قصة
الطالب الفقير والمصروف المدرسي
الطالب الفقير والمصروف المدرسي
قصة واقعية ليست من نسج الخيال كالقصص التي يكتبها الأدباء والمؤلفين وأشخاصها هم حقيقيون يعيشون في عصرنا هذا ..
بطلها طفل صغير السن كبير العقل والتصرفات, أسمه طلال لم يبلغ من العمر عشر سنوات, يدرس في الصف الرابع من التعليم الأساسي, ولد وتربى في أحدى القرى الريفية الخضراء في محافظة إب بالجمهورية اليمنية, يتمتتع بذكاء كبير جعله أحد أوائل المتفوقين في صفه إلا أنه يتفوق ويتميز عن بقية زملاءه المتفوقين بما يمتلكه من قلب رحيم وخلق حسن يحب الفقراء ويعطف عليهم...
يعيش طلال مع أخته سمية التي تكبره بعام,في أسرة سعيدة ميسورة الحال ليست بالمعدمة الفقيرة وليست بفاحشة الثراء, في كل صباح يتناول طلال وأخته سمية طعام الإفطار قبل ذهابهما إلى المدرسة ثم تأخذ سمية من والدتها مصروفها المدرسي هي وأخيها طلال مبلغ مائة ريال ويذهبان إلى المدرسة, وعند الإستراحة يخرج طلال من فصله إلى ساحة المدرسة ليلتقي بأخته سمية لكي يقومان بشراء العصير والشوكلاتة والبسكويت من البائعين الذين يفرشون بضاعتهم خارج ساحة المدرسة مثل جميع الطلاب من ذوي الأسر الغنية والميسورة..
وأثناء ما كانت سمية تشتري من البائع ما تأكله هي وأخيها طلال , كان طلال ينتظرها حتى تنتهي من الشراء, وإذا بطلال ينظر شمالاً ويميناً فيرى طالب فقير يدرس في صفه يقف في مكان مرتفع قليلاً وينظر إلى الطلاب وهم يخرجون النقود من جيوبهم ويشترون بها مايريدون,ثم يجتمعون كل مجموعة من الأخوة وأبناء العم في مكان لتناول طعامهم,ثم يذهب ذلك الطالب الفقير إلى جوار حائط المدرسة فيجلس حزين القلب كئيب النفس ينظر إلى الطلاب وهم يلعبون ويمرحون بعد تناولهم مايشترونه من الباعة, بينما هو يظل طيلة الاستراحة يعاني من الجوع والعطش والبؤس والحرمان ينزل الدمع من عينيه حزناً وكآبة, لا يعرف المرح ولا السرور ولا السعادة كبقية زملائه, هذا هو حاله في الإستراحة في كل يوم حتى ينادي مدير المدرسة للطلاب بالتوجه إلى فصولهم بعد إنتهاء الإستراحة..
لم تكن نظرات طلال إلى ذلك الطالب عابرة ولا نظرات عادية وأنما كانت نظرات شفقة ورحمة وعطف أثرت في مشاعره ووجدانه وأطلقت لعنان أحزانه يشارك بها هموم وأحزان زميله فاسقط طلال من عينية الدموع , حاول مسحها قبل وصول أخته سمية وأولاد عمه .
وبعد أن انتهت سمية من شراء ماتريد ذهبت مع أخيها طلال وأبناء عمهما وجلسا في مكان جوار المدرسة لتناول ماقاما بشراءه,وإذا بطلال يرفع رأسه ويدور بنظره شمالاً ويميناً فيرى ذلك الطالب الفقير وهو جالس حزين جوار حائط المدرسة, تكرر ذلك المشهد أمام طلال عدة أيام فتحركت الرحمة في قلب طلال لحال زميله الفقير.
وفي أحد الأيام وأثناء ما كان طلال يجلس مع أخته سمية وأبناء عمه لتناول ما أشتروه في الإستراحة نظر طلال إلى المكان الذي يجلس فيه زميله الطالب الفقير فرأه وهو جالس كعادته والحزن يملأ وجهه والدمع ينزل من عينيه, فقرر طلال في غرار نفسه على أن يمسح الدمع من عيني زميله الفقير وأن يمحي الحزن من قلبه ويحول الحزن إلى سعادة والكأبة إلى فرح..
فأخذ طلال حصته من التي أشتراتها أخته سمية ثم قام من جوار أخته سمية وأبناء عمه قائلاً لهم أنه سوف يذهب إلى الحمام, وأتجه نحو الطالب الفقير وسأله ماذا به؟
فأجابه الطالب الفقير: بصوت شاحب يملأه الحزن والأسى قائلا لاشئ ياطلال.
قال طلال : أنك حزين وكئيب كل يوم وتجلس وحيداً فما سبب حزنك.
الطالب الفقير: لا شئ.
طلال: أنا أعلم ماسبب حزنك,هيا تعال معي.
الطالب الفقير إلى أين سنذهب ياطلال؟
طلال: إلى الجهة الأخرى من المدرسة.
الطالب الفقير :لماذا نذهب إلى الجهة الأخرى من المدرسة وماذا تريد مني؟
طلال :سوف أخبرك هناك.
فذهب الطالب الفقير مع طلال إلى الجهة الأخرى للمدرسة, ثم قال طلال للطالب الفقير :هيا أجلس معي لتناول مصروفي المدرسي.
فرفض الطالب الفقير ذلك, فاصر طلال عليه, والح بأن يجلس معه لتناول الفطور.
فجلس الطالب الفقير مع طلال لتناول مصروفه المدرسي وقام طلال بتقسيم مصروفه المدرسي بينه وبين الطالب الفقير مناصفة, وأثناء تناولهما للمصروف قال الطالب الفقير لطلال بصوت حزين والدمع ينزل من عينيه ..
يا طلال: أن ما يحزنني أننا نعيش فقراء لا نجد ما نأكله بين أسر يصرف أحد أبنائها الطلاب بالمدرسة باليوم مقدار ماتصرفه أسرتنا لأسبوع أو أكثر.
فقال طلال : يا أخي الغنى والفقر بيد الله عزوجل فلا تحزن لفقرك فأنظر إلى النعم الأخرى التي رزقك الله بها والتي منها نعمة الصحة وهي أكبر نعمة في الدنيا وأما الرزق فإن الله يقسم الأرزاق بين عباده حسب حكمته وعلمه, ولعل الله سيكتب لأسرتك الرزق يوما ماً وتصبح من أغنى الأسر, وهكذا هو حال الدنيا فقراء وأغنياء , وهذه هي عادة أبناء الأسر الغنية فهم يعيشون في بذخ وإسراف وترف لا يشعرون بحال غيرهم من ابناء الأسر الفقيرة..
فقال الطالب الفقير: صدقت يا أخي أن الأرزاق بيد الله عزوجل يقسمها كيفما شاء ولكل إنسان نصيبه من الرزق في الدنيا المقدر له من المولى عزوجل , فالحمدلله على ما أعطى وما رزق.
ولما أنتهيا قال طلال للطالب الفقير أنت شريكي كل يوم في مصروفي ونكون نلتقي في الإستراحة بهذا المكان..
ثم عاد طلال إلى أخته سمية فسألته لماذا تأخرت؟
فقال طلال كان هناك زحمة على الحمام..
وذهب طلال إلى فصله بعد أن أحس براحة لا مثيل لها مما قام به وظل مسرور القلب سعيد النفس طيلة يومه.
وفي اليوم الثاني جلس طلال في الإستراحة مع أخته سمية وأبناء عمهم لتناول مصروفهم فأخذ طلال حصته من المصروف وقام خفية وذهب إلى المكان المتفق عليه بينه وبين الطالب الفقير وجلسا لتناول مصروفها,وظل طلال على حاله هذا أسابيع ولم يعلم أحد بذلك,وفي أحد الأيام أخذ طلال حصته من المصروف وقام خفية كعادته وذهب إلى الطالب الفقير ليتناول معه مصروفه,فأستغربت سمية من حال أخيها لماذا أصبح يأخذ حصته من المصروف ويتركها كل يوم قائلاً أنه يذهب إلى الحمام ويعود إليها ولم يعد لديه حصته من المصروف؟ فأين يذهب هو وأين يذهب بمصروفه؟
فلحقت سمية أخيها طلال خفية منه لتنظر أين يذهب فرأته يجلس مع ذلك الطالب الفقير ويتناول معه المصروف,فعادت سمية إلى مكانها دون أن تظهر لطلال أنها قد أكتشفت أمره ولما عاد طلال إلى أخته سمية سألته أين ذهب؟ فقال لها إلى الحمام,وفي اليوم الثاني لحقت سمية بأخيها طلال خفية ورأت مارأته في اليوم السابق,وبعد عودتهما إلى المنزل أخبرت سمية والدتها بما يقوم به طلال,فسرة بذلك كثيراً ولم تكشف لطلال أنها قد علمت بما يقوم به,وفي اليوم الثاني خرج طلال أثناء الإستراحة من الفصل وذهب إلى أخته سمية وأشترت سمية لها ولأخيها طلال ثم ذهبا لتناول وعند جلوسهما مع أبناء عمهم طلب طلال من أخته سمية أن تعطيه حصته من المصروف فرفضت سمية أن تعطيه ذلك وقالت له أنها لن تعطيه حتى يخبرها أين يذهب كل يوم؟ ولماذا لا تناول مصروفه معها؟
فرفض طلال أن يخبرها بشئ, فحاولت سمية أن تضغط على طلال كي يخبرها بقصته ولكن دون جدوى. فصارحته سمية بأنه قد أكتشفت أمره وأنها قد رأته وهو يذهب لتناول مصروفه مع الطالب الفقير,فطلب طلال من أخته سمية أن لا تكشف أمره لأحد حتى لا ينجرح ذلك الطالب الفقير,كما طلب منها أن لا تخبر والدته بذلك خوفاً أن تؤنبه أنه يفرط بمصروفه فأخبرته سمية أن ولدته قد علمت بما يقوم به وأنها لم تغضب بل فرحت بذلك كثيراً , ففرح طلال بذلك أشد الفرح وقالت سمية بأنها سوف تقوم بتقسيم المصروف المخصص لها ولأخيها طلال أثلاثاً , ثلث لها وثلث لطلال وثلث للطالب الفقير وسلمت لطلال الثلثين وقالت له أذهب ياطلال وتناول المصروف مع الطالب الفقير, وظل ذلك حال طال وسمية طيلة السنة العام الدراسي الأول وهاهما في عامهما الدراسي الثاني على التوالي على حالهما مع الطالب الفقير مثلما كانا في العام السابق حيث أصبح ذلك الطالب الفقير شريكاً ثالثاً لسمية وطلال في مصروفهما المدرسي وكأنه الأخ الثالث لهما..
فهذه هي قصة طلال وسمية والطالب الفقير,وهذه هي الرحمة الحقيقية التي أوجدها الله عزوجل في قلب الإنسان منذ طفولته,وأنا أكتب هذه القصة ليس من أجل التسلية ولكن من أجل الفائدة فأتمنى أن يكون كل الطلاب والطالبات الأغنياء كطلال وأخته سمية,ينظرون بعطف ورحمة إلى الطلاب والطالبات الفقراء من حولهم فيتقاسمون معهم مصروفهم كما فعل طلال وأخته سمية ,وأتمنى أن يوجه الأباء والأمهات أبنائهم وبناتهم أن يفعلوا في مصروفهم مثلما فعل طلال وأخته سمية حتى لا يكون هناك طالب أو طالبة يحترقون بنار الحزن ويعانون من الحرمان والبؤس والشقاء.