مع الاسم الحادي والعشرين مِن أسماء الله الحسنى والاسم الذي نحن في رحابه الحليم ، ومعلوم أن من أسماء الله الحسنى ما لا يُسمى الإنسان بها كاسم الخالق ، ومن أسماء الله الحسنى ما يسمى الإنسان بها كالرحيم والحليم والعفو ، فمِمَا يلفت النظر أنه ورد في
.
سبحانه وتعالى حليم ، أمّا الآية التي في القرآن الكريم والتي يُستنبط منها اسم
وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ
()[]
اسم الحليم" عقوبة لهذه الظلامة ، والله سبحانه وتعالى حليم ، فكيف تجلى حلمه ؟ هناك ظالم أو متلبس
.
وتعالى حليم بمعنى : أنه يؤخّر العقوبة ، لماذا يؤخر العقوبة ؟ وهذا السؤال وجيه
حلم ، ولو أن الله عز وجل أخّرَ العِقاب ويريد بعد تأخير العقاب أن يوقع بهذا
شعوراً بالغيظ لكنه يؤخر تنفيذ عقابه لسبب أو لآخر ، قد يكون ضعيفاً وحقده عن ضعف
، فحينما يؤخّر إنسان العقوبة لضعفه فهو الحاقد، وحينما يؤخر إنسان العقوبة ليجعل
إذاً حاقد قوي وهناك حاقد ضعيف
وتأخير العقاب من قبل
حليماً ؟ لا . فماذا يُسمى إذاً ؟ يسمى عفواً غفوراً ، و إذا أخّرَ العِقاب ليُعطي
.
هذه الحقيقة : أنشأنا مدرسة هدفها الأول التعليم والتهذيب والتربية والتثقيف
إذا غاب عن هذه المدرسة أسبوعين يُفصل ، فلو أن المدير كلما رأى طالباً غاب
يطلب من الطالب أن يأتي بوليّه ، وأن يأتي بتقرير طبي ، يتغاضى أحياناً ، يتغافل
نبيلٌ جداً ، ليس القصد أن يفصلهم ولكن القصد أن يعلمهم ، لذلك ربنا عز وجل قال
وَلَوْلَا كَلِمَةٌ
)
هذه الكلمة لكان لزاماً أن يوقع العقاب عليهم ويعجله ، لولا هذه الكلمة لكان
أخرّت العِقاب ، وأخرّت الهلاك ، وأخرّت الجزاء ؟ ما هذه الكلمة ؟ .. إنها الرحمة
.بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا
يُؤْمِنُونَ (١٥٦(سورة الأعرافبِسْمِ اللَّهِ
إِلَّا مَنْ رَحِمَ
جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ١١٩سورة هودبِسْمِ اللَّهِ
قُلْ مَا يَعْبَأُ
(٧٧)(سورة الفرقان آية 77لولا أنكم تعرفونه ،
ولولا الأمل في أن تنجوا ، فما يعبأ بكم ربي ، لولا أنه يعبأ بكم لأوقع الهلاك
.
الحسنى أنه حليم ، لا يُوقِع العِقاب فوراً ، ما من مسلم إلا وهو يعلم أن صُلَحَ
تنازلات أباها الصحابة ، ورأوها نوعاً من الذُل ونوعاً من الإستسلام ، وقد أدهشهم
ما أُؤمر بتوجيه من ربي ، وأن أقبل بهذا الصلح ، ثم جاء الجواب :بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ
وَلَوْلَا رِجَالٌ
فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ
سورة الفتحفي مكة أُناسٌ آمنوا
فتح مكة كله ، وأمر النبي أن يقبل بهذه الشروط التي تبدو مهينة من أجل أن يعطي
. .
لم أخالفك في رزقكأبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب
منها ما هي أسماء ذات ، ومنها ما هي أسماء صفات ، ومنها ما هي أسماء أفعال ، فيا
لأنه أخّرَ العقوبة
"
معاصيهم لتَقَطّعَت أوصالهم من حبي ولماتوا شوقاً إلي" . فالله سبحانه وتعالى
:
نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ
)
يُعاقِب ، لكن من الداخل يغلي ، يقول اشتهيت أن أُمزقه ، فليس هذا هو الحلم ،
ولا يتمني أن يقهر خصمه ويمزقه
المؤمن العادي الحليم
لذلك إذا سمعتم في الحديث الشريف أو في القرآن الكريم أن الله قد غضب وقد لَعَنَ ،
.
يعود ابنها إلى الصواب ، مرة ذكرت للقراء الكرام أن أحد العارفين وهو ذو النون
قلبي في ضياع ، وفي طريقه في بعض أزقة المدينة رأى باباً يُفتح ، ورأى أُماً تضرب
يذهب ؟ إلى أي بيت يدخل ؟ من يسأل ليطعمه ؟ أين ينام ؟ فما كان منه إلا أن عاد إلى
إليه من ثقب الباب ، فما كان منها إلا أن فتحت الباب وأخذت ابنها ، ووضعته في
لما رأيت مني ما تكره ، فصاح هذا العارف بالله : وجدت قلبي وجدت قلبي
إذاً : فالحليم من
أسماء الصفات فمعنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى لا يحقد
عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ
أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى
عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا
عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا
نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ
*
صحيح مسلمبِسْمِ اللَّهِ
الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ ()
.. وإن تشكروا يرضهُ لكمربنا عز وجل أراد أن
وتربية ومستقبل ، وباطنه أن تتعرف إلى الله من باب المثل ، سأنقلكم من هذا المثل
لِحِكمةٍ أرادها جعل بُنية هذا الحيوان مشابهة تماماً لبنية الإنسان، فليس كل واحد
والأمعاء ، والرئتين ، والقلب والشرايين والأوردة والعضلات والأعصاب والأوتار
ذلك ، ولكن يرى هذا كل يوم عند القصاب ، تريد كلاوي ، طحالاً بيضات غنم ، أنواع
الإنسان يطلب النخاع ليستخلص ما فيه من لب ، هذا اللب معامل تصنع كريات الدم
خَلقَ الإنسان فمن لم يتعلم في كلية الطب تعلم عند بائع اللحم
عودة لنظام الأبوة
أولاده ، الأولاد يقفون موقفاً قاسياً أحياناً فيه فظاظة غلظة ، كلامٌ قاسٍ ،
الابن إلى أبيه تائباً ، يعود إليه منيباً يقبله الأب ويفرح فرحاً كبيراً
الذي أراه أن نظام
كيف أن الأب لا يحقد ، الأم لا تحقد ، الأم كل حياتها من أجل أولادها ، كل سعادتها
، يبدو أنه سُئِل كيف يلقى الإنسان في النار مع أن الله أرحم الراحمين ، أجابهم
أتلقي هذه المرأة بولدها إلى النار ، قالوا معاذ الله ، قال : والذي نفس محمد بيده
.
، يُحلل شعوره تجاه ابنه والأم شاهدها معها ، ألا وهو قلبها الرحيم الحاني ، فمن
وليدها مكروه تبكي ، تتمنى أن تعطيه من صحتها ، من جسمها ، من غذائها إذاً نظام
جداً من رحمة الله عز وجلتُشاهد حادثاً تتجلّى
الكُل بعناية الله وقدرته ، قد ترى إنساناً في ساعة ضيق شديد فيأتيه الفرج ،
:
بها الفتى ذرعــاً وعند الله منها المخــرج
حلقاتها فرجت وكان يظن أنها لا تُفــــرج
وليست معركة الخندق
وصبرهم ، ومدى التجائهم إليهبِسْمِ اللَّهِ
يَا أَيُّهَا
جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ
أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ
الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا (١١) وَإِذْ يَقُولُ
وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ١٢سورة الأحزابلكنه بعد ذلك رحمهم ،
انتهى أمره ، وأن المعركة مع الكفار ليست معركة نصر أو هزيمة بل معركة حياة أو موت
.
وجل حليم ومعلوم أنَّ الله يُحب الكمال ، إن الله طيبٌ ولا يقبل
من هذا الحديث أن الله يحب أن يحمد ، لا ، بل إن الله يُحب الكمال ، يُحب العمل
.
عليه الصلاة والسلام سيّد الخلق وحبيب الحق ، ففي حياته امرأةٌ زنت وكان لابد من
الناس إلى النبي وطلبوا منه أن يشفع لها عنده ، من هو ؟ أسامة بن زيد ، فجاء أسامة
تلون وجه النبي ، وقال يا أسامة أتشفع في حد من حدود الله ، وفي رواية
عَنْ عَائِشَةَ رَضِي
الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ
فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ
تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ
()
يُحمد صاحبه عليه ، يعني يُحب مكارم الأخلاق
""
أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق من حديث طلحة بن عبيد
)
عالياً في نظر الناسالله عز وجل يحب
حلماء ، فما الطريق إلى الحلم؟ وهو سؤال جدير بالإجابة
ما دامَ الله عز وجل
بأخلاق الله ، كيف أكون حليماً ؟ التفكّر باسم الحليم طريق إلى أن نكون حلماء ،
.
عند الله، لو فرضنا أن إنساناً مرتبته دُنيا ، ووضع في ظرف فيه استفزاز ، فأحياناً
شاقاً ، زوجته عند أهلها ، وذهبت بلا إذن وعادت الساعة الثالثة ، وقالت : لم أعد
قاسية ، ويمكن أن يضرب ، لكن المؤمن ماذا يفعل ؟ قال الله :بِسْمِ اللَّهِ
الْكَاظِمِينَ
عمران من آية 134فالقرآن ذكر كظمُ
الداخل يغلي غليان البركان ، فليتصنّع الحلم ، وليضغط على أسنانه ، كفعل الإنسان
الصغير فقد يسب الطبيب ، وفوراً يصيح ، يبكي ، هذه العملية ، عملية كظم الغيظ ،
؟ فتجيب نفسك بنفسك : حباً بالله ، تقرباً إليه ، تنفيذاً لأمر نبيه ، ومرة مع مرة
.
بالله عز وجل تدرك أن مكارم الأخلاق مخزونةٌ عِندَ الله تعالى ، فإذا أحبَّ الله
.
وحُلُم طبع ، حُلُم التطبع هو التحلّم ، عملية كظم غيظ ، عملية ضبط الأعصاب ، رغم
:
رضي الله عنه أنه قال: إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتحر الخير يعطه،
سفر من طيرةيعني خُلُق الحلم
، فمن تراكم هذه المواقف البطولية ، يكون الحلم لأنه
ليس الذي يقطع الطرق البطل إنما الذي يتقي الله هو
.