مسؤولية القادة والرؤساء امام المحكمة الجنائية الدولية
رسالة تقدم بها
خالد محمد خالد
إلــى
مجلس كلية القانون في الاكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك
وهـي جـزء من متطلبات نيل شهادة الماجستير
فــي
القـانون الدولي الجنائي
باشراف
الاستـاذ الدكتـور
مازن ليلو راضي
1429 هـ 2008 م
بــسم الله الرحــمن الرحيـم
)وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ
أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا
فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ &
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ
أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ & (
صدق الله العظيم
سورة الانعام
ايات (81-82)
اقرار المشرف
اشهد بان اعداد هذه الرسالة جرى تحت اشرافي في كلية
القانون / الاكاديميه العربيه المفتوحة في الدانمارك وهي جزء من متطلبات الحصول على شهادة الماجستير في القانون الدولي الجنائي .
التوقيع :
المشرف : أ.د. مازن ليلو راضي
التاريخ : / / 2008
إقــرار لجنـة المناقشــة
نشهد باننا اعضاء لجنة مناقشة طالب الماجستير خالد محمد خالد عن رسالته الموسومة بـ (مسؤلية الرؤساء والقادة امام المحكمة الدولية الجنائية ) قد اطلعنا على الرسالة وناقشنا الطالب في محتوياتها وفيما له علاقة بها بتاريخ / / 20
المحتويات
الموضوع
مقدمة
الفصل التمهيدي: التطور التاريخي للسلطة والمسؤوليه
المبحث الاول: السلطة والمسؤوليه في المجتمع العراقي القديم
المبحث الثاني: السلطة والمسؤوليه في الفكر المسيحي
المبحث الثالث :السلطة والمسؤوليه في الشريعة الاسلامية
الفصل الاول: اساس طاعة الرؤساء ومشروعيته على المستوى الوطني
المبحث الاول: اشخاص الطاعة الرئاسية ومشروعيتها
المطلب الاول: اشخاص الطاعة الرئاسية
المطلب الثاني : مشروعية طاعة الرؤساء
المبحث الثاني: حصانة الرؤساء من المسؤولية
المطلب الاول: الحصانة المقررة بموجب التشريع الداخلي
المطلب الثاني: الحصانة التي يقررها القانون الدولي والاتفاقيات الدولية
المبحث الثالث: المسؤولية الناتجة عن تنفيذ اوامر الرؤساء
المطلب الاول: التشريع الفرنسي
المطلب الثاني: التشريع الجنائي المصري
المطلب الثالث: التشريع العراقي
الفصل الثاني: مسؤولية القادة أو الرؤساء في القانون الدولي الجنائي
المبحث الاول: المسؤولية الجنائية الدولية للفرد
المطلب الاول: السوابق التاريخية في تقرير المسؤولية الجنائية الدولية للفرد
المطلب الثاني: تبعات تقرير المسؤولية الجنائية الدولية للافراد
المبحث الثاني :تقرير مسؤولية القادة أو الرؤساء
المبحث الثالث :حصانة الرؤساء من المسؤولية رقم الصفحة
الموضوع رقم الصفحة
المطلب الاول: تقرير مبدأ عدم الاعتداء بالحصانة
المطلب الثاني: عدم الاعتداد بالحصانة امام المحكمة الجنائية الدولية
الفصل الثالث: المسؤولية عن تنفيذ امر الرئيس الاعلى
المبحث الاول :تقرير المسؤولية عن تنفيذ اوامر الرؤساء
المبحث الثاني: امر الرئيس الاعلى في النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية
المطلب الاول: تنفيذ الأمر مانعاً للمسؤولية
المطلب الثاني: الجرائم الدولية وعدم مشروعية الامر بارتكابها
المبحث الثالث : مسؤولية القادة والرؤساء عن اعمال مرؤوسهم
الخاتمه
المصادر
مقدمة
لا يمكن لاي مجتمع انساني متحظر ان يقف مكتوف الايد امام ما يتعرض له الانسان اليوم من انتهاك لحقوقه وحرياته، ولا يمكن للمجتمع الدولي ان يتغاضى عن الجرائم التي تشكل تهديداً للامن والسلم الدوليين لخطورة هذه الجرائم وما ترتبه من اضرار جسيمة واحتمال افلات مرتكبيها بسبب الحصانة التي يتمتع بها اغلبهم امام القضاء الجنائي الداخلي.
وقد حضيت الجرائم الدولية بصفتها احد اكثر الجرائم خطورة وتأثيراً على المجتمعات البشرية باهتمام فقهي وعالمي خاصة عقب المآسي التي تعرضت لها الانسانية عقب الحرب العالمية الثانية، سواء تلك التي كانت ترتكب في النزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية مما دعى الى البحث في تقرير مسؤولية الافراد عن الجرائم التي ترتكب وتشكل اعتداءً على الأسس التي تقوم عليها الجماعة الدولية، فلم تعد المسؤولية الناشئة عن الجرائم الدولية تنحصر في علاقة الدول وحدها، وانما اصبحت مسؤولية الفرد الجنائية على الصعيد الدولي سمة العصر الحديث وكان لابد منها وعدم ترك الجناة بلا عقاب.
وقد ساهمت محاكمات نورمبرغ وطوكيو بتركيز الاهتمام على مسؤولية الافراد في القانون الدولي وازداد هذا الاهتمام عقب النزاع المسلح في البوسنة والهرسك، وانتشار الفضاعات والمآسي التي ارتكابها الصرب ضد المدنيين العزل من المسلمين.
ازاء ذلك كان لابد للأمم المتحدة ان تتكفل بوضع الاسس القانونية لمسائلة ومعاقبة منفذي هذه الجرائم فظهر القضاء الدولي الجنائي على مستوى الأمم المتحدة لعقاب اولائك المجرمين، وبالفعل تم انشاء محكمة جنائية دولية خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب في البوسنة والهرسك واتخذت لاهاي مقراً لها. بموجب القرار 808 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 22/2/1993.
وقد مارست هذه المحكمة مهمتها في محاكمة القادة من المجرمين في يوغسلافيا السابقة عن مخالفتهم لقواعد القانون الدولي الإنساني كالقتل الجماعي والطرد والاغتصاب والاحتجاز والاعتداء والتطهير العرقي.
وبموجب قرار مجلس الأمن رقم 955 في 8/11/1994 تم انشاء محكمة دولية أخرى. هي محكمة رواندا لمحاكمة الاشخاص المسؤولين عن جرائم إبادة الجنس وغيرها من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني التي تم ارتكابها بين أول من كانون الثاني الى الحادي والثلاثين من كانون الأول عام 1994.
وقد شعرت الدول بضرورة وجود نظام قضائي دولي دائم يتولى مهمة النظر في الجرائم الدولية الخطيرة ومعاقبة مرتكبيها ،فكانت للجهود الدولية السابقه اثرها في هذا الصدد.
وقد تكلل مسعى الأمم المتحدة في موجهة انتهاكات القانون الدولي في تأسيس المحكمة الدولية الجنائية وتبني النظام الأساسي للمحكمة في 17/7/1998 ومنحها الاختصاص في محاكمة مرتكبي الجرائم الخطيرة التي تهم المجتمع الدولي ومقرها في لاهاي. وقد كان انشاءهذه المحكمة خطوة كبيرة نحو إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب.
ويمكن القول بأن هذه المحاكم قد اعتمدت في تقرير قواعد المسؤولية في محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية على قواعد القانون الدولي، دون النظر في قواعد المسؤولية المقررة في القانون الجنائي الداخلي.
وفي هذه الرسالة اخترنا مسؤولية القادة والرؤساء عن الجرائم الدولية موضوعاً للبحث حيث سنبحث في الآثار القانونية للأوامر الصادرة من القادة والرؤساء والتي من الممكن ان ترتب عليها انتهاكات للقانون الدولي أو جرائم الحرب.
وفي هذا السبيل سنبحث في التطور التاريخي للسلطة الرئاسية وما تمثله في المجتمعات القديمة في العراق والديانة المسيحية والشريعة الاسلامية.
ثم سنبحث في طاعة الرؤساء وهل تمثل أوامر الرؤساء سبباً لاعفاء مرتكب الجريمة على المستوى الوطني او الداخلي كما سنتطرق بشيئ من التفصيل الى اثر هذه الاوامر وطاعتها عندما تشكل جريمة دولية ومدى امكان اعتبار تنفيذ اوامر الرؤساء مانعاً من موانع المسؤولية.
كما سنتناول مسؤولية الرؤساء أو القادة باعتبارهم فاعلين اصليين اذا كانوا قد اصدروا امراً بارتكاب احدى الجرائم الدولية او قصروا في واجب اشرافهم او متابعتهم مرؤسيهم ، وهنا لابد من التطرق الى الحصانة من المسائلة والممنوحة لهم وفقاً للتشريعات الوطنية أو الداخلية والتطبيقات العملية لذلك وموقف النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية من كل ذلك.
وعلى ذلك قسمنا الدراسة الى ثلاثة فصول قدمنا لها بفصل تمهيدي وكما يلي:
الفصل التمهيدي: التطور التاريخي للسلطة والمسؤولية
الفصل الاول:اساس طاعة الرؤساء ومشروعيتة على المستوى الوطني
الفصل الثاني:مسؤولية القادة والرؤساء في القانون الدولي الجنائي
الفصل الثالث: المسؤولية عن تنفيذ امر الرئيس الاعلى
الفصل التمهيدي
التطور التاريخي للسلطة والمسؤوليه
ارتبط نشوء الدوله ارتباطاً وثيقاً بالسلطة، كما دلت الشرائع والعقول على ضرورة وجود افراد يصدرون الاوامر ويفرضون اوامرهم بالقوه والاكراه احياناً، وبالترغيب ورضا الافراد الاخرين احياناً اخرى.
ونتيجة ذلك ظهرت طبقتين اجتماعيتين، طبقة الحكام الذين يملكون سلطة الامر والنهي، وطبقة المحكومين التي يقع على عاتقها تنفيذ هذه الاوامر والامتناع عن النواهي.
وقد ظهرت العديد من النظريات التي حاولت تفسير نشأة وتطور السلطة، كما اختلف الباحثون في كيفية نشأة السلطة في المجتمع، على اعتبارها ظاهرة اجتماعية لا يمكن تصورها خارج نطاق المجتمع، وبحكم اساسها الاجتماعي هذا اتخذت السلطة أشكالاً مختلفة وتطورت بتطور المجتمع، فانتقلت السلطة من كونها سلطة جماعية الى سلطة فردية، ثم اصبحت تدريجياً سلطة مؤسسه. ( )
فقد كان الشعور الجماعي هو الذي يحمل افراد الجماعة على الخضوع فيدفعهم الى القيام بنفس الاعمال لتأمين الحماية للجماعة وتوفير احتياجاتها، واستمر الحال ذلك حتى نشأت السلطة الفردية كضرورة ناريخيه املتها ضرورة التنظيم القانوني والعسكري للجماعة في مواجهه اعدائها في النظام العشائري والقبلي فأعلن على رأس كل قبيله قائد او رئيس يخضع لسلطته الجميع ويمتثلون لاوامره.
وفي تاريخ لاحق تجمعت عدة عشائر وجماعات للتصدي لعدو مشترك فأمتدت سلطة القائد الى اكثر من جماعة فتكونت دوليلات المدن والملكيات المطلقة المستنده الى الحق الالهي والتي تطورت تدريجياً الى الملكيات المقيدة، ومن ثم الى الانظمة القائمة على مبدأ السياده الشعبيه و الديمقراطيات الحديثة التي انفصلت فيها السلطة عن شخص الرئيس أو القائد فلم تعد السلطة امتيازاً للرئيس وانما وظيفة يمارسها بصفته ممثلاً عن الامة.
ومن الجدير بالذكر ان السلطة كثيراً ما تؤدي الى الاستبداد والتعسف والى اهدار حقوق الافراد وحرياتهم، خاصة اذا ماتركزت في يد واحده أو هيئة واحدة.
وهذا ما حفلت به كتب التاريخ فغالباً ما كان الملوك يحرصون كل الحرص على ان تكون ارادتهم هي المرجع النهائي في كل ما يتعلق بامور أو شئون الدولة. ( )
وتقضي هذه الدراسة ان نبحث في التطور التاريخي للسلطة والافكار السياسية والقانونية للمجمعات المختلفة وفيما يلي نبحث ثلاثاً من التجارب الفكرية لثلاثة مجتمعات.
المبحث الاول
السلطة والمسؤوليه في المجتمع العراقي القديم
كان الملك في العراق القديم يعتبر بمثابة نائب الالهه وعصيانه يعد خروجاً عليها.( ) وعلى ذلك كانت اطاعة السلطة تمثل اساساً دينياً يصعب تجاوزه، وورع الانسان وخشيته من العواقب تستلزم امتثالة الدائم لاوامر حكامه.
فقد كان الشعب العراقي القديم يستشعر الحاجة الى الطاعة يقدر ما يستشعر الحاجة الى السلطة، وكان الفرد آنذاك ينظر نظرة استغراب الى الشعب الذي يفتقر للعاهل الذي يمثل السلطة السياسية او الذي لا يدين له في حالة وجوده بالطاعه. ( )
فالطاعة للسلطة كانت تمثل للعراقي القديم جزءاً من التكريم الذي يسر الالهه التي اختارت الملك وجعلته نائباً عنها، فالملك يعتبر مشرعاً وقاضياً باسم الاله، قد اوصى اليه بالقانون وطلب منه نقله الى الناس ونشره، ولاشك بعد هذا كله ان يتمتع هذا الملك بولاء الشعب وطاعته. ( )
وبالاضافة الى الاساس الديني لاحترام السلطة الساسية كان للطبيعة الاجتماعية للانسان العراقي اثرها في طاعة الشعب للملك ومن خلاله طاعته الآلهه ، فقد امتدت هذه الطاعة من الالتزام بأبسط الواجبات والاوامر الصادره عن ممثلي السلطة لتصل حد الركوع امامهم، فقد كان يتم الركوع امام الألهه والعاهل، وكذلك امام الشخصيات البارزة في المجتمع. ( )
مسؤولية الحكام في العراق القديم
لابد من القول ان الانسان العراقي القديم كان تواقاً الى الحرية والعدالة ويظهر ذلك جلياً من المقدمات التي كانت تظهر في مسلات عضاء الملوك العراقيين، فهم يفخرون دائماً بانهم منحو شعوبهم العدل والحرية.
وهنا لابد من التساؤل حول ما اذا لم تقم السلطة أو الحكام بما تأمله الرعية من حماية وخير وتمادت في تعسفها وجورها، اتلتزم الرعية بالامتثال الى أوامرها؟ ام تكون في حل من ذلك وتخرج عليها ؟
ذهب جانب من الفقهاء الى ان العراقي القديم كان خاضعاً خضوعاً تاماً للسلطة وملزما باطاعتها ولم يكن بمقدوره ان يتمرد عليها، مستندين على ما يبدو الى ما وصل من آثار تتعلق بالصراع بين الألهه. وخروج بعضها على طاعة الكبار منهم، ويقصرون الثورة والتمرد في النطاق الالهي دون البشري.( )
لكن من الفقهاء من يجد ان الملاحم البابلية لا تعدو ان تكون انعكاساً لما هو سائد في المجتمع العراقي القديم من صراعات وثورات، ففي ملحمة الطوفان الشهيرة تخرج الآلهه (( عشتار )) على طاعتها لكبير الآلهه (( انليل )) عندما وجدت انه قد احدث الطوفان دون مسوغ معقول ومنعته من ان يكون له سهم في القربان المقدم للألهه وخاطبته بقولها (( انت العاقل بين الألهه، كيف لم تفكر وصنعت الطوفان )). ( )
ان هذه الملحمة كما تعبر عن الصراع بين السلطة الظالمة وبين الرعية المغلوبة على امرها، فعشتار ترمز الى البشر الذين يرفضون جبروت الملك الذي يرمز له الاله (( انليل )) والذي احدث الطوفان دون مسوغ وتسبب بهلاك البشرية، ومثل هذا الملك تكون البشرية في حل من طاعته. ( )
كما تبدو هذه هذه الصورة اكثر وضوحاً في ملحمة اخرى من الملاحم البابلية تتعلق بالالهه ((الايكيكي )) التي ثارت على كبير الألهه لانه قسم الاعمال واسند اعمار الارض اليها بما يحمله هذا العمل من مشقه وارهاق، وبعد اربعين سنة من العمل ليلاً ونهاراً تعلن العصيان على الالهه فتحيط بقصر الاله (( إنليل )) معلنه الحرب عليه.. وفي النهاية تخضع الالهه الكبار لمطالب الهه الثائرة، فتخلق الانسان ليحمل العناء بدلاً منها. ( )
يتبين من ذلك ان اطاعة السلطة في العراق القديم مشروطه بعدالتها وما هذه الصور الملحمية الا انعكاساً للواقع السائد في تلك الفترة، فما ورد في الملحمة الاخيرة الاصوره لحدث اجتماعي عاشته مختلف المجتمعات القديمة والحديثة الا وهو ثورة الفلاحين على اصحاب الاراضي من الملاك.
هذا فيما يتعلق بمسؤولية الحكام امام شعوبهم. اما ما يتعلق بمسائلة القادة أو الحكام بيد حكام الدول المنتصرة فقد دلنا التاريخ على بعض صور تلك المحاكمات في العراق القديم. ومنها المحاكمة التي اجراها. بختنصر ملك بابل ضد سيديزياس ملك يودا المهزوم. ( )
رسالة تقدم بها
خالد محمد خالد
إلــى
مجلس كلية القانون في الاكاديمية العربية المفتوحة في الدانمارك
وهـي جـزء من متطلبات نيل شهادة الماجستير
فــي
القـانون الدولي الجنائي
باشراف
الاستـاذ الدكتـور
مازن ليلو راضي
1429 هـ 2008 م
بــسم الله الرحــمن الرحيـم
)وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ
أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا
فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأمْنِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ &
الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ
أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ & (
صدق الله العظيم
سورة الانعام
ايات (81-82)
اقرار المشرف
اشهد بان اعداد هذه الرسالة جرى تحت اشرافي في كلية
القانون / الاكاديميه العربيه المفتوحة في الدانمارك وهي جزء من متطلبات الحصول على شهادة الماجستير في القانون الدولي الجنائي .
التوقيع :
المشرف : أ.د. مازن ليلو راضي
التاريخ : / / 2008
إقــرار لجنـة المناقشــة
نشهد باننا اعضاء لجنة مناقشة طالب الماجستير خالد محمد خالد عن رسالته الموسومة بـ (مسؤلية الرؤساء والقادة امام المحكمة الدولية الجنائية ) قد اطلعنا على الرسالة وناقشنا الطالب في محتوياتها وفيما له علاقة بها بتاريخ / / 20
المحتويات
الموضوع
مقدمة
الفصل التمهيدي: التطور التاريخي للسلطة والمسؤوليه
المبحث الاول: السلطة والمسؤوليه في المجتمع العراقي القديم
المبحث الثاني: السلطة والمسؤوليه في الفكر المسيحي
المبحث الثالث :السلطة والمسؤوليه في الشريعة الاسلامية
الفصل الاول: اساس طاعة الرؤساء ومشروعيته على المستوى الوطني
المبحث الاول: اشخاص الطاعة الرئاسية ومشروعيتها
المطلب الاول: اشخاص الطاعة الرئاسية
المطلب الثاني : مشروعية طاعة الرؤساء
المبحث الثاني: حصانة الرؤساء من المسؤولية
المطلب الاول: الحصانة المقررة بموجب التشريع الداخلي
المطلب الثاني: الحصانة التي يقررها القانون الدولي والاتفاقيات الدولية
المبحث الثالث: المسؤولية الناتجة عن تنفيذ اوامر الرؤساء
المطلب الاول: التشريع الفرنسي
المطلب الثاني: التشريع الجنائي المصري
المطلب الثالث: التشريع العراقي
الفصل الثاني: مسؤولية القادة أو الرؤساء في القانون الدولي الجنائي
المبحث الاول: المسؤولية الجنائية الدولية للفرد
المطلب الاول: السوابق التاريخية في تقرير المسؤولية الجنائية الدولية للفرد
المطلب الثاني: تبعات تقرير المسؤولية الجنائية الدولية للافراد
المبحث الثاني :تقرير مسؤولية القادة أو الرؤساء
المبحث الثالث :حصانة الرؤساء من المسؤولية رقم الصفحة
الموضوع رقم الصفحة
المطلب الاول: تقرير مبدأ عدم الاعتداء بالحصانة
المطلب الثاني: عدم الاعتداد بالحصانة امام المحكمة الجنائية الدولية
الفصل الثالث: المسؤولية عن تنفيذ امر الرئيس الاعلى
المبحث الاول :تقرير المسؤولية عن تنفيذ اوامر الرؤساء
المبحث الثاني: امر الرئيس الاعلى في النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية
المطلب الاول: تنفيذ الأمر مانعاً للمسؤولية
المطلب الثاني: الجرائم الدولية وعدم مشروعية الامر بارتكابها
المبحث الثالث : مسؤولية القادة والرؤساء عن اعمال مرؤوسهم
الخاتمه
المصادر
مقدمة
لا يمكن لاي مجتمع انساني متحظر ان يقف مكتوف الايد امام ما يتعرض له الانسان اليوم من انتهاك لحقوقه وحرياته، ولا يمكن للمجتمع الدولي ان يتغاضى عن الجرائم التي تشكل تهديداً للامن والسلم الدوليين لخطورة هذه الجرائم وما ترتبه من اضرار جسيمة واحتمال افلات مرتكبيها بسبب الحصانة التي يتمتع بها اغلبهم امام القضاء الجنائي الداخلي.
وقد حضيت الجرائم الدولية بصفتها احد اكثر الجرائم خطورة وتأثيراً على المجتمعات البشرية باهتمام فقهي وعالمي خاصة عقب المآسي التي تعرضت لها الانسانية عقب الحرب العالمية الثانية، سواء تلك التي كانت ترتكب في النزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية مما دعى الى البحث في تقرير مسؤولية الافراد عن الجرائم التي ترتكب وتشكل اعتداءً على الأسس التي تقوم عليها الجماعة الدولية، فلم تعد المسؤولية الناشئة عن الجرائم الدولية تنحصر في علاقة الدول وحدها، وانما اصبحت مسؤولية الفرد الجنائية على الصعيد الدولي سمة العصر الحديث وكان لابد منها وعدم ترك الجناة بلا عقاب.
وقد ساهمت محاكمات نورمبرغ وطوكيو بتركيز الاهتمام على مسؤولية الافراد في القانون الدولي وازداد هذا الاهتمام عقب النزاع المسلح في البوسنة والهرسك، وانتشار الفضاعات والمآسي التي ارتكابها الصرب ضد المدنيين العزل من المسلمين.
ازاء ذلك كان لابد للأمم المتحدة ان تتكفل بوضع الاسس القانونية لمسائلة ومعاقبة منفذي هذه الجرائم فظهر القضاء الدولي الجنائي على مستوى الأمم المتحدة لعقاب اولائك المجرمين، وبالفعل تم انشاء محكمة جنائية دولية خاصة لمحاكمة مجرمي الحرب في البوسنة والهرسك واتخذت لاهاي مقراً لها. بموجب القرار 808 الصادر عن مجلس الأمن بتاريخ 22/2/1993.
وقد مارست هذه المحكمة مهمتها في محاكمة القادة من المجرمين في يوغسلافيا السابقة عن مخالفتهم لقواعد القانون الدولي الإنساني كالقتل الجماعي والطرد والاغتصاب والاحتجاز والاعتداء والتطهير العرقي.
وبموجب قرار مجلس الأمن رقم 955 في 8/11/1994 تم انشاء محكمة دولية أخرى. هي محكمة رواندا لمحاكمة الاشخاص المسؤولين عن جرائم إبادة الجنس وغيرها من الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني التي تم ارتكابها بين أول من كانون الثاني الى الحادي والثلاثين من كانون الأول عام 1994.
وقد شعرت الدول بضرورة وجود نظام قضائي دولي دائم يتولى مهمة النظر في الجرائم الدولية الخطيرة ومعاقبة مرتكبيها ،فكانت للجهود الدولية السابقه اثرها في هذا الصدد.
وقد تكلل مسعى الأمم المتحدة في موجهة انتهاكات القانون الدولي في تأسيس المحكمة الدولية الجنائية وتبني النظام الأساسي للمحكمة في 17/7/1998 ومنحها الاختصاص في محاكمة مرتكبي الجرائم الخطيرة التي تهم المجتمع الدولي ومقرها في لاهاي. وقد كان انشاءهذه المحكمة خطوة كبيرة نحو إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب.
ويمكن القول بأن هذه المحاكم قد اعتمدت في تقرير قواعد المسؤولية في محاكمة مرتكبي الجرائم الدولية على قواعد القانون الدولي، دون النظر في قواعد المسؤولية المقررة في القانون الجنائي الداخلي.
وفي هذه الرسالة اخترنا مسؤولية القادة والرؤساء عن الجرائم الدولية موضوعاً للبحث حيث سنبحث في الآثار القانونية للأوامر الصادرة من القادة والرؤساء والتي من الممكن ان ترتب عليها انتهاكات للقانون الدولي أو جرائم الحرب.
وفي هذا السبيل سنبحث في التطور التاريخي للسلطة الرئاسية وما تمثله في المجتمعات القديمة في العراق والديانة المسيحية والشريعة الاسلامية.
ثم سنبحث في طاعة الرؤساء وهل تمثل أوامر الرؤساء سبباً لاعفاء مرتكب الجريمة على المستوى الوطني او الداخلي كما سنتطرق بشيئ من التفصيل الى اثر هذه الاوامر وطاعتها عندما تشكل جريمة دولية ومدى امكان اعتبار تنفيذ اوامر الرؤساء مانعاً من موانع المسؤولية.
كما سنتناول مسؤولية الرؤساء أو القادة باعتبارهم فاعلين اصليين اذا كانوا قد اصدروا امراً بارتكاب احدى الجرائم الدولية او قصروا في واجب اشرافهم او متابعتهم مرؤسيهم ، وهنا لابد من التطرق الى الحصانة من المسائلة والممنوحة لهم وفقاً للتشريعات الوطنية أو الداخلية والتطبيقات العملية لذلك وموقف النظام الاساسي للمحكمة الدولية الجنائية من كل ذلك.
وعلى ذلك قسمنا الدراسة الى ثلاثة فصول قدمنا لها بفصل تمهيدي وكما يلي:
الفصل التمهيدي: التطور التاريخي للسلطة والمسؤولية
الفصل الاول:اساس طاعة الرؤساء ومشروعيتة على المستوى الوطني
الفصل الثاني:مسؤولية القادة والرؤساء في القانون الدولي الجنائي
الفصل الثالث: المسؤولية عن تنفيذ امر الرئيس الاعلى
الفصل التمهيدي
التطور التاريخي للسلطة والمسؤوليه
ارتبط نشوء الدوله ارتباطاً وثيقاً بالسلطة، كما دلت الشرائع والعقول على ضرورة وجود افراد يصدرون الاوامر ويفرضون اوامرهم بالقوه والاكراه احياناً، وبالترغيب ورضا الافراد الاخرين احياناً اخرى.
ونتيجة ذلك ظهرت طبقتين اجتماعيتين، طبقة الحكام الذين يملكون سلطة الامر والنهي، وطبقة المحكومين التي يقع على عاتقها تنفيذ هذه الاوامر والامتناع عن النواهي.
وقد ظهرت العديد من النظريات التي حاولت تفسير نشأة وتطور السلطة، كما اختلف الباحثون في كيفية نشأة السلطة في المجتمع، على اعتبارها ظاهرة اجتماعية لا يمكن تصورها خارج نطاق المجتمع، وبحكم اساسها الاجتماعي هذا اتخذت السلطة أشكالاً مختلفة وتطورت بتطور المجتمع، فانتقلت السلطة من كونها سلطة جماعية الى سلطة فردية، ثم اصبحت تدريجياً سلطة مؤسسه. ( )
فقد كان الشعور الجماعي هو الذي يحمل افراد الجماعة على الخضوع فيدفعهم الى القيام بنفس الاعمال لتأمين الحماية للجماعة وتوفير احتياجاتها، واستمر الحال ذلك حتى نشأت السلطة الفردية كضرورة ناريخيه املتها ضرورة التنظيم القانوني والعسكري للجماعة في مواجهه اعدائها في النظام العشائري والقبلي فأعلن على رأس كل قبيله قائد او رئيس يخضع لسلطته الجميع ويمتثلون لاوامره.
وفي تاريخ لاحق تجمعت عدة عشائر وجماعات للتصدي لعدو مشترك فأمتدت سلطة القائد الى اكثر من جماعة فتكونت دوليلات المدن والملكيات المطلقة المستنده الى الحق الالهي والتي تطورت تدريجياً الى الملكيات المقيدة، ومن ثم الى الانظمة القائمة على مبدأ السياده الشعبيه و الديمقراطيات الحديثة التي انفصلت فيها السلطة عن شخص الرئيس أو القائد فلم تعد السلطة امتيازاً للرئيس وانما وظيفة يمارسها بصفته ممثلاً عن الامة.
ومن الجدير بالذكر ان السلطة كثيراً ما تؤدي الى الاستبداد والتعسف والى اهدار حقوق الافراد وحرياتهم، خاصة اذا ماتركزت في يد واحده أو هيئة واحدة.
وهذا ما حفلت به كتب التاريخ فغالباً ما كان الملوك يحرصون كل الحرص على ان تكون ارادتهم هي المرجع النهائي في كل ما يتعلق بامور أو شئون الدولة. ( )
وتقضي هذه الدراسة ان نبحث في التطور التاريخي للسلطة والافكار السياسية والقانونية للمجمعات المختلفة وفيما يلي نبحث ثلاثاً من التجارب الفكرية لثلاثة مجتمعات.
المبحث الاول
السلطة والمسؤوليه في المجتمع العراقي القديم
كان الملك في العراق القديم يعتبر بمثابة نائب الالهه وعصيانه يعد خروجاً عليها.( ) وعلى ذلك كانت اطاعة السلطة تمثل اساساً دينياً يصعب تجاوزه، وورع الانسان وخشيته من العواقب تستلزم امتثالة الدائم لاوامر حكامه.
فقد كان الشعب العراقي القديم يستشعر الحاجة الى الطاعة يقدر ما يستشعر الحاجة الى السلطة، وكان الفرد آنذاك ينظر نظرة استغراب الى الشعب الذي يفتقر للعاهل الذي يمثل السلطة السياسية او الذي لا يدين له في حالة وجوده بالطاعه. ( )
فالطاعة للسلطة كانت تمثل للعراقي القديم جزءاً من التكريم الذي يسر الالهه التي اختارت الملك وجعلته نائباً عنها، فالملك يعتبر مشرعاً وقاضياً باسم الاله، قد اوصى اليه بالقانون وطلب منه نقله الى الناس ونشره، ولاشك بعد هذا كله ان يتمتع هذا الملك بولاء الشعب وطاعته. ( )
وبالاضافة الى الاساس الديني لاحترام السلطة الساسية كان للطبيعة الاجتماعية للانسان العراقي اثرها في طاعة الشعب للملك ومن خلاله طاعته الآلهه ، فقد امتدت هذه الطاعة من الالتزام بأبسط الواجبات والاوامر الصادره عن ممثلي السلطة لتصل حد الركوع امامهم، فقد كان يتم الركوع امام الألهه والعاهل، وكذلك امام الشخصيات البارزة في المجتمع. ( )
مسؤولية الحكام في العراق القديم
لابد من القول ان الانسان العراقي القديم كان تواقاً الى الحرية والعدالة ويظهر ذلك جلياً من المقدمات التي كانت تظهر في مسلات عضاء الملوك العراقيين، فهم يفخرون دائماً بانهم منحو شعوبهم العدل والحرية.
وهنا لابد من التساؤل حول ما اذا لم تقم السلطة أو الحكام بما تأمله الرعية من حماية وخير وتمادت في تعسفها وجورها، اتلتزم الرعية بالامتثال الى أوامرها؟ ام تكون في حل من ذلك وتخرج عليها ؟
ذهب جانب من الفقهاء الى ان العراقي القديم كان خاضعاً خضوعاً تاماً للسلطة وملزما باطاعتها ولم يكن بمقدوره ان يتمرد عليها، مستندين على ما يبدو الى ما وصل من آثار تتعلق بالصراع بين الألهه. وخروج بعضها على طاعة الكبار منهم، ويقصرون الثورة والتمرد في النطاق الالهي دون البشري.( )
لكن من الفقهاء من يجد ان الملاحم البابلية لا تعدو ان تكون انعكاساً لما هو سائد في المجتمع العراقي القديم من صراعات وثورات، ففي ملحمة الطوفان الشهيرة تخرج الآلهه (( عشتار )) على طاعتها لكبير الآلهه (( انليل )) عندما وجدت انه قد احدث الطوفان دون مسوغ معقول ومنعته من ان يكون له سهم في القربان المقدم للألهه وخاطبته بقولها (( انت العاقل بين الألهه، كيف لم تفكر وصنعت الطوفان )). ( )
ان هذه الملحمة كما تعبر عن الصراع بين السلطة الظالمة وبين الرعية المغلوبة على امرها، فعشتار ترمز الى البشر الذين يرفضون جبروت الملك الذي يرمز له الاله (( انليل )) والذي احدث الطوفان دون مسوغ وتسبب بهلاك البشرية، ومثل هذا الملك تكون البشرية في حل من طاعته. ( )
كما تبدو هذه هذه الصورة اكثر وضوحاً في ملحمة اخرى من الملاحم البابلية تتعلق بالالهه ((الايكيكي )) التي ثارت على كبير الألهه لانه قسم الاعمال واسند اعمار الارض اليها بما يحمله هذا العمل من مشقه وارهاق، وبعد اربعين سنة من العمل ليلاً ونهاراً تعلن العصيان على الالهه فتحيط بقصر الاله (( إنليل )) معلنه الحرب عليه.. وفي النهاية تخضع الالهه الكبار لمطالب الهه الثائرة، فتخلق الانسان ليحمل العناء بدلاً منها. ( )
يتبين من ذلك ان اطاعة السلطة في العراق القديم مشروطه بعدالتها وما هذه الصور الملحمية الا انعكاساً للواقع السائد في تلك الفترة، فما ورد في الملحمة الاخيرة الاصوره لحدث اجتماعي عاشته مختلف المجتمعات القديمة والحديثة الا وهو ثورة الفلاحين على اصحاب الاراضي من الملاك.
هذا فيما يتعلق بمسؤولية الحكام امام شعوبهم. اما ما يتعلق بمسائلة القادة أو الحكام بيد حكام الدول المنتصرة فقد دلنا التاريخ على بعض صور تلك المحاكمات في العراق القديم. ومنها المحاكمة التي اجراها. بختنصر ملك بابل ضد سيديزياس ملك يودا المهزوم. ( )