أبو عمر القاضي يشيب في ليلة واحدة
جاء في كتاب الفرج بعد الشده للتنوخي
حدث
أبو الحسين عبد الله بن أحمد بن الحارث بن عياش الخرزي البغدادي، وكان خليفة أبي
رحمه الله على القضاء بسوق الأهواز، المشهور الذي كان صاهر أبا عمر القاضي، قال:
حدثني القاضي أبو عمر رحمه الله، قال: لما جرى في أمر ابن المعتز ما جرى، حبست وما
في لحيتي طاقة بيضاء، وحبس معي أبو المثنى القاضي ومحمد بن داود الجراح في دار واحدة،
في ثلاثة أبيات متلاصقة، وكان بيتي في الوسط.
وكنا
آيسين من الحياة، فكنت، إذا جننا الليل، حدثت أبا المثنى تارة، ومحمد بن داود
تارة، وحدثاني من وراء الأبواب، ويوصي كل منا إلى صاحبه، ونحن نتوقع القتل ساعة
بساعة.
فلما
كان ذات ليلة، وقد غلقت الأبواب، ونام الموكلون بنا، ونحن نتحدث في بيوتنا، إذ
حسسنا بصوت الأقفال تفتح، فارتعنا، ورجع كل واحد منا إلى صدر بيته.
فما
شعرنا إلا وقد فتح الباب عن محمد بن داود، فأخرج، وأضجع ليذبح، فقال: يا قوم،
ذبحاً كما تذبح الشاة، أين المصادرات، أين أنتم عن أموالي أفتدي بها نفسي ? علي
كذا وكذا.
قال:
فما التفتوا إلى كلامه، وذبحوه، وأنا أراه من شق الباب، وقد أضاء الصحن، وصار كأنه
نهار من كثرة الشموع، واحتزوا رأسه، وأخرجوه معهم، وجروا جثته، فطرحت في بئر
الدار، وغلقت الأبواب، وانصرفوا.
قال:
فأيقنت بالقتل، وأقبلت على الصلاة، والدعاء، والبكاء.
فما
مضت إلا ساعات يسيرة، حتى سمعت أصوات الأقفال تفتح، فعاودني الجزع، وإذا هم قد
جاؤوا إلى بيت أبي المثنى القاضي، ففتحوه، وأخرجوه، وقالوا له: يقول لك أمير
المؤمنين، يا عدو الله، يا فاسق، بم استحللت نكث بيعتي، وخلع طاعتي ? فقال: لأني
علمت، أنه لا يصلح للإمامة.
فقالوا
له: إن أمير المؤمنين، قد أمرنا باستتابتك من هذا الكفر، فإن تبت رددناك إلى
محبسك، وإلا قتلناك.
فقال:
أعوذ بالله من الكفر، ما أتيت ما يوجب الكفر.
قال:
وأخذ يتهوس معهم بهذا الكلام وشبهه، ولا يرجع عنه.
فلما
أيسوا منه، مضى بعضهم وعاد، فظننت أنه يستثبت في الاستئذان، قال: ثم أضجعوه،
فذبحوه، وأنا أراه، وحملوا رأسه، وطرحوا جثته في البئر.
قال:
فذهب علي أمري، وأقبلت على البكاء، والدعاء، والتضرع إلى الله جل وعز.
فلما
كان وجه السحر، وقد سمعت صوت الدبادب، وإذا صوت الأقفال، فقلت: لم يبق غيري، وأنا
مقتول، فاستسلمت، وفتحوا الأبواب عني، وأقاموني إلى الصحن، وقالوا: يقول لك أمير
المؤمنين، يا فاعل، يا صانع، ما حملك على نكث بيعتي ?.
فقلت:
الخطأ، وشقوة الجد، وأنا تائب إلى الله عز وجل من هذا الذنب.
قال:
وأقبلت أتكلم بهذا وشبهه، فمضى بعضهم، وعاد فقال: أجب، ثم أسر إلي، فقال: لا بأس
عليك، فقد تكلم فيك الوزير- يعنون ابن الفرات- وأنت مسلم إليه، فسكنت قليلاً،
وجاؤوني بخفي، وطيلساني، وعمامتي، فلبست ذلك، وأخرجت، فجيء بي إلى الدار التي كانت
برسم ابن الفرات في دار الخليفة، فلما رآني، يخاطبني بعظم جنايتي وخطأي، وأنا أقر
بذلك، وأستقيل، وأتنصل.
ثم
قال لي: قد وهب لي أمير المؤمنين ذنبك، وابتعت منه جرمك بمائة ألف دينار، ألزمتك
إياها.
فقلت:
أيها الوزير، ما رأيت بعضها قط مجتمعاً.
فغمزني
بأن أسكت، وجذبني قوم من وجوه الكتاب، كانوا ورائي، فسكتوني، فعلمت أن الوزير ابن
الفرات، أراد تخليصي، وحقن دمي.
فقلت:
علي كل ما يأمر الوزير أعزه الله.
فقال:
احملوه إلى داري.
قال:
فأخذت، وحملت إلى داره، فقرر أمري على مائة ألف دينار، على أن أؤدي منها النصف
عاجلاً، ويصبر النصف في حكم الباطل على رسم المصادرات.
فلما
صرت في دار ابن الفرات، وسع علي في المطعم، والمشرب، والملبس، وأدخلت الحمام،
ورفهت، وأكرمت.
فرأيت،
لما خرجت من الحمام، وجهي في المرآة، فإذا طاقات شعر قد ابيضت في مقدم لحيتي، فإذا
أنا قد شبت في تلك الليلة الواحدة.
قال:
وأديت من المال نيفاً وثلاثين ألف دينار، ثم نظر لي ابن الفرات بالباقي وصرفني إلى
منزلي، وتخلص دمي.
وأقمت
في بيتي سنين، وبابي مسدود، لا أرى أحداً، إلا في الشاذ، وتوفرت على دراسة الفقه،
والنظر في العلم، إلى أن من الله بالفرج، فكشف ما بي، وأخرجت من بيتي إلى ولاية
الأعمال.
جاء في كتاب الفرج بعد الشده للتنوخي
حدث
أبو الحسين عبد الله بن أحمد بن الحارث بن عياش الخرزي البغدادي، وكان خليفة أبي
رحمه الله على القضاء بسوق الأهواز، المشهور الذي كان صاهر أبا عمر القاضي، قال:
حدثني القاضي أبو عمر رحمه الله، قال: لما جرى في أمر ابن المعتز ما جرى، حبست وما
في لحيتي طاقة بيضاء، وحبس معي أبو المثنى القاضي ومحمد بن داود الجراح في دار واحدة،
في ثلاثة أبيات متلاصقة، وكان بيتي في الوسط.
وكنا
آيسين من الحياة، فكنت، إذا جننا الليل، حدثت أبا المثنى تارة، ومحمد بن داود
تارة، وحدثاني من وراء الأبواب، ويوصي كل منا إلى صاحبه، ونحن نتوقع القتل ساعة
بساعة.
فلما
كان ذات ليلة، وقد غلقت الأبواب، ونام الموكلون بنا، ونحن نتحدث في بيوتنا، إذ
حسسنا بصوت الأقفال تفتح، فارتعنا، ورجع كل واحد منا إلى صدر بيته.
فما
شعرنا إلا وقد فتح الباب عن محمد بن داود، فأخرج، وأضجع ليذبح، فقال: يا قوم،
ذبحاً كما تذبح الشاة، أين المصادرات، أين أنتم عن أموالي أفتدي بها نفسي ? علي
كذا وكذا.
قال:
فما التفتوا إلى كلامه، وذبحوه، وأنا أراه من شق الباب، وقد أضاء الصحن، وصار كأنه
نهار من كثرة الشموع، واحتزوا رأسه، وأخرجوه معهم، وجروا جثته، فطرحت في بئر
الدار، وغلقت الأبواب، وانصرفوا.
قال:
فأيقنت بالقتل، وأقبلت على الصلاة، والدعاء، والبكاء.
فما
مضت إلا ساعات يسيرة، حتى سمعت أصوات الأقفال تفتح، فعاودني الجزع، وإذا هم قد
جاؤوا إلى بيت أبي المثنى القاضي، ففتحوه، وأخرجوه، وقالوا له: يقول لك أمير
المؤمنين، يا عدو الله، يا فاسق، بم استحللت نكث بيعتي، وخلع طاعتي ? فقال: لأني
علمت، أنه لا يصلح للإمامة.
فقالوا
له: إن أمير المؤمنين، قد أمرنا باستتابتك من هذا الكفر، فإن تبت رددناك إلى
محبسك، وإلا قتلناك.
فقال:
أعوذ بالله من الكفر، ما أتيت ما يوجب الكفر.
قال:
وأخذ يتهوس معهم بهذا الكلام وشبهه، ولا يرجع عنه.
فلما
أيسوا منه، مضى بعضهم وعاد، فظننت أنه يستثبت في الاستئذان، قال: ثم أضجعوه،
فذبحوه، وأنا أراه، وحملوا رأسه، وطرحوا جثته في البئر.
قال:
فذهب علي أمري، وأقبلت على البكاء، والدعاء، والتضرع إلى الله جل وعز.
فلما
كان وجه السحر، وقد سمعت صوت الدبادب، وإذا صوت الأقفال، فقلت: لم يبق غيري، وأنا
مقتول، فاستسلمت، وفتحوا الأبواب عني، وأقاموني إلى الصحن، وقالوا: يقول لك أمير
المؤمنين، يا فاعل، يا صانع، ما حملك على نكث بيعتي ?.
فقلت:
الخطأ، وشقوة الجد، وأنا تائب إلى الله عز وجل من هذا الذنب.
قال:
وأقبلت أتكلم بهذا وشبهه، فمضى بعضهم، وعاد فقال: أجب، ثم أسر إلي، فقال: لا بأس
عليك، فقد تكلم فيك الوزير- يعنون ابن الفرات- وأنت مسلم إليه، فسكنت قليلاً،
وجاؤوني بخفي، وطيلساني، وعمامتي، فلبست ذلك، وأخرجت، فجيء بي إلى الدار التي كانت
برسم ابن الفرات في دار الخليفة، فلما رآني، يخاطبني بعظم جنايتي وخطأي، وأنا أقر
بذلك، وأستقيل، وأتنصل.
ثم
قال لي: قد وهب لي أمير المؤمنين ذنبك، وابتعت منه جرمك بمائة ألف دينار، ألزمتك
إياها.
فقلت:
أيها الوزير، ما رأيت بعضها قط مجتمعاً.
فغمزني
بأن أسكت، وجذبني قوم من وجوه الكتاب، كانوا ورائي، فسكتوني، فعلمت أن الوزير ابن
الفرات، أراد تخليصي، وحقن دمي.
فقلت:
علي كل ما يأمر الوزير أعزه الله.
فقال:
احملوه إلى داري.
قال:
فأخذت، وحملت إلى داره، فقرر أمري على مائة ألف دينار، على أن أؤدي منها النصف
عاجلاً، ويصبر النصف في حكم الباطل على رسم المصادرات.
فلما
صرت في دار ابن الفرات، وسع علي في المطعم، والمشرب، والملبس، وأدخلت الحمام،
ورفهت، وأكرمت.
فرأيت،
لما خرجت من الحمام، وجهي في المرآة، فإذا طاقات شعر قد ابيضت في مقدم لحيتي، فإذا
أنا قد شبت في تلك الليلة الواحدة.
قال:
وأديت من المال نيفاً وثلاثين ألف دينار، ثم نظر لي ابن الفرات بالباقي وصرفني إلى
منزلي، وتخلص دمي.
وأقمت
في بيتي سنين، وبابي مسدود، لا أرى أحداً، إلا في الشاذ، وتوفرت على دراسة الفقه،
والنظر في العلم، إلى أن من الله بالفرج، فكشف ما بي، وأخرجت من بيتي إلى ولاية
الأعمال.