لقاء بين الجد الرومي النصراني والحفيد العربي المسلم
جاء في كتاب الفرج بعد الشده للتنوخي
روى ابن دريد عن أبي حاتم، عن أبي معمر، عن رجل من أهل الكوفة، قال: كنا مع مسلمة بن
عبد الملك، ببلاد الروم، فسبا سبايا كثيرة، وأقام ببعض المنازل، فعرض السبي على
السيف، فقتل خلقاً، حتى عرض عليه شيخ كبير ضعيف، فأمر بقتله.
فقال له: ما حاجتك إلى قتل شيخ مثلي ? إن تركتني حياً، جئتك بأسيرين من المسلمين شابين.
قال له: ومن لي بذلك ? قال: إني إذا وعدت وفيت.
قال: لست أثق بك.
فقال له: دعني حتى أطوف في عسكرك، لعلي أعرف من يتكفل بي إلى أن أمضي وأعود أجيء
بالأسيرين.
فوكل
به من يطوف به، وأمره بالاحتفاظ به، فما زال الشيخ يطوف، ويتصفح الوجوه، حتى مر بفتى
من بني كلاب، قائماً يحس فرسه.
فقال له: يا فتى، اضمني للأمير، وقص عليه قصته.
فقال:
أفعل، وجاء الفتى إلى مسلمة، فضمنه، فأطلقه مسلمة.
فلما
مضى، قال للفتى: أتعرفه ? قال: لا، والله.
قال:
فلم ضمنته ? قال: رأيته يتصفح الوجوه، فاختارني من بينهم، فكرهت أن أخلف ظنه فيّ.
فلما
كان من الغد، عاد الشيخ، ومعه أسيران شابان من المسلمين، فسلمهما إلى مسلمة، وقال:
إن رأى الأمير أن يأذن لهذا الفتى أن يصير معي إلى حصني لأكافئه على فعله.
فقال
مسلمة للفتى الكلابي: إن شئت فامض معه.
فلما
صار إلى حصنه، قال له: يا فتى، تعلم- والله- أنك ابني قال له: وكيف أكون ابنك،
وأنا رجل من العرب مسلم، وأنت رجل من الروم نصراني.
فقال له: أخبرني عن أمك، ما هي ?
قال: رومية.
قال:
فإني أصفها لك، فبالله إن صدقت، إلا صدقتني.
قال: أفعل.
فأقبل
الرومي، يصف أم الفتى، ما خرم من صفتها شيئاً.
فقال له الفتى: هي كذلك، فكيف عرفت أني ابنها ? قال: بالشبه، وتعارف الأرواح، وصدق
الفراسة.
ثم
أخرج إليه امرأة، فلما رآها الفتى لم يشك فيها أنها أمه، لتقارب الشبه، وخرجت معها
عجوز كأنها هي، فأقبلتا تقبلان رأس الفتى، ويديه، وتترشفانه.
فقال له: هذه جدتك، وهذه خالتك.
ثم اطلع من حصنه، فدعا بشباب في الصحراء، فأقبلوا، بكلمهم بالرومية، فأقبلوا يقبلون
رأس الفتى ويديه، فقال: هؤلاء أخوالك، وبنو خالاتك، وبنو عم والدتك.
ثم
أخرج إليه حلياً كثيراً، وثياباً فاخرةً، وقال: هذا لوالدتك منذ سبيت، فخذه معك،
وادفعه إليها، فإنها ستعرفه، ثم أعطاه لنفسه مالاً كثيراً، وثياباً، وحلياً، وحمله
على عدة دواب، وألحقه بعسكر مسلمة، وانصرف.
وأقبل
الفتى قافلاً حتى دخل إلى منزله فأقبل يخرج الشيء بعد الشيء مما عرفه الشيخ أنه
لأمه، وتراه أمه، فتبكي، فيقول لها: قد وهبته لك.
فلما
كثر عليها، قالت له: يا بني، أسألك بالله، من أي بلد صارت إليكم هذه الثياب، وهل
تصف لي أهل هذا الحصن الذي كان فيه هذا ? فوصف لها الفتى صفة البلد والحصن، ووصف
لها أمها وأختها، والرجال الذين رآهم، وهي تبكي وتقلق.
فقال لها: ما يبكيك ? فقالت: الشيخ والله والدي، والعجوز أمي، وتلك أختي.
فقص
عليها الخبر، وأخرج بقية ما كان أنفذه معه أبوها إليها، فدفعه إليها.