الباب الثامن عشر
في تظاهر العقل والشرع وافتقار احدهما إلى الآخر
في تظاهر العقل والشرع وافتقار احدهما إلى الآخر
من كتاب : تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين
الراغب الأصفهاني
الراغب الأصفهاني
اعلم ان العقل لن يهتدي الا بالشرع، والشرع لا يتبين الا بالعقل، فالعقل كالأُس، والشرع كالبناء، ولن يغني اسٌّ ما لم يكن بناءٌ، ولن يثبت بناءٌ ما لم يكن اسٌ. وايضاً فالعقل كالبصر والشرع كالشعاع ولن يغني البصر ما لم يكن شعاع من خارج ولن يغني الشعاع ما لم يكن بصر ولهذا قال الله تعالى: )قد جاءَكم من الله نورٌ وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبُل السلام ويخرجهم من الظلمات الى النور بإِذنه(. وايضا فالعقل كالسراج والشرع كالزيت الذي يمده، فإن لم يكن زيت لم يحصل السراج، وما لم يكن سراج، لم يضئ الزيت. قال الله تعالى: )الله نور السموات والارض مثَلُ نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكبٌ دريٌّ يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نورٌ على نور يهدي الله لنوره من يشاء(. والله هو الهادي. وايضاً فالشرع عقل من خارج، والعقل شرع من داخل، وهما متعاضدان بل متحدان ولكون الشرع عقلاً من خارج سلب الله تعالى اسم العقل من الكافر في غير موضع من القرآن نحو قوله: )نورٌ على نور( أي نور الشرع ونور العقل ثم قال: )يهدي الله لنوره من يشاء(. فجعلهما نوراً واحداً فالشرع اذا فُقد العقلُ عجز عن اكثر الأمور عجزَ العين عند فقد الشعاع.
واعلم ان العقل بنفسه قليل الفناء لا يكاد يتوصل الاَّ الى معرفة كليات الأَشياء دون جزئياتها؛ نجو ان يعلم جملة حسن اعتقاد الحق وقول الصدق وتعاطي الجميل وحسن استعمال العدالة وملازمة العفة ونحو ذلك من غير ان يعرف ذلك في شيءِ شيءٍ وما الذي هو معدلةٌ في شيءِ شيءٍ ولا يعرفنا العقل مثلاً ان لحم الخنزير والدم والخمر محرم، وانه يجب ان يتحامى من تناول الطعام في وقت معلوم، وان لا تنكح ذوات المحارم، وان لا تجامع المرأة في حال الحيض فإ اشباه ذلك لا سبيل اليها الا بالشرع فالشرع نظام الاعتقادات الصحيحة والافال المستقيمة والدال على مصالح الدنيا والآخرة، ومن عدل عنه فقد ضلَّ سواء السبيل. ولأجل ان لا سبيل للعقل الى معرفة ذلك قال الله تعالى: )وما كنمعذّبين حتى نبعث رسولا(. وقد قال الله تعالى: )ولو أنا اهلكناهم بعذاب من قله لقالوا ربنا لولا ارسلت الينا رسولا فنتبع آياتك من قبل ان نذل ونخزى(. والى العقل والشرع اشار بالفضل والرحمة بقوله تعالى: )ولولا فضل الله ليكم ورحمته لأتبعتم الشيطان الا قليلا(. وعني بالقليل المصطفين الاخيار.
واعلم ان العقل بنفسه قليل الفناء لا يكاد يتوصل الاَّ الى معرفة كليات الأَشياء دون جزئياتها؛ نجو ان يعلم جملة حسن اعتقاد الحق وقول الصدق وتعاطي الجميل وحسن استعمال العدالة وملازمة العفة ونحو ذلك من غير ان يعرف ذلك في شيءِ شيءٍ وما الذي هو معدلةٌ في شيءِ شيءٍ ولا يعرفنا العقل مثلاً ان لحم الخنزير والدم والخمر محرم، وانه يجب ان يتحامى من تناول الطعام في وقت معلوم، وان لا تنكح ذوات المحارم، وان لا تجامع المرأة في حال الحيض فإ اشباه ذلك لا سبيل اليها الا بالشرع فالشرع نظام الاعتقادات الصحيحة والافال المستقيمة والدال على مصالح الدنيا والآخرة، ومن عدل عنه فقد ضلَّ سواء السبيل. ولأجل ان لا سبيل للعقل الى معرفة ذلك قال الله تعالى: )وما كنمعذّبين حتى نبعث رسولا(. وقد قال الله تعالى: )ولو أنا اهلكناهم بعذاب من قله لقالوا ربنا لولا ارسلت الينا رسولا فنتبع آياتك من قبل ان نذل ونخزى(. والى العقل والشرع اشار بالفضل والرحمة بقوله تعالى: )ولولا فضل الله ليكم ورحمته لأتبعتم الشيطان الا قليلا(. وعني بالقليل المصطفين الاخيار.