الحاجات النفسية في مرحلة الطفولة
د. سميرة حسن ابكر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
إن
الوقوف على حاجات الطفل وعلى كيفية تحقيقها وإشباعها شيء ضروري وهام ؛ لكي
ينمو ويتفتح بشكل متزن في جوانب شخصيته المختلفة :الجسمية والنفسية
والاجتماعية والعقلية والروحية.
و يتولد عن الحاجات دوافع تكون هي المسئولة عن اختلاف سلوك الأطفال
بعضهم عن بعض ؛ولذا فإن فهم طبيعة هذه الدوافع وعلاقتها بنمط شخصية الطفل
يساعد الآباء على وضع إستراتيجية للتعامل مع أبنائهم .
ما هي الدوافع؟
عند الغزالي
الدوافع هي: كل ما يدفع إلى النشاط النفسي أو السلوك مهما كان نوعه حركياً
أو ذهنياً ،وإذا كان الغالب على الدافع أن لا يشعر به،فإن شعرنا به كان
رغبة،وإن قوي واستقر كان عاطفة،فإن الغزالي يستعمل الدوافع بالمعنى الشعوري
غالباً ، وتبدو العواطف من دوافع السلوك الهامة عنده.
ويرى الغزالي أن لكل سلوك دوافع وبواعث وغايات وأهداف، وأن الدوافع
داخلية تستثار بمثيرات خارجية أو بمثيرات داخلية "إن مدخل الآثار المتجددة
في كل قلب إما: من الظاهر عن طريق الحواس الخمس،أو من الباطن عن طريق
الخيال والشهوة والغضب والأخلاق المركبة من مزاج الإنسان،والمقصود أن القلب
في التغير والتأثر دائماً من هذه الأسباب" .
أهمية الدوافع:
من وجهة نظر الغزالي:
1. إن طبيعة الإنسان لا تخلو من مجموعة من الدوافع يقول الغزالي: "اضطررت إلى أن يكون لك ميل إلى ما يوافقك يسمى شهوة".
2.
إن الفكر لا يعمل دون باعث من دافع "فلو خلق الله العقل المعرف بعواقب
الأمور ولم يخلق هذا الباعث على مقتضى العقل لكان حكم العقل ضائعاً على
التحقيق" .
3. إن الإرادة لا تنجزم دون دافع "وكلما كان هذا الدافع قوياً أوجب جزم الإرادة و انتهاض القدرة".
ما هي الحاجة؟
هي نقص يعتري الإنسان في جانب ما ،يسبب حالة من التوتر،وينتج عنها دوافع تحرك السلوك نحو تحقيق الهدف فتحدث التوازن والهدوء.
هدي القرآن في الحاجات:
أقر
القرآن الحاجات على اختلاف أنواعها ووضع لها ضوابط تعمل على تهذيبها
وإشباعها بطريقة تضمن تحقيق التوازن والاعتدال والاستقرار للإنسان ، وتضمن
له بلوغ مستويات من الصحة النفسية، وقد صنفت الحاجات عند علماء النفس ضمن
مجوعتين أساسيتين وهما:
1. حاجات فسيولوجية:
يولد الوليد
وهو مزود بمجموعة كبيرة من الحاجات ذات أهمية في نموه،وهي حاجات فطرية مثل
الحاجة للطعام ،والماء،والنوم،والراحة، والأكسجين ،وتنظيم درجة حرارة
الجسم،والإخراج، ويتوقف بقاء حياة الوليد على إشباع هذه الحاجات، ويكون
إشباعها في هذه المرحلة ذاتي التنظيم،بدون ضبط إرادي ، أو مشاركة نشطة من
الطفل أو الآخرين.
وهناك حاجات بيولوجية لا تشبع ذاتياً مثل الجوع والعطش وإنما تشبع
بمساعدة الآخرين ،وإذا لم يحدث هذا مباشرة تزداد توترات الرضيع وآلمه
،والعلاقات الاجتماعية في إشباع هذه الحاجات من أكثر خبرات الطفل المبكرة
أهمية وتكون لها آثار ثابتة في نمو الشخصية،" فالشخصية هي أسلوب في التوافق
الذي ينتج عن التفاعل بين حاجاته العضوية والبيئة من حوله،سواء كانت هذه
البيئة مشبعة أو محبطة لهذه الحاجات ، خلال توسط جهاز عصبي مركزي مرن
متكيف".
2. حاجات نفسية:
تنمو مع الفرد
مجموعة كبيرة من الدوافع المكتسبة تشتق من الدوافع الأولية تسمى الدوافع
الثانوية،وتُكتَسَب هذه الدوافع من خبراتنا في البيئة وتفاعلنا مع الآخرين،
فكما يسعى الإنسان لحفظ التوازن البيولوجي عن طريق التوازن البدني، فإنه
كذلك يسعى لحفظ التوازن النفسي عن طريق التوازن الانفعالي، وذلك بإشباع
الحاجات الشخصية والاجتماعية التي تستجد على الحاجات البيولوجية نتيجة
خبرات التعلم المبكرة.
وتصبح هذه الدوافع المكتسبة عاملاً مؤثراً هاماً في سلوك الفرد وفي بناء
شخصيته،وتحل محل الدوافع الأولية وتقوم بوظيفتها وتسمى دوافع سيكولوجية
اجتماعية ولا يمكن للفرد أن يحتفظ بتكامل شخصيته إذا لم ينجح في إشباع تلك
الحاجات النفسية والاجتماعية.
ومن أمثلتها:الحاجة للأمن ،وجوهر هذا النوع من الحاجة هو الاهتمام
المتواصل بحفظ الظروف التي تؤكد إرضاء الحاجات أو إشباعها ،سواء كانت طبيعة
هذه الحاجات بيولوجية أو سيكولوجية .
وأكثر حاجات الأمن أهمية هو " الأمن الانفعالي " وينشأ عن شعور الفرد
بأنه سوف يكون قادراً على حفظ علاقات متزنة مرضية مع الناس الذين لهم أهمية
عاطفية في حياته.
ومن الدوافع الاجتماعية الهامة " الحاجة إلى التقدير الاجتماعي " وهي
تتضمن الحاجة إلى إقامة علاقات مع الآخرين،وتشمل الحاجة إلى الحب
،والانتماء ،والقبول الاجتماعي ،والزمالة والرضا،و التبعية،والحاجة إلى
المكانة الاجتماعية واحترام الذات ،وتحقيق الذات،والحاجة للعب،
وللضحك،وللمعرفة.
ومن الدوافع الاجتماعية أيضاً:دافع الثناء واللوم،دافع السيطرة والمنافسة،ودافع جذب الانتباه،ودافع التقليد والتعاطف...إلخ.
وفي هدي القرآن إضافة لم يُسْبَق إليها في مجال دراسة موضوع الحاجات وهي:
الحاجات الروحية:
ومن أمثلتها:
- الحاجة للدين: ويتولد عنها الميل للطاعة والعمل الصالح والعبودية بكل صورها،قال تعالى : {
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ
النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [الروم:30].
- الحاجة للتأمل: وهي ضرورية لزيادة الإيمان وتحفيز الهمم،وتصفية الذهن وتنشيطه وللمبادرة إلى العمل،قال تعالى :{ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } [الأنعام:75].
- الحاجة للمتعة والجمال: لها أثرها على نفسية الفرد وشعوره بالارتياح والبهجة والمسرة قال تعالى : { قُلْ
مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ
وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ
الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [الأعراف:32].
ويقول
ماسلو: " إن الفرد السوي الذي يتمتع بالصحة النفسية السليمة ينزع إلى
البحث عن الجمال بطبيعته،ويفضله كقيمة مطلقة ومستقلة عن أي منفعة مادية".
الآثار الحسنة لإشباع الحاجات:
هذه الحاجات عوامل هامة في ضبط السلوك،حيث أنها تنشأ تحت ضغوط اجتماعية للثقافة التي يعيش فيها الفرد.
والتطور الاجتماعي للدوافع يؤدي إلى الفعل الإرادي وضبط النفس ومن بين
الدوافع الأكثر كموناً والتي تعمل على ضبط أفعال الإنسان هو ما يستحث
الثناء والمديح،وما يحرص على الهرب من النقد والتوبيخ.ويعتمد كل من الضبط
والنمو الأخلاقي على هذه الدوافع الاجتماعية.
وإشباع الحاجات يتولد عنه شخصية إيجابية مرنة قادرة على الإنجاز والتفاعل مع الآخرين بسلام،حسنة التوافق مع المواقف والصعوبات.
الآثار السلبية لعدم إشباع الحاجات:
- إذا لم تشبع حاجات الطفل الفسيولوجية سبب ذلك إحباطاً أساسياً من حاجات النمو الوجداني والاجتماعي وهي الحاجة للأمن.
- عدم إشباع الحاجة للحب والعطف تؤثر تأثيراً سلبياً على نموه الجسمي والعقلي والوجداني.
- إن عدم إشباع الحاجات الفطرية يعرض الطفل للهلاك أو الأمراض،وعدم إشباع الحاجات النفسية يعرضه للاضطرابات والأمراض النفسية.
- وعدم إشباع الحاجات الروحية يجعله فتنة لأمراض القلب.
إن أفضل علاج في مثل هذه الأحوال يبدو في تعويض نقص التدريب أثناء الطفولة،وذلك بما يلي:
- بناء رغبات قوية للحب والعطف والاحترام.
- توفير الوسائل التي تشبع بها تلك الرغبات وأهمها زيادة وتقوية صلة الطفل بربه.
وبذلك يكون الخوف من فقدان تلك الجزآءآت أو المكافآت هو الوسيلة للتنظيم الذاتي الأخلاقي كما يحدث في الفرد السوي.
نماذج من مواقفه صلى الله عليه وسلم في إشباع الحاجات:
إن
الحاجة للسرور والفرح من الحاجات الضرورية للأطفال في البناء
العاطفي؛لأنها تؤثر في أنفسهم تأثيراً قوياً ،وقد حرص الرسول صلى الله عليه
وسلم على تحريك هذا المؤثر في نفوس الأطفال لأنه يورث في النفس الانطلاق
والحيوية،كما أنه يجعل النفس مرنة لتقبل أي أمر أو ملاحظة أو إرشاد.
وقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأطفال أساليب شتى منها
التقبيل،إلقاء التحية،حمل الطفل ووضعه في حجرة،المسح على الرأس،وتقديم
الطعام والأكل معهم،نداءهم بأحب الأسماء إليهم مثل قوله:يا عمير ما فعل
النغير....ومن هذه الحاجات:
الحاجة للعب:
كان الرسول صلى الله
عليه وسلم يرى مجموعة من الأطفال يلعبون فلا يفرقهم، ولا يفسد عليهم
لعبهم،بل يشجعهم على هذه الروح الجماعية والمتابعة في اللعب «يقول يعلى بن
مرة : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ودعينا إلى طعام فإذا حسين يلعب
في الطريق ، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ثم بسط يديه ، فجعل
الغلام يفر هاهنا وهاهنا ، ويضاحكه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذه
فجعل إحدى يديه في ذقنه ، والأخرى في رأسه ثم اعتنقه ثم قال النبي صلى الله
عليه وسلم : حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً ، الحسين سبط من الأسباط » [الأدب المفرد] .
وعن جابر- رضي الله عنه- قال: «دخلت على النبي صلى الله عليه سلم وهو
يمشي على أربع- أي على يديه ورجليه- وعلى ظهره الحسن والحسين وهو يقول:نعم الجمل جملكما،ونعم العدلان أنتما» رواه الطبراني.
الحاجة للتنافس والمكافأة:
إن التنافس يحرك في الطفل مشاعر وطاقات مكنونة لا يعرفها إلا عندما يضع
في نفسه منافسة غيره من الأطفال ليتفوق عليهم والرسول صلى الله عليه وسلم
يثير في نفوس الأطفال روح المنافسة ليحرك هذه الطاقة الهائلة فيهم،ومن
أمثلة ذلك:
المنافسة الفكرية التي طرحها صلى الله عليه وسلم بحضرة الأطفال،أخرج
البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من شجر البوادي شجر لا يسقط ورقها وإنها المسلم فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: وقع في نفسي أنها النخلة...»
ثم حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هي النخلة»
وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يصف عبد الله وعبيد الله بني العباس ثم يقول
من سبق إليّ فله كذا وكذا فيتسابقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم
ويلزمهم.
إن المنافسة تنشط الأطفال وتثير هممهم وتنمي مواهبهم وتزيد معرفتهم
وتنمي روح الجماعة وتدخل السرور والنشوة لديهم وتكسبهم الثقة بأنفسهم
وتدربهم على مواجهة المواقف الصعبة وروح المنافسة وتكسبهم المعرفة بحدود
قدراتهم الحقيقية.
الحاجة للتشجيع:
إن التشجيع
المعنوي أو الحسي عنصر ضروري في تربية الطفل؛لما للتشجيع من دور كبير في
نفس الطفل وفي تقدم حركته الإيجابية البناءة ،وكشف طاقاته الحيوية
،واستمراره في العمل ،وفي تتمة حديث ابن عمر السابق "قال :فلما خرجت مع أبي
،قلت يا أبتاه وقع في نفسي النخلة ،قال وما منعك أن تقولها لو كنت قلتها
كان أحب إليّ من كذا وكذا،قال ما منعني إلا أني لم أراك ولا أبا بكر
تكلمتما فكرهت" [رواه البخاري].
الحاجة للإيمان بالله:
اهتم رسول
الله صلى الله عليه وسلم بهذه الحاجة عند الأطفال وحرص على إشباعها بطريقة
سوية حتى لا يشوبها المعتقدات الخاطئة؛ ولذا أرشد الغلام الذي كان ردفه على
الدابة بقوله : « يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ
الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله , واعلم أن
الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ,
وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ».
هذه غيض من فيض لحكمته صلى الله عليه وسلم في إرضاء الأطفال وتطييب
نفوسهم وإراحتهم بدفع أسباب توترهم وإشباع حاجاتهم الروحية والنفسية
والبدنية.
جزى الله نبينا خير ما جزى نبياً عن أمته، ورزقنا إحياء سنته ،وحشرنا في
زمرته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
المصدر : موقع قصة الإسلام
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
إن
الوقوف على حاجات الطفل وعلى كيفية تحقيقها وإشباعها شيء ضروري وهام ؛ لكي
ينمو ويتفتح بشكل متزن في جوانب شخصيته المختلفة :الجسمية والنفسية
والاجتماعية والعقلية والروحية.
و يتولد عن الحاجات دوافع تكون هي المسئولة عن اختلاف سلوك الأطفال
بعضهم عن بعض ؛ولذا فإن فهم طبيعة هذه الدوافع وعلاقتها بنمط شخصية الطفل
يساعد الآباء على وضع إستراتيجية للتعامل مع أبنائهم .
ما هي الدوافع؟
عند الغزالي
الدوافع هي: كل ما يدفع إلى النشاط النفسي أو السلوك مهما كان نوعه حركياً
أو ذهنياً ،وإذا كان الغالب على الدافع أن لا يشعر به،فإن شعرنا به كان
رغبة،وإن قوي واستقر كان عاطفة،فإن الغزالي يستعمل الدوافع بالمعنى الشعوري
غالباً ، وتبدو العواطف من دوافع السلوك الهامة عنده.
ويرى الغزالي أن لكل سلوك دوافع وبواعث وغايات وأهداف، وأن الدوافع
داخلية تستثار بمثيرات خارجية أو بمثيرات داخلية "إن مدخل الآثار المتجددة
في كل قلب إما: من الظاهر عن طريق الحواس الخمس،أو من الباطن عن طريق
الخيال والشهوة والغضب والأخلاق المركبة من مزاج الإنسان،والمقصود أن القلب
في التغير والتأثر دائماً من هذه الأسباب" .
أهمية الدوافع:
من وجهة نظر الغزالي:
1. إن طبيعة الإنسان لا تخلو من مجموعة من الدوافع يقول الغزالي: "اضطررت إلى أن يكون لك ميل إلى ما يوافقك يسمى شهوة".
2.
إن الفكر لا يعمل دون باعث من دافع "فلو خلق الله العقل المعرف بعواقب
الأمور ولم يخلق هذا الباعث على مقتضى العقل لكان حكم العقل ضائعاً على
التحقيق" .
3. إن الإرادة لا تنجزم دون دافع "وكلما كان هذا الدافع قوياً أوجب جزم الإرادة و انتهاض القدرة".
ما هي الحاجة؟
هي نقص يعتري الإنسان في جانب ما ،يسبب حالة من التوتر،وينتج عنها دوافع تحرك السلوك نحو تحقيق الهدف فتحدث التوازن والهدوء.
هدي القرآن في الحاجات:
أقر
القرآن الحاجات على اختلاف أنواعها ووضع لها ضوابط تعمل على تهذيبها
وإشباعها بطريقة تضمن تحقيق التوازن والاعتدال والاستقرار للإنسان ، وتضمن
له بلوغ مستويات من الصحة النفسية، وقد صنفت الحاجات عند علماء النفس ضمن
مجوعتين أساسيتين وهما:
1. حاجات فسيولوجية:
يولد الوليد
وهو مزود بمجموعة كبيرة من الحاجات ذات أهمية في نموه،وهي حاجات فطرية مثل
الحاجة للطعام ،والماء،والنوم،والراحة، والأكسجين ،وتنظيم درجة حرارة
الجسم،والإخراج، ويتوقف بقاء حياة الوليد على إشباع هذه الحاجات، ويكون
إشباعها في هذه المرحلة ذاتي التنظيم،بدون ضبط إرادي ، أو مشاركة نشطة من
الطفل أو الآخرين.
وهناك حاجات بيولوجية لا تشبع ذاتياً مثل الجوع والعطش وإنما تشبع
بمساعدة الآخرين ،وإذا لم يحدث هذا مباشرة تزداد توترات الرضيع وآلمه
،والعلاقات الاجتماعية في إشباع هذه الحاجات من أكثر خبرات الطفل المبكرة
أهمية وتكون لها آثار ثابتة في نمو الشخصية،" فالشخصية هي أسلوب في التوافق
الذي ينتج عن التفاعل بين حاجاته العضوية والبيئة من حوله،سواء كانت هذه
البيئة مشبعة أو محبطة لهذه الحاجات ، خلال توسط جهاز عصبي مركزي مرن
متكيف".
2. حاجات نفسية:
تنمو مع الفرد
مجموعة كبيرة من الدوافع المكتسبة تشتق من الدوافع الأولية تسمى الدوافع
الثانوية،وتُكتَسَب هذه الدوافع من خبراتنا في البيئة وتفاعلنا مع الآخرين،
فكما يسعى الإنسان لحفظ التوازن البيولوجي عن طريق التوازن البدني، فإنه
كذلك يسعى لحفظ التوازن النفسي عن طريق التوازن الانفعالي، وذلك بإشباع
الحاجات الشخصية والاجتماعية التي تستجد على الحاجات البيولوجية نتيجة
خبرات التعلم المبكرة.
وتصبح هذه الدوافع المكتسبة عاملاً مؤثراً هاماً في سلوك الفرد وفي بناء
شخصيته،وتحل محل الدوافع الأولية وتقوم بوظيفتها وتسمى دوافع سيكولوجية
اجتماعية ولا يمكن للفرد أن يحتفظ بتكامل شخصيته إذا لم ينجح في إشباع تلك
الحاجات النفسية والاجتماعية.
ومن أمثلتها:الحاجة للأمن ،وجوهر هذا النوع من الحاجة هو الاهتمام
المتواصل بحفظ الظروف التي تؤكد إرضاء الحاجات أو إشباعها ،سواء كانت طبيعة
هذه الحاجات بيولوجية أو سيكولوجية .
وأكثر حاجات الأمن أهمية هو " الأمن الانفعالي " وينشأ عن شعور الفرد
بأنه سوف يكون قادراً على حفظ علاقات متزنة مرضية مع الناس الذين لهم أهمية
عاطفية في حياته.
ومن الدوافع الاجتماعية الهامة " الحاجة إلى التقدير الاجتماعي " وهي
تتضمن الحاجة إلى إقامة علاقات مع الآخرين،وتشمل الحاجة إلى الحب
،والانتماء ،والقبول الاجتماعي ،والزمالة والرضا،و التبعية،والحاجة إلى
المكانة الاجتماعية واحترام الذات ،وتحقيق الذات،والحاجة للعب،
وللضحك،وللمعرفة.
ومن الدوافع الاجتماعية أيضاً:دافع الثناء واللوم،دافع السيطرة والمنافسة،ودافع جذب الانتباه،ودافع التقليد والتعاطف...إلخ.
وفي هدي القرآن إضافة لم يُسْبَق إليها في مجال دراسة موضوع الحاجات وهي:
الحاجات الروحية:
ومن أمثلتها:
- الحاجة للدين: ويتولد عنها الميل للطاعة والعمل الصالح والعبودية بكل صورها،قال تعالى : {
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ
النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ
الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [الروم:30].
- الحاجة للتأمل: وهي ضرورية لزيادة الإيمان وتحفيز الهمم،وتصفية الذهن وتنشيطه وللمبادرة إلى العمل،قال تعالى :{ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } [الأنعام:75].
- الحاجة للمتعة والجمال: لها أثرها على نفسية الفرد وشعوره بالارتياح والبهجة والمسرة قال تعالى : { قُلْ
مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ
وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ
الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } [الأعراف:32].
ويقول
ماسلو: " إن الفرد السوي الذي يتمتع بالصحة النفسية السليمة ينزع إلى
البحث عن الجمال بطبيعته،ويفضله كقيمة مطلقة ومستقلة عن أي منفعة مادية".
الآثار الحسنة لإشباع الحاجات:
هذه الحاجات عوامل هامة في ضبط السلوك،حيث أنها تنشأ تحت ضغوط اجتماعية للثقافة التي يعيش فيها الفرد.
والتطور الاجتماعي للدوافع يؤدي إلى الفعل الإرادي وضبط النفس ومن بين
الدوافع الأكثر كموناً والتي تعمل على ضبط أفعال الإنسان هو ما يستحث
الثناء والمديح،وما يحرص على الهرب من النقد والتوبيخ.ويعتمد كل من الضبط
والنمو الأخلاقي على هذه الدوافع الاجتماعية.
وإشباع الحاجات يتولد عنه شخصية إيجابية مرنة قادرة على الإنجاز والتفاعل مع الآخرين بسلام،حسنة التوافق مع المواقف والصعوبات.
الآثار السلبية لعدم إشباع الحاجات:
- إذا لم تشبع حاجات الطفل الفسيولوجية سبب ذلك إحباطاً أساسياً من حاجات النمو الوجداني والاجتماعي وهي الحاجة للأمن.
- عدم إشباع الحاجة للحب والعطف تؤثر تأثيراً سلبياً على نموه الجسمي والعقلي والوجداني.
- إن عدم إشباع الحاجات الفطرية يعرض الطفل للهلاك أو الأمراض،وعدم إشباع الحاجات النفسية يعرضه للاضطرابات والأمراض النفسية.
- وعدم إشباع الحاجات الروحية يجعله فتنة لأمراض القلب.
إن أفضل علاج في مثل هذه الأحوال يبدو في تعويض نقص التدريب أثناء الطفولة،وذلك بما يلي:
- بناء رغبات قوية للحب والعطف والاحترام.
- توفير الوسائل التي تشبع بها تلك الرغبات وأهمها زيادة وتقوية صلة الطفل بربه.
وبذلك يكون الخوف من فقدان تلك الجزآءآت أو المكافآت هو الوسيلة للتنظيم الذاتي الأخلاقي كما يحدث في الفرد السوي.
نماذج من مواقفه صلى الله عليه وسلم في إشباع الحاجات:
إن
الحاجة للسرور والفرح من الحاجات الضرورية للأطفال في البناء
العاطفي؛لأنها تؤثر في أنفسهم تأثيراً قوياً ،وقد حرص الرسول صلى الله عليه
وسلم على تحريك هذا المؤثر في نفوس الأطفال لأنه يورث في النفس الانطلاق
والحيوية،كما أنه يجعل النفس مرنة لتقبل أي أمر أو ملاحظة أو إرشاد.
وقد استخدم الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأطفال أساليب شتى منها
التقبيل،إلقاء التحية،حمل الطفل ووضعه في حجرة،المسح على الرأس،وتقديم
الطعام والأكل معهم،نداءهم بأحب الأسماء إليهم مثل قوله:يا عمير ما فعل
النغير....ومن هذه الحاجات:
الحاجة للعب:
كان الرسول صلى الله
عليه وسلم يرى مجموعة من الأطفال يلعبون فلا يفرقهم، ولا يفسد عليهم
لعبهم،بل يشجعهم على هذه الروح الجماعية والمتابعة في اللعب «يقول يعلى بن
مرة : خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ودعينا إلى طعام فإذا حسين يلعب
في الطريق ، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ثم بسط يديه ، فجعل
الغلام يفر هاهنا وهاهنا ، ويضاحكه النبي صلى الله عليه وسلم حتى أخذه
فجعل إحدى يديه في ذقنه ، والأخرى في رأسه ثم اعتنقه ثم قال النبي صلى الله
عليه وسلم : حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسيناً ، الحسين سبط من الأسباط » [الأدب المفرد] .
وعن جابر- رضي الله عنه- قال: «دخلت على النبي صلى الله عليه سلم وهو
يمشي على أربع- أي على يديه ورجليه- وعلى ظهره الحسن والحسين وهو يقول:نعم الجمل جملكما،ونعم العدلان أنتما» رواه الطبراني.
الحاجة للتنافس والمكافأة:
إن التنافس يحرك في الطفل مشاعر وطاقات مكنونة لا يعرفها إلا عندما يضع
في نفسه منافسة غيره من الأطفال ليتفوق عليهم والرسول صلى الله عليه وسلم
يثير في نفوس الأطفال روح المنافسة ليحرك هذه الطاقة الهائلة فيهم،ومن
أمثلة ذلك:
المنافسة الفكرية التي طرحها صلى الله عليه وسلم بحضرة الأطفال،أخرج
البخاري عن ابن عمر رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من شجر البوادي شجر لا يسقط ورقها وإنها المسلم فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: وقع في نفسي أنها النخلة...»
ثم حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هي النخلة»
وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يصف عبد الله وعبيد الله بني العباس ثم يقول
من سبق إليّ فله كذا وكذا فيتسابقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم
ويلزمهم.
إن المنافسة تنشط الأطفال وتثير هممهم وتنمي مواهبهم وتزيد معرفتهم
وتنمي روح الجماعة وتدخل السرور والنشوة لديهم وتكسبهم الثقة بأنفسهم
وتدربهم على مواجهة المواقف الصعبة وروح المنافسة وتكسبهم المعرفة بحدود
قدراتهم الحقيقية.
الحاجة للتشجيع:
إن التشجيع
المعنوي أو الحسي عنصر ضروري في تربية الطفل؛لما للتشجيع من دور كبير في
نفس الطفل وفي تقدم حركته الإيجابية البناءة ،وكشف طاقاته الحيوية
،واستمراره في العمل ،وفي تتمة حديث ابن عمر السابق "قال :فلما خرجت مع أبي
،قلت يا أبتاه وقع في نفسي النخلة ،قال وما منعك أن تقولها لو كنت قلتها
كان أحب إليّ من كذا وكذا،قال ما منعني إلا أني لم أراك ولا أبا بكر
تكلمتما فكرهت" [رواه البخاري].
الحاجة للإيمان بالله:
اهتم رسول
الله صلى الله عليه وسلم بهذه الحاجة عند الأطفال وحرص على إشباعها بطريقة
سوية حتى لا يشوبها المعتقدات الخاطئة؛ ولذا أرشد الغلام الذي كان ردفه على
الدابة بقوله : « يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ
الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله , واعلم أن
الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ,
وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ».
هذه غيض من فيض لحكمته صلى الله عليه وسلم في إرضاء الأطفال وتطييب
نفوسهم وإراحتهم بدفع أسباب توترهم وإشباع حاجاتهم الروحية والنفسية
والبدنية.
جزى الله نبينا خير ما جزى نبياً عن أمته، ورزقنا إحياء سنته ،وحشرنا في
زمرته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
المصدر : موقع قصة الإسلام