القانون الدولي الانساني
القانون الدولي الإنساني هو أحد فروع القانون الدولي. ويسعى القانون الدولي الإنساني إلى التخفيف من آثار الحروب والنزاعات المسلحة على حياة الناس وتخفيف معاناتهم. ينص القانون الإنساني الدولي على مجموعة قواعد تهدف إلى حماية حقوق الإنسان وحقوق الأفراد الذين لم يشاركوا في القتال، وكذلك قواعد لحماية حقوق المقاتلين. إنّ الأساس الأخلاقي لهذا القانون هو الإيمان بأن الحروبات لا تُلغي واجب حماية القيم الانسانيّه الأساسية.
يتكوّن القانون الإنساني الدولي من فرعين أساسيين: الأول هو قانون النزاعات المسلحة أو "قانون الحرب"، الذي يحدد الأطر التي يجب أن تُدار الحرب داخلها، مع التشديد على منع استهداف المدنيين ومبدأ التناسب، الذي يهدف إلى منع الإصابات غير المتناسبة بالمدنيين، حتى عندما يكون هدف الهجوم هو عسكري. والفرع الثاني هو قانون الاحتلال الذي يسري على كل قوّة أجنبية تسيطر فعليًا على منطقة معينة، وبسبب هذه السيطرة، تملك هذه القوة صلاحيات سيادية، ولكنّها ملزمة بواجبات تجاه المدنيين الواقعين تحت سيطرتها.
الإطار القانوني الأساسي لقانون الاحتلال موجود في اتفاقيه لاهاي المتعلقة باحترام قوانين وأعراف الحرب من العام 1907، واتفاقيات جنيف الأربع من العام 1949، والبروتوكولات المرفقة لها من عام 1977 (1). تهدف هذه المعاهدات إلى حماية البشر الذين قد يتضررون من جراء الحرب.
ونوقشت المكانة القانونية لهذه الاتفاقيات كثيرًا. وفي محاكمات نورمبرغ التي جرت في نهاية الحرب العالمية الثانية اعتبرت اتفاقيه لاهاي جزءًا من القانون الدولي العرفي، بمعنى أنها تلزم حتى الدول التي لم تقبل طوعًا مبادئ الاتفاقية ولم توقع عليها.
وقررت المحكمة العليا في إسرائيل أن اتفاقيه لاهاي واتفاقيات جنيف الثلاث الأولى تمثل جزءًا من القانون الدولي العرفي، وبالتالي فهي تلزم إسرائيل. ولم تتطرق المحكمة لاتفاقيه جنيف الرابعة المتعلقة بحماية الأشخاص الذين يعيشون تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي، وأقرت أنها في ضوء تصريحات الدولة حول احترام القواعد الإنسانية الواردة في الاتفاقيّة، فهي لن تتطرق إليها.
قواعد الحرب
القانون الدولي الإنساني", ويسمى أيضاً "قانون النزاعات المسلّحة" أو "قانون الحرب", هو جملة القواعد التي تحمي في زمن الحرب الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية, أو الذين كفوا عن المشاركة فيها, وتقيد استخدام أساليب ووسائل القتال. وتتمثل غايته الأساسية في الحد من المعاناة البشرية ودرئها في زمن النزاعات المسلحة. ولا يقتصر الالتزام بقواعد القانون على الحكومات وقواتها المسلحة فحسب, وإنما يمتد ليشمل أيضاً جماعات المعارضة المسلحة وغيرها من أطراف النزاعات.
تعد اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكولان الإضافيان إليهاعام1977 الصكوك الأساسية للقانون الإنساني. وهناك عدد آخر من نصوص القانون الإنساني منها بروتوكول جنيف لحظر استخدام الغازات واتفاقية الأمم المتحدة لعام 1980 بشأن أسلحة تقليدية معينة واتفاقية أوتاوا حول الألغام الأرضية.
تنطبق اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 على النزاعات المسلحة الدولية. وتنص أحكامها على أن المدنيين والأشخاص الذين أصبحوا عاجزين عن المشاركة في القتال كالجرحى والمحتجزين يجب تفادي مهاجمتهم ويتعين أن يعاملوا معاملة إنسانية. كذلك تحدِّد هذه الاتفاقيات الدور الذي تؤديه اللجنة الدولية لتخفيف المعاناة البشرية. وإضافة إلى ذلك, تجيز المادة الثالثة المشتركة بين جميع الاتفاقيات الأربع للجنة الدولية أن تعرض خدماتها في حالة قيام نزاع مسلح غير دولي, وتكفل هذه المادة حداً أدنى من الحماية لضحايا مثل هذه الحالات.
في بداية عام 2001 كانت 189 دولة طرفاً في اتفاقيات جنيف.
ويكمل البروتوكولان الإضافيان لعام 1977 الاتفاقيات. وهما يرميان إلى الحد من استخدام العنف وحماية السكان المدنيين, وذلك بتعزيز القواعد التي تنظم سير العمليات العدائية.
كيف تُعرِّف النزاع؟
النزاع المسلح الدولي يشمل القوات المسلحة لدولتين على الأقل. النزاع المسلح غير الدولي هو مواجهة تنشب داخل إقليم دولة بين القوات المسلحة النظامية وجماعات مسلحة يمكن التعرُّف على هويتها, أو ما بين جماعات مسلحة. الاضطرابات الداخلية تحدث عندما تستخدم الدولة القوة المسلحة لإعادة النظام والحفاظ عليه, دون وجود نزاع مسلح كامل. التوتر الداخلي يحدث عندما تستخدم القوة, في غياب الاضطرابات الداخلية, كتدبير وقائي يرمي إلى حفظ القانون والنظام العام.
تطور القانون:
مع تغير طبيعة الحروب يتعين استكشاف وتطوير جوانب جديدة من القانون الإنساني. ومنذ اتفاقية جنيف الأولى لعام 1864 عملت اللجنة الدولية من أجل تحسين الحماية المكفولة لضحايا الحرب من خلال اعتماد قواعد قانونية جديدة. ولهذا الغرض يُنظِّم خبراؤها القانونيون لقاءات ومؤتمرات يشاركون فيها حول القضايا الإنسانية. ومن خلال "الخدمات الاستشارية" حول القانون الدولي الإنساني, تُشجِّع اللجنة الدولية الدول أيضاً على اعتماد تشريعات لتطبيق القانون الإنساني على الصعيد الوطني. ويقدِّم خبراء اللجنة الدولية القانونيون في مقر المؤسسة بجنيف وفي الميدان المساعدة الفنية للدول, على سبيل المثال بشأن التشريعات الرامية إلى ملاحقة المتهمين بارتكاب جرائم حرب وحماية شارتي الصليب الأحمر والهلال الأحمر.
وتبحث اللجنة الدولية أيضاً سبل تحسين تنفيذ القانون. وقد أجرت دراسة على مستوى العالم بأسره حول القواعد الدولية العرفية, وذلك من أجل تحديد المواضع التي يجوز فيها للممارسات المتعارف عليها في الوقت الراهن أن تكمل القوانين والمعاهدات المكتوبة. وفضلاً عن ذلك, فإنها تعمل على تعزيز الوعي بالقانون والالتزام بأحكامه. (أنظر أيضاً العمل الوقائي, ص34).
تعد أنشطة اللجنة الدولية الميدانية مكمِّلة لعملها القانوني. وإلى جانب تقديم المساعدة إلى السكان المحتاجين, فإن تواجد اللجنة الدولية في الميدان يمنحها وضعاً متميِّزاً يتيح لها مراقبة احترام القانون الإنساني والتعرُّف عن كثب على المشكلات التي يواجهها ضحايا النزاع المسلح في حياتهم اليومية وأخذ زمام المبادرة فيما يتصل بتطوير القوانين الجديدة.
من هم الذين يحميهم القانون الدولي الإنساني؟
اتفاقية جنيف الأولى (1949) تحمي أفراد القوات المسلحة الجرحى والمرضى في الميدان.
اتفاقية جنيف الثانية (1949) تحمي أفراد القوات المسلحة الجرحى والمرضى والغرقى في البحار.
اتفاقية جنيف الثالثة (1949) تحمي أسرى الحرب.
اتفاقية جنيف الرابعة (1949) تحمي الأشخاص المدنيين.
البروتوكول الإضافي الأول (1977) يعزز الحماية المكفولة لضحايا النزاعات المسلحة الدولية.
البروتوكول الإضافي الثاني (1977) يعزز الحماية المكفولة لضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية.
عندما تقع الانتهاكات...
حين تلاحظ اللجنة الدولية وقوع انتهاكات لقواعد الحرب تجري اتصالاً سرياً مع السلطات المسؤولة. فإذا كانت هذه الانتهاكات جسيمة ومتكررة ومؤكَّدة على وجه اليقين ولم تساعد الاتصالات السرية مع السلطات في تحسين الوضع, تحتفظ اللجنة الدولية لنفسها بالحق في اتخاذ موقف علني تدين فيه هذا الانتهاك للقانون الإنساني, وذلك عندما ترى أن هذا الإعلان يخدم مصالح الأشخاص المتضررين أو المهدَّدين بهذه الانتهاكات. ويظل اللجوء إلى هذا الإجراء أمراً استثنائياً.
ليس من مهمة اللجنة الدولية التحقيق في الانتهاكات أو مقاضاة مرتكبيها. ويقع على عاتق الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف الالتزام بإدراج أحكام في تشريعاتها الوطنية ترمي إلى قمع انتهاكات القانون الإنساني, بما في ذلك مقاضاة مجرمي الحرب أو تسليمهم. وتجوز ملاحقة مرتكبي الجرائم أمام المحاكم الوطنية للدول المختلفة أو أمام محكمة دولية. وقد مهَّد نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية, والذي فُتِح باب التوقيع عليه في يوليو/تموز 1998, الطريق نحو إنشاء هيئة معترف بها دولياً لمحاكمة مرتكبي جرائم الحرب الذين أفلتوا لسبب أو آخر من المحاكمة بواسطة نظمهم القضائية الوطنية. وفي القواعد الإجرائية التي تتبعها المحكمة, يحظى موظفو اللجنة الدولية وحدهم بالإعفاء من الإدلاء بأقوالهم أمامها, ذلك أنه إذا جاز استدعاء موظفيها كشهود في الإجراءات القضائية فمن شأن ذلك الإخلال بحياد المنظمة, الأمر الذي قد يهدِّد وصولها إلى الضحايا من دون تمييز.
ما هو الفارق بين القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان؟
هناك تقارب كبير بين القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان, فكلاهما يُعْنى بحق كل إنسان في السلامة البدنية والمعنوية والكرامة مهما كانت الظروف. غير أنه بحكم طبيعة القانون الدولي الإنساني ـ الحد من المعاناة في النزاعات المسلحة ـ فإن هذا القانون يضم أحكاماً أكثر تحديداً بكثير من تلك الواردة في معاهدات حقوق الإنسان, مثل الأحكام المتصلة بوسائل وأساليب القتال. ورغم التمايز فيما بينهما, فهناك تكامل بين قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني.
الأسلحة: تجنُّب الأسوأ
تعمل اللجنة الدولية جاهدة على ضمان تطابق الأسلحة المستخدمة أو الجاري تطويرها مع أحكام القانون الإنساني القائمة.
القيود على أساليب ووسائل القتال
من الزاوية الإنسانية, هناك جانبان يثيران القلق فيما يتصل بالأسلحة. أولاً, هل السلاح عشوائي الأثر ويُرجَّح بالتالي أن يوقع قتلى وجرحى في صفوف المدنيين؟ ثانياً, هل يُسبِّب آلاماً مفرطة لا يبررها الهدف العسكري المحدَّد؟ كان هذان الشاغلان الرئيسيان في الحملة العالمية التي جرى شنها مؤخراً من أجل حظر الألغام الأرضية, تلك الحملة التي أفضت إلى "اتفاقية حظر استعمال وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد وتدمير تلك الألغام" المعروفة أكثر باسم معاهدة أوتاوا.
هناك أسلحة أخرى أيضاً ينظر إليها أغلب الناس, حتى داخل الأوساط العسكرية, باعتبارها مثيرة للاشمئزاز ـ ولا مكان لها حتى في ميادين القتال. ويشمل ذلك الأسلحة المصمَّمة خصيصاً لإحداث العمى أو الإصابة بالسموم أو بأمراض معدية أو التسبُّب في موت محقَّق. إن الاعتقاد بأن بعض الأسلحة "غير مقبولة" أثمر اتفاقات دولية تحظر استخدام رصاصات دمدم (1899) والأسلحة الكيميائية (1899, 1925, 1993) والأسلحة البيولوجية (1925 و1972) ثم مؤخراً أسلحة اللازر المعمية (1995), وهي المرة الأولى التي يجري فيها حظر سلاح قبل استخدامه في ميدان القتال.
وتشجِّع اللجنة الدولية الدول على إقامة آليات وطنية, وفق ما تقضي به المادة 36 من البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف, للتحقق مما إذا كانت الأسلحة التي تنوي تطويرها أو اقتناءها أو استعمالها تمثل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني. ويجب أخذ عدة عوامل بعين الاعتبار عند القيام بأعمال التحقق هذه, بما في ذلك مسألة ما إذا كان السلاح يندرج داخل فئة الأسلحة التي تُسبِّب إصابات مفرطة أو آلاماً لا مبرر لها. وفي هذا الإطار تشجع اللجنة الدولية الدول أيضاً على النظر في آثار الأسلحة على الصحة ومقارنة تلك الآثار بالعوامل الأخرى مثل الضرورة العسكرية. ويتعين القيام بأعمال تَحقُّق بالغة الصرامة تشمل جوانب عدة بشأن الأسلحة التي تصيب بوسائل ـ أو تترتب عليها آثار ـ ليست مألوفة بعد.
توافر الأسلحة بلا قيود:
يعد التوافر غير المقيَّد للأسلحة الحربية الصغيرة داعياً آخر للقلق في الأوساط الإنسانية. وفي غالبية نزاعات العقد الأخير فإن الوفيات والإصابات الناجمة عن الأسلحة التقليدية الكبيرة مثل الصواريخ والدبابات والطائرات والسفن الحربية كانت أقل من تلك التي تسببت فيها الأسلحة الصغيرة والخفيفة. تصل هذه الأسلحة على نحو متزايد إلى أيدي الجيوش الخاصة والميليشيات والجماعات المتمردة والمنظمات الإجرامية وأطراف أخراً ليست دولاً. وبوسع أي إنسان, حتى الأطفال, تشغيل هذه الأسلحة, فهي خفيفة وسهلة الحمل, كما أن استعمالها يسير لا يحتاج إلى تدريب يذكر. وغالباً ما يتيسّر الحصول على بنادق الاقتحام سريعة الطلقات بسعر يقل بكثير عن تكلفة الإنتاج.
هناك أدلة دامغة تشير إلى الأثر بالغ الضرر للتوافر الواسع للأسلحة ذات الطابع العسكري على احترام القانون الدولي الإنساني وإمكانية توصيل المساعدات إلى ضحايا الحرب الذين يسعى ذلك القانون لحمايتهم. وقد أسهمت اللجنة الدولية بخبراتها في النقاش الدولي المتصاعد حول هذه المشكلة, حيث أبرزت ما يتكبده المدنيون من عناء بسبب التداول الحر للأسلحة والذخائر كما ناشدت الحكومات أن تأخذ بعين الاعتبار أثر ذلك على احتمالات احترام القانون الإنساني عند اتخاذ القرارات المتعلقة بنقل السلاح.