطقة بدعم روسي غير
خفي وصمت غربي متواطئ وتدخّل أميركي محسوب,وهو ما أدّى وسيؤدي في الغالب
إلى عمليات التطهير العرقي التي أضحت بضاعة بلقانية بامتياز.
هذا
وقد كتب صموئيل هنتيجتون في إطار نظريته لصراع الحضارات,عما أسماه بالحدود
الدموية للإسلام البلقاني مشبهاً مسلمي البلقان بالدّاء السرطاني الذي
ينخر جسم الحضارة الغربية ويتربّص بحدودها.أما كوبلان فقد حذّر من حزام
إسلامي بلقاني أخضر يحاصر خاصرة أوروبا من جهتها الشرقية ودعا إلى ضرورة
مواجهته.ونحن في ضوء هذه الرؤى نعرض بعض ما يتعرض له مسلمي البلقان من
تحديات ومصاعب واضطهاد على يد الصليبية الحاقدة والشيوعية الملحدة
البغيضة.فهيا بنا.
لقد
ترك الحكم العثماني في منطقة البلقان الكثير من المسلمين.بالرغم من انقضاء
قرون عديدة على انتهاء الحقبة العثمانية،إلا أن الشيوعيين البلغار عمدوا
إلى تغيير أسماء المسلمين البلغار من أصول تركية بقوّة السلاح، وقتل الكثير
من المسلمين نتيجة لهذه الإجراءات القسرية، لكنها أسفرت بالتالي عن هجرة
مئات الآلاف من المواطنين البلغار المسلمين إلى تركيا للحفاظ على هوياتهم،
أمّا البقية فقد رضوا بالأمر الواقع حتى إشعار آخر،وكانوا يعرفون بعضهم
بأسمائهم التركية المسلمة لكن أوراق ثبوتهم كانت تشير إلى غير ذاك، حتى تم
التحول إلى اقتصاد السوق وانتهى ما كان يسمى بالمنظومة الاشتراكية، وأصبح
بإمكان الراغبين من المسلمين استعادة أسمائهم الحقيقية بحريّة مطلقة.
تمكن
المسلمون من تنظيم صفوفهم وعاد الكثير منهم من تركيا،وتمتعوا بازدواجية
الجنسية، ثمّ سرعان ما قاموا بتأسيس حزب أطلقوا عليه اسم “حركة الحقوق
والحريات” ونالوا نصيبهم من السلطة بل شاركوا في تأسيس الحكومة الائتلافية
في الفترة الواقعة ما بين 2005م– 2009م.بالطبع نشأت في البلاد أحزاب يمينية
وأخرى يمينية متطرفة كحزب “أتاكا” ويعني “الهجوم”.سرعان ما انقلب هذا
الحزب على مبادئه القومية واعتبر المسلمين وحركة الحقوق
وسرعان
ما ظهر صراع خفيّ ما بين الحزب اليميني المتطرّف “أتاكا” وحركة الحقوق
والحريات الممثل الرسمي للمسلمين البلغار من أصول تركية، وصلت ذروته
بالاعتداء على المصلين الذين كانوا يؤمون مسجد “بانيا باش” الوحيد في
صوفيا.المسجد بالطبع غير قادر على استيعاب كامل المصلين، لأن قدرته لا
تتجاوز 700 مصلي في الوقت الذي يرغب في تأدية المشاعر الدينية حوالي 1500
مسلم،هكذا خرج المصلون إلى الرصيف للصلاة وسرعان ما اندلعت حرب حقيقية ما
بين الطرفين، استخدم فيها القتال بالأيدي والسكاكين في 2011 م، لم تقم
وزارة الداخلية البلغارية بما يجب لمواجهة هذا الصراع الدموي واكتفت
بالتحقيق مع بعض المتورطين وسجن آخرين لأيام، واكتفى البرلمان البلغاري
بتبني بيان سياسي يدين هذه الحادثة.
وقد
كانت هناك عمليات جذب وتفاعل اجتماعي عديدة، سواء على الصعيد الاجتماعي أو
السياسي داخل دول البلقان ساعدت على تصعيد العداء ضدّ المسلمين بصورة أو
أخرى، وإن كان هذا قد حدث بطريقة تدريجية يصعب على المراقب رؤية تفاصيلها
،وذلك للعمل على تأجيج المشاعر الوطنية،أسهل طريقة بالطبع هو الوقوف في وجه
المسلمين، ومعاداة مظاهر عقيدتهم كالأذان والصلاة وغيره.
كذلك
قد عانى المسلمون أيضاً من تغييب شامل للتعليم الإسلامي في ظل الحكومات
الشيوعية مثل بلغاريا ورومانيا؛حيث منع التعليم الديني بقوانين صارمة،ومنعت
الكتب الدينية من التداول،ويعد تعلم وتعليم القرآن الكريم من الأمور
المحرمة بقوانين هذه الدول.
وهناك
أيضاً مشكلة من أخطر المشكلات الاجتماعية وهي تعرض عائل الأسرة المسلمة
لمشكلات أمنية والزج به في السجن،ومثل هؤلاء يتركون أسرهم دون عائل مم يؤدي
إلى انخفاض دخل هذه العائلات أو توقف الدخل بالكلية،وما يسببه ذلك من عوز
وتدن في مستوياتهم المعيشية،مما يفتح أمام المنظمات التنصيرية المجال
لتقديم المساعدات التي ينفثون من خلالها سمومهم بين الأسر المسلمة,كذلك فإن
هذا الأمر يؤدي إلى توجه بعض الأسر المسلمة الفقيرة إلى المتاجرة في
المحرمات مثل بيع وشراء الخمر والخنزير وغير ذلك .
وما
قام به الصرب في البوسنة والهرسك ليس منا ببعيد فلن ينسوا التاريخ الأسود
الذي دونه الصرب النصارى بأعمالهم الإجرامية وممارساتهم الوحشية ضد
المسلمين،فأزهقوا أرواح الآلاف من المسلمين،ونفذوا العديد من المذابح
الجماعية ضد الأطفال والشيوخ والنساء،وهدموا القرى والبيوت والمؤسسات التي
تخص المسلمين،ومازال شعب البوسنة وشعب كوسوفا يضمدان جراحهما،ويلملمان
شتاتهما.
إن
إخواننا المسلمين في منطقة البلقان عانوا كثيرا،ودفعوا الثمن باهظاً نتيجة
الصراع الصليبي الواقع والمعلن في شكل حروب استخدمت فيها أحدث التقنيات
العسكرية ضد شعوب لا تملك جيوشا أو أسلحة مماثلة تدافع بها عن نفسها
ووجودها .
تعتبر
منطقة البلقان حقيقة من أخطر المناطق في العالم لوجود أعراق كثيرة وأقليات
عرقية مختلفة،ولا بدّ لأيّ حكومة بلقانية من العمل على إيجاد صيغة للتعايش
السلميّ ضمن قوانين مدنية تحمي الجميع إذا أرادت أن تتقّي شرّ انفجار
“برميل الديناميت” المؤقت القابل للاشتعال وحرق الأخضر واليابس في شبه
جزيرة البلقان في أيّ وقت من الأوقات
لقد
حافظ المسلمون عبر المراحل التاريخية المختلفة على هويتهم العقائدية•فقامت
الأسر المسلمة في كوسوفا بتربية النشء المسلم تربية إسلامية خالصة،
فالأطفال يدرسون علوم الإسلام ويحفظون القرآن الكريم بالمدارس القرآنية
الملحقة بالمساجد•ما أسهم في نشر اللغة العربية بين المسلمين•
أخيرًا
ومهما يكن من أمر فإن مسلمي البلقان,ما عدا أولئك الذين يعيشون في
ألبانيا,سيظلون أقليات دينية و عرقية تعيش داخل بلدان تعادي الإسلام وترغب
في إنهاء وجوده أو على الأقل إبعاده عن الحياة العامة للمجتمعات البلقانية.
وبناءاً
على ما سبق ذكره فإن ذلك الحوار غير المتكافئ بين السلطات في البلدان
البلقانية والأقليات المسلمة الخاضعة لها ستفضي إلى إرضاء نسبي للجماعات
المسلمة, لكنها ستحملهم عاجلاً أو آجلاً على إظهار عدم رضاهم وبالتالي عودة
الاحتقان وربما التصادم مع تلك الحكومات وهو الأرجح,وخاصة مع إحساس هذه
الأقلية بالتمييز العرقي مما أدى إلى تنامي الشعور بالخوف من الذوبان
الثقافي وسط المحيط الجغرافي والثقافي المحيط بهم،هذا وتعاني الأقلية
المسلمة بحالة من عدم الاستقرار وبشعور متزايد بأن حرباً عرقية ستندلع في
أي لحظة،وربما كان هذا هو شعور العالم أيضاً.