وبالوالدين احسانا
الشيخ إبراهيم الدويش
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وعظيم امتنانه ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى جنته ورضوانه،صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .أما بعد أيها المسلمون: أقف متأملاً متعجباً مع قول الحق عز وجل:"واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا" ،كيف قرن حق الوالدين بحقه جلا وعلا ،فعطف الإحسان على الوالدين ،بأعظم غاية خلق الناس من أجلها وهي عبادته وتوحيده ،فيا الله ما أشد غفلتنا عن هذه العبادة العظيمة فليس شيء أعظم بعد التوحيد من القيام بحق الوالدين، إنها وصية الله تعالى للأبناء:"ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها" وقال سبحانه:"ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن" أي جهداً على جهد:في الحمل ثم الولادة،ثم العناية والرضاعة،ثم التربية والرعاية،"أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير" قال ابن عباس:لا يقبل الله الأولى حتى يعمل بقرينتها،فمن شكر الله ولم يشكر والديه لم يقبل منه،أسمعتم معاشر الأبناء: من شكر الله ولم يشكر والديه لم يقبل منه ؟! بل إن الله لا يرضى على العبد حتى يرضى والداه عليه،وقد أكد هذا الحبيب صلى الله عليه وسلم فقال:"رضا الرب من رضا الوالد، وسخط الرب من سخط الوالد"رواه البخاري في الأدب المفرد. ولم العجب أيها الأبناء! إنه دين الإحسان،وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان،أبوان ضعيفان ، شقيا لتسعد،وسهرا لتنام، وجاعا لتشبع ،وتجرعا الآلام ، أبوك يكدح في الليل والنهار، ويُفني السنين والأعمار ،عليك يغار ويدفع عنك الأخطار،وأما أمك فليس حقها واحد بل أمك وأمك وأمك ،حملتك كرهاً على كره ،ووهناً على وهن ،تسعة أشهر تسكن في أحشائها،وتتغذى من دمها وآلامها،ولذا فقد حكم الله وأمر وألزم الأبناء،باللين والرفق والإحسان للأباء،بكل ما تحمله هذه المباني،من مقاصد ومعاني،فجاء الحكم الرباني،والأمر القرآني:"وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما،واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً " سبحان الله آية في غاية الرقة والاستعطاف،"فلا تقل لهما أف" ،"واخفض لهما جناح الذل"،وهل للذل جناح ،وهل هناك كلمة أقل من (أف)،فأف ثم تف لأولئك العاقين الذين نسمع عن مواقفهم مع آبائهم ،وكلماتهم لأمهاتهم !! تصور أن للذل جناح وقد خفضته وفرشته على الأرض ليطئه الأبوان ،ذل لهما وخضوع مهما بدرا منهما، ومهما أخطأا أو فعلا ،ومهما ضربا أو غضبا، وإن كان عاصيين أو فاسقين ،بل حتى أو كافرين ،فإن أمراكا بمعصية الله فلا تطعهما ولكن لا تُغضبهما بل صاحبهما في الدنيا معروفاً "وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفاً"سبحان الله إنها عظمة القرآن ،وآداب دين الإسلام،قال ابن عباس:لا تنفض ثوبك فيصيبهما الغبار. (الطبري15/48 ).وقال مجاهد في قوله تعالى:"ولا تقل لهما أف": إن بلغا عندك من الكبر فيبولان ويخريان فلا تتقززهما،ولا تقل لهما: أف،وأمط عنهما الخراء والبول كما كانا يميطانه عنك صغيراً ولا يتأففان.فأف وأف وأف لمواقف نسمعها ،وأخبار نقرأها،غريبة على مسامعنا،دخيلة على مجتمعنا،تنكرها قلوبنا،وتتألم لها نفوسنا،تحرق أكبادنا ،وتُدمع عيوننا،تحقيقات كثيرة تلك التي وقفت عليها في عدد من الصحف والمجلات ،يبث فيها الأباء والأمهات همومهم وأحزانهم ،لا أدري كيف أبدأ ،ولا ماذا أختار منها ؟ففي الصفحة الواحد عشرات الآهات،فكيف بالصفحات،بل كيف بالوقائع والأحداث التي نعرفها ونقف عليها:ففي الخط العريض نقلت إحدى الصحف صرخات أم تطلب بر ابنها قبل أن توافيها المنية،وشبهته بالريح الهوجاء وحذرته من عقوق أبنائه ،ومما قالت:"..إن دموع جميع الأمهات تشاركني الآلام والعذاب الذي سببته لي في حياتي يا آلمي،ولن أقول :أملي ..،لقد تفننت معي في أنواع العذاب،سهري أثناء وجودك، قلقي أثناء سفرك،واستعطافي ورجائي لك وأنت أمامي وبقربي،طحنت حبيبات قلبي بعنادك وكبريائك،واستنفدت دموع عينيَ حتى بدأ يخبو نورهما،فأصبحت لا أكاد أحتمل،مزقت مشاعري وأحاسيسي فأصبحت تائهة الفكر لا أكاد أجمع أمري ،ماذا أبقيت لي ؟أطفأت شمعة شبابي،وسرقت الضحكة والبسمة من شفتي ،فتساوت الأفراح والأحزان عندي..إلى أن قالت: ابني حبيبي فلذة كبدي إلى متى أنت تركض وأنا ألهث خلفك ؟وأنت تُحطم وأنا ألملم ما بعثرته ..وختمت بقولها: أخوف ما أخاف عليك أن تُرزق بأبناء يُسقونك الكأس نفسها التي سقيتني منها مضافاً إليها ألمك وحزنك وحسرتك عليَ حين تطلب الصفح فلا تجدني أمامك ..". ووقعتها بكلمة (أمك). وأم أخرى في الستين تقول: أعيش حياة قاسية في رعاية أولادي فكل واحد منهم لا يتحمل وجودي معه في المنزل أكثر من أسبوع ليستقر الحال بي عند أكبرهم الذي خصص لي الملحق الخارجي للسكن،وتتابع والدموع في عينيها:الطعام يقدم إلي في أطباق من ورق وكأنني مصابة بمرض خطير،ما زلت أعاني من هذا السجن ،ولكن أشكر جارتي التي مازالت تقوم علي رعايتي ونظافتي الشخصية فأنا لا أقوى على الحركة.(الرياض 25/4/1423هـ عدد 12430) .وتقول إحدى الأخوات : بعد أن وضعت أمها ذي الخمسة والستين سنة في دار العجزة : لقد عاشت والدتي حياتها بما فيه الكفاية والآن أصبح الدور لأبنائي فقط ؟! آهٍ على البر والأخلاق، إنه العقوق ، ولكن كما قال (ص) :"لتؤدَّن الحقوق يوم القيامة .." ؟! إنها الأم كلمة يخفق لها الوجدان ،الطريق إلى رضا الرحمن ،وإلى الجنة دار الرضوان، وكما قال ابن عباس رضي الله عنهما:"إني لا أعلم عملا أقرب إلى الله عز وجل من بر الوالدة.(الأدب المفرد للبخاري)، فما الذي أستطيع أن أفعله يا أماه لأرضيك ؟وما الذي أستطيع أن أقدمه لأواسيك وأسليك ،فمهما صنعت وربي فلن أستطيع أن أُوفيك أو أجزيك ؟الشيخ إبراهيم الدويش
يا مقلةً سهرتْ ..يادمعةً سُكبتْ يا أنةً جَمُدَتْ من حرِّها النار
أفديك أماه يا نبضَ الهوى بدمي إن كنت لؤلؤةً فالقلب محّار
رباه لا تحرمَنِّي حسنَ طلعتها مالي إذا فُقدت عيناي إبصار
أماه يا بسمةَ الدنيا وزينتَها مشاعري من شموخ الحب تنهار
أنت المليك لكم عرشٌ ومملكةٌ بساح قلبي وتيجانٌ وأسوارُ
أنت السواد بعيني أنت دفء دمي أنت الهوى لقِفَارِ القلب أمطار
أنا الجَحود نسيت الجود من يدكم إني بفضلك يا أماه كفَّار
رضاك عني مُنَى نفسي وغايتها واللهُ ـ إن تغفري يا أم ـ غفار
عباد الله :أما الأباء فيقول أحد هم وقد بلغ ستين عاماً: أولادي عاملوني كالطفل ثم طردوني فأصر عليَ سائقي الهندي أن أقيم معه في عزبته ، واهتم بي كثيراً حتى تمنيت أنه ابناً لي؟! (الرياض عدد12430) .
()وآخر يقول : أخبرني الطبيب بالحقيقة المرة وهي: أن أبنائي رفضوا الحضور لإخراجي من المستشفى وطالبوا بتحويلي لدار المسنين ،فأصر جاري على إخراجي والبقاء معهم ؟!
()وثالث يقول: من المضحك والغريب في نفس الوقت عندما يكون لديك أبناء متعلمون وذو مراكز مرموقة في المجتمع ويتعاملون مع أبيهم بهذا الشكل..يقول:وعلى الرغم من كثرة الخدم في المنزل إلا أن زوجة ابني قد خصصت لي السور لتنظيفه يومياً..؟! إنه العقوق في زمن العلم
والتحضر ؟! ولقد أوكل الكثير منا البر بالأباء والأمهات،للخدم والخادمات، لقد كبرنا وانشغلنا،وأصبحنا وكنا،حتى غاب الاحتساب والتعبد في خدمتهم والقيام عليهم عندما احتاجوا لنا،فعفوك اللهم عنا ؟!
()ورجل في السبعين من عمره يتوكأ على عصاه ،ويجر خطاه حتى وقف على باب السجن فسأل: متى يخرج ابني من السجن ؟فبشره المسئول فقال:في النصف الأول من رمضان !! فرأى الحزن قد بدا على وجه ذلك الأب،فأراد أن يُهون عليه فقال:وقد يشمله العفو فيخرج قبل ذلك ؟ فيفاجأه الرجل الكبير بقوله:الحق أنني لا أريد أن يخرج ابني من السجن ! أتمنى أن يبقى فيه أطول مدة ممكنة،فها أنا كما ترى وأمه كذلك ،وقد أتعبنا كثيراً،وأتلف أعصابنا وأصابنا بالأمراض والأسقام،وفي بقائه في السجن رحمة لنا،فعلى الأقل نعلم أنه في أيدٍ أمينة ،ثم إن خروجه في رمضان سيحرمنا من لذة هذا الشهر الكريم ومن لذة التفرغ للعبادة لكثرة مشاكله.انتهى كلامه.(الجزيرة 24/8/1421هـ /عدد 10280بتصرف من مقال حينما يأتي الشقاء من فلذة الكبد لعلي بن زيد القرون )، وأقرأ أيضاً بالخط العريض: السجن تسعة أعوام وثلاث آلاف جلدة لشاب ضرب والده، الابن دخل السجن أربع عشرة مرة ،والأب أصيب بجلطتين ؟! ويقول الخبر : شاب يبلغ ثمانية وعشرين عاماً ضرب والده عدة مرات وهدد بقتله ..وكان قد أُخذ عليه عدد من التعهدات ألا يتعرض لوالده بأي شر،وإلزامه بالسكن بعيداً عن والده .. وأشار الخبر إلى أن الوالد يعيش دوماً في رعب وخوف واكتئاب نفسي نتيجة المشاكل المتتالية من ابنه العاق .. (الاقتصادية عدد 3282) ،
أما الشيء الذي لا يصدق ولا يعقل ،ولا يمكن أن يكون إلا من مجنون أن تمتد يد العقوق لتستل سكين الخسة والفجور،واللؤم والانحدار،لتطعن الوفاء وتقتل الأباء: أقرأ بلا شعور ، عنواناً يقول:( ابن يقتل أباه أمام محراب المسجد طعناً بالسكين)،فبينما كان المصلين في الجمعة يستمعون للخطيب جلس شاب يبلغ اثنين وأربعين عاماً بجوار والده الذي كان في المحراب كعادته ،فإذا بالولد يُخرج سكيناً ويحتضن أباه،ويطعنه ثلاث طعنات،ليسقط الوالد ميتاً على يد ولده ..؟ ( الجزيرة 29/7/1423هـ /عدد 10965). وآخر يقتل أمه المسنة ،ويحملها في كيس النفيات ليدفنها في خربة بمدينة أخرى ،لكن الله له بالمرصاد فافتضح أمره،فإنا لله وإنا إليه راجعون،
قالوا بعينكَ عبرةٌ قلتُ: الأسى دمعٌ ودمْ
قالوا بقلبك حرقةٌ قلتُ: المواجع تضطرمْ
قالوا حروفُكَ لوعةٌ قلت: الصبابةُ والألـمْ
لا تسألوني فالجوا بُ يزيدُ في قلبي الألـمْ
ولكم وضعتُ يدي على عيني وكسَّرت القلم
ونذرت أن أدع الأسى وعقدتُ نذري بالقسم
لكنني دوماً أعــودُ فأكتب الشكوى بـدمْ
إي وربي فلا أدري أأسكب الدمع أو الدم ؟! أيعقل أيها المسلمون أن يكون هذا بيننا،وفي مجتمعنا،أين آيات القرآن ألا تهز تلك القلوب؟! أين أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ألا تُحرك تلك النفوس ؟! أين تقاليدنا وعاداتنا النبيلة ؟ أين العرفان بالجميل؟! أين الشهامة والرجولة ؟! أين الرأفة والرحمة،أيمكن أن يحملَ هؤلاء كلمة: إنسان ،أم هم كما قال بعض السلف:لا تجد أحداً عاقاً لوالديه إلا وجدته جباراً شقياً.اللهم إنا نبرأ إليك مما يفعل هؤلاء، ونسألك اللهم براً بالأمهات والأباء،واغفر لنا التقصير ببرهم والغفلة عن حقهم.أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب،فاستغفروا إنه هو الغفور الرحيم .قالوا بقلبك حرقةٌ قلتُ: المواجع تضطرمْ
قالوا حروفُكَ لوعةٌ قلت: الصبابةُ والألـمْ
لا تسألوني فالجوا بُ يزيدُ في قلبي الألـمْ
ولكم وضعتُ يدي على عيني وكسَّرت القلم
ونذرت أن أدع الأسى وعقدتُ نذري بالقسم
لكنني دوماً أعــودُ فأكتب الشكوى بـدمْ
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ،وعلى آله وأصحابه ومن والاه ،أما بعد :عباد الله : إننا لا نشك أبدأ أن هناك الكثير والكثير من الصور العجيبة للبر والإحسان بالوالدين، بل هي الأصل في مثل هذا المجتمع المحافظ ،ولكن شهوات الدنيا سودت بعض القلوب ،فكثر عندها العقوق والذنوب،وهي والله نذير شؤم،وناقوس خطر ،"فكل الذنوب يؤخر الله فيها ما يشاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فإن الله يعجل لصاحبه في الحياة قبل الممات "(البخاري في الأدب المفرد،والطبراني والحاكم )،ومهما كانت الدوافع والأسباب فلا يمكن أن تصل لهذه النهايات البشعة لو كان في تلك النفوس حبة خردل من إيمان،ألم يسمع هؤلاء أنه لا يدخل الجنة قاطع رحم ، فكيف بمن شتمها وضربها،بل وقتلها نعوذ بالله من الخذلان والخسران، فالوالدان بابان للجنة مفتوحان ،أما سمعتم عن إياس بن معاوية وقد بكى عند موت أمه ؟ فلما سئل عن ذلك ،قال:ولم لا أبكي وقد أغلق عني باب من أبواب الجنة ؟! فرَغِمَ أَنْفُهُ ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ،ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ ! قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ:"مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا ثُمَّ لَمْ يَدْخُلْ الْجَنَّةَ "،فمن أراد الجنة،و"مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"(أحمد بسند صحيح من حديث أَنَس بْن مَالِك ) ،وفي حديث الثلاثة أصحاب الغار ،قصة عجيبة لابن بار ، اسمعوه يقول:" اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ بَنِيَّ وَإِنِّي اسْتَأْخَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا نَامَا فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا،وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ قبلهما ، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فَرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ فَفَرَجَ اللَّهُ فَرَأَوْا السَّمَاءَ..".إنه الإحسان للأباء،فأين الأبناء ؟ أين من يريد إجابة الدعاء ؟ لقد كانت حفصة تترحم على هذيل-ابنها-فقد كان يعمد إلى القصب فيقشره ويجففه في الصيف لئلا يكون له دخان،فيؤذيها عندما يوقد لها لتدفأ. سبحان الله يخاف أن يؤذيها الدخان ،إنه الإيمان ،يوم يتحرك في قلب الإنسان!.(البر والصلة لابن الجوزي53،ففيهما فجاهد40).وقال أنس بن النضر: استقت أم ابن مسعود ماءاً في بعض الليالي،فذهب فجاءها بشربة،فوجدها قد ذهب بها النوم،فوقف بالشربة عند رأسها حتى أصبح،مخافة أن تنتبه تريد الماء وهو نائم.(ابن الجوزي ص54).وقال أبو بكر ابن عياش:ربما كنت مع منصور بن المعتمر في منزله جالسا فكان تصيح به أمه وكانت فظة غليظة:فتقول: يا منصور، يريدك ابن هبيرة (الوزير)على القضاء فتأبى،وهو واضع لحيته على صدره ما يرفع طرفه إليها أدباً.(ابن الجوزي ص85.ففيهما فجاهد ص 40). وكان حيوة بن شريح يقعد في حلقته يعلم الناس،فتقول له أمه :قم يا حيوة فألق الشعير للدجاج فيقوم ويقطع حلقة التعليم طاعة لها،ويخشى أن يؤخر ذلك قليلا فيكتب عاقا لها.وابن عوف نادته أمه فأجابها ولكن بصوت مرتفع فندم وأعتق رقبتين ؟! الله أكبر ما أعظم برهم ،وما أرق قلوبهم ،وما أشد خوفهم !!
تاقت إلى الحور والفردوس أنفسُهم فذلّلوا دربهم للخلد تذليلا
تُذيقنا المرَّ دنيانيا وقد وجــدوا طعم السعادة بالإيمان معسولاً
قد أُدخلوا جنة الدنيا فوالهفــي ممن يُقاسي لظى الحرمان مغلولا
معاشر المسلمين: اعلموا أن عبادة الطائعين وإن عظمت،وزهادة الزاهدين وإن كثرت لا توازي يسير العقوق، فإن الله لم يتجاوز للعابد جريج احتجابه عن أمه عندما نادته،وقد كان من أعبد بني إسرائيل وأفضل أهل زمانه،خرقت له العادة وكوشف بالكرامة فقال للمولود:من أبوك ؟ قال: الراعي. ثم عوقب مع ذلك لأنه لم يجب نداء أمه فما الظن بمن كان دونه في الفضل وفوقه في العقوق ؟(الطرطوشي في كتابه بر الوالدين ص 138).وصور عقوق الوالدين تتفاوت،وربما يجهل بعض الناس كثيراً منها:كرفع الصوت عليهما،وحدة النظر إليهما،وإدخال المنكرات في بيتهما،أو التخلي عنهما، وإحزانهما بتأجيل طلبهما أو تأخير قضاء حوائجهما،أو ترك السلام عليهما،أو هجر الحديث معهما،أو هجر الأكل والشرب معهما،أو الانشغال بالقراءة عند لقائهما،أو قلة زيارتهما،أو تقديم رضا الزوجة والأولاد على إرضائهما،بل احرص على كل ما يرضيهما واجتنب كل ما يسخطهما،وأطعهما وأكثر الجلوس معهما أو على الأقل أكثر الاتصال بهما،وقبّل رأسيهما،احرص على قضاء حوائجهما ،لا تعتذر عند طلبهما، بادر بالهدية لهما،لا تسافر إلا بإذنهما،وتفصيل هذا يطول ولكن إن أردت معياراً للهروب من العقوق "فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما،واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً " ،وعند ابن حبان أن جبريل عليه السلام قال:"يا محمد! من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار،فأبعده الله قل آمين، فقلت آمين .فيا معاشر الأولاد والبنات: اتقوا الله في الأباء والأمهات ،فإن برهم يكفر الذنوب والسيئات فعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا فَهَلْ لِي تَوْبَةٌ قَالَ هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ قَالَ لَا قَالَ هَلْ لَكَ مِنْ خَالَةٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَبِرَّهَا "(رواه الترمذي واحمد وابن ماجه وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه)،وقال الإمام أحمد رحمه الله :"بر الوالدين كفارة الكبائر" ، ويا معاشر المعلمين والمعلمات ذكّروا الأبناء والبنات بحقوق الأباء والأمهات،ويا من تحملون أمانة الإعلام: أين البرامج والحملات من أجل حقوق الأباء والأمهات ؟! وأنتم معاشر الأباء الله الله بتربية الأبناء على الإيمان والقرآن،وادعوا لهم بالصلاح فدعوة الوالد لولده لا ترد ، وكونوا قدوةً لهم بالصلاح كما قال تعالى :" وكان أبوهما صالحاً" ، وعاملوهم باللين والرفق ،ولا تفرقوا بينهم في العطية أو تُفضلوا بعضهم على بعض،وأحسنوا إلى أبنائكم يُحسن لكم أبناؤكم .وأنتم أيها الأبناء: قوموا اليوم بالذي عليكم،يأتيكم غداً الذي لكم،والجزاء من جنس العمل ؟! اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا،و بارك لهما فيما رزقتهما،وارحمهما وأطل عمرهما،وأصلح عملهما،وآتهما الصحة والعافية، اللهم ارزقنا برهما ،والإحسان إليهما،اللهم اجمعنا بهما في الجنان،برحمتك يارحيم يا رحمن، اللهم وفقنا إلى ما فيه صلاحنا وسعادتنا ونجاحنا في الدنيا والآخرة ،اللهم احفظ علينا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، واحفظنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن ،اللهم انصر المسلمين المستضعفين،وكن عوناً لهم برحمتك يا أرحم الراحمين،وانتقم لهم من الظالمين ،اللهم إن اخواننا في فلسطين محاصرين ومهددين ،اللهم ففك الحصار عنهم ،واجعل لهم من كل ضيق مخرجا،اللهم ثبتهم وانصرهم على عدوك وعدوهم ، اللهم سدد رميهم ،واجعل لهم منفذاً، اللهم لا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا ، اللهم عليك باليهود فرق صفهم ، وشتت شملهم ،واملأ قلوبهم رعباً وخوفاً ، وخالف بين قلوبهم ،واضربهم ببعضهم ،وأخرج المسلمين من بين أيديهم سالمين غانمين،إنك على كل شيء قدير،اللهم انصر جندك وكتابك وسنة نبيك ،وأعلي كلمة الحق في كل مكان يارب العالمين،اللهم أصلح ولاة أمورنا،ووفقهم لما تحبه وترضاه وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، واجعلهم نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع بهم كلمة المسلمين على التوحيد يارب العالمين.اللهم اشف مرضانا وجميع مرضى المسلمين،وارفع عنهم البلاء برحمتك يا أرحم الراحمين، وصل اللهم على النبي الأمين،وآله وصحبه أجمعين،وخلفائه الراشدين، والحمد الله رب العالمين .
المصدر موقع الشيخ حفظه الله