الحِبّ حيثُ المعشرُ الأعداءُ
ابن هانئ الأندلسي
-----------------------------------
الحِبّ حيثُ المعشرُ الأعداءُ
والصبر حيثُ الكِلّة ُ السِّيَراءُ
ما للمهارى الناجياتِ كانَّها
حتمٌ عليها البَينُ والعُدَواءُ
ليس العجيبُ بأن يُبارِينَ الصَّبا
والعذلُ في أسماعِهِنّ حُداءُ
تدنو منالَ يدِ المحبّ وفوقها
شمسُ الظهيرة ِ خدرها الجوزاء
بانتْ مُوَدِّعة ً فجيدٌ مُعْرِضٌ
يومَ الوداع ونظرة ٌ شزْراء
وغدتْ مُمنَّعة َ القِباب كأنها
بين الحِجالِ فريدة ٌ عصماء
حُجَبُت ويُحجب طيفُها فكأنما
منهم على لحظاتِها رُقباء
ما بانة ُ الوادي تثنّى خوطها
لكنّها اليَزَنيّة ُ السّمْراء
لم يبقَ طرفٌ أجردٌ إلاّ أتى
من دونهاوطِمِرّة ٌ جرداء
ومفاضة ٌ مسرودة ٌ وكتيبة ٌ
مَلمومَة ٌ وعَجاجَة ٌ شهباء
ماذا أُسائِلُ عن مغَاني أهلِها
وضميريَ المأهولُ وهي خَلاء
لله إحدى الدّوحِ فاردة ً ولا
للهِ محنية ٌ ولا جرعاء
بانَتْ تَثَنّى لا الرّياحُ تَهُزُّهَا
دوني ولا أنفاسيَ الصُّعداء
فكأنّما كانتْ تَذكَّرُ بيْنَكم
فتميدُ في أعطافها البُرحاء
كلُّ يهيجُ هواكَ إمّا أيكة ٌ
خضراءُ أو أيكة ٌ ورقاء
فانظرْ!أنارٌ باللّوى أم بارِقٌ
متألّقٌ أم راية ٌ حمراء
بالغورِ تخبو تارة ً ويشبُّها
تحتَ الدُّجنّة ِ مندلٌ وكباء
ذمَّ الليالي بعدَ ليلتنا التي
سَلَفَتْ كما ذمَ الفراقَ لقاء
لبِستْ بياضَ الصّبْح حتى خلتُها
فيه نجاشيّاً عليه قَباء
حتى بدتْ والبدرُ في سِرْبالِها
فكأنّها خيفانة ٌ صدراء
ثمّ انتحى فيها الصّديعُ فأدبَرَتْ
فكأنّها وَحْشِيّة ٌ عَفْراء
طويتْ لي الأيامُ فوقَ مكايدٍ
ما تَنْطوي لي فوقَها الأعْداء
ما كانَ أحسنَ منْ أياديها الّتي
تُولِيكَ إلاّ أنّها حَسْناء
ما تُحسِنُ الدنيا تُديمُ نعيمَها
فهي الصَّناعُ وكفُّها الخرَقاء
تشأى النَّجازَ عليّ وهيَ بفتكهِا
ضِرغامَة ٌ وبِلوْنِها حِرْباء
إنَ المكارمَ كنّ سرباً رائداً
حتّى كنسنَ كأنَّهنّ ظباء
وطِفقْتُ أسألُ عن أغرَّ مَحجَّلٍ
فإذا الأنامُ جِبِلّة ٌ دَهماء
حتى دُفعْتُ إلى المعزّ خليفة ً
فعملتُ أنّ المطلَب الخُلفاء
جودٌ كأنّ اليمّ فيهِ نفاثة ٌ
و كأنما الدّنياعليهِ غثاء
مِلكٌ إذا نطقَتْ عُلاهُ بمدحِهِ
خرسَ الوفودُ وأفحمَ الخطباء
هو علّة الدُّنيا ومن خلقتْ له
و لعلّة ٍ ما كانتِ الأشياء
من صفوِ ماء الوحي وهوَ مُجاجة ٌ
من حَوضه الينبوع وهو شفاء
من أيكة ِ الفرْدوْس حيثُ تفتقتْ
ثمراتها وتفيّأ الأفياء
من شعلة القبَس التي عُرِضتْ على
موسى وقد حارتْ به الظَّلماء
من معدنِ التقديسِ وهو سلالة ٌ
من جوهرِ الملكوتِ وهو ضياء
من حيثُ يقتبسُ النهارُ لمبصرٍ
و تشقُّ عن مكنونها الانباء
فتَيَقّظوا من غَفْلة ٍ وتَنَبّهوا
ما بالصبّاحِ عن العيونِ خَفاء
ليستْ سماءُ الله ما تَرْأونَها
لكنّ أرضاً تحتويهِ سماء
أمّا كواكِبُها له فخَواضِعٌ
تخفي السُّجودَ ويظهرُ الإيماء
و الشمسُ ترجعُ عن سناه جفونها
فكأنّها مَطرُوفة ٌ مَرْهَاء
هذا الشفيعُ لأمَّة ٍ يأتيْ بها
وجُدُودُهُ لجدُودِها شُفعاء
هذا أمينُ اللهِ بينَ عبادهِ
و بلادهِ إنْ عدَّتِ الأمناء
هذا الَّذي عطفتْ عليهِ مكة ٌ
وشعابهاو الرُّكنُ والبطحاء
هذا الأغَرُّ الأزهَرُ المتألقُ المـ
ـتَدَفِّقُ المُتَبَلِّجُ الوضّاء
فعَليهِ من سِيما النبيّ دَلالَة ٌ
وعليهِ من نورِ الإلهِ بَهاء
وَرِثَ المُقيمَ بيثرِبٍ فالمِنبرُ الـ
ـأعْلى له والتُّرعَة ُ العَلياء
والخطبة ُ الزّهراء فيها الحكمة الـ
ـغَرّاءُ فيها الحجّة ُ البَيضاء
للنّاس إجماعٌ على تفضيلهِ
حتى استَوَى اللُّؤماءُ والكُرَماء
واللُّكْنُ والفُصَحاء والبُعَداء والـ
قرباءُ والخصماءُ والشُّهداء
ضرّابُ هامِ الرّومِ منتقماً وفي
أعناقهمْ منْ جودهِ أعباء
تجري أياديه التي أولاهمُ
فكأنَّها بينَ الدمّاءِ دماء
لولا انبعاثُ السيف وهو مسلَّطٌ
في قتْلهمْ قَتَلَتْهُمُ النَّعْماء
كانتْ ملوكُ الأعجمَينِ أعزّة ً
فأذلّها ذو العزِّة ِ الأبَّاء
لنْ تصغرَ العظماءُ في سلطانهم
إلاّ إذا دلفَتْ لها العُظَماء
جهلَ البطارقُ أنّهُ الملكُ الذي
أوصى البنينَ بسلمهِ الآباء
حتى رأى جهَّالهم من عزمهِ
غبَّ الذي شهدتْ به العلماء
فتقاصرُوا من بعدما حكمَ الردى
و مضى الوعيدُ وشبِّتِ الهيجاء
والسيْلُ ليسَ يحيدُ عن مُستنّهِ،
و السّهمُ لا يدلى به غلواء
لم يُشرِكوا في أنّهُ خَيرُ الوَرَى
ولِذي البَريّة ِ عندهُمْ شُركاء
و إذا أقرّ المشركونَ بفضلهِ
قَسْراً فما أدراكَ ما الخُنفاء
في الله يسري جودُهُ وجُنودُهُ
و عديدهُ والعزمُ والآراءُ
أومَا ترى دولَ الملوكِ تطيعه
فكأنَّها خولٌ لهُ وإماء
نَزَلَتْ ملائكة ُ السماءِ بنصرِهِ
وأطاعَهُ الإصْباحُ والإمساء
والفُلْكُ والفَلَكُ المُدارُ وسعدُهُ
والغَزْوُ في الدّأماءِ والدّأماء
والدهرُ والأيّامُ في تصريفِها
والناسُ والخضراءُ والغَبراء
أينَ المفرُّ ولا مفرَّ لهاربٍ
و لكَ البسيطانِ الثُّرى والماء
ولكَ الجواري المنشآتُ مواخراً
تَجري بأمركَ والريّاحُ رخاء
و الحاملات وكلُّها محمولة ٌ
والنّاتِجات وكلّها عذراء
و الأعوجيّات التي إن سوبقتْ
سبقت وجريُ المذكيات غلاء
الطائرات السّابحات السّابقا
ت الناجيات إذا أستُحِثّ نَجاء
فالبأسُ في حمس الوغى لكماتها
والكبرياءُ لهُنّ والخُيلاء
لا يصدرونَ نحورها يومَ الوغى
إلاّ كما صبغَ الخدودَ حياء
شمُّ العَوالي والأنوفِ تَبَسّموا
تحت القُنوس فأظلموا وأضاءوا
لبسوا الحديدَ على الحديدِ مظاهراً
حتى اليلامقَ والدروعُ سواء
و تقنّعوا الفولاذَ حتى المقلة ُ النَّجـ
لاء فيها المقلة ُ الخوصاء
فكأنّما فوقَ الأكُفّ بَوارقٌ
وكأنّما فوقَ المُتونِ إضاء
من كلّ مسرودِ الدَّخارص فوقه
حبكٌ ومصقولٍ عليه هباء
وتَعانَقوا حتى رُدَيْنيّاتُهُم
عطْشَى وبِيضُهُمُ الرقاقُ رِواء
أعززتَ دينَ اللهِ يا ابنَ نبيّهِ
فاليومَ فيهِ تخمطٌ وإباء
فأقلُّ حظّ العُرْبِ منكَ سعادة ٌ
وأقلُّ حظّ الرّومِ منكَ شقاء
فإذا بعثْتَ الجيشَ فهوَ منيّة ٌ
وإذا رأيتَ الرأيَ فهوَ قَضاء
يكسو نَداكَ الروْضَ قبل أوانهِ
و تحيدُ عنكَ اللَّزابة ُ اللأواء
وصِفات ذاتك منكَ يأخذها الورى
في المكرماتِ فكلّها أسماء
قد جالتِ الأوهام فيك فدقّتِ الـ
أفكارُ عنكَ فجلّتَ الآلاء
فعنتَ لكَ الابصارُ وانقاذتْ لكَ
الاقدارُ واستحيتْ لكَ الانواء
و تجمّعتْ فيكَ القلوبُ على الرّضى
و شيّعتْ في حبكَ الأهواء
أنتَ الذي فصلَ الخطابَ وإنّما
بكَ حكَّمتْ في مدحكَ الشُّعراء
وأخصُّ منزِلة ً من الشّعراء في
أمثالِها المضروبة ِ الحُكَماء
أخذوا الكلامَ كثيرهَ وقليلَه
قِسمَينِ: ذا داءٌ وذاكَ دواء
دانوا بأنَّ مديحهمْ لكَ طاعة ٌ
فَرْضٌ فليسَ لهم عليك جَزاء
فاسلمْ إذا رابَ البريَّة َ حادثٌ
و اخلدْ إذا عمّ النفوسَ فناء
يفْديكَ شهْرُ صِيامِنا وقِيامنا
ثمّ الشُّهورُ له بذاك فِداء
فيه تنزّلَ كلُّ وحي منزلٍ
فلأهلِ بيتِ الوحي فيه ثناء
فتطولُ فيه أكفُّ آلِ محَمدٍ
وتغلُّ فيهِ عن الندى الطُّلقاء
ما زلْتَ تَقضي فَرضَه وأمامَه
ووراءَه لكَ نائلٌ وحِباء
حسبي بمدحك فيه ذخراً إنّه
للنُّسْكِ عند الناسكين كِفاء
هيهات منّا شكرُ ما تُولي ولو
شكرتك قبلَ الألسنِِ الأعضاء
و اللهُ في علياكَ أصدقُ قائلٍ
فكأنّ قولَ القافلينَ هُذاء
لا تسألنّ عن الزّمانِ فإنّهُ
في رَاحتَيْكَ يدورُ كيف تشاء