رحلة إيمانية في أعماق الكون
بقلم اللواء سعد شعبان(1)
مقدمة:
1 ـ الرسالة الإيمانية في
الإسلام تقوم على دعامتين، هما: العلم، و " التزكية " ولقد سبق العلم
التزكية؛ لأن التزكية لا يمكن أن تأتي بضربة حظ، ولكنها يمكن أن تأتي
بالعلم.
وهذا تقرره الآية الكريمة: )كَمَا
أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا
وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم
مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ([سورة البقرة].
2 ـ والتزكية أو تطهير
النفس والسمو بها بالإيمان إذا قامت على العلم، فيكون ذلك كالبنيان الذي له
أساس متين؛ ولذلك نجد أن الإيمان له سبيلان، أولهما: سبيل التسليم، أو
بناء العقيدة على مسلمات لا دخل للعقل في مناقشتها أو تعليلها؛ اعتماداً
على ما يشغله الإيمان في العواطف؛ ولذلك نجد أنه شاع بين المسلمين الأوائل
القول بأن هناك إيماناً يطلق عليه " إيمان العوام " أو الإيمان بلا مناقشة.
وهناك أحاديث عديدة تردد ذلك، ولا عجب في ذلك؛ فالإيمان يحتاج قدراً
كبيراً من التسليم، وخاصة بالنسبة للشعائر .. ولذلك أثنى الله على هذا
اللون من التسليم )ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ([سورة الحج:32].
كما حدث الرسول صلى الله
عليه وسلم على الترفع عن الجدل، والخوض في سفسطات التفسير العقيم لأشياء لا
يمكن أن يصل إليها العقل البشري لأنه قاصر؛ ولذلك حث الرسول على التوجه
بالتفكير إلى نعم الله ومخلوقاته، وعدم التفكير في ذاته؛ لأن العقل البشري
لا يعي ذلك.
ولذلك نجد أنفسنا أمام
لون آخر من الإيمان غير إيمان العوام، هو الإيمان الذي يقوم على التفكير
والتدبر، ويمكن أن يقوم جدل في إنكار هذا اللون من الإيمان .. لأن الله
تعالى وصف المؤمنين بأنهم المفكرون: )إِنَّ
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا
أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ
وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ (190 ، 191)([سورة آل عمران].
ولقد قرن القرآن ذكر
المؤمنين لله بالتفكير في بديع خلقه الذي يرونه فيما حولهم من السماوات
والأرض .. بل وفيما يرونه في أنفسهم أيضاً:
)وفي أنفسكم أفلا تبصرون (21) ([سورة الذاريات].
)قل انظروا ماذا في السماوات والأرض (101) ([سورة يونس].
)قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق (20) ([سورة العنكبوت].
3 ـ وهناك معايير كثيرة
فرق الله بها بين من يقوم إيمانهم على العلم ومن يقوم إيمانهم على التسليم
.. فهذا إيمان وهذا إيمان أيضاً، ولكن بينهما فرق، ورفع الله مكانة العلم
والعلماء في أقوال ترددت في مواقع عديدة من القرآن:
)قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون (9) ([سورة الزمر].
)إنما يخشى الله من عباده العلماء (28)([سورة فاطر].
)يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات (11) ([سورة المجادلة].
)شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط (18) ([سورة آل عمران].
وهناك مئات من الآيات .. تنتهي بالدعوة والتذكير والحث على التفكير وتحكيم العقل: )إن في ذلك لآيات لأولي الألباب (15) ([سورة آل عمران]، )ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون (221) ([سورة البقرة]. )أفلا يعقلون (68) ([سورة يس]. )أفلا يبصرون (27) ([سورة السجدة]، )لو كانوا يعلمون (102) ([سورة البقرة]، )أفلا يتفكرون (50) ([سورة الأنعام].
ولا غرابة في أن يقوم
الإيمان في شرع الإسلام على المشاهدة العلمية لعظمة خلق الله .. ليستدل
الإنسان على عظمة الخالق من خلال تدبر إحكام ما خلق ووجوده بحكمة وقدر
واتزان، والآيات التي تردد هذا المعنى متكررة في عدة أماكن من القرآن:
)إنا كل شئ خلقناه بقدر (49) ([سورة القمر].
)والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون (19) ([سورة الحجر].
)الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين (7) ([سورة السجدة].
)وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم (21) ([سورة الحجر].
ولذلك يدعو الإسلام المسلم .. لكي يقلب فكره فيما كبر وما صغر مما خلقه الله محكماً ومتزناً.
ويدلل على ذلك بقصص ..
فيها الدعوة للتأمل فيما حولنا .. وكأنه يقول إن الطبيعة كتاب مفتوح يمكنك
أن ترى فيه ممالك متعددة كلها تحكي قدرة الله الذي أبدع خلقها من إنسان
ونبات وحيوان وجماد استقر بعضها على الأرض، ويوجد بعضها في السماء .. هذا
قمر، وهذه نجوم، وتلك كواكب .. وهذا نور فيه ضياء .. وفيه حرارة، وهذه
ممالك يمكنك أن تراها .. وهناك أخرى لا يمكن أن تراها. وفي هذا كله دعوة
للتفكر في إحكام صنع الله، الذي أحسن كل شئ خلقه، ومنذ خلقه لم يحدث به خلل
ولا اضطراب، ويسير وفق نظام بديع.
5 ـ عندما حث الإسلام
المسلمين على التفكير وزع هذا الاهتمام على ملاحطة الظواهر الطبيعية التي
نراها على الأرض، وفيما حول الأرض من أكوان وأجرام أخرى، وأتت قصة إيمان
سيدنا إبراهيم لتكون تدليلاً على ضرورة شحذ الفكر وكيفية تدرجه مع المنطق:
)وكذلك
نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه
الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى
القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم
الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم
إني برئ مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما
أنا من المشركين (75 ـ 79) ([سورة الأنعام].
وذلك فإن من أهم المجالات
التي تعمق الفكر الإسلامي " الظواهر الكونية " باعتبارها تلقي بروعة
نظامها ودقة تنسيقها في قلب المتأمل أثر ضخامة هذا الكون الذي نعيش فيه،
فتصور له قدرة الخالق الذي خلقه وأبدعه.
ولقد تدرج القرآن بالفكر
فصور كيفية نشأة الكون من غازات أو دخان، ففي صورة مبسطة يصور كيف كان
العالم كتلة واحدة، غازية، وخضعت لقانون الجاذبية، ثم برد بعضها، وتخلفت
عنها الكواكب، وظل البعض الآخر مشتعلاً وهي النجوم، بقوله تعالى:
)قل
أئنكم لتكفرن بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب
العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في
أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض
ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سماوات في يومين
وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير
العزيز العليم (9 ـ 12)([سورة فصلت].
ولقد وردت عدة آيات عن خلق السماوات والأرض في عدة سور من القرآن مثل: )أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما (30) ([سورة الأنبياء]، )وهو الذي خلق السماوت والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء (7) ([سورة هود]، )إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش (3) ([سورة يونس]، )قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق (20) ([سورة العنكبوت].
إن هذه الصور الواضحة
لبدء الخليقة صور علمية دقيقة، استقر عليها أغلب علماء الكونيات، ولم يجدوا
تفسيراً آخر أكثر منطقية مما يطلق عليه " الانفجار العظيم " (Big Bang).
6 ـ ولقد تعرض القرآن
للظاهر الكونية في صيغة القسم بها في مطالع كثير من السور، مما يحفز فكر
المسلم إلى التدبر فيها، ومحاولة استطلاع أمرها، كقوله تعالى:
)والسماء ذات البروج * واليوم الموعود (1 ، 2) ([سورة البروج].
)والسماء والطارق * وما أدراك ما الطارق * النجم الثاقب (1 ـ 3) ([سورة الطارق].
)والفجر * وليال عشر * والشفع والوتر * والليل إذا يسر * هل في ذلك قسم لذي ([سورة الفجر].
)والشمس وضحاها * والقمر إذا تلاها * والنهار إذا جلاها * والليل إذا يغشاها * والسماء وما بناها * والأرض وما طحاها (1 ـ 6) ([سورة الشمس].
)والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * وما خلق الذكر والأنثى * إن سهيكم لشتى (1 ـ 4) ([سورة الليل].
)والضحى * والليل إذا سجى * وما ودعك ربك وما قلى (1 ـ 3) ([سورة الضحى].
7 ـ ولو شئنا أن نمدد
الآيات الكونية في القرآن التي تعرضت للظاهر الفلكية فسنجد أنفسنا أمام هدد
مهول من الآيات، ولكن دعونا ننطلق معاً في رحلة كونية خارج سطح الأرض
لنتجول بين أجرام الكون التي حولنا محلقين في الفضاء، فسنجد أقرب الأجرام
السماوية إلينا هو القمر، ثم تليها الكواكب أخوات الأرض، والتي تدور حول
الشمس خاضعة لها بولاء الجاذبية. ثم نجد أنفسنا وسط تيه من بلايين النجوم
التي تتلألأ في السماء ليلاً، وما هي إلا شموس، قد تفوق شمسنا آلاف أو
ملاين المرات، ويجرنا هذا إلى المجرات أو الجزر الكونية التي تتألف منها
مجموعات النجوم، وهي آلاف مؤلفة، وكل منها يحوي ملايين النجوم. ثم يقودنا
هذا إلى ضرورة التفكير في نهاية الكون المهول الحجم، المكتظ بأجرام سماوية
لا عدد لها ولا حصر.
8 ـ فلو جعلنا كل جرم من
هذه الأجرام السماوية محطة نقف عندها، فسنجد أن الفضاء قد ورد ذكره في
القرآن باعتباره الوسط الذي يعلو سطح الأرض وما حولها من أجواء، ولو عددنا
الآيات التي ذكرت فيها السماء في القرآن فسنجدها بالمئات أو الآلاف:
)الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور (1) ([سورة الأنعام]، )خلق
السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر
الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار (5) ([سورة الزمر]، )رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش (2) ([سورة الرعد].
كما سنجد أن في القرآن تشبيهاً يصور كيف يتخلخل الهواء كلما ارتفعنا صعوداً في السماء: )فمن
يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً
حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون
(125) ([سورة الأنعام].
وكيف يحثنا الله على العلو عن الأرض، صعوداً في السماء بسلطان العلم: )يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان (33) ([سورة الرحمن].
المحطة الكونية الأولى (القمر)
فإذا
مضينا في رحلتنا الفضائية وتوقفنا عند القمر، نجد أنه أقرب أجرام الكون
للأرض، أو هو الباب الذي يمكن أن ننفذ منه إلى الفضاء الفسيح شاسع الأطراف
.. إن الآيات القرآنية قد أوردت فوائده وظواهره وطبيعته:)هو
الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين
والحساب، ما خلق الله ذلك إلا الحق، يفصل الآيات لقومٍ يعلمون (5) ([سورة يونس]، )ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير (29) ([سورة لقمان]، )والشمس
تجري لمستقرٍ لها ذلك تقدير العزيز العليم * والقمر قدرناه منازل حتى عاد
كالعرجون القديم * لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار
كل في فلك يسبحون (38 ـ 40) ([سورة يس]، )فإذا برق البصر * وخسف القمر * وجمع الشمس والقمر * يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر (7 ـ 10) ([سورة
القيامة]. فهذا وصف القمر وتدرج أوجهه، وظاهرة خسوفه، والربط بين ضوئه
وبين الشمس؛ لأن أصل الضوء منها. وحقيقة القمر توصل إليها علماء الفلك على
أنه كان قطعة من الأرض وانفصل عنها في بدء التكوين.
طبيعة القمر:
القمر هو تابع الأرض
الوحيد، وأقرب أجرام السماء إليها؛ إذ يبلغ بعده عنها 239,000 ميل في
المتوسط ـ ألف كيلو متر تقريباً، وهو تابع صغير يزيد قطره عن 1/4 قطر الأرض
بمقدار طفيف، ولا يحتفظ القمر لنفسه بجو خاص به، فهو بفصح عن كل تفاصيل
سطحه.
ويدور القمر حول الأرض
التي تعتبر بمثابة الأم بالنسبة له، فالقول المرجح أنه كان جزءاً منها ثم
انفصل عنها، وهما في حالة انصهار عند بدء تكون المجموعة الشمسية. وكما يدور
القمر حول الأرض كل 1/3 ـ 27 يوماً، يدور كذلك حول محوره دورة كاملة خلال
نفس المدة، ولذلك لا يظهر لنا من سطحه إلا وجه واحد فقط أما الوجه الآخر
فيعتبر مختفياً بالنسبة لأهل الأرض يتعذر النظر إليه. ولم يتيسر معرفة
تفاصيله إلا بعد ما أطلق الاتحاد السوفيتي عام 1959م أحد الأقمار الصناعية
(لونيك ـ 3) فدار حول القمر وصور نصفه المختفي. والناظر إلى سطح القمر يرى
بقعاً لامعة، وظلالاً سوداء، وما ذلك إلا لانعكاس ضوء الشمس على قممه
العالية. فسطح القمر عليه سلاسل من الجبال العالية، كما أن به منخفضات
وشقوقعميقة. ويطلق على هذه المنخفضات مجازاً اسم البحار والمحيطات رغم
خلوها من قطرة ماء. وقد مسح الإنسان القمر بالمناظير المقربة منذ عدة قرون،
ورسم لهذا السطح الخرائط، وأطلق على مرتفعاته ومنخفضاته الأسماء، ثم صور
وجهه المختفي بالأقمار الصناعية وبسفن الفضاء، وسميت تفاصيل هذه الوجه
بأسماء مشاهير العلماء. ولقد تركزت أغلب أبحاث الفضاء في الستينات على جمع
العناصر والقياسات العلمية عن كل ما يتعلق بالقمر بواسطة الأقمار الصناعية
التي توالت من كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. ولقد أوليت عناية
خاصة لدراسة مشاكل الجاذبية فوق القمر، وصلابة تربته وكثافتها، ووجود جو
محيط به من عدمه، واختلاف درجات الحرارة بين ليله ونهاره الطويلين. مع
المسح الطوبوغرافي الدقيق لكل سطحه بالتصوير القريب والبعيد، والمائل
والرأسي، لقياس أعماق شقوقه ومنخفضاته وارتفاع جباله وقممه، ولقد لعبت
سلسلة الأقمار السوفيتية من طراز (كوزموس) دوراً لا ينكر في هذا المجال،
كما أطلقت الولايات المتحدة سلاسل أقمار صناعية عديدة قامت بمهام مماثلة،
حتى تحقق النصر التاريخي للإنسان بالهبوط على سطح القمر في يوليو 1969م ضمن
برنامج " أبوللو " الأمريكي الذي انتهى في ديسمبر 1972م بعد تنفيذ عشرات
الرحلات التي جلب روادها ما يزيد عن 400 كيلو جرام من صخوره.
المحطة الكونية الثانية (الكواكب):
للأرض ثماني أخوات هي
الكواكب، وتكون المنظومة الشمسية، وهي تحتل المركز الثالث في تسلسل البعد
عن الشمس. ويبدأ هذا التسلسل بكوكب عطارد، ثم الزهرة، ثم الأرض، ويليها
المريخ، ثم المشتري، ثم زحل، فأورانوس، ونبتون، ثم بلوتو. وكل الكواكب تدين
بولاء الجاذبية للشمس، في أفلاك متباعدة أو مدارات بيضاوية (Ellipse)،
بحيث تكون الشمس في إحدى بؤرتي هذا الشكل البيضاوي أو الإهليلجي. وأقرب
الكواكب للأرض هو الزهرة (41 مليون كيلو متر)، ويليه المريخ (78 مليون كم)
وآخر الكواكب بلوتو الذي اكتشف عام 1930م يبعد عن الشمس (5900 مليون كم).
وأكبر هذه الكواكب حجماُ هو المشتري؛ إذ يبلغ قطره قدر الأرض 11 مرة،
وبالتالي فإن حجمه قدر حجم الأرض 1295 مرة، ويجذب إليه 12 قمراً، واكتشف
صور سفن " فواياجير ـ 2 " أنها (16) قمراً. ومن أن الآخر يتردد أخبار عن اكتشاف الكوكب العاشر في المنظومة الشمسية، ولكن لم يرسخ هذا الكشف بعد.
المحطة الكونية الثالثة (الشمس):
وفي وقفتنا التالية نجد
الشمس، وهي دعامة الحياة الإنسانية والنباتية والحيوانية على الأرض،
فلولاها لما اكتملت دورة الحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية، والتي
تعتمد على الماء كأساس؛ مصداقاً لقوله تعالى: )وجعلنا من الماء كل شئ حي (30) ([سورة الأنبياء]، )خلق
السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر
الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار (5) ([سورة الزمر]، )ألم تروا كيف خلق الله سبه سماوات طباقاً * وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً (15 ، 16) ([سورة نوح].
طبيعة الشمس:
الشمس أقرب نجوم السماء
إلى الأرض، فبعدها يبلغ 150 مليون كيلو متر (= 92.9 مليون ميل). وهي تبدو
لنا ضخمة الحجم؛ إذ يعادل قطرها قطر الأرض 109 مرة، ويبلغ 864.000 ميل؛
لذلك فإن حجمها يبلغ 1.3 مليون مرة حجم الأرض. وتبدو هذه الكرة النارية
محدودة للناظر إليها من الأرض لأن بعدها كبير عنا. غير أنه رغم هذه الضخامة
البادية في حجمها، فإنها ليست إلا نجماً متواضع الحجم بالقياس إلى النجوم
الأخرى، فكل من هذه النجوم يمكن اعتباره شمساً مع فارق أن بعض هذه النجوم
يفوق شمسنا في الحجم مئات أو آلاف المرات. ولكن من رحمة الله أن أبعادها
عنا مهولة وشاسعة، ويزيد عن بعد الشمس مئات بل آلاف ملايين المرات فيجعلها
تبدو لنا صغيرة، ولا يصل لنا من حرارتها إلا النزر اليسير. ولقد تركز كثير
من أبحاث الفضاء حول الشمس، باعتبارها نواة لمدارات كواكب المجموعة
الشمسية، ولإجراء القياسات العلمية اللازمة عن إشعاعاتها والسنة اللهب التي
تنطلق من سطحها، وقد قامت عدة أقمار صناعية بهذه القياسات خير قيام، ونقلت
للعلماء على الأرض المؤثرات الشمسية على الأرض. وسر اتقاد الشمس أنه يحدث
انصهار عدد (68) عنصراً، أهمها الأيدروجين والهيليوم تحت ضغط (40 مليون ضغط
جوي) ويتوالى انصهار هذه العناصر ذرياً، وتصدر عنها الحرارة والإشعاع
الضوئي مكبلاً بالضغط المهول عليها.
بقلم اللواء سعد شعبان(1)
مقدمة:
1 ـ الرسالة الإيمانية في
الإسلام تقوم على دعامتين، هما: العلم، و " التزكية " ولقد سبق العلم
التزكية؛ لأن التزكية لا يمكن أن تأتي بضربة حظ، ولكنها يمكن أن تأتي
بالعلم.
وهذا تقرره الآية الكريمة: )كَمَا
أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا
وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم
مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ([سورة البقرة].
2 ـ والتزكية أو تطهير
النفس والسمو بها بالإيمان إذا قامت على العلم، فيكون ذلك كالبنيان الذي له
أساس متين؛ ولذلك نجد أن الإيمان له سبيلان، أولهما: سبيل التسليم، أو
بناء العقيدة على مسلمات لا دخل للعقل في مناقشتها أو تعليلها؛ اعتماداً
على ما يشغله الإيمان في العواطف؛ ولذلك نجد أنه شاع بين المسلمين الأوائل
القول بأن هناك إيماناً يطلق عليه " إيمان العوام " أو الإيمان بلا مناقشة.
وهناك أحاديث عديدة تردد ذلك، ولا عجب في ذلك؛ فالإيمان يحتاج قدراً
كبيراً من التسليم، وخاصة بالنسبة للشعائر .. ولذلك أثنى الله على هذا
اللون من التسليم )ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ([سورة الحج:32].
كما حدث الرسول صلى الله
عليه وسلم على الترفع عن الجدل، والخوض في سفسطات التفسير العقيم لأشياء لا
يمكن أن يصل إليها العقل البشري لأنه قاصر؛ ولذلك حث الرسول على التوجه
بالتفكير إلى نعم الله ومخلوقاته، وعدم التفكير في ذاته؛ لأن العقل البشري
لا يعي ذلك.
ولذلك نجد أنفسنا أمام
لون آخر من الإيمان غير إيمان العوام، هو الإيمان الذي يقوم على التفكير
والتدبر، ويمكن أن يقوم جدل في إنكار هذا اللون من الإيمان .. لأن الله
تعالى وصف المؤمنين بأنهم المفكرون: )إِنَّ
فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا
أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ
وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ
يَعْقِلُونَ (190 ، 191)([سورة آل عمران].
ولقد قرن القرآن ذكر
المؤمنين لله بالتفكير في بديع خلقه الذي يرونه فيما حولهم من السماوات
والأرض .. بل وفيما يرونه في أنفسهم أيضاً:
)وفي أنفسكم أفلا تبصرون (21) ([سورة الذاريات].
)قل انظروا ماذا في السماوات والأرض (101) ([سورة يونس].
)قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق (20) ([سورة العنكبوت].
3 ـ وهناك معايير كثيرة
فرق الله بها بين من يقوم إيمانهم على العلم ومن يقوم إيمانهم على التسليم
.. فهذا إيمان وهذا إيمان أيضاً، ولكن بينهما فرق، ورفع الله مكانة العلم
والعلماء في أقوال ترددت في مواقع عديدة من القرآن:
)قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون (9) ([سورة الزمر].
)إنما يخشى الله من عباده العلماء (28)([سورة فاطر].
)يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات (11) ([سورة المجادلة].
)شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط (18) ([سورة آل عمران].
وهناك مئات من الآيات .. تنتهي بالدعوة والتذكير والحث على التفكير وتحكيم العقل: )إن في ذلك لآيات لأولي الألباب (15) ([سورة آل عمران]، )ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون (221) ([سورة البقرة]. )أفلا يعقلون (68) ([سورة يس]. )أفلا يبصرون (27) ([سورة السجدة]، )لو كانوا يعلمون (102) ([سورة البقرة]، )أفلا يتفكرون (50) ([سورة الأنعام].
ولا غرابة في أن يقوم
الإيمان في شرع الإسلام على المشاهدة العلمية لعظمة خلق الله .. ليستدل
الإنسان على عظمة الخالق من خلال تدبر إحكام ما خلق ووجوده بحكمة وقدر
واتزان، والآيات التي تردد هذا المعنى متكررة في عدة أماكن من القرآن:
)إنا كل شئ خلقناه بقدر (49) ([سورة القمر].
)والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون (19) ([سورة الحجر].
)الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين (7) ([سورة السجدة].
)وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم (21) ([سورة الحجر].
ولذلك يدعو الإسلام المسلم .. لكي يقلب فكره فيما كبر وما صغر مما خلقه الله محكماً ومتزناً.
ويدلل على ذلك بقصص ..
فيها الدعوة للتأمل فيما حولنا .. وكأنه يقول إن الطبيعة كتاب مفتوح يمكنك
أن ترى فيه ممالك متعددة كلها تحكي قدرة الله الذي أبدع خلقها من إنسان
ونبات وحيوان وجماد استقر بعضها على الأرض، ويوجد بعضها في السماء .. هذا
قمر، وهذه نجوم، وتلك كواكب .. وهذا نور فيه ضياء .. وفيه حرارة، وهذه
ممالك يمكنك أن تراها .. وهناك أخرى لا يمكن أن تراها. وفي هذا كله دعوة
للتفكر في إحكام صنع الله، الذي أحسن كل شئ خلقه، ومنذ خلقه لم يحدث به خلل
ولا اضطراب، ويسير وفق نظام بديع.
5 ـ عندما حث الإسلام
المسلمين على التفكير وزع هذا الاهتمام على ملاحطة الظواهر الطبيعية التي
نراها على الأرض، وفيما حول الأرض من أكوان وأجرام أخرى، وأتت قصة إيمان
سيدنا إبراهيم لتكون تدليلاً على ضرورة شحذ الفكر وكيفية تدرجه مع المنطق:
)وكذلك
نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه
الليل رأى كوكباً قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى
القمر بازغاً قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم
الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم
إني برئ مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما
أنا من المشركين (75 ـ 79) ([سورة الأنعام].
وذلك فإن من أهم المجالات
التي تعمق الفكر الإسلامي " الظواهر الكونية " باعتبارها تلقي بروعة
نظامها ودقة تنسيقها في قلب المتأمل أثر ضخامة هذا الكون الذي نعيش فيه،
فتصور له قدرة الخالق الذي خلقه وأبدعه.
ولقد تدرج القرآن بالفكر
فصور كيفية نشأة الكون من غازات أو دخان، ففي صورة مبسطة يصور كيف كان
العالم كتلة واحدة، غازية، وخضعت لقانون الجاذبية، ثم برد بعضها، وتخلفت
عنها الكواكب، وظل البعض الآخر مشتعلاً وهي النجوم، بقوله تعالى:
)قل
أئنكم لتكفرن بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب
العالمين * وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في
أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض
ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سماوات في يومين
وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير
العزيز العليم (9 ـ 12)([سورة فصلت].
ولقد وردت عدة آيات عن خلق السماوات والأرض في عدة سور من القرآن مثل: )أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما (30) ([سورة الأنبياء]، )وهو الذي خلق السماوت والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء (7) ([سورة هود]، )إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش (3) ([سورة يونس]، )قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق (20) ([سورة العنكبوت].
إن هذه الصور الواضحة
لبدء الخليقة صور علمية دقيقة، استقر عليها أغلب علماء الكونيات، ولم يجدوا
تفسيراً آخر أكثر منطقية مما يطلق عليه " الانفجار العظيم " (Big Bang).
6 ـ ولقد تعرض القرآن
للظاهر الكونية في صيغة القسم بها في مطالع كثير من السور، مما يحفز فكر
المسلم إلى التدبر فيها، ومحاولة استطلاع أمرها، كقوله تعالى:
)والسماء ذات البروج * واليوم الموعود (1 ، 2) ([سورة البروج].
)والسماء والطارق * وما أدراك ما الطارق * النجم الثاقب (1 ـ 3) ([سورة الطارق].
)والفجر * وليال عشر * والشفع والوتر * والليل إذا يسر * هل في ذلك قسم لذي ([سورة الفجر].
)والشمس وضحاها * والقمر إذا تلاها * والنهار إذا جلاها * والليل إذا يغشاها * والسماء وما بناها * والأرض وما طحاها (1 ـ 6) ([سورة الشمس].
)والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * وما خلق الذكر والأنثى * إن سهيكم لشتى (1 ـ 4) ([سورة الليل].
)والضحى * والليل إذا سجى * وما ودعك ربك وما قلى (1 ـ 3) ([سورة الضحى].
7 ـ ولو شئنا أن نمدد
الآيات الكونية في القرآن التي تعرضت للظاهر الفلكية فسنجد أنفسنا أمام هدد
مهول من الآيات، ولكن دعونا ننطلق معاً في رحلة كونية خارج سطح الأرض
لنتجول بين أجرام الكون التي حولنا محلقين في الفضاء، فسنجد أقرب الأجرام
السماوية إلينا هو القمر، ثم تليها الكواكب أخوات الأرض، والتي تدور حول
الشمس خاضعة لها بولاء الجاذبية. ثم نجد أنفسنا وسط تيه من بلايين النجوم
التي تتلألأ في السماء ليلاً، وما هي إلا شموس، قد تفوق شمسنا آلاف أو
ملاين المرات، ويجرنا هذا إلى المجرات أو الجزر الكونية التي تتألف منها
مجموعات النجوم، وهي آلاف مؤلفة، وكل منها يحوي ملايين النجوم. ثم يقودنا
هذا إلى ضرورة التفكير في نهاية الكون المهول الحجم، المكتظ بأجرام سماوية
لا عدد لها ولا حصر.
8 ـ فلو جعلنا كل جرم من
هذه الأجرام السماوية محطة نقف عندها، فسنجد أن الفضاء قد ورد ذكره في
القرآن باعتباره الوسط الذي يعلو سطح الأرض وما حولها من أجواء، ولو عددنا
الآيات التي ذكرت فيها السماء في القرآن فسنجدها بالمئات أو الآلاف:
)الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور (1) ([سورة الأنعام]، )خلق
السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر
الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار (5) ([سورة الزمر]، )رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش (2) ([سورة الرعد].
كما سنجد أن في القرآن تشبيهاً يصور كيف يتخلخل الهواء كلما ارتفعنا صعوداً في السماء: )فمن
يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً
حرجاً كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون
(125) ([سورة الأنعام].
وكيف يحثنا الله على العلو عن الأرض، صعوداً في السماء بسلطان العلم: )يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا، لا تنفذون إلا بسلطان (33) ([سورة الرحمن].
المحطة الكونية الأولى (القمر)
فإذا
مضينا في رحلتنا الفضائية وتوقفنا عند القمر، نجد أنه أقرب أجرام الكون
للأرض، أو هو الباب الذي يمكن أن ننفذ منه إلى الفضاء الفسيح شاسع الأطراف
.. إن الآيات القرآنية قد أوردت فوائده وظواهره وطبيعته:)هو
الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين
والحساب، ما خلق الله ذلك إلا الحق، يفصل الآيات لقومٍ يعلمون (5) ([سورة يونس]، )ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير (29) ([سورة لقمان]، )والشمس
تجري لمستقرٍ لها ذلك تقدير العزيز العليم * والقمر قدرناه منازل حتى عاد
كالعرجون القديم * لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار
كل في فلك يسبحون (38 ـ 40) ([سورة يس]، )فإذا برق البصر * وخسف القمر * وجمع الشمس والقمر * يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر (7 ـ 10) ([سورة
القيامة]. فهذا وصف القمر وتدرج أوجهه، وظاهرة خسوفه، والربط بين ضوئه
وبين الشمس؛ لأن أصل الضوء منها. وحقيقة القمر توصل إليها علماء الفلك على
أنه كان قطعة من الأرض وانفصل عنها في بدء التكوين.
طبيعة القمر:
القمر هو تابع الأرض
الوحيد، وأقرب أجرام السماء إليها؛ إذ يبلغ بعده عنها 239,000 ميل في
المتوسط ـ ألف كيلو متر تقريباً، وهو تابع صغير يزيد قطره عن 1/4 قطر الأرض
بمقدار طفيف، ولا يحتفظ القمر لنفسه بجو خاص به، فهو بفصح عن كل تفاصيل
سطحه.
ويدور القمر حول الأرض
التي تعتبر بمثابة الأم بالنسبة له، فالقول المرجح أنه كان جزءاً منها ثم
انفصل عنها، وهما في حالة انصهار عند بدء تكون المجموعة الشمسية. وكما يدور
القمر حول الأرض كل 1/3 ـ 27 يوماً، يدور كذلك حول محوره دورة كاملة خلال
نفس المدة، ولذلك لا يظهر لنا من سطحه إلا وجه واحد فقط أما الوجه الآخر
فيعتبر مختفياً بالنسبة لأهل الأرض يتعذر النظر إليه. ولم يتيسر معرفة
تفاصيله إلا بعد ما أطلق الاتحاد السوفيتي عام 1959م أحد الأقمار الصناعية
(لونيك ـ 3) فدار حول القمر وصور نصفه المختفي. والناظر إلى سطح القمر يرى
بقعاً لامعة، وظلالاً سوداء، وما ذلك إلا لانعكاس ضوء الشمس على قممه
العالية. فسطح القمر عليه سلاسل من الجبال العالية، كما أن به منخفضات
وشقوقعميقة. ويطلق على هذه المنخفضات مجازاً اسم البحار والمحيطات رغم
خلوها من قطرة ماء. وقد مسح الإنسان القمر بالمناظير المقربة منذ عدة قرون،
ورسم لهذا السطح الخرائط، وأطلق على مرتفعاته ومنخفضاته الأسماء، ثم صور
وجهه المختفي بالأقمار الصناعية وبسفن الفضاء، وسميت تفاصيل هذه الوجه
بأسماء مشاهير العلماء. ولقد تركزت أغلب أبحاث الفضاء في الستينات على جمع
العناصر والقياسات العلمية عن كل ما يتعلق بالقمر بواسطة الأقمار الصناعية
التي توالت من كل من الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة. ولقد أوليت عناية
خاصة لدراسة مشاكل الجاذبية فوق القمر، وصلابة تربته وكثافتها، ووجود جو
محيط به من عدمه، واختلاف درجات الحرارة بين ليله ونهاره الطويلين. مع
المسح الطوبوغرافي الدقيق لكل سطحه بالتصوير القريب والبعيد، والمائل
والرأسي، لقياس أعماق شقوقه ومنخفضاته وارتفاع جباله وقممه، ولقد لعبت
سلسلة الأقمار السوفيتية من طراز (كوزموس) دوراً لا ينكر في هذا المجال،
كما أطلقت الولايات المتحدة سلاسل أقمار صناعية عديدة قامت بمهام مماثلة،
حتى تحقق النصر التاريخي للإنسان بالهبوط على سطح القمر في يوليو 1969م ضمن
برنامج " أبوللو " الأمريكي الذي انتهى في ديسمبر 1972م بعد تنفيذ عشرات
الرحلات التي جلب روادها ما يزيد عن 400 كيلو جرام من صخوره.
المحطة الكونية الثانية (الكواكب):
للأرض ثماني أخوات هي
الكواكب، وتكون المنظومة الشمسية، وهي تحتل المركز الثالث في تسلسل البعد
عن الشمس. ويبدأ هذا التسلسل بكوكب عطارد، ثم الزهرة، ثم الأرض، ويليها
المريخ، ثم المشتري، ثم زحل، فأورانوس، ونبتون، ثم بلوتو. وكل الكواكب تدين
بولاء الجاذبية للشمس، في أفلاك متباعدة أو مدارات بيضاوية (Ellipse)،
بحيث تكون الشمس في إحدى بؤرتي هذا الشكل البيضاوي أو الإهليلجي. وأقرب
الكواكب للأرض هو الزهرة (41 مليون كيلو متر)، ويليه المريخ (78 مليون كم)
وآخر الكواكب بلوتو الذي اكتشف عام 1930م يبعد عن الشمس (5900 مليون كم).
وأكبر هذه الكواكب حجماُ هو المشتري؛ إذ يبلغ قطره قدر الأرض 11 مرة،
وبالتالي فإن حجمه قدر حجم الأرض 1295 مرة، ويجذب إليه 12 قمراً، واكتشف
صور سفن " فواياجير ـ 2 " أنها (16) قمراً. ومن أن الآخر يتردد أخبار عن اكتشاف الكوكب العاشر في المنظومة الشمسية، ولكن لم يرسخ هذا الكشف بعد.
المحطة الكونية الثالثة (الشمس):
وفي وقفتنا التالية نجد
الشمس، وهي دعامة الحياة الإنسانية والنباتية والحيوانية على الأرض،
فلولاها لما اكتملت دورة الحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية، والتي
تعتمد على الماء كأساس؛ مصداقاً لقوله تعالى: )وجعلنا من الماء كل شئ حي (30) ([سورة الأنبياء]، )خلق
السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر
الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار (5) ([سورة الزمر]، )ألم تروا كيف خلق الله سبه سماوات طباقاً * وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً (15 ، 16) ([سورة نوح].
طبيعة الشمس:
الشمس أقرب نجوم السماء
إلى الأرض، فبعدها يبلغ 150 مليون كيلو متر (= 92.9 مليون ميل). وهي تبدو
لنا ضخمة الحجم؛ إذ يعادل قطرها قطر الأرض 109 مرة، ويبلغ 864.000 ميل؛
لذلك فإن حجمها يبلغ 1.3 مليون مرة حجم الأرض. وتبدو هذه الكرة النارية
محدودة للناظر إليها من الأرض لأن بعدها كبير عنا. غير أنه رغم هذه الضخامة
البادية في حجمها، فإنها ليست إلا نجماً متواضع الحجم بالقياس إلى النجوم
الأخرى، فكل من هذه النجوم يمكن اعتباره شمساً مع فارق أن بعض هذه النجوم
يفوق شمسنا في الحجم مئات أو آلاف المرات. ولكن من رحمة الله أن أبعادها
عنا مهولة وشاسعة، ويزيد عن بعد الشمس مئات بل آلاف ملايين المرات فيجعلها
تبدو لنا صغيرة، ولا يصل لنا من حرارتها إلا النزر اليسير. ولقد تركز كثير
من أبحاث الفضاء حول الشمس، باعتبارها نواة لمدارات كواكب المجموعة
الشمسية، ولإجراء القياسات العلمية اللازمة عن إشعاعاتها والسنة اللهب التي
تنطلق من سطحها، وقد قامت عدة أقمار صناعية بهذه القياسات خير قيام، ونقلت
للعلماء على الأرض المؤثرات الشمسية على الأرض. وسر اتقاد الشمس أنه يحدث
انصهار عدد (68) عنصراً، أهمها الأيدروجين والهيليوم تحت ضغط (40 مليون ضغط
جوي) ويتوالى انصهار هذه العناصر ذرياً، وتصدر عنها الحرارة والإشعاع
الضوئي مكبلاً بالضغط المهول عليها.