الفصل العاشر
أخواني: الدنيا غرارة غدارة، خداعة مكارة، تظن مقيمة وهي سيارة، ومصالحة وقد شنت الغارة.نح نفساً عن القبيح وصنهـا | | وتوق الدنيا ولا تأمننـهـا |
لا تثق بالدني فما أبقت الدنيا | | لحى وديعة لم تخـنـهـا |
إنما جئتها لتستقبل المـوت | | وأسكنتها لتخرج عـنـهـا |
ستخلى الدنيا ومـا لـك إلا | | ما تبلغت أو تزودت منهـا |
وسيبقى الحديث بعدك فانظر | | خير أحدوثة تكون فكنهـا |
يا من شاب إلى كم تغالط? ابك ما مضى ويكفي الفارط، ما للعيون قد أخلفت أنواؤها? وكثر نظرها إلى الحرام فقل بكاؤها، ما للقلوب المريضة? قد عز شفاؤها، سأكتب ضمان الآمال وأين وفاؤها? آه لأمراض نفوس قد يئس طبيبها، ولأصوات مواعظ قد خرس مجيبها، هبت والله دبور الذنوب فتركت الأجسام بلا قلوب، أين الفهم والتأمل? إن لم يكن جميل فليكن تجمل، أخواني قد دنا الترحل، لا بد وشيكاً من التحول.
رقيبكم يا غافلين لا يغفل، أتذكرون الذنوب بلا تململ، يا من يعد بالتوبة كم تمطل? يا ملازماً للهوى كم تعدل? المعاصي سم والقليل منه يقتل.
يا هذا الدنيا وراءك والأخرى أمامك، والطلب لما وراءك هزيمة. إنما يعجب بالدنيا من لا فهم له، كما أن أضغاث الأحلام تسر النائم لعب الخيال يحسبها الطفل حقيقة، فأما العقل فيعلم ما وراء الستر.
رأيت خيال الظل أكبر عبـرة | | لمن هو في علم الحقيقة راق |
شخوص وأشباح تمر وتنقضي | | جميعاً وتفنى والمحرك باقي |
يا بعيداً عن المجاهدة قد اقتسم الرعيل الأول النفل، أما ترى أسلاب الهوى كيف يبيعها أربابها في سوق الافتخار بالنض "ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب".
يا من قد انحرف عن جادتهم، كم أحركك بسوط الشوق في شوط السوق، سهم عزمك بلا ريش، إنما يقع الرمي بين يديك. يا مخنث العزيمة أقل ما أبقى في الرقعة البيذق، فلما نهض تفرزن، رأى بعض الحكماء برذونا سيتقي عليه، فقال لو هملج هذا لركب، متى همت أقدام العز بالسلوك اندفع من بين يديها ما يسد القواطع، ومتى هاب الغايص موج البحر لم يطمح له في نيل الدر، يا من عقد عزمه بأنشوطة، والهوى يمدها للحل، إن عزفت من عزيمتك الثبوت في صف المجاهدة، وإلا فاحذر هتكة الهزيمة.
كان ذو البجادين يتيماً، فلما عمه الفقر كفله عمه، فنازعته النفس إلى الإسلام، فهم بالنهوض، فإذا بقية المرض مانعة، فقعد على انتظار العم، فانتهى المرض، فصارت الهمة عزيمة، فنفذ الصبر فناداه صدق الوجد.
للمهيار:
إلى كم حبسها تشكو المضـيقـا | | إثرها ربما وجـدت طـريقـا |
أجلْها تطلب القصوى ودعْـهـا | | سُدىً يرمي الغروبُ بها الشروقا |
أتعقلها وتقـنـع بـالـهـوينـا | | تكون إذن بذلّتـهـا خـلـيقـا |
ولم يشفق على حـسـبٍ غـلام | | يكون على ركائبـه شـفـيقـا |
ولو قيل للمجنون ليلى ووصلها | | تريد أم الدنيا وما في خباياها |
لقال تراب من غبار نعالـهـا | | ألذ إلى نفسي وأشفى لبلواها |
سنة الأحباب واحدة | | فإذا أحببت فاستنن |
ألا أبلغ الله الحمى مـن يريده | | وبلغ أكتاف الحمى من يريدها |
كذاك الفخر يا همم الرجال | | تعالَيْ فانظري كيف التعالي |