فضيحة الكاهن قادتني إلى الإسلام
أين أبي يا أمي ؟
سؤال بريء من طفلٍ صغير، يسمع الأطفال ينطقون بكلمة بابا، وهو لا ينطق بها ...
إنه السؤال الذي لن يجد له إجابة يوماً ما ...
ويكبر الصغير، ويصبح السؤال في طي النسيان، فالذين لا آباء لهم كثير في بلده ...
فالأمر طبيعي، أنت نتاج لقاء عاطفي بين ذكر وأنثى، جمعتهما الفاحشة ولذة المعصية، رحل الذكر وبقيت أنت في رحم الأنثى لتخرج إلى الدنيا بلا أب ...
الكثير من الأطفال في بلدي بلجيكا يولدون بلا أب، والقليل لهم آباء
وربما يكونوا ليسوا آبائهم، هكذا سمعت أصدقائي يقولون ...
وها هو الطفل الصغير يبلغ سن الخامسة عشر ...
ويتبدل السؤال : أين أبي ؟ إلى سؤالٍ آخر ، بل اسئلةٍ كثيرة ...
من الذي خلقني ؟ ...
لماذا خلقت ؟
من خلق هذه المخلوقات ؟
إلى أين أمضي ؟
ماذا بعد الموت ؟
توالت الاسئلة، لم تجد الأم الإجابة ...
أمسكت بصغيرها، توجهت به إلى الكنيسة ...
ساورها أمل في أن يكون ابنها قسيساً يوماً ما ...
وبدأ الصغير يداوم على الحضور مع أمه إلى الكنيسة كل يوم أحد ...
تكررت المواعظ على سمعه، إنها حياة جديدة ...
الرذائل .. الفواحش .. إنها قبيحة، إنها تغضب الرب ...
هكذا كان القسيس يعظ الناس، يحذرهم ويخوفهم ...
توقفت الاسئلة، لم يجد الإجابات التي تشفي صدره، بل زاد الغموض في حياته ...
لكن الحياة الجديدة، والتغير الذي حدث له، جعله يسكن قليلاً ...
تعلق قلبه بالقسيس، تمناه أباً له، فحديثه عن الفواحش كان يجدد له ذكرى السؤال: أين أبي ؟ ...
وتمضي الأيام ...
ولا زال يوم الأحد يعني له يوم الطهر والنقاء، إنه يوم المواعظ، والجلوس بين يديّ القسيس، وهو يتلو آيات الأنجيل المحرفة ...
وتطلع الشمس ذات تحمل خبراً شنيعاً، وحادثة رهيبة، هزت كيان الشاب
هدمت كل المواعظ التي سمعها، نسفت كل المعتقدات التي اعتقدها ...
لقد جاءت الفضيحة لتعري القسيس، وتكشف عن حقيقته ...
لقد كان يتاجر بأعراض الأطفال، يقودهم إلى الفاحشة والرذيلة ...
أين مواعظه ؟ أين دموعه ؟ أين بكاؤه ؟ أين غضبه ؟ ...
الفواحش .. الرذائل، تغضب الرب ...
هجر الناس الكنيسة، فالنور الذي كان يضيء لهم الطريق، لم يكن سوى مجرم خبيث سرق كلمات ومواعظ، وراح يخدع بها الناس ...
عادت الأسئلة وعاد الحزن يجثم على صدره ...
راح يبحث عن السعادة الحقيقية ...
عالم المخدرات، عالم جديد، لحظات يغيب فيها عن العالم، يضجك يبكي، ليس مهماً ما يحدث، إنه يبحث عن السعادة ...
وفي الحقيقة إنه يهرب من الضنك الذي يسطر على قلبه إلى الشقاء ...
يغيب عن الدنيا حين يتجرعها، ويعود فيهرب، فالهم والغم والحزن لم يفارقوا صدره، يعود ليتجرع المخدرات ليغيب عن الواقع ...
المخدرات أنهكته، تحولت إلى ألم لا يفارقه، انحدر في سلوكٍ بهيمي، لم يعد يشعر بإنسانيته
ظلام أطبق على بصره، أفاق وراح يبحث عن العلاج ...
كان شجاعاً وذكياً وصل إلى العلاج من المخدرات ...
لكن معاناته لم تفارقه، قلبه يحمل حزنه القديم، وحزناً جديداً على من يتعاطى المخدرات ...
انضم إلى جمعية لمكافحة المخدرات، عمل بجد و تفان، شعر بالسعادة كلما مد يداً لينتشل غريقاً يتخبط في دركات الشقاء ...
لكن السعادة تزول وتعود الاسئلة تتجاذبه من جديد ...
هل وجدت السعادة ...
لماذا يشقى هؤلاء بالمخدرات ...
لقد أنقذته، ولكن أين الطريق إلى الراحة والسكينة ؟...
وعاد يبحث من جديد ...
الرياضة الروحية، تمنحك السعادة ...
تخلص من أحزانك وآلامك النفسية والجسدية، شاركنا في الرياضة الروحية، رياضة اليوغا، لتعيش السعادة والسكينة والراحة ...
كلمات سال لها لعابه، ركض نحوها ...
إنها جماعة بوذية قدمت من بلاد الهند، إنها دين جديد ...
جرب، ربما تجد السعادة ...
أندفع في تلك الرياضات الشاقة، تحول إلى روح تحلق في السماء، شقي جسده
وغابت روحه في عالم من الأوهام والخيالات ...
حياة جديدة أنغمس فيها، تخلى عن كل شيء ...
لكن اللحظات التي يفيق فيها، تحمل العذاب الأليم ...
إنه لم يجد إجابات عن أسئلته ...
لم يجد السعادة ...
لكنه الهروب من الواقع ...
وتمضي الأيام، السكر ذاب في فمه والطعم الذي وجده في تلك الطقوس الوثنية عاد مراً
والسآمة التي فر منها أطبقت على صدره، والأسئلة عادت من جديد ...
هل أنت مقتنع بحياتك ؟
هل وجدت الإجابة ؟
انتقل إلى مدينة جدة، كانت فرصة للبحث عن حياة جديدة، فرصة للتغيير ...
تنقل بين طرقاتها، تأمل أسواقها، صوت الآذان لحظة تغيير تشمل كل شيء في المدينة، يتحول لحظتها الضجيج إلى سكون ...
وقريباً من سكنه الجديد، وفي طريقه الذي يسلكه، جذبته كلمات كُتبت على لوحة كبيرة
المكتب الدعوي بجدة، طرح السؤال على رفقاءه ...
- إنه مكتب يهتم بتعريف الجاليات والناطقين بغير اللغة العربية بالإسلام، من المسلمين وغير المسلمين على حدٍ سواء ...
تذكر الأسئلة، تذكر الحيرة التي يتخبط بين ظلماتها ...
عادت الهموم تجثم على صدره، وتزداد الأسئلة كلما مر بذلك المكتب الدعوي، قادته قدماه نحوه، وقف يتأمل الكتب ...
مضت الدقائق وهو واقف يتأمل، استغرق في التفكير، لم يشعر بمن حوله
صوت قادم من وراءه ..
- تفضل بالدخول، وأشرق وجهه بابتسامة
- هل تسمحون بالدخول لغير المسلمين
- نعم .. فالمكتب يستقبل الجميع
تقدم خطوات مع الشاب، تجول بين الكتب ...
- هل يوجد كتب باللغة الفرنسية
- نعم .. هذا كتاب : إنه الحق للدكتور عبدالمجيد الزنداني
- هل يمكنني قراءته
- إنه هدية
- شكراً لك
- وهذا أيضاً ترجمة للقرآن الكريم
حمل الكتابين وخرج من مقر المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بحي السلامة ...
همته العالية، وحزنه العميق، بالإضافة إلى الأسئلة التي حولت حياته إلى ضيق ونكد، جعلته يقبل على الكتب بشراهة ...
تساقطت الأسئلة سؤال بعد آخر ...
ومع كل إجابة، يسمع هتافاً بين جنبيه وجدتها ...
عاد إلى بلجيكا يحمل الكتابين، وأرقام بعض المسلمين حتى يتصل بهم ...
واصل القراءة، إلى أن جاء ذلك اليوم، وتلك اللحظة، والتي شعر فيها بأنه لابد وأن يتخذ القرار الصحيح، لابد وأن يسلم ...
نطق بالشهادتين، وأعلن إسلامه بين المسلمين ...
السكينة، الطمأنينة، السعادة، شعر بها تتسلل إلى جسده، وهو ينطق : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فجرى الدمع على خديه ...
ومن تلك اللحظة، تغيرت حياته، وتغير اسمه إلى الحسين بن علي ...
لم ينس عبدالعزيز، قرر الحج وزيارته، وكان له ما أراد ..
لقد وجدت الحق يا عبدالعزيز، هكذا نطق، وهكذا نطقت جوارحه، ودموعه ...
قصة من الواقع