سلسلة قصص ومواعظ – من قصص أولياء الله تعالى
الشاب التقي وأخته الصالحة
قال أبو إسحاق إبراهيم الخواص رحمه الله تعالى: كنت في طريق مكة أسير على الوحدة فتهت عن الطريق, فكنت أمشي يومين وليلتين حتى أدركني المساء فأغتممت لسبب الوضوء وفقد الماء وكانت ليلة مقمرة فسمعت صوتا ضعيفا يقول إليَّ يا أبا إسحق.. فدنوت منه فإذا هو شاب حسن الشباب نظيف الأثواب وعند رأسه ريحان مختلف الألوان , فتعجبت من ذلك في تلك البرية كيف عنده الريحاحين وهو مطروح على الرمل وليس له حركه.
فقال لي يا أبا أسحاق قد دنت وفاتي وأني سألت الله تعالى أن يحضر وفاتي ولي من أوليائه , فنوديت أن سيحضر وفاتك أبو أسحاق الخواص, فأني لأرجو أن تكون أنت. فأنا منتظرك..
فقلت : يا أخي ما الذي حبسك؟
فقال: كنت بين أهلي في عز ورقة عيش فخطر لي السفر واشتهيت الغربة, فخرجت من مدينة شمشاط أريد الحج, فوقعت في هذه البقعة منذ شهر وقد حضرت الوفاة.
فقلت له: ألك والدان؟
قال: نعم وأخت صالحة..
فقلت: هل أشتقت إليهم قط أو خطروا ببالك؟
قال: لا إلا اليوم فإني أحببت أن اشم منهم رائحة وأجدد بهم عهدا فاجتمعت عندي وحوش كثيرة وأتوني بهذه الرياحين وبكوا معي..
قال أبو إسحاق الخواص: فبقيت متحيرا في أمره متفكرا في حاله, ووقع الشاب في قلبي وأنجذب إليه سري, فبينما أنا كذلك إذ أقبلت حية عظيمة ومعها باقة نرجس لم أر أحسن منها ولا أزكى رائحة فوضعتها عند رأسه وقالت بلسان فصيح يا إبراهيم اعدل عن ولي الله فإن الحق سبحانه وتعالى غيور, قال فلحقني حال ممارأيت وصحت صيحة وغشى عليَّ., فما افقت إلا والشاب قد فارق الدنيا فقلت إن لله وإنا إليه راجعون هذه محنة عظيمة, كيف أصنع في غسله وتجهيزه, فارسل الله عليَّ النعاس حتى تملكني فنمت فما أفقت إلا طلوع الشمس وأنا على الحالة التي أعرفها ولم أجد للشاب أثراً, فبقيت محزونا عليه..
ثم ذهبت في طريقي إلى مكة لأداء فريضة الحج, ولما قضيت مناسك الحج والعمرة, ذهبت إلى شماط, فاستقبلني نساء عليهن مرقعات وفي أوائلهن أمرأة عليها برقعة وثوب شعر وبيدها ركوة وهي لا تفتر عن ذكر الله تعالى, فتأملتها فما رأيت واحدة من النساء أشبه للشاب منها فنادتني يا أبا إسحاق أنا في انتظارك منذ أيام حدثني عن أخي وقرة عيني وثمرة فؤادي, ثم بكت وارتفع بكاؤها وبكيت لبكائها , ثم وصفت لها الشاب وما شاهدته منه, ومن الرياحين فلما بلغت إلى قوله أحببت أن أشم منهم رائحة ..
قالت هاه هاه بلغ الشم بلغ الشم ثم سقطت إلى الأرض ميتة..
فاحتوثها أترابها وأصحابها وقالوا يا أبا أسحاق حزاك الله خيرا..
قال أبو أسحاق الخواص: ولما دفنت قمت على قبرها إلى الليل فرأيتها في المنام وهي في روضة خضراء والشاب عندها وهما يقرأن لمثل هذا فليعمل العاملون...
قوم إذا عبث الزمان بأهله ***كان المفر من الزمان إليهم
وإذا أتيتهم لدفع ملمة*** جادوا عليك بما يكون لديهم
المصدر : الروض الفائق في المواعظ والرقائق – للعالم العلامة والحبر البحر الفهامة الشيخ شعيب الحريفيش – دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع –بيروت