أسباب تخلف المسلمين
محتويات
1. 1 أسباب تخلف المسلمين.
1. 1.1 سقوط الخلافة ألإسلامية.
2. 1.2 فصل الدين عن الدولة.
3. 1.3 الهزيمة النفسية أمام الأعداء.
4. 1.4 الجهل وتخلف المسلمين في العلوم الإسلامية والعلوم المادية.
5. 1.5 الإعجاب بالغرب واعتباره القدوة الصالحة.
6. 1.6 الإفساد بأسم الإصلاح والتطور.
7. 1.7 اجتماع كلمة الأعداء علينا مع تفرقهم وتشتتهم.
8. 1.8 الجهود التي بذلها المستشرقون والمستغربون أيضا.
9. 1.9 ضعف القدوات لدى العلماء والقادة.
10. 1.10 خيانة بعض المسلمين لدينهم ولأمتهم.
11. 1.11 نشوء العصبيات والقبليات.
12. 1.12 الجبن والخوف وحب الدنيا وكراهية الموت.
13. 1.13 ما هي الآثار التي نتجت من تلقاء ذلك ؟
14. 1.14 الأثر الأول: الانحراف الفكري.
15. 1.15 ثانيا: فساد بعض مناهج التعليم.
16. 1.16 ثالثا: الخلل الاجتماعي.
17. 1.17 رابعا: الفساد الاقتصادي
18. 1.18 خامسا: عدم الهيبة أمام الأعداء.
19. 1.19 سادسا: التحول من السيادة إلى مؤخرة الأمم.
20. 1.20 سابعا: اليأس والقنوط.
21. 1.21 ثامنا: انشغال الفرد بمستقبله عن مستقبل أمته.
22. 1.22 أنت ذكرت الأسباب وذكرت الآثار، ولكن ما هو العلاج؟
23. 1.23 أول: العودة الصادقة إلى الإسلام.
24. 1.24 ثانيا: عليكم بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
25. 1.25 ثالثا: العزة والاستقلال والتخلص من الهزيمة النفسية.
26. 1.26 رابعا: اجتماع كلمة المسلمين، وتعاونهم في ما بينهم.
27. 1.27 خامسا: عودة دور العلماء في المجتمع وتسلمهم ذروة القيادة.
28. 1.28 سادسا: إصلاح مناهج التعليم، وتطهير وسائل الإعلام من الفساد.
29. 1.29 سابعا: التربية الصالحة والاهتمام بالأسرة.
30. 1.30 ثامنا: وأخيرا لا بد من تطهير المجتمع ووقاية المجتمع من وسائل الفساد والإفساد.
فضيلة الشيخ الدكتور ناصر ابن سليمان العُمر
أستاذ في قسم القرآن وعلومه في كلية أصول الدين، بجامعة الإمام محمـــد بن سعود الإسلامية ـ سابقاً
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ).
أما بعد أيها الأخوة:
نقلب صفحات الماضي المجيد ونجد أن القرآن يتحدث عن هذه الأمة فيقول:
(كنتم خير أمة أخرجت للناس).
ننظر إلى واقعنا وننظر إلى ماضينا ونجد البون الشاسع والفرق الهائل.
ننظر كيف كانت هذه الأمة التي هابتها الفرس والروم ثم كيف أصبحت غثاء كغثاء السيل لا يأبه الله بهم في أي واد هلكوا.
أيها الأحباب:
بعد أن كنا سادة وقادة، ماذا دهانا وماذا أصابنا ؟ هذا هو موضوعنا أيها الأحباب
ويذكرنا الشاعر ويثير كوامن الحسرة والأسى عندما يقول في أبياته:
إني تذكرت والذكرى مؤرقة ……. مجدا تلدا بأيدينا أضعناه
أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد……تجده كاطير مقصوصا جناحاه
كم صرفتنا يد كنا نصرفها……….وبات يملكنا شعب ملكناه
أيها الأخوة الكرام لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من التخلف والتأخر ولانحطاط وفي مؤخرة الركب، بل لا أقول في مؤخرة الركب، بل تبرأ منا الركب جميعا؟
لا أقول هذا مبالغة ولكنها حقائق تنطق أيها الأحباب، نشاهدها في الصباح والمساء.
من هذا المنطلق، وأخذا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).
جلسنا نلتمس الأسباب، ونبحث عن العلل علنا نصل إلى الداء ثم نشخص الدواء بعد ذاك
والله المستعان وعليه التكلان.
من أبرز الأسباب التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه – أيها الأحباب- :
سقوط الخلافة ألإسلامية.
منذ بزغ فجر هذه الرسالة والخلافة قائمة يتناقلها خليفة عن خليفة وجيل عن جيل، وأمة عن أمة، وأدرك العدو أنه لن تموت هذه الأمة مادام لها أمير للمؤمنين فسلطوا سهامهم وشرعوا أسلحتهم وحاكوا المؤامرات تلو المؤامرات حتى أسقطوا هذه الخلافة.
ويخف الألم لو كان الداء سقط بأيدي أعدائنا، ولكن مع الأسف أن بعض المسلمين هم الذين ساعدوا أعدائنا على سقوط الخلافة.
استطاعت أوربا ممثلة ببريطانيا أن تصور أن الخلافة شبح رهيب
صورت لنا أن الخلافة شبح رهيب، وسموه بالرجل المريض وأثاروا النعرات والقبليات
ثم بعد ذلك ساعدهم كثير من المسلمين حتى اعتبروا أن عدوهم الأول هي الدولة العثمانية أو الخلافة الإسلامية حتى أسقطوها.
هذا سبب رئيسي بأسباب تخلف وتأخر المسلمين.
ثم –أيها الأخوة- من الأسباب التي أدت بنا إلى ما نحن فيه من:
فصل الدين عن الدولة.
فصل الدين عن الدولة سبب رئيسي للمآسي التي نعيشها، لما ؟
لأنه –أيها الأخوة- لا يمكن أن يُحكم البشر إلا بشريعة رب البشر، فإذا أبعدت هذه الشريعة عن الساحة حُكم البشر بسنن البشر، والبشر عاجز وقاصر، وبهذا حل فينا ما حل فينا.
ويزداد ألمي عندما أجد أن كثيرا من المنتسبين للإسلام، والإسلام منهم براء أشد اقتناعا بفصل الدين عن الدولة أي بالعلمنة بمفهومها الصحيح.
في هذه الفترة وفي هذا الوقت يرفع الرئيس الأمريكي بانتخاباته للرآسة الأمريكية، يرفع الإنجيل أمام جمهوره ويقول:
(آن الأوان لأن نُحكم بالإنجيل، آن الأوان لعودة حُكم الدين للدولة).
هكذا يقول رجل على منهج منحرف، يقر ويعترف بأن فصل الدين عن الدولة جنى على أمته الويلات، والمسلمون يقولون:
دع ما لله للهِ وما لقيصر ليقصر، ونقول لهم الكل لله –سبحانه وتعالى-
(الملك يومئذ لله).
نعم –أيها الأخوان- فصل الدين عن الدولة مخطط رهيب لأن أولئك الأعداء علموا أن القرآن هو عدوهم الأول، ولذا جندوا جنودهم لإبعاد القرآن عن حكم المسلمين وقد نجحوا وللأسف.
إذا هذا سبب رئيسي وهو فصل الدين عن الدولة، وكثير من المسلمين هداهم الله لا يعون ولا يدركون خطورة هذا الأمر وهو خطر داهم وشر قائم
والمسلمون الآن في مشارق الأرض ومغاربها-إلا من عصم الله- يُحكمون بقوانين الشرق والغرب، بقوانين اليهود والنصارى والوثنيين، ولكنهم لا يخضعون لحكم الله.
ومن تخلى عن حُكم الله تخلى الله عنه.
(أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض)
(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)
(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)
(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)
ظالم فاسق كافر من لم يحكم بما أنزل الله.
الهزيمة النفسية أمام الأعداء.
وهذه القضية من اخطر ما أدى بنا إلى ما نحن فيه وهي قضية مهمة جدا.
يقول الأمير شكيب أرسلان:
(من أعظم أسباب انحطاط المسلمين في العصر الأخير فقدهم كل ثقة بأنفسهم وهو من أشد الأمراض الاجتماعية، وأخبث الآفات الروحية، لا يتسلط هذا الداء على أمة إلا ساقها إلى الفناء).
لا يتسلط هذا الداء وهو الهزيمة النفسية على أمة إلا ساقها إلى الفناء.
سُئل علي أبن أبي طالب رضي الله عنه، قيل له:
(أنك إذا هجمت على عدوك نجدك تكبر تكبيرة تنخلع منها القلوب، فما سر ذلك ؟
وهذا علي ابن أبي طالب وهو الشجاع المقدام كما تعلمون.
قال إنني أفعل ذلك لأنني أقدم على عدوي وأنا مقتنع بأنني سأقتله – أي عندي من الثقة بالله ثم بنفسي أنني سأقتله، وهو لديه ثقة بأنني سأقتله فأكون أنا ونفسه عليه).
يقول علي ابن أبي طالب فأكون أنا ونفسه عليه، وبهذا أهزمه ويسقط صريعا.
الهزيمة النفسية –أيها الأخوة- مرض خطير أشد فتكا من مرض السرطان، والمسلمون الآن أصيبوا بالهزيمة النفسية، وما دخل علينا الأعداء إلا بعدما أصبنا بالهزيمة النفسية.
أصبح لدى كثير من المسلمين قناعة بأنهم لن يهزموا عدوهم، كيف نهزم أوربا؟
كيف نهزم أمريكا؟
لديها من السلاح ولديها من العتاد، ولديها ولديها ولديها، فأصبحوا خير أبواق لأوربا وأمريكا ولروسيا ولغيرها من الشرق والغرب.
إذا من أولى أسباب الهزيمة التي وصلنا إليها وتخلف المسلمين هي الهزيمة النفسية التي حلت بنا، والهزيمة النفسية مرض فتاك حكى الله ذك في سورة الحشر:
(فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب)
وقد جعل الله من خصائص هذه الأمة كما بين المصطفى صلى الله عليه وسلم أنها تُنصر بالرعب مسيرة شهر، إذاً، إذا أحس العدو بالرعب فهذا أولى علامات السقوط.
ومن الأسباب التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه:
الجهل وتخلف المسلمين في العلوم الإسلامية والعلوم المادية.
المسلمون أو كثير من المسلمين جهلة في دينهم جهلة في دنياهم ، وهذا سبب أساسي ورئيسي للمرض الذي نعيش فيه، ولداء الذي وصلنا إليه.
إذا –أيها الأحباب- الجهل الذي أصابنا، والجهل الذي حل بأمتنا أودى بنا إلى ما نعيشه الآن، ونتجرع كؤوس الذل والهوان اتجاه ذلك و تبعا لذلك.
ومن الأسباب التي أوصلت المسلمين إلى ما وصلوا إليه:
الإعجاب بالغرب واعتباره القدوة الصالحة.
نعم –أيها الأخوة- سأحاول أن أضع النقاط على الحروف، الإعجاب بالغرب إعجاب يبينه البعض ويبيته البعض الآخر، حتى وصل الإعجاب بالغرب أن يكون الذهاب إلى بلادهم أمنية يتمناها كثير من المسلمين، فيفتخر أنه زار أمريكا، أو زار أوربا أو زار الشرق أو الغرب.
لما يفتخر ؟
هذه هزيمة نفسية قاتلة، وإعجاب بالغرب وبما عنده، وكذلك يعتبره هو القدوة الصالحة في هذا المجال.
اعتبارنا للغرب بأنه هو القدوة أوصل المسلمين إلى ما وصلوا إليه.
كثير من المسلمين يبحثون عن العلم، يقولون في أوربا وأمريكا، لا أقول العلم الذي لا يجدونه في بلادهم، بل بعضهم ذهب ليدرس الشريعة الإسلامية في بريطانيا.
نعم وهذا موجود –أيها الأخوة- يشعر بمركب نقص إذا قال أنني أحمل شهادة من بلد إسلامي، ولكنه يرفع رأسه عاليا إذا حمل شهادة من أوربا أو أمريكا.
لما، ما السبب وما السر –أيها الأحباب- ؟
وهذه لن أقف أمامها طويلا لأنها جلية واضحة، إعجاب كثير من المسلمين بالغرب والسير في ركابهم، واعتبارهم القدوة الصالحة أوصلهم إلى ما أوصلهم.
ويكفي أننا وصلنا من الهوان والضعف إلى أنه إن تبرع نصراني فاسق كافر من الغرب بتوقيعه لأحدنا أعتبرها كنز لا يفنى.
والله مهزلة ما بعدها مهزلة، ومأساة ما بعدها مأساة أن يتسابق الناس لكافر نصراني أو يهودي من أجل أن يوقع له على ورقة معه ويعتبر هذا أهم من مخطوطات وكنوز المسلمين جميعا.
نعم –أيها الأحباب- إعجابنا بالغرب، أو إعجاب كثير منا بالغرب أوصلنا إلى ما وصلنا إليه، حتى أننا رأينا من صور الإعجاب أنه إذا اشتهر رجل منهم بأحد أوجه الفساد كالغناء أو الرقص أو لعب الكرة أو نحوها وجدنا من يقلده بعد ساعات.
في العام الماضي كان هناك مكان ما يتسابق فيه الشباب، من أجل ماذا ؟
أيهم يستطيع أن يقلد رقصة (مايكل جاكسون).
ويسأل أحد شباب المسلمين من هو مثلك الأعلى ؟
ويجب أن يكون مثله الأعلى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن اسمعوا ماذا قال:
قال إن مثلي الأعلى هو لاعب الكرة (ماردونا).
نعم هذه حقائق تنطق بين أظهرنا وبين جنباتنا، هذا إعجاب في الغرب أوصلنا إلى ما وصلنا إليه، أعتبرهم الكثير أنهم هم القدوة الصالحة.
حتى أن البعض يخجل أن يلبس لباسه العادي إذا خرج إلى أوربا، قد يكون البعض لا يلبس لباسه خوفا أو للأمن أو غيره وهذا قد يعذر، ولكن كثيرا منهم لا، إنما هو من باب الإعجاب.
ولذلك تجده لا يلبس أي لباس، ولو كان القصد الخوف أو الاحتياط للأمن للبس أي لباس يخالف زيّه أو شكله، ولكنه يبحث عن افضل ما أخرجت الموضات الفرنسية أو الموضات الأوربية. إعجاب وتقليد.
كذلك من الأسباب – أيها الأخوة – التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه:
الإفساد بأسم الإصلاح والتطور.
وذلك تضليل للأمة وهذا ما يحكيه سبحانه وتعالى عن المنافقين ويقول عنهم:
(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون).
بأسم الإصلاح –أيها الأخوة- انتزعت أهم خصائص مؤسسات الأمة الإسلامية.
الأزهر بعراقته وبجدارته وبقوته بأسم الإصلاح وبأسم التطوير وبأسم التطور ضاع الأزهر إلا ما شاء الله.
بأسم الإصلاح وبأسم التطور ضاعت الجامعة الزيتونية وهي من أعرق الجامعات الإسلامية والركب يسير على هذا المنوال وعلى هذا الأمر.
بأسم التطور، بأسم الحضارة، بأسم المدنية تنتهك حرمات الله سبحانه وتعالى.
ويضرب بأمر الله عرض الحائط بأسم الإصلاح والتطور واللحاق بالركب، وبئس الركب.
نجد أيضا أن من الأسباب أيضا:
اجتماع كلمة الأعداء علينا مع تفرقهم وتشتتهم.
(تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى). ولكنهم يجتمعون علينا.
الخلاف بين روسيا وأمريكا عريق قديم وسيظل طالما استمروا على وضعهم وعلى مبادئهم، ولكنهم يتفقون على ما يكون ضد المسلمين، هذه قضية لا يناقشون فيها أبدا.
ونحن نختلف في كل شيء إلا في الولاء لأمريكا وأوربا وروسيا إلا من عصم الله. هذا يلجئ إلى ذاك، وهذا يلجئ إلى ذاك إلا من عصم الله.
إذا قضية اجتماع كلمة الأعداء مع تفرقهم واختلاف مصالحهم، يختلفون ويتقاتلون ويتناحرون إلا في شيء واحد ما يخص المسلمين فهم يتفقون على ما يهيننا ويذلنا وينزع الكلمة من بيننا.
من الأسباب:
الجهود التي بذلها المستشرقون والمستغربون أيضا.
المستشرقون أمرهم معروف ولكن من هم المستغربون –أيها الأخوة- ؟
المستغربون هم الذين ذهبوا إلى أوربا وتعلموا في أوربا وأمريكا وغيرها، وجاءوا ليبثوا ولينشروا بيننا ما تعلموه هناك كُمثل لا تقبل النقاش ولا الجدل.
يرجع أمثال طه حسين ويقول:
(علينا أن نلحق بفرنسا بقضها وقضيضها حتى في شكل اللباس).
وهو زعيم المستغربين ولا شك وأمثاله كثير في السابق واللاحق، هؤلاء المستغربون بعد نالوا الشهادات العالية من هنا وهناك جاءوا إلى بلاد المسلمين واحتلوا فيها القيادة والمناصب والريادة وقادوا المسلمين إلى التأخر والتقهقر.
هؤلاء هم المستغربون –أيها الأحباب- وهم يعيشون بيننا ويتكلمون بلغتنا، بل إن بعضهم قد يدخل إلى مساجدنا، وولله أن هؤلاء أشد خطرا من المستشرقين.
نعم تجد أن أسمه محمد وقد يكون أبوه عبد الله، والله بريء منه، ورسوله برئ منه، وإن تسمى بهذا الاسم بأنه محمد وعبد لله، ولكنه حرب وعدو لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
هؤلاء هم المستغربون المفتونون بحضارة الغرب، وحينما أقول حضارة فكما سموها وإلا فيه بالحقيقة ليست بحضارة، يتنزه هذا المقام، وأنزه أسماعكم بأن أعطيها ما تستحق من وصف، ولكن في قلوبهم مرض فزادهم الله مرض.
هؤلاء هم من الأسباب الرئيسية التي أوصلتنا إلى الوضع الذي نعيشه –أيها الأحباب-
انتبهوا إلى هؤلاء، ضعوا أعينكم على هؤلاء وانظروا ماذا يفعلون بأمتنا وماذا يحيكون وماذا يتآمرون.
ونستمر مع الأسباب ونجد أن من الأسباب الرئيسية التي أوصلتنا إلى هذا الوضع:
ضعف القدوات لدى العلماء والقادة.
في السابق –أيها الأحباب- كان العلماء وكان القادة هم القدوة التي يقتدى بهم ولكن هذا الجانب ضعف في عصرنا الحاضر، فلم يعد كثير من العلماء أهلا لئن يقتدى بهم.
فقدوا مقومات القدوة، نعم فقدوا مقومات القدوة الصالحة، ولذلك وبسبب ضعف القدوة لدى هؤلاء اقتدى الناس بالمنحرفين.
(إذا انفصل العلماء عن الناس، حل بالأمة الهوان).
قد لا تدركون هذا في مثل هذا البلد، ولكني أدركته في بلاد أخرى –أيها الأحباب- ذهبت إلى بعض البلاد الإسلامية وحين تسألهم أين علمائكم ؟
ويا للأسف تجد أشباه علماء لا يقتدى بهم، بل هم يقودون الناس إلى جهنم والعياذ بالله. لماذا ؟
لأنك تجد هؤلاء قد يحملون شهادات عالية ولكنهم لا يلتزمون بشريعة الله وإن تسلموا المناصب بأسم العلماء، وبأسم التوجيه وتجد أن بعضهم وهم من المنتسبين إلى العلماء مفتون بالغرب.
وقد رأيت بعضهم يحارب سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ويحارب سلف هذه الأمة ويريد أن يمسك بالعصا من الوسط.
إذا ضعف القدوة لدى العلماء، أو جانب القدوة لدى العلماء، بحث الناس عن القدوة فلم يجدوها فاقتدوا بالشرق وبالغرب وبمن هب ودب. هذا سبب رئيسي.
كذلك من الأسباب وهو سبب مؤلم:
خيانة بعض المسلمين لدينهم ولأمتهم.
نعم أصبحوا عملاء للشرق والغرب، عملاء لأعداء الله فخانوا الله وخانوا الرسول وخانوا أمانتهم وخانوا دينهم.
من السباب التي نراها:
نشوء العصبيات والقبليات.
العرب -أيها الأخوة- أمة مشتتة مفرقة، جاء الإسلام وهي هكذا، بما اجتمعت ؟
هل اجتمعت تحت لواء قريش ؟ لا.
هل اجتمعوا بأسم مكة أو الحجاز ؟ لا.
إنما جمعتهم ووحدتهم كلمة الإسلام، كلمة لا إلى إلا الله، ودان الشرق والغرب لهذه الكلمة بعد العصبيات وبعد التفرق.
في المدينة وهي قرية صغيرة كانت تسمى يثرب، الأوس والخزرج وكل واحد منهم كان يركن إلى أحد اليهود، وجاء الإسلام فقضى على هذه الأشياء.
و رأى العدو أن من افضل الوسائل التي تبعدنا عن منهجنا وعن ديننا أن ينشى فينا العصبيات، نسمع القومية العربية، القومية التركية، القومية الكردية.
بعد أن فرقوهم إلى قوميات ووجدوا أنهم يمكن أن يجتمعوا في ظل قومية واحدة، أي أنهم استطاعوا أن يفصلوا بين العربي والعجمي، بين العربي والتركي، بين العربي والهندي، بين العربي والأفريقي.
قالوا لا بل نفصلهم اشد من ذلك ولنمزقهم أشتاتا فجاءوا بالوطنية حتى تفرق الغرب أيضا إلى بلاد كل منهم ينتسب إلى وطنه.
ثم جاءوا بالإقليمية، أهل الوطن الواحد يتفرقون، هذا من وطن كذا وهذا من بلد كذا.
عصبيات وإقليميات وقوميات ووطنيات مزقوا فيها شمل أمتنا ونحن الذين نحمل اللواء مع كل أسف.
أو أقول كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام هم الذين يحملون هذا الأمر.
فاتقوا اله وانتبهوا إلى هذا الأمر، وهو سر من أسرار الوضع الذي وصلنا إليه ولا زلنا أو لا زال كثير من المسلمين ينحدرون في هذا الطريق ولم يتوقفوا بعد حتى قال قائلهم فض فوه:
وطن لو شُغلت بالخلد عنه…نازعتني إليه بالخلد نفسي
فضل وطنه على الجنة، وبئس الرجل هو، ولن يكون الأول ولن يكون الأخير.
إذا قضية التفريق بأسم الوطنيات والقوميات والعصبيات من السباب الرئيسية التي أوصلتنا إلى هذا الوضع الذي نحن فيه.
وآخر ما أختم به هذه الأسباب:
الجبن والخوف وحب الدنيا وكراهية الموت.
هلع وخوف أدى بنا إلى ما نحن فيه.
هذه في ما أرى أبرز السباب التي أوصلت المسلمين إلى الوضع المتخلف والمتأخر الذي استطاع –وكما قلت لكم- أن يعبر عنه الشاعر عندما قال:
كم صرفتنا يد كنا نصرفها…وبات يملكنا شعب ملكناه.
محتويات
1. 1 أسباب تخلف المسلمين.
1. 1.1 سقوط الخلافة ألإسلامية.
2. 1.2 فصل الدين عن الدولة.
3. 1.3 الهزيمة النفسية أمام الأعداء.
4. 1.4 الجهل وتخلف المسلمين في العلوم الإسلامية والعلوم المادية.
5. 1.5 الإعجاب بالغرب واعتباره القدوة الصالحة.
6. 1.6 الإفساد بأسم الإصلاح والتطور.
7. 1.7 اجتماع كلمة الأعداء علينا مع تفرقهم وتشتتهم.
8. 1.8 الجهود التي بذلها المستشرقون والمستغربون أيضا.
9. 1.9 ضعف القدوات لدى العلماء والقادة.
10. 1.10 خيانة بعض المسلمين لدينهم ولأمتهم.
11. 1.11 نشوء العصبيات والقبليات.
12. 1.12 الجبن والخوف وحب الدنيا وكراهية الموت.
13. 1.13 ما هي الآثار التي نتجت من تلقاء ذلك ؟
14. 1.14 الأثر الأول: الانحراف الفكري.
15. 1.15 ثانيا: فساد بعض مناهج التعليم.
16. 1.16 ثالثا: الخلل الاجتماعي.
17. 1.17 رابعا: الفساد الاقتصادي
18. 1.18 خامسا: عدم الهيبة أمام الأعداء.
19. 1.19 سادسا: التحول من السيادة إلى مؤخرة الأمم.
20. 1.20 سابعا: اليأس والقنوط.
21. 1.21 ثامنا: انشغال الفرد بمستقبله عن مستقبل أمته.
22. 1.22 أنت ذكرت الأسباب وذكرت الآثار، ولكن ما هو العلاج؟
23. 1.23 أول: العودة الصادقة إلى الإسلام.
24. 1.24 ثانيا: عليكم بالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
25. 1.25 ثالثا: العزة والاستقلال والتخلص من الهزيمة النفسية.
26. 1.26 رابعا: اجتماع كلمة المسلمين، وتعاونهم في ما بينهم.
27. 1.27 خامسا: عودة دور العلماء في المجتمع وتسلمهم ذروة القيادة.
28. 1.28 سادسا: إصلاح مناهج التعليم، وتطهير وسائل الإعلام من الفساد.
29. 1.29 سابعا: التربية الصالحة والاهتمام بالأسرة.
30. 1.30 ثامنا: وأخيرا لا بد من تطهير المجتمع ووقاية المجتمع من وسائل الفساد والإفساد.
فضيلة الشيخ الدكتور ناصر ابن سليمان العُمر
أستاذ في قسم القرآن وعلومه في كلية أصول الدين، بجامعة الإمام محمـــد بن سعود الإسلامية ـ سابقاً
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا.
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ).
أما بعد أيها الأخوة:
نقلب صفحات الماضي المجيد ونجد أن القرآن يتحدث عن هذه الأمة فيقول:
(كنتم خير أمة أخرجت للناس).
ننظر إلى واقعنا وننظر إلى ماضينا ونجد البون الشاسع والفرق الهائل.
ننظر كيف كانت هذه الأمة التي هابتها الفرس والروم ثم كيف أصبحت غثاء كغثاء السيل لا يأبه الله بهم في أي واد هلكوا.
أيها الأحباب:
بعد أن كنا سادة وقادة، ماذا دهانا وماذا أصابنا ؟ هذا هو موضوعنا أيها الأحباب
ويذكرنا الشاعر ويثير كوامن الحسرة والأسى عندما يقول في أبياته:
إني تذكرت والذكرى مؤرقة ……. مجدا تلدا بأيدينا أضعناه
أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد……تجده كاطير مقصوصا جناحاه
كم صرفتنا يد كنا نصرفها……….وبات يملكنا شعب ملكناه
أيها الأخوة الكرام لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من التخلف والتأخر ولانحطاط وفي مؤخرة الركب، بل لا أقول في مؤخرة الركب، بل تبرأ منا الركب جميعا؟
لا أقول هذا مبالغة ولكنها حقائق تنطق أيها الأحباب، نشاهدها في الصباح والمساء.
من هذا المنطلق، وأخذا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
(من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم).
جلسنا نلتمس الأسباب، ونبحث عن العلل علنا نصل إلى الداء ثم نشخص الدواء بعد ذاك
والله المستعان وعليه التكلان.
من أبرز الأسباب التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه – أيها الأحباب- :
سقوط الخلافة ألإسلامية.
منذ بزغ فجر هذه الرسالة والخلافة قائمة يتناقلها خليفة عن خليفة وجيل عن جيل، وأمة عن أمة، وأدرك العدو أنه لن تموت هذه الأمة مادام لها أمير للمؤمنين فسلطوا سهامهم وشرعوا أسلحتهم وحاكوا المؤامرات تلو المؤامرات حتى أسقطوا هذه الخلافة.
ويخف الألم لو كان الداء سقط بأيدي أعدائنا، ولكن مع الأسف أن بعض المسلمين هم الذين ساعدوا أعدائنا على سقوط الخلافة.
استطاعت أوربا ممثلة ببريطانيا أن تصور أن الخلافة شبح رهيب
صورت لنا أن الخلافة شبح رهيب، وسموه بالرجل المريض وأثاروا النعرات والقبليات
ثم بعد ذلك ساعدهم كثير من المسلمين حتى اعتبروا أن عدوهم الأول هي الدولة العثمانية أو الخلافة الإسلامية حتى أسقطوها.
هذا سبب رئيسي بأسباب تخلف وتأخر المسلمين.
ثم –أيها الأخوة- من الأسباب التي أدت بنا إلى ما نحن فيه من:
فصل الدين عن الدولة.
فصل الدين عن الدولة سبب رئيسي للمآسي التي نعيشها، لما ؟
لأنه –أيها الأخوة- لا يمكن أن يُحكم البشر إلا بشريعة رب البشر، فإذا أبعدت هذه الشريعة عن الساحة حُكم البشر بسنن البشر، والبشر عاجز وقاصر، وبهذا حل فينا ما حل فينا.
ويزداد ألمي عندما أجد أن كثيرا من المنتسبين للإسلام، والإسلام منهم براء أشد اقتناعا بفصل الدين عن الدولة أي بالعلمنة بمفهومها الصحيح.
في هذه الفترة وفي هذا الوقت يرفع الرئيس الأمريكي بانتخاباته للرآسة الأمريكية، يرفع الإنجيل أمام جمهوره ويقول:
(آن الأوان لأن نُحكم بالإنجيل، آن الأوان لعودة حُكم الدين للدولة).
هكذا يقول رجل على منهج منحرف، يقر ويعترف بأن فصل الدين عن الدولة جنى على أمته الويلات، والمسلمون يقولون:
دع ما لله للهِ وما لقيصر ليقصر، ونقول لهم الكل لله –سبحانه وتعالى-
(الملك يومئذ لله).
نعم –أيها الأخوان- فصل الدين عن الدولة مخطط رهيب لأن أولئك الأعداء علموا أن القرآن هو عدوهم الأول، ولذا جندوا جنودهم لإبعاد القرآن عن حكم المسلمين وقد نجحوا وللأسف.
إذا هذا سبب رئيسي وهو فصل الدين عن الدولة، وكثير من المسلمين هداهم الله لا يعون ولا يدركون خطورة هذا الأمر وهو خطر داهم وشر قائم
والمسلمون الآن في مشارق الأرض ومغاربها-إلا من عصم الله- يُحكمون بقوانين الشرق والغرب، بقوانين اليهود والنصارى والوثنيين، ولكنهم لا يخضعون لحكم الله.
ومن تخلى عن حُكم الله تخلى الله عنه.
(أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض)
(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)
(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)
(ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)
ظالم فاسق كافر من لم يحكم بما أنزل الله.
الهزيمة النفسية أمام الأعداء.
وهذه القضية من اخطر ما أدى بنا إلى ما نحن فيه وهي قضية مهمة جدا.
يقول الأمير شكيب أرسلان:
(من أعظم أسباب انحطاط المسلمين في العصر الأخير فقدهم كل ثقة بأنفسهم وهو من أشد الأمراض الاجتماعية، وأخبث الآفات الروحية، لا يتسلط هذا الداء على أمة إلا ساقها إلى الفناء).
لا يتسلط هذا الداء وهو الهزيمة النفسية على أمة إلا ساقها إلى الفناء.
سُئل علي أبن أبي طالب رضي الله عنه، قيل له:
(أنك إذا هجمت على عدوك نجدك تكبر تكبيرة تنخلع منها القلوب، فما سر ذلك ؟
وهذا علي ابن أبي طالب وهو الشجاع المقدام كما تعلمون.
قال إنني أفعل ذلك لأنني أقدم على عدوي وأنا مقتنع بأنني سأقتله – أي عندي من الثقة بالله ثم بنفسي أنني سأقتله، وهو لديه ثقة بأنني سأقتله فأكون أنا ونفسه عليه).
يقول علي ابن أبي طالب فأكون أنا ونفسه عليه، وبهذا أهزمه ويسقط صريعا.
الهزيمة النفسية –أيها الأخوة- مرض خطير أشد فتكا من مرض السرطان، والمسلمون الآن أصيبوا بالهزيمة النفسية، وما دخل علينا الأعداء إلا بعدما أصبنا بالهزيمة النفسية.
أصبح لدى كثير من المسلمين قناعة بأنهم لن يهزموا عدوهم، كيف نهزم أوربا؟
كيف نهزم أمريكا؟
لديها من السلاح ولديها من العتاد، ولديها ولديها ولديها، فأصبحوا خير أبواق لأوربا وأمريكا ولروسيا ولغيرها من الشرق والغرب.
إذا من أولى أسباب الهزيمة التي وصلنا إليها وتخلف المسلمين هي الهزيمة النفسية التي حلت بنا، والهزيمة النفسية مرض فتاك حكى الله ذك في سورة الحشر:
(فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب)
وقد جعل الله من خصائص هذه الأمة كما بين المصطفى صلى الله عليه وسلم أنها تُنصر بالرعب مسيرة شهر، إذاً، إذا أحس العدو بالرعب فهذا أولى علامات السقوط.
ومن الأسباب التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه:
الجهل وتخلف المسلمين في العلوم الإسلامية والعلوم المادية.
المسلمون أو كثير من المسلمين جهلة في دينهم جهلة في دنياهم ، وهذا سبب أساسي ورئيسي للمرض الذي نعيش فيه، ولداء الذي وصلنا إليه.
إذا –أيها الأحباب- الجهل الذي أصابنا، والجهل الذي حل بأمتنا أودى بنا إلى ما نعيشه الآن، ونتجرع كؤوس الذل والهوان اتجاه ذلك و تبعا لذلك.
ومن الأسباب التي أوصلت المسلمين إلى ما وصلوا إليه:
الإعجاب بالغرب واعتباره القدوة الصالحة.
نعم –أيها الأخوة- سأحاول أن أضع النقاط على الحروف، الإعجاب بالغرب إعجاب يبينه البعض ويبيته البعض الآخر، حتى وصل الإعجاب بالغرب أن يكون الذهاب إلى بلادهم أمنية يتمناها كثير من المسلمين، فيفتخر أنه زار أمريكا، أو زار أوربا أو زار الشرق أو الغرب.
لما يفتخر ؟
هذه هزيمة نفسية قاتلة، وإعجاب بالغرب وبما عنده، وكذلك يعتبره هو القدوة الصالحة في هذا المجال.
اعتبارنا للغرب بأنه هو القدوة أوصل المسلمين إلى ما وصلوا إليه.
كثير من المسلمين يبحثون عن العلم، يقولون في أوربا وأمريكا، لا أقول العلم الذي لا يجدونه في بلادهم، بل بعضهم ذهب ليدرس الشريعة الإسلامية في بريطانيا.
نعم وهذا موجود –أيها الأخوة- يشعر بمركب نقص إذا قال أنني أحمل شهادة من بلد إسلامي، ولكنه يرفع رأسه عاليا إذا حمل شهادة من أوربا أو أمريكا.
لما، ما السبب وما السر –أيها الأحباب- ؟
وهذه لن أقف أمامها طويلا لأنها جلية واضحة، إعجاب كثير من المسلمين بالغرب والسير في ركابهم، واعتبارهم القدوة الصالحة أوصلهم إلى ما أوصلهم.
ويكفي أننا وصلنا من الهوان والضعف إلى أنه إن تبرع نصراني فاسق كافر من الغرب بتوقيعه لأحدنا أعتبرها كنز لا يفنى.
والله مهزلة ما بعدها مهزلة، ومأساة ما بعدها مأساة أن يتسابق الناس لكافر نصراني أو يهودي من أجل أن يوقع له على ورقة معه ويعتبر هذا أهم من مخطوطات وكنوز المسلمين جميعا.
نعم –أيها الأحباب- إعجابنا بالغرب، أو إعجاب كثير منا بالغرب أوصلنا إلى ما وصلنا إليه، حتى أننا رأينا من صور الإعجاب أنه إذا اشتهر رجل منهم بأحد أوجه الفساد كالغناء أو الرقص أو لعب الكرة أو نحوها وجدنا من يقلده بعد ساعات.
في العام الماضي كان هناك مكان ما يتسابق فيه الشباب، من أجل ماذا ؟
أيهم يستطيع أن يقلد رقصة (مايكل جاكسون).
ويسأل أحد شباب المسلمين من هو مثلك الأعلى ؟
ويجب أن يكون مثله الأعلى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولكن اسمعوا ماذا قال:
قال إن مثلي الأعلى هو لاعب الكرة (ماردونا).
نعم هذه حقائق تنطق بين أظهرنا وبين جنباتنا، هذا إعجاب في الغرب أوصلنا إلى ما وصلنا إليه، أعتبرهم الكثير أنهم هم القدوة الصالحة.
حتى أن البعض يخجل أن يلبس لباسه العادي إذا خرج إلى أوربا، قد يكون البعض لا يلبس لباسه خوفا أو للأمن أو غيره وهذا قد يعذر، ولكن كثيرا منهم لا، إنما هو من باب الإعجاب.
ولذلك تجده لا يلبس أي لباس، ولو كان القصد الخوف أو الاحتياط للأمن للبس أي لباس يخالف زيّه أو شكله، ولكنه يبحث عن افضل ما أخرجت الموضات الفرنسية أو الموضات الأوربية. إعجاب وتقليد.
كذلك من الأسباب – أيها الأخوة – التي أوصلتنا إلى ما وصلنا إليه:
الإفساد بأسم الإصلاح والتطور.
وذلك تضليل للأمة وهذا ما يحكيه سبحانه وتعالى عن المنافقين ويقول عنهم:
(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون).
بأسم الإصلاح –أيها الأخوة- انتزعت أهم خصائص مؤسسات الأمة الإسلامية.
الأزهر بعراقته وبجدارته وبقوته بأسم الإصلاح وبأسم التطوير وبأسم التطور ضاع الأزهر إلا ما شاء الله.
بأسم الإصلاح وبأسم التطور ضاعت الجامعة الزيتونية وهي من أعرق الجامعات الإسلامية والركب يسير على هذا المنوال وعلى هذا الأمر.
بأسم التطور، بأسم الحضارة، بأسم المدنية تنتهك حرمات الله سبحانه وتعالى.
ويضرب بأمر الله عرض الحائط بأسم الإصلاح والتطور واللحاق بالركب، وبئس الركب.
نجد أيضا أن من الأسباب أيضا:
اجتماع كلمة الأعداء علينا مع تفرقهم وتشتتهم.
(تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى). ولكنهم يجتمعون علينا.
الخلاف بين روسيا وأمريكا عريق قديم وسيظل طالما استمروا على وضعهم وعلى مبادئهم، ولكنهم يتفقون على ما يكون ضد المسلمين، هذه قضية لا يناقشون فيها أبدا.
ونحن نختلف في كل شيء إلا في الولاء لأمريكا وأوربا وروسيا إلا من عصم الله. هذا يلجئ إلى ذاك، وهذا يلجئ إلى ذاك إلا من عصم الله.
إذا قضية اجتماع كلمة الأعداء مع تفرقهم واختلاف مصالحهم، يختلفون ويتقاتلون ويتناحرون إلا في شيء واحد ما يخص المسلمين فهم يتفقون على ما يهيننا ويذلنا وينزع الكلمة من بيننا.
من الأسباب:
الجهود التي بذلها المستشرقون والمستغربون أيضا.
المستشرقون أمرهم معروف ولكن من هم المستغربون –أيها الأخوة- ؟
المستغربون هم الذين ذهبوا إلى أوربا وتعلموا في أوربا وأمريكا وغيرها، وجاءوا ليبثوا ولينشروا بيننا ما تعلموه هناك كُمثل لا تقبل النقاش ولا الجدل.
يرجع أمثال طه حسين ويقول:
(علينا أن نلحق بفرنسا بقضها وقضيضها حتى في شكل اللباس).
وهو زعيم المستغربين ولا شك وأمثاله كثير في السابق واللاحق، هؤلاء المستغربون بعد نالوا الشهادات العالية من هنا وهناك جاءوا إلى بلاد المسلمين واحتلوا فيها القيادة والمناصب والريادة وقادوا المسلمين إلى التأخر والتقهقر.
هؤلاء هم المستغربون –أيها الأحباب- وهم يعيشون بيننا ويتكلمون بلغتنا، بل إن بعضهم قد يدخل إلى مساجدنا، وولله أن هؤلاء أشد خطرا من المستشرقين.
نعم تجد أن أسمه محمد وقد يكون أبوه عبد الله، والله بريء منه، ورسوله برئ منه، وإن تسمى بهذا الاسم بأنه محمد وعبد لله، ولكنه حرب وعدو لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
هؤلاء هم المستغربون المفتونون بحضارة الغرب، وحينما أقول حضارة فكما سموها وإلا فيه بالحقيقة ليست بحضارة، يتنزه هذا المقام، وأنزه أسماعكم بأن أعطيها ما تستحق من وصف، ولكن في قلوبهم مرض فزادهم الله مرض.
هؤلاء هم من الأسباب الرئيسية التي أوصلتنا إلى الوضع الذي نعيشه –أيها الأحباب-
انتبهوا إلى هؤلاء، ضعوا أعينكم على هؤلاء وانظروا ماذا يفعلون بأمتنا وماذا يحيكون وماذا يتآمرون.
ونستمر مع الأسباب ونجد أن من الأسباب الرئيسية التي أوصلتنا إلى هذا الوضع:
ضعف القدوات لدى العلماء والقادة.
في السابق –أيها الأحباب- كان العلماء وكان القادة هم القدوة التي يقتدى بهم ولكن هذا الجانب ضعف في عصرنا الحاضر، فلم يعد كثير من العلماء أهلا لئن يقتدى بهم.
فقدوا مقومات القدوة، نعم فقدوا مقومات القدوة الصالحة، ولذلك وبسبب ضعف القدوة لدى هؤلاء اقتدى الناس بالمنحرفين.
(إذا انفصل العلماء عن الناس، حل بالأمة الهوان).
قد لا تدركون هذا في مثل هذا البلد، ولكني أدركته في بلاد أخرى –أيها الأحباب- ذهبت إلى بعض البلاد الإسلامية وحين تسألهم أين علمائكم ؟
ويا للأسف تجد أشباه علماء لا يقتدى بهم، بل هم يقودون الناس إلى جهنم والعياذ بالله. لماذا ؟
لأنك تجد هؤلاء قد يحملون شهادات عالية ولكنهم لا يلتزمون بشريعة الله وإن تسلموا المناصب بأسم العلماء، وبأسم التوجيه وتجد أن بعضهم وهم من المنتسبين إلى العلماء مفتون بالغرب.
وقد رأيت بعضهم يحارب سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
ويحارب سلف هذه الأمة ويريد أن يمسك بالعصا من الوسط.
إذا ضعف القدوة لدى العلماء، أو جانب القدوة لدى العلماء، بحث الناس عن القدوة فلم يجدوها فاقتدوا بالشرق وبالغرب وبمن هب ودب. هذا سبب رئيسي.
كذلك من الأسباب وهو سبب مؤلم:
خيانة بعض المسلمين لدينهم ولأمتهم.
نعم أصبحوا عملاء للشرق والغرب، عملاء لأعداء الله فخانوا الله وخانوا الرسول وخانوا أمانتهم وخانوا دينهم.
من السباب التي نراها:
نشوء العصبيات والقبليات.
العرب -أيها الأخوة- أمة مشتتة مفرقة، جاء الإسلام وهي هكذا، بما اجتمعت ؟
هل اجتمعت تحت لواء قريش ؟ لا.
هل اجتمعوا بأسم مكة أو الحجاز ؟ لا.
إنما جمعتهم ووحدتهم كلمة الإسلام، كلمة لا إلى إلا الله، ودان الشرق والغرب لهذه الكلمة بعد العصبيات وبعد التفرق.
في المدينة وهي قرية صغيرة كانت تسمى يثرب، الأوس والخزرج وكل واحد منهم كان يركن إلى أحد اليهود، وجاء الإسلام فقضى على هذه الأشياء.
و رأى العدو أن من افضل الوسائل التي تبعدنا عن منهجنا وعن ديننا أن ينشى فينا العصبيات، نسمع القومية العربية، القومية التركية، القومية الكردية.
بعد أن فرقوهم إلى قوميات ووجدوا أنهم يمكن أن يجتمعوا في ظل قومية واحدة، أي أنهم استطاعوا أن يفصلوا بين العربي والعجمي، بين العربي والتركي، بين العربي والهندي، بين العربي والأفريقي.
قالوا لا بل نفصلهم اشد من ذلك ولنمزقهم أشتاتا فجاءوا بالوطنية حتى تفرق الغرب أيضا إلى بلاد كل منهم ينتسب إلى وطنه.
ثم جاءوا بالإقليمية، أهل الوطن الواحد يتفرقون، هذا من وطن كذا وهذا من بلد كذا.
عصبيات وإقليميات وقوميات ووطنيات مزقوا فيها شمل أمتنا ونحن الذين نحمل اللواء مع كل أسف.
أو أقول كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام هم الذين يحملون هذا الأمر.
فاتقوا اله وانتبهوا إلى هذا الأمر، وهو سر من أسرار الوضع الذي وصلنا إليه ولا زلنا أو لا زال كثير من المسلمين ينحدرون في هذا الطريق ولم يتوقفوا بعد حتى قال قائلهم فض فوه:
وطن لو شُغلت بالخلد عنه…نازعتني إليه بالخلد نفسي
فضل وطنه على الجنة، وبئس الرجل هو، ولن يكون الأول ولن يكون الأخير.
إذا قضية التفريق بأسم الوطنيات والقوميات والعصبيات من السباب الرئيسية التي أوصلتنا إلى هذا الوضع الذي نحن فيه.
وآخر ما أختم به هذه الأسباب:
الجبن والخوف وحب الدنيا وكراهية الموت.
هلع وخوف أدى بنا إلى ما نحن فيه.
هذه في ما أرى أبرز السباب التي أوصلت المسلمين إلى الوضع المتخلف والمتأخر الذي استطاع –وكما قلت لكم- أن يعبر عنه الشاعر عندما قال:
كم صرفتنا يد كنا نصرفها…وبات يملكنا شعب ملكناه.