المحكمة الجنائية الدولية
القاضي الدكتور محمد الطراونة
المصدر: موقع بوابة فلسطين القانونية - [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
سوف أتطرق خلال هذا البحث الى (المحكمة الجنائية الدولية:الاختصاصات والأليات) وذلك من خلال المحاور التالية:-
أولا –التطور التاريخي للقضاء الجنائي الدولي وظروف نشأة المحكمة الجنائية الدولية:-
من المعلوم أن القانون الجنائي الدولي هو فرع حديث النشأة من فروع القانون ,ولد مع أحداث المحاكمات الدولية لكبار مجرمي الحرب العالمية الثانية , والتي صيغت في نظامي( نورمبرغ وطوكيو )عامي 1945و1946,هذه المحاكمات التي أسفرت عن توقيع عقوبات جنائية بحق من نسب إليهم خرق مبادئ واحكام القانون الدولي العام.
ومع ذلك لا يخلو تاريخ العلاقات الدولية من محاولات لعقاب الأفعال التي نتج عنها انتهاكات جسيمة للمواثيق الدولية,الأمر الذي يقتضي التطرق وبشكل موجز الى التطور التاريخي للقضاء الجنائي الدولي وظروف نشأة المحكمة الجنائية الدولية.
ونجد ان محاولات إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ,قد سارت جنبًا الي جنب مع محاولات تقنين الجرائم الدولية ,وذلك للارتباط الوثيق بين الموضوعين ,ونشير بهذا الصدد الي الجهود التي بذلت لمحاولة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية منذ نهاية الحرب العالمية الأولى وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية,وسوف نتطرق الي تلك المحاولات لنصل الي الظروف التي أدت الي إنشاء المحكمة الجنائية الدولية وذلك على النحو التالي:
1 – مرحلة الحرب العالمية الأولى:
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى حاول الحلفاء المنتصرون محاكمة الإمبراطور الألماني غليوم الثاني عن ارتكابه عددا من الجرائم ضد سلام وأمن البشرية ووضعوا لذلك المواد(227-230)من معاهدة فرساي لعام 1919 التى تحدثت عن مسؤولية الإمبراطور وكبار القادة الألمان عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التى ارتكبت ضد مواطني الدول الحليفة, وعلى ضؤ ذلك شكل الحلفاء (00لجنة المسؤوليات00) للبحث في المسؤولية عن شن الحرب والعقوبات التى يمكن ان تطبق على من تسببوا فيها,وقد انتهت اللجنة في تقريرها الي عدة نتائج منها ضرورة إنشاء محكمة دولية لمحاكمة مرتكبي بعض الجرائم.
وفى فبراير عام 1920 انشأ مجلس عصبة الأمم لجنة استشارية لوضع مشروع لمحكمة عدل دولية دائمة وفقا لنص المادة 14 من ميثاق عصبة الأمم ,وفى عام 1921 أعدت اللجنة مشروع محكمة عدل دولية لمحاكمة الجرائم المرتكبة ضد النظام العام الدولي وحقوق البشر.
وقررت الجمعية العامة لعصبة الأمم إحالة موضوع إنشاء المحكمة الي لجنة خاصة لدراسته وانتهت من دراستها الي انه لا يوجد قانون دولي جنائي تعترف به الأمم ويمكن للمحكمة ان تطبقه,ومن ثم أوصت اللجنة بان لا تتخذ الجمعية قرارًا بهذا الشان ,وانه عند الضرورة يمكن إنشاء غرفة خاصة في محكمة العدل الدولية.
2 – مرحلة الحرب العالمية الثانية:
أثناء الحرب العالمية الثانية تم البحث مجدداً بموضوع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية,وفى عام 1943 عقد مؤتمر دولي في لندن تقرر خلاله الدعوة الي إنشاء محكمة جنائية دولية ,وفى 1944 تم إقرار مشروع اتفاقية دولية يقضى بإنشاء تلك المحكمة على ان تطبق القانون الجنائي الدولي المستمد من:
-الاتفاقيات والمعاهدات
-الأعراف الدولية للحرب
-مبادئ القانون الدولي المقبولة من الشعوب المتمدنة وقوانين الإنسانية ومتطلبات الضمير العام
-مبادئي القانون الجنائي المعترف بها بصورة عامة من قبل الدول المتحضرة
-الأحكام القضائية كوسيلة مساعده لتحديد قواعد قانون الحرب
وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية شكلت محكمتي (نورمبرغ وطوكيو) وكان ذلك بداية التطبيق الفعلي لفكرة القضاء الجنائي الدولى.
وقد اهتمت الأمم المتحدة ايضاً بموضوع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية,كقضاء جنائي دولي محايد ,كما اهتمت بموضوع تقنين الجرائم ضد أمن وسلام الإنسانية,الامرالذى دفع الجمعية العامة الي إنشاء لجنة خاصة لغايات أعداد مشروع نظام لمحكمة جنائية دولية دائمه.
واستمرت جهود الأمم المتحدة بهذا الصدد,حيث أصدرت عام 1989 قراراً طلبت بموجبة من لجنة القانون الدولي ان تدرس موضوع إنشاء محكمة جنائية دولية دائمة,أو أي آلية قانونية أخرى ذات طبيعة دولية جنائية ,ويكون لها الاختصاص بمحاكمة الأشخاص الطبيعيين الذين قد يتهمون بارتكاب جرائم دولية.
محكمة يوغسلافيا
وقد عاد موضوع إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الي الساحة الدولية في السنوات الأخيرة ,حيث قرر مجلس الأمن عام 1993 إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة الأشخاص المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي التى ارتكبت في يوغسلافيا السابقة منذ عام 1991 لاسيما ممارسات التطهير العرقي والاغتصاب والإبادة الجماعية.
وبتاريخ 25 أيار من عام 1993 أكد مجلس الأمن قراره السابق وتقرر إنشاء محكمة جنائية دولية لمحاكمة الأشخاص الطبيعيين المشتبه بقيامهم بانتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني خلال الفترة التي تبدأ من أول يناير 1991 وتنتهي في التاريخ الذي سوف يحدده المجلس بعد إحلال السلام في المنطقة.
كما أنشأت الأمم المتحدة المحكمة الجنائية الدولية الخاصة في رواندا بموجب القرار رقم 955عام 1994 وتم تحديد اختصاصها بمحاكمة الأشخاص الذين يثبت قيامهم بأفعال الاباده وغيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني,على إقليم رواندا وكذلك محاكمة مواطني رواندا الذين يشتبه بقيامهم بهذه الانتهاكات على أقاليم الدول المجاورة خلال الفترة الواقعة بين(1)يناير ولغاية(31)ديسمبر لعام 1994
ألا انه يلاحظ أن الجهود السابقة أسفرت عن محاكم جنائية دولية مؤقتة ,فرضتها ظروف ومتغيرات سياسية حدثت في ذلك الوقت ,وهناك نوع من السيطرة والرقابة عليها من قبل مجلس الأمن ,الأمر الذي دفع العالم الي التفكير بآليات دوليه جديدة لا تخضع لهيمنة مجلس الأمن والدول الكبرى,وهذا ما سنتبينه من خلال التطرق الي الظروف التى أدت الي إنشاء المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.
3 –ظروف واسباب نشأة المحكمة الجنائية الدولية الدائمة:-
لاحظنا مما سبق أن جهود الأمم المتحدة من اجل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ,استمرت من عام1946 ولغاية 1989,إلا أنها كانت جهود مشتتة ومنفصلة ,لكنها استعادت حيويتها منذ عام 1990 عندما قامت لجنة من الخبراء بأعداد مشروع للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية,وتم تقديمه الي المؤتمر الثامن للأمم المتحدة ,ذلك المؤتمر الذى أدرك مدى الحاجة الي إنشاء تلك المحكمة وسانده في تلك الجهود لجنة القانون الدولي.
وقد ناقشت لجنة القانون الدولي طبيعة المحكمة الجنائية الدولية ومعايير الاختصاص ومبادئ الإجراءات ,وفى عام 1992 قدمت تلك اللجنة تقرير مبدئي حول المحكمة الجنائية الدولية,ثم تم تعديله عامى1993و1994,وذلك بهدف الرد على ملاحظات بعض الدول الكبرى
بناء على ما تقدم اعتبرت الجمعية العامة للأمم المتحدة المسألة ذات أولوية, وقام فريق العمل المكلف بوضع مشروع نظام أساسي للمحكمة الجنائية الدولية , وتم اعتماد المشروع من قبل لجنة القانون الدولي والتى قررت بدورها في 22/7/1994 رفع توصية للجمعية العامة بضرورة عقد مؤتمر دولي لدراسة مشروع النظام الأساسي,وفى عام 1996 قررت الجمعية العامة عقد المؤتمر عام98 في ايطاليا.
وفى السابع عشر من تموز/يوليو1998 اختتمت أعمال مؤتمر روما الدبلوماسي المعني بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية بالموافقة على تبني النظام الأساسي للمحكمة بأغلبية 120 صوتاً ومعارضة سبع دول ,في حين امتنعت إحدى وعشرون دولة عن التصويت0
وفي اليوم التالي افتتحت الاتفاقية للتوقيع حيث وقعت ستة وعشرون دولة في اليوم الأول وتوالت التوقيعات حتى بلغت يوم 31/12/2000 وهو اليوم الأخير لعملية التوقيع (139)دولة بينما بلغ عدد الدول التى صدقت على نظام روما (94) دولة حتى هذا التاريخ,بينها دولتان عربيتان هما الأردن وجيبوتي,وفى الأول من تموز عام 2002 اصبح النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية نافذ المفعول وذلك بعد ان صادقت عليه ستون دولة حسب نص المادة (126)من النظام الأساسي 0
الأ ان الوصول إلى تلك النتيجة لم يكن الا ثمرة لنضالات طويلة لمختلف القوى الحية في العالم ,من اجل الوصول الي صيغة نهائية أو حد ادني هو النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية0
ومن بين الجهات التي لعبت دوراً مهما وحاسماً,من اجل إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ,المنظمات غير الحكومية والتي يمكن تلخيص الدور الذي قامت به بمايلي:-
- مناقشة القضايا واقتراح الخيارات علي الوفود0
- تقديم الخبرة القانونية والفنية للوفود المشاركة0
- المساهمة في اجتماعات اللجان الخاصة والتحضيرية0
- التوعية الإعلامية بمشروع نظام المحكمة0
لنجد بالنتيجة ومن خلال سير المفاوضات الخاصة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية ,بأن ظهورها الي حيز الوجود كان ثمرة تعاون بين الجهدين الأهلي والرسمي ليجسد ذلك وفى النهاية الرغبة الأكيدة لدي أسرة المجتمع الدولي ,بإيجاد آلية دائمة هدفها تحقيق الحد الأدنى من العدالة الجنائية على صعيد المجتمع الدولي خصوصا في ظل ابشع الانتهاكات لحقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الانساني0
كما تمكنت الوفود المشاركة في المفاوضات من تحقيق بعض الإنجازات منها على سبيل المثال الحرص على استقلالية المحكمة من خلال تنظيم علاقتها مع مجلس الأمن ,وعدم المس بالسيادة الوطنية للدول وذلك من خلال التأكيد على علاقة التكامل والتعاون مع الأنظمة القضائية الوطنية,الأمر الذى شجع العديد من البلدان الانضمام الي عضوية المحكمة0
وبالمحصلة أجد ان إقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يشكل نقطة تحول مهمة من اجل تكريس سيادة القانون الدولي بشكل عام,وملاحقة منتهكي قواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني بشكل خاص0
المحور الثاني:اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية وخصائصها وطبيعتها:
قبل التطرق الي اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ,يجب إلقاء نظرة على ابرز ملامح النظام الأساسي لها والتي تتمثل بمايلي:-
اولاً – النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية هو معاهدة دولية:-
وفقاً لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية لعام 1969 فأن الاتفاق يعتبر معاهدة دولية اياً كانت تسميته ,ذلك ان التسمية لاتلعب دوراً هاماً بهذا الخصوص فقد يسمي اتفاقاً او معاهدة أو بروتوكولاً أو اعلاناً أو ميثاقاً أو عهداً أو صكاً أو نظاماً اساسياًاو تسوية مؤقتة أو تبادل للخطابات أو محضراًحرفياً تمت الموافقة عليه0
وبناء على ذلك يترتب على الطبيعة التعاهدية للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عدة أمور أهمها:-
1 – ان الدول ليست ملزمة بالارتباط به رغماً عنها0
2 –ان النظام الأساسي هو وليد مفاوضات جرت بشأنه الي ان اتخذ شكله ومضمونه الحالي0
3 –ان النظام الأساسي للمحكمة تسري عليه من حيث التطبيق كل القواعد التى تطبق على المعاهدات الدولية مثل التفسير والتطبيق المكاني والتطبيق الزماني والآثار القانونية0
ثانياً-النظام الأساسي لا يجوز وضع تحفظات عليه:-
التحفظ هو إعلان يصدر بإرادة منفردة من قبل دولة ما عند توقيعها على الاتفاقية الدولية ,أو عند إعلان قبول الالتزام بأحكامها سواء بالانضمام أو التصديق ,بحيث تستبعد تلك الدولة بمقتضاه أو تعدل الأثر القانوني لبعض نصوص المعاهدة0
الا ان هذا الأمر لا ينطبق على النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حسب نص المادة(120)من حيث عدم جواز وضع أي تحفظ عليه ,كون النظام يشكل كل لا يتجزأ,بمعني يجب أخذه كله أو طرحه كله0
ثالثاً-تسوية المنازعات الخاصة بالنظام الأساسي:-
من المعلوم ان أية معاهدة دولية يمكن ان تثير بعض المنازعات بين أطرافها,وقد تطرق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة(119)على عدة طرق لحل المنازعات الخاصة بالتطبيق أو التفسير على النحو التالي:-
1 –فيما يتعلق بالمنازعات المتعلقة بالوظائف القضائية للمحكمة,فتتولى هى بنفسها(اى المحكمة)حل تلك المنازعات بقرار يصدر عنها 0
2 –اما فيما يتعلق بالمنازعات المتعلقة بتفسير أو تطبيق النظام الأساسي التى تنشأ بين دولتين أو اكثر يتم حلها عن طريق :-
ا – المفاوضات بين الدول0
ب –عرض النزاع على جمعية الدول الاطراف0
رابعاً – طبيعة المحكمة الجنائية الدولية:-
المحكمة الجنائية الدولية هى مؤسسة دائمة أنشئت بموجب معاهدة دولية لغايات التحقيق ومحاكمة الأشخاص الذين يرتكبون اشد الجرائم خطوره0
اما عن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية فيقوم على مبدأ الاختصاص الجنائي الإقليمي وليس على أساس عالمية الاختصاص الجنائي ,بحيث يمكن إيجاز اختصاصها بمايلي:-
اولاً- الاختصاص الموضوعي:-
يشمل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية الموضوعي الجرائم التالية:
1 –جريمة إبادة الأجناس والتي تتمثل بارتكاب أفعال ضد مجموعة وطنية أو عرقية أو دينية عن طريق القتل أو إحداث أذى جسماني أو عقلي جسيم لأعضاء هذه المجموعة أو اتخاذ إجراءات تمنع تناسلها أو نقل أطفال المجموعة ألي مجموعة اخري0
2- الجرائم ضد الإنسانية وتشمل الجرائم التي ترتكب على نطاق واسع ضد السكان واعمال التعذيب والاغتصاب والاختفاء القسري والتمييز العنصري0
3- جرائم الحرب والتي تشمل الانتهاكات الجسيمة وفقاً للمادة (3)من اتفاقيات جنيف لعام 1949 والتى تم التصديق عليها من معظم بلدان العالم,وكذلك الانتهاكات الجسيمة الواردة في البرتوكولين الأول والثاني الملحقين باتفاقيات جنيف 0
لنجد ان الجرائم المشار أليها أعلاه والداخله في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية قد تم تشريعها بالفعل في القانون الجنائي الدولي فالمحكمة الجنائية الدولية لم تشرع جرائم جديدة لكنها تبنت ما سلف وجوده0
4-اما فيما يتعلق بجريمة العدوان فتمارس المحكمة الاختصاص بشأنها عند الاتفاق على تعريف تلك الجريمة وشروط ممارسة الاختصاص0
ويمتد اختصاص المحكمة الموضوعي ليشمل الجرائم التي ترتكب خلال النزاعات المسلحة ذات الطابع غير الدولي0
ثانياً-الاختصاص الزمني:-
تمارس المحكمة الجنائية الدولية اختصاصها الزمني بخصوص الجرائم التى يتم ارتكابها بعد دخول النظام الأساسي حيز النفاذ ,اى ان اختصاصها مستقبلي ولايسري على الجرائم التي ارتكبت قبل سريان المعاهدة0
وفيما يتعلق بالدول التي تنظم ألي المعاهدة فأن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية ينطبق فقط على الجرائم التى ترتكب بعد انضمام الدولة0
ويسري النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عندما يتم التصديق على الانضمام من قبل ستون دولة وذلك حسب نص المادة(126/1)من النظام الأساسي وهذا ماتم فعلاً بتاريخ 1/7/2002 حيث اكتمل في ذلك التاريخ التصديق على النظام الأساسي من قبل العدد اللازم لنفاذ ه0
اما فيما يتعلق بالدول التي تنظم بعد سريان المعاهدة فأن التاريخ الفعلي للسريان بالنسبة لتلك الدول هو اليوم الأول من الشهر الذي يلي 60 يوماً من إيداع تلك الدول وثيقة التصديق0
ويجوز للدولة عندما تصبح طرفاً في المعاهدة ان تختار تأجيل تطبيق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بجرائم الحرب لمدة سبع سنوات من بدء سريان النظام الأساسي ويمكن سحب الإعلان في اى وقت0
ثالثاً- الاختصاص الشخصي:-
تمارس المحكمة الجنائية الدولية اختصاصها فقط اتجاه الذين يرتكبون جرائم بعد دخول النظام الأساسي حيز النفاذ ,وبالتالي لايمكن محاكمة اى شخص عن جرائم ارتكبها قبل ذلك ,ويشترط ان يكون ذلك الشخص فوق الثامنة عشرة من العمر وبغض النظر عن صفته الرسمية0
رابعاً-ممارسة المحكمة لاختصاصها:-
تمارس المحكمة الجنائية الدولية اختصاصها في الأحوال التالية:-
1-بالإحالة الي المدعي العام من قبل دولة طرف في النظام الاساسي0
2-بالإحالة الي المدعي العام من قبل مجلس الأمن الدولي استناداً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحده0
3-إذا فتح المدعي العام تحقيقاً من تلقاء نفسه بخصوص أية جريمة تدخل ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية0
وعندما ينعقد الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية على النحو السالف ذكره فأنها تطبق القواعد القانونية التالية:-
أ-النظام الأساسي للمحكمة وعناصر الجريمة وهي عبارة عن العناصر الخاصة بكل جريمة والتي سيتم الموافقة عليها بأغلبية ثلثي الأعضاء الأطراف ,وكذلك تطبق المحكمة قواعد الإجراءات والإثبات الخاصة بها0
ب- المعاهدات واجبة التطبيق ومبادئ القانون الدولي بما في ذلك المبادئ المستقرة لقانون النزاعات المسلحة0
ج-المبادئ العامة التى تستقيها المحكمة من القوانين الوطنية للنظم القانونية في العالم0
د-ويمكن للمحكمة تطبيق المبادئ والقواعد التى أخذت بها في قراراتها السابقة (السوابق القضائية)0
وبذلك نجد ان تلك القواعد هي بمثابة القانون الواجب تطبيقه أمام المحكمة الجنائية,وهذا ما تطرقت اليه المادة العاشرة من النظام الأساسي للمحكمةوالتى تتفق مع المصادر الأربعة للقانون الدولي المذكورة بالماده(38)من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية0
المحور الثالث:آليات المحكمة الجنائية الدولية:-
عند البحث في الآليات التى تنظم عمل المحكمة الجنائية الدولية,يتوجب التطرق الي المبادئ التى تحكم عملها والأجهزة اللازمة لهذه الغاية وأسلوب عمل المحكمة وذلك على النحو التالي:-
اولاً:المبادئ القانونية التى تحكم عمل المحكمة الجنائية الدولية:-
هناك العديد من المبادىء القانونية المستقرة والتى يتوجب على المحكمة الجنائية الدولية ان تراعيها وتحكم آلية عملها ومن أهمها:-
1 –مبدأ التعاون الدولي:-
على الدول ان تتعاون مع المحكمة بطريقة كاملة بخصوص التحقيقات التى تجريها والمعاقبة على الجرائم التى تدخل في اختصاصها ,وعلى الدول ان تستجيب لأي طلبات خاصة بالقبض على شخص ما أو تسليمه0
2-مراعاة المحاكمة الواجبة والعادله:-
على المحكمة مراعاة المبادئ العامة التالية:-
أ-عدم جواز المعاقبة عن ذات الفعل مرتين0
ب-مبدأ الشرعية أو مبدأ لا جريمة ولا عقوبة ألا بنص0
ج-مبدأ عدم الرجعية الشخصية والموضوعية0
د-توافر شروط المسؤولية الجنائية0
ه-مراعاة قرينة البراءة0
3-مراعاة عدم تقادم بعض الجرائم الدولية:-
الهدف من عدم سريان التقادم بخصوص بعض الجرائم الدولية كجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية هو منع إفلات مرتكبي تلك الجرائم من العقاب0
4-مبدأ المسوؤلية الفردية لمرتكبي الجرائم الدولية:-
يحكم المسوؤلية الفردية لمرتكبي الجرائم الدولية القواعد التالية:-
أ-ان الصفة الرسمية للشخص لا تعفيه من العقاب ولاتعد سببا لتخفيف العقوبة0
ب-ان ارتكاب أحد الأشخاص للفعل لا يعفي رئيسه من المسوؤليةالجنائية اذا علم أو كانت لديه أسباب معقولة ان ذلك الشخص يستعد لارتكابه أو ارتكبه دون ان يتخذ الرئيس الإجراءات الضرورية لمنع ذلك الفعل أو لمعاقبة مرتكبه0
ج-ان ارتكاب الشخص للفعل تنفيذاً لامر الحكومة أو قائدة الأعلى لايعفية من المسوؤلية الجنائية, وان كان يمكن اعتبار ذلك من الأسباب المخففة اذا رأت المحكمة ان العدالة تحتم ذلك مع وجوب مراعاة أحوال الإعفاء من المسوؤلية0
د-اعتبار الشخص مسوؤلاً جنائياً اذا:-
-ارتكب الجريمة بمفردة أو بالاشتراك مع آخرين0
-أمر بها أو شجع على ارتكابها0
-ساهم أو ساعد في ارتكابها0
5-مبدأ المسوؤلية للدولة عن الجرائم الدولية:-
وهذا ما أكده النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة(25) بأن المسوؤلية الجنائية للأفراد لا تؤثر على مسوؤلية الدول وفقاً للقانون الدولي0
ثانياً-آليات عمل المحكمة الجنائية الدولية وتنظيمها:-
لقد حددت المادة(24)من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الأجهزة المكونة للمحكمة واليات عملها وتنظيمها والتي تتمثل بمايلي:
1-الجهاز القضائي:-
يتكون الجهاز القضائي للمحكمة من:-
أ-قضاة المحكمة:-
تتألف المحكمة من (18)قاضياً ويجب ان تتوفر فيهم كافة المؤهلات من حيث النزاهة والكفاءة والإلمام بقواعد القانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان والقانون الجنائي الدولي,ويعمل القضاة على أساس التفرغ لمدة تسع سنوات ويتم انتخابهم بطريقة الاقتراع السري على يراعي فى ذلك تمثيل النظم الرئيسية في العالم والتوزيع الجغرافي العادل والتمثيل العادل للذكور والاناث0
وبعد انتخاب القضاة الثمانية عشر يتم انتخاب ثلثهم لمدة ثلاث سنوات,وفي القرعة الثانية لمدة ست سنوات وفي القرعة الثالثة لمدة تسع سنوات,وبعد انتخابهم يتم أداء القسم القانوني ويتم انتخاب هيئة رئاسة المحكمة وتشكيل الشعب0
ب-هئية الرئاسة:-
تتشكل هئية الرئاسة من الرئيس ونائبين بحيث يقوم النائب الاول بدلا عن الرئيس في حال غيابه كما يقوم النائب الثاني بأعمال الرئيس كذلك في حال غيابه وغياب النائب الاول0
وبموجب النظام الأساسي يتم انتخاب الرئيس ونائبيه بالأغلبية المطلقة للقضاه الذين تتألف منهم المحكمة ويتم انتخابهم لمرة واحده فقط ويعملون على أساس التفرغ 0
ج-الدوائر التمهيدية والابتدائية والاستئنافية:-
تتألف الدوائر التمهيدية من عدد من القضاة لايقل عن ست من ذوي الخبرة في المحاكمات الجنائية ,وتمارس هذه الدائرة إصدار الأوامر والقرارات حيث تأذن للمدعي العام بأجراء التحقيقات إذا رأت ان هناك أساسا معقولا للشروع في أجراء التحقيق وان الدعوى تقع ضمن اختصاص المحكمة كما لها كذلك ان تأذن له بالشروع بالتحقيق ريثما تتخذ قرارا بذلك ,كما تأذن للمدعى العام ان يقوم بالتحقيق في إقليم الدولة في حال عدم تعاون تلك الدولة ,وتصدر أوامر القبض والحضور بعد الشروع بالتحقيق بناء على طلب المدعى العام0
كما ان لها دور بخصوص اعتماد التهم الموجهة للمتهم أو رفض اعتمادها في حال عدم كفايتها أو تطلب من المدعى العام أجراء المزيد من التحقيقات0
اما الدائرة الابتدائية فهي الدائرة المسوؤلة عن سير الإجراءات اللاحقة لاعتماد التهم من فبل الدائرة التمهيدية وتشكل من قبل هئية الرئاسة وتتالف من عدد من القضاه لايقل عن ستة قضاه ,وتبدا الإجراءات أمامها بتلاوة لائحة الاتهام التى اعتمدتها الدائرة التمهيدية 0
اما الدائرة الأستئنافية فتتشكل من الرئيس واربعة فضاه آخرين ولهذه الدائرة جميع سلطات الدائرة الابتدائية ولها ان تراقب كافة الإجراءات المتخذة من قبل من حبث موافقتها للقانون ويصدر حكمها مسببا وبأغلبية الآراء كما تتولى إعادة النظر في الحكم النهائي0
2-جهاز المدعي العام:-
يتالف من المدعي العام ونوابه وعدد من الإداريين ,ويتم انتخاب المدعي العام على أساس الاقتراع السري وبالأغلبية المطلقة لجمعية الدول الأطراف كما ينتخب نوابه بنفس الطريقة ويتولي المدعي العام مهامه لمدة تسع سنوات مالم يتقرر تعينهم لمدة اقصر ولا يجوز إعادة انتخابهم ويجب ان تتوافر فيه المؤهلات المطلوبة ويباشر التحقيق على أساس المعلومات المتعلقة بالجرائم الداخلة ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية,ويطلب الأذن بالتحقيق من الدائرة التمهيدية اذا توفرت الأدلة والبينات الضرورية للشروع في التحقيق ,وللمدعى العام الحق بالطعن في الأحكام الصادرة عن الدائرة التمهيدية0
3-الجهاز الاداري:-
يشمل الجهاز الإداري قلم المحكمة والموظفين الإداريين,يرأس القلم المسجل الذي يتم انتخابه من قبل القضاه بشكل سري وبالأغلبية المطلقة ويشغل منصبه لمدة خمس سنوات ,وللمسجل تعيين العدد الكافي من الموظفين
وفى ختام هذا المحور بقى ان نشير الي بعض الأمور الخاصة بالمحكمة والتى تتمثل بمايلى:
*مقر المحكمة:يقع مقرها الحالي في مدينة لاهاى بهولندا ويجوز لها ان تعقد جلساتها في مكان آخر عندما ترى ذلك مناسبا0
*اللغات الرسمية ولغات العمل:هي اللغات المعترف بها من قبل الأمم المتحدة اما لغات العمل فهي الإنجليزية والفرنسية0
*ميزانية المحكمة:تغطى من الاشتراكات المفروضة على الدول الأطراف والدعم المالي المقدم من الأمم المتحدة والتبرعات المقدمة من الحكومات والمنظمات الدولية والأفراد والشركات 0
*الحصانات والامتيازات:تتمتع المحكمة وقضاتها بالحصانات والامتيازات التى تمنح لرؤساء الهيئات الدبلوماسية0
وبعد ان استعرضنا آليات عمل المحكمة وتنظيمها, فأنه يتوجب علي المحكمة ان تراعي في عملها كافة معايير وضمانات المحاكمة العادلة وان تضمن للأشخاص المحكوم عليهم حق الطعن بالأحكام الصادرة بحقهم0
المحور الرابع:الإشكاليات التى يثيرها النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية:
وان كان إقرار النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يشكل نقطة تحول مهمة عبر مسيرة المجتمع الدولي ,الا اننا نجد ان أمام المحكمة تحديات كبيرة تفرضها قاعدة الصراع الأزلي بين ( قوة القانون)و(قانون القوة),تلك القاعدة التى تجلت بوضوح في أعقاب أحداث 11 سبتمبر ,ودعوات بعض الدول الكبرى السرية والعلنية على الدول المصادقة على النظام الأساسي من اجل إبرام اتفاقيات ثنائية من اجل إفراغ النظام الأساسي من مضمونه0
كما ان الدعوات الحالية والتى تتمحور حول تعديل ميثاق الأمم المتحدة تشكل تحدى إضافي أمام المحكمة الجنائية الدولية,بسبب بعض الطروحات مثل ما يسمي (بالحرب الاستباقية)وعدم الوصول الي تعريف محدد لجريمة العدوان,ومعايير الازدواجية والانتقائية في التطبيق0
وللخروج من تلك الإشكاليات يجب وضع الأمور التالية في إطارها الصحيح:-
1-لابد من إيضاح العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن بشكل محدد ولا يثير اللبس0
2-بجب الحرص على استقلالية المحكمة وحيادها وابقائها بعيدة عن سيطرة الدول الكبرى0
3-يجب ترسيخ مفهوم التكاملية مع الأنظمة القضائية الوطنية حتى لايكون ذلك ذريعة للدول تحتج بموجبها بمبدأ السيادة الوطنية0
4-ان تلعب مؤسسات المجتمع المدني دور اكثر فعالية من اجل دعم المحكمة من خلال تفعيل التحالفات(الدوليةوالاقليميةوالمحلية) الداعمة للمحكمة0
5-يجب خلق نوع من التوعية والتثقيف لدى القضاه والمحامين ونشطاء حقوق الإنسان حول النظام الأساسي للمحكمة 0
6-وختاماً نكرر ما قاله المدعي العام السابق لمحكمة(نورمبرغ) بانه (لابمكن ان يكون هناك سلام بدون عدل ,ولاعدل بدون قانون,ولاقانون جدي دون محكمة لكي تقرر ما هو عدل وماهو مشروع تحت كل الظروف0)
القاضي الدكتور محمد الطراونة
رئيس محكمة الاستئناف الأردني
المحكمة الجنائية الدولية ،، بقلم القاضي الدكتور محمد الطراونة