التحرش الجنسي .. من المسئول ؟
التحرش
الجنسي نوع من الإرهاب يمارس ضد المرأة ويؤثر سلبًا على جسدها ونفسيتها
ومعنوياتها, ويكون التحرش إما لفظيًّا وذلك بإسماع المرأة كلمات بذيئة، أو
يكون عن طريق لمس جسد المرأة عنوة أو تحت التهديد، أو أحيانًا يكون بإزعاج
المرأة بالاتصالات الهاتفية.
وظاهرة التحرش قديمة حديثة، حيث عانت معظم المجتمعات هذه الظاهرة؛ فمنذ
القدم حتى يومنا الحاضر كنا نسمع ونقرأ عنها تحدث في مجتمعات مختلفة عنا
بعاداتها وتقاليدها إلا أنها كانت بعيدة عن مجتمعنا حتى وقت قريب، والآن من
يُصدِّق أن هذه الظاهرة تحدث في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؟! فقد بيّن
استطلاع أجرته جريدة أردنية على طالبات الجامعة في الأردن أن 57% من
الطالبات يتعرضن للتحرش من قبل أساتذتهن للحصول على درجات عالية، وشهدت مصر
في ثاني أيام عيد الفطر المبارك حادث مروع من التحرش الجماعي بالفتيات
وبالنساء من مختلف الأعمار في أحد شوارع العاصمة.
وبرغم انتشار هذه الظاهرة بصورة كبيرة إلا أنه لا توجد إحصاءات أكيدة
بهذا الشأن؛ وذلك لأنّ أعداد اللاتي تعرضن للتحرش واعترفن بذلك قليلة
جدًّا، مقارنة بمن كتمن الموضوع وفضَّلْنَ إبقاء الأمر سريًّا جدًّا. حيث
أوردت إحصائية سورية أن 2% فقط من المتحرشات بهن يقدمن الشكوى للجهات
المعنية، فالجميع يحاول إسدال الستار عليها سواءٌ المجتمع أم المرأة نفسها؛
خوفًا من إلحاق العار بها أو بعائلتها، وتحسبًا من إلقاء اللوم عليها
واتهامها بما ليس لها يد فيه. حتى أصبح الصمت والكتمان ثقافة والخجل طبعًا
لا يمكن تجاوزه، برغم أن ثوابت حضارتنا العربية والإسلامية وثقافتنا تنادي
بأنه لا حماية ولا تستر على جريمة المتحرش بالفتاة، وذلك من شأنه أن يردع
الفاسد عن ارتكاب الأخطاء ويوقفه عن تكرار آثامه.
التحرش بالأقارب
وتتعدد صور التحرش
وأنواعه وتبقي أصعبها وأكثرها تأثيرًا ذلك الذي يمارسه المتحرش مع محارمه،
أو ما يسمى بتحرش الأقارب، حيث تروي فتاة في الثانية عشرة من عمرها أنها
تعرضت للتحرش مرتين في عمرها على يد أخيها، وبقيت آثار هذا التحرش في
حياتها لا تفارق مخيلتها، وبرغم زواجها وبنائها لأسرتها تتعهد الفتاة أمام
الله أنها ستحافظ على كيانها وتمنع وقوع مثل هذه الوقيعة بين أفرادها. وهذا
زوجٌ رءوف يعاني آثار حادثة تحرش كانت قد حصلت لزوجته أيام كانت طفلة في
السابعة من عمرها، وتعرضت لتحرش كبير من قبل ابن جيرانهم، فبقيت تعاني
آثاره حتى بعد زواجها، وتعيش علاقة زوجية متوترة.
والتحرش يمكن أن يحدث للمرأة في الأسواق والمستشفيات والأماكن العامة،
والأخطر من هذا كله عندما يحصل لها في بيتها ومع أقرب محارمها، وبرغم ذلك
لا يمكنها الإفصاح عما يحصل لها؛ إذ تعتقد بأنها إذا اشتكت ستعاني -من جراء
الشكوى- أضعاف ما تعانيه من التحرش، فتفضّل التستر على ما حصل لها،
وأحيانًا تخضع لمن يتحرش بها؛ خوفًا من اتهام الآخرين لها، ولكي تظهر بمظهر
مثالي أمام الآخرين، حيث تضع بعض المجتمعات كامل المسئولية على عاتق
المرأة وتبرئ الرجل؛ بحجة أن المرأة لو لم تغرِ الرجل لما تحرش بها.
أسباب مشكلة التحرش الجنسي
وفي
الوقت الذي لا نُبرِّئ كل النساء من التسبب في التحرش بسلوكيات تبدو شاذة
عن أصول المجتمع وتقاليده وقيمه، فمنهن من تتبرج وتتعطر وتخرج من منزلها
بسبب وبدون سبب، فتُعرِّض نفسها للتحرش إن كان ذلك عن قصد أو غير قصد،
لكنها تدعو بذلك النفوس الضعيفة للتحرش بها, إلا أنه علينا أن نعرف أن هناك
أمثلة كثيرة تعرضت فيها المرأة المحتشمة للتحرش؛ وذلك لأننا محاطون بعدد
لا يستهان به من الشباب الطائش المهمل لدينه ودنياه، والمتناسي قواعد
ومبادئ ديننا الحنيف، والذي ترك كل ما هو مهم في حياته واتجه صوب مصادر
الفساد والإفساد، ليتابع القنوات الماجنة والأغاني الهابطة، مرافقًا أصدقاء
السوء متسكعًا هنا وهناك.
العلماء ينصحون:
ينصح علماء الدين
والفقه جميع الأهل بإعادة النظر في تربية أبنائهم ذكورًا وإناثًا واتباع
القواعد الإسلامية في هذا الصدد، وبناء الثقة بأنفسهم، وتعليمهم الحلال
والحرام، والأخلاق والقيم، وكيف يحافظون على حياتهم من كل ما قد يشوبها، أو
يعكر صفوها. ومن الضرورة أن تكون العلاقة بين الأهل والأبناء متينة تشعرهم
بالأمان، وأن يتعلم الأبناء مصارحة الأهل بكل ما قد يسيء إليهم، وبذلك
نحمي أبناءنا من الوقوع في هذه التجربة المريعة، والتي ربما تؤثر في مسيرة
حياتهم, فالعيادات والمستشفيات النفسية تعج اليوم بالكثيرين ممن عجزوا عن
تجاوز آثار التحرش.
الإسلام يحفظ حرمة الآخر
الأديان
السماوية بصورة عامة والدين الإسلامي بصورة خاصة، علّمت الإنسان احترام
أخيه الإنسان، وعلمته أن للآخر حرمة يجب ألاّ يتعداها.. حرمة الحياة، وحرمة
المال، وحرمة العرض والكرامة، والإنسان يجب أن يتلقى هذه المبادئ منذ
طفولته، والقرآن الكريم يوجِّه الأهل إلى أن الطفل قبل أن يبلغ الحلم عليه
أن يستأذن فلا يدخل على والديه في أوقات ثلاث: وهي قبل الفجر ووقت الظهيرة
وبعد العشاء، وبهذه التعاليم اليسيرة يتعلم الطفل أن للآخر حرمة عليه ألاّ
يتعداها، سواء أكان هذا الآخر والديه أم أخوته أم جيرانه أم أصحابه، وهذه
التعاليم تطبق على الجميع دون استثناء..
وهكذا أحفظُ حرمة الناس ويحفظون حرمتي، وبذلك نعيش حياة آمنة، وإن بقي
بعض الشواذ فسيكونون في نطاق ضيق جدًّا وسيجدون أمامهم صعوبات كثيرة.
وعلينا أن نتذكر أن الدين الإسلامي يحارب الفحشاء بكل صورها وأشكالها،
ووضع لها العقوبات التي تؤمن لكل فرد كرامته وإنسانيته، وليتولى كل منا
تربية أولاده تربية صحيحة اعتمادًا على توصيات الدين الإسلامي وبمساعدة بعض
علماء الدين الأفاضل ومساعدة المدرسة والإعلام المرئي والمكتوب وحتى بعض
المراكز الثقافية؛ كي نملأ وقت أطفالنا بكل ما هو مفيد وقيّم، وبذلك يكون
كل فرد محافظًا على كرامة الآخرين واثقًا من نفسه ومن إمكاناته، ولا يسمح
لأي إنسان أن يتعدى عليه، مهما كان نوع هذا التعدي صغيرًا أو كبيرًا.
--------------
سناء موسى
المصدر: شبكة الألوكة.