منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات فرسان المعرفة

أهلا وسهلا زائرنا الكريم ومرحبا بك في منتديات فرسان المعرفة منتديات التميز والابداع ونتمنى أن تكون زيارتك الأولى مفتاحا للعودة إليه مرة أخرى والانضمام إلى أسرة المنتدى وأن تستفيد إن كنت باحثا وتفيد غيرك إن كنت محترفا

منتديات فرسان المعرفة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات الشمول والتنوع والتميز والإبداع

قال تعالى ( يا أيها الذين أمنوا اذكروا الله كثيراً وسبحوه بكرة وأصيلا)أ
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال(من قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة , أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفرالله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر)
عن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يدعو بهذا الدعاء "اللهم! اغفر لي خطيئتي وجهلي. وإسرافي في أمري. وما أنت أعلم به مني. اللهم! اغفر لي جدي وهزلي. وخطئي وعمدي. وكل ذلك عندي. اللهم! اغفر لي ما قدمت وما أخرت. وما أسررت وما أعلنت. وما أنت أعلم به مني. أنت المقدم وأنت المؤخر. وأنت على كل شيء قدير". رواه مسلم في صحيحه برقم (2719)
عن عقبة بن عامر رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة)رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحة
عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اللهم! أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري. وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي. وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي. واجعل الحياة زيادة لي في كل خير. واجعل الموت راحة لي من كل شر". رواه مسلم في صحيحه برقم (2720)
عن أبي الأحوص، عن عبدالله رضى الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يقول "اللهم! إني أسألك الهدى والتقى، والعفاف والغنى". رواه مسلم في صحيحه برقم(2721)
عن زيد بن أرقم رضى الله عنه. قال: لا أقول لكم إلا كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان يقول "اللهم! إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر. اللهم! آت نفسي تقواها. وزكها أنت خير من زكاها. أنت وليها ومولاها. اللهم! إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها". رواه مسلم في صحيحه برقم(2722)
عن عبدالله رضى الله عنه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده لا شريك له". قال: أراه قال فيهن "له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. رب! أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها. وأعوذ بك من شر ما في هذه الليلة وشر ما بعدها. رب! أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر. رب! أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر". وإذا أصبح قال ذلك أيضا "أصبحنا وأصبح الملك لله". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن عبدالرحمن بن يزيد، عن عبدالله رضى الله عنه . قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال "أمسينا وأمسى الملك لله. والحمد لله. لا إله إلا الله وحده. لا شريك له. اللهم! إني أسألك من خير هذه الليلة وخير ما فيها. وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها. اللهم! إني أعوذ بك من الكسل والهرم وسوء الكبر. وفتنة الدنيا وعذاب القبر". رواه مسلم في صحيحه برقم(2723)
عن أبي موسى رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت) رواه البخاري.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمساجد إذا خرج منه حتى يعود إليه, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله , ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه) متفق عليه
عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ) روه الشيخان والترمذي.
عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(الطهور شطر الإيمان والحمدلله تملأ الميزان وسبحان الله والحمدلله تملأ أو تملآن ما بين السماء والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه أو موبقها) رواه مسلم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم(من قال سبحان الله وبحمده في يومه مائة مرة حُطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر)رواه البخاري ومسلم.
عن أبي سعيد رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( استكثروا من الباقيات الصالحات ) قيل وما هن يارسول الله؟ قال ( التكبير والتهليل والتسبيح والحمدلله ولا حول ولاقوة إلابالله ) رواه النسائي والحاكم وقال صحيح الاسناد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أحب الكلام إلى الله أربع- لا يضرك بأيهن بدأت: سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر ). رواه مسلم

    كتاب الأحكام السلطانية للماوردي - الْبَابُ الْأَوَّلُ : فِي عَقْدِ الْإِمَامَةِ .

    alsaidilawyer
    alsaidilawyer
    مدير المنتدى
    مدير المنتدى


    الجنس : ذكر
    الابراج : الدلو
    عدد المساهمات : 4030
    نقاط : 81096
    السٌّمعَة : 2684
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    العمر : 53
    الموقع : الجمهورية اليمنية - محافظة إب

    كتاب الأحكام السلطانية للماوردي - الْبَابُ الْأَوَّلُ : فِي عَقْدِ الْإِمَامَةِ . Empty كتاب الأحكام السلطانية للماوردي - الْبَابُ الْأَوَّلُ : فِي عَقْدِ الْإِمَامَةِ .

    مُساهمة من طرف alsaidilawyer السبت 20 سبتمبر 2014 - 13:05

    كتاب الأحكام السلطانية 
    للماوردي


    الْبَابُ الْأَوَّلُ : فِي عَقْدِ الْإِمَامَةِ .


    الْإِمَامَةُ مَوْضُوعَةٌ لِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فِي حِرَاسَةِ الدِّينِ وَسِيَاسَةِ الدُّنْيَا , وَعَقْدُهَا لِمَنْ يَقُومُ بِهَا فِي الْأُمَّةِ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ شَذَّ عَنْهُمْ الْأَصَمُّ , وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهَا هَلْ وَجَبَتْ بِالْعَقْلِ أَوْ بِالشَّرْعِ ؟ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ وَجَبَتْ بِالْعَقْلِ لِمَا فِي طِبَاعِ الْعُقَلَاءِ مِنْ التَّسْلِيمِ لِزَعِيمٍ يَمْنَعُهُمْ مِنْ التَّظَالُمِ وَيَفْصِلُ بَيْنَهُمْ فِي التَّنَازُعِ وَالتَّخَاصُمِ , وَلَوْلَا الْوُلَاةُ لَكَانُوا فَوْضَى مُهْمَلِينَ , وَهَمَجًا مُضَاعِينَ , وَقَدْ قَالَ الْأَفْوَهُ الْأَوْدِيُّ وَهُوَ شَاعِرٌ جَاهِلِيٌّ ( مِنْ الْبَسِيطِ ) :
    لَا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوْضَى لَا سَرَاةَ لَهُمْ وَلَا سَرَاةٌ إذَا جُهَّالُهُمْ سَادُوا
    وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى : بَلْ وَجَبَتْ بِالشَّرْعِ دُونَ الْعَقْلِ , لِأَنَّ الْإِمَامَ يَقُومُ بِأُمُورٍ شَرْعِيَّةٍ قَدْ كَانَ مُجَوَّزًا فِي الْعَقْلِ أَنْ لَا يَرِدَ التَّعَبُّدُ بِهَا , فَلَمْ يَكُنْ الْعَقْلُ مُوجِبًا لَهَا , وَإِنَّمَا أَوْجَبَ الْعَقْلُ أَنْ يَمْنَعَ كُلُّ وَاحِدٍ نَفْسَهُ مِنْ الْعُقَلَاءِ عَنْ التَّظَالُمِ وَالتَّقَاطُعِ , وَيَأْخُذَ بِمُقْتَضَى الْعَدْلِ فِي التَّنَاصُفِ وَالتَّوَاصُلِ , فَيَتَدَبَّرُ بِعَقْلِهِ لَا بِعَقْلِ غَيْرِهِ , وَلَكِنْ جَاءَ الشَّرْعُ بِتَفْوِيضِ الْأُمُورِ إلَى وَلِيِّهِ فِي الدِّينِ , قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } . فَفَرَضَ عَلَيْنَا طَاعَةَ أُولِي الْأَمْرِ فِينَا وَهُمْ الْأَئِمَّةُ الْمُتَأَمِّرُونَ عَلَيْنَا . وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :  { سَيَلِيكُمْ بَعْدِي وُلَاةٌ فَيَلِيكُمْ الْبَرُّ بِبِرِّهِ , وَيَلِيكُمْ الْفَاجِرُ بِفُجُورِهِ , فَاسْمَعُوا لَهُمْ وَأَطِيعُوا فِي كُلِّ مَا وَافَقَ الْحَقَّ , فَإِنْ أَحْسَنُوا فَلَكُمْ وَلَهُمْ , وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ } .
    ( فَصْلٌ ) فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْإِمَامَةِ فَفَرْضُهَا عَلَى الْكِفَايَةِ كَالْجِهَادِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ , فَإِذَا قَامَ بِهَا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا سَقَطَ فَرْضُهَا عَلَى الْكِفَايَةِ , وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا أَحَدٌ خَرَجَ مِنْ النَّاسِ فَرِيقَانِ : أَحَدُهُمَا أَهْلُ الِاخْتِيَارِ حَتَّى يَخْتَارُوا إمَامًا لِلْأُمَّةِ . وَالثَّانِي أَهْلُ الْإِمَامَةِ حَتَّى يَنْتَصِبَ أَحَدُهُمْ لِلْإِمَامَةِ , وَلَيْسَ عَلَى مَنْ عَدَا هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ الْأُمَّةِ فِي تَأْخِيرِ الْإِمَامَةِ حَرَجٌ وَلَا مَأْثَمٌ , وَإِذَا تَمَيَّزَ هَذَانِ الْفَرِيقَانِ مِنْ الْأُمَّةِ فِي فَرْضِ الْإِمَامَةِ وَجَبَ أَنْ يُعْتَبَرَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ . فَأَمَّا أَهْلُ الِاخْتِيَارِ فَالشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيهِمْ ثَلَاثَةٌ : أَحَدُهَا الْعَدَالَةُ الْجَامِعَةُ لِشُرُوطِهَا . وَالثَّانِي : الْعِلْمُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِمَامَةَ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهَا . وَالثَّالِثُ : الرَّأْيُ وَالْحِكْمَةُ الْمُؤَدِّيَانِ إلَى اخْتِيَارِ مَنْ هُوَ لِلْإِمَامَةِ أَصْلَحُ وَبِتَدْبِيرِ الْمَصَالِحِ أَقْوَمُ وَأَعْرَفُ , وَلَيْسَ لِمَنْ كَانَ فِي بَلَدِ الْإِمَامِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ فَضْلُ مَزِيَّةٍ تَقَدَّمَ بِهَا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا صَارَ مَنْ يَحْضُرُ بِبَلَدِ الْإِمَامِ مُتَوَلِّيًا لِعَقْدِ الْإِمَامَةِ عُرْفًا لَا شَرْعًا ; لِسُبُوقِ عِلْمِهِمْ بِمَوْتِهِ وَلِأَنَّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ فِي الْأَغْلَبِ مَوْجُودُونَ فِي بَلَدِهِ .
    وَأَمَّا أَهْلُ الْإِمَامَةِ فَالشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِيهِمْ سَبْعَةٌ :
    أَحَدُهَا : الْعَدَالَةُ عَلَى شُرُوطِهَا الْجَامِعَةِ .
    وَالثَّانِي : الْعِلْمُ الْمُؤَدِّي إلَى الِاجْتِهَادِ فِي النَّوَازِلِ وَالْأَحْكَامِ .
    وَالثَّالِثُ سَلَامَةُ الْحَوَاسِّ مِنْ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَاللِّسَانِ لِيَصِحَّ مَعَهَا مُبَاشَرَةُ مَا يُدْرَكُ بِهَا .
    وَالرَّابِعُ : سَلَامَةُ الْأَعْضَاءِ مِنْ نَقْصٍ يَمْنَعُ عَنْ اسْتِيفَاءِ الْحَرَكَةِ وَسُرْعَةِ النُّهُوضِ . وَالْخَامِسُ : الرَّأْيُ الْمُفْضِي إلَى سِيَاسَةِ الرَّعِيَّةِ وَتَدْبِيرِ الْمَصَالِحِ .
    وَالسَّادِسُ : الشَّجَاعَةُ وَالنَّجْدَةُ الْمُؤَدِّيَةُ إلَى حِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَجِهَادِ الْعَدُوِّ .
    وَالسَّابِعُ : النَّسَبُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ وَانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ , وَلَا اعْتِبَارَ بِضِرَارٍ حِينَ شَذَّ فَجَوَّزَهَا فِي جَمِيعِ النَّاسِ , لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقِ  رضي الله عنه احْتَجَّ يَوْمَ السَّقِيفَةِ عَلَى الْأَنْصَارِ فِي دَفْعِهِمْ عَنْ الْخِلَافَةِ لَمَّا بَايَعُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ عَلَيْهَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم { الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ } فَأَقْلَعُوا عَنْ التَّفَرُّدِ بِهَا وَرَجَعُوا عَنْ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا حِينَ قَالُوا مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ تَسْلِيمًا لِرِوَايَتِهِ وَتَصْدِيقًا لِخَبَرِهِ وَرَضُوا بِقَوْلِهِ : نَحْنُ الْأُمَرَاءُ وَأَنْتُمْ الْوُزَرَاءُ , وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : { قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا } . وَلَيْسَ مَعَ هَذَا النَّصِّ الْمُسَلَّمِ شُبْهَةٌ لِمُنَازِعٍ فِيهِ وَلَا قَوْلٌ لِمُخَالِفٍ لَهُ .
    وَالْإِمَامَةُ تَنْعَقِدُ مِنْ وَجْهَيْنِ :
    أَحَدُهُمَا بِاخْتِيَارِ أَهْلِ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ .
    وَالثَّانِي بِعَهْدِ الْإِمَامِ مِنْ قَبْلُ :
    فَأَمَّا انْعِقَادُهَا بِاخْتِيَارِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ , فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي عَدَدِ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ الْإِمَامَةُ مِنْهُمْ عَلَى مَذَاهِبَ شَتَّى ; فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِجُمْهُورِ أَهْلِ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ مِنْ كُلِّ بَلَدٍ لِيَكُونَ الرِّضَاءُ بِهِ عَامًّا وَالتَّسْلِيمُ لِإِمَامَتِهِ إجْمَاعًا , وَهَذَا مَذْهَبٌ مَدْفُوعٌ بِبَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه عَلَى الْخِلَافَةِ بِاخْتِيَارِ مَنْ حَضَرَهَا وَلَمْ يَنْتَظِرْ بِبَيْعَتِهِ قُدُومَ غَائِبٍ عَنْهَا . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى : أَقَلُّ مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ مِنْهُمْ الْإِمَامَةُ خَمْسَةٌ يَجْتَمِعُونَ عَلَى عَقْدِهَا أَوْ يَعْقِدُهَا أَحَدُهُمْ بِرِضَا الْأَرْبَعَةِ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه انْعَقَدَتْ بِخَمْسَةٍ اجْتَمَعُوا عَلَيْهَا ثُمَّ تَابَعَهُمْ النَّاسُ فِيهَا , وَهُمْ : عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَبِشْرُ بْنُ سَعْدٍ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ رضي الله عنهم وَالثَّانِي عُمَرُ رضي الله عنه جَعَلَ الشُّورَى فِي سِتَّةٍ لِيُعْقَدَ لِأَحَدِهِمْ بِرِضَا الْخَمْسَةِ , وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ . وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الْكُوفَةِ : تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ يَتَوَلَّاهَا أَحَدُهُمْ بِرِضَا الِاثْنَيْنِ لِيَكُونُوا حَاكِمًا وَشَاهِدَيْنِ كَمَا يَصِحُّ عَقْدُ النِّكَاحِ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى : تَنْعَقِدُ بِوَاحِدٍ , لِأَنَّ الْعَبَّاسَ قَالَ لِعَلِيٍّ رضوان الله عليهما اُمْدُدْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ فَيَقُولُ النَّاسُ : عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَايَعَ ابْنَ عَمِّهِ فَلَا يَخْتَلِفُ عَلَيْكَ اثْنَانِ , وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ وَحُكْمُ وَاحِدٍ نَافِذٌ .
    فَإِذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ الْعَقْدِ وَالْحَلِّ لِلِاخْتِيَارِ تَصَفَّحُوا أَحْوَالَ أَهْلِ الْإِمَامَةِ  الْمَوْجُودَةِ فِيهِمْ شُرُوطُهَا فَقَدَّمُوا لِلْبَيْعَةِ مِنْهُمْ أَكْثَرَهُمْ فَضْلًا وَأَكْمَلَهُمْ شُرُوطًا وَمَنْ يُسْرِعُ النَّاسُ إلَى طَاعَتِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُونَ عَنْ بَيْعَتِهِ , فَإِذَا تَعَيَّنَ لَهُمْ مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ مَنْ أَدَّاهُمْ الِاجْتِهَادُ إلَى اخْتِيَارِهِ عَرَضُوهَا عَلَيْهِ , فَإِنْ أَجَابَ إلَيْهَا بَايَعُوهُ عَلَيْهَا وَانْعَقَدَتْ بِبَيْعَتِهِمْ لَهُ الْإِمَامَةُ فَلَزِمَ كَافَّةَ الْأُمَّةِ الدُّخُولُ فِي بَيْعَتِهِ وَالِانْقِيَادُ لِطَاعَتِهِ , وَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِمَامَةِ وَلَمْ يُجِبْ إلَيْهَا لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا عَقْدُ مُرَاضَاةٍ وَاخْتِيَارٍ لَا يَدْخُلُهُ إكْرَاهٌ وَلَا إجْبَارٌ , وَعُدِلَ عَنْهُ إلَى مَنْ سِوَاهُ مِنْ مُسْتَحِقِّيهَا . فَلَوْ تَكَافَأَ فِي شُرُوطِ الْإِمَامَةِ اثْنَانِ قُدِّمَ لَهَا اخْتِيَارًا أَسَنُّهُمَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ زِيَادَةُ السِّنِّ مَعَ كَمَالِ الْبُلُوغِ شَرْطًا , فَإِنْ بُويِعَ أَصْغَرُهُمَا سِنًّا جَازَ ; وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَعْلَمَ وَالْآخَرُ أَشْجَعَ رُوعِيَ فِي الِاخْتِيَارِ مَا يُوجِبُهُ حُكْمُ الْوَقْتِ , فَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى فَضْلِ الشَّجَاعَةِ أَدْعَى لِانْتِشَارِ الثُّغُورِ وَظُهُورِ الْبُغَاةِ كَانَ الْأَشْجَعُ أَحَقَّ , وَإِنْ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى فَضْلِ الْعِلْمِ أَدْعَى لِسُكُونِ الدَّهْمَاءِ وَظُهُورِ أَهْلِ الْبِدَعِ كَانَ الْأَعْلَمُ أَحَقَّ , فَإِنْ وَقَفَ الِاخْتِيَارُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ اثْنَيْنِ فَتَنَازَعَاهَا فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إنَّ التَّنَازُعَ فِيهَا لَا يَكُونُ قَدْحًا مَانِعًا . وَلَيْسَ طَلَبُ الْإِمَامَةِ مَكْرُوهًا , فَقَدْ تَنَازَعَ فِيهَا أَهْلُ الشُّورَى فَمَا رُدَّ عَنْهَا طَالِبٌ وَلَا مُنِعَ مِنْهَا رَاغِبٌ , وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يُقْطَعُ بِهِ تَنَازُعُهُمَا مَعَ تَكَافُؤِ أَحْوَالِهِمَا , فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَيُقَدَّمُ مَنْ قَرَعَ مِنْهُمَا . وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ يَكُونُ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ بِالْخِيَارِ فِي بَيْعَةِ أَيِّهِمَا شَاءُوا مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ , فَلَوْ تَعَيَّنَ لِأَهْلِ الِاخْتِيَارِ وَاحِدٌ هُوَ أَفْضَلُ الْجَمَاعَةِ فَبَايَعُوهُ عَلَى الْإِمَامَةِ وَحَدَثَ بَعْدَهُ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ انْعَقَدَتْ بِبَيْعَتِهِمْ إمَامَةُ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ ; وَلَوْ ابْتَدَءُوا بَيْعَةَ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ نُظِرَ , فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِعُذْرٍ دَعَا إلَيْهِ مِنْ كَوْنِ الْأَفْضَلِ غَائِبًا أَوْ مَرِيضًا أَوْ كَوْنِ الْمَفْضُولِ أَطْوَعَ فِي النَّاسِ وَأَقْرَبَ فِي الْقُلُوبِ انْعَقَدَتْ بَيْعَةُ الْمَفْضُولِ وَصَحَّتْ إمَامَتُهُ . وَإِنْ بُويِعَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي انْعِقَادِ بَيْعَتِهِ وَصَحَّتْ إمَامَتُهُ ; فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ الْجَاحِظُ إلَى أَنَّ بَيْعَتَهُ لَا تَنْعَقِدُ ; لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ إذَا دَعَا إلَى أَوْلَى الْأَمْرَيْنِ لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِأَوْلَى كَالِاجْتِهَادِ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ . وَقَالَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْفُقَهَاءِ  وَالْمُتَكَلِّمِينَ تَجُوزُ إمَامَتُهُ وَصَحَّتْ بَيْعَتُهُ , وَلَا يَكُونُ وُجُودُ الْأَفْضَلِ مَانِعًا مِنْ إمَامَةِ الْمَفْضُولِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُقَصِّرًا عَنْ شُرُوطِ الْإِمَامَةِ , كَمَا يَجُوزُ فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ تَقْلِيدُ الْمَفْضُولِ مَعَ وُجُودِ الْأَفْضَلِ , لِأَنَّ زِيَادَةَ الْفَضْلِ مُبَالَغَةٌ فِي الِاخْتِيَارِ وَلَيْسَتْ مُعْتَبَرَةً فِي شُرُوطِ الِاسْتِحْقَاقِ , فَلَوْ تَفَرَّدَ فِي الْوَقْتِ بِشُرُوطِ الْإِمَامَةِ وَاحِدٌ لَمْ يُشْرِكَ فِيهَا غَيْرُهُ تَعَيَّنَتْ فِيهِ الْإِمَامَةُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْدَلَ بِهَا عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ .
    وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ثُبُوتِ إمَامَتِهِ وَانْعِقَادِ وِلَايَتِهِ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا اخْتِيَارٍ ; فَذَهَبَ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْعِرَاقِ إلَى ثُبُوتِ وِلَايَتِهِ وَانْعِقَادِ إمَامَتِهِ وَحَمْلِ الْأُمَّةِ عَلَى طَاعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْقِدْهَا أَهْلُ الِاخْتِيَارِ , لِأَنَّ مَقْصُودَ الِاخْتِيَارِ تَمْيِيزُ الْمُوَلَّى وَقَدْ تَمَيَّزَ هَذَا بِصِفَتِهِ . وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ إلَى أَنَّ إمَامَتَهُ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِالرِّضَا وَالِاخْتِيَارِ لَكِنْ يَلْزَمُ أَهْلَ الِاخْتِيَارِ عَقْدُ الْإِمَامَةِ لَهُ , فَإِنْ اتَّفَقُوا أَتَمُّوا لِأَنَّ الْإِمَامَةَ عَقْدٌ لَا يَتِمُّ إلَّا بِعَاقِدٍ , وَكَالْقَضَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ إلَّا وَاحِدٌ لَمْ يَصِرْ قَاضِيًا حَتَّى يُوَلَّاهُ ; فَرَكَّبَ بَعْضُ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ الْمَذْهَبِ هَذَا الْبَابَ وَقَالَ يَصِيرُ قَاضِيًا إذَا تَفَرَّدَ بِصِفَتِهِ كَمَا يَصِيرُ الْمُنْفَرِدُ بِصِفَتِهِ إمَامًا . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَا يَصِيرُ الْمُنْفَرِدُ قَاضِيًا وَإِنْ صَارَ الْمُنْفَرِدُ إمَامًا , وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْقَضَاءَ نِيَابَةٌ خَاصَّةٌ يَجُوزُ صَرْفُهُ عَنْهُ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى صِفَتِهِ , فَلَمْ تَنْعَقِدْ وِلَايَتُهُ إلَّا بِتَقْلِيدِ مُسْتَنِيبٍ لَهُ , وَالْإِمَامَةُ مِنْ الْحُقُوقِ الْعَامَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ لَا يَجُوزُ صَرْفُ مَنْ اسْتَقَرَّتْ فِيهِ إذَا كَانَ عَلَى صِفَةٍ فَلَمْ يَفْتَقِرْ تَقْلِيدُ مُسْتَحِقِّهَا مَعَ تَمَيُّزِهِ إلَى عَقْدٍ مُسْتَثْبَتٍ لَهُ .
    وَإِذَا عُقِدَتْ الْإِمَامَةُ لِإِمَامَيْنِ فِي بَلَدَيْنِ لَمْ تَنْعَقِدْ إمَامَتُهُمَا , لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْأُمَّةِ إمَامَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَإِنْ شَذَّ قَوْمٌ فَجَوَّزُوهُ . وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْإِمَامِ مِنْهُمَا ; فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ الَّذِي عُقِدَتْ لَهُ الْإِمَامَةُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ مَنْ تَقَدَّمَهُ لِأَنَّهُمْ بِعَقْدِهَا أَخَصُّ وَبِالْقِيَامِ بِهَا أَحَقُّ وَعَلَى كَافَّةِ الْأُمَّةِ فِي الْأَمْصَارِ كُلِّهَا أَنْ يُفَوِّضُوا عَقْدَهَا إلَيْهِمْ وَيُسَلِّمُوهَا لِمَنْ بَايَعُوهُ لِئَلَّا يَنْتَشِرَ الْأَمْرُ بِاخْتِلَافِ الْآرَاءِ وَتَبَايُنِ الْأَهْوَاءِ . وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ  مِنْهُمَا أَنْ يَدْفَعَ الْإِمَامَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَيُسَلِّمَهَا إلَى صَاحِبِهِ طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ وَحَسْمًا لِلْفِتْنَةِ لِيَخْتَارَ أَهْلُ الْعَقْدِ أَحَدَهُمَا أَوْ غَيْرَهُمَا , وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلتَّنَازُعِ وَقَطْعًا لِلتَّخَاصُمِ فَأَيُّهُمَا قَرَعَ كَانَ بِالْإِمَامَةِ أَحَقَّ . وَالصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ وَمَا عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ الْإِمَامَةَ لِأَسْبَقِهِمَا بَيْعَةً وَعَقْدًا كَالْوَلِيَّيْنِ فِي نِكَاحِ الْمَرْأَةِ إذَا زَوَّجَاهَا بِاثْنَيْنِ كَانَ النِّكَاحُ لِأَسْبَقِهِمَا عَقْدًا . فَإِذَا تَعَيَّنَ السَّابِقُ مِنْهُمَا اسْتَقَرَّتْ لَهُ الْإِمَامَةُ وَعَلَى الْمَسْبُوقِ تَسْلِيمُ الْأَمْرِ إلَيْهِ وَالدُّخُولُ فِي بَيْعَتِهِ , وَإِنْ عُقِدَتْ الْإِمَامَةُ لَهُمَا فِي حَالٍ وَاحِدٍ لَمْ يَسْبِقْ بِهَا أَحَدُهُمَا فَسَدَ الْعَقْدَانِ وَاسْتُؤْنِفَ الْعَقْدُ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا , وَإِنْ تَقَدَّمَتْ بَيْعَةُ أَحَدِهِمَا وَأَشْكَلَ الْمُتَقَدِّمُ مِنْهُمَا وَقَفَ أَمْرُهُمَا عَلَى الْكَشْفِ , فَإِنْ نَازَعَاهَا وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ الْأَسْبَقُ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَلَمْ يَحْلِفْ عَلَيْهَا , لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْحَقِّ فِيهَا وَإِنَّمَا هُوَ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ جَمِيعًا فَلَا حُكْمَ لِيَمِينِهِ فِيهِ وَلَا لِنُكُولِهِ عَنْهُ وَهَكَذَا لَوْ قَطَعَ التَّنَازُعَ فِيهَا وَسَلَّمَهَا أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ لَمْ تَسْتَقِرَّ إمَامَتُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ بِتَقَدُّمِهِ , وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ بِالتَّقَدُّمِ خَرَجَ مِنْهَا الْمُقِرُّ وَلَمْ تَسْتَقِرَّ لِلْآخَرِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ شَهِدَ لَهُ الْمُقِرُّ بِتَقَدُّمِهِ فِيهَا مَعَ شَاهِدٍ آخَرَ سُمِعَتْ شَهَادَتُهُ إنْ ذَكَرَ اشْتِبَاهَ الْأَمْرِ عَلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إنْ لَمْ يَذْكُرْ الِاشْتِبَاهَ لِمَا فِي الْقَوْلَيْنِ مِنْ التَّكَاذُبِ . ( فَصْلٌ ) وَإِذَا دَامَ الِاشْتِبَاهُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْكَشْفِ وَلَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ لِأَحَدِهِمَا بِالتَّقَدُّمِ لَمْ يُقْرَعْ بَيْنَهُمَا لِأَمْرَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْإِمَامَةَ عَقْدٌ وَالْقُرْعَةُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْعُقُودِ . وَالثَّانِي : أَنَّ الْإِمَامَةَ لَا يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِيهَا وَالْقُرْعَةُ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِيمَا لَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ كَالْمُنَاكِحِ , وَتَدْخُلُ فِيمَا يَصِحُّ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ كَالْأَمْوَالِ وَيَكُونُ دَوَامُ هَذَا الِاشْتِبَاهِ مُبْطِلًا لِعَقْدَيْ الْإِمَامَةِ فِيهِمَا وَيَسْتَأْنِفُ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ عَقْدَهَا لِأَحَدِهِمَا , فَلَوْ أَرَادُوا الْعُدُولَ بِهَا عَنْهُمَا إلَى غَيْرِهِمَا , فَقَدْ قِيلَ بِجَوَازِهِ لِخُرُوجِهِمَا عَنْهَا , وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْبَيْعَةَ لَهُمَا قَدْ صَرَفَتْ الْإِمَامَةَ عَمَّنْ عَدَاهُمَا وَلِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَهَا فِي أَحَدِهِمَا .
    وَأَمَّا انْعِقَادُ الْإِمَامَةِ بِعَهْدِ مَنْ قَبْلَهُ فَهُوَ مِمَّا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِهِ وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى صِحَّتِهِ لِأَمْرَيْنِ عَمِلَ الْمُسْلِمُونَ بِهِمَا وَلَمْ يَتَنَاكَرُوهُمَا
    أَحَدُهُمَا : أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه عَهِدَ بِهَا إلَى عُمَرَ رضي الله عنه فَأَثْبَتَ الْمُسْلِمُونَ إمَامَتَهُ بِعَهْدِهِ .
    وَالثَّانِي : أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه عَهِدَ بِهَا إلَى أَهْلِ الشُّورَى فَقَبِلَتْ الْجَمَاعَةُ دُخُولَهُمْ فِيهَا وَهُمْ أَعْيَانُ الْعَصْرِ اعْتِقَادًا لِصِحَّةِ الْعَهْدِ بِهَا وَخَرَجَ بَاقِي الصَّحَابَةِ مِنْهَا , وَقَالَ عَلِيٌّ لِلْعَبَّاسِ رضوان الله عليهما حِينَ عَاتَبَهُ عَلَى الدُّخُولِ فِي الشُّورَى كَانَ أَمْرًا عَظِيمًا مِنْ أُمُورِ الْإِسْلَامِ لَمْ أَرَ لِنَفْسِي الْخُرُوجَ مِنْهُ فَصَارَ الْعَهْدُ بِهَا إجْمَاعًا فِي انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ , فَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَعْهَدَ بِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُجْهِدَ رَأْيَهُ فِي الْأَحَقِّ بِهَا وَالْأَقْوَمِ بِشُرُوطِهَا , فَإِذَا تَعَيَّنَ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِي وَاحِدٍ نَظَرَ فِيهِ , فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا جَازَ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعَقْدِ الْبَيْعَةِ لَهُ وَبِتَفْوِيضِ الْعَهْدِ إلَيْهِ , وَإِنْ لَمْ يَسْتَشِرْ فِيهِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الِاخْتِيَارِ , لَكِنْ اخْتَلَفُوا هَلْ يَكُونُ ظُهُورُ الرِّضَا مِنْهُمْ شَرْطًا فِي انْعِقَادِ بَيْعَتِهِ أَوْ لَا ؟ فَذَهَبَ بَعْضُ عُلَمَاءِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ إلَى أَنَّ رِضَا أَهْلِ الِاخْتِيَارِ لِبَيْعَتِهِ شَرْطٌ فِي لُزُومِهَا لِلْأُمَّةِ ; لِأَنَّهَا حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِهِمْ فَلَمْ تَلْزَمْهُمْ إلَّا بِرِضَا أَهْلِ الِاخْتِيَارِ مِنْهُمْ . وَالصَّحِيحُ أَنَّ بَيْعَتَهُ مُنْعَقِدَةٌ وَأَنَّ الرِّضَا بِهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ; لِأَنَّ بَيْعَةَ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ تَتَوَقَّفْ عَلَى رِضَا الصَّحَابَةِ ; وَلِأَنَّ الْإِمَامَ أَحَقُّ بِهَا فَكَانَ اخْتِيَارُهُ فِيهَا أَمْضَى , وَقَوْلُهُ فِيهَا أَنْفَذَ ;
    وَإِنْ كَانَ وَلِيُّ الْعَهْدِ وَلَدًا أَوْ وَالِدًا فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي جَوَازِ انْفِرَادِهِ بِعَقْدِ الْبَيْعَةِ لَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ :
    أَحَدُهَا : لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعَقْدِ الْبَيْعَةِ لِوَلَدٍ وَلَا لِوَالِدٍ حَتَّى يُشَاوِرَ فِيهِ أَهْلَ الِاخْتِيَارِ فَيَرَوْنَهُ أَهْلًا لَهَا فَيَصِحُّ مِنْهُ حِينَئِذٍ عَقْدُ الْبَيْعَةِ لَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ تَزْكِيَةٌ لَهُ تَجْرِي مَجْرَى الشَّهَادَةِ ; وَتَقْلِيدُهُ عَلَى الْأُمَّةِ يَجْرِي مَجْرَى الْحُكْمِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لِوَالِدٍ وَلَا لِوَلَدٍ وَلَا يَحْكُمَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلتُّهْمَةِ الْعَائِدَةِ إلَيْهِ بِمَا جُبِلَ مِنْ الْمَيْلِ إلَيْهِ . وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي : يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعَقْدِهَا لِوَلَدٍ وَوَالِدٍ لِأَنَّهُ أَمِيرُ الْأُمَّةِ نَافِذُ الْأَمْرِ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ فَغَلَبَ حُكْمُ الْمَنْصِبِ عَلَى حُكْمِ النَّسَبِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِلتُّهْمَةِ طَرِيقًا عَلَى أَمَانَتِهِ وَلَا سَبِيلًا إلَى مُعَارَضَتِهِ وَصَارَ فِيهَا كَعَهْدِهِ بِهَا إلَى غَيْرِ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ , وَهَلْ يَكُونُ رِضَا أَهْلِ الِاخْتِيَارِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَهْدِ مُعْتَبَرًا  فِي لُزُومِهِ لِلْأُمَّةِ أَوْ لَا ؟ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ .
    وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعَقْدِ الْبَيْعَةِ لِوَالِدِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهَا لِوَلَدِهِ ; لِأَنَّ الطَّبْعَ يَبْعَثُ عَلَى مُمَايَلَةِ الْوَلَدِ أَكْثَرُ مِمَّا يَبْعَثُ عَلَى مُمَايَلَةِ الْوَالِدِ وَلِذَلِكَ كَانَ كُلُّ مَا يَقْتَنِيهِ فِي الْأَغْلَبِ مَذْخُورًا لِوَلَدِهِ دُونَ وَالِدِهِ ; فَأَمَّا عَقْدُهَا لِأَخِيهِ وَمَنْ قَارَبَهُ مِنْ عَصَبَتِهِ وَمُنَاسِبِيهِ فَكَعَقْدِهَا لِلْبُعَدَاءِ الْأَجَانِبِ فِي جَوَازِ تَفَرُّدِهِ بِهَا .
    وَإِذَا عَهِدَ الْإِمَامُ بِالْخِلَافَةِ إلَى مَنْ يَصِحُّ الْعَهْدُ إلَيْهِ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ كَانَ الْعَهْدُ مَوْقُوفًا عَلَى قَبُولِ الْمُوَلَّى . وَاخْتُلِفَ فِي زَمَانِ قَبُولِهِ فَقِيلَ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَلِّي فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِحُّ فِيهِ نَظَرُ الْمُوَلَّى ; وَقِيلَ - وَهُوَ الْأَصَحُّ - : إنَّهُ مَا بَيْنَ عَهْدِ الْمُوَلِّي وَمَوْتِهِ لِتَنْتَقِلَ عَنْهُ الْإِمَامَةُ إلَى الْمُوَلَّى مُسْتَقِرَّةً بِالْقَبُولِ الْمُتَقَدِّمِ , وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْمُوَلَّى عَزْلُ مَنْ عَهِدَ إلَيْهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ وَإِنْ جَازَ لَهُ عَزْلُ مَنْ اسْتَنَابَهُ مِنْ سَائِرِ خُلَفَائِهِ , لِأَنَّهُ مُسْتَخْلِفٌ لَهُمْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَجَازَ لَهُ عَزْلُهُمْ وَمُسْتَخْلِفٌ لِوَلِيِّ عَهْدِهِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْلُهُ كَمَا لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الِاخْتِيَارِ عَزْلُ مَنْ بَايَعُوهُ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ , فَلَوْ عَهِدَ الْإِمَامُ بَعْدَ عَزْلِ الْأَوَّلِ إلَى ثَانٍ كَانَ عَهْدُ الثَّانِي بَاطِلًا وَالْأَوَّلُ عَلَى بَيْعَتِهِ , فَإِنْ خَلَعَ الْأَوَّلُ نَفْسَهُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعَةُ الثَّانِي حَتَّى يَبْتَدِئَ . وَإِذَا اسْتَعْفَى وَلِيُّ الْعَهْدِ لَمْ يَبْطُلْ عَهْدُهُ بِالِاسْتِعْفَاءِ حَتَّى يُعْفَى لِلُزُومِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَلَّى ثُمَّ نُظِرَ , فَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ جَازَ اسْتِعْفَاؤُهُ وَخَرَجَ مِنْ الْعَهْدِ بِإِجْمَاعِهِمَا عَلَى الِاسْتِعْفَاءِ وَالْإِعْفَاءِ , وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْفَاؤُهُ وَلَا إعْفَاؤُهُ وَكَانَ الْعَهْدُ عَلَى لُزُومِهِ مِنْ جِهَتَيْ الْمُوَلَّى وَالْمُوَلِّي ; وَيُعْتَبَرُ شُرُوطُ الْإِمَامَةِ فِي الْمُوَلَّى مِنْ وَقْتِ الْعَهْدِ إلَيْهِ , وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ فَاسِقًا وَقْتَ الْعَهْدِ وَبَالِغًا عَدْلًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَلِّي لَمْ تَصِحَّ خِلَافَتُهُ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ بَيْعَتَهُ .
    وَإِذَا عَهِدَ الْإِمَامُ إلَى غَائِبٍ هُوَ مَجْهُولُ الْحَيَاةِ لَمْ يَصِحَّ عَهْدُهُ ; وَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْحَيَاةِ وَكَانَ مَوْقُوفًا عَلَى قُدُومِهِ ; فَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَخْلِفُ وَوَلِيُّ الْعَهْدِ عَلَى غَيْبَتِهِ اسْتَقْدَمَهُ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ , فَإِنْ بَعُدَتْ وَاسْتَضَرَّ الْمُسْلِمُونَ بِتَأْخِيرِ النَّظَرِ فِي أُمُورِهِمْ اسْتَنَابَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ نَائِبًا عَنْهُ يُبَايِعُونَهُ بِالنِّيَابَةِ دُونَ الْخِلَافَةِ فَإِذَا قَدِمَ الْخَلِيفَةُ الْغَائِبُ انْعَزَلَ الْمُسْتَخْلَفُ النَّائِبُ وَكَانَ نَظَرُهُ قَبْلَ قُدُومِ الْخَلِيفَةِ مَاضِيًا وَبَعْدَ قُدُومِهِ مَرْدُودًا , وَلَوْ أَرَادَ وَلِيُّ الْعَهْدِ  قَبْلَ مَوْتِ الْخَلِيفَةِ أَنْ يَرُدَّ مَا إلَيْهِ مِنْ وِلَايَةِ الْعَهْدِ إلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْخِلَافَةَ لَا تَسْتَقِرُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُسْتَخْلِفِ ; وَهَكَذَا لَوْ قَالَ جَعَلْتُهُ وَلِيَّ عَهْدِي إذَا أَفْضَتْ الْخِلَافَةُ إلَيَّ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ فِي الْحَالِ لَيْسَ خَلِيفَةً فَلَمْ يَصِحَّ عَهْدُهُ بِالْخِلَافَةِ .
    alsaidilawyer
    alsaidilawyer
    مدير المنتدى
    مدير المنتدى


    الجنس : ذكر
    الابراج : الدلو
    عدد المساهمات : 4030
    نقاط : 81096
    السٌّمعَة : 2684
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    العمر : 53
    الموقع : الجمهورية اليمنية - محافظة إب

    كتاب الأحكام السلطانية للماوردي - الْبَابُ الْأَوَّلُ : فِي عَقْدِ الْإِمَامَةِ . Empty رد: كتاب الأحكام السلطانية للماوردي - الْبَابُ الْأَوَّلُ : فِي عَقْدِ الْإِمَامَةِ .

    مُساهمة من طرف alsaidilawyer السبت 20 سبتمبر 2014 - 13:07

    وَإِذَا خَلَعَ الْخَلِيفَةُ نَفْسَهُ انْتَقَلَتْ إلَى وَلِيِّ عَهْدِهِ وَقَامَ خَلْعُهُ مَقَامَ مَوْتِهِ , وَلَوْ عَهِدَ الْخَلِيفَةُ إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يُقَدِّمْ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ جَازَ وَاخْتَارَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ أَحَدَهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَأَهْلِ الشُّورَى فَإِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه جَعَلَهَا فِي سِتَّةٍ . حَكَى ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : وَجَدْتُ عُمَرَ ذَاتَ يَوْمٍ مَكْرُوبًا فَقَالَ مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ فِي هَذَا الْأَمْرِ ؟ أَقُومُ فِيهِ وَأَقْعُدُ ؟ فَقُلْتُ هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ ؟ فَقَالَ إنَّهُ لَهَا لَأَهْلٌ وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ فِيهِ دُعَابَةٌ وَإِنِّي لَأُرَاهُ لَوْ تَوَلَّى أَمْرَكُمْ لَحَمَلَكُمْ عَلَى طَرِيقَةٍ مِنْ الْحَقِّ تَعْرِفُونَهَا , قَالَ قُلْتُ فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ عُثْمَانَ ؟ فَقَالَ لَوْ فَعَلْتُ لَحَمَلَ ابْنُ أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ ثُمَّ لَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهِ الْعَرَبُ حَتَّى تَضْرِبَ عُنُقَهُ , وَاَللَّهِ لَوْ فَعَلْتُ لَفَعَلَ وَلَوْ فَعَلَ لَفَعَلُوا ; قَالَ فَقُلْتُ فَطَلْحَةُ ؟ قَالَ إنَّهُ لَزَهْوٌ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُوَلِّيَهُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مَعَ مَا يَعْلَمُ مِنْ زَهْوِهِ , قَالَ قُلْتُ فَالزُّبَيْرُ ؟ قَالَ إنَّهُ لَبَطَلٌ وَلَكِنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ الصَّاعِ وَالْمُدِّ بِالْبَقِيعِ بِالسُّوقِ أَفَذَاكَ يَلِي أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ فَقُلْتُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ ؟ قَالَ لَيْسَ هُنَاكَ إنَّهُ لَصَاحِبُ مَقْتَبٍ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ ; فَأَمَّا وَلِيُّ أَمْرٍ فَلَا , قَالَ فَقُلْتُ فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ؟ قَالَ نِعْمَ الرَّجُلُ ذَكَرْتَ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ , إنَّهُ وَاَللَّهِ لَا يَصْلُحُ لِهَذَا الْأَمْرِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إلَّا الْقَوِيُّ فِي غَيْرِ عُنْفٍ اللَّيِّنُ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ , وَالْمُمْسِكُ مِنْ غَيْرِ بُخْلٍ , وَالْجَوَادُ فِي غَيْرِ إسْرَافٍ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمَّا جَرَحَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ وَآيِسَ الطَّبِيبَ مِنْ نَفْسِهِ وَقَالُوا لَهُ اعْهَدْ جَعَلَهَا شُورَى فِي سِتَّةٍ وَقَالَ : هَذَا الْأَمْرُ إلَى عَلِيٍّ وَبِإِزَائِهِ الزُّبَيْرُ , وَإِلَى عُثْمَانَ وَبِإِزَائِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَإِلَى طَلْحَةَ وَبِإِزَائِهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ , فَلِمَا جَازَ الشُّورَى بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ , فَقَالَ الزُّبَيْرُ جَعَلْتُ أَمْرِي إلَى عَلِيٍّ , وَقَالَ طَلْحَةُ جَعَلْتُ أَمْرِي إلَى عُثْمَانَ , وَقَالَ سَعْدٌ جَعَلْتُ أَمْرِي إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَصَارَتْ الشُّورَى بَعْدَ السِّتَّةِ فِي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَخَرَجَ مِنْهَا أُولَئِكَ  الثَّلَاثَةُ , فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَيُّكُمْ يَبْرَأُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ وَنَجْعَلُهُ إلَيْهِ وَاَللَّهُ عَلَيْهِ شَهِيدٌ لِيَحْرِصَ عَلَى صَلَاحِ الْأُمَّةِ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ , فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَتَجْعَلُونَهُ إلَيَّ وَأُخْرِجُ نَفْسِي مِنْهُ وَاَللَّهُ عَلَيَّ شَهِيدٌ عَلَى أَنِّي لَا آلُوكُمْ نُصْحًا فَقَالَا نَعَمْ فَقَالَ قَدْ فَعَلْتُ فَصَارَتْ الشُّورَى بَعْدَ السِّتَّةِ فِي ثَلَاثَةٍ ثُمَّ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فِي اثْنَيْنِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ ثُمَّ مَضَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَسْتَعْلِمَ مِنْ النَّاسِ مَا عِنْدَهُمْ فَلَمَّا أَجَنَّهُمْ اللَّيْلُ اسْتَدْعَى الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَأَشْرَكَهُ مَعَهُ ثُمَّ حَضَرَ فَأَخَذَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعُهُودَ أَيُّهُمَا بُويِعَ لَيَعْمَلَنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَلَئِنْ بَايَعَ لِغَيْرِهِ لَيَسْمَعَنَّ وَلَيُطِيعَنَّ ثُمَّ بَايَعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ . فَكَانَتْ الشُّورَى الَّتِي دَخَلَ أَهْلُ الْإِمَامَةِ فِيهَا وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا أَصْلًا فِي انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ بِالْعَهْدِ وَفِي انْعِقَادِ الْبَيْعَةِ بِعَدَدٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْإِمَامَةُ لِأَحَدِهِمْ بِاخْتِيَارِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ , فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُجْعَلَ شُورَى فِي اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ إذَا كَانُوا عَدَدًا مَحْصُورًا . وَيُسْتَفَادُ مِنْهَا أَنْ لَا تُجْعَلَ الْإِمَامَةُ بَعْدَهُ فِي غَيْرِهِمْ , فَإِذَا تَعَيَّنَتْ بِالِاخْتِيَارِ فِي أَحَدِهِمْ جَازَ لِمَنْ أَفْضَتْ إلَيْهِ الْإِمَامَةُ أَنْ يَعْهَدَ بِهَا إلَى غَيْرِهِمْ , وَلَيْسَ لِأَهْلِ الِاخْتِيَارِ إذَا جَعَلَهَا الْإِمَامُ شُورَى فِي عَدَدٍ أَنْ يَخْتَارُوا أَحَدَهُمْ فِي حَيَاةِ الْمُسْتَخْلِفِ الْعَاهِدِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي تَقْدِيمِ الِاخْتِيَارِ فِي حَيَاتِهِ لِأَنَّهُ بِالْإِمَامَةِ أَحَقُّ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشَارِكَ فِيهَا , فَإِنْ خَافُوا انْتِشَارَ الْأَمْرِ بَعْدَ مَوْتِهِ اسْتَأْذَنُوهُ وَاخْتَارُوا إنْ أَذِنَ لَهُمْ , فَإِنْ صَارَ إلَى حَالِ إيَاسٍ نُظِرَ , فَإِنْ زَالَ عَنْهُ أَمْرُهُ وَغَرَبَ عَنْهُ رَأْيُهُ فَهِيَ كَحَالِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي جَوَازِ الِاخْتِيَارِ , وَإِنْ كَانَ عَلَى تَمْيِيزِهِ وَصِحَّةِ رَأْيِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الِاخْتِيَارُ إلَّا عَنْ إذْنِهِ . حَكَى ابْنُ إسْحَاقَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه لَمَّا دَخَلَ مَنْزِلَهُ مَجْرُوحًا سَمِعَ هَدَّةً فَقَالَ مَا شَأْنُ النَّاسِ ؟ قَالُوا يُرِيدُونَ الدُّخُولَ عَلَيْكَ فَأَذِنَ لَهُمْ , فَقَالُوا : اعْهَدْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَخْلِفْ عَلَيْنَا عُثْمَانَ : فَقَالَ كَيْفَ يُحِبُّ الْمَالَ وَالْجَنَّةَ فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ , ثُمَّ سَمِعَ لَهُمْ هَدَّةً فَقَالَ مَا شَأْنُ النَّاسِ ؟ قَالُوا يُرِيدُونَ الدُّخُولَ عَلَيْكَ فَأَذِنَ لَهُمْ فَقَالُوا اسْتَخْلِفْ عَلَيْنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , قَالَ إذَنْ يَحْمِلُكُمْ عَلَى طَرِيقَةٍ هِيَ الْحَقُّ , قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَاتَّكَأْتُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ وَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُومِنِينَ وَمَا يَمْنَعُكَ مِنْهُ ؟ فَقَالَ يَا بُنَيَّ أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَمَيِّتًا ؟ ,
    وَيَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَنُصَّ عَلَى أَهْلِ الِاخْتِيَارِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنُصَّ عَلَى أَهْلِ الْعَهْدِ , فَلَا يَصِحُّ إلَّا  اخْتِيَارُ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا لَا يَصِحُّ إلَّا تَقْلِيدُ مَنْ عَهِدَ إلَيْهِ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ خِلَافَتِهِ .
    وَلَوْ عَهِدَ الْخَلِيفَةُ إلَى اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ وَرَتَّبَ الْخِلَافَةَ فِيهِمْ فَقَالَ الْخَلِيفَةُ بَعْدِي فُلَانٌ فَإِنْ مَاتَ فَالْخَلِيفَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ فُلَانٌ فَإِنْ مَاتَ فَالْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ فُلَانٌ جَازَ وَكَانَتْ الْخِلَافَةُ مُتَنَقِّلَةً إلَى الثَّلَاثَةِ عَلَى مَا رَتَّبَهَا , فَقَدْ { اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جَيْشِ مُؤْتَةَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَقَالَ فَإِنْ أُصِيبَ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَإِنْ أُصِيبَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَإِنْ أُصِيبَ فَلْيَرْتَضِ الْمُسْلِمُونَ رَجُلًا فَتَقَدَّمَ زَيْدٌ فَقُتِلَ فَأَخَذَ الرَّايَةَ جَعْفَرٌ وَتَقَدَّمَ فَقُتِلَ فَأَخَذَ الرَّايَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَتَقَدَّمَ فَقُتِلَ فَاخْتَارَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ } , وَإِذْ فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ فِي الْإِمَارَةِ جَازَ مِثْلُهُ فِي الْخِلَافَةِ . فَإِنْ قِيلَ هِيَ عَقْدُ وِلَايَةٍ عَلَى صِفَةٍ وَشَرْطٍ وَالْوِلَايَاتُ لَا يَقِفُ عَقْدُهَا عَلَى الشُّرُوطِ وَالصِّفَاتِ . قِيلَ هَذَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ الَّتِي يَتَّسِعُ حُكْمُهَا عَلَى أَحْكَامِ الْعُقُودِ الْخَاصَّةِ , فَقَدْ عَمِلَ بِذَلِكَ فِي الدَّوْلَتَيْنِ مَنْ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَصْرِ , هَذَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَهِدَ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثُمَّ بَعْدَهُ إلَى يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ . وَلَئِنْ لَمْ يَكُنْ سُلَيْمَانُ حُجَّةً فَإِقْرَارُ مَنْ عَاصَرَهُ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ وَمَنْ لَا يَخَافُونَ فِي الْحَقِّ لَوْمَةَ لَائِمٍ هُوَ الْحُجَّةُ ; وَقَدْ رَتَّبَهَا الرَّشِيدُ رضي الله عنه فِي ثَلَاثَةٍ مِنْ بَنِيهِ فِي الْأَمِينِ ثُمَّ الْمَأْمُونِ ثُمَّ الْمُؤْتَمَنِ عَنْ مَشُورَةِ مَنْ عَاصَرَهُ مِنْ فُضَلَاءِ الْعُلَمَاءِ ; فَإِذَا عَهِدَ الْخَلِيفَةُ إلَى ثَلَاثَةٍ رَتَّبَ الْخِلَافَةَ فِيهِمْ وَمَاتَ وَالثَّلَاثَةُ أَحْيَاءُ كَانَتْ الْخِلَافَةُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِلْأَوَّلِ ; وَلَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ فِي حَيَاةِ الْخَلِيفَةِ كَانَتْ الْخِلَافَةُ بَعْدَهُ لِلثَّانِي ; وَلَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فِي حَيَاةِ الْخَلِيفَةِ فَالْخِلَافَةُ بَعْدَهُ لِلثَّالِثِ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَقَرَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ بِالْعَهْدِ إلَيْهِ حُكْمُ الْخِلَافَةِ بَعْدَهُ . وَلَوْ مَاتَ الْخَلِيفَةُ وَالثَّلَاثَةُ مِنْ أَوْلِيَاءِ عَهْدِهِ أَحْيَاءُ وَأَفْضَتْ الْخِلَافَةُ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمْ فَأَرَادَ أَنْ يَعْهَدَ بِهَا إلَى غَيْرِ الِاثْنَيْنِ مِمَّا يَخْتَارُهُ لَهَا , فَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ حَمْلًا عَلَى مُقْتَضَى التَّرْتِيبِ إلَّا أَنْ يَسْتَنْزِلَ عَنْهَا مُسْتَحِقَّهَا طَوْعًا . فَقَدْ عَهِدَ السَّفَّاحُ إلَى الْمَنْصُورِ رحمهما الله وَجَعَلَ الْعَهْدَ بَعْدَهُ لِعِيسَى بْنِ مُوسَى فَأَرَادَ الْمَنْصُورُ تَقْدِيمَ الْمَهْدِيِّ عَلَى عِيسَى فَاسْتَنْزَلَهُ عَنْ الْعَهْدِ عَفْوًا لِحَقِّهِ فِيهِ  وَفُقَهَاءُ الْوَقْتِ عَلَى تَوَافُرٍ وَتَكَاثُرٍ لَمْ يَرَوْا لَهُ فُسْحَةً فِي صَرْفِهِ عَنْ وِلَايَةِ الْعَهْدِ قَسْرًا حَتَّى اسْتَنْزَلَ وَاسْتَطْيَبَ . وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ أَفْضَتْ إلَيْهِ الْخِلَافَةُ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْعَهْدِ أَنْ يَعْهَدَ بِهَا إلَى مَنْ شَاءَ وَيَصْرِفُهَا عَمَّنْ كَانَ مُرَتَّبًا مَعَهُ وَيَكُونُ هَذَا التَّرْتِيبُ مَقْصُورًا عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ الْخِلَافَةَ مِنْهُمْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُسْتَخْلِفِ , فَإِذَا أَفْضَتْ الْخِلَافَةُ مِنْهُمْ إلَى أَحَدِهِمْ عَلَى مُقْتَضَى التَّرْتِيبِ صَارَ أَمْلَكَ بِهَا بَعْدَهُ فِي الْعَهْدِ بِهَا إلَى مَنْ شَاءَ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِإِفْضَاءِ الْخِلَافَةِ إلَيْهِ عَامَّ الْوِلَايَةِ نَافِذَ الْأَمْرِ فَكَانَ حَقُّهُ فِيهَا أَقْوَى وَعَهْدُهُ بِهَا أَمْضَى وَخَالَفَ هَذَا مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ تَرْتِيبِ أُمَرَائِهِ عَلَى جَيْشِ مُؤْتَةَ ; لِأَنَّهُ كَانَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَيَاةِ حَيْثُ لَمْ تَنْتَقِلْ أُمُورُهُمْ إلَى غَيْرِهِ وَهَذَا يَكُونُ بَعْدَ انْتِقَالِ الْأَمْرِ بِمَوْتِهِ إلَى غَيْرِهِ فَافْتَرَقَ حُكْمُ الْعَهْدَيْنِ . وَأَمَّا اسْتِطَابَةُ الْمَنْصُورِ نَفْسَ عِيسَى بْنِ مُوسَى فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَأَلُّفَ أَهْلِهِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي صَدْرِ الدَّوْلَةِ وَالْعَهْدُ قَرِيبٌ وَالتَّكَافُؤُ بَيْنَهُمْ مُنْتَشِرٌ وَفِي أَحْشَائِهِمْ نُفُورٌ مُوهِنٌ فَفَعَلَهُ سِيَاسَةً وَإِنْ كَانَ فِي الْحُكْمِ سَائِغًا ; فَعَلَى هَذَا لَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْعَهْدِ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ إفْضَاءِ الْخِلَافَةِ إلَيْهِ وَلَمْ يَعْهَدْ إلَى غَيْرِهِمَا كَانَ الثَّانِي هُوَ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ بِالْعَهْدِ الْأَوَّلِ وَقُدِّمَ عَلَى الثَّالِثِ اعْتِبَارًا بِحُكْمِ التَّرْتِيبِ فِيهِ , وَلَوْ مَاتَ هَذَا الثَّانِي قَبْلَ عَهْدٍ صَارَ الثَّالِثُ هُوَ الْخَلِيفَةَ بَعْدَهُ , لِأَنَّ صِحَّةَ عَهْدِ الْعَاهِدِ تَقْتَضِي ثُبُوتَ حُكْمِهِ فِي الثَّلَاثَةِ مَا لَمْ يُجَدِّدْ بَعْدَهُ عَهْدًا يُخَالِفُهُ فَيَصِيرُ الْعَهْدُ فِي الْأَوَّلِ مِنْ الثَّلَاثَةِ حَتْمًا وَفِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ مَوْقُوفًا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعْدِلَ عَنْ الْأَوَّلِ فَانْحَتَمَ , وَيَجُوزُ أَنْ يَعْدِلَ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ عَنْ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَوَقَفَ . وَلَوْ مَاتَ الْأَوَّلُ مِنْ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ إفْضَاءِ الْخِلَافَةِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْهَدَ إلَى أَحَدٍ فَأَرَادَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ أَنْ يَخْتَارُوا لِلْخِلَافَةِ غَيْرَ الثَّانِي لَمْ يَجُزْ وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الثَّانِي بَعْدَ إفْضَاءِ الْخِلَافَةِ إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْتَارُوا لَهَا غَيْرَ الثَّالِثِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يَعْهَدَ بِهَا الثَّانِي إلَى غَيْرِ الثَّالِثِ , لِأَنَّ الْعَهْدَ نَصٌّ لَا يُسْتَعْمَلُ الِاخْتِيَارُ إلَّا مَعَ عَدَمِهِ , وَلَكِنْ لَوْ قَالَ الْخَلِيفَةُ الْعَاهِدُ قَدْ عَهِدْتُ إلَى فُلَانٍ , فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ إفْضَاءِ الْخِلَافَةِ إلَيْهِ فَالْخَلِيفَةُ بَعْدَهُ فُلَانٌ لَمْ تَصِحَّ خِلَافَةُ الثَّانِي وَلَمْ يَنْعَقِدْ عَهْدُهُ بِهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَعْهَدْ إلَيْهِ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ وَلِيَّ عَهْدِهِ  بَعْدَ إفْضَاءِ الْخِلَافَةِ إلَى الْأَوَّلِ , وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ إفْضَائِهَا إلَيْهِ فَلَا يَكُونُ عَهْدُ الثَّانِي بِهَا مُنَفَّذًا فَلِذَلِكَ بَطَلَ وَجَازَ لِلْأَوَّلِ بَعْدَ إفْضَاءِ الْخِلَافَةِ إلَيْهِ أَنْ يَعْهَدَ بِهَا إلَى غَيْرِهِ , وَإِنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ عَهْدٍ جَازَ لِأَهْلِ الِاخْتِيَارِ اخْتِيَارُ غَيْرِهِ .
    فَإِذَا اسْتَقَرَّتْ الْخِلَافَةُ لِمَنْ تَقَلَّدَهَا إمَّا بِعَهْدٍ أَوْ اخْتِيَارٍ لَزِمَ كَافَّةَ الْأُمَّةِ أَنْ يَعْرِفُوا إفْضَاءَ الْخِلَافَةِ إلَى مُسْتَحِقِّهَا بِصِفَاتِهِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَعْرِفُوهُ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ إلَّا أَهْلُ الِاخْتِيَارِ الَّذِينَ تَقُومُ بِهِمْ الْحُجَّةُ وَبِبَيْعَتِهِمْ تَنْعَقِدُ الْخِلَافَةُ . وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ جَرِيرٍ : وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ مَعْرِفَةُ الْإِمَامِ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ كَمَا عَلَيْهِمْ مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَمَعْرِفَةُ رَسُولِهِ . وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ النَّاسِ أَنَّ مَعْرِفَةَ الْإِمَامِ تَلْزَمُ الْكَافَّةَ عَلَى الْجُمْلَةِ دُونَ التَّفْصِيلِ , وَلَيْسَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَعْرِفَهُ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ إلَّا عِنْدَ النَّوَازِلِ الَّتِي تُحْوِجُ إلَيْهِ , كَمَا أَنَّ مَعْرِفَةَ الْقُضَاةِ الَّذِينَ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْأَحْكَامُ وَالْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يُفْتُونَ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ تَلْزَمُ الْعَامَّةَ عَلَى الْجُمْلَةِ دُونَ التَّفْصِيلِ إلَّا عِنْدَ النَّوَازِلِ الْمُحْوِجَةِ إلَيْهِمْ , وَلَوْ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمَّةِ أَنْ يَعْرِفَ الْإِمَامَ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ لَلَزِمَتْ الْهِجْرَةُ إلَيْهِ وَلَمَا جَازَ تَخَلُّفُ الْأَبَاعِدِ وَلَأَفْضَى ذَلِكَ إلَى خُلُوِّ الْأَوْطَانِ وَلَصَارَ مِنْ الْعُرْفِ خَارِجًا وَبِالْفَسَادِ عَائِدًا , وَإِذَا لَزِمَتْ مَعْرِفَتُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَعَلَى كَافَّةِ الْأُمَّةِ تَفْوِيضُ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ افْتِيَاتٍ عَلَيْهِ وَلَا مُعَارَضَةٍ لَهُ لِيَقُومَ بِمَا وُكِّلَ إلَيْهِ مِنْ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ وَتَدْبِيرِ الْأَعْمَالِ , وَيُسَمَّى خَلِيفَةً لِأَنَّهُ خَلَفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أُمَّتِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ , وَعَلَى الْإِطْلَاقِ فَيُقَالُ الْخَلِيفَةُ . وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ ؟ فَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ لِقِيَامِهِ بِحُقُوقِهِ فِي خَلْقِهِ , وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ } . وَامْتَنَعَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ جَوَازِ ذَلِكَ وَنَسَبُوا قَائِلَهُ إلَى الْفُجُورِ وَقَالُوا : يُسْتَخْلَفُ مَنْ يَغِيبُ أَوْ يَمُوتُ وَاَللَّهُ لَا يَغِيبُ وَلَا يَمُوتُ , وَقَدْ قِيلَ  لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه يَا خَلِيفَةَ اللَّهِ , فَقَالَ : لَسْتُ بِخَلِيفَةِ اللَّهِ وَلَكِنِّي خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
    وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ :
    أَحَدُهَا : حِفْظُ الدِّينِ عَلَى أُصُولِهِ الْمُسْتَقِرَّةِ وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ , فَإِنْ نَجَمَ مُبْتَدِعٌ أَوْ زَاغَ ذُو شُبْهَةٍ عَنْهُ أَوْضَحَ لَهُ الْحُجَّةَ وَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابَ وَأَخَذَهُ بِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْحُقُوقِ وَالْحُدُودِ , لِيَكُونَ الدِّينُ مَحْرُوسًا مِنْ خَلَلٍ وَالْأُمَّةُ مَمْنُوعَةً مِنْ زَلَلٍ . الثَّانِي : تَنْفِيذُ الْأَحْكَامِ بَيْنَ الْمُتَشَاجِرِينَ وَقَطْعُ الْخِصَامِ بَيْنَ الْمُتَنَازِعِينَ حَتَّى تَعُمَّ النَّصَفَةُ , فَلَا يَتَعَدَّى ظَالِمٌ وَلَا يَضْعُفُ مَظْلُومٌ . 
    الثَّالِثُ : حِمَايَةُ الْبَيْضَةِ وَالذَّبُّ عَنْ الْحَرِيمِ لِيَتَصَرَّفَ النَّاسُ فِي الْمَعَايِشِ وَيَنْتَشِرُوا فِي الْأَسْفَارِ آمِنِينَ مِنْ تَغْرِيرٍ بِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ .
    وَالرَّابِعُ : إقَامَةُ الْحُدُودِ لِتُصَانَ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ الِانْتِهَاكِ وَتُحْفَظَ حُقُوقُ عِبَادِهِ مِنْ إتْلَافٍ وَاسْتِهْلَاكٍ .
    وَالْخَامِسُ : تَحْصِينُ الثُّغُورِ بِالْعُدَّةِ الْمَانِعَةِ وَالْقُوَّةِ الدَّافِعَةِ حَتَّى لَا تَظْفَرَ الْأَعْدَاءُ بِغِرَّةٍ يَنْتَهِكُونَ فِيهَا مُحَرَّمًا أَوْ يَسْفِكُونَ فِيهَا لِمُسْلِمٍ أَوْ مُعَاهَدٍ دَمًا .
    وَالسَّادِسُ : جِهَادُ مَنْ عَانَدَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الدَّعْوَةِ حَتَّى يُسْلِمَ أَوْ يَدْخُلَ فِي الذِّمَّةِ لِيُقَامَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي إظْهَارِهِ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ .
    وَالسَّابِعُ : جِبَايَةُ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ نَصًّا وَاجْتِهَادًا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا عَسْفٍ .
    وَالثَّامِنُ : تَقْدِيرُ الْعَطَايَا وَمَا يَسْتَحِقُّ فِي بَيْتِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ وَلَا تَقْتِيرٍ وَدَفْعُهُ فِي وَقْتٍ لَا تَقْدِيمَ فِيهِ وَلَا تَأْخِيرَ .
    التَّاسِعُ : اسْتِكْفَاءُ الْأُمَنَاءِ وَتَقْلِيدُ النُّصَحَاءِ فِيمَا يُفَوَّضُ إلَيْهِمْ مِنْ الْأَعْمَالِ وَيَكِلُهُ إلَيْهِمْ مِنْ الْأَمْوَالِ , لِتَكُونَ الْأَعْمَالُ بِالْكَفَاءَةِ مَضْبُوطَةً وَالْأَمْوَالُ بِالْأُمَنَاءِ مَحْفُوظَةً . الْعَاشِرُ : أَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ مُشَارَفَةَ الْأُمُورِ وَتَصَفُّحَ الْأَحْوَالِ ; لِيَنْهَضَ بِسِيَاسَةِ الْأُمَّةِ وَحِرَاسَةِ الْمِلَّةِ , وَلَا يُعَوِّلُ عَلَى التَّفْوِيضِ تَشَاغُلًا بِلَذَّةٍ أَوْ عِبَادَةٍ , فَقَدْ يَخُونُ الْأَمِينُ وَيَغُشُّ النَّاصِحُ , وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { يَا دَاوُد إنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتْبَعْ الْهَوَى فَيُضِلّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } .  فَلَمْ يَقْتَصِرْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى التَّفْوِيضِ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ وَلَا عَذَرَهُ فِي الِاتِّبَاعِ حَتَّى وَصَفَهُ بِالضَّلَالِ , وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَحَقًّا عَلَيْهِ بِحُكْمِ الدِّينِ وَمَنْصِبِ الْخِلَافَةِ فَهُوَ مِنْ حُقُوقِ السِّيَاسَةِ لِكُلِّ مُسْتَرْعٍ قَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام : { كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ } . وَلَقَدْ أَصَابَ الشَّاعِرُ فِيمَا وَصَفَ بِهِ الزَّعِيمَ الْمُدَبِّرَ حَيْثُ يَقُولُ ( مِنْ الْبَسِيطِ ) : وَقَلِّدُوا أَمْرَكُمْ لِلَّهِ دَرُّكُمْ رَحْبَ الذِّرَاعِ بِأَمْرِ الْحَرْبِ مُضْطَلِعَا لَا مُتْرَفًا إنْ رَخَاءُ الْعَيْشِ سَاعَدَهُ وَلَا إذَا عَضَّ مَكْرُوهٌ بِهِ خَشَعَا مَا زَالَ يَحْلُبُ دَرَّ الدَّهْرِ أَشْطُرَهُ يَكُونُ مُتَّبِعًا يَوْمًا وَمُتَّبَعَا حَتَّى اسْتَمَرَّ عَلَى شَزْرٍ مَرِيرَتُهُ مُسْتَحْكَمِ الرَّأْيِ لَا فَخْمًا وَلَا ضَرَعَا . وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزْدَادَ لِلْمَأْمُونِ - وَكَانَ وَزِيرَهُ - مِنْ الْبَسِيط : مَنْ كَانَ حَارِسَ دُنْيَا إنَّهُ قَمِنٌ أَنْ لَا يَنَامَ وَكُلُّ النَّاسِ نُوَامُ وَكَيْفَ تَرْقُدُ عَيْنَا مَنْ تَضَيَّفَهُ هَمَّانِ مِنْ أَمْرِهِ حَلٌّ وَإِبْرَامُ .
    alsaidilawyer
    alsaidilawyer
    مدير المنتدى
    مدير المنتدى


    الجنس : ذكر
    الابراج : الدلو
    عدد المساهمات : 4030
    نقاط : 81096
    السٌّمعَة : 2684
    تاريخ التسجيل : 01/03/2010
    العمر : 53
    الموقع : الجمهورية اليمنية - محافظة إب

    كتاب الأحكام السلطانية للماوردي - الْبَابُ الْأَوَّلُ : فِي عَقْدِ الْإِمَامَةِ . Empty رد: كتاب الأحكام السلطانية للماوردي - الْبَابُ الْأَوَّلُ : فِي عَقْدِ الْإِمَامَةِ .

    مُساهمة من طرف alsaidilawyer السبت 20 سبتمبر 2014 - 13:10

    ( فَصْلٌ ) وَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حُقُوقِ الْأُمَّةِ فَقَدْ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ , وَوَجَبَ لَهُ عَلَيْهِمْ حَقَّانِ الطَّاعَةُ وَالنُّصْرَةُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ .
    وَاَلَّذِي يَتَغَيَّرُ بِهِ حَالُهُ فَيَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْإِمَامَةِ شَيْئَانِ :
    أَحَدُهُمَا جَرْحٌ فِي عَدَالَتِهِ  وَالثَّانِي نَقْصٌ فِي بَدَنِهِ .
    فَأَمَّا الْجَرْحُ فِي عَدَالَتِهِ وَهُوَ الْفِسْقُ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا مَا تَابَعَ فِيهِ الشَّهْوَةَ . وَالثَّانِي مَا تَعَلَّقَ فِيهِ بِشُبْهَةٍ , فَأَمَّا الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَمُتَعَلِّقٌ بِأَفْعَالِ الْجَوَارِحِ وَهُوَ ارْتِكَابُهُ لِلْمَحْظُورَاتِ وَإِقْدَامُهُ عَلَى الْمُنْكَرَاتِ تَحْكِيمًا لِلشَّهْوَةِ وَانْقِيَادًا لِلْهَوَى , فَهَذَا فِسْقٌ يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ وَمِنْ اسْتِدَامَتِهَا , فَإِذَا طَرَأَ عَلَى مَنْ انْعَقَدَتْ إمَامَتُهُ خَرَجَ مِنْهَا , فَلَوْ عَادَ إلَى الْعَدَالَةِ لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِمَامَةِ إلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ . وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ : يَعُودُ إلَى الْإِمَامَةِ بِعَوْدِهِ إلَى الْعَدَالَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ لَهُ عَقْدٌ وَلَا بَيْعَةٌ لِعُمُومِ وِلَايَتِهِ وَلُحُوقِ  الْمَشَقَّةِ فِي اسْتِئْنَافِ بَيْعَتِهِ وَأَمَّا الثَّانِي مِنْهُمَا فَمُتَعَلِّقٌ بِالِاعْتِقَادِ الْمُتَأَوِّلِ بِشُبْهَةٍ تَعْتَرِضُ فَيَتَأَوَّلُ لَهَا خِلَافَ الْحَقِّ , فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا . فَذَهَبَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ إلَى أَنَّهَا تَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ وَمِنْ اسْتِدَامَتِهَا وَيَخْرُجُ بِحُدُوثِهِ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى حُكْمُ الْكُفْرِ بِتَأْوِيلٍ وَغَيْرِ تَأْوِيلٍ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حَالُ الْفِسْقِ بِتَأْوِيلٍ وَغَيْرِ تَأْوِيلٍ . وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْبَصْرَةِ : إنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ وَلَا يُخْرَجُ بِهِ مِنْهَا كَمَا لَا يَمْنَعُ مِنْ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَجَوَازِ الشَّهَادَةِ . وَأَمَّا مَا طَرَأَ عَلَى بَدَنِهِ مِنْ نَقْصٍ فَيَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا نَقْصُ الْحَوَاسِّ , وَالثَّانِي نَقْصُ الْأَعْضَاءِ , وَالثَّالِثُ نَقْصُ التَّصَرُّفِ . فَأَمَّا نَقْصُ الْحَوَاسِّ فَيَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ : قِسْمٌ يَمْنَعُ مِنْ الْإِمَامَةِ , وَقِسْمٌ لَا يَمْنَعُ مِنْهَا , وَقِسْمٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ . فَأَمَّا الْقِسْمُ الْمَانِعُ مِنْهَا فَشَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا زَوَالُ الْعَقْلِ , وَالثَّانِي ذَهَابُ الْبَصَرِ , فَأَمَّا زَوَالُ الْعَقْلِ فَضَرْبَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا كَانَ عَارِضًا مَرْجُوَّ الزَّوَالِ كَالْإِغْمَاءِ فَهَذَا لَا يَمْنَعُ مِنْ انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ وَلَا يُخْرِجُ مِنْهَا , لِأَنَّهُ مَرَضٌ قَلِيلُ اللُّبْسِ سَرِيعُ الزَّوَالِ , وَقَدْ { أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ } . وَالضَّرْبُ الثَّانِي مَا كَانَ لَازِمًا لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْجُنُونِ وَالْخَبَلِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُطْبِقًا دَائِمًا لَا يَتَخَلَّلُهُ إفَاقَةٌ فَهَذَا يَمْنَعُ مِنْ عَقْدِ الْإِمَامَةِ وَاسْتِدَامَتِهَا , فَإِذَا طَرَأَ هَذَا بَطَلَتْ بِهِ الْإِمَامَةُ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ وَالْقَطْعِ بِهِ . وَالضَّرْبُ الثَّانِي : أَنْ يَتَخَلَّلَهُ إفَاقَةٌ يَعُودُ بِهَا إلَى حَالِ السَّلَامَةِ فَيُنْظَرُ فِيهِ . فَإِنْ كَانَ زَمَانُ الْخَبَلِ أَكْثَرَ مِنْ زَمَانِ الْإِفَاقَةِ فَهُوَ كَالْمُسْتَدِيمِ يَمْنَعُ مِنْ عَقْدِ الْإِمَامَةِ وَاسْتِدَامَتِهَا وَيُخْرِجُ بِحُدُوثِهِ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ زَمَانُ الْإِفَاقَةِ أَكْثَرَ مِنْ زَمَانِ الْخَبَلِ مَنَعَ مِنْ عَقْدِ الْإِمَامَةِ . وَاخْتُلِفَ فِي مَنْعِهِ مِنْ اسْتِدَامَتِهَا , فَقِيلَ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِدَامَتِهَا كَمَا يَمْنَعُ مِنْ ابْتِدَائِهَا فَإِذَا طَرَأَ بَطَلَتْ بِهِ الْإِمَامَةُ , لِأَنَّ فِي اسْتِدَامَتِهِ إخْلَالًا بِالنَّظَرِ الْمُسْتَحَقِّ فِيهِ , وَقِيلَ لَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِدَامَةِ الْإِمَامَةِ وَإِنْ مَنَعَ مِنْ عَقْدِهَا فِي الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ يُرَاعِي فِي ابْتِدَاءِ عَقْدِهَا سَلَامَةً كَامِلَةً وَفِي الْخُرُوجِ مِنْهَا نَقْصٌ كَامِلٌ . وَأَمَّا ذَهَابُ الْبَصَرِ فَيَمْنَعُ مِنْ عَقْدِ الْإِمَامَةِ وَاسْتِدَامَتِهَا فَإِذَا طَرَأَ بَطَلَتْ بِهِ الْإِمَامَةُ لِأَنَّهُ  لَمَّا أَبْطَلَ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ وَمَنَعَ مِنْ جَوَازِ الشَّهَادَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْإِمَامَةِ , وَأَمَّا عَشَاءُ الْعَيْنِ وَهُوَ أَنْ لَا يُبْصِرَ عِنْدَ دُخُولِ اللَّيْلِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ الْإِمَامَةِ فِي عَقْدٍ وَلَا اسْتِدَامَةٍ لِأَنَّهُ مَرَضٌ فِي زَمَانِ الدَّعَةِ يُرْجَى زَوَالُهُ . وَأَمَّا ضَعْفُ الْبَصَرِ , فَإِنْ كَانَ يَعْرِفُ بِهِ الْأَشْخَاصَ إذَا رَآهَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْإِمَامَةِ , وَإِنْ كَانَ يُدْرِكُ الْأَشْخَاصَ وَلَا يَعْرِفُهَا مُنِعَ مِنْ الْإِمَامَةِ عَقْدًا وَاسْتِدَامَةً . وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْحَوَاسِّ الَّتِي لَا يُؤَثِّرُ فَقْدُهَا فِي الْإِمَامَةِ فَشَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا الْخَشْمُ فِي الْأَنْفِ الَّذِي لَا يُدْرِكُ بِهِ شَمَّ الرَّوَائِحِ . وَالثَّانِي فَقْدُ الذَّوْقِ الَّذِي يُفَرِّقُ بِهِ بَيْنَ الطُّعُومِ فَلَا يُؤَثِّرُ عَلَى هَذَا فِي عَقْدِ الْإِمَامَةِ لِأَنَّهُمَا يُؤَثِّرَانِ فِي اللَّذَّةِ وَلَا يُؤَثِّرَانِ فِي الرَّأْيِ وَالْعَمَلِ . وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ الْحَوَاسِّ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا فَشَيْئَانِ الصَّمَمُ وَالْخَرَسُ فَيَمْنَعَانِ مِنْ ابْتِدَاءِ عَقْدِ الْإِمَامَةِ , لِأَنَّ كَمَالَ الْأَوْصَافِ بِوُجُودِهِمَا مَفْقُودٌ . وَاخْتُلِفَ فِي الْخُرُوجِ بِهِمَا مِنْ الْإِمَامَةِ , فَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَخْرُجُ بِهِمَا مِنْهَا كَمَا يَخْرُجُ بِذَهَابِ الْبَصَرِ لِتَأْثِيرِهِمَا فِي التَّدْبِيرِ وَالْعَمَلِ . وَقَالَ آخَرُونَ : لَا يَخْرُجُ بِهِمَا مِنْ الْإِمَامَةِ لِقِيَامِ الْإِشَارَةِ مَقَامَهُمَا فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا إلَّا بِنَقْصٍ كَامِلٍ , وَقَالَ آخَرُونَ : إنْ كَانَ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ لَمْ يَخْرُجْ بِهِمَا مِنْ الْإِمَامَةِ , وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُهَا خَرَجَ مِنْ الْإِمَامَةِ بِهِمَا لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَفْهُومَةٌ وَالْإِشَارَةُ مَوْهُومَةٌ , وَالْأَوَّلُ مِنْ الْمَذَاهِبِ أَصَحُّ , وَأَمَّا تَمْتَمَةُ اللِّسَانِ وَثِقَلُ السَّمْعِ مِنْ إدْرَاكِ الصَّوْتِ إذَا كَانَ عَالِيًا فَلَا يَخْرُجُ بِهِمَا مِنْ الْإِمَامَةِ إذَا حَدَثَا . وَاخْتُلِفَ فِي ابْتِدَاءِ عَقْدِهَا مَعَهُمَا , فَقِيلَ بِمَنْعِ ذَلِكَ مِنْ ابْتِدَاءِ عَقْدِهَا لِأَنَّهُمَا نَقْصٌ يَخْرُجُ بِهِمَا عَنْ حَالِ الْكَمَالِ , وَقِيلَ لَا يَمْنَعُ لِأَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ مُوسَى عليه السلام لَمْ تَمْنَعْهُ عُقْدَةُ لِسَانِهِ عَنْ النُّبُوَّةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ الْإِمَامَةِ . ( فَصْلٌ ) وَأَمَّا فَقْدُ الْأَعْضَاءِ فَيَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : أَحَدُهَا مَا لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الْإِمَامَةِ فِي عَقْدٍ وَلَا اسْتِدَامَةٍ , وَهُوَ مَا لَا يُؤَثِّرُ فَقْدُهُ فِي رَأْيٍ وَلَا عَمَلٍ وَلَا نُهُوضٍ وَلَا يَشِينُ فِي الْمَنْظَرِ , وَذَلِكَ مِثْلُ قَطْعِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ , فَلَا يَمْنَعُ مِنْ عَقْدِ الْإِمَامَةِ وَلَا مِنْ اسْتِدَامَتِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّ فَقْدَ هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ يُؤَثِّرُ فِي  التَّنَاسُلِ دُونَ الرَّأْيِ وَالْحِنْكَةِ فَيَجْرِي مَجْرَى الْعُنَّةِ . وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِذَلِكَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ : { وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ } . وَفِي الْحَصُورِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ الْعِنِّينُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى إتْيَانِ النِّسَاءِ قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ . وَالثَّانِي أَنَّهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَكَرٌ يَغْشَى بِهِ النِّسَاءَ أَوْ كَانَ كَالنَّوَاةِ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ , فَلَمَّا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ النُّبُوَّةِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ مِنْ الْإِمَامَةِ , وَكَذَلِكَ قَطْعُ الْأُذُنَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَا يُؤَثِّرَانِ فِي رَأْيٍ وَلَا عَمَلٍ وَلَهُمَا شَيْنٌ خَفِيٌّ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَتِرَ فَلَا يَظْهَرَ . وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَا يَمْنَعُ مِنْ عَقْدِ الْإِمَامَةِ وَمِنْ اسْتِدَامَتِهَا , وَهُوَ مَا يَمْنَعُ مِنْ الْعَمَلِ كَذَهَابِ الْيَدَيْنِ أَوْ مِنْ النُّهُوضِ كَذَهَابِ الرِّجْلَيْنِ , فَلَا تَصِحُّ مَعَهُ الْإِمَامَةُ فِي عَقْدٍ وَلَا اسْتِدَامَةٍ لِعَجْزِهِ عَمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقِ الْأُمَّةِ فِي عِلْمٍ أَوْ نَهْضَةٍ . وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مَا يَمْنَعُ مِنْ عَقْدِ الْإِمَامَةِ , وَاخْتُلِفَ فِي مَنْعِهِ مِنْ اسْتِدَامَتِهَا وَهُوَ مَا ذَهَبَ بِهِ بَعْضُ الْعَمَلِ أَوْ فَقَدَ بِهِ بَعْضَ النُّهُوضِ كَذَهَابِ إحْدَى الْيَدَيْنِ أَوْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ فَلَا يَصِحُّ مَعَهُ عَقْدُ الْإِمَامَةِ لِعَجْزِهِ عَنْ كَمَالِ التَّصَرُّفِ , فَإِنْ طَرَأَ بَعْدَ عَقْدِ الْإِمَامَةِ فَفِي خُرُوجِهِ مِنْهَا مَذْهَبَانِ لِلْفُقَهَاءِ : أَحَدُهُمَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْإِمَامَةِ لِأَنَّهُ عَجْزٌ يَمْنَعُ مِنْ ابْتِدَائِهَا فَمَنَعَ مِنْ اسْتِدَامَتِهَا . وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْإِمَامَةِ وَإِنْ مَنَعَ مِنْ عَقْدِهَا , لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي عَقْدِهَا كَمَالُ السَّلَامَةِ وَفِي الْخُرُوجِ مِنْهَا كَمَالُ النَّقْصِ . وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ مَا لَا يَمْنَعُ مِنْ اسْتِدَامَةِ الْإِمَامَةِ , وَاخْتُلِفَ فِي مَنْعِهِ مِنْ ابْتِدَاءِ عَقْدِهَا وَهُوَ مَا شَانَ وَقَبَّحَ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي عَمَلٍ وَلَا فِي نَهْضَةٍ كَجَدْعِ الْأَنْفِ وَسَمْلِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ , فَلَا يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الْإِمَامَةِ بَعْدَ عَقْدِهَا لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهَا . وَفِي مَنْعِهِ مِنْ ابْتِدَاءِ عَقْدِهَا مَذْهَبَانِ لِلْفُقَهَاءِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ مِنْ عَقْدِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهَا لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ فِي حُقُوقِهَا , وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ عَقْدِ الْإِمَامَةِ وَتَكُونُ السَّلَامَةُ مِنْهُ شَرْطًا مُعْتَبَرًا فِي  عَقْدِهَا لِيَسْلَمَ وُلَاةُ الْمِلَّةِ مِنْ شَيْنٍ يُعَابُ وَنَقْصٌ يُزْدَرَى فَتَقِلُّ بِهِ الْهَيْبَةُ , وَفِي قِلَّتِهَا نُفُورٌ عَنْ الطَّاعَةِ , وَمَا أَدَّى إلَى هَذَا فَهُوَ نَقْصٌ فِي حُقُوقِ الْأُمَّةِ . ( فَصْلٌ ) وَأَمَّا نَقْصُ التَّصَرُّفِ فَضَرْبَانِ : حَجْرٌ وَقَهْرٌ . فَأَمَّا الْحَجْرُ فَهُوَ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَيْهِ مِنْ أَعْوَانِهِ مَنْ يَسْتَبِدُّ بِتَنْفِيذِ الْأُمُورِ مِنْ غَيْرِ تَظَاهُرٍ بِمَعْصِيَةٍ وَلَا مُجَاهَرَةٍ بِمُشَاقَّةٍ , فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ إمَامَتِهِ وَلَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ وِلَايَتِهِ وَلَكِنْ يُنْظَرُ فِي أَفْعَالِ مَنْ اسْتَوْلَى عَلَى أُمُورِهِ , فَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً عَلَى أَحْكَامِ الدِّينِ وَمُقْتَضَى الْعَدْلِ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا تَنْفِيذًا لَهَا وَإِمْضَاءً لِأَحْكَامِهَا لِئَلَّا يَقِفَ مِنْ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ مَا يَعُودُ بِفَسَادٍ عَلَى الْأُمَّةِ . وَإِنْ كَانَتْ أَفْعَالُهُ خَارِجَةً عَنْ حُكْمِ الدِّينِ وَمُقْتَضَى الْعَدْلِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا وَلَزِمَهُ أَنْ يَسْتَنْصِرَ مَنْ يَقْبِضَ يَدَهُ وَيُزِيلَ تَغَلُّبَهُ . وَأَمَّا الْقَهْرُ فَهُوَ أَنْ يَصِيرَ مَأْسُورًا فِي يَدِ عَدُوٍّ قَاهِرٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ فَيَمْنَعُ ذَلِكَ عَنْ عَقْدِ الْإِمَامَةِ لَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ النَّظَرِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ , وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَدُوُّ مُشْرِكًا أَوْ مُسْلِمًا بَاغِيًا , وَلِلْأُمَّةِ اخْتِيَارُ مَنْ عَدَاهُ مِنْ ذَوِي الْقُدْرَةِ , وَإِنْ أُسِرَ بَعْدَ أَنْ عُقِدَتْ لَهُ الْإِمَامَةُ فَعَلَى كَافَّةِ الْأُمَّةِ اسْتِنْقَاذُهُ لِمَا أَوْجَبَتْهُ الْإِمَامَةُ مِنْ نُصْرَتِهِ وَهُوَ عَلَى إمَامَتِهِ مَا كَانَ مَرْجُوَّ الْخَلَاصِ مَأْمُولَ الْفِكَاكِ إمَّا بِقِتَالٍ أَوْ فِدَاءٍ , فَإِنْ وَقَعَ الْإِيَاسُ مِنْهُ لَمْ يَخْلُ حَالُ مَنْ أَسَرَهُ مِنْ أَنْ يَكُونُوا مُشْرِكِينَ أَوْ بُغَاةَ الْمُسْلِمِينَ ; فَإِنْ كَانَ فِي أَسْرِ الْمُشْرِكِينَ خَرَجَ مِنْ الْإِمَامَةِ لِلْيَأْسِ مِنْ خَلَاصِهِ وَاسْتَأْنَفَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ بَيْعَةَ غَيْرِهِ عَلَى الْإِمَامَةِ . فَإِنْ عَهِدَ بِالْإِمَامَةِ فِي حَالِ أَسْرِهِ نُظِرَ فِي عَهْدِهِ ; فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْإِيَاسِ مِنْ خَلَاصِهِ كَانَ عَهْدُهُ بَاطِلًا لِأَنَّهُ عَهِدَ بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ الْإِمَامَةِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ عَهْدٌ , وَإِنْ عَهِدَ قَبْلَ الْإِيَاسِ مِنْ خَلَاصِهِ وَقْتَ هُوَ فِيهِ مَرْجُوَّ الْخَلَاصِ صَحَّ عَهْدُهُ لِبَقَاءِ إمَامَتِهِ وَاسْتَقَرَّتْ إمَامَةُ وَلِيِّ عَهْدِهِ بِالْإِيَاسِ مِنْ خَلَاصِهِ لِزَوَالِ إمَامَتِهِ , فَلَوْ خَلَصَ مِنْ أَسْرِهِ بَعْدَ عَهْدِهِ نُظِرَ فِي خَلَاصِهِ , فَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْإِيَاسِ مِنْهُ لَمْ يَعُدْ إلَى إمَامَتِهِ لِخُرُوجِهِ مِنْهَا بِالْإِيَاسِ وَاسْتَقَرَّتْ فِي وَلِيِّ عَهْدِهِ , وَإِنْ خَلَصَ قَبْلَ الْإِيَاسِ فَهُوَ عَلَى إمَامَتِهِ وَيَكُونُ الْعَهْدُ فِي وَلِيِّ الْعَهْدِ ثَابِتًا وَإِنْ لَمْ يَصِرْ إمَامًا . وَإِنْ كَانَ مَأْسُورًا مَعَ بُغَاةِ الْمُسْلِمِينَ , فَإِنْ كَانَ مَرْجُوَّ الْخَلَاصِ فَهُوَ عَلَى إمَامَتِهِ , وَإِنْ لَمْ يُرْجَ خَلَاصُهُ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْبُغَاةِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إمَّا أَنْ يَكُونُوا نَصَّبُوا لِأَنْفُسِهِمْ  إمَامًا أَوْ لَمْ يُنَصِّبُوا , فَإِنْ كَانُوا فَوْضَى لَا إمَامَ لَهُمْ فَالْإِمَامُ الْمَأْسُورُ فِي أَيْدِيهِمْ عَلَى إمَامَتِهِ لِأَنَّ بَيْعَتَهُ لَهُمْ لَازِمَةٌ وَطَاعَتَهُ عَلَيْهِمْ وَاجِبَةٌ فَصَارَ مَعَهُمْ كَمَصِيرِهِ مَعَ أَهْلِ الْعَدْلِ إذَا صَارَتْ تَحْتَ الْحَجْرِ , وَعَلَى أَهْلِ الِاخْتِيَارِ أَنْ يَسْتَنِيبُوا عَنْهُ نَاظِرًا يَخْلُفُهُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِنَابَةِ , فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهَا كَانَ أَحَقَّ بِاخْتِيَارِ مَنْ يَسْتَنِيبُهُ مِنْهُمْ , فَإِنْ خَلَعَ الْمَأْسُورُ نَفْسَهُ أَوْ مَاتَ لَمْ يَصِرْ الْمُسْتَنَابُ إمَامًا لِأَنَّهَا نِيَابَةٌ عَنْ مَوْجُودٍ فَزَالَتْ بِفَقْدِهِ . وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْبَغْيِ قَدْ نَصَّبُوا لِأَنْفُسِهِمْ إمَامًا دَخَلُوا فِي بَيْعَتِهِ وَانْقَادُوا لِطَاعَتِهِ فَالْإِمَامُ الْمَأْسُورُ فِي أَيْدِيهِمْ خَارِجٌ مِنْ الْإِمَامَةِ بِالْإِيَاسِ مِنْ خَلَاصِهِ , لِأَنَّهُمْ قَدْ انْحَازُوا بِدَارٍ تَفَرَّدَ حُكْمُهَا عَنْ الْجَمَاعَةِ وَخَرَجُوا بِهَا عَنْ الطَّاعَةِ فَلَمْ يَبْقَ لِأَهْلِ الْعَدْلِ بِهِمْ نُصْرَةٌ وَلِلْمَأْسُورِ مَعَهُمْ قُدْرَةٌ , وَعَلَى أَهْلِ الِاخْتِيَارِ فِي دَارِ الْعَدْلِ أَنْ يَعْقِدُوا الْإِمَامَةَ لِمَنْ ارْتَضَوْا لَهَا , فَإِنْ خَلَصَ الْمَأْسُورُ لَمْ يَعُدْ إلَى الْإِمَامَةِ لِخُرُوجِهِ مِنْهَا .
    ( فَصْلٌ ) وَإِذَا تَمَهَّدَ مَا وَصَفْنَاهُ مِنْ أَحْكَامِ الْإِمَامَةِ وَعُمُومِ نَظَرِهَا فِي مَصَالِحِ الْمِلَّةِ وَتَدْبِيرِ الْأُمَّةِ , فَإِذَا اسْتَقَرَّ عَقْدُهَا لِلْإِمَامِ انْقَسَمَ مَا صَدَرَ عَنْهُ مِنْ وِلَايَاتِ خُلَفَائِهِ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ :
    فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ مَنْ تَكُونُ وِلَايَتُهُ عَامَّةً فِي الْأَعْمَالِ الْعَامَّةِ وَهُمْ الْوُزَرَاءُ لِأَنَّهُمْ يُسْتَنَابُونَ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ .
    وَالْقِسْمُ الثَّانِي مَنْ تَكُونُ وِلَايَتُهُ عَامَّةً فِي أَعْمَالٍ خَاصَّةٍ وَهُمْ أُمَرَاءُ الْأَقَالِيمِ وَالْبُلْدَانِ لِأَنَّ النَّظَرَ فِيمَا خُصُّوا بِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ .
    وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ مَنْ تَكُونُ وِلَايَتُهُ خَاصَّةً فِي الْأَعْمَالِ الْعَامَّةِ وَهُمْ كَقَاضِي الْقُضَاةِ وَنَقِيبِ الْجُيُوشِ وَحَامِي الثُّغُورِ وَمُسْتَوْفِي الْخَرَاجِ وَجَابِي الصَّدَقَاتِ , لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَقْصُورٌ عَلَى نَظَرٍ خَاصٍّ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ .
    وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ مَنْ تَكُونُ وِلَايَتُهُ خَاصَّةً فِي الْأَعْمَالِ الْخَاصَّةِ وَهُمْ كَقَاضِي بَلَدٍ أَوْ إقْلِيمٍ أَوْ مُسْتَوْفِي خَرَاجِهِ أَوْ جَابِي صَدَقَاتِهِ أَوْ حَامِي ثَغْرِهِ أَوْ نَقِيبِ جُنْدٍ , لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَاصُّ النَّظَرِ مَخْصُوصُ الْعَمَلِ , وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الْوُلَاةِ شُرُوطٌ تَنْعَقِدُ بِهَا وِلَايَتُهُ وَيَصِحُّ مَعَهَا نَظَرُهُ , وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا فِي أَبْوَابِهَا وَمَوَاضِعِهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ .


    _________________

    *******************************************

    [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 7 نوفمبر 2024 - 16:51