سلسلة قصص المهتدين إلى الإسلام – الكنيسة تدلني إلى الإسلام
كفراشة صغيرة تتنقل بين الفصول الدراسية, تحتضن كتبها ودفاترها، كأم تحتضن طفلها الرضيع، تمنحها حبها وحنانها، تحمل بين جنبيها فرحاً يشع بريقه من عينيها، ويرتسم سناه على شفتيها ..
أحبتها القلوب لما حوته من خصال رائعة .. أدب جم .. فطنة وذكاء ..
وشغف قي طلب العلم يفوق قريناتها من المسلمات .. أو اللائي أسلمن حديثاً من بلدها الفلبين .. بل الكثير من المسلمات في بلدي ...
استحوذت على اهتمامي، أخذت أراقبها، وأتحين الفرصة المناسبة للجلوس معها ...
لم تكن هناك فرصة لكي أتحدث إليها، فهي تستغل اللحظات التي تمضيها معنا في الدراسة والمراجعة ومناقشة المعلمات فيما يشكل عليها ...
كدت أن أفقد الأمل في الجلوس معها، فقد قررت وقرر معها الداعيات في المكتب بأن تحصل على دروس مكثفة ودورات شرعية متقدمة، لكي تصبح داعية لهذا الدين بين فتيات بلدها العاملات في المستشفيات وفي المنازل اللائي يتخبطن في ظلمات الكفر ...
وأخيراً قررت أن أقتحم حياتها، أن اقتطع جزء من وقتها، أن أعرف سرها، سر شغفها بالعلم الشرعي وخاصة التوحيد
سر حرصها على أن تكون داعية لهذا الدين فيما قريناتها يكتفين بتعلم أحكام الشريعة التي هنّ بحاجة ماسة لها ...
أقبلت تتعثر في خطواتها، ارتسمت على وجهها علامات الحياء، جلست أمامي، بعد أن ألقت السلام بطريقة صحيحة جعلتني أزداد إعجاباً بها ..
لم أعرف كيف أبدأ معها؟ ..
تسابقت الاسئلة ..
كيف أسلمت؟ ولماذا؟
لماذا تحرصين على تعلم اللغة العربية؟
المعلمات يتحدثن عن شغفك بدراسة التوحيد ..
أطرقت برأسها .. ثم قالت :
ولدت في الفلبين لأبوين نصرانيين متعصبين للكنيسة الكاثوليكية ..
وقبل أن أبلغ الخامسة تقدما بي إلى الكنيسة .. قدماني هدية للرب .. أعيش بين جدرانها .. يتولى رعايتي وتربيتي الراهبات ..
وهناك فارقتهما وفارقت منزلي .. لأعيش في قصرٍ كبير .. تحيط به حديقة كبيرة .. في عيش رغد .. وحياة ناعمة مترفة .. ترعانا أيدي الراهبات .. وتباركني نظرات الرهبان ..
يتردد في سمعي .. غداً تصبحين منصرة .. غداً تطوفين العالم تحملين رسالة الرب .. تنقذين العالم من الجوع والجهل والفقر .. تنشرين السلام .. ليباركك الرب ..
هكذا ونشأت طفلة صغيرة تنعم بالحب والحنان في أحضان الكنيسة ..
عيسى يمنحها الحب .. يمنحها الطعام والشراب .. يقدم لها الألعاب .. إنه الرب الذي لا ينسانا .. يموت لنحيا .. يجوع لنشبع .. يشقى لنسعد ..
وهكذا تمكن حب الكنيسة في قلبي
صرت أردد معهم : إن الله ثالث ثلاثة .. أشير كما يشيرون .. وأنطق بما ينطقون ..
وعندما بلغت سن الدراسة .. بدأت اتعلم مبادئ النصرانية ..
ومضت الأيام .. بين قاعات الدراسة وأحضان الكنيسة .. اقترب من الحلم .. ويقترب مني .. ويزداد ارتباطي وتعلقي بالكنيسة ..
انتهيت من دراستي .. وبلغت الثامنة عشر ..
التحقت بالدراسة الجامعية ..
ثلاث سنوات من البحث والدراسة ..
تعمقت في دراسة اللاهوت .. أظهرت الكثير من الجد والاجتهاد ..
الدراسة الجامعية جعلتني أبحث بنفسي .. لم أعد أتلقى العلم من القسيسين والرهبان فقط
اتجهت للقراءة والبحث في جميع إصحاحات الكتب المقدسة والمتوفرة في الجامعة ..
قرأت العديد من كتب الإنجيل .. تناقضات .. اختلافات .. عبارات لا تليق بالرب .. وصف يخدش الحياء .. العذراء .. الرب .. الابن .. قصص لا تليق بالإنسان العادي .. فكيف يوصف بها الرب .. انتابتني الحيرة والشك .. طردتها .. حاربتها .. كيف أشك في ديني وعقيدتي .. صرخت .. لا .. لا .. لا يمكن ..
الحب للرب والكنيسة لا زالا يسيطران على قلبي .. يجريان في دمي .. لا أملك أمامهما إلا التسليم والانقياد ..
"لم يبق على تحقيق الحلم سوى أشهر معدودة أنتهي فيها من دراسة اللاهوت
أسافر بعدها إلى إيطاليا .. لأعود منصرة تحمل رسالة الرب إلى العالم" ..
بهذه الكلمات قضيت على الصراع بداخلي ..
إلى أن جاءت اللحظة والتي كانت نقطة التحول في حياتي .. زلزلت كل قناعاتي .. هزت كياني
تلك اللحظة التي وقعت فيها عيني على آية في الكتاب المقدس تقول: "إن الرب واحد"
توقفت عند هذه الآية .. أعدت قراءتها .. قلبت الكتاب بين يديّ .. إنه أصح كتب الإنجيل .. لم يكن كتاباً دسه أحد الناقمين على النصرانية ..
تأكدت من العنوان .. إنه إحد الكتب المقررة في دراسة اللاهوت ..
تحول اليقين إلى شك .. والإيمان الذي جرى في دمي بل نما مع جسدي إلى أسئلة حائرة لم أجد لها حل ..
"إن الرب واحد" هكذا يصرح الإنجيل ..
من أُصدق إصحاحات الكتاب المقدس أم ما حفظته ويحفظه القسيسين والرهبان؟!
هل الرب واحد أم أنه ثالث ثلاثة؟
من أين أتت عقيدة التثليث؟
هذه الاسئلة أذهبت النوم من عيني .. حاصرتني الهموم ..
قرأت الآية أكثر من مرة: إن الرب واحد ..
عدت من جديد أقلب صفحات الكتاب .. العبارة تتكرر ..
أغمضت عيني وفتحتها .. لم يتغير شيء ..
الضجيج في داخلي يهتف بي ليلاً ونهاراً .. من أصدق؟ ..
وهل يمكن أن يكون المعنى واحد؟
الآية صريحة .. إنها تهدم العقيدة التي اعتقدها .. ويعتقدها النصارى .. والتي هي أساس النصرانية .. من أين جاءت عقيدة التثليث؟!..
حملت الكتاب المقدس .. مضيت إلى أكبر القساوسة .. إنه أستاذي .. لابد أن أجد الإجابة لديه .. سوف يجلو عني أحزاني .. سوف يعيد الإيمان والطمأنينة إلى صدري ..
جلست بين يديه .. نظر إلى عيني .. ونظر إلى الكتاب في يدي ..
أطرقت برأسي إلى الأرض، وانطلقت الاسئلة من شفتي ..شعرت بالراحة والسكينة وأنا أتحدث .. أما هو فقد التزم الصمت ..
رفعت رأسي .. نظرت إلى عينيه ..لقد ذهب منها ذلك العطف .. وانطلقت منها نظرة مخيفة .. اضطربت .. فزعت .. تملكني الخوف منها ..
وقف على قدمية ..
يجب عليكِ أن تؤمني بما نقوله لك .. وأن لا تفكري فيما قرأتِ ..
قالها بغضب .. ثم ذهب وتركني ..
لم يترك لي فرصة الكلام .. تركني للحيرة والشك ..
ردة فعله كانت بالنسبة لي صدمة لا تقل عن صدمتي بالآية التي قرأتها ..
لم استطع أن أصدق ..
هل القسيس لا يملك الإجابة؟ ..
أم أنه لا توجد إجابة على هذا السؤال؟ ..
مستحيل .. أن يكون الثلاثة واحد .. والواحد ثلاثة ..
"لا تفكري" .. بسهولة قالها .. فهل ألغي عقلي وتفكيري في فهم ما أنا أومن به منذ كنت طفلة صغيرة؟ ..
عدت أقرأ في الكتاب المقدس .. العبارة تتكرر ..
إن الرب واحد ..
زاد الصراع في داخلي .. لم اعد قادرة على التفكير .. توقفت عن القراءة ..
تقدمت بعدها إلى الكنيسة باعتذار عن السفر إلى إيطاليا ..
تحررت من قيود الكنيسة .. ابتعدت عنها ..
تركت الدراسة الجامعية ..
قررت البحث عن الحقيقة ..
وجدت رغبة في السفر .. السفر سيتيح لي البحث عن الحقيقة .. سيتيح لي التعرف على العالم ..
لابد أن هناك من يجيب على أسئلتي واستفساراتي ..
تقدمت إلى إحدى مكاتب العمل في بلدي ..حيث أحصل على المال، وامنح نفسي فرصة البحث عن الحقيقة ..
تقدمت بطلب للعمل .. لم أجد سوى العمل كخادمة في إحد المنازل.. لم اتردد .. في أن أكون خادمة بعد أن كنت في طريقي لأن أكون منصرة .. لعلي أعثر على الإجابة الشافية هناك ..
سافرت إلى الأردن .. وهناك تركت الذهاب إلى الكنيسة .. وانشغلت بالعمل ..
عمل .. نوم .. ثم عمل .. ثم نوم .. كالليل والنهار يحدثان كل يوم لا شيء يتغير ..
مضت الأيام تغيرت حياتي .. الكنيسة .. الكتاب المقدس .. عقيدة التثليث .. أصبحت من الماضي ..
إتقان العمل .. الحصول على الراتب .. هو ما أشغل به وقتي ..
ثناء ربة البيت يسعدني ..
الترابط بين أفراد الأسرة .. الحب والمودة .. الاجتماع .. شوق بعضهم لبعض .. رعاية الوالدين للأبناء .. طاعة الأبناء .. مظاهر كثيرة .. جعلتني أحب هذه الأسرة .. جعلتني أنسى ما جئت لأجله ..
شعرت برغبة كبيرة في خدمة هذه الأسرة .. بذلت جهداً أكبر ..
إخلاصي في عملي .. جعل ربة البيت تهتم بي .. ثناؤها امتد أمام جاراتها وصديقاتها .. تعرفت على الكثير منهن ..
وكلما أغلقت باب غرفتي لأنام .. تضطرم نار الحيرة والشك في صدري .. أعيش صراعاً شديداً مع نفسي .. اتململ في سريري .. أحاول النوم .. فلا استطيع ..
هل الرب واحد أم ثالث ثلاثة؟! ..
هل ديني وعقيدتي هي الحق؟!..
هل هناك دينٌ آخر هو الدين الحق؟!..
قررت أن أذهب إلى الكنيسة .. أن ادعو الله فيها ..
وهناك تحول الشك والحيرة إلى دعاء وبكاء .. وتضرع بين يديّ الرب الذي لا أعرف اسمه
لم ادعو عيسى ولا روح القدس .. لم ادعو الأب ولا الابن .. نسيت كل العبارات التي كنا ندعو بها .. انطلق الدعوات من قلبي .. تسقيها دموعي التي تساقطت على خدي ..
يارب .. إنك تعلم أنني ما جئت إلى هذه البلاد إلا لأتعرف على الحقيقة ..
يارب .. إن نار الشك والحيرة تمزقني كل يوم .. بل كل لحظة ..
يارب .. لا ملجأ لي إلا أنت .. ولا معين إلا أنت ..
يارب .. إن كنت تعلم أن ديني وعقيدتي هي الحق فأشرح صدري لها
وإن كنت تعلم أن هناك دين آخر هو الحق فيسره لي .. وأهدني إليه ..
خرجت من الكنيسة .. عدت إلى المنزل بقلبٍ غير القلب الذي ذهبت به ..
لم أعد أفكر بالأمر .. ذهب ما كنت أجده من حيرة وقلق ..
أيقنت أنني سأجد الإجابة .. شعور قوي بداخلي يقول لي: لقد استجاب الله دعائك .. ستجدين الإجابة ..
وفي يوم لن أنساه .. كنت أنظف المنزل فوقع بين يديّ كتابٌ صغير .. وباللغة الفلبينية .. يتحدث عن التوحيد .. شعرت أنه وضع من أجلي ..
عدت به إلى غرفتي .. بدأت أقرأ وأقرأ .. شاركت كل جوارحي في القراءة .. ومع كل صفحة بل سطر من الكتاب .. كانت نيران الشك والحيرة تنطفئ ..
ونور الحقيقة يضيء صدري .. إن الله واحد .. إن الله واحد لا شريك له .. لا يُعبد سواه .. ولا يُدعى غيره ..
صرخت : لقد وجدت الحقيقة .. لقد استجاب الله دعائي ..
إنه الإسلام .. إنه الدين الحق ..
أسرعت إلى المذياع .. أنصت إلى إذاعة القرآن الكريم ..
أحسست براحة وانشراح في الصدر .. رغم عدم معرفتي باللغة العربية ..
أقبلت على القراءة .. تعرفت على الإسلام .. زاد يقيني بأنه الدين الحق .. بأنه الدين الوحيد القادر على أن يجيب عن اسئلتي .. الذي يعيد لي الطمأنينة ويُذهب عني الحيرة والشك ..
أشهد أن لا إله إلا الله .. نطق بها قلبي ولساني وكل جوارحي .. حتى دموعي التي تسارعت على خدي أعلنت الفرح .. لقد وجدت الحقيقة ..
عدت إلى بلدي الفلبين .. بعد انتهاء مدة خدمتي في ذلك المنزل المبارك ..
وهناك تقدمت بطلب للعمل في السعودية .. ليتسنى لي رؤية المسجد الحرام والمسجد النبوي .. وكان لي ما طلبت .. بل رزقني الله بربة بيت رائعة .. منحتني الحب والعطف .. أخذت بيديّ إلى مكتب دعوة الجاليات بحي السلامة .. لأتعلم القرآن الكريم والسنة النبوية ..
التقيت بالداعيات المسلمات من الفلبين .. أقبلت على الدراسة .. ودراسة اللغة العربية ..
وجدت لذة الإيمان .. مع تلاوة القرآن الكريم .. وكلما قرأت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم زدت شوقاً وحباً له ..
وكلما تذكرت بلدي .. أمي .. أبي .. أخواني .. فتيات بلدي .. شعرت بالحزن يستولي على حياتي ..
أحسست بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقي ..
يجب أن أنقذهم من النار في الدنيا قبل الآخرة ..
إنهم يحتاجون إلى دعاة مخلصين ..
ويجب أن أكون أنا واحدة منهم .. يجب أن أتعلم وأتعلم ..
لقد تغير الحلم من منصرة تدعو إلى عقيدة باطلة ودين منسوخ .. إلى مسلمة تدعو إلى الدين الحق .. (إن الدين عند الله الإسلام) ..
أنا فخورة بديني وإن كنت خادمة .. فهذه المهنة قادتني إلى الهداية ونور الإسلام ..
إنني على يقين أن الله سيعوضني خيراً مما تركت ..
ترقرق الدمع في عينيها .. سكتت لحظة .. ثم أخذت تردد :
الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله ..
قمت إليها .. وضعت يديّ على كتفها ..همست لها :
باب من حقق التوحيد دخل الجنة ..
ابتسمت ثم قالت :
من كان آخر كلامه من الدنيا : لا إله إلا الله دخل الجنة ..
قصة من الواقع
كفراشة صغيرة تتنقل بين الفصول الدراسية, تحتضن كتبها ودفاترها، كأم تحتضن طفلها الرضيع، تمنحها حبها وحنانها، تحمل بين جنبيها فرحاً يشع بريقه من عينيها، ويرتسم سناه على شفتيها ..
أحبتها القلوب لما حوته من خصال رائعة .. أدب جم .. فطنة وذكاء ..
وشغف قي طلب العلم يفوق قريناتها من المسلمات .. أو اللائي أسلمن حديثاً من بلدها الفلبين .. بل الكثير من المسلمات في بلدي ...
استحوذت على اهتمامي، أخذت أراقبها، وأتحين الفرصة المناسبة للجلوس معها ...
لم تكن هناك فرصة لكي أتحدث إليها، فهي تستغل اللحظات التي تمضيها معنا في الدراسة والمراجعة ومناقشة المعلمات فيما يشكل عليها ...
كدت أن أفقد الأمل في الجلوس معها، فقد قررت وقرر معها الداعيات في المكتب بأن تحصل على دروس مكثفة ودورات شرعية متقدمة، لكي تصبح داعية لهذا الدين بين فتيات بلدها العاملات في المستشفيات وفي المنازل اللائي يتخبطن في ظلمات الكفر ...
وأخيراً قررت أن أقتحم حياتها، أن اقتطع جزء من وقتها، أن أعرف سرها، سر شغفها بالعلم الشرعي وخاصة التوحيد
سر حرصها على أن تكون داعية لهذا الدين فيما قريناتها يكتفين بتعلم أحكام الشريعة التي هنّ بحاجة ماسة لها ...
أقبلت تتعثر في خطواتها، ارتسمت على وجهها علامات الحياء، جلست أمامي، بعد أن ألقت السلام بطريقة صحيحة جعلتني أزداد إعجاباً بها ..
لم أعرف كيف أبدأ معها؟ ..
تسابقت الاسئلة ..
كيف أسلمت؟ ولماذا؟
لماذا تحرصين على تعلم اللغة العربية؟
المعلمات يتحدثن عن شغفك بدراسة التوحيد ..
أطرقت برأسها .. ثم قالت :
ولدت في الفلبين لأبوين نصرانيين متعصبين للكنيسة الكاثوليكية ..
وقبل أن أبلغ الخامسة تقدما بي إلى الكنيسة .. قدماني هدية للرب .. أعيش بين جدرانها .. يتولى رعايتي وتربيتي الراهبات ..
وهناك فارقتهما وفارقت منزلي .. لأعيش في قصرٍ كبير .. تحيط به حديقة كبيرة .. في عيش رغد .. وحياة ناعمة مترفة .. ترعانا أيدي الراهبات .. وتباركني نظرات الرهبان ..
يتردد في سمعي .. غداً تصبحين منصرة .. غداً تطوفين العالم تحملين رسالة الرب .. تنقذين العالم من الجوع والجهل والفقر .. تنشرين السلام .. ليباركك الرب ..
هكذا ونشأت طفلة صغيرة تنعم بالحب والحنان في أحضان الكنيسة ..
عيسى يمنحها الحب .. يمنحها الطعام والشراب .. يقدم لها الألعاب .. إنه الرب الذي لا ينسانا .. يموت لنحيا .. يجوع لنشبع .. يشقى لنسعد ..
وهكذا تمكن حب الكنيسة في قلبي
صرت أردد معهم : إن الله ثالث ثلاثة .. أشير كما يشيرون .. وأنطق بما ينطقون ..
وعندما بلغت سن الدراسة .. بدأت اتعلم مبادئ النصرانية ..
ومضت الأيام .. بين قاعات الدراسة وأحضان الكنيسة .. اقترب من الحلم .. ويقترب مني .. ويزداد ارتباطي وتعلقي بالكنيسة ..
انتهيت من دراستي .. وبلغت الثامنة عشر ..
التحقت بالدراسة الجامعية ..
ثلاث سنوات من البحث والدراسة ..
تعمقت في دراسة اللاهوت .. أظهرت الكثير من الجد والاجتهاد ..
الدراسة الجامعية جعلتني أبحث بنفسي .. لم أعد أتلقى العلم من القسيسين والرهبان فقط
اتجهت للقراءة والبحث في جميع إصحاحات الكتب المقدسة والمتوفرة في الجامعة ..
قرأت العديد من كتب الإنجيل .. تناقضات .. اختلافات .. عبارات لا تليق بالرب .. وصف يخدش الحياء .. العذراء .. الرب .. الابن .. قصص لا تليق بالإنسان العادي .. فكيف يوصف بها الرب .. انتابتني الحيرة والشك .. طردتها .. حاربتها .. كيف أشك في ديني وعقيدتي .. صرخت .. لا .. لا .. لا يمكن ..
الحب للرب والكنيسة لا زالا يسيطران على قلبي .. يجريان في دمي .. لا أملك أمامهما إلا التسليم والانقياد ..
"لم يبق على تحقيق الحلم سوى أشهر معدودة أنتهي فيها من دراسة اللاهوت
أسافر بعدها إلى إيطاليا .. لأعود منصرة تحمل رسالة الرب إلى العالم" ..
بهذه الكلمات قضيت على الصراع بداخلي ..
إلى أن جاءت اللحظة والتي كانت نقطة التحول في حياتي .. زلزلت كل قناعاتي .. هزت كياني
تلك اللحظة التي وقعت فيها عيني على آية في الكتاب المقدس تقول: "إن الرب واحد"
توقفت عند هذه الآية .. أعدت قراءتها .. قلبت الكتاب بين يديّ .. إنه أصح كتب الإنجيل .. لم يكن كتاباً دسه أحد الناقمين على النصرانية ..
تأكدت من العنوان .. إنه إحد الكتب المقررة في دراسة اللاهوت ..
تحول اليقين إلى شك .. والإيمان الذي جرى في دمي بل نما مع جسدي إلى أسئلة حائرة لم أجد لها حل ..
"إن الرب واحد" هكذا يصرح الإنجيل ..
من أُصدق إصحاحات الكتاب المقدس أم ما حفظته ويحفظه القسيسين والرهبان؟!
هل الرب واحد أم أنه ثالث ثلاثة؟
من أين أتت عقيدة التثليث؟
هذه الاسئلة أذهبت النوم من عيني .. حاصرتني الهموم ..
قرأت الآية أكثر من مرة: إن الرب واحد ..
عدت من جديد أقلب صفحات الكتاب .. العبارة تتكرر ..
أغمضت عيني وفتحتها .. لم يتغير شيء ..
الضجيج في داخلي يهتف بي ليلاً ونهاراً .. من أصدق؟ ..
وهل يمكن أن يكون المعنى واحد؟
الآية صريحة .. إنها تهدم العقيدة التي اعتقدها .. ويعتقدها النصارى .. والتي هي أساس النصرانية .. من أين جاءت عقيدة التثليث؟!..
حملت الكتاب المقدس .. مضيت إلى أكبر القساوسة .. إنه أستاذي .. لابد أن أجد الإجابة لديه .. سوف يجلو عني أحزاني .. سوف يعيد الإيمان والطمأنينة إلى صدري ..
جلست بين يديه .. نظر إلى عيني .. ونظر إلى الكتاب في يدي ..
أطرقت برأسي إلى الأرض، وانطلقت الاسئلة من شفتي ..شعرت بالراحة والسكينة وأنا أتحدث .. أما هو فقد التزم الصمت ..
رفعت رأسي .. نظرت إلى عينيه ..لقد ذهب منها ذلك العطف .. وانطلقت منها نظرة مخيفة .. اضطربت .. فزعت .. تملكني الخوف منها ..
وقف على قدمية ..
يجب عليكِ أن تؤمني بما نقوله لك .. وأن لا تفكري فيما قرأتِ ..
قالها بغضب .. ثم ذهب وتركني ..
لم يترك لي فرصة الكلام .. تركني للحيرة والشك ..
ردة فعله كانت بالنسبة لي صدمة لا تقل عن صدمتي بالآية التي قرأتها ..
لم استطع أن أصدق ..
هل القسيس لا يملك الإجابة؟ ..
أم أنه لا توجد إجابة على هذا السؤال؟ ..
مستحيل .. أن يكون الثلاثة واحد .. والواحد ثلاثة ..
"لا تفكري" .. بسهولة قالها .. فهل ألغي عقلي وتفكيري في فهم ما أنا أومن به منذ كنت طفلة صغيرة؟ ..
عدت أقرأ في الكتاب المقدس .. العبارة تتكرر ..
إن الرب واحد ..
زاد الصراع في داخلي .. لم اعد قادرة على التفكير .. توقفت عن القراءة ..
تقدمت بعدها إلى الكنيسة باعتذار عن السفر إلى إيطاليا ..
تحررت من قيود الكنيسة .. ابتعدت عنها ..
تركت الدراسة الجامعية ..
قررت البحث عن الحقيقة ..
وجدت رغبة في السفر .. السفر سيتيح لي البحث عن الحقيقة .. سيتيح لي التعرف على العالم ..
لابد أن هناك من يجيب على أسئلتي واستفساراتي ..
تقدمت إلى إحدى مكاتب العمل في بلدي ..حيث أحصل على المال، وامنح نفسي فرصة البحث عن الحقيقة ..
تقدمت بطلب للعمل .. لم أجد سوى العمل كخادمة في إحد المنازل.. لم اتردد .. في أن أكون خادمة بعد أن كنت في طريقي لأن أكون منصرة .. لعلي أعثر على الإجابة الشافية هناك ..
سافرت إلى الأردن .. وهناك تركت الذهاب إلى الكنيسة .. وانشغلت بالعمل ..
عمل .. نوم .. ثم عمل .. ثم نوم .. كالليل والنهار يحدثان كل يوم لا شيء يتغير ..
مضت الأيام تغيرت حياتي .. الكنيسة .. الكتاب المقدس .. عقيدة التثليث .. أصبحت من الماضي ..
إتقان العمل .. الحصول على الراتب .. هو ما أشغل به وقتي ..
ثناء ربة البيت يسعدني ..
الترابط بين أفراد الأسرة .. الحب والمودة .. الاجتماع .. شوق بعضهم لبعض .. رعاية الوالدين للأبناء .. طاعة الأبناء .. مظاهر كثيرة .. جعلتني أحب هذه الأسرة .. جعلتني أنسى ما جئت لأجله ..
شعرت برغبة كبيرة في خدمة هذه الأسرة .. بذلت جهداً أكبر ..
إخلاصي في عملي .. جعل ربة البيت تهتم بي .. ثناؤها امتد أمام جاراتها وصديقاتها .. تعرفت على الكثير منهن ..
وكلما أغلقت باب غرفتي لأنام .. تضطرم نار الحيرة والشك في صدري .. أعيش صراعاً شديداً مع نفسي .. اتململ في سريري .. أحاول النوم .. فلا استطيع ..
هل الرب واحد أم ثالث ثلاثة؟! ..
هل ديني وعقيدتي هي الحق؟!..
هل هناك دينٌ آخر هو الدين الحق؟!..
قررت أن أذهب إلى الكنيسة .. أن ادعو الله فيها ..
وهناك تحول الشك والحيرة إلى دعاء وبكاء .. وتضرع بين يديّ الرب الذي لا أعرف اسمه
لم ادعو عيسى ولا روح القدس .. لم ادعو الأب ولا الابن .. نسيت كل العبارات التي كنا ندعو بها .. انطلق الدعوات من قلبي .. تسقيها دموعي التي تساقطت على خدي ..
يارب .. إنك تعلم أنني ما جئت إلى هذه البلاد إلا لأتعرف على الحقيقة ..
يارب .. إن نار الشك والحيرة تمزقني كل يوم .. بل كل لحظة ..
يارب .. لا ملجأ لي إلا أنت .. ولا معين إلا أنت ..
يارب .. إن كنت تعلم أن ديني وعقيدتي هي الحق فأشرح صدري لها
وإن كنت تعلم أن هناك دين آخر هو الحق فيسره لي .. وأهدني إليه ..
خرجت من الكنيسة .. عدت إلى المنزل بقلبٍ غير القلب الذي ذهبت به ..
لم أعد أفكر بالأمر .. ذهب ما كنت أجده من حيرة وقلق ..
أيقنت أنني سأجد الإجابة .. شعور قوي بداخلي يقول لي: لقد استجاب الله دعائك .. ستجدين الإجابة ..
وفي يوم لن أنساه .. كنت أنظف المنزل فوقع بين يديّ كتابٌ صغير .. وباللغة الفلبينية .. يتحدث عن التوحيد .. شعرت أنه وضع من أجلي ..
عدت به إلى غرفتي .. بدأت أقرأ وأقرأ .. شاركت كل جوارحي في القراءة .. ومع كل صفحة بل سطر من الكتاب .. كانت نيران الشك والحيرة تنطفئ ..
ونور الحقيقة يضيء صدري .. إن الله واحد .. إن الله واحد لا شريك له .. لا يُعبد سواه .. ولا يُدعى غيره ..
صرخت : لقد وجدت الحقيقة .. لقد استجاب الله دعائي ..
إنه الإسلام .. إنه الدين الحق ..
أسرعت إلى المذياع .. أنصت إلى إذاعة القرآن الكريم ..
أحسست براحة وانشراح في الصدر .. رغم عدم معرفتي باللغة العربية ..
أقبلت على القراءة .. تعرفت على الإسلام .. زاد يقيني بأنه الدين الحق .. بأنه الدين الوحيد القادر على أن يجيب عن اسئلتي .. الذي يعيد لي الطمأنينة ويُذهب عني الحيرة والشك ..
أشهد أن لا إله إلا الله .. نطق بها قلبي ولساني وكل جوارحي .. حتى دموعي التي تسارعت على خدي أعلنت الفرح .. لقد وجدت الحقيقة ..
عدت إلى بلدي الفلبين .. بعد انتهاء مدة خدمتي في ذلك المنزل المبارك ..
وهناك تقدمت بطلب للعمل في السعودية .. ليتسنى لي رؤية المسجد الحرام والمسجد النبوي .. وكان لي ما طلبت .. بل رزقني الله بربة بيت رائعة .. منحتني الحب والعطف .. أخذت بيديّ إلى مكتب دعوة الجاليات بحي السلامة .. لأتعلم القرآن الكريم والسنة النبوية ..
التقيت بالداعيات المسلمات من الفلبين .. أقبلت على الدراسة .. ودراسة اللغة العربية ..
وجدت لذة الإيمان .. مع تلاوة القرآن الكريم .. وكلما قرأت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم زدت شوقاً وحباً له ..
وكلما تذكرت بلدي .. أمي .. أبي .. أخواني .. فتيات بلدي .. شعرت بالحزن يستولي على حياتي ..
أحسست بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقي ..
يجب أن أنقذهم من النار في الدنيا قبل الآخرة ..
إنهم يحتاجون إلى دعاة مخلصين ..
ويجب أن أكون أنا واحدة منهم .. يجب أن أتعلم وأتعلم ..
لقد تغير الحلم من منصرة تدعو إلى عقيدة باطلة ودين منسوخ .. إلى مسلمة تدعو إلى الدين الحق .. (إن الدين عند الله الإسلام) ..
أنا فخورة بديني وإن كنت خادمة .. فهذه المهنة قادتني إلى الهداية ونور الإسلام ..
إنني على يقين أن الله سيعوضني خيراً مما تركت ..
ترقرق الدمع في عينيها .. سكتت لحظة .. ثم أخذت تردد :
الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله ..
قمت إليها .. وضعت يديّ على كتفها ..همست لها :
باب من حقق التوحيد دخل الجنة ..
ابتسمت ثم قالت :
من كان آخر كلامه من الدنيا : لا إله إلا الله دخل الجنة ..
قصة من الواقع