القاهرة 24 نوفمبر تشرين الثاني (رويترز) - يبدو من المستبعد أن يخرج حكام مصر الذين يواجهون تحديات اقتصادية على عدة جبهات باستجابة سياسية محكمة في الوقت الذي تتجه فيه البلاد نحو فترة انتخابات طويلة ومضطربة قد تزيد من صعوبة اتخاذ القرارات.
وليس من الواضح حتى الآن أي حكومة ستتولى إدارة الاقتصاد قبل الانتخابات. فقد قبل المجلس العسكري استقالة رئيس الوزراء المدني وحكومته في وقت متأخر من يوم الثلاثاء لكنه لم يورد تفاصيل عن "حكومة الانقاذ الوطني" التي يقول بعض الساسة انها ستشكل.
وحتى إذا تم تعيين حكومة جديدة بسرعة فإنها ستواجه صعوبات في التعامل مع ارتفاع اسعار المواد الغذائية وتراجع الاحتياطيات بالعملة الأجنبية والأزمة الوشيكة في ميزانية الدولة التي تعقد جهود السلطات في التعامل مع أسوأ اضطرابات تشهدها البلاد منذ الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في فبراير شباط الماضي.
فمعالجة أي من المشكلات قد تفاقم الأخرى. فخفض الانفاق الحكومي على دعم المواد الغذائية لتعزيز مالية الدولة على سبيل المثال قد يزيد الأثر على تضخم أسعار الغذاء ويثير المزيد من الاضطرابات. وحتى الآن تحجم السلطات عن اتخاذ قرارات حاسمة بشأن أي من المشكلات.
وقبل استقالة الحكومة قال دبلوماسي غربي طلب عدم الكشف عن هويته "الحكومة أسقط في يدها... يبدو انه ليس هناك حوار فعلي بشأن هذه القضايا ولا مؤشر على سياسات للتكيف مع الظروف المتغيرة."
ومن المقرر أن تبدأ انتخابات مجلس الشعب الأسبوع المقبل وأن تستمر حتى يناير كانون الثاني على أن تبدأ انتخابات مجلس الشورى في أواخر يناير وتستمر حتى مارس آذار. وخلال هذه الفترة ستفتقر الحكومة لتفويض شعبي لإحداث تغييرات في السياسة الاقتصادية.
وانتخاب برلمان جديد لن يعني بالضرورة وضع سياسات أكثر حسما فالسلطات الرئاسية ستظل مع المجلس العسكري حتى انتخابات الرئاسة. ووعد المشير محمد حسين طنطاوي الذي يرأس المجلس العسكري يوم الثلاثاء الماضي بأن يجري انتخاب رئيس مدني في يونيو حزيران المقبل. أي أقرب ستة اشهر من الموعد المقرر من قبل لكنه يهدد بسبعة اشهر أخرى من الفراغ في سلطة صنع القرار.
والتهديد الاقتصادي الأكثر إلحاحا هو تراجع الاحتياطيات المصرية بالعملة الأجنبية إذ تضررت إيرادات السياحة والصادرات من الاضطرابات وفرار رؤوس الأموال من البلاد. وهبطت الاحتياطيات من نحو 36 مليار دولار في بداية عام 2011 إلى 22.1 مليار دولار في أكتوبر تشرين الأول وقد تصل في الأشهر القليلة المقبلة إلى مستويات لا يتمكن عندها البنك المركزي من منع انخفاض حاد في قيمة الجنيه.
وكان بإمكان مصر في بادئ الأمر التعامل مع المشكلة بفرض بعض اشكال القيود الرأسمالية أو بالسماح بانخفاض بطيء ومحكوم للجنيه لتحفيز النمو الاقتصادي والحد من الضغوط باتجاه مزيد من انخفاض العملة. وقد يكون الوقت قد تأخر جدا لتطبيق أي من هذين الحلين دون أن يتسبب ذلك في إثارة حالة فزع في سوق العملة ومزيد من عدم الاستقرار.
ويفضل العديد من قادة الصناعة خفض قيمة العملة لجعل الصادرات أكثر جاذبية لكنهم يقولون إن ذلك كان يجب أن يبدأ قبل فترة طويلة.
وقال خليل قنديل رئيس غرفة الصناعات المعدنية "كان يجب ان يحدث ذلك تدريجيا على مدى الاشهر الستة الماضية بدلا من خفض عشرة بالمئة بشكل مفاجئ ما سيربك الجميع ويجعل من الصعب وضع الخطط."
لذلك فمن اجل تجنب ازمة عملة قد يتعين على الحكومة الحصول على مليارات الدولارات من المساعدات الدولية في الاشهر القليلة المقبلة. لكن المساعدات من صندوق النقد الدولي او مانحين غربيين قد تأتي مصحوبة بشروط تتعلق بالسياسات الاقتصادية مثل اشتراط تحجيم الانفاق الحكومي. والمساعدات من الدول العربية الغنية في الخليج قد تأتي مصحوبة بشروط سياسية.
وفي الصيف الماضي رفضت الحكومة عرضا ببرنامج تمويل من صندوق النقد الدولي بقيمة 3.2 مليار دولار لكن الحكومة اثارت آمال المصرفيين هذا الأسبوع بقولها انها ستطلب من الصندوق بدء مفاوضات على برنامج سيشبه السابق على الأرجح. واستقالة الحكومة قد تعطل هذه المفاوضات.
وقال نيل شيرينج الاقتصادي في كابيتال ايكونوميكس "الأولوية الأولى يجب ان تكون الاتفاق على مساعدة مالية دولية وإلا سيتهاوى الجنيه." وأضاف "الناس مازالت متمسكة بالأمل في أن يسود الأسلوب العملي. لكن هناك مخاطر من ان ينتهي الأمر بشكل فوضوي."
وكتبت ندى فريد المحللة في بنك بلتون فايننشال بالقاهرة في مذكرة بحثية تقول "إذا لم تصل المساعدات الخارجية سيكون تراجع العملة المصرية أكثر حدة وقد يصل سعرها إلى 6.8 جنيه للدولار في المتوسط في السنة المالية 2012-2013 ." وجرى تداول الجنيه بسعر 6.0025 جنيه للدولار اليوم الخميس وهو أدنى مستوى في أكثر من ست سنوات.
والتغير في سعر الصرف سيؤثر بشكل مباشر على مسألتين اقتصاديتين أخريين مثيرتين للقلق هما التضخم ومالية الدولة. فأي انخفاض كبير في سعر الجنيه سيشكل ضغوطا تضخمية على اسعار المستهلكين. ومصر اكبر مستورد للقمح في العالم لذلك فإن ارتفاع اسعار الواردات سيهدد بالمزيد من الصعوبات للمصريين الذين يعيشون تحت خط الفقر والذين تشير التقديرات إلى انهم يشكلون نحو خمس سكان البلاد.
وبلغ معدل تضخم اسعار المستهلكين في المدن في مصر 7.1 بالمئة على أساس سنوي في أكتوبر وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وهذا هو ادنى مستوى في اربع سنوات بفضل المحاصيل المحلية الجيدة لكنه يظل مرتفعا بحسب القيمة المطلقة ويرى بعض المحللين انه سيصعد في الاشهر المقبلة.
وللحد من أثر ارتفاع أسعار الغذاء على السكان تدير الحكومة برنامجا ضخما للدعم يسهم في عجز الميزانية الذي يقدر رسميا في السنة المالية الحالية بنحو 8.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مقتربا من مستواه في اليونان.
وكانت الحكومة تناقش إصلاح برنامج الدعم لخفض تكاليفه والحد من هدر الموارد من خلاله لكن السلطات لم تتخذ إجراء وربما تكون غير مستعدة للتحرك باتجاه قضية حساسة مثل هذه حتى تنتهي الانتخابات.
ومن ناحية أخرى تجد الحكومة صعوبة متزايدة في تمويل العجز بالاقتراض من البنوك المصرية. وخفض البنك المركزي حجم مزادات أذون الخزانة الأسبوع الماضي إذ بلغت العائدات أعلى مستوياتها منذ الأزمة المالية العالمية في 2008.
وارتفعت تكلفة التأمين على الدين السيادي المصري ضد التخلف عن السداد لمدة خمس سنوات 60 نقطة اساس يوم الإثنين إلى اعلى مستوياتها في عامين ونصف العام. وارتفعت عائدات السندات المصرية المقومة بالدولار.
وما يعقد جميع قرارات السياسة الاقتصادية هو احتمال أن تثير المزيد من الاضطرابات المدنية وتجعل اجراء الانتخابات أكثر صعوبة. وحتى قبل مقتل نحو 39 شخصا منذ يوم السبت الماضي في اشتباكات بين الشرطة ومحتجين في القاهرة كانت هناك اضطرابات متفرقة في مختلف ارجاء البلاد.
وذكرت وسائل الإعلام الحكومية أن محتجين أغلقوا ميناء دمياط في شمال البلاد يوم 13 نوفمبر اثناء اشتباكات بين الجيش والسكان القلقين من التلوث من مصنع للاسمدة.
وفي اليوم نفسه اطلقت الشرطة في أسوان الغاز المسيل للدموع لتفريق احتجاج على مقتل شخص. وفي يوم الأربعاء من الأسبوع الماضي قالت مصادر أمنية إن عمال مصنع للملابس في بورسعيد اشتبكوا مع بلطجية هاجموهم بالسكاكين.
ويلقي بعض المصريين اللوم على الشرطة في عدم التدخل بقوة لمنع أعمال العنف هذه.
وامتد شلل الحكومة إلى الموافقات على الصفقات التجارية ومشروعات التطوير. ويقول اقتصاديون إن الدعاوى القضائية المرفوعة ضد اتفاقات استثمار بين القطاعين العام والخاص قد تثني المسؤولين الحكوميين عن المضي قدما في مشروعات جديدة خوفا من مقاضاتهم.
ويقول رئيس غرفة الصناعات المعدنية إن انتاج الصلب والمعادن انخفض بنسبة 40 بالمئة عن مستوياته قبل الإطاحة بمبارك فيما يرجع اساسا إلى تعليق مشروعات بنية اساسية تدعمها الحكومة.
لذلك تتطلع العديد من الشركات المصرية وملايين الأشخاص الذين يعملون لديها إلى قيادة جديدة تضع السياسات الاقتصادية في الاشهر المقبلة.
وقال أحمد الأشرم الشريك المدير في شركة مسابك القاهرة الكبرى التي تنتج مواسير الصلب "كل فترة ترد انباء عن أن الأمور ستعود لطبيعتها.
"كان هذا بعد شهرين من الثورة ثم بعد يونيو عندما انتهت السنة المالية ثم بعد العيد ... والآن لا نعرف."
وألغت الشركة نوبات العمل الليلية واكتفت بالعمل ثلاثة ايام في الأسبوع هذا العام مع انخفاض انتاجها بما يصل إلى 70 بالمئة.