سلسلة قصص ومواعظ – من قصص شباب تائهون
الشاب العاصي لربه البار بأمه
قال ذو النون المصري رجمه الله : مررت يوما بأحد الأسواق فرأيت جنازة محمولة على أربعة أنفس وليس معها أحد فقلت والله لأكون خامسهم لأنال الأجر والثواب..
فلما أتوا الجبانة قلت يا قوم أين ولي هذا الميت فيصلي عليه؟
فقالوا ياشيخ كلنا في الأمر سواء ليس منا يعرفه..
فتقدمت وصليت عليه وأنزلناه في لحده وحثونا عليه التراب فلما هموا بالانصراف قلت ماشأن الميت ؟
فقالوا لا نعرف خبره غير أن امرأة اكترتنا لنحمله إلى هذا المكان وهي لاحقة بنا الآن ..
فبينما نحن في الحديث إذ جاءت امرأة عليها سيما الخير والصلاح وهي باكية العين حزينة القلب, فلما وقفت على القبر كشفت وجهها ونشرت شعرها ورفعت يدها إلى السماء وهي تتضرع وتقول كلاما وتدعو ساعة ثم سقطت إلى الأرض مغشيا عليها ثم أفاقت بعد ذلك وهي تضحك ..
فقلت لها أخبريني عن خبرك وخبر هذا الميت, كيف الضحك بعد ذلك البكاء الشديد؟
فقالت : من أنت؟
فقلت: ذو النون.
فقالت: والله لولاك من أعيان الصالحين لما أخبرتك, هذا ولدي وقرة عيني كان تائها بشبابه لابسا ثياب أعجابه لم يدع سيئة إلا أرتكبها ولا معصية إلا سعى لها وطلبها, وقد بارز مولاه العلام بالمعاصي والآثام, فحصل له يوما من الأيام ألم من الآلام منذ ثلاثة أيام, فلما عاين الموت قال: ياأماه سألتك بالله إلا ما قبلت وصيتي, فإذا أنا مت فلا تعلمي بموتي أحدا من أصحابي وإخواني ولا من أهلي وجيراني, فأنهم لا يترحمون علي لسوء فعلي وكثرة ذنوبي وجهلي, ثم بكى وقال:
لي ذنوب شغلتني *** عن صيامي وصلاتي
تركت جسمي عليلا*** مات من قبل وفاتي
ليتني تبت لربي *** من جميع السيئات
أنا عبد يا إلهي *** هائم في الفلوات
بحت جهرا بعيوبي*** وذنوبي قاتلاتي
قد توالت سيئاتي*** وتلاشت جسناتي
ثم بكى بكاءاً شديدا, وقال يا أماه آه على ما فرطت في جنب الله ... آه على قلبي ما أقساه .. بالله عليك يا أماه إذا أنا مت فضعي خدي على الأرض والتراب وضعي قدمك على الخد الأخر وقولي هذا جزاء عبد عصى مولاه وخالفه وترك أمره واتبع هواه, فاذا دفنتيني فارفعي يدك إلى الله عزوجل وقولي اللهم إني رضيت عنه فارض عنه...
فلما مات فعلت جميع ما أوصاني به فلما رفعت رأسي إلى السماء سمعت صوتا بلسان فصيح انصرفي يا أماه فقد قدمت على رب كريم غير غضبان على..
فلما سمعت ذلك ضحكت..
المصدر : الروض الفائق في المواعظ والرقائق – للعالم العلامة والحبر البحر الفهامة الشيخ شعيب الحريفيش – دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع –بيروت